المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما الذي تنساهُ عند الرحيل ؟



علي عكور
22 -09- 2011, 02:21 AM
وُجْهَةُ نَظَرٍ !!

دَخَلَت المقهى الكبير بُخطًى هادِئَة , سَحِبتْ كرسيًّا و جَلَسَتْ , طلَبَتْ من النادلِ كوبًا من القهوَة .. مدّ يدَهُ بقهوةٍ تُشْبِهُها كثيرًا .. داكِنَةٌ و مُرّةٌ و فوقَها رغوَة تبدو لذيذةٌ . المقهى متخمٌ بالرجالِ و النساء . النساءُ أصواتُهنَّ خفيضة , لا تكادُ تجاوزُ طاولاتهنَّ ؛ أما الرجال فأصواتُهم أعلى و أكثر صخبًا .
مَرّ بجانِبِها رجلٌ بسيطٌ , نظرَ إليها , دقّق فيها , و رغمَ أميّتِهِ قرأ بلاغَةَ جسَدِها البضّ بطلاقَة . أعجبَهُ الإطنابُ في شعرِها الطويل , و الإيجازُ في حَجْمِ شفتَيْها , و المجازُ في نهديْها الخارجَيْنِ عن النّصَ . و قبْلَ أنْ يخرجَ تمنّى لو أنّه الكنزةُ التي ترتديهِا .
مَرَّ بمحاذاتِها رجلٌ يعملُ في بَيْعِ العدساتِ . نظرَ إليْها , قرأها من الأعلى إلى الأسفل , افتُتِنَ بعيْنيْها النجلاوَيْنِ . و قبلَ أن يمضيَ في سبيلِه ؛ تمنّى لو أنّهُ كوبُ القهوةِ الذي تَسْكبُ في جوفهِ نظراتِها .
مَرّ رجلٌ يتّجِرُ في المجوهراتِ , نظرَ إليْها و أعجَبَتْهُ حُليُّها , بَهرَتْهُ أضواءُ المقهى المنْعكسَةِ عليْها . و قبلَ أن يختفيَ حدّثَ نفسَهُ : " لو أنّني إسوارَةٌ حولَ معصَمِها الجميل "
مَرّ رجلٌ يتأبَطُ كتابًا , نظرَ إليْها , تَفحّصَها فأغراهُ منْظرُها بكلّ تفاصيلِه , و قبلَ أنْ يشقَّ طريقه فكّرَ أنْ يأخذها مِن هذا المقهى الكئيبِ و يَضَعها في إحدى رواياتِهِ المُثيرَة .
مَر رجلٌ يعملُ كمصوّرٍ فوتوغرافيّ , نَظر إليْها , نظرَ منْ جميعِ الزوايا , فتَنَتْهُ الصورة بتفاصيلها : الألوانُ , الزوايَة المُختارَة , الضوءُ السّاقطُ بشغفٍ على وجهها , حدّثَ نفسَه : " هذه فتاةُ غلافٍ بامتيازٍ "
اندلقَ وقتٌ كثيرٌ , و مازالَ المقهى على حالِهِ , و مازالتْ تشربُ قهوتَها الداكنةُ و المُرّةُ , و رجالٌ كثيرونَ و مختلفون يمرّونَ بها , و كالعادَةِ يَنظرونَ إليْها , و ما منْ رجلٍ منْهم ينظرُ إلى الكرسيِّ الفارغِ الذي يُقابِلُها .



هذا أنا
المكانُ مليءٌ بالأرقام , تُطالِعُكَ الأرقامُ من كلِّ الجهاتِ , لا شيءَ هنا غيرَ أرقامٍ صمّاء . تشعرُ بالجفافِ و الحنْقِ . حتى ذلك الموظفُ الصغير المُختبئُ خلفَ زجاجَتِهِ المصقولَة ليسَ بوسعكَ أنْ تتحدّثَ مَعَهُ دونَ أنْ تأخذَ رقمًا منْ مكنَة الأرقامِ , ثمّ عليْكَ أنْ تنْتظرَ معَ أولئك الطيبينَ القابعينَ في مقاعِدهمِ و كأنّهم أوثقوا إليْها . تتأمّلُ المشْهدَ بتفاصيلِه فيقفِزُ سؤالٌ منْ رأسِكَ , ينْتصبُ أمامَك , يضعُ عينيه بعيْنيك , و يصرخُ في وجْهكَ الأبلَه : " منْ أنت ؟ "
لا تُكلّفُ نفسَكَ عناءَ الإجابَة , بيدَ أنّ السؤالَ يُحْدِثُ دُويًّا هائلا في رأسِكَ الصغيرِ . تتناثرُ شظاياه الحادّة فتصيبُ إحداها جدارَ ذاكرتِكَ الهشّ . تُحدثُ الشظيّةُ شرخًا صغيرًا لا يفتأ يكبرُ بفعلِ التداعياتِ التي تَخرجُ مِنْه : ( في البَدءِ كُنْتَ رقمًا . كنْتم مئاتَ الملايينِ , تدافَعتم بقوّة و انطلقتم في شَهوةٍ عارمَة تَبْحثُونَ عَن الخَصْبِ و الحَياةِ , و تخبئون في أحجامكم المتناهية الصِّغر أحلامًا متورّمة . حدَثتْ مَجْزرَةٌ مليونيّة , ماتَ مئاتُ الملايينِ و بقيت أنت , كُنتَ الرقم الوحيد النّاجي منْ بينِ رُكامِ الأرقامِ الهالكة . أردتَ أنْ تخرجَ إلى الحياةِ لتشعرَ بالوجودِ ؛ غَيْرَ أنّكَ اصطدمْتَ بقانونٍ يقضيْ أنْ تمُرّ بتِسعَةِ أرقامٍ , أو سبعَةٍ على أقلّ تقدير .
قفزتَ منْ رقمٍ إلى آخر حتى انزلَقتَ فالتقَفتْكَ المُمرّضةُ , و أحاطَتْ مِعصَمكَ الصّغيرَ برَقمٍ عريضٍ يُميّزكَ عَن المواليدِ الآخرينَ . في قِسْمِ المواليدِ كنْتم تشابَهونَ حدّ التطابُقِ , و لمْ تحملوا بعدُ أسماءً تُميّزكم .
في البيتِ صُرتَ رقمَ أربعةٍ بينَ إخوتكَ . و في دائِرَةِ الأحوالِ المدنيّة وضعوا مُقابلَ اسمكَ رقمًا أطول مِنْهُ , تُعْرَفُ بِه بقيّةَ حياتِك , بوسْعكَ أنْ تُغيّر اسمك ؛ لكنْ ما منْ طريقَةٍ لتغييرِ رقمكَ إنْ لمْ يُعحبكَ . و لا شيءَ يَتمُّ في حياتِك و بعدَ مماتكَ بغيْرِ هذا الرقم . أيضًا أضافوكَ كرقمٍ جديدٍ إلى عددِ السكّان الذي لا يحتملُ مزيدًا من الأرقام .
دخلتَ المدرسَة فأضافوكَ كرقمٍ آخر . كبُرتَ و كبرتْ معك أرقامُك : ( عمركَ , طولكَ , وزنك .. ) و كلّما ذهبْتَ إلى مكانٍ التصقتْ بكَ الأرقام . توتّرتْ علاقتكَ بها , و صرتَ تسمعُ : " أنتَ صفرٌ إلى اليسار " كلّما أرادَ أحدُهم أنْ يحطّ منْ قيمتك .
أخطأ الموظف فوضعَ اسمكَ مقابلَ رقمِ أبيك المتوفى , و عندما أخبركَ أنّ رقمكَ يقول أنّك ميّتٌ لم تتعجبْ كثيرًا , تشعرُ بذلك .. فقط طلبتَ بعض الإيضاح ... أعلنَت الصحفُ عنْ رقمٍ شاغرٍ لإحدى الوظائف , تقدّمتَ فلمْ يقبل الرقمُ مواصفاتك . و كنتَ إذا استغرقتَ في النومِ تحلمُ بأرقامٍ صغيرَة تصعدُ سريرَك الخشبيّ و تأكلُ أطرافَه و أطرافَك ) ... ثمّة شاشةٌ رقميّةٌ مُعلّقةٌ على الحائط , تضيءُ الشاشَةُ برقمٍ جديدٍ ؛ فيخرجكَ الجالسُ إلى جواركَ من تداعياتِ ذاكرتكَ بلكزةٍ خفيفة , يُشيرُ إلى الرقمِ في الشاشة و يقول : " هذا أنت " تنظرُ إلى الرقمِ الذي تحملُه في ورقةٍ صغيرَةٍ , ثمّ تقول دونما فرحٍ : " نعم , هذا أنا "

قصص قصيرة جدا :
منطق
وقفَ على نافذتي فسألته :
كيفَ قطعتَ تلك الأميال بجناحٍ أبيض و آخرَ أسود ؟
رفرفَ بهما و طار .
حلّقَ عاليا حتى لم أعدْ أميّز بين اللونين !

بيْت
كلّ بيوتِ الحيّ يصدرُ
منْها صراخٌ و أنين , إلا هذا البيت
غارقٌ في بحرِ سكونِهِ
دخلتُه خلسةً فوجدتهم يصرخون
و رأيته يجلسُ على كرسيّه
و تتدلّى من يده حبالهم الصوتيّة !!


أثَر
امتدّتْ أغصانُها إلى داره
فتناولَ فأسًا و اقتلعها , ثم نظر خلفه
فإذا بالظلّ يبقى و يَمتدّ .

ما الذي تنساهُ عنْدَ الرحيلِ ؟
أتخمنا بطونَ الحقائبِ حتى كادت تتقيأ
أطلّ جدي وقال : " دائمًا ثمّة شيءٌ تنساهُ و لا تستطيعُ أخذهُ "
أعدنا البحثَ و لم نجدْ شيئًا , و لمّا ركبنا السيارَة
سألناهُ , فأشارَ بيدِه إلى آثارِ خطواتنا في باحَةِ البيت !


ما وراءَ القيودِ !!
فَكَّ قيودَه و أغلالَهُ
هربَ منْ أسْرهِ .. قطعَ مسافَةً ثمّ
تحسّسَ أقدامَه فلمْ يجدْها ؛ نظر إلى الخلف
فلم يرَ خطواتِه , و رأى أقدامَه
بجانبِ القيودِ و الأغلالِ !!

اثنان !!
ألقى المحاضَرَة فاصطخبَت القاعَة بالتصفيقِ الحار
و عندما عاد إلى بيتهِ , أغلقَ الأبواب و النوافذ
ثمّ جلسَ أمام المرآة و ألقى المحاضرة بنسختها الأصلية .

أبو نوف
22 -09- 2011, 06:46 AM
ما الذي تنساهُ عنْدَ الرحيلِ ؟
أتخمنا بطونَ الحقائبِ حتى كادت تتقيأ
أطلّ جدي وقال : " دائمًا ثمّة شيءٌ تنساهُ و لا تستطيعُ أخذهُ "
أعدنا البحثَ و لم نجدْ شيئًا , و لمّا ركبنا السيارَة
سألناهُ , فأشارَ بيدِه إلى آثارِ خطواتنا في باحَةِ البيت !
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\


هدوء جداً صباحي اللحظة بصحبة الاستاذ علي عكور
ربما هذه اخر محطات تجولي في المنتدى فـ المقام طاب لي
نسيت استاذ علي السلام عليكم وصباحك وطن يضحك على شفاهك؛؛

نُهَى
22 -09- 2011, 04:39 PM
من أكثر الكتابات التي أحرص على قراءتها بتعمق.. كتابات علي عكور
أعجبني هنا كل شيء
و استمتعت بقراءة كل حرف

متى سأقرأ رواية من نسج قلمك؟
دمت مبدعاً..

---
22 -09- 2011, 05:03 PM
متشردةٌ على أرصفة الحرف؛ ألقي بثقل خطواتي على أكتافها فتلفظني إلى قارعة الطريق، حيث كل السائقين هناك لايحترمون قوانين المرور ، فأواصل التشرد..
مدن الإبداع جميلة أخاذة كماهو حال (مدينتك) ياعلي، تأخذ عيني من أنوارها بريقاً يسحرني فأقترب وأقترب لأجدني أُدمن القراءة ولاأجيد الكتابة ..لكنني أتذوق عبث الحرف كما لو كان كوباً من القهوة(داكِنَةٌ و مُرّةٌ و فوقَها رغوَة تبدو لذيذةٌ)



تحياتي لك ياعلي.








/

محمدالقاضي
04 -10- 2011, 12:01 PM
حينما تنتهي من نصوص العكور علي
تسأل نفسك , ما الذي نسيه علي بعد آخر نقطة ,!؟
بالتأكيد العطر ياصديقي .,

أعمال العكور لها نكهةٌ خاصّة , كأوّل الفجر , وبداية النوم !

هذا العمل موغلٌ في الفلسفة حدّ الدهشة ,

كن هنا ياصديقي
مازلنا في عطشٍ لأعمالك .

علي عكور
06 -10- 2011, 10:39 PM
ما الذي تنساهُ عنْدَ الرحيلِ ؟
أتخمنا بطونَ الحقائبِ حتى كادت تتقيأ
أطلّ جدي وقال : " دائمًا ثمّة شيءٌ تنساهُ و لا تستطيعُ أخذهُ "
أعدنا البحثَ و لم نجدْ شيئًا , و لمّا ركبنا السيارَة
سألناهُ , فأشارَ بيدِه إلى آثارِ خطواتنا في باحَةِ البيت !
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\


هدوء جداً صباحي اللحظة بصحبة الاستاذ علي عكور
ربما هذه اخر محطات تجولي في المنتدى فـ المقام طاب لي
نسيت استاذ علي السلام عليكم وصباحك وطن يضحك على شفاهك؛؛

أهلا بك أبا نوف
عبورك أنيقٌ يتركُ في الصفحة عطرًا
لا يتجرّأ عليهِ النسيان .

تحيّةٌ مضمّخةٌ بالفلّ و الكاذي .

امتناني أيها الجميل .

علي عكور
18 -10- 2011, 10:52 AM
من أكثر الكتابات التي أحرص على قراءتها بتعمق.. كتابات علي عكور
أعجبني هنا كل شيء
و استمتعت بقراءة كل حرف

متى سأقرأ رواية من نسج قلمك؟
دمت مبدعاً..



أهلا بك
أختي نهى ..

كم يسعدني أن
أظفرَ بقارئةٍ ذكيةٍ مثلك .

أما الرواية, فثمة أفكار للكتابة عنها
غيرَ أنني لستُ متيقنًا من امتلاكي للأدواتِ الفنيّة
التي بمقدورِها أنْ تنتجَ عملا روائيًا جديرًا بالقراءة .

طابَ يومُكِ يا نهى .

علي عكور
24 -10- 2011, 11:30 PM
متشردةٌ على أرصفة الحرف؛ ألقي بثقل خطواتي على أكتافها فتلفظني إلى قارعة الطريق، حيث كل السائقين هناك لايحترمون قوانين المرور ، فأواصل التشرد..
مدن الإبداع جميلة أخاذة كماهو حال (مدينتك) ياعلي، تأخذ عيني من أنوارها بريقاً يسحرني فأقترب وأقترب لأجدني أُدمن القراءة ولاأجيد الكتابة ..لكنني أتذوق عبث الحرف كما لو كان كوباً من القهوة(داكِنَةٌ و مُرّةٌ و فوقَها رغوَة تبدو لذيذةٌ)



تحياتي لك ياعلي.




/



أهلا بكِ أختي حياة
كم تسعدُ حروفي بمرورك الأنيق .

تحيّةٌ جنوبيّة لكرمك .

علي عكور
24 -10- 2011, 11:35 PM
حينما تنتهي من نصوص العكور علي
تسأل نفسك , ما الذي نسيه علي بعد آخر نقطة ,!؟
بالتأكيد العطر ياصديقي .,
أعمال العكور لها نكهةٌ خاصّة , كأوّل الفجر , وبداية النوم !
هذا العمل موغلٌ في الفلسفة حدّ الدهشة ,
كن هنا ياصديقي
مازلنا في عطشٍ لأعمالك .




أنيقُ الحرفِ و الروحِ / محمد القاضي
وجودكَ يتركُ عطرًا في جنبات المكانِ , فكنْ قريبًا
نأنسُ بك و بحروفكَ الدافئة .

تحيّةٌ جنوبيّة أيها الجميل .

ميدوزة الأورليا
03 -11- 2011, 02:56 AM
كلمَّا قرأت النصوص
تأملت بلاغة معاني وبديع ممازجة لبيانٍ أجتمعوا عليه ولم يفترقوا
وأصابوا قلم العكور قسرا
مناسباتٌ وشواهد في كل نص
لا يجعل منك إلا أن تقف مشدوهاً وعلامات الإستفهام متناثرةٌ حولك
أين أنتهي لأبدأ القراءة من جديد
للحروف هنا طعمٌ آخر
ومذاقٌ فريد
لن يكون إلا من قلم علي عكور
لك تحيةٌ متوجةٌ بإكليل حروفك وتقدير ..

علي عكور
09 -11- 2011, 12:26 AM
كلمَّا قرأت النصوص
تأملت بلاغة معاني وبديع ممازجة لبيانٍ أجتمعوا عليه ولم يفترقوا
وأصابوا قلم العكور قسرا
مناسباتٌ وشواهد في كل نص
لا يجعل منك إلا أن تقف مشدوهاً وعلامات الإستفهام متناثرةٌ حولك
أين أنتهي لأبدأ القراءة من جديد
للحروف هنا طعمٌ آخر
ومذاقٌ فريد
لن يكون إلا من قلم علي عكور
لك تحيةٌ متوجةٌ بإكليل حروفك وتقدير ..


أهلا بك ميدوزة
كثيرٌ هذا الذي تغمرينني به أختي
و لحرفي أن ينحنيَ أمام بلاغة حرفك الطاغية .

تحيّةٌ جنوبيّةٌ تليقُ بك .

السااااهر
09 -11- 2011, 01:45 AM
علي عكور

نحتاج للكثير منك لنعلم ماذا نُريد عندما نقف خاشعين بين كلماتك

لا أعلم أنحتاج لخلع عقولنا ، و تبديلها بك ..؟!

جميل أنت كيفما حضرت .!!