المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعصـب آفة العصر ؛



~تراتيل~
16 -10- 2011, 07:53 PM
التعصب آفة العصر
التعصب هو الانحياز الحزبى إلى شىء من الأشياء فكرة أو مبدأ أو معتقدا أو حتى شخصا أما يكون (مع أو ضد) والتعصب للشىء هو مساندته والدفاع عنه والتعصب ضد الشىء هو مقاومته.
وقد عرفت البشرية خلال تاريخها الطويل ألوانا واضحة ومتباينة من التعصب لقد سجل لنا التاريخ معلومات هامة وقيمة عن التعصب القبلى والتعصب الوطنى والقومى وعرف تاريخ الفكر ألوانا من التعصب الدينى والطائفى، وشهدت المجتمعات الحديثة صراعات متعددة من التعصب العنصرى أو العرقى.
وفى هذه الحالات كلها كان التعصب يمثل انتماء زائدًا إلى الجماعة التى ينتسب إليها الإنسان، وارتباطًا بها يصل إلى حد الاستبعاد التام للآخرين أو التعالى عليهم..
والواقع أن التعصب بوصفه ظاهرة بشرية خالصة تنتمى إلى مجال العلاقة بين إنسان وإنسان يمكن أن يعالج بمناهج وأساليب كثيرة ففى استطاعة علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم البيولوجية أن تلقى أضواء كاشفة على ظاهرة التعصب وأن تساعد الإنسان على إزالة هذه الغشاوة التى أعمت بصيرة البشرية.

أن التعصب كما هو واضح للجميع يتضمن عنصرين أحدهما إيجابى والآخر سلبى، فالعنصر الإيجابى هو اعتقاد الإنسان بأن الفئة التى ينتمى إليها سواء كانت قبيلة أو وطنا أم مذهبا فكريا أو دينيا أفضل وأسمى من بقية الفئات.
والعنصر السلبى هو اعتقاد الإنسان بأن تلك الفئات الأخرى أقل من تلك التى ينتمى إليها، وقد يبدو من الأمور البديهية أن يكون هذان العنصران متلازمين إذ إن اعتقاد فئة معينة بتفوقها يعنى آليا أنها تنظر إلى الفئات الأخرى، كما لو كانت أقل منها قدرًاومع ذلك فإن هناك نوعًا من التميز بين وجهى التعصب هذين، على الرغم من ارتباطيهما الوثيق..
ذلك لأن المشكلة التى عانت منها البشرية فى الجزء الأكبر من تاريخها كانت مشكلة الوجه السلبى من التعصب.. بل إن مفهوم التعصب عن الناس ارتبط بالجانب السلبى من التعصب.
فالشخص المتعصب هو قبل كل شىء هو ذلك الذى يحقر فئة معينة أو يتحامل عليها، صحيح أن هذا التحامل ينطوى ضمنا على اعتقاد بأنه أعلى أو أفضل من تلك الفئة التى يتحامل عليها أو أنه برىء من نقائصها، وكثيرا ما يكون سبب التحامل على الآخرين هو نوع من الحسد الدفين لهم أو الاعتقاد بأنهم يتمتعون بمزايا يعجز الإنسان التوصل إليها أو الحصول عليها، وعلى أى حال فكراهية الآخرين هى الصفة الغالبة على المتعصب، أما الاستعلاء فهى صفة تقع فى المرتبة الثانية على الرغم من أنها هى السبب الرئيسى للتعصب فى معظم الأحيان عن كراهية الآخرين..
فالتعصب إذن هو فى أساسه نظرة سلبية إلى الغير والمتعصب يتجه بتفكيره أساسًا إلى الآخرين فى حقد أو حسد أو حتى احتقار.
ويميل إلى إلحاق الضرر بالغير أكثر مما يميل إلى تأكيد مزاياه الشخصية أو كسب منفعة لنفسه.
إذن الجانب الإيجابى فى التعصب لا يؤدى بالضرورة إلى التعصب فاعتقاد المرء بسمو الفئة التى ينتمى إليها أو تأكيد المرء لذاته لا يترتب عليه بالضرورة احتقار الآخرين، فالإنسان الواثق بنفسه وبقدراته والإنسان النبيل لا يكره الآخرين ولا يتعصب ضدهم لأنه لا يحتاج من أجل تأكيد ذاته إلى مقارنة نفسه بغيره.
ومعنى ذلك أن النظرة السلبية إلى الآخرين ترتكز على اعتقاد بوجود نوع من الشر الكامن فيهم، والذى يبرر به المتعصب تحامله عليهم.
والسمة الظاهرة للفرد المتعصب هى أنه لا يحب المناقشة والحوار لأنه يعتقد أن رأيه صحيح لا يقبل المناقشة، فإذا كانت المناقشة للبحث فى مدى صحة الرأى فإن الإنسان المتعصب لا يدخل فيها وإن تظاهر فى بعض الأحيان بالدخول فيها فعقيدة المتعصب راسخة صلبة جامدة لا تفيدها المناقشة ولا أى حوار.
وكراهية الحوار عن الإنسان المتعصب تدل على أنه يكتفى بما لديه من تبرير لرأيه والإنسان المتعصب لا يجهل الحوار فقط بل يجهل أيضًا التطور، ويحاول دائما إلى فرض الرأى ومنع الرأى المخالف من الانتصار عليه، وهذا عكس تمامًا الفرد المنفتح فلا يضره أن يكون الرأى تعدديًا ونسبيا بطبيعته لذلك لا يستبعد المناقشة والحوار بل بالعكس قد يطلبها ويسعى إليها أحيانا، فبالمناقشة يطل على أفكار الغير ويطل الغير على أفكاره وتتحول هذه المناقشة إلى عملية أخذ وعطاء، وقد تؤدى هذه المناقشة أيضا إلى تقوية المعتقد وترسيخه، فالفرد المنفتح يحاور غيره فتتطور الفكرة وتنمو.
" عبدلله الدمياطى"