المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صافرة البداية



شذى الحكامية
07 -03- 2013, 03:07 PM
في إحدى المنافسات العالمية الرياضية، التي كان من بين أنشطتِها السباحةُ، اصطفَّ المتسابقون، وجميعهم قد أرهف سمعه ينتظر صافرة البداية، التي تأذن بالانطلاق، ولا شك أن جميعهم كان يُمَنِّي نفسَه بالفوز، والتغلب على منافسيه، وتحطيم الأرقام القياسية في هذا الميدان.



وقبل أن يدوي صفيرُ البداية المنتَظَرَةِ، إذْ بأحد المتسابقين - ينتمي إلى قطر عربي- يقتحم المسبَح، مطلقاً لذراعيه ويديه العِنانَ، في مدافعة المياه ولطْمِها!! وعلى الفور حُرِمَ من المنافسة، وأبعد عنها، حسب القوانين واللوائح..


إن هذا اللاعب لم يذق مرارةَ الخسارةِ لكونه كسولاً، أو لأن منافسيه أجدرُ منه، أو لأنه جَهِلَ قوانينَ اللعبةِ، أو نحو ذلك من أسباب الخسارة.. إنه أُتي فقط من باب الحَماسِ غير المُنْضَبِطِ، الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى مثل هذه الخسارات الثقيلة.


إن الحماسَ مطلوبٌ؛ لإنجاز الأعمال، وتحقيق الأهداف، وقد استعاذ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من العجزِ والكسلِ، ولكنَّ الحماسَ الذي يبلغ بصاحبه ذُرى النجاحِ هو الحماسُ المنضبطُ لا المنفلت! فقد يخسر الإنسان بسبب الحماس الذي من نوع حماس لاعبنا هذا أكثر مما يربح، بل قد يخسر دون تحقيق أي ربح.


إن الحماس المنضبط هو الذي يسير صاحبُه نحو هدف واضحِ المعالِمِ على ضوء خُطَّةٍ مدروسة، خطةٍ تستصحب الإمكانات، وتأخذ بعين الاعتبار العقباتِ والمُعَوِّقاتِ، وتراعي المآلات، حماسٌ لا يَفقِدُ الإنسان فيه السيطرةَ على نفسه، وتهذيبِ انفعالاته.


والحماسُ المنفلتُ هو الذي لا يأخذ صاحبُه في الحسبان المؤثِّراتِ المحيطة، والإمكانات المتاحة، بل أحياناً لا يكون الهدف واضحاً، فقط يحس صاحبه أن هنالك طاقةً تحركه، لكن إلى المجهول! طاقة تتملك الإنسان، وتفقده الشعورَ بنفسه ومَن حولَه، وتُعميه عن كل شي؛ فلا يرى نفسه إلا متحركاً!!


وتتفاوت درجات الحماسِ غير المنضبط، من شخص إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى. إن حماساً من هذا النوع هو الذي أطلقَ لذلك اللاعبِ صافرةَ البداية، فسمعها هو دون الآخرين!!


بلغ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- خبرُ أحدِ شبابِ الصحابةِ، يتدفقُ حماساً، ويستكثر من العبادات، ويتزود من الطاعات، على نحو لا تطيقهُ قدراتُ البشر إلا نادراً، فخشي النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يكون حماسُ ذاك الصحابيِّ حماساً منفلتاً، فتكونَ له نتائجُ عكسيةٌ لم يُرِدْها ذلك الصحابيُّ، رضي الله عنه، ولنتركه يروي لنا حوارَه مع رسولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم..


(أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَقُولُ: وَاللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي!


قَالَ: ((فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ! فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ)).


قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ!


قَالَ: ((فَصُمْ يَوْماً، وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ!)).


قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ!


قَالَ: ((فَصُمْ يَوْماً، وَأَفْطِرْ يَوْماً! فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَام- وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ)).


فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ!


فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ!))


لقد كانتنظرة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أعمقَ وأبعدَ من نظرةِ عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- فالنفسُ البشريةُ لا تطيق ما عزم عليه عبد الله، والاستمرار في هذا الكم الهائل من العبادات يُعدُّ تجاوزاً لحدودِ الممكن في أحوالٍ كثيرةٍ، ولذا أدرك عبدُ الله -رضي الله عنه- أنه كان مخطِئاً، إذ لم يضبط ذلك الحماسَ، كما نصحَه رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم.


(قَالَ مُجَاهِدٌ:
فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو -حَيْثُ ضَعُفَ وَكَبِرَ- يَصُومُ الأَيَّامَ كَذَلِكَ، يَصِلُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ؛ لِيَتَقَوَّى بِذَلِكَ، ثُمَّ يُفْطِرُ بِعَدِّ تِلْكَ الأَيَّامِ.


قَالَ: وَكَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ حِزْبِهِ كَذَلِكَ، يَزِيدُ أَحْيَاناً، وَيَنْقُصُ أَحْيَاناً، غَيْرَ أَنَّهُ يُوفِي الْعَدَدَ، إِمَّا فِي سَبْعٍ، وَإِمَّا فِي ثَلاثٍ.


قَالَ: ثُمَّ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَوْ عَدَلَ، لَكِنِّي فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ)


ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً!))


الإنسانُ -أحياناً- تنتابه موجةٌ من حماسٍ تشبه نَهْمَةَ الجائع، الذي يأكلُ حتى يصلَ إلى حدٍّ؛ لو ألقي إليه أشهى طعامٍ ما استطاع أن يزيد.


فكذا الحماسُ؛ يبذلُ الإنسانُ ما لا تطيقه نفسه من عظيم الجهد، فَتَمَلُّ النفسُ، وتسأمُ العملَ، فلو طلب منه -بعد ذلك- أيسرَ الأعمال؛ ما استطاع أن يقوم بها!


ولكي يكون الحماسُ منضبطاً مثمراً؛ يجب التأكدُ -أولاً- من سلامةِ الهدف، ووضوحِه، وحسابُ عواقبِ إنجازِهِ، وكم يكلف من ثمنٍ، حسي أو معنوي؟ وهل يستحقُّ ذلك الثمنَ؟ وهل تحقيقه متاحٌ؟ وهل يوجد تصورٌ للوصولِ إلى ذلك الهدفِ؟


وفي هذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:
"والعبدُ إذا عزمَ على فعلِ أمرٍ؛ فعليه أن يعلم -أولاً- هل هو طاعة لله أم لا؟ فإن لم يكن طاعةً؛ فلا يفعله؛ إلا أن يكون مباحاً يستعين به على الطاعة، وحينئذ يصير طاعة، فإذا بان له أنه طاعة؛ فلا يقدم عليه، حتى ينظرَ هل هو مُعَانٌ عليه أم لا؟ فإن لم يكن معاناً عليه؛ فلا يقدم عليه، فيذلّ نفسه، وإن كان معاناً عليه؛ بقي عليه نَظَرٌ آخرُ، وهو أن يأتيه من بابه، فإن أتاه من غير بابه؛ أضاعه، أو فرط فيه، أو أفسد منه شيئاً، فهذه الأمورُ الثلاثةُ أصلُ سعادةِ العبدِ وفلاحِهِ


وبعد هذا كلِّه؛ ينبغي للعاقل ألا يعطيَ الهدفَ أكبرَ من حجمه، ولا يَقْدِرَ الفشلَ فوقَ قَدْرِهِ؛ حتى لا يفقدَه حماسُهُ السيطرةَ على نفسِهِ، والإحساسَ بمن حولَه، فينطلقَ قبل صافرةِ البدايةِ!!


مما راق لي

غزوله
07 -03- 2013, 11:45 PM
يعطيك الف عافيه عالطرح
دمتي بكل الود

شذى الحكامية
08 -03- 2013, 10:47 AM
يعطيك الف عافيه عالطرح
دمتي بكل الود


الله يعافيك وشكرا على الحضور
دمتي برعاية الله وحفظه

دلال
08 -03- 2013, 09:30 PM
سبحان الله وما ينطق عن الهوى

كل الشكر شذى wr

شذى الحكامية
11 -03- 2013, 10:36 PM
سبحان الله وما ينطق عن الهوى

كل الشكر شذى wr


يعطيك العافية دلال
شكرا على الحضور
تسلمينwr