واحد يحب صامطة
28 -07- 2005, 09:27 PM
... في اللقاء الخليجي بين الجامعات ، وهو اجتماع يقام كل سنة في دولة من دول الخليج كنت واحدا من الحاضرين ، هنا في المملكة ، وفي جامعة من جامعاتها ، كانت العزة والأنفة بادية بجلاء عند الخليجي ( كويتي ـ إماراتي ـ عماني ..... ألخ ) إزاء ذلة وانكسار من نظيرهم السعودي ، هنا وفي هذا اللقاء رأيت العزة تقابل الذلة ، الشموخ يقابل الخضوع ، الخليجي واثق الخطوة ، والسعودي متعثر المشية ، كما لو كان شحاذا ، قدر له أن يحضر مع علية القوم ، نظرات الخليجي واثقة ، وحادة وتعرف طريقها ، والسعودي زائغ النظرات ، لا تعلم إلى أين يصوب بصره ، ولا إلى أين يتجه ، وليس غريبا ولا مدهشا أن ترى الأكاديمي السعودي وقد تكوم على كرسيه بجوار الخليجي ، وهو يحدثه عن رغبته في الانتقال إلى الإمارات أو سواها ، حديث مؤلم على النفس ، ويتنافى مع الوطنية ، بل وليس غريبا أن تسمع آخر ، وقد أنفرد بطالب من هذه الدولة أو تلك يحدثه عن ذات الرغبة ، مهانة حقيقية تراها رأي العين ، تذكرني بالعمالة المصرية في أحاديثهم مع الطلاب السعوديين في أرض الكنانة ، بصيص من الأمل يتعلق به هؤلاء وأولئك ، ذات اللغة المنكسرة ، وذات الذلة ، ذلة الحاجة ، غير أنها هنا أكبر وأعظم ، ذلك أنها صادرة من أساتذة لهم مكانتهم ، ولهم علميتهم
قلت لأحدهم : أين الوطنية ، قال : الوطنية في إحساسك بالتكريم ، هي حب بحب ، وعطاء بعطاء واحتضان باحتضان ، لا وجود لذلك الحب من طرف واحد كما في الأفلام الرومانسية ، هذا الحب محكوم عليه بالفشل ، ورغم صدقه في تعبيره ، وحرارة لغته ، إلا أني لا زلت أعتبر الهجرة إلى الخليج إهانة أكبر ، وإن كنت في الوقت نفسه لا ألومه ، ولا يمكن لمنصف أن يلومه .
مشهد آخر ، لأستاذ له قبول عند طلابه ، رجل بكل القيم التي تحملها هذه المفردة ، أنيق المظهر والمخبر ، تحول فجأة إلى شريطي للغنم والطيور في المزغدية الواقعة في أطراف الطائف ، تحول مهول ومروع بحق ، قلت له وحشرات سوداء صغيرة تتطاير من ثيابه المهلهلة : للوظيفة الجامعية وهي في الأساس رسالة كما تعلم آداب ، معلنة ومخفية ، منها احترام الذات تبعا لاحترام الرسالة ، قال / كنت أقول ذلك ، بل كنت مؤمنا بذلك ، غير أن الواقع هو الواقع ، والمر لا يمكن أن يتحول إلى حلو ، هذا الأستاذ معروف لأهل الطائف ، إذا ما دخل الحلبة ، حلبة الغنم والطيور بأشكالها سمعت المنادي عليه بلقبه العلمي ، يا دكتور ( ... ) ، يقول كنت في البداية أتضايق من اللقب ، والآن أحس بتبلد فلا يعنيني أن يقول ( دكتور أو ثور ) ، كل الألقاب تتساوى ما دام أني أكسب ، لعن الأسهم التي خسر فيها أو سرق بعبارة أدق ، ودعا للحلبة أو الحلقة ، للأغنام والطيور ، ثم صب لعناته على الدكتوراه وعلى الجامعة التي يعمل بها .
آخر في جامعة ومن جدة ، له ابن لم يكمل الإعدادي ، احترف قبل سنوات في أحد الفرق الكبيرة وكان مرتبه ضعف مرتب والده الأستاذ الجامعي ، قال : هذه من غرائب ما وقع لي ، دعا لولده اللاعب وهو يرثي لحاله ، وحال الطاسة الضائعة ، ثم استرجع وقال : لم أخف على أحد بقدر خوفي عليه ، كان صائعا بحق ، حياته لعب في لعب ، ويبدو أني أولى بالخوف على نفسي من الخوف عليه ، وختم بمقطع من أغنية محمد عبده ( يا زمان العجائب ، وش بعد ما ظهر ) غناها ورأسه كفانوس يتدلى من السقف بحركاته الفوضوية غير المتزنة .
قال أحد الأساتذة ، وهي من النوادر المحكية ، كنت أشرف على طالب خليجي في الماجستير ، وكان يسألني ببراءة أحيانا عن راتبي ، فما أجدني إلا وقد نهرته ، قائلا : عيب ، السؤال عن الراتب عيب ، في تقاليدنا ، هو سؤال حريم ومحرم ، ثم يقول أكتم ضحكاتي أثناء ذلك ، وشر البلية ما يضحك إذ أن مرتب هذا المعيد الخليجي ضعف مرتبي بالتمام والكمال ، وأنا ابن الشقيقة الكبرى ، ابن السعودية ، ثم يردف بالدعاء ، يااااااارب ، يساوون بيننا وبين طلاب الخليج ، لا نريد أكثر ( ونبوس الكف ظهر وبطن ) ضحك حتى أبتل شاربه الكث ، قال : الحمد لله على العافية ، إحنا أحسن من غيرنا ... من الموريتانيين والصوماليين والأثيوبيين ، وهلم جرجر .
صديقي المعيد ، قبل سنوات طبعا ، قال : وأنا في زمن الطلب ، الله لا يعيده من طلب ، وكنت عزابيا منتفا ، رأيت العامل عندي وكان من الهند ، يقوم بأعمال المنزل ، رأيته وقد أهتم واكتأب وكأن على رأسه الطير ، قلت له : ماذا بك ، يا أخا الحضارات ، قال قلتها بالمكسر أي ( إش فيه مشكلة صديق ) ثم بدأ يشكي لي حاله ، وفقره ، ...، قلت أتدري أنك أفضل مني ، هل تملك بيتا في الهند قال نعم ، هل أنت متزوج ، قال ومخلف بعد ، هل عندك رصيد في البنك قال نعم ثم قلت له : والله وبالله وتالله لا أملك شيئا مما تملكه ، فتفرجت أساريره ، وما كنت أنها ستتفرج لولا أن فرجها الله ، بوضع النقاط على الحروف ، ثم أردف قائلا : استقبلت القبلة في ساعة إجابة ، وقلت : اللهم مثله بلا زيادة ، حذو القذة بالقذة ، وقد كان بعد إلحاح في الدعاء
المقال يطول ، لولا ضيق المقام ، ولعلي أختم بتلك الحكاية التي يقال بأنها فنتازية , وأرها غير ذلك ، يقول الراوي والذمة عليه ، سطا لص هجام فاتك على أتوبيس كان محملا بعلية القوم وبسفلتهم أخذ مال الرقاصة ( لا حد يقول ما عندنا رقاصات ) ولهف مال التاجر ، وأردف بالمقاول ، ولم ينس الوجيه ، وهكذا حتى وصل إلى دكتور في الجامعة ، تأمله من شكله ، وقال : أراك بائسا يا أخي ، هل أنت تعمل في جامعة سعودية ،قال : أي والله ، ومن رفع السماء بلا عمد ، قال : خذ هذا المال استعن به على حوائج الدهر ، الله يهديك ، وهل هذه شغلة ؟ قال : نعم إنها رسالة ، قال اللص الفاتك أظنها دعوة مظلوم ، استجاب الله لها ، إذهب راشدا ، واستسمح ممن دعا عليك ، قال الدكتور : أذكر دعوة لأمي دعتها لي ولعلها انقلبت على ، قالت : اللهم اجعل ابني هذا دكتورا في الجامعة لأنها رأت ابن الجيران ، ( من بره الله الله ومن جوه يعلم الله ) في ساعة السحر ، قال الدكتور لأمه يمه ، ادعي علي هذه المرة ولا تدعي لي ، قالت : اللهم اجعله لصا ، ومزق دكتوراته كل ممزق إنك ولي ذلك والقادر عليه ، قال الدكتور : لقد أبلغت في الدعاء رعاك المولى ، ولا زال من وقته ذاك متعلقا بتباشير الدعوة
قلت لأحدهم : أين الوطنية ، قال : الوطنية في إحساسك بالتكريم ، هي حب بحب ، وعطاء بعطاء واحتضان باحتضان ، لا وجود لذلك الحب من طرف واحد كما في الأفلام الرومانسية ، هذا الحب محكوم عليه بالفشل ، ورغم صدقه في تعبيره ، وحرارة لغته ، إلا أني لا زلت أعتبر الهجرة إلى الخليج إهانة أكبر ، وإن كنت في الوقت نفسه لا ألومه ، ولا يمكن لمنصف أن يلومه .
مشهد آخر ، لأستاذ له قبول عند طلابه ، رجل بكل القيم التي تحملها هذه المفردة ، أنيق المظهر والمخبر ، تحول فجأة إلى شريطي للغنم والطيور في المزغدية الواقعة في أطراف الطائف ، تحول مهول ومروع بحق ، قلت له وحشرات سوداء صغيرة تتطاير من ثيابه المهلهلة : للوظيفة الجامعية وهي في الأساس رسالة كما تعلم آداب ، معلنة ومخفية ، منها احترام الذات تبعا لاحترام الرسالة ، قال / كنت أقول ذلك ، بل كنت مؤمنا بذلك ، غير أن الواقع هو الواقع ، والمر لا يمكن أن يتحول إلى حلو ، هذا الأستاذ معروف لأهل الطائف ، إذا ما دخل الحلبة ، حلبة الغنم والطيور بأشكالها سمعت المنادي عليه بلقبه العلمي ، يا دكتور ( ... ) ، يقول كنت في البداية أتضايق من اللقب ، والآن أحس بتبلد فلا يعنيني أن يقول ( دكتور أو ثور ) ، كل الألقاب تتساوى ما دام أني أكسب ، لعن الأسهم التي خسر فيها أو سرق بعبارة أدق ، ودعا للحلبة أو الحلقة ، للأغنام والطيور ، ثم صب لعناته على الدكتوراه وعلى الجامعة التي يعمل بها .
آخر في جامعة ومن جدة ، له ابن لم يكمل الإعدادي ، احترف قبل سنوات في أحد الفرق الكبيرة وكان مرتبه ضعف مرتب والده الأستاذ الجامعي ، قال : هذه من غرائب ما وقع لي ، دعا لولده اللاعب وهو يرثي لحاله ، وحال الطاسة الضائعة ، ثم استرجع وقال : لم أخف على أحد بقدر خوفي عليه ، كان صائعا بحق ، حياته لعب في لعب ، ويبدو أني أولى بالخوف على نفسي من الخوف عليه ، وختم بمقطع من أغنية محمد عبده ( يا زمان العجائب ، وش بعد ما ظهر ) غناها ورأسه كفانوس يتدلى من السقف بحركاته الفوضوية غير المتزنة .
قال أحد الأساتذة ، وهي من النوادر المحكية ، كنت أشرف على طالب خليجي في الماجستير ، وكان يسألني ببراءة أحيانا عن راتبي ، فما أجدني إلا وقد نهرته ، قائلا : عيب ، السؤال عن الراتب عيب ، في تقاليدنا ، هو سؤال حريم ومحرم ، ثم يقول أكتم ضحكاتي أثناء ذلك ، وشر البلية ما يضحك إذ أن مرتب هذا المعيد الخليجي ضعف مرتبي بالتمام والكمال ، وأنا ابن الشقيقة الكبرى ، ابن السعودية ، ثم يردف بالدعاء ، يااااااارب ، يساوون بيننا وبين طلاب الخليج ، لا نريد أكثر ( ونبوس الكف ظهر وبطن ) ضحك حتى أبتل شاربه الكث ، قال : الحمد لله على العافية ، إحنا أحسن من غيرنا ... من الموريتانيين والصوماليين والأثيوبيين ، وهلم جرجر .
صديقي المعيد ، قبل سنوات طبعا ، قال : وأنا في زمن الطلب ، الله لا يعيده من طلب ، وكنت عزابيا منتفا ، رأيت العامل عندي وكان من الهند ، يقوم بأعمال المنزل ، رأيته وقد أهتم واكتأب وكأن على رأسه الطير ، قلت له : ماذا بك ، يا أخا الحضارات ، قال قلتها بالمكسر أي ( إش فيه مشكلة صديق ) ثم بدأ يشكي لي حاله ، وفقره ، ...، قلت أتدري أنك أفضل مني ، هل تملك بيتا في الهند قال نعم ، هل أنت متزوج ، قال ومخلف بعد ، هل عندك رصيد في البنك قال نعم ثم قلت له : والله وبالله وتالله لا أملك شيئا مما تملكه ، فتفرجت أساريره ، وما كنت أنها ستتفرج لولا أن فرجها الله ، بوضع النقاط على الحروف ، ثم أردف قائلا : استقبلت القبلة في ساعة إجابة ، وقلت : اللهم مثله بلا زيادة ، حذو القذة بالقذة ، وقد كان بعد إلحاح في الدعاء
المقال يطول ، لولا ضيق المقام ، ولعلي أختم بتلك الحكاية التي يقال بأنها فنتازية , وأرها غير ذلك ، يقول الراوي والذمة عليه ، سطا لص هجام فاتك على أتوبيس كان محملا بعلية القوم وبسفلتهم أخذ مال الرقاصة ( لا حد يقول ما عندنا رقاصات ) ولهف مال التاجر ، وأردف بالمقاول ، ولم ينس الوجيه ، وهكذا حتى وصل إلى دكتور في الجامعة ، تأمله من شكله ، وقال : أراك بائسا يا أخي ، هل أنت تعمل في جامعة سعودية ،قال : أي والله ، ومن رفع السماء بلا عمد ، قال : خذ هذا المال استعن به على حوائج الدهر ، الله يهديك ، وهل هذه شغلة ؟ قال : نعم إنها رسالة ، قال اللص الفاتك أظنها دعوة مظلوم ، استجاب الله لها ، إذهب راشدا ، واستسمح ممن دعا عليك ، قال الدكتور : أذكر دعوة لأمي دعتها لي ولعلها انقلبت على ، قالت : اللهم اجعل ابني هذا دكتورا في الجامعة لأنها رأت ابن الجيران ، ( من بره الله الله ومن جوه يعلم الله ) في ساعة السحر ، قال الدكتور لأمه يمه ، ادعي علي هذه المرة ولا تدعي لي ، قالت : اللهم اجعله لصا ، ومزق دكتوراته كل ممزق إنك ولي ذلك والقادر عليه ، قال الدكتور : لقد أبلغت في الدعاء رعاك المولى ، ولا زال من وقته ذاك متعلقا بتباشير الدعوة