رديمة
31 -03- 2011, 08:36 PM
يحتج الكثير من الناس في ترك الأمر بالمعروف والهي عن المنكر بقوله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
(المائدة:105)
ومن تأملها .. وجد فيها النهج العظيم الأسلوب القويم تجاه مانراه أمامنا من منكرات ..
شيخ الاسلام ابن تيميه - رحمه الله - .. كتب في تفسير هذه الآية فوائد جمة ..
حريٌ بنا قراءتها وتأملها ..
يقول شيخ الإسلام :
قوله ـ تعالى علواً كبيراً: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:
105]، لا يقتضى ترك الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، لا نهياً ولا إذناً،
كمافي الحديث المشهور فى السنن عن أبى بكر الصديق ـ رضى اللّه عنه ـ أنه خطب على منبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال:أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونهافى غير موضعها، وإني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذارأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يَعُمَّهُم اللّه بعقاب منه).
وكذلك فى حديث أبى ثعلبة الخشنى ـ مرفوعا ـ في تأويلها:
(إذارأيت شُحّا مُطاعا، وهَوًى متبعًا، وإعجاب كل ذى رأى برأيه، فعليك باصة نفسك). وهذا يفسره حديث أبى سعيد فى مسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). فإذاقوى أهل الفجور حتى لا يبقي لهم إصغاء إلى البر، بل يؤذون الناهي لغلبة الشح والهوى والعجب سقط التغيير باللسان فى هذه الحال، وبقى بالقلب.
والشح هو شدة الحرص التى توجب البخل والظلم، وهو منع الخير وكراهته،و(الهوى المتبع) فى إرادة الشر ومحبته و(الإعجاب بالرأى) فى العقل والعلم،فذكر فساد القوى الثلاث التى هي العلم والحب والبغض، كما فى الحديث الآخر:(ثلاث مهلكات، شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)، وبإزائها الثلاث المنجيات:(خشية اللّه فى السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، وكلمة الحق فى الغضب والرضا)، وهي التى سألها في الحديث الآخر:(اللهم إني أسألك خشيتك فى السر والعلانية، وأسألك كلمة الحق فى الغضب والرضا، وأسألك القصد فى الفقر والغنى).
فخشية اللّه بإزاء اتباع الهوى؛ فإن الخشية تمنع ذلك، كما قال:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات:40]، والقصد فـي الفقـر والغنى بإزاء الشح المطاع، وكلمة الحق فى الغضب والرضا بإزاء إعجاب المرء بنفسه، وما ذكره الصديق ظاهر؛ فإن اللّه تعالى قال: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} أي: الزموها وأقبلواعليها، ومن مصالح النفس فعل ما أمرت به من الأمر والنهي، وقال: {لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّإِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإنما يتم الاهتداء إذا أطيع الله وأدى الواجب من الأمر النهي وغيرهما، وفي الآية فوائد عظيمة:
أحدها: ألا يخاف المؤمن من الكفار والمنافقين فإنهم لن يضروه إذاكان مهتديا.
الثاني: ألا يحزن عليهم ولا يجزع عليهم؛ فإن معاصيهم لا تضره إذا اهتدى، والحزن على ما لا يضر عبث، وهذان المعنيان مذكوران فى قوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّايَمْكُرُونَ} [النحل: 127].
الثالث: ألا يركن إليهم، ولا يمد عينه إلى ما أوتوه من السلطان والمال والشهوات، كقوله: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًامِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [الحجر:88]، فنهاه عن الحزن عليهم والرغبة فيما عندهم فى آية، ونهاه عن الحزن عليهم والرهبة منهم فى آية،فإن الإنسان قد يتألم عليهم ومنهم، إما راغبا وإما راهباً.
الرابع: ألا يعتدى على أهل المعاصي بزيادة على المشروع فى بغضهم أو ذمهم، أو نهيهم أو هجرهم، أو عقوبتهم، بل يقال لمن اعتدى عليهم: عليك نفسك لايضرك من ضل إذا اهتديت، كما قال: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} الآية[المائدة:8]، وقال: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَتَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:190]، وقال: {فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة:193]، فإن كثيراً من الآمرين الناهين قديتعدى [فى المطبوعة:يعتدى: والصواب ما أثبتناه] حدود اللّه، إما بجهل وإمابظلم، وهذا باب يجب التثبت فيه، وسواء في ذلك الإنكار على الكفار والمنافقين والفاسقين والعاصين.
الخامس: أن يقوم بالأمر والنهي على الوجه المشروع، من العلم والرفق، والصبر، وحسن القصد، وسلوك السبيل القصد؛ فإن ذلك داخل في قوله:{عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} وفى قوله: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.
فهذه خمسة أوجه تستفاد من الآية لمن هو مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيها المعنى الآخر، وهو إقبال المرء على مصلحة نفسه علما وعملا،وإعراضه عما لا يعنيه، كما قال صاحب الشريعة: (من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه)، ولاسيماكثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه،لاسيما إن كان التكلم لحسد أو رئاسة ..
مجموع الفتاوى
ج 14
نفعنا الله وإياكم ..
منقول
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
(المائدة:105)
ومن تأملها .. وجد فيها النهج العظيم الأسلوب القويم تجاه مانراه أمامنا من منكرات ..
شيخ الاسلام ابن تيميه - رحمه الله - .. كتب في تفسير هذه الآية فوائد جمة ..
حريٌ بنا قراءتها وتأملها ..
يقول شيخ الإسلام :
قوله ـ تعالى علواً كبيراً: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:
105]، لا يقتضى ترك الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، لا نهياً ولا إذناً،
كمافي الحديث المشهور فى السنن عن أبى بكر الصديق ـ رضى اللّه عنه ـ أنه خطب على منبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال:أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونهافى غير موضعها، وإني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذارأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يَعُمَّهُم اللّه بعقاب منه).
وكذلك فى حديث أبى ثعلبة الخشنى ـ مرفوعا ـ في تأويلها:
(إذارأيت شُحّا مُطاعا، وهَوًى متبعًا، وإعجاب كل ذى رأى برأيه، فعليك باصة نفسك). وهذا يفسره حديث أبى سعيد فى مسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). فإذاقوى أهل الفجور حتى لا يبقي لهم إصغاء إلى البر، بل يؤذون الناهي لغلبة الشح والهوى والعجب سقط التغيير باللسان فى هذه الحال، وبقى بالقلب.
والشح هو شدة الحرص التى توجب البخل والظلم، وهو منع الخير وكراهته،و(الهوى المتبع) فى إرادة الشر ومحبته و(الإعجاب بالرأى) فى العقل والعلم،فذكر فساد القوى الثلاث التى هي العلم والحب والبغض، كما فى الحديث الآخر:(ثلاث مهلكات، شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)، وبإزائها الثلاث المنجيات:(خشية اللّه فى السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، وكلمة الحق فى الغضب والرضا)، وهي التى سألها في الحديث الآخر:(اللهم إني أسألك خشيتك فى السر والعلانية، وأسألك كلمة الحق فى الغضب والرضا، وأسألك القصد فى الفقر والغنى).
فخشية اللّه بإزاء اتباع الهوى؛ فإن الخشية تمنع ذلك، كما قال:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات:40]، والقصد فـي الفقـر والغنى بإزاء الشح المطاع، وكلمة الحق فى الغضب والرضا بإزاء إعجاب المرء بنفسه، وما ذكره الصديق ظاهر؛ فإن اللّه تعالى قال: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} أي: الزموها وأقبلواعليها، ومن مصالح النفس فعل ما أمرت به من الأمر والنهي، وقال: {لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّإِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإنما يتم الاهتداء إذا أطيع الله وأدى الواجب من الأمر النهي وغيرهما، وفي الآية فوائد عظيمة:
أحدها: ألا يخاف المؤمن من الكفار والمنافقين فإنهم لن يضروه إذاكان مهتديا.
الثاني: ألا يحزن عليهم ولا يجزع عليهم؛ فإن معاصيهم لا تضره إذا اهتدى، والحزن على ما لا يضر عبث، وهذان المعنيان مذكوران فى قوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّايَمْكُرُونَ} [النحل: 127].
الثالث: ألا يركن إليهم، ولا يمد عينه إلى ما أوتوه من السلطان والمال والشهوات، كقوله: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًامِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [الحجر:88]، فنهاه عن الحزن عليهم والرغبة فيما عندهم فى آية، ونهاه عن الحزن عليهم والرهبة منهم فى آية،فإن الإنسان قد يتألم عليهم ومنهم، إما راغبا وإما راهباً.
الرابع: ألا يعتدى على أهل المعاصي بزيادة على المشروع فى بغضهم أو ذمهم، أو نهيهم أو هجرهم، أو عقوبتهم، بل يقال لمن اعتدى عليهم: عليك نفسك لايضرك من ضل إذا اهتديت، كما قال: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} الآية[المائدة:8]، وقال: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَتَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:190]، وقال: {فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة:193]، فإن كثيراً من الآمرين الناهين قديتعدى [فى المطبوعة:يعتدى: والصواب ما أثبتناه] حدود اللّه، إما بجهل وإمابظلم، وهذا باب يجب التثبت فيه، وسواء في ذلك الإنكار على الكفار والمنافقين والفاسقين والعاصين.
الخامس: أن يقوم بالأمر والنهي على الوجه المشروع، من العلم والرفق، والصبر، وحسن القصد، وسلوك السبيل القصد؛ فإن ذلك داخل في قوله:{عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} وفى قوله: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.
فهذه خمسة أوجه تستفاد من الآية لمن هو مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيها المعنى الآخر، وهو إقبال المرء على مصلحة نفسه علما وعملا،وإعراضه عما لا يعنيه، كما قال صاحب الشريعة: (من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه)، ولاسيماكثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه،لاسيما إن كان التكلم لحسد أو رئاسة ..
مجموع الفتاوى
ج 14
نفعنا الله وإياكم ..
منقول