المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من الذاكرة(مبيت طفل في قضبة)



ga3bor
13 -09- 2010, 06:49 AM
http://www.3mints.info/upload/uploads/de3dcc0f3e.jpg (http://www.3mints.info/upload)
بسم الله الرحمن الرحيم
من الذاكرة.
(مبيت طفل في قضبة)
عذرا ستكون بعض كلمات القصة باللهجة المحلية متبوعة بالمعنى بين قوسين.
في بداية السبعينات من القرن الثالث عشر الهجر كان عمري ثمان سنين تقريبا وكنا نسكن في خبت السر جنوب غرب مركز الطوال وكنت أرعي البهم(صغار الغنم) وفي عصر يوم من أيام الخريف فقدت أحدى البهم,
فتركت باقي البهم قرب البيت واتجهت جنوب شرق باحثا عن الجدية(صغيرة الماعز)المفقودة لعلي أجدها بين أغنام الرعيان الذين اختلط بهمي مع أغنامهم في النهار بالمراعي.
وبحثت بين الأغنام من قطيع لأخر وقبيل الغروب بقليل وجدت جديتي بين غنم أحد الرعاة وعلى بعد 6 كلم تقريبا عن بيتنا.
فأخذتها بإذنها وقدتها لمسافة ثم أطلقتها وجريت أمامها فجرت خلفي.
وفي هذا الوقت رأيت امعشوي(المطر)مقبلا من الجهة الجنوبية الشرقة وتتقدم المخال(المطر)عجاجة(عاصفة رملية) وحينها دب الخوف في قلبي وأسرعت جريا متجها شمالا نحو بيتنا وما هي إلا لحظات حتى دكت(هبت)العجاجة(العاصفة الرملية) وأظلمت الدنيا من حولي من كثافة الرمال التي تحملها العجاجة مع شدة الرياح حتى إنني لم أدري إلى أين أنا متجها ولا أرى حولي إلا أمتار قليلة وبعد لحظات عمت(تهت) لا أعلم أين أنا متجها.


صورة تخيلية تقريبية للوضع تلك اللحظة.
http://www.3mints.info/upload/uploads/f2073b2ed8.jpg (http://www.3mints.info/upload)


وبعد قرابة الثلث ساعة بدأت قطرات المطر تتساقط مع ذرات الغبار وبداء الغبار يتلاشى تدريجيا وشيء فشيء انتهت العجاجة وبداء المطر ينزل بغزارة شيف(مطر مع رياح شديدة) قصف الرعد الشديد ولمعان البرق المتتابع الذي يذهب بالأبصار وبدأت أحس بالبرد وجسمي ينتفض(يرتجف) وذلك مع قرب غروبب الشمس.
وحينما اشتد المطر بدأت أبحث عن شجرة أجبر فيها(أتقي فيها من المطر) لم أجد حولي إلا شجرة تعرف بمنطقتنا بسم القضب وهذه الشجرة لا يتجاوز ارتفاعها المتر والنصف وأغصانها متشابكة ويصعب دخول الإنسان بين أغصانها.


صورة شجرة القضب.
http://www.3mints.info/upload/uploads/fc0e4ca945.jpg (http://www.3mints.info/upload)


تصوروا إخوتي الكرام حال طفل عمره لا يتجاوز ثمان سنوات في خبت خلاء لا يخلو من الوحوش مثل الذئاب والضباع مع اقتراب الليل وحلول الظلام الدامس ويواجه عاصفة رملية هوجاء يليها أمطار عاصفة قوية وغزيرة!!!؟؟؟
المأزق:
وهنا أمسيت في مأزق لا أحسد عليه حيث أنه من المتعارف عليه بمنطقتنا أن شجر القضب مساكن للجن ومن سكن أو مكث في شجرة القضب أما تؤذيه الجن أو تصيبه قرقعة(صاعقة) من الصواعق التي يسلطها الله على الجن التي تسكن أشجار القضب.
وطفل ألثمان سنوات لا يحتمل المطر الغزير المصحوب بالعواصف القوية ولم يجد ما يحتمي به من المطر الغزير غير هذه القضبة.
وفي هذه الحال لم أجد بدا من الولوج بهذه القضبة ولو كان بها جنون وعفاريت الدنيا كلها أو تنزل عليها كل قراقع(صواعق) السماء للاحتماء فيها من زخات المطر القوية التي كادت تؤدي بحياتي.
وفعلا أويت للقضبة وقد غطت حقال المطر الأرض حول القضبة ولكن من حسن الحظ كانت أرضية القضبة مرتفعة قليلا عما حولها من الأرض ولم تغمرها مياه المطر ولكن القضبة لا تغني ولا تسمن من جوع. لم أستطع الدخول بين أغصانها ولم تحميني جوانبها من المطر.
وبما أن المطر يأتي من الجنوب الشرقي فاضطررت أن أخفي خفرة(أحفر حفرة) في الجانب الشمالي الغربي من القضبة لألتجئ بها من المطر.


صورة من الخيال تقريبية للوضع تلك الحظة.
http://www.3mints.info/upload/uploads/6df62fc19e.jpg (http://www.3mints.info/upload)


وفعلا حفرت الحفرة وتكعولت(تقرفصت)فيها وجديتي ربضت بجانبي ولم تحرك ساكنا.
وأظلم الظلام واستمر هطول المطر بغزارة واشتد بي البرد وجسمي ينتفض(يرتجف) من شدة البرد والخوف من الجن والقراقع وانتظرت انقطاع المطر لأذهب الأهلي ولكن دون جدوى وطال انتظاري وتخيلت أن القرقعة تراني في القضبة وتحسبني جني فتنطلق على وتحرقني وفي تلك الحالة الرهيبة بين قوة زخات المطر الغزير والخوف من الجن والقراقع غشيتني رحمة ربي وغشيني النوم ونمت بحفظ ربي بتلك الحفرة بجانب تلك القضبة طوال الليل ولم يصبني مكروه وكذلك جديتي لم يسري بها ذيب(ذئب) وكل ذلك بفضل الله تعالى مع العلم أن الذئاب في تلك الفترة من الزمان كانت كثيرة جدا.
وبعد أن أصحى(انقطع)المطر أثناء الليل فقدوني أهلي وبدءوا البحث عني وتفرقوا بين سكان الخبت ينشدون(يسألون) عني وقيل لهم رأيناه قبل المخال ومعه جدية متجها إلى جهة بيوتكم.
وهنا ساورهم القلق على مصيري وبداء الوالد والأخوان يرحمهم الله ويسكنهم فسيح جناته مع الأعمام والأخوال والجيران يرحم الله من مات منهم ويحفظ من بقي منهم على قيد الحياة في طاعة الله. وبداء الجميع البحث وأشعلوا المسارج(جمع سراج)لأن ذلك الوقت كان السراج هو الوسيلة الوحيدة للإنارة بمنطقتنا مع العلم أن السراج ليس فعالا مع هبوب الرياح وينطفئ أدني نسمة هواء وجابوا الخبت يبحثون ويزهمون(ينادون) علي ولا مجيب ولم يجدوني وأنا راقد مع جديتي بخفرتي بجانب امقضبة.
ولما أعياهم البحث ولم يجدوني رجعوا للبيوت وباتوا ليلهم يفكرون بأمري وما هو المصير الذي صرت إليه مع تلك العجاجة والمطر الغزير القوي الذي أعقبها.
وفي الصباح الباكر هرع الكل للبحث عني ومن الناحية الأخرى أنا صحيت من النوم وفرحت وحمدت الله لما وجدت الصباح قد أصبح وأنا وجديتي بخير ولم نصاب بسوء لا من جن القضب ولا من القراقع التي تسلط على جن القضب ولم أصاب بأذى بحمد الله تعالى.
فنهضت ونفضت حوكي من الخسع(التراب المبتل بالماء)وتوزرت وانطلقت متجها إلى البيت وتبعتني جديتي.
ومع شروق الشمس التقينا أنا وأهلي الباحثين عني بمنتصف المسافة بين القضبة التي قضيت ليلتي بها وبيوت أهلي.
وهنا جاءت الأسلة فيانك(أينك)وفيان بته(أين أمسيت)وكيف الله قلبك مع امعجاجة واممطر(كيف الله نجاك من العاصفة الرملية والمطر)؟؟؟
وجاءهم جوابي:والله نشرت أدور ورى جديتي حتى لقيتوها بين غنم امقيوس(القيوس) وأنا مروح هبت عليه امعجاجة وأنا في عداية امطيرية وهربت شام(شمال) وهله عليه اممطر وأنا في حضنة امصلى(مكان قليل الأشجار يسمى المصلى) وما لقيت ولا هيجة أجبر فيها إلا امقضبة اللي في امعذير(التلة الرملية)فقالوا لي ومن هو يجبر في امقضب وامقضب ما ينجي حد من اممطر وما فيها لمجنون وتتساقط عليه امقراقع مع اممطر؟؟؟
فقلت لهم والله خفرتولي خفرة بجمب امقضبة وجبرته فيها ونمت وما قمت لذحينه,
وراحوا يتداولون فيما بينهم هل هو صادق بات في امقضبة أم أنه بات عند أحد الساكنين في امخبت وأتانا في الصباح يكذب علينا وأصبحوا بين مصدق ومكذب لما قلت لهم.
فذهب أحد أخواني يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته إلى امقضبة التي ذكرت أنني بت ليلتي فيها وواجد الحفرة ووجد قفري(أثري) يوم انطلقت منها باكرا ولم يجد قفري(أثري) عند القدوم للقضبة لأن المطر يمحي(يزيل)الأثر الذي قبل سقوط المطر.
وعاد أخي للأهل بالخبر الذي يثبت صحة ما قلته لهم.
وبعد وصولي البيت وفصخت(أفطرت) ظهر على ديمي(جلدي) سوف(حساسية) فمرخوني بدهنة(سمن بلدي)مع ملح وبعد فترة وجيزة شفيت من ذلك السوف(تلك الحساسية) والحمد لله رب العالمين.
وإلى اللقاء مع حلقة جديدة من الذاكرة بإذن الله تعالى.