المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوميات من كتاب ؟



إبن عبد ربه
17 -10- 2003, 04:33 PM
بســــــــــــــــــــــــــــــم الله الرحمن الرحيم

باذن الله سابدأ معكم من هذا اليوم موضوع يوميا نطرق فيه الى كتاب عظيم وهو ( زاد المعاد في هدي خير العباد ) وساسمي هذا الموضوع ( يوميات من كتاب )
فمن اراد الفائدة فعليه متابعة هذه اليوميات؟


فاليكم اول فصل من اول جزء من هذا الكتاب
.................................................. .................................................. .....

فصل في نسبه صلى الله عليه وسلم


وهو خير أهل الأرض نسبا على الإطلاق فلنسبه من الشرف أعلى ذروة وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك ولهذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم فأشرف القوم قومه وأشرف القبائل قبيلته وأشرف الأفخاذ فخذه .

فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضربن نزار بن معد بن عدنان

إلى هاهنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين ولا خلاف فيه البتة وما فوق " عدنان " مختلف فيه . ولا خلاف بينهم أن " عدنان " من ولد إسماعيل عليه السلام وإسماعيل : هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

[ بطلان القول بأن الذبيح هو إسحاق ]

وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب مع أنه باطل بنص كتابهم فإن فيه إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره وفي لفظ وحيده ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده والذي غر أصحاب هذا القول أن في التوراة التي بأيديهم اذبح ابنك إسحاق قال وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم لأنها تناقض قوله اذبح بكرك ووحيدك ولكن اليهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف وأحبوا أن يكون لهم وأن يسوقوه إليهم ويحتازوه لأنفسهم دون العرب ويأبى الله إلا أن يجعل فضله لأهله .

وكيف يسوغ أن يقال إن الذبيح إسحاق والله تعالى قد بشر أم إسحاق به وبابنه يعقوب فقال تعالى عن الملائكة إنهم قالوا لإبراهيم لما أتوه بالبشرى : لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب [ هود : 7071 ] فمحال أن يبشرها بأنه يكون لها ولد ثم يأمر بذبحه ولا ريب أن يعقوب رضي الله عنه داخل في البشارة فتناول البشارة لإسحاق ويعقوب في اللفظ واحد وهذا ظاهر الكلام وسياقه .

فإن قيل لو كان الأمر كما ذكرتموه لكان " يعقوب " مجرورا عطفا على إسحاق فكانت القراءة ومن وراء إسحاق يعقوب أي ويعقوب من وراء إسحاق . قيل لا يمنع الرفع أن يكون يعقوب مبشرا به لأن البشارة قول مخصوص وهي أول خبر سار صادق .

وقوله تعالى : ومن وراء إسحاق يعقوب جملة متضمنة لهذه القيود فتكون بشارة بل حقيقة البشارة هي الجملة الخبرية . ولما كانت البشارة قولا كان موضع هذه الجملة نصبا على الحكاية بالقول كأن المعنى : وقلنا لها : من وراء إسحاق يعقوب والقائل إذا قال بشرت فلانا بقدوم أخيه وثقله في أثره لم يعقل منه إلا بشارته بالأمرين جميعا . هذا مما لا يستريب ذو فهم فيه البتة ثم يضعف الجر أمر آخر وهو ضعف قولك : مررت بزيد ومن بعده عمرو ولأن العاطف يقوم مقام حرف الجر فلا يفصل بينه وبين المجرور كما لا يفصل بين حرف الجر والمجرور . ويدل عليه أيضا أن الله سبحانه لما ذكر قصة إبراهيم وابنه الذبيح في سورة ( الصافات ) قال فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين [ الصافات 103 - 111 ] . ثم قال تعالى : وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين [ الصافات 112 ] .

فهذه بشارة من الله تعالى له شكرا على صبره على ما أمر به وهذا ظاهر جدا في أن المبشر به غير الأول بل هو كالنص فيه .

فإن قيل فالبشارة الثانية وقعت على نبوته أي لما صبر الأب على ما أمر به وأسلم الولد لأمر الله جازاه الله على ذلك بأن أعطاه النبوة .

قيل البشارة وقعت على المجموع على ذاته ووجوده وأن يكون نبيا ولهذا نصب " نبيا " على الحال المقدر أي مقدرا نبوته فلا يمكن إخراج البشارة أن تقع على الأصل ثم تخص بالحال التابعة الجارية مجرى الفضلة هذا محال من الكلام بل إذا وقعت البشارة على نبوته فوقوعها على وجوده أولى وأحرى وأيضا فلا ريب أن الذبيح كان بمكة ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها كما جعل السعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار تذكيرا لشأن إسماعيل وأمه وإقامة لذكر الله ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة دون إسحاق وأمه ولهذا اتصل مكان الذبح وزمانه بالبيت الحرام الذي اشترك في بنائه إبراهيم وإسماعيل وكان النحر بمكة من تمام حج البيت الذي كان على يد إبراهيم وابنه إسماعيل زمانا ومكانا ولو كان الذبح بالشام كما يزعم أهل الكتاب ومن تلقى عنهم لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة .

وأيضا فإن الله سبحانه سمى الذبيح حليما . لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه . ولما ذكر إسحاق سماه عليما فقال تعالى : هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون [ الذاريات 24 25 ] إلى أن قال قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم [ الذاريات 28 ] وهذا إسحاق بلا ريب لأنه من امرأته وهي المبشرة به وأما إسماعيل فمن السرية . وأيضا فإنهما بشرا به على الكبر واليأس من الولد وهذا بخلاف إسماعيل فإنه ولد قبل ذلك .

وأيضا فإن الله سبحانه أجرى العادة البشرية أن بكر الأولاد أحب إلى الوالدين ممن بعده وإبراهيم عليه السلام لما سأل ربه الولد ووهبه له تعلقت شعبة من قلبه بمحبته والله تعالى قد اتخذه خليلا والخلة منصب يقتضي توحيد المحبوب بالمحبة وأن لا يشارك بينه وبين غيره فيها فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد جاءت غيرة الخلة تنتزعها من قلب الخليل فأمره بذبح المحبوب فلما أقدم على ذبحه وكانت محبة الله أعظم عنده من محبة الولد خلصت الخلة حينئذ من شوائب المشاركة فلم يبق في الذبح مصلحة إذ كانت المصلحة إنما هي في العزم وتوطين النفس عليه فقد حصل المقصود فنسخ الأمر وفدي الذبيح وصدق الخليل الرؤيا وحصل مراد الرب . ومعلوم أن هذا الامتحان والاختبار إنما حصل عند أول مولود ولم يكن ليحصل في المولود الآخر دون الأول بل لم يحصل عند المولود الآخر من مزاحمة الخلة ما يقتضي الأمر بذبحه وهذا في غاية الظهور .

وأيضا فإن سارة امرأة الخليل صلى الله عليه وسلم غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة فإنها كانت جارية فلما ولدت إسماعيل وأحبه أبوه اشتدت غيرة " سارة " فأمر الله سبحانه أن يبعد عنها " هاجر " وابنها ويسكنها في أرض مكة لتبرد عن " سارة " حرارة الغيرة وهذا من رحمته تعالى ورأفته فكيف يأمره سبحانه بعد هذا أن يذبح ابنها ويدع ابن الجارية بحاله هذا مع رحمة الله لها وإبعاد الضرر عنها وجبره لها فكيف يأمر بعد هذا بذبح ابنها دون ابن الجارية بل حكمته البالغة اقتضت أن يأمر بذبح ولد السرية فحينئذ يرق قلب السيدة عليها وعلى ولدها وتتبدل قسوة الغيرة رحمة ويظهر لها بركة هذه الجارية وولدها وأن الله لا يضيع بيتا هذه وابنها منهم وليري عباده جبره بعد الكسر ولطفه بعد الشدة وأن عاقبة صبر " هاجر " وابنها على البعد والوحدة والغربة والتسليم إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعباده المؤمنين ومتعبدات لهم إلى يوم القيامة وهذه سنته تعالى فيمن يريد رفعه من خلقه أن يمن عليه بعد استضعافه وذله وانكساره .

قال تعالى : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين [ القصص 5 ] وذلك فضل الله يؤتيه من يشاءالله ذو الفضل العظيم

[ مولده صلى الله عليه وسلم ]

ولنرجع إلى المقصود من سيرته صلى الله عليه وسلم وهديه وأخلاقه لا خلاف أنه ولد صلى الله عليه وسلم بجوف مكة وأن مولده كان عام الفيل وكان أمر الفيل تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب وكان دينهم خيرا من دين أهل مكة إذ ذاك لأنهم كانوا عباد أوثان فنصرهم الله على أهل الكتاب نصرا لا صنع للبشر فيه إرهاصا وتقدمة للنبي صلى الله عليه وسلم الذي خرج من مكة وتعظيما للبيت الحرام .

[ وفاة أبيه ]

واختلف في وفاة أبيه عبد الله هل توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل أو توفي بعد ولادته ؟ على قولين أصحهما : أنه توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل .

والثاني : أنه توفي بعد ولادته بسبعة أشهر . ولا خلاف أن أمه ماتت بين مكة والمدينة " بالأبواء " منصرفها من المدينة من زيارة أخواله ولم يستكمل إذ ذاك سبع سنين .

وكفله جده عبد المطلب وتوفي ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثمان سنين وقيل ست وقيل عشر ثم كفله عمه أبو طالب واستمرت كفالته له فلما بلغ ثنتي عشرة سنة خرج به عمه إلى الشام وقيل كانت سنه تسع سنين وفي هذه الخرجة رآه بحيرى الراهب وأمر عمه ألا يقدم به إلى الشام خوفا عليه من اليهود فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة ووقع في كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بلالا وهو من الغلط الواضح فإن بلالا إذ ذاك لعله لم يكن موجودا وإن كان فلم يكن مع عمه ولا مع أبي بكر . وذكر البزار في " مسنده " هذا الحديث ولم يقل وأرسل معه عمه بلالا ولكن قال رجلا .

فلما بلغ خمسا وعشرين سنة خرج إلى الشام في تجارة فوصل إلى " بصرى " ثم رجع فتزوج عقب رجوعه خديجة بنت خويلد . وقيل تزوجها وله ثلاثون سنة . وقيل إحدى وعشرون وسنها أربعون وهي أول امرأة تزوجها وأول امرأة ماتت من نسائه ولم ينكح عليها غيرها وأمره جبريل أن يقرأ عليها السلام من ربها .

ثم حبب الله إليه الخلوة والتعبد لربه وكان يخلو ب " غار حراء " يتعبد فيه الليالي ذوات العدد وبغضت إليه الأوثان ودين قومه فلم يكن شيء أبغض إليه من ذلك .

رديمة
18 -10- 2003, 03:44 AM
مخربش
جزاك الله خير على هذا الموضوع
جعله الله في ميزان حسناتك

اختك في الله
رديمه

إبن عبد ربه
18 -10- 2003, 01:11 PM
لفصل الثاني/الجزء الأول
.................................................. ..........................................

فصل في ختانه صلى الله عليه وسلم



وقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال :-

أحدها :
أنه ولد مختونا مسرورا وروي في ذلك حديث لا يصح ذكره أبو الفرج بن الجوزي في " الموضوعات " وليس فيه حديث ثابت وليس هذا من خواصه فإن كثيرا من الناس يولد مختونا .

وقال الميموني :
قلت لأبي عبد الله مسألة سئلت عنها : ختان ختن صبيا فلم يستقص ؟ قال إذا كان الختان جاوز نصف الحشفة إلى فوق فلا يعيد لأن الحشفة تغلظ وكلما غلظت ارتفع الختان . فأما إذا كان الختان دون النصف فكنت أرى أن يعيد .

قلت : فإن الإعادة شديدة جدا وقد يخاف عليه من الإعادة ؟ فقال لا أدري ثم قال لي فإن هاهنا رجلا ولد له ابن مختون فاغتم لذلك غما شديدا فقلت له إذا كان الله قد كفاك المؤنة فما غمك بهذا ؟ انتهى .

وحدثني صاحبنا أبو عبد الله محمد بن عثمان الخليلي المحدث ببيت المقدس أنه ولد كذلك وأن أهله لم يختنوه والناس يقولون لمن ولد كذلك ختنه القمر وهذا من خرافاتهم .


القول الثاني :
أنه ختن صلى الله عليه وسلم يوم شق قلبه الملائكة عند ظئره حليمة .
القول الثالث أن جده عبد المطلب ختنه يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا .

قال أبو عمر بن عبد البر :
وفي هذا الباب حديث مسند غريب حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد حدثنا محمد بن عيسى حدثنا يحيى بن أيوب العلاف حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا الوليد بن مسلم عن شعيب عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن 80 النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه وجعل له مأدبة وسماه محمدا صلى الله عليه وسلم قال يحيى بن أيوب طلبت هذا الحديث فلم أجده عند أحد من أهل الحديث ممن لقيته إلا عند ابن أبي السري وقد وقعت هذه المسألة بين رجلين فاضلين صنف أحدهما مصنفا في أنه ولد مختونا وأجلب فيه من الأحاديث التي لا خطام لها ولا زمام وهو كمال الدين بن طلحة فنقضه عليه كمال الدين بن العديم وبين فيه أنه صلى الله عليه وسلم ختن على عادة العرب وكان عموم هذه السنة للعرب قاطبة مغنيا عن نقل معين . فيها والله أعلم .

أبـو حـمـMـمـد
18 -10- 2003, 02:19 PM
ما تقصر أخوي مخربش والله يعطيك العافية

إبن عبد ربه
18 -10- 2003, 02:23 PM
الاخت رديمة/ الأخ الفر البارد


اشكر لكم تشجيعكم وكثر الله من امثالكم

ودمتم سالمين:D

إبن عبد ربه
20 -10- 2003, 09:08 AM
الفصل الثالث / الجزء الأول


.................................................. .................................................. ..

فصل في أمهاته صلى الله عليه وسلم اللاتي أرضعنه
فمنهن ثويبة مولاة أبي لهب أرضعته أياما وأرضعت معه أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي بلبن ابنها مسروح وأرضعت معهما عمه حمزة بن عبد المطلب . واختلف في إسلامها فالله أعلم .

ثم أرضعته حليمة السعدية بلبن ابنها عبد الله أخي أنيسة وجدامة وهي الشيماء أولاد الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي واختلف في إسلام أبويه من الرضاعة فالله أعلم وأرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلم عام الفتح وحسن إسلامه وكان عمه حمزة مسترضعا في بني سعد بن بكر فأرضعت أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند أمه فكان حمزة رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين من جهة ثويبة ومن جهة السعدية .

إبن عبد ربه
20 -10- 2003, 09:11 AM
الفصل الرابع / الجزء الأول




.................................................. .................................................. ....
فصل في حواضنه صلى الله عليه وسلم
فمنهن أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب .

ومنهن ثويبة وحليمة والشيماء ابنتها وهي أخته من الرضاعة كانت تحضنه مع أمها وهي التي قدمت عليه في وفد هوازن فبسط لها رداءه وأجلسها عليه رعاية لحقها .

ومنهن الفاضلة الجليلة أم أيمن بركة الحبشية وكان ورثها من أبيه وكانت دايته وزوجها من حبه زيد بن حارثة فولدت له أسامة وهي التي دخل عليها أبو بكر وعمر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقالا : يا أم أيمن ما يبكيك فما عند الله خير لرسوله ؟ قالت إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسوله وإنما أبكي لانقطاع خبر السماء فهيجتهما على البكاء فبكيا .

إبن عبد ربه
21 -10- 2003, 11:52 AM
الفصل الخامس / الجزء الأول
.................................................. ...............................................

فصل في مبعثه صلى الله عليه وسلم وأول ما نزل عليه

بعثه الله على رأس أربعين وهي سن الكمال . قيل ولها تبعث الرسل وأما ما يذكر عن المسيح أنه رفع إلى السماء وله ثلاث وثلاثون سنة فهذا لا يعرف له أثر متصل يجب المصير إليه .



وأول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر النبوة الرؤيا فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح


قيل وكان ذلك ستة أشهر ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والله أعلم .

ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة فجاءه الملك وهو بغار حراء وكان يحب الخلوة فيه فأول ما أنزل عليه

اقرأ باسم ربك الذي خلق [ العلق 1 ] هذا قول عائشة والجمهور .


وقال جابر : أول ما أنزل عليه يا أيها المدثر والصحيح قول ع ائشة ل وجوه أحدها : أن قوله ما أنا بقارئ صريح في أنه لم يقرأ قبل ذلك شيئا .

الثاني : الأمر بالقراءة في الترتيب قبل الأمر بالإنذار فإنه إذا قرأ في نفسه أنذر بما قرأه فأمره بالقراءة أولا ثم بالإنذار بما قرأه ثانيا .
الثالث أن حديث جابر وقوله أول ما أنزل من القرآن
يا أيها المدثر قول جابر وعائشة أخبرت عن خبره صلى الله عليه وسلم عن نفسه بذلك .


الرابع أن حديث جابر الذي احتج به صريح في أنه قد تقدم نزول الملك عليه أولا قبل نزول يا أيها المدثر فإنه قال فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء فرجعت إلى أهلي فقلت : زملوني دثروني فأنزل الله يا أيها المدثر وقد أخبر أن الملك الذي جاءه بحراء أنزل عليه

اقرأ باسم ربك الذي خلق فدل حديث جابر على تأخر نزول يا أيها المدثر والحجة في روايته لا في رأيه والله أعلم .

إبن عبد ربه
22 -10- 2003, 02:40 PM
فصل في ترتيب الدعوة

ولها مراتب


المرتبة الأولى

النـُـبوَّة


المرتبة الثانية

إنذار عشيرته الأقربين



المرتبة الثالثة

انذار قومه


المرتبة الرابعة

انذار قوم ما اتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة.



المرتبة الخامسة

انذار جميع من بلغته دعوته من الجن والانس الى آخر الدهر




فصل { الجهر بالدعوة }

وأقام صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ثلاث سنين يدعو الى الله سبحانه مستخفياً ثم نزل عليه ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين فاعلن صلى الله عليه بالدعوة وجاهر قومه بالعداوة واشتد الأذى عليه وعلى المسلمين حتى أذن الله لهم بالهجرتين

إبن عبد ربه
24 -10- 2003, 01:06 PM
فصل في أسمائه صلى الله عليه وسلم



وكلها نعوت ليست أعلاما محضة لمجرد التعريف بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به توجب له المدح والكمال .

فمنها محمد وهو أشهرها وبه سمي في التوراة صريحا كما بيناه بالبرهان الواضح في كتاب جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه وصحيحها من حسنها ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانا شافيا ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد ثم مواطن الصلاة عليها ومحالها ثم الكلام في مقدار الواجب منها واختلاف أهل العلم فيه وترجيح الراجح وتزييف المزيف ومخبر الكتاب فوق وصفه .

والمقصود أن اسمه محمد في التوراة صريحا بما يوافق عليه كل عالم من مؤمني أهل الكتاب .

ومنها أحمد وهو الاسم الذي سماه به المسيح لسر ذكرناه في ذلك الكتاب .

ومنها المتوكل ومنها الماحي والحاشر والعاقب والمقفي ونبي التوبة ونبي الرحمة ونبي الملحمة والفاتح والأمين .

ويلحق بهذه الأسماء الشاهد والمبشر والبشير والنذير والقاسم والضحوك والقتال وعبد الله والسراج المنير وسيد ولد آدم وصاحب لواء الحمد وصاحب المقام المحمود وغير ذلك من الأسماء لأن أسماءه إذا كانت أوصاف مدح فله من كل وصف اسم لكن ينبغي أن يفرق بين الوصف المختص به أو الغالب عليه ويشتق له منه اسم وبين الوصف المشترك فلا يكون له منه اسم يخصه .
وقال جبير بن مطعم : سمى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أسماء فقال : أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي والعاقب الذي ليس بعده نبي

وأسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان
أحدهما : خاص لا يشاركه فيه غيره من الرسل كمحمد وأحمد والعاقب والحاشر والمقفي ونبي الملحمة .

والثاني : ما يشاركه في معناه غيره من الرسل ولكن له منه كماله فهو مختص بكماله دون أصله كرسول الله ونبيه وعبده والشاهد والمبشر والنذير ونبي الرحمة ونبي التوبة .

وأما إن جعل له من كل وصف من أوصافه اسم تجاوزت أسماؤه المائتين كالصادق والمصدوق والرءوف الرحيم إلى أمثال ذلك .

وفي هذا قال من قال من الناس إن لله ألف اسم وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم قاله أبو الخطاب بن دحية ومقصوده الأوصاف .

إبن عبد ربه
24 -10- 2003, 01:10 PM
فصل في شرح معاني أسمائه صلى الله عليه وسلم



أما محمد فهو اسم مفعول من حمد فهو محمد إذا كان كثير الخصال التي يحمد عليها ولذلك كان أبلغ من محمود فإن محمودا من الثلاثي المجرد ومحمد من المضاعف للمبالغة فهو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره من البشر ولهذا - والله أعلم - سمي به في التوراة لكثرة الخصال المحمودة التي وصف بها هو ودينه وأمته في التوراة حتى تمنى موسى عليه الصلاة والسلام أن يكون منهم وقد أتينا على هذا المعنى بشواهده هناك وبينا غلط أبي القاسم السهيلي حيث جعل الأمر بالعكس وأن اسمه في التوراة أحمد.

[ هل أحمد تفضيل بمعنى فاعل أو مفعول ]

وأما أحمد فهو اسم على زنة أفعل التفضيل مشتق أيضا من الحمد . وقد اختلف الناس فيه هل هو بمعنى فاعل أو مفعول ؟ فقالت طائفة هو بمعنى الفاعل أي حمده لله أكثر من حمد غيره له فمعناه أحمد الحامدين لربه ورجحوا هذا القول بأن قياس أفعل التفضيل أن يصاغ من فعل الفاعل لا من الفعل الواقع على المفعول قالوا : ولهذا لا يقال ما أضرب زيدا ولا زيد أضرب من عمرو باعتبار الضرب الواقع عليه ولا : ما أشربه للماء وآكله للخبز ونحوه قالوا : لأن أفعل التفضيل وفعل التعجب إنما يصاغان من الفعل اللازم ولهذا يقدر نقله من فعل و فعل المفتوح العين ومكسورها إلى فعل المضموم العين قالوا : ولهذا يعدى بالهمزة إلى المفعول فهمزته للتعدية كقولك : ما أظرف زيدا وأكرم عمرا وأصلهما : من ظرف وكرم . قالوا : لأن المتعجب منه فاعل في الأصل فوجب أن يكون فعله غير متعد قالوا : وأما نحو ما أضرب زيدا لعمرو فهو منقول من فعل المفتوح العين إلى فعل المضموم العين ثم عدي والحالة هذه بالهمزة قالوا : والدليل على ذلك مجيئهم باللام فيقولون ما أضرب زيدا لعمرو ولو كان باقيا على تعديه لقيل ما أضرب زيدا عمرا لأنه متعد إلى واحد بنفسه وإلى الآخر بهمزة التعدية فلما أن عدوه إلى المفعول بهمزة التعدية عدوه إلى الآخر باللام فهذا هو الذي أوجب لهم أن قالوا : إنهما لا يصاغان إلا من فعل الفاعل لا من الفعل الواقع على المفعول .

ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا : يجوز صوغهما من فعل الفاعل ومن الواقع على المفعول وكثرة السماع به من أبين الأدلة على جوازه تقول العرب : ما أشغله بالشيء وهو من شغل فهو مشغول وكذلك يقولون ما أولعه بكذا وهو من أولع بالشيء فهو مولع به مبني للمفعول ليس إلا وكذلك قولهم ما أعجبه بكذا فهو من أعجب به ويقولون ما أحبه إلي فهو تعجب من فعل المفعول وكونه محبوبا لك وكذا : ما أبغضه إلي وأمقته إلي .

وهاهنا مسألة مشهورة ذكرها سيبويه وهي أنك تقول ما أبغضني له وما أحبني له وما أمقتني له إذا كنت أنت المبغض الكاره والمحب الماقت فتكون متعجبا من فعل الفاعل وتقول ما أبغضني إليه وما أمقتني إليه وما أحبني إليه إذا كنت أنت البغيض الممقوت أو المحبوب فتكون متعجبا من الفعل الواقع على المفعول فما كان باللام فهو للفاعل وما كان ب إلى فهو للمفعول . وأكثر النحاة لا يعللون بهذا . والذي يقال في علته والله أعلم إن اللام تكون للفاعل في المعنى نحو قولك : لمن هذا ؟ فيقال لزيد فيؤتى باللام . وأما إلى فتكون للمفعول في المعنى فتقول إلى من يصل هذا الكتاب ؟ فتقول إلى عبد الله وسر ذلك أن اللام في الأصل للملك والاختصاص والاستحقاق إنما يكون للفاعل الذي يملك ويستحق و إلى لانتهاء الغاية والغاية منتهى ما يقتضيه الفعل فهي بالمفعول أليق لأنها تمام مقتضى الفعل ومن التعجب من فعل المفعول قول كعب بن زهير في النبي صلى الله عليه وسلم

فلهو أخوف عندي إذ أكلمه

وقيل إنك محبوس ومقتول

من خادر من ليوث الأسد مسكنه

ببطن عثر غيل دونه غيل


فأخوف هاهنا من خيف فهو مخوف لا من خاف وكذلك قولهم ما أجن زيدا من جن فهو مجنون هذا مذهب الكوفيين ومن وافقهم .

قال البصريون : كل هذا شاذ لا يعول عليه فلا نشوش به القواعد ويجب الاقتصار منه على المسموع قال الكوفيون : كثرة هذا في كلامهم نثرا ونظما يمنع حمله على الشذوذ لأن الشاذ ما خالف استعمالهم ومطرد كلامهم وهذا غير مخالف لذلك قالوا : وأما تقديركم لزوم الفعل ونقله إلى فعل فتحكم لا دليل عليه وما تمسكتم به من التعدية بالهمزة إلى آخره فليس الأمر فيها كما ذهبتم إليه والهمزة في هذا البناء ليست للتعدية وإنما هي للدلالة على معنى التعجب والتفضيل فقط كألف فاعل وميم مفعول وواوه وتاء الافتعال والمطاوعة ونحوها من الزوائد التي تلحق الفعل الثلاثي لبيان ما لحقه من الزيادة على مجرده فهذا هو السبب الجالب لهذه الهمزة لا تعدية الفعل .

قالوا : والذي يدل على هذا أن الفعل الذي يعدى بالهمزة يجوز أن يعدى بحرف الجر وبالتضعيف نحو جلست به وأجلسته وقمت به وأقمته ونظائره وهنا لا يقوم مقام الهمزة غيرها فعلم أنها ليست للتعدية المجردة أيضا فإنها تجامع باء التعدية نحو أكرم به وأحسن به ولا يجمع على الفعل بين تعديتين . وأيضا فإنهم يقولون ما أعطاه للدراهم وأكساه للثياب وهذا من أعطى وكسا المتعدي ولا يصح تقدير نقله إلى عطو : إذا تناول ثم أدخلت عليه همزة التعدية لفساد المعنى فإن التعجب إنما وقع من إعطائه لا من عطوه وهو تناوله والهمزة التي فيه همزة التعجب والتفضيل وحذفت همزته التي في فعله فلا يصح أن يقال هي للتعدية .

قالوا : وأما قولكم إنه عدي باللام في نحو ما أضربه لزيد . . . إلى آخره فالإتيان باللام هاهنا ليس لما ذكرتم من لزوم الفعل وإنما أتي بها تقوية له لما ضعف بمنعه من التصرف وألزم طريقة واحدة خرج بها عن سنن الأفعال فضعف عن اقتضائه وعمله فقوي باللام كما يقوى بها عند تقدم معموله عليه وعند فرعيته وهذا المذهب هو الراجح كما تراه .

فلنرجع إلى المقصود فنقول تقدير أحمد على قول الأولين أحمد الناس لربه وعلى قول هؤلاء أحق الناس وأولاهم بأن يحمد فيكون كمحمد في المعنى إلا أن الفرق بينهما أن محمدا هو كثير الخصال التي يحمد عليها وأحمد هو الذي يحمد أفضل مما يحمد غيره فمحمد في الكثرة والكمية وأحمد في الصفة والكيفية فيستحق من الحمد أكثر مما يستحق غيره وأفضل مما يستحق غيره فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر . فالاسمان واقعان على المفعول وهذا أبلغ في مدحه وأكمل معنى . ولو أريد معنى الفاعل لسمي الحماد أي كثير الحمد فإنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الخلق حمدا لربه فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه لكان الأولى به الحماد كما سميت بذلك أمته .

وأيضا : فإن هذين الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائصه المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا صلى الله عليه وسلم وأحمد وهو الذي يحمده أهل السماء وأهل الأرض وأهل الدنيا وأهل الآخرة لكثرة خصائله المحمودة التي تفوق عد العادين وإحصاء المحصين وقد أشبعنا هذا المعنى في كتاب الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وإنما ذكرنا هاهنا كلمات يسيرة اقتضتها حال المسافر وتشتت قلبه وتفرق همته وبالله المستعان وعليه التكلان .

[ تفسير معنى المتوكل ]

وأما اسمه المتوكل ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو قال قرأت في التوراة صفة النبي صلى الله عليه وسلم محمد رسول الله عبدي ورسولي سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة بل يعفو ويصفح ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله وهو صلى الله عليه وسلم أحق الناس بهذا الاسم لأنه توكل على الله في إقامة الدين توكلا لم يشركه فيه غيره .

[ تفسير الماحي ]

وأما الماحي والحاشر والمقفي والعاقب فقد فسرت في حديث جبير بن مطعم فالماحي : هو الذي محا الله به الكفر ولم يمح الكفر بأحد من الخلق ما محي بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه بعث وأهل الأرض كلهم كفار إلا بقايا من أهل الكتاب وهم ما بين عباد أوثان ويهود مغضوب عليهم ونصارى ضالين وصابئة دهرية لا يعرفون ربا ولا معادا وبين عباد الكواكب وعباد النار وفلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء ولا يقرون بها فمحا الله سبحانه برسوله ذلك حتى ظهر دين الله على كل دين وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار وسارت دعوته مسير الشمس في الأقطار .

[ تفسير الحاشر ]

وأما الحاشر فالحشر هو الضم والجمع فهو الذي يحشر الناس على قدمه فكأنه بعث ليحشر الناس .

[ تفسير العاقب ]

والعاقب الذي جاء عقب الأنبياء فليس بعده نبي فإن العاقب هو الآخر فهو بمنزلة الخاتم ولهذا سمي العاقب على الإطلاق أي عقب الأنبياء جاء بعقبهم .

[ تفسير المقفي ]

وأما المقفي فكذلك وهو الذي قفى على آثار من تقدمه فقفى الله به على آثار من سبقه من الرسل وهذه اللفظة مشتقة من القفو يقال قفاه يقفوه إذا تأخر عنه ومنه قافية الرأس وقافية البيت فالمقفي : الذي قفى من قبله من الرسل فكان خاتمهم وآخرهم .

[ نبي التوبة ]

وأما نبي التوبة فهو الذي فتح الله به باب التوبة على أهل الأرض فتاب الله عليهم توبة لم يحصل مثلها لأهل الأرض قبله .

وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس استغفارا وتوبة حتى كانوا يعدون له في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور

وكان يقول يا أيها الناس توبوا إلى الله ربكم فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة وكذلك توبة أمته أكمل من توبة سائر الأمم وأسرع قبولا وأسهل تناولا وكانت توبة من قبلهم من أصعب الأشياء حتى كان من توبة بني إسرائيل من عبادة العجل قتل أنفسهم وأما هذه الأمة فلكرامتها على الله تعالى جعل توبتها الندم والإقلاع .

[ نبي الملحمة ]

وأما نبي الملحمة فهو الذي بعث بجهاد أعداء الله فلم يجاهد نبي وأمته قط ما جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته والملاحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يعهد مثلها قبله فإن أمته يقتلون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار وقد أوقعوا بهم من الملاحم ما لم تفعله أمة سواهم .

[ نبي الرحمة ]

وأما نبي الرحمة فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين فرحم به أهل الأرض كلهم مؤمنهم وكافرهم أما المؤمنون فنالوا النصيب الأوفر من الرحمة وأما الكفار فأهل الكتاب منهم عاشوا في ظله وتحت حبله وعهده وأما من قتله منهم هو وأمته فإنهم عجلوا به إلى النار وأراحوه من الحياة الطويلة التي لا يزداد بها إلا شدة العذاب في الآخرة .

[ الفاتح ]

وأما الفاتح فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مرتجا وفتح به الأعين العمي والآذان الصم والقلوب الغلف وفتح الله به أمصار الكفار وفتح به أبواب الجنة وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح ففتح به الدنيا والآخرة والقلوب والأسماع والأبصار والأمصار .

[ الأمين ]

وأما الأمين فهو أحق العالمين بهذا الاسم فهو أمين الله على وحيه ودينه وهو أمين من في السماء وأمين من في الأرض ولهذا كانوا يسمونه قبل النبوة الأمين .

[ الضحوك القتال ]

وأما الضحوك القتال فاسمان مزدوجان لا يفرد أحدهما عن الآخر فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين غير عابس ولا مقطب ولا غضوب ولا فظ قتال لأعداء الله لا تأخذه فيهم لومة لائم .

[ البشير ]

وأما البشير فهو المبشر لمن أطاعه بالثواب والنذير المنذر لمن عصاه بالعقاب وقد سماه الله عبده في مواضع من كتابه منها قوله : وأنه لما قام عبد الله يدعوه [ الجن : 20 ] وقوله تبارك الذي نزل الفرقان على عبده [ الفرقان : 1 ] وقوله فأوحى إلى عبده ما أوحى [ النجم 10 ] وقوله وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا [ البقرة 23 ] وثبت عنه في الصحيح أنه قال أنا سيد ولد آدم [ يوم القيامة ] ولا فخر وسماه الله سراجا منيرا وسمى الشمس سراجا وهاجا .

[ المنير ]

والمنير هو الذي ينير من غير إحراق بخلاف الوهاج فإن فيه نوع إحراق وتوهج .

إحساس صادق
26 -10- 2003, 01:16 PM
الاخ مخربش بارك الله فيك وكثر من امثالك وجزاك الله خير وقل آمين الله يحطنا وإيكم في الجنه

رديمة
27 -10- 2003, 01:14 AM
جزاك الله خير مخربش

بنتظار المزيد

وفقكم الله

أبـو حـمـMـمـد
27 -10- 2003, 01:44 AM
هات أكثر خلينا نتعلم أكثر.........وشكرا

إبن عبد ربه
27 -10- 2003, 11:17 PM
فصل في ذكرى الهجرتين الأولى والثانية


-------------------------------------------------------------------------------------------------------

لما كثر المسلمون وخاف منهم الكفار اشتد أذاهم له صلى الله عليه وسلم وفتنتهم إياهم فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى الحبشة وقال إن بها ملكا لا يظلم الناس عنده فهاجر من المسلمين اثنا عشر رجلا وأربع نسوة منهم عثمان بن عفان وهو أول من خرج ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقاموا في الحبشة في أحسن جوار فبلغهم أن قريشا أسلمت وكان هذا الخبر كذبا فرجعوا إلى مكة فلما بلغهم أن الأمر أشد مما كان رجع منهم من رجع ودخل جماعة فلقوا من قريش أذى شديدا وكان ممن دخل عبد الله بن مسعود .

[ الحصر في الشعب ثم وفاة خديجة فعمه فخروجه للطائف ]

ثم أذن لهم في الهجرة ثانيا إلى الحبشة فهاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلا إن كان فيهم عمار فإنه يشك فيه ومن النساء ثمان عشرة امرأة فأقاموا عند النجاشي على أحسن حال فبلغ ذلك قريشا فأرسلوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة في جماعة ليكيدوهم عند النجاشي فرد الله كيدهم في نحورهم فاشتد أذاهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحصروه وأهل بيته في الشعب شعب أبي طالب ثلاث سنين وقيل سنتين وخرج من الحصر وله تسع وأربعون سنة وقيل ثمان وأربعون سنة وبعد ذلك بأشهر مات عمه أبو طالب وله سبع وثمانون سنة وفي الشعب ولد عبد الله بن عباس فنال الكفار منه أذى شديدا ثم ماتت خديجة بعد ذلك بيسير فاشتد أذى الكفار له فخرج إلى الطائف هو وزيد بن حارثة يدعو إلى الله تعالى وأقام به أياما فلم يجيبوه وآذوه وأخرجوه وقاموا له سماطين فرجموه بالحجارة حتى أدموا كعبيه فانصرف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى مكة وفي طريقه لقي عداسا النصراني فآمن به وصدقه وفي طريقه أيضا بنخلة صرف إليه نفر من الجن سبعة من أهل نصيبين فاستمعوا القرآن وأسلموا وفي طريقه تلك أرسل الله إليه ملك الجبال يأمره بطاعته وأن يطبق على قومه أخشبي مكة وهما جبلاها إن أراد فقال : لا بل أستأني بهم لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا

[ الإسراء ]

وفي طريقه دعا بذلك الدعاء المشهور اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي . . . الحديث ثم دخل مكة في جوار المطعم بن عدي ثم أسري بروحه وجسده إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى فوق السموات بجسده وروحه إلى الله عز وجل فخاطبه وفرض عليه الصلوات وكان ذلك مرة واحدة هذا أصح الأقوال .

وقيل كان ذلك مناما وقيل بل يقال أسري به ولا يقال يقظة ولا مناما .

وقيل كان الإسراء إلى بيت المقدس يقظة وإلى السماء مناما . وقيل : كان الإسراء مرتين مرة يقظة ومرة مناما .

وقيل بل أسري به ثلاث مرات وكان ذلك بعد المبعث بالاتفاق .

وأما ما وقع في حديث شريك أن ذلك كان قبل أن يوحى إليه فهذا مما عد من أغلاط شريك الثمانية وسوء حفظه لحديث الإسراء . وقيل إن هذا كان إسراء المنام قبل الوحي . وأما إسراء اليقظة فبعد النبوة وقيل بل الوحي هاهنا مقيد وليس بالوحي المطلق الذي هو مبدأ النبوة والمراد قبل أن يوحى إليه في شأن الإسرار فأسري به فجأة من غير تقدم إعلام والله أعلم .

[ دعوة القبائل والهجرة إلى المدينة ]

فأقام صلى الله عليه وسلم بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله تعالى ويعرض نفسه عليهم في كل موسم أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه ولهم الجنة فلم تستجب له قبيلة وادخر الله ذلك كرامة للأنصار فلما أراد الله تعالى إظهار دينه وإنجاز وعده ونصر نبيه وإعلاء كلمته والانتقام من أعدائه ساقه إلى الأنصار لما أراد بهم من الكرامة فانتهى إلى نفر منهم ستة وقيل ثمانية وهم يحلقون رءوسهم عند عقبة منى في الموسم فجلس إليهم ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فاستجابوا لله ورسوله ورجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم ولم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فأول مسجد قرئ فيه القرآن بالمدينة مسجد بني زريق ثم قدم مكة في العام القابل اثنا عشر رجلا من الأنصار منهم خمسة من الستة الأولين فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء عند العقبة ثم انصرفوا إلى المدينة فقدم عليه في العام القابل منهم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان وهم أهل العقبة الأخيرة فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأنفسهم فترحل هو وأصحابه إليهم واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم اثني عشر نقيبا وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى المدينة فخرجوا أرسالا متسللين أولهم فيما قيل : أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي

وقيل مصعب بن عمير فقدموا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم وفشا الإسلام بالمدينة ثم أذن الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فخرج من مكة يوم الاثنين في شهر ربيع الأول وقيل في صفر وله إذ ذاك ثلاث وخمسون سنة ومعه أبو بكر الصديق وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي فدخل غار ثور هو وأبو بكر فأقاما فيه ثلاثا ثم أخذا على طريق الساحل فلما انتهوا إلى المدينة وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول وقيل غير ذلك نزل بقباء في أعلى المدينة على بني عمرو بن عوف .

وقيل نزل على كلثوم بن الهدم . وقيل على سعد بن خيثمة والأول أشهر فأقام عندهم أربعة عشر يوما وأسس مسجد قباء ثم خرج يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم فجمع بهم بمن كان معه من المسلمين وهم مائة ثم ركب ناقته وسار وجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم ويأخذون بخطام الناقة فيقول خلوا سبيلها فإنها مأمورة فبركت عند مسجده اليوم وكان مربدا لسهل وسهيل غلامين من بني النجار فنزل عنها على أبي أيوب الأنصاري ثم بنى مسجده موضع المربد بيده هو وأصحابه بالجريد واللبن ثم بنى مسكنه ومساكن أزواجه إلى جنبه وأقربها إليه مسكن عائشة ثم تحول بعد سبعة أشهر من دار أبي أيوب إليها وبلغ أصحابه بالحبشة هجرته إلى المدينة فرجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا فحبس منهم بمكة سبعة وانتهى بقيتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم هاجر بقيتهم في السفينة عام خيبر سنة سبع .

إبن عبد ربه
27 -10- 2003, 11:21 PM
فصل في أولاده صلى الله عليه وسلم

----------------------------------------------------------------------------------------------------

أولهم القاسم وبه كان يكنى مات طفلا وقيل عاش إلى أن ركب الدابة وسار على النجيبة . ثم زينب وقيل هي أسن من القاسم ثم رقية وأم كلثوم وفاطمة وقد قيل في كل واحدة منهن إنها أسن من أختيها وقد ذكر عن ابن عباس أن رقية أسن الثلاث وأم كلثوم أصغرهن .

ثم ولد له عبد الله وهل ولد بعد النبوة أو قبلها ؟ فيه اختلاف وصحح بعضهم أنه ولد بعد النبوة وهل هو الطيب والطاهر أو هما غيره ؟ على قولين . والصحيح أنهما لقبان له والله أعلم .

وهؤلاء كلهم من خديجة ولم يولد له من زوجة غيرها . ثم ولد له إبراهيم بالمدينة من سريته مارية القبطية سنة ثمان من الهجرة وبشره به أبو رافع مولاه فوهب له عبدا ومات طفلا قبل الفطام واختلف هل صلى عليه أم لا ؟ على قولين . وكل أولاده توفي قبله إلا فاطمة فإنها تأخرت بعده بستة أشهر فرفع الله لها بصبرها واحتسابها من الدرجات ما فضلت به على نساء العالمين .

وفاطمة أفضل بناته على الإطلاق وقيل إنها أفضل نساء العالمين وقيل بل أمها خديجة وقيل بل عائشة وقيل بل بالوقف في ذلك .

إبن عبد ربه
27 -10- 2003, 11:23 PM
فصل في أعمامه وعماته صلى الله عليه وسلم


----------------------------------------------------------------------------------------------------


فمنهم أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب والعباس وأبو طالب واسمه عبد مناف وأبو لهب واسمه عبد العزى والزبير وعبد الكعبة والمقوم وضرار وقثم والمغيرة ولقبه حجل والغيداق واسمه مصعب وقيل نوفل وزاد بعضهم العوام ولم يسلم منهم إلا حمزة والعباس .

وأما عماته فصفية أم الزبير بن العوام وعاتكة وبرة وأروى وأميمة وأم حكيم البيضاء . أسلم منهن صفية واختلف في إسلام عاتكة وأروى وصحح بعضهم إسلام أروى .

وأسن أعمامه الحارث وأصغرهم سنا : العباس وعقب منه حتى ملأ أولاده الأرض . وقيل أحصوا في زمن المأمون فبلغوا ستمائة ألف وفي ذلك بعد لا يخفى وكذلك أعقب أبو طالب وأكثر والحارث وأبو لهب وجعل بعضهم الحارث والمقوم واحدا وبعضهم الغيداق وحجلا واحدا .

إبن عبد ربه
27 -10- 2003, 11:32 PM
فصل في أزواجه صلى الله عليه وسلم


oooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooo o



[ خديجة ]

أولاهن خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية تزوجها قبل النبوة ولها أربعون سنة ولم يتزوج عليها حتى ماتت وأولاده كلهم منها إلا إبراهيم وهي التي آزرته على النبوة وجاهدت معه وواسته بنفسها ومالها وأرسل الله إليها السلام مع جبريلوهذه خاصة لا تعرف لامرأة سواها وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين .


[ سودة ]

ثم تزوج بعد موتها بأيام سودة بنت زمعة القرشية وهي التي وهبت يومها لعائشة .


[ عائشة ]
ثم تزوج بعدها أم عبد الله عائشة الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سموات حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصديق وعرضها عليه الملك قبل نكاحها في سرقة من حرير وقال هذه زوجتك تزوج بها في شوال وعمرها ست سنين وبنى بها في شوال في السنة الأولى من الهجرة وعمرها تسع سنين ولم يتزوج بكرا غيرها وما نزل عليه الوحي في لحاف امرأة غيرها وكانت أحب الخلق إليه ونزل عذرها من السماء واتفقت الأمة على كفر قاذفها وهي أفقه نسائه وأعلمهن بل أفقه نساء الأمة وأعلمهن على الإطلاق وكان الأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرجعون إلى قولها ويستفتونها . وقيل إنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطا ولم يثبت .




[ حفصة ]

ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكر أبو داود أنه طلقها ثم راجعها .


[ زينب بنت خزيمة ]

ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية من بني هلال بن عامر وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين .



[ أم سلمة]

ثم تزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية واسم أبي أمية حذيفة بن المغيرة وهي آخر نسائه موتا . وقيل آخرهن موتا صفية .


[ من ولي تزويج أم سلمة ؟]

واختلف فيمن ولي تزويجها منه ؟ فقال ابن سعد في الطبقات : ولي تزويجها منه سلمة بن أبي سلمة دون غيره من أهل بيتها ولما زوج النبي صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة أمامة بنت حمزة التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد قال : هل جزيت سلمة يقول ذلك لأن سلمة هو الذي تولى تزويجه دون غيره من أهلها ذكر هذا في ترجمة سلمة ثم ذكر في ترجمة أم سلمة عن الواقدي : حدثني مجمع بن يعقوب عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن أبي سلمة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أم سلمة إلى ابنها عمر بن أبي سلمة فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ غلام صغير .

وقال الإمام أحمد في المسند : حدثنا عفان حدثنا حماد بن أبي سلمة حدثنا ثابت قال حدثني ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أم سلمة أنها لما انقضت عدتها من أبي سلمة بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم إني امرأة غيرى وإني مصبية وليس أحد من أوليائي حاضرا . . . الحديث وفيه فقالت لابنها عمر قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه وفي هذا نظر فإن عمر هذا كان سنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ذكره ابن سعد وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع فيكون له من العمر حينئذ ثلاث سنين ومثل هذا لا يزوج قال ذلك ابن سعد وغيره ولما قيل ذلك للإمام أحمد قال من يقول إن عمر كان صغيرا ؟ قال أبو الفرج بن الجوزي : ولعل أحمد قال هذا قبل أن يقف على مقدار سنه وقد ذكر مقدار سنه جماعة من المؤرخين ابن سعد وغيره .

وقد قيل إن الذي زوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمها عمر بن الخطاب والحديث قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسب عمر ونسب أم سلمة يلتقيان في كعب فإنه عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب فوافق اسم ابنها عمر اسمه فقالت : قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فظن بعض الرواة أنه ابنها فرواه بالمعنى وقال فقالت لابنها وذهل عن تعذر ذلك عليه لصغر سنه ونظير هذا وهم بعض الفقهاء في هذا الحديث وروايتهم له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قم يا غلام فزوج أمك قال أبو الفرج ابن الجوزي وما عرفنا هذا في هذا الحديث قال وإن ثبت فيحتمل أن يكون قاله على وجه المداعبة للصغير إذ كان له من العمر يومئذ ثلاث سنين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها في سنة أربع ومات ولعمر تسع سنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتقر نكاحه إلى ولي .

وقال ابن عقيل : ظاهر كلام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشترط في نكاحه الولي وأن ذلك من خصائصه .







>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> يتبع

إبن عبد ربه
27 -10- 2003, 11:41 PM
[ زينب بنت جحش ]

ثم تزوج زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة وهي ابنة عمته أميمة وفيها نزل قوله تعالى : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها [ الأحزاب 37 ] وبذلك كانت تفتخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات .

ومن خواصها أن الله سبحانه وتعالى كان هو وليها الذي زوجها لرسوله من فوق سمواته وتوفيت في أول خلافة عمر بن الخطاب وكانت أولا عند زيد بن حارثة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبناه فلما طلقها زيد زوجه الله تعالى إياها لتتأسى به أمته في نكاح أزواج من تبنوه .


[ جويرية ]

وتزوج صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية وكانت من سبايا بني المصطلق فجاءته تستعين به على كتابتها فأدى عنها كتابتها وتزوجها .


[ أم حبيبة]

ثم تزوج أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب القرشية الأموية . وقيل اسمها هند تزوجها وهي ببلاد الحبشة مهاجرة وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار وسيقت إليه من هناك وماتت في أيام أخيها معاوية .

هذا هو المعروف المتواتر عند أهل السير والتواريخ وهو عندهم بمنزلة نكاحه لخديجة بمكة ولحفصة بالمدينة ولصفية بعد خيبر .

[ توهيم حديث عرض أبي سفيان أم حبيبة عليه صلى الله عليه وسلم ]

وأما حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم أسألك ثلاثا فأعطاه إياهن منها : وعندي أجمل العرب أم حبيبة أزوجك إياها . فهذا الحديث غلط لا خفاء به قال أبو محمد بن حزم : وهو موضوع بلا شك كذبه عكرمة بن عمار وقال ابن الجوزي في هذا الحديث هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد وقد اتهموا به عكرمة بن عمار لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبد الله بن جحش وولدت له وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة ثم تنصر وثبتت أم حبيبة على إسلامها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي يخطبها عليه فزوجه إياها وأصدقها عنه صداقا وذلك في سنة سبع من الهجرة وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل عليها فثنت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يجلس عليه ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان .

وأيضا ففي هذا الحديث أنه قال له وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم . ولا يعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا سفيان البتة .

وقد أكثر الناس الكلام في هذا الحديث وتعددت طرقهم في وجهه فمنهم من قال الصحيح أنه تزوجها بعد الفتح لهذا الحديث قال ولا يرد هذا بنقل المؤرخين وهذه الطريقة باطلة عند من له أدنى علم بالسيرة وتواريخ ما قد كان .

وقالت طائفة بل سأله أن يجدد له العقد تطييبا لقلبه فإنه كان قد تزوجها بغير اختياره وهذا باطل لا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يليق بعقل أبي سفيان ولم يكن من ذلك شيء .

وقالت طائفة منهم البيهقي والمنذري : يحتمل أن تكون هذه المسألة من أبي سفيان وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بالحبشة فلما ورد على هؤلاء ما لا حيلة لهم في دفعه من سؤاله أن يؤمره حتى يقاتل الكفار وأن يتخذ ابنه كاتبا قالوا : لعل هاتين المسألتين وقعتا منه بعد الفتح فجمع الراوي ذلك كله في حديث واحد والتعسف والتكلف الشديد الذي في هذا الكلام يغني عن رده .

وقالت طائفة للحديث محمل آخر صحيح وهو أن يكون المعنى : أرضى أن تكون زوجتك الآن فإني قبل لم أكن راضيا والآن فإني قد رضيت فأسألك أن تكون زوجتك وهذا وأمثاله لو لم يكن قد سودت به الأوراق وصنفت فيه الكتب وحمله الناس لكان الأولى بنا الرغبة عنه لضيق الزمان عن كتابته وسماعه والاشتغال به فإنه من ربد الصدور لا من زبدها . وقالت طائفة لما سمع أبو سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه لما آلى منهن أقبل إلى المدينة وقال للنبي صلى الله عليه وسلم ما قال ظنا منه أنه قد طلقها فيمن طلق وهذا من جنس ما قبله .

وقالت طائفة بل الحديث صحيح ولكن وقع الغلط والوهم من أحد الرواة في تسمية أم حبيبة وإنما سأل أن يزوجه أختها رملة ولا يبعد خفاء التحريم للجمع عليه فقد خفي ذلك على ابنته وهي أفقه منه وأعلم حين قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك في أختي بنت أبي سفيان ؟ فقال أفعل ماذا ؟ قالت تنكحها .

قال : أوتحبين ذلك ؟ قالت لست لك بمخلية وأحب من شركني في الخير أختي قال : فإنها لا تحل لي . فهذه هي التي عرضها أبو سفيان على النبي صلى الله عليه وسلم فسماها الراوي من عنده أم حبيبة . وقيل بل كانت كنيتها أيضا أم حبيبة وهذا الجواب حسن لولا قوله في الحديث فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سأل فيقال حينئذ هذه اللفظة وهم من الراوي فإنه أعطاه بعض ما سأل فقال الراوي : أعطاه ما سأل أو أطلقها اتكالا على فهم المخاطب أنه أعطاه ما يجوز إعطاؤه مما سأل والله أعلم .



[ صفية ]

[ جواز جعل عتق المرأة صداقها ]

وتزوج صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير من ولد هارون بن عمران أخي موسى فهي ابنة نبي وزوجة نبي وكانت من أجمل نساء العالمين وكانت قد صارت له من الصفي أمة فأعتقها وجعل عتقها صداقها فصار ذلك سنة للأمة إلى يوم القيامة أن يعتق الرجل أمته ويجعل عتقها صداقها فتصير زوجته بذلك فإذا قال أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها أو قال جعلت عتق أمتي صداقها صح العتق والنكاح وصارت زوجته من غير احتياج إلى تجديد عقد ولا ولي وهو ظاهر مذهب أحمد وكثير من أهل الحديث .

وقالت طائفة هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو مما خصه الله به في النكاح دون الأمة وهذا قول الأئمة الثلاثة ومن وافقهم والصحيح القول الأول لأن الأصل عدم الاختصاص حتى يقوم عليه دليل والله سبحانه لما خصه بنكاح الموهوبة له قال فيها : خالصة لك من دون المؤمنين [ الأحزاب 50 ] ولم يقل هذا في المعتقة ولا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقطع تأسي الأمة به في ذلك فالله سبحانه أباح له نكاح امرأة من تبناه لئلا يكون على الأمة حرج في نكاح أزواج من تبنوه فدل على أنه إذا نكح نكاحا فلأمته التأسي به فيه ما لم يأت عن الله ورسوله نص بالاختصاص وقطع التأسي وهذا ظاهر .

ولتقرير هذه المسألة وبسط الحجاج فيها - وتقرير أن جواز مثل هذا هو مقتضى الأصول والقياس - موضع آخر وإنما نبهنا عليه تنبيها .



[ ميمونة ]
ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية وهي آخر من تزوج بها تزوجها بمكة في عمرة القضاء بعد أن حل منها على الصحيح .

وقيل قبل إحلاله هذا قول ابن عباس ووهم رضي الله عنه فإن السفير بينهما بالنكاح أعلم الخلق بالقصة وهو أبو رافع وقد أخبر أنه تزوجها حلالا وقال كنت أنا السفير بينهما وابن عباس إذ ذاك له نحو العشر سنين أو فوقها وكان غائبا عن القصة لم يحضرها وأبو رافع رجل بالغ وعلى يده دارت القصة وهو أعلم بها ولا يخفى أن مثل هذا الترجيح موجب للتقديم وماتت في أيام معاوية وقبرها بسرف .



[ ريحانة ]

قيل ومن أزواجه ريحانة بنت زيد النضرية . وقيل القرظية سبيت يوم بني قريظة فكانت صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها ثم طلقها تطليقة ثم راجعها .

وقالت طائفة بل كانت أمته وكان يطؤها بملك اليمين حتى توفي عنها فهي معدودة في السراري لا في الزوجات والقول الأول اختيار الواقدي ووافقه عليه شرف الدين الدمياطي . وقال هو الأثبت عند أهل العلم . وفيما قاله نظر فإن المعروف أنها من سراريه وإمائه والله أعلم .

فهؤلاء نساؤه المعروفات اللاتي دخل بهن وأما من خطبها ولم يتزوجها ومن وهبت نفسها له ولم يتزوجها فنحو أربع أو خمس وقال بعضهم هن ثلاثون امرأة وأهل العلم بسيرته وأحواله صلى الله عليه وسلم لا يعرفون هذا بل ينكرونه والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية ليتزوجها فدخل عليها ليخطبها فاستعاذت منه فأعاذها ولم يتزوجها وكذلك الكلبية وكذلك التي رأى بكشحها بياضا فلم يدخل بها والتي وهبت نفسها له فزوجها غيره على سور من القرآن هذا هو المحفوظ والله أعلم .


ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع وكان يقسم منهن لثمان عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأم سلمة وصفية وأم حبيبة وميمونة وسودة وجويرية . وأول نسائه لحوقا به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش سنة عشرين وآخرهن موتا أم سلمة سنة اثنتين وستين في خلافة يزيد والله أعلم .

إبن عبد ربه
28 -10- 2003, 04:44 PM
فصل في سراريه صلى الله عليه وسلم


قال أبو عبيدة كان له أربع مارية وهي أم ولده إبراهيم وريحانة وجارية أخرى جميلة أصابها في بعض السبي وجارية وهبتها له زينب بنت جحش .


فصل في مواليه صلى الله عليه وسلم

فمنهم زيد بن حارثة بن شراحيل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقه وزوجه مولاته أم أيمن فولدت له أسامة . ومنهم أسلم وأبو رافع وثوبان وأبو كبشة سليم وشقران واسمه صالح ورباح نوبي ويسار نوبي أيضا وهو قتيل العرنيين ومدعم وكركرة نوبي أيضا وكان على ثقله صلى الله عليه وسلم وكان يمسك راحلته عند القتال يوم خيبر .

وفي صحيح البخاري أنه الذي غل الشملة ذلك اليوم فقتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها لتلتهب عليه نارا وفي الموطأ أن الذي غلها مدعم وكلاهما قتل بخيبر والله أعلم . ومنهم أنجشة الحادي وسفينة بن فروخ واسمه مهران وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة لأنهم كانوا يحملونه في السفر متاعهم فقال : أنت سفينة قال أبو حاتم أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال غيره أعتقته أم سلمة .

ومنهم أنسة ويكنى أبا مشرح وأفلح وعبيد وطهمان وهو كيسان وذكوان ومهران ومروان وقيل هذا خلاف في اسم طهمان والله أعلم . ومنهم حنين وسندر وفضالة يماني ومأبور خصي وواقد وأبو واقد وقسام وأبو عسيب وأبو مويهبة . ومن النساء سلمى أم رافع وميمونة بنت سعد وخضرة ورضوى ورزينة وأم ضميرة وميمونة بنت أبي عسيب ومارية وريحانة .



فصل في خدامه صلى الله عليه وسلم

فمنهم أنس بن مالك وكان على حوائجه وعبد الله بن مسعود صاحب نعله وسواكه وعقبة بن عامر الجهني صاحب بغلته يقود به في الأسفار وأسلع بن شريك وكان صاحب راحلته وبلال بن رباح المؤذن وسعد موليا أبي بكر الصديق وأبو ذر الغفاري وأيمن بن عبيد وأمه أم أيمن موليا النبي صلى الله عليه وسلم وكان أيمن على مطهرته وحاجته .




.

إبن عبد ربه
29 -10- 2003, 11:03 AM
فصل في كتابه صلى الله عليه وسلم


أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وعامر بن فهيرة وعمرو بن العاص وأبي بن كعب وعبد الله بن الأرقم وثابت بن قيس بن شماس وحنظلة بن الربيع الأسيدي والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن رواحة وخالد بن الوليد وخالد بن سعيد بن العاص . وقيل إنه أول من كتب له ومعاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت وكان ألزمهم لهذا الشأن وأخصهم به .




فصل في كتبه صلى الله عليه وسلم التي كتبها إلى أهل الإسلام في الشرائع



فمنها كتابه في الصدقات الذي كان عند أبي بكر وكتبه أبو بكر لأنس بن مالك لما وجهه إلى البحرين وعليه عمل الجمهور . ومنها كتابه إلى أهل اليمن وهو الكتاب الذي رواه أبو بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وكذلك رواه الحاكم في مستدركه والنسائي وغيرهما مسندا متصلا ورواه أبو داود وغيره مرسلا وهو كتاب عظيم فيه أنواع كثيرة من الفقه في الزكاة والديات والأحكام وذكر الكبائر والطلاق والعتاق وأحكام الصلاة في الثوب الواحد والاحتباء فيه ومس المصحف وغير ذلك .

قال الإمام أحمد : لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه واحتج الفقهاء كلهم بما فيه من مقادير الديات . ومنها كتابه إلى بني زهير . ومنها كتابه الذي كان عند عمر بن الخطاب في نصب الزكاة وغيرها .

*
*
*
*
*

إبن عبد ربه
03 -11- 2003, 10:20 PM
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------
فصل في كتبه صلى الله عليه وسلم التي كتبها إلى أهل الإسلام في الشرائع
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------


فمنها كتابه في الصدقات الذي كان عند أبي بكر وكتبه أبو بكر لأنس بن مالك لما وجهه إلى البحرين وعليه عمل الجمهور . ومنها كتابه إلى أهل اليمن وهو الكتاب الذي رواه أبو بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وكذلك رواه الحاكم في مستدركه والنسائي وغيرهما مسندا متصلا ورواه أبو داود وغيره مرسلا وهو كتاب عظيم فيه أنواع كثيرة من الفقه في الزكاة والديات والأحكام وذكر الكبائر والطلاق والعتاق وأحكام الصلاة في الثوب الواحد والاحتباء فيه ومس المصحف وغير ذلك .

قال الإمام أحمد : لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه واحتج الفقهاء كلهم بما فيه من مقادير الديات . ومنها كتابه إلى بني زهير . ومنها كتابه الذي كان عند عمر بن الخطاب في نصب الزكاة وغيرها .

-----------------------------------------------------------------------------------
فصل في كتبه ورسله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك
---------------------------------------------------------------------------------

لما رجع من الحديبية كتب إلى ملوك الأرض وأرسل إليهم رسله فكتب إلى ملك الروم فقيل له إنهم لا يقرءون كتابا إلا إذا كان مختوما فاتخذ خاتما من فضة ونقش عليه ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر وختم به الكتب إلى الملوك وبعث ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع .

[ الكتاب إلى النجاشي ]

فأولهم عمرو بن أمية الضمري بعثه إلى النجاشي واسمه أصحمة بن أبجر وتفسير أصحمة بالعربية عطية فعظم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم وشهد شهادة الحق وكان من أعلم الناس بالإنجيل وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوم مات بالمدينة وهو بالحبشة هكذا قال جماعة منهم الواقدي وغيره وليس كما قال هؤلاء فإن أصحمة النجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هو الذي كتب إليه هذا الثاني لا يعرف إسلامه بخلاف الأول فإنه مات مسلما .

وقد روى مسلم في صحيحه من حديث قتادة عن أنس قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى وليس بالنجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو محمد بن حزم : إن هذا النجاشي الذي بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري لم يسلم والأول هو اختيار ابن سعد وغيره والظاهر قول ابن حزم .

[ الكتاب إلى هرقل ]

وبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم واسمه هرقل وهم بالإسلام وكاد ولم يفعل وقيل بل أسلم وليس بشيء .

وقد روى أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ينطلق بصحيفتي هذه إلى قيصر وله الجنة ؟ فقال رجل من القوم : وإن لم يقبل ؟ قال وإن لم يقبل فوافق قيصر وهو يأتي بيت المقدس قد جعل عليه بساط لا يمشي عليه غيره فرمى بالكتاب على البساط وتنحى فلما انتهى قيصر إلى الكتاب أخذه فنادى قيصر من صاحب الكتاب ؟ فهو آمن فجاء الرجل فقال أنا . قال فإذا قدمت فأتني فلما قدم أتاه فأمر قيصر بأبواب قصره فغلقت ثم أمر مناديا ينادي : ألا إن قيصر قد اتبع محمدا وترك النصرانية فأقبل جنده وقد تسلحوا حتى أطافوا به فقال لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترى أني خائف على مملكتي ثم أمر مناديه فنادى : ألا إن قيصر قد رضي عنكم وإنما اختبركم لينظر كيف صبركم على دينكم فارجعوا فانصرفوا وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني مسلم وبعث إليه بدنانير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذب عدو الله ليس بمسلم وهو على النصرانية وقسم الدنانير .

[ الكتاب إلى كسرى ]

وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى واسمه أبرويز بن هرمز بن أنوشروان فمزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم مزق ملكه فمزق الله ملكه وملك قومه .

[ الكتاب إلى المقوقس ]

وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس واسمه جريج بن ميناء ملك الإسكندرية عظيم القبط فقال خيرا وقارب الأمر ولم يسلم وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم مارية وأختيها سيرين وقيسرى فتسرى مارية ووهب سيرين لحسان بن ثابت وأهدى له جارية أخرى وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا من قباطي مصر وبغلة شهباء وهي دلدل وحمارا أشهب وهو عفير وغلاما خصيا يقال له مأبور . وقيل هو ابن عم مارية وفرسا وهو اللزاز وقدحا من زجاج وعسلا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه

[ الكتاب إلى ملك البلقاء ]

بعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء قاله ابن إسحاق والواقدي . قيل إنما توجه لجبلة بن الأيهم . وقيل توجه لهما معا . وقيل توجه لهرقل مع دحية بن خليفة والله أعلم .

وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة فأكرمه . وقيل بعثه إلى هوذة وإلى ثمامة بن أثال الحنفي فلم يسلم هوذة وأسلم ثمامة بعد ذلك فهؤلاء الستة قيل هم الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد .

[الكتاب إلى عاملي عمان ]

وبعث عمرو بن العاص في ذي القعدة سنة ثمان إلى جيفر وعبد الله ابني الجلندى الأزديين بعمان فأسلما وصدقا وخليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بينهم فلم يزل فيما بينهم حتى بلغته وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[الكتاب إلى ملك البحرين ]

وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين قبل منصرفه من الجعرانة وقيل قبل الفتح فأسلم وصدق .

[الكتاب إلى اليمن ]

وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري باليمن فقال سأنظر في أمري .

[ بعوث أخرى ]

وبعث أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن عند انصرافه من تبوك .

وقيل بل سنة عشر من ربيع الأول داعيين إلى الإسلام فأسلم عامة أهلها طوعا من غير قتال . ثم بعث بعد ذلك علي بن أبي طالب إليهم ووافاه بمكة في حجة الوداع . وبعث جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع الحميري وذي عمرو يدعوهما إلى الإسلام فأسلما وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرير عندهم .

وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى مسيلمة الكذاب بكتاب وكتب إليه بكتاب آخر مع السائب بن العوام أخي الزبير فلم يسلم . وبعث إلى فروة بن عمرو الجذامي يدعوه إلى الإسلام . وقيل لم يبعث إليه وكان فروة عاملا لقيصر بمعان فأسلم وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وبعث إليه هدية مع مسعود بن سعد وهي بغلة شهباء يقال لها : فضة وفرس يقال لها : الظرب وحمار يقال له يعفور كذا قاله جماعة والظاهر - والله أعلم - أن عفيرا ويعفور واحد عفير تصغير يعفور تصغير الترخيم . وبعث أثوابا وقباء من سندس مخوص بالذهب فقبل هديته ووهب لمسعود بن سعد اثنتي عشرة أوقية ونشا . وبعث عياش بن أبي ربيعة المخزومي بكتاب إلى الحارث ومسروح ونعيم بني عبد كلال من حمير .

إبن عبد ربه
03 -11- 2003, 10:22 PM
---------------------------------------------------------------------------------------------------
فصل في مؤذنيه صلى الله عليه وسلم
------------------------------------------------------------------------------------------------
وكانوا أربعة اثنان بالمدينة بلال بن رباح وهو أول من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن أم مكتوم القرشي العامري الأعمى وبقباء سعد القرظ مولى عمار بن ياسر وبمكة أبو محذورة واسمه أوس بن مغيرة الجمحي وكان أبو محذورة منهم يرجع الأذان ويثني الإقامة وبلال لا يرجع ويفرد الإقامة فأخذ الشافعي رحمه الله وأهل مكة بأذان أبي محذورة وإقامة بلال وأخذ أبو حنيفة رحمه الله وأهل العراق بأذان بلال وإقامة أبي محذورة وأخذ الإمام أحمد رحمه الله وأهل الحديث وأهل المدينة بأذان بلال وإقامته وخالف مالك رحمه الله في الموضعين إعادة التكبير وتثنية لفظ الإقامة فإنه لا يكررها .



-------------------------------------------------------------------------------------------------
فصل في أمرائه صلى الله عليه وسلم
------------------------------------------------------------------------------------------------
منهم باذان بن ساسان من ولد بهرام جور أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل اليمن كلها بعد موت كسرى فهو أول أمير في الإسلام على اليمن وأول من أسلم من ملوك العجم .

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت باذان ابنه شهر بن باذان على صنعاء وأعمالها .

ثم قتل شهر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على صنعاء خالد بن سعيد بن العاص .

وولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجر بن أبي أمية المخزومي كندة والصدف فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسر إليها فبعثه أبو بكر إلى قتال أناس من المرتدين .

وولى زياد بن أمية الأنصاري حضرموت . وولى أبا موسى الأشعري زبيد وعدن والساحل . وولى معاذ بن جبل الجند . وولى أبا سفيان صخر بن حرب نجران . وولى ابنه يزيد تيماء . وولى عتاب بن أسيد مكة وإقامة الموسم بالحج بالمسلمين سنة ثمان وله دون العشرين سنة . وولى علي بن أبي طالب الأخماس باليمن والقضاء بها . وولى عمرو بن العاص عمان وأعمالها . وولى الصدقات جماعة كثيرة لأنه كان لكل قبيلة وال يقبض صدقاتها فمن هنا كثر عمال الصدقات .

وولى أبا بكر إقامة الحج سنة تسع وبعث في إثره عليا يقرأ على الناس سورة ( براءة فقيل لأن أولها نزل بعد خروج أبي بكر إلى الحج . وقيل بل لأن عادة العرب كانت أنه لا يحل العقود ويعقدها إلا المطاع أو رجل من أهل بيته . وقيل أردفه به عونا له ومساعدا . ولهذا قال له الصديق أمير أو مأمور ؟ قال بل مأمور وأما أعداء الله الرافضة فيقولون عزله بعلي وليس هذا ببدع من بهتهم وافترائهم .

واختلف الناس هل كانت هذه الحجة قد وقعت في شهر ذي الحجة أو كانت في ذي القعدة من أجل النسيء ؟ على قولين والله أعلم .

إبن عبد ربه
03 -11- 2003, 10:24 PM
فصل في حرسه صلى الله عليه وسلم
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||| |||||||||||||||||||||||||||
فمنهم سعد بن معاذ حرسه يوم بدر حين نام في العريش ومحمد بن مسلمة حرسه يوم أحد والزبير بن العوام حرسه يوم الخندق .

ومنهم عباد بن بشر وهو الذي كان على حرسه وحرسه جماعة آخرون غير هؤلاء فلما نزل قوله تعالى: والله يعصمك من الناس [ المائدة 67 ] خرج على الناس فأخبرهم بها وصرف الحرس

إبن عبد ربه
03 -11- 2003, 10:25 PM
فصل فيمن كان يضرب الأعناق بين يديه صلى الله عليه وسلم
************************************************** **********
علي بن أبي طالب والزبير بن العوام والمقداد بن عمرو ومحمد بن مسلمة وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح والضحاك بن سفيان الكلابي

وكان قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري منه صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير ووقف المغيرة بن شعبة على رأسه بالسيف يوم الحديبية

إبن عبد ربه
03 -11- 2003, 10:26 PM
فصل فيمن كان على نفقاته وخاتمه ونعله وسواكه ومن كان يأذن عليه
////////////////////////////////////////
كان بلال على نفقاته ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي على خاتمه وابن مسعود على سواكه ونعله وأذن عليه رباح الأسود وأنسة مولياه وأنس بن مالك وأبو موسى الأشعري

إبن عبد ربه
03 -11- 2003, 10:27 PM
فصل في شعرائه وخطبائه صلى الله عليه وسلم
+++++++++++++++++++++++++++++++
كان من شعرائه الذين يذبون عن الإسلام كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة و حسان بن ثابت وكان أشدهم على الكفار حسان بن ثابت وكعب بن مالك يعيرهم بالكفر والشرك وكان خطيبه ثابت بن قيس بن شماس

إبن عبد ربه
03 -11- 2003, 10:28 PM
فصل في حداته الذين كانوا يحدون بين يديه صلى الله عليه وسلم في السفر
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
منهم عبد الله بن رواحة وأنجشة وعامر بن الأكوع وعمه سلمة بن الأكوع . الصوت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : رويدا يا أنجشة لا تكسر القوارير . يعني ضعفة النساء .

إبن عبد ربه
03 -11- 2003, 10:29 PM
فصل في غزواته وبعوثه وسراياه صلى الله عليه وسلم
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
غزواته كلها وبعوثه وسراياه كانت بعد الهجرة في مدة عشر سنين فالغزوات سبع وعشرون وقيل خمس وعشرون وقيل تسع وعشرون وقيل غير ذلك قاتل منها في تسع : بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف .

وقيل قاتل في بني النضير والغابة ووادي القرى من أعمال خيبر .

وأما سراياه وبعوثه فقريب من ستين والغزوات الكبار الأمهات سبع : بدر وأحد والخندق وخيبر والفتح وحنين وتبوك . وفي شأن هذه الغزوات نزل القرآن فسورة ( الأنفال سورة بدر وفي أحد آخر سورة ( آل عمران من قوله وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال [ آل عمران 121 ] إلى قبيل آخرها بيسير وفي قصة الخندق وقريظة وخيبر صدر ( سورة الأحزاب وسورة ( الحشر في بني النضير وفي قصة الحديبية وخيبر سورة ( الفتح وأشير فيها إلى الفتح وذكر الفتح صريحا في سورة ( النصر .

وجرح منها صلى الله عليه وسلم في غزوة واحدة وهي أحد وقاتلت معه الملائكة منها في بدر وحنين ونزلت الملائكة يوم الخندق فزلزلت المشركين وهزمتهم ورمى فيها الحصباء في وجوه المشركين فهربوا وكان الفتح في غزوتين : بدر وحنين .

وقاتل بالمنجنيق منها في غزوة واحدة وهي

الطائف وتحصن في الخندق في واحدة وهي الأحزاب أشار به عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه

إحساس صادق
03 -11- 2003, 11:52 PM
الخ مخربش السلام عليكم ورحمة الله
الله يعطيك العافيه على هذا المو ضوع فهو جميل جدا وكيف لا وهو عن
خير البشريه كافه
نظرة: حب: مشرق:

إبن عبد ربه
04 -11- 2003, 11:34 AM
الخ عاشق مدوح


رحم الله والديك...ومشكر على الإطراء.وهذا ليس بغريب من إنسان ذواق مثلك.




وتقبل تحياتي

إبن عبد ربه
04 -11- 2003, 11:37 AM
فصل في ذكر سلاحه وأثاثه صلى الله عليه وسلم
++++++++++++++++++++++++++++
كان له تسعة أسياف مأثور وهو أول سيف ملكه ورثه من أبيه .

والعضب وذو الفقار بكسر الفاء وبفتح الفاء وكان لا يكاد يفارقه وكانت قائمته وقبيعته وحلقته وذؤابته وبكراته ونعله من فضة . والقلعي والبتار والحتف والرسوب والمخذم والقضيب وكان نعل سيفه فضة وما بين ذلك حلق فضة .

وكان سيفه ذو الفقار تنفله يوم بدر وهو الذي أري فيها الرؤيا ودخل يوم الفتح مكة وعلى سيفه ذهب وفضة .

وكان له سبعة أدرع ذات الفضول وهي التي رهنها عند أبي الشحم اليهودي على شعير لعياله وكان ثلاثين صاعا وكان الدين إلى سنة وكانت الدرع من حديد . وذات الوشاح وذات الحواشي والسعدية وفضة والبتراء والخرنق .

وكانت له ست قسي : الزوراء والروحاء والصفراء والبيضاء والكتوم كسرت يوم أحد فأخذها قتادة بن النعمان والسداد .

وكانت له جعبة تدعى : الكافور ومنطقة من أديم منشور فيها ثلاث حلق من فضة والإبزيم من فضة والطرف من فضة وكذا قال بعضهم وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شد على وسطه منطقة .

وكان له ترس يقال له الزلوق وترس يقال له الفتق . قيل . وترس أهدي إليه فيه صورة تمثال فوضع يده عليه فأذهب الله ذلك التمثال .

وكانت له خمسة أرماح يقال لأحدهم المثوي والآخر المثني وحربة يقال لها : النبعة وأخرى كبيرة تدعى : البيضاء وأخرى صغيرة شبه العكاز يقال لها : العنزة يمشي بها بين يديه في الأعياد تركز أمامه فيتخذها سترة يصلي إليها وكان يمشي بها أحيانا .

وكان له مغفر من حديد يقال له الموشح وشح بشبه ومغفر آخر يقال له السبوغ أو ذو السبوغ .

وكان له ثلاث جباب يلبسها في الحرب . قيل فيها : جبة سندس أخضر والمعروف أن عروة بن الزبير كان له يلمق من ديباج بطانته سندس أخضر يلبسه في الحرب والإمام أحمد في إحدى روايتيه يجوز لبس الحرير في الحرب . وكانت له راية سوداء يقال لها : العقاب . وفي سنن أبي داود عن رجل من الصحابة قال رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء وكانت له ألوية بيضاء وربما جعل فيها الأسود .

وكان له فسطاط يسمى : الكن ومحجن قدر ذراع أو أطول يمشي به ويركب به ويعلقه بين يديه على بعيره ومخصرة تسمى : العرجون وقضيب من الشوحط يسمى : الممشوق . قيل وهو الذي كان يتداوله الخلفاء .

وكان له قدح يسمى : الريان ويسمى مغنيا وقدح آخر مضبب بسلسلة من فضة . وكان له قدح من قوارير وقدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه بالليل وركوة تسمى : الصادر قيل وتور من حجارة يتوضأ منه ومخضب من شبه وقعب يسمى : السعة ومغتسل من صفر ومدهن وربعة يجعل فيها المرآة والمشط . قيل وكان المشط من عاج وهو الذبل ومكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثا في كل عين بالإثمد وكان في الربعة المقراضان والسواك .

وكانت له قصعة تسمى : الغراء لها أربع حلق يحملها أربعة رجال بينهم وصاع ومد وقطيفة وسرير قوائمه من ساج أهداه له أسعد بن زرارة وفراش من أدم حشوه ليف . وهذه الجملة قد رويت متفرقة في أحاديث .

وقد روى الطبراني في معجمه حديثا جامعا في الآنية من حديث ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة وقبيعته من فضة وكان يسمى : ذا الفقار وكانت له قوس تسمى : السداد وكانت له كنانة تسمى : الجمع وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى : ذات الفضول وكانت له حربة تسمى : النبعاء وكان له محجن يسمى : الدقن وكان له ترس أبيض يسمى : الموجز وكان له فرس أدهم يسمى : السكب وكان له سرج يسمى : الداج وكانت له بغلة شهباء تسمى : دلدل وكانت له ناقة تسمى : القصواء وكان له حمار يسمى : يعفور وكان له بساط يسمى : الكن وكانت له عنزة تسمى : القمرة وكانت له ركوة تسمى : الصادرة وكان له مقراض اسمه الجامع ومرآة وقضيب شوحط يسمى : الموت .

إبن عبد ربه
04 -11- 2003, 11:38 AM
فصل في دوابه صلى الله عليه وسلم
=====================

فمن الخيل السكب . قيل وهو أول فرس ملكه وكان اسمه عند الأعرابي الذي اشتراه منه بعشر أواق الضرس وكان أغر محجلا طلق اليمين كميتا . وقيل كان أدهم . والمرتجز وكان أشهب وهو الذي شهد فيه خزيمة بن ثابت . واللحيف واللزاز والظرب وسبحة والورد . فهذه سبعة متفق عليها جمعها الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن جماعة الشافعي في بيت فقال

والخيل سكب لحيف سبحة ظرب

لزاز مرتجز ورد لها أسرار


أخبرني بذلك عنه ولده الإمام عز الدين عبد العزيز أبو عمرو أعزه الله بطاعته .

وقيل كانت له أفراس أخر خمسة عشر ولكن مختلف فيها وكان دفتا سرجه من ليف .

وكان له من البغال دلدل وكانت شهباء أهداها له المقوقس . وبغلة أخرى . يقال لها : فضة . أهداها له فروة الجذامي وبغلة شهباء أهداها له صاحب أيلة وأخرى أهداها له صاحب دومة الجندل وقد قيل إن النجاشي أهدى له بغلة فكان يركبها .

ومن الحمير عفير وكان أشهب أهداه له المقوقس ملك القبط وحمار آخر أهداه له فروة الجذامي . وذكر أن سعد بن عبادة أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حمارا فركبه .

ومن الإبل القصواء قيل وهي التي هاجر عليها والعضباء والجدعاء ولم يكن بهما عضب ولا جدع وإنما سميتا بذلك وقيل كان بأذنها عضب فسميت به وهل العضباء والجدعاء واحدة أو اثنتان ؟ فيه خلاف والعضباء هي التي كانت لا تسبق ثم جاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حقا على الله ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه وغنم صلى الله عليه وسلم يوم بدر جملا مهريا لأبي جهل في أنفه برة من فضة فأهداه يوم الحديبية ليغيظ به المشركين .

وكانت له خمس وأربعون لقحة وكانت له مهرية أرسل بها إليه سعد بن عبادة من نعم بني عقيل . وكانت له مائة شاة وكان لا يريد أن تزيد كلما ولد له الراعي بهمة ذبح مكانها شاة وكانت له سبع أعنز منائح ترعاهن أم أيمن .

إبن عبد ربه
04 -11- 2003, 11:41 AM
فصل في ملابسه صلى الله عليه وسلم
00000000000000000000000000000000

كانت له عمامة تسمى : السحاب كساها عليا وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة . وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة .

وكان إذا اعتم أرخى عمامته بين كتفيه كما رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن حريث قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه

وفي مسلم أيضا عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء ولم يذكر في حديث جابر : ذؤابة فدل على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائما بين كتفيه .

وقد يقال إنه دخل مكة وعليه أهبة القتال والمغفر على رأسه فلبس في كل موطن ما يناسبه .

وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه في الجنة يذكر في سبب الذؤابة شيئا بديعا وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اتخذها صبيحة المنام الذي رآه في المدينة لما رأى رب العزة تبارك وتعالى فقال يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت لا أدري فوضع يده بين كتفي فعلمت ما بين السماء والأرض . . . الحديث وهو في الترمذي وسئل عنه البخاري فقال صحيح .

قال فمن تلك الحال أرخى الذؤابة بين كتفيه وهذا من العلم الذي تنكره ألسنة الجهال وقلوبهم ولم أر هذه الفائدة في إثبات الذؤابة لغيره .

ولبس القميص وكان أحب الثياب إليه وكان كمه إلى الرسغ ولبس الجبة والفروج وهو شبه القباء والفرجية ولبس القباء أيضا ولبس في السفر جبة ضيقة الكمين ولبس الإزار والرداء .

قال الواقدي : كان رداؤه وبرده طول ستة أذرع في ثلاثة وشبر وإزاره من نسج عمان طول أربعة أذرع وشبر في عرض ذراعين وشبر .

[ النهي عن لبس الأحمر ]

ولبس حلة حمراء والحلة إزار ورداء ولا تكون الحلة إلا اسما للثوبين معا وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتا لا يخالطها غيره وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر وإلا فالأحمر البحت منهي عنه أشد النهي ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المياثر الحمر وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ريطة مضرجة بالعصفر فقال ما هذه الريطة التي عليك ؟ فعرفت ما كره فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورا لهم فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد فقال يا عبد الله ما فعلت الريطة ؟ فأخبرته فقال هلا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بها للنساء

وفي صحيح مسلم عنه أيضا قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين . فقال إن هذه من لباس الكفار فلا تلبسها وفي صحيحه أيضا عن علي رضي الله عنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس المعصفر ومعلوم أن ذلك إنما يصبغ صبغا أحمر .

وفي بعض السنن أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى على رواحلهم أكسية فيها خطوط حمراء فقال ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم فقمنا سراعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفر بعض إبلنا فأخذنا الأكسية فنزعناها عنها . رواه أبو داود .

وفي جواز لبس الأحمر من الثياب والجوخ وغيرها نظر . وأما كراهته فشديدة جدا فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه لبس الأحمر القاني كلا لقد أعاذه الله منه وإنما وقعت الشبهة من لفظ الحلة الحمراء والله أعلم .

ولبس الخميصة المعلمة والساذجة ولبس ثوبا أسود ولبس الفروة المكفوفة بالسندس . وروى الإمام أحمد وأبو داود بإسنادهما عن أنس بن مالك أن ملك الروم أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم مستقة من سندس فلبسها فكأني أنظر إلى يديه تذبذبان . قال الأصمعي : المساتق فراء طوال الأكمام . قال الخطابي : يشبه أن تكون هذه المستقة مكففة بالسندس لأن نفس الفروة لا تكون سندسا .

فصل واشترى سراويل
والظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها وقد روي في غير حديث أنه لبس السراويل وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه .

ولبس الخفين ولبس النعل الذي يسمى التاسومة . ولبس الخاتم واختلفت الأحاديث هل كان في يمناه أو يسراه وكلها صحيحة السند . ولبس البيضة التي تسمى : الخوذة ولبس الدرع التي تسمى : الزردية وظاهر يوم أحد بين الدرعين .

وفي صحيح مسلم عن أسماء بنت أبي بكر قالت هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجت جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج . وفرجاها مكفوفان بالديباج فقالت هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها

وكان له بردان أخضران وكساء أسود وكساء أحمر ملبد وكساء من شعر وكان قميصه من قطن وكان قصير الطول قصير الكمين وأما هذه الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالأخراج فلم يلبسها هو ولا أحد من أصحابه البتة وهي مخالفة لسنته وفي جوازها نظر فإنها من جنس الخيلاء .

وكان أحب الثياب إليه القميص والحبرة وهي ضرب من البرود فيه حمرة . وكان أحب الألوان إليه البياض وقال هي من خير ثيابكم فالبسوها وكفنوا فيها موتاكم وفي الصحيح عن عائشة أنها أخرجت كساء ملبدا وإزارا غليظا فقالت قبض روح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين . ولبس خاتما من ذهب ثم رمى به ونهى عن التختم بالذهب ثم اتخذ خاتما من فضة ولم ينه عنه .

وأما حديث أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أشياء وذكر منها : ونهى عن لبوس الخاتم إلا لذي سلطان فلا أدري ما حال الحديث ولا وجهه والله أعلم .

وكان يجعل فص خاتمه مما يلي باطن كفه . وذكر الترمذي أنه كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه وصححه وأنكره أبو داود .

[ الإشارة إلى كراهة لبس الطيلسان ]

وأما الطيلسان فلم ينقل عنه أنه لبسه ولا أحد من أصحابه بل قد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال فقال يخرج معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة فقال ما أشبههم بيهود خيبر . ومن هاهنا كره لبسها جماعة من السلف والخلف لما روى أبو داود والحاكم في المستدرك عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من تشبه بقوم فهو منهم

وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم ليس منا من تشبه بقوم غيرنا وأما ما جاء في حديث الهجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي بكر متقنعا بالهاجرة فإنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم تلك الساعة ليختفي بذلك ففعله للحاجة ولم تكن عادته التقنع وقد ذكر أنس عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر القناع وهذا إنما كان يفعله - والله أعلم - للحاجة من الحر ونحوه وأيضا ليس التقنع من التطيلس .

فصل [ غالب لبسه صلى الله عليه وسلم وأصحابه القطن ]
وكان غالب ما يلبس هو وأصحابه ما نسج من القطن وربما لبسوا ما نسج من الصوف والكتان وذكر الشيخ أبو إسحاق الأصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب قال دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين وعليه جبة صوف وإزار صوف وعمامة صوف فاشمأز منه محمد وقال أظن أن أقواما يلبسون الصوف ويقولون قد لبسه عيسى ابن مريم وقد حدثني من لا أتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لبس الكتان والصوف والقطن وسنة نبينا أحق أن تتبع .

ومقصود ابن سيرين بهذا أن أقواما يرون أن لبس الصوف دائما أفضل من غيره فيتحرونه ويمنعون أنفسهم من غيره وكذلك يتحرون زيا واحدا من الملابس ويتحرون رسوما وأوضاعا وهيئات يرون الخروج عنها منكرا وليس المنكر إلا التقيد بها والمحافظة عليها وترك الخروج عنها .

[ السنة لبس ما تيسر ]

والصواب أن أفضل الطرق طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنها وأمر بها ورغب فيها وداوم عليها وهي أن هديه في اللباس أن يلبس ما تيسر من اللباس من الصوف تارة والقطن تارة والكتان تارة .

[ لبس البرد ]

ولبس البرود اليمانية والبرد الأخضر ولبس الجبة والقباء والقميص والسراويل والإزار والرداء والخف والنعل وأرخى الذؤابة من خلفه تارة وتركها تارة . وكان يتلحى بالعمامة تحت الحنك .

وكان إذا استجد ثوبا سماه باسمه وقال اللهم أنت كسوتني هذا القميص أو الرداء أو العمامة أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له وكان إذا لبس قميصه بدأ بميامنه . ولبس الشعر الأسود كما روى مسلم في صحيحه عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحل من شعر أسود

وفي الصحيحين عن قتادة قلنا لأنس أي اللباس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال الحبرة . والحبرة برد من برود اليمن . فإن غالب لباسهم كان من نسج اليمن لأنها قريبة منهم وربما لبسوا ما يجلب من الشام ومصر كالقباطي المنسوجة من الكتان التي كانت تنسجها القبط .

وفي سنن النسائي عن عائشة أنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم بردة من صوف فلبسها فلما عرق فوجد ريح الصوف طرحها وكان يحب الريح الطيب .

وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عباس قال لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل وفي سنن النسائي عن أبي رمثة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وعليه بردان أخضران . والبرد الأخضر هو الذي فيه خطوط خضر وهو كالحلة الحمراء سواء فمن فهم من الحلة الحمراء الأحمر البحت فينبغي أن يقول إن البرد الأخضر كان أخضر بحتا وهذا لا يقوله أحد .

[ مخدته صلى الله عليه وسلم ]

[ الرد على من يمتنعون عما أباح الله ]

[ النهي عن لباس الشهرة سواء للفخر أو للتزهد ]

وكانت مخدته صلى الله عليه وسلم من أدم حشوها ليف فالذين يمتنعون عما أباح الله من الملابس والمطاعم والمناكح تزهدا وتعبدا بإزائهم طائفة قابلوهم فلا يلبسون إلا أشرف الثياب ولا يأكلون إلا ألين الطعام فلا يرون لبس الخشن ولا أكله تكبرا وتجبرا وكلا الطائفتين هديه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال بعض السلف كانوا يكرهون الشهرتين من الثياب العالي والمنخفض وفي السنن عن ابن عمر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة ثم تلهب فيه النار وهذا لأنه قصد به الاختيال والفخر فعاقبه الله بنقيض ذلك فأذله كما عاقب من أطال ثيابه خيلاء بأن خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .

وفي الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة وفي السنن عنه أيضا صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئا منها خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة وفي السنن عن ابن عمر أيضا قال ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص وكذلك لبس الدنيء من الثياب يذم في موضع ويحمد في موضع فيذم إذا كان شهرة وخيلاء ويمدح إذا كان تواضعا واستكانة كما أن لبس الرفيع من الثياب يذم إذا كان تكبرا وفخرا وخيلاء ويمدح إذا كان تجملا وإظهارا لنعمة الله ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فقال رجل يا رسول الله إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنة أفمن الكبر ذاك ؟ فقال لا إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس

إبن عبد ربه
04 -11- 2003, 11:42 AM
فصل هديه صلى الله عليه وسلم في الطعام
{}{}{}{}{}{}{}{}{}{}{}{}}{}{}}{}{}{}{}{}{}{}{}{}

وكذلك كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام لا يرد موجودا ولا يتكلف مفقودا فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم وما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه كما ترك أكل الضب لما لم يعتده ولم يحرمه على الأمة بل أكل على مائدته وهو ينظر . وأكل الحلوى والعسل وكان يحبهما وأكل لحم الجزور والضأن والدجاج ولحم الحبارى ولحم حمار الوحش والأرنب وطعام البحر وأكل الشواء وأكل الرطب والتمر وشرب اللبن خالصا ومشوبا والسويق والعسل بالماء وشرب نقيع التمر وأكل الخزيرة وهي حساء يتخذ من اللبن والدقيق وأكل القثاء بالرطب وأكل الأقط وأكل التمر بالخبز وأكل الخبز بالخل وأكل الثريد وهو الخبز باللحم وأكل الخبز بالإهالة وهي الودك وهو الشحم المذاب وأكل من الكبد المشوية وأكل القديد وأكل الدباء المطبوخة وكان يحبها وأكل المسلوقة وأكل الثريد بالسمن وأكل الجبن وأكل الخبز بالزيت وأكل البطيخ بالرطب وأكل التمر بالزبد وكان يحبه . ولم يكن يرد طيبا ولا يتكلفه بل كان هديه أكل ما تيسر فإن أعوزه صبر حتى إنه ليربط على بطنه الحجر من الجوع ويرى الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار .

وكان معظم مطعمه يوضع على الأرض في السفرة وهي كانت مائدته وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقها إذا فرغ وهو أشرف ما يكون من الأكلة فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة والجشع الحريص يأكل بالخمس ويدفع بالراحة


وكان لا يأكل متكئا والاتكاء على ثلاثة أنواع أحدها : الاتكاء على الجنب والثاني : التربع والثالث الاتكاء على إحدى يديه وأكله بالأخرى والثلاث مذمومة .

وكان يسمي الله تعالى على أول طعامه ويحمده في آخره فيقول عند انقضائه الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا . وربما قال الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم من علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا الحمد لله الذي أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسا من العري وهدى من الضلالة وبصر من العمى وفضل على كثير ممن خلق تفضيلا الحمد لله رب العالمين .

وربما قال الحمد لله الذي أطعم وسقى . وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه ولم يكن لهم مناديل يمسحون بها أيديهم ولم يكن عادتهم غسل أيديهم كلما أكلوا . وكان أكثر شربه قاعدا بل زجر عن الشرب قائما وشرب مرة قائما


فقيل هذا نسخ لنهيه وقيل بل فعله لبيان جواز الأمرين والذي يظهر فيه - والله أعلم - أنها واقعة عين شرب فيها قائما لعذر وسياق القصة يدل عليه فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها فأخذ الدلو وشرب قائما . والصحيح في هذه المسألة النهي عن الشرب قائما وجوازه لعذر يمنع من القعود وبهذا تجمع أحاديث الباب والله أعلم .

وكان إذا شرب ناول من على يمينه وإن كان من على يساره أكبر منه

.

إبن عبد ربه
04 -11- 2003, 11:43 AM
فصل في هديه في النكاح ومعاشرته صلى الله عليه وسلم أهله
8787878787878787878787878787878787878787878787

صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال حبب إلي من دنياكم : النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة هذا لفظ الحديث ومن رواه حبب إلي من دنياكم ثلاث فقد وهم ولم يقل صلى الله عليه وسلم ثلاث والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها . وكان النساء والطيب أحب شيء إليه وكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وكان قد أعطي قوة ثلاثين في الجماع وغيره وأباح الله له من ذلك ما لم يبحه لأحد من أمته . وكان يقسم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة وأما المحبة فكان يقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك فقيل هو الحب والجماع ولا تجب التسوية في ذلك لأنه مما لا يملك . وهل كان القسم واجبا عليه أو كان له معاشرتهن من غير قسم ؟ على قولين للفقهاء . فهو أكثر الأمة نساء قال ابن عباس : تزوجوا فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء

وطلق صلى الله عليه وسلم وراجع وآلى إيلاء مؤقتا بشهر ولم يظاهر أبدا وأخطأ من قال إنه ظاهر خطأ عظيما وإنما ذكرته هنا تنبيها على قبح خطئه ونسبته إلى ما برأه الله منه .

وكانت سيرته مع أزواجه حسن المعاشرة وحسن الخلق . وكان يسرب إلى عائشة بنات الأنصار يلعبن معها . وكان إذا هويت شيئا لا محذور فيه تابعها عليه وكانت إذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه في موضع فمها وشرب وكان إذا تعرقت عرقا - وهو العظم الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها وكان يتكئ في حجرها ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها وربما كانت حائضا وكان يأمرها وهي حائض فتتزر ثم يباشرها وكان يقبلها وهو صائم وكان من لطفه وحسن خلقه مع أهله أنه يمكنها من اللعب ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده وهي متكئة على منكبيه تنظر وسابقها في السفر على الأقدام مرتين وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة . وكان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ولم يقض للبواقي شيئا وإلى هذا ذهب الجمهور .

وكان يقول خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي وربما مد يده إلى بعض نسائه في حضرة باقيهن . وكان إذا صلى العصر دار على نسائه فدنا منهن واستقرأ أحوالهن فإذا جاء الليل انقلب إلى بيت صاحبة النوبة فخصها بالليل . وقالت عائشة كان لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندهن في القسم وقل يوم إلا كان يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو في نوبتها فيبيت عندها وكان يقسم لثمان منهن دون التاسعة ووقع في صحيح مسلم من قول عطاء أن التي لم يكن يقسم لها هي صفية بنت حيي وهو غلط من عطاء رحمه الله وإنما هي سودة فإنها لما كبرت وهبت نوبتها لعائشة . وكان صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة وسبب هذا الوهم - والله أعلم - أنه كان قد وجد على صفية في شيء فقالت لعائشة هل لك أن ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عني وأهب لك يومي ؟ قالت نعم فقعدت عائشة إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في يوم صفية فقال : إليك عني يا عائشة فإنه ليس يومك فقالت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وأخبرته بالخبر فرضي عنها وإنما كانت وهبتها ذلك اليوم وتلك النوبة الخاصة ويتعين ذلك وإلا كان يكون القسم لسبع منهن وهو خلاف الحديث الصحيح الذي لا ريب فيه أن القسم كان لثمان والله أعلم .

ولو اتفقت مثل هذه الواقعة لمن له أكثر من زوجتين فوهبت إحداهن يومها للأخرى فهل للزوج أن يوالي بين ليلة الموهوبة وليلتها الأصلية وإن لم تكن ليلة الواهبة تليها أو يجب عليه أن يجعل ليلتها هي الليلة التي كانت تستحقها الواهبة بعينها ؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره .

وكان صلى الله عليه وسلم يأتي أهله آخر الليل وأوله فكان إذا جامع أول الليل ربما اغتسل ونام وربما توضأ ونام . وذكر أبو إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة أنه كان ربما نام ولم يمس ماء وهو غلط عند أئمة الحديث وقد أشبعنا الكلام عليه في كتاب تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته .

وكان يطوف على نسائه بغسل واحد وربما اغتسل عند كل واحدة فعل هذا وهذا .

وكان إذا سافر وقدم لم يطرق أهله ليلا وكان ينهى عن ذلك .

إبن عبد ربه
04 -11- 2003, 11:45 AM
فصل في هديه وسيرته صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

كان ينام على الفراش تارة وعلى النطع تارة وعلى الحصير تارة وعلى الأرض تارة وعلى السرير تارة بين رماله وتارة على كساء أسود .

قال عباد بن تميم عن عمه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى . وكان فراشه أدما حشوه ليف . وكان له مسح ينام عليه يثنى بثنيتين وثني له يوما أربع ثنيات فنهاهم عن ذلك وقال ردوه إلى حاله الأول فإنه منعني صلاتي الليلة

والمقصود أنه نام على الفراش وتغطى باللحاف وقال لنسائه : ما أتاني جبريل وأنا في لحاف امرأة منكن غير عائشة وكانت وسادته أدما حشوها ليف .

وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم قال باسمك اللهم أحيا وأموت وكان يجمع كفيه ثم ينفث فيهما وكان يقرأ فيهما : " قل هو الله أحد " " قل أعوذ برب الفلق " " قل أعوذ برب الناس " ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات .

وكان ينام على شقه الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم يقول : اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك وكان يقول إذا أوى إلى فراشه : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي ذكره مسلم . وذكر أيضا أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه

اللهم رب السموات والأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر

وكان إذا استيقظ من منامه في الليل قال لا إله إلا أنت سبحانك اللهم إني أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

وكان إذا انتبه من نومه قال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ثم يتسوك وربما قرأ العشر الآيات من آخر آل عمران من قوله إن في خلق السماوات والأرض إلى آخرها [ آل عمران 200 ] . وقال اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت

وكان ينام أول الليل ويقوم آخره وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين وكان تنام عيناه ولا ينام قلبه . وكان إذا نام لم يوقظوه حتى يكون هو الذي يستيقظ .

وكان إذا عرس بليل اضطجع على شقه الأيمن وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه هكذا قال الترمذي . وقال أبو حاتم في صحيحه كان إذا عرس بالليل توسد يمينه وإذا عرس قبيل الصبح نصب ساعده وأظن هذا وهما والصواب حديث الترمذي . وقال أبو حاتم والتعريس إنما يكون قبيل الصبح . وكان نومه أعدل النوم وهو أنفع ما يكون من النوم والأطباء يقولون هو ثلث الليل والنهار ثمان ساعات .

إبن عبد ربه
04 -11- 2003, 11:46 AM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الركوب
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@

ركب الخيل والإبل والبغال والحمير وركب الفرس مسرجة تارة وعريا أخرى وكان يجريها في بعض الأحيان وكان يركب وحده وهو الأكثر وربما أردف خلفه على البعير وربما أردف خلفه وأركب أمامه وكانوا ثلاثة على بعير وأردف الرجال وأردف بعض نسائه وكان أكثر مراكبه الخيل والإبل .

وأما البغال فالمعروف أنه كان عنده منها بغلة واحدة أهداها له بعض الملوك ولم تكن البغال مشهورة بأرض العرب بل لما أهديت له البغلة قيل ألا ننزي الخيل على الحمر ؟ فقال إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون

إبن عبد ربه
04 -11- 2003, 11:47 AM
فصل [ اتخاذ الغنم والرقيق ]
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم . وكان له مائة شاة وكان لا يحب أن تزيد على مائة فإذا زادت بهمة ذبح مكانها أخرى عتقاؤه صلى الله عليه وسلم من العبيد أكثر من الإماء واتخذ الرقيق من الإماء والعبيد .

[ عتقاؤه من العبيد أكثر من الإماء ]

وكان مواليه وعتقاؤه من العبيد أكثر من الإماء

[ المواضع التي تكون فيها الأنثى على النصف من الذكر ]

وقد روى الترمذي في جامعهمن حديث أبي أمامة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما امرئ أعتق امرءا مسلما كان فكاكه من النار يجزئ كل عضو منه عضوا منه وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزئ كل عضوين منهما عضوا منه وقال هذا حديث صحيح . وهذا يدل على أن عتق العبد أفضل وأن عتق العبد يعدل عتق أمتين فكان أكثر عتقائه صلى الله عليه وسلم من العبيد وهذا أحد المواضع الخمسة التي تكون فيها الأنثى على النصف من الذكر
والثاني : العقيقة فإنه عن الأنثى شاة وعن الذكر شاتان عند الجمهور وفيه عدة أحاديث صحاح وحسان . والثالث الشهادة فإن شهادة امرأتين بشهادة رجل .
والرابع الميراث .
والخامس الدية .

إبن عبد ربه
04 -11- 2003, 11:48 AM
فصل هديه صلى الله عليه وسلم في العقود
$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$

وباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترى وكان شراؤه بعد أن أكرمه الله تعالى برسالته أكثر من بيعه وكذلك بعد الهجرة لا يكاد يحفظ عنه البيع إلا في قضايا يسيرة أكثرها لغيره كبيعه القدح والحلس فيمن يزيد وبيعه يعقوب المدبر غلام أبي مذكور وبيعه عبدا أسود بعبدين .

وأما شراؤه فكثير وآجر واستأجر واستئجاره أكثر من إيجاره وإنما يحفظ عنه أنه أجر نفسه قبل النبوة في رعاية الغنم وأجر نفسه من خديجة في سفره بمالها إلى الشام

وإن كان العقد مضاربة فالمضارب أمين وأجير ووكيل وشريك فأمين إذا قبض المال ووكيل إذا تصرف فيه وأجير فيما يباشره بنفسه من العمل وشريك إذا ظهر فيه الربح .

وقد أخرج الحاكم في مستدركه من حديث الربيع بن بدر عن أبي الزبير عن جابر قال آجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه من خديجة بنت خويلد سفرتين إلى جرش كل سفرة بقلوص وقال صحيح الإسناد . قال في النهاية : جرش بضم الجيم وفتح الراء من مخاليف اليمن وهو بفتحهما بلد بالشام . قلت : إن صح الحديث فإنما هو المفتوح الذي بالشام ولا يصح فإن الربيع بن بدر هذا هو عليلة ضعفه أئمة الحديث . قال النسائي والدارقطني والأزدي متروك وكأن الحاكم ظنه الربيع بن بدر مولى طلحة بن عبيد الله .

وشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما قدم عليه شريكه قال : أما تعرفني ؟ قال أما كنت شريكي ؟ فنعم الشريك كنت لا تداري ولا تماري . وتدارئ بالهمزة من المدارأة وهي مدافعة الحق فإن ترك همزها صارت من المداراة وهي المدافعة بالتي هي أحسن .

ووكل وتوكل وكان توكيله أكثر من توكله . وأهدى وقبل الهدية وأثاب عليها ووهب واتهب فقال لسلمة بن الأكوع وقد وقع في سهمه جارية : هبها لي فوهبها له ففادى بها من أهل مكة أسارى من المسلمين واستدان برهن وبغير رهن واستعار واشترى بالثمن الحال والمؤجل .

[الضمان ]

وضمن ضمانا خاصا على ربه على أعمال من عملها كان مضمونا له بالجنة وضمانا عاما لديون من توفي من المسلمين ولم يدع وفاء أنها عليه وهو يوفيها وقد قيل إن هذا الحكم عام للأئمة بعده فالسلطان ضامن لديون المسلمين إذا لم يخلفوا وفاء فإنها عليه يوفيها من بيت المال وقالوا : كما يرثه إذا مات ولم يدع وارثا فكذلك يقضي عنه دينه إذا مات ولم يدع وفاء وكذلك ينفق عليه في حياته إذا لم يكن له من ينفق عليه .

ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا كانت له جعلها صدقة في سبيل الله وتشفع وشفع إليه وردت بريرة شفاعته في مراجعتها مغيثا فلم يغضب عليها ولا عتب وهو الأسوة والقدوة وحلف في أكثر من ثمانين موضعا وأمره الله سبحانه بالحلف في ثلاثة مواضع فقال تعالى : ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق [ يونس 53 ] وقال تعالى : وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم [ سبأ 3 ] وقال تعالى : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير التغابن 7 ] وكان إسماعيل بن إسحاق القاضي يذاكر أبا بكر محمد بن داود الظاهري ولا يسميه بالفقيه فتحاكم إليه يوما هو وخصم له فتوجهت اليمين على أبي بكر بن داود فتهيأ للحلف فقال له القاضي إسماعيل أوتحلف ومثلك يحلف يا أبا بكر ؟ فقال وما يمنعني من الحلف وقد أمر الله تعالى نبيه بالحلف في ثلاثة مواضع من كتابه قال أين ذلك ؟ فسردها له أبو بكر فاستحسن ذلك منه جدا ودعاه بالفقيه من ذلك اليوم .

[الاستثناء في اليمين ]

وكان صلى الله عليه وسلم يستثني في يمينه تارة ويكفرها تارة ويمضي فيها تارة والاستثناء يمنع عقد اليمين والكفارة تحلها بعد عقدها ولهذا سماها الله تحلة .

[المزاح ]

وكان يمازح ويقول في مزاحه الحق ويوري ولا يقول في توريته إلا الحق مثل أن يريد جهة يقصدها فيسأل عن غيرها كيف طريقها ؟ وكيف مياهها ومسلكها ؟ أو نحو ذلك . وكان يشير ويستشير . وكان يعود المريض ويشهد الجنازة ويجيب الدعوة ويمشي مع الأرملة والمسكين والضعيف في حوائجهم وسمع مديح الشعر وأثاب عليه ولكن ما قيل فيه من المديح فهو جزء يسير جدا من محامده وأثاب على الحق . وأما مدح غيره من الناس فأكثر ما يكون بالكذب فلذلك أمر أن يحثى في وجوه المداحين التراب

إبن عبد ربه
04 -11- 2003, 11:49 AM
فصل وسابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه على الأقدام وصارع
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

وخصف نعله بيده ورقع ثوبه بيده ورقع دلوه وحلب شاته وفلى ثوبه وخدم أهله ونفسه وحمل معهم اللبن في بناء المسجد وربط على بطنه الحجر من الجوع تارة وشبع تارة وأضاف وأضيف واحتجم في وسط رأسه وعلى ظهر قدمه واحتجم في الأخدعين والكاهل وهو ما بين الكتفين وتداوى وكوى ولم يكتو ورقى ولم يسترق وحمى المريض مما يؤذيه .

[ جمع القرآن لأصول الطب ]

وأصول الطب ثلاثة : الحمية وحفظ الصحة واستفراغ المادة المضرة وقد جمعها الله تعالى له ولأمته في ثلاثة مواضع من كتابه فحمى المريض من استعمال الماء خشية من الضرر فقال تعالى : وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا [ النساء 43 والمائدة 6 ] فأباح التيمم للمريض حمية له كما أباحه للعادم وقال في حفظ الصحة فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [ البقرة 184 ] فأباح للمسافر الفطر في رمضان حفظا لصحته لئلا يجتمع على قوته الصوم ومشقة السفر فيضعف القوة والصحة .

وقال في الاستفراغ في حلق الرأس للمحرم فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك [ البقرة 196 ] فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه وهو محرم أن يحلق رأسه ويستفرغ المواد الفاسدة والأبخرة الرديئة التي تولد عليه القمل كما حصل لكعب بن عجرة أو تولد عليه المرض وهذه الثلاثة هي قواعد الطب وأصوله فذكر من كل جنس منها شيئا وصورة تنبيها بها على نعمته على عباده في أمثالها من حميتهم وحفظ صحتهم واستفراغ مواد أذاهم رحمة لعباده ولطفا بهم ورأفة بهم . وهو الرءوف الرحيم .

إبن عبد ربه
05 -11- 2003, 09:13 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبته
.................................................. ................
خطب صلى الله عليه وسلم على الأرض وعلى المنبر وعلى البعير وعلى الناقة . وكان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة

وكان لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله . وأما قول كثير من الفقهاء إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة وسنته تقتضي خلافه وهو افتتاح جميع الخطب ب الحمد لله وهو أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب أحمد وهو اختيار شيخنا قدس الله سره .

وكان يخطب قائما وفي مراسيل عطاء وغيره أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس ثم قال السلام عليكم قال الشعبي : وكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك . وكان يختم خطبته بالاستغفار وكان كثيرا يخطب بالقرآن . وفي صحيح مسلم عن أم هشام بنت حارثة قالت : ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس وذكر أبو داود عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال : الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا وقال أبو داود عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فذكر نحو هذا إلا أنه قال : ومن يعصهما فقد غوى

قال ابن شهاب : وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خطب : كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت ولا يعجل الله لعجلة أحد ولا يخف لأمر الناس ما شاء الله لا ما شاء الناس يريد الله شيئا ويريد الناس شيئا ما شاء الله كان ولو كره الناس ولا مبعد لما قرب الله ولا مقرب لما بعد الله ولا يكون شيء إلا بإذن الله

وكان مدار خطبه على حمد الله والثناء عليه بآلائه وأوصاف كماله ومحامده وتعليم قواعد الإسلام وذكر الجنة والنار والمعاد والأمر بتقوى الله وتبيين موارد غضبه ومواقع رضاه فعلى هذا كان مدار خطبه .

وكان يقول في خطبه : أيها الناس إنكم لن تطيقوا - أو لن تفعلوا - كل ما أمرتم به ولكن سددوا وأبشروا

وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة ويذكر فيها نفسه باسمه العلم .

وثبت عنه أنه قال كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء

ولم يكن له شاويش يخرج بين يديه إذا خرج من حجرته ولم يكن يلبس لباس الخطباء اليوم لا طرحة ولا زيقا واسعا .

[صفة منبره ] صلى الله عليه وسلم

وكان منبره ثلاث درجات فإذا استوى عليه واستقبل الناس أخذ المؤذن في الأذان فقط ولم يقل شيئا قبله ولا بعده فإذا أخذ في الخطبة لم يرفع أحد صوته بشيء البتة لا مؤذن ولا غيره .

[التوكؤ على العصا ]

وكان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر كذا ذكره عنه أبو داود عن ابن شهاب . وكان الخلفاء الثلاثة بعده يفعلون ذلك وكان أحيانا يتوكأ على قوس ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف وكثير من الجهلة يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف وهذا جهل قبيح من وجهين أحدهما : أن المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم توكأ على العصا وعلى القوس . الثاني : أن الدين إنما قام بالوحي وأما السيف فلمحق أهل الضلال والشرك ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب فيها إنما فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف .

وكان إذا عرض له في خطبته عارض اشتغل به ثم رجع إلى خطبته وكان يخطب فجاء الحسن والحسين يعثران في قميصين أحمرين فقطع كلامه فنزل فحملهما ثم عاد إلى منبره ثم قال صدق الله العظيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة [ الأنفال 28 ] رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما

وجاء سليك الغطفاني وهو يخطب فجلس فقال له : قم يا سليك فاركع ركعتين وتجوز فيهما ثم قال وهو على المنبر إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما

وكان يقصر خطبته أحيانا ويطيلها أحيانا بحسب حاجة الناس . وكانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة . وكان يخطب النساء على حدة في الأعياد ويحرضهن على الصدقة والله أعلم .

إبن عبد ربه
05 -11- 2003, 09:15 PM
فصول في هديه صلى الله عليه وسلم في العبادات





فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الوضوء




كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة في غالب أحيانه وربما صلى الصلوات بوضوء واحد . وكان يتوضأ بالمد تارة وبثلثيه تارة وبأزيد منه تارة وذلك نحو أربع أواق بالدمشقي إلى أوقيتين وثلاث . وكان من أيسر الناس صبا لماء الوضوء وكان يحذر أمته من الإسراف فيه وأخبر أنه يكون في أمته من يعتدي في الطهور وقال إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء .

إبن عبد ربه
05 -11- 2003, 09:17 PM
إكمالاً لما سبق




ومر على سعد وهو يتوضأ فقال له لا تسرف في الماء فقال وهل في الماء من إسراف ؟ قال نعم وإن كنت على نهر جار .

وصح عنه أنه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا وفي بعض الأعضاء مرتين وبعضها ثلاثا .

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 05:08 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين







صح عنه أنه مسح في الحضر والسفر ولم ينسخ ذلك حتى توفي ووقت للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن في عدة أحاديث حسان وصحاح وكان يمسح ظاهر الخفين ولم يصح عنه مسح أسفلهما إلا في حديث منقطع . والأحاديث الصحيحة على خلافه ومسح على الجوربين والنعلين ومسح على العمامة مقتصرا عليها ومع الناصية وثبت عنه ذلك فعلا وأمرا في عدة أحاديث لكن في قضايا أعيان يحتمل أن تكون خاصة بحال الحاجة والضرورة ويحتمل العموم كالخفين وهو أظهر والله أعلم .

ولم يكن يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين ولم يلبس الخف ليمسح عليه وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل قاله شيخنا ، والله أعلم .

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 05:09 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في التيمم





كان صلى الله عليه وسلم يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين ولم يصح عنه أنه تيمم بضربتين ولا إلى المرفقين .

قال الإمام أحمد من قال إن التيمم إلى المرفقين فإنما هو شيء زاده من عنده . وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها ترابا كانت أو سبخة أو رملا . وصح عنه أنه قال حيثما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره وهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل فالرمل له طهور . ولما سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك قطعوا تلك الرمال في طريقهم وماؤهم في غاية القلة ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب ولا أمر به ولا فعله أحد من أصحابه مع القطع بأن في المفاوز الرمال أكثر من التراب وكذلك أرض الحجاز وغيره ومن تدبر هذا قطع بأنه كان يتيمم بالرمل والله أعلم وهذا قول الجمهور .

وأما ما ذكر في صفة التيمم من وضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور اليمنى ثم إمرارها إلى المرفق ثم إدارة بطن كفه على بطن الذراع وإقامة إبهامه اليسرى كالمؤذن إلى أن يصل إلى إبهامه اليمنى فيطبقها عليها فهذا مما يعلم قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا علمه أحدا من أصحابه ولا أمر به ولا استحسنه وهذا هديه إليه التحاكم وكذلك لم يصح عنه التيمم لكل صلاة ولا أمر به بل أطلق التيمم وجعله قائما مقام الوضوء وهذا يقتضي أن يكون حكمه حكمه إلا فيما اقتضى الدليل خلافه .

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 05:10 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة


[ لم يتلفظ بالنية ]



كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال " الله أكبر " ولم يقل شيئا قبلها ولا تلفظ بالنية البتة ولا قال أصلي لله صلاة كذا مستقبل القبلة أربع ركعات إماما أو مأموما ولا قال أداء ولا قضاء ولا فرض الوقت وهذه عشر بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظة واحدة منها البتة بل ولا عن أحد من أصحابه ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة وإنما غر بعض المتأخرين قول الشافعي رضي الله عنه في الصلاة إنها ليست كالصيام ولا يدخل فيها أحد إلا بذكر فظن أن الذكر تلفظ المصلي بالنية وإنما أراد الشافعي رحمه الله بالذكر تكبيرة الإحرام ليس إلا وكيف يستحب الشافعي أمرا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة واحدة ولا أحد من خلفائه وأصحابه وهذا هديهم وسيرتهم فإن أوجدنا أحد حرفا واحدا عنهم في ذلك قبلناه وقابلناه بالتسليم والقبول ولا هدي أكمل من هديهم ولا سنة إلا ما تلقوه عن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم .

[ الإحرام ]

وكان دأبه في إحرامه لفظة الله أكبر لا غيرها ولم ينقل أحد عنه سواها .

[ رفع اليدين عند الإحرام ]
وكان يرفع يديه معها ممدودة الأصابع مستقبلا بها القبلة إلى فروع أذنيه وروي إلى منكبيه فأبو حميد الساعدي ومن معه قالوا : حتى يحاذي بهما المنكبين وكذلك قال ابن عمر . وقال وائل بن حجر : إلى حيال أذنيه . وقال البراء : قريبا من أذنيه . وقيل هو من العمل المخير فيه وقيل كان أعلاها إلى فروع أذنيه وكفاه إلى منكبيه فلا يكون اختلافا ولم يختلف عنه في محل هذا الرفع . ثم يضع اليمنى على ظهر اليسرى .

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 05:11 PM
فصل [ الركعتان بعد الوتر ]


وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا تارة وتارة يقرأ فيهما جالسا فإذا أراد أن يركع قام فركع وفي " صحيح مسلم عن أبي سلمة قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح وفي " المسند " عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس

وقال الترمذي : روي نحو هذا عن عائشة وأبي أمامة وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم . وفي " المسند " عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس يقرأ فيهما ب إذا زلزلت و قل يا أيها الكافرون

وروى الدارقطني نحوه من حديث أنس رضي الله عنه . وقد أشكل هذا على كثير من الناس فظنوه معارضا لقوله صلى الله عليه وسلم اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وأنكر مالك رحمه الله هاتين الركعتين وقال أحمد لا أفعله ولا أمنع من فعله قال وأنكره مالك وقالت طائفة إنما فعل هاتين الركعتين ليبين جواز الصلاة بعد الوتر وأن فعله لا يقطع التنفل وحملوا قوله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا على الاستحباب وصلاة الركعتين بعده على الجواز .

والصواب أن يقال إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر فإن الوتر عبادة مستقلة ولا سيما إن قيل بوجوبه فتجري الركعتان بعده مجرى سنة المغرب من المغرب فإنها وتر النهار والركعتان بعدها تكميل لها ، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل والله أعلم .

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 05:12 PM
فصل [ قنوت الوتر ]



ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر إلا في حديث رواه ابن ماجه عن علي بن ميمون الرقي حدثنا مخلد بن يزيد عن سفيان عن زبيد اليامي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع

وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله أختار القنوت بعد الركوع إن كل شيء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت إنما هو في الفجر لما رفع رأسه من الركوع وقنوت الوتر أختاره بعد الركوع ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر قبل أو بعد شيء . وقال الخلال أخبرني محمد بن يحيى الكحال أنه قال لأبي عبد الله في القنوت في الوتر ؟ فقال ليس يروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ولكن كان عمر يقنت من السنة إلى السنة .

أحمد وأهل " السنن " من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت

زاد البيهقي والنسائي : ولا يعز من عاديت . وزاد النسائي في روايته " وصلى الله على النبي " .

وزاد الحاكم في " المستدرك " وقال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود ورواه ابن حبان في " صحيحه " ولفظه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو

قال الترمذي : وفي الباب عن علي رضي الله عنه وهذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي واسمه ربيعة بن شيبان ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئا أحسن من هذا انتهى .

والقنوت في الوتر محفوظ عن عمر وابن مسعود والرواية عنهم أصح من القنوت في الفجر والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الفجر أصح من الرواية في قنوت الوتر . والله أعلم .

[ الدعاء في آخر الوتر وبعده ]

وقد روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وهذا يحتمل أنه قبل فراغه منه وبعده وفي إحدى الروايات عن النسائي : كان يقول إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه وفي هذه الرواية لا أحصي ثناء عليك ولو حرصت وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في السجود فلعله قاله في الصلاة وبعدها .

وذكر الحاكم في " المستدرك " من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ووتره ثم أوتر فلما قضى صلاته سمعته يقول اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي يوم لقائك نورا

قال كريب : وسبع في القنوت فلقيت رجلا من ولد العباس فحدثني بهن فذكر " لحمي ودمي وعصبي وشعري وبشري " وذكر خصلتين وفي رواية النسائي في هذا الحديث وكان يقول في سجوده .

لمسلم في هذا الحديث فخرج إلى الصلاة يعني صلاة الصبح وهو يقول . .. فذكر هذا الدعاء وفي رواية له أيضا وفي لساني نورا واجعل في نفسي نورا وأعظم لي نورا " وفي رواية له " واجعلني نورا

وذكر أبو داود والنسائي من حديث أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر ب سبح اسم ربك الأعلى و قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد فإذا سلم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يمد بها صوته في الثالثة ويرفع وهذا لفظ النسائي . زاد الدارقطني رب الملائكة والروح

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 05:12 PM
[ كيفية قراءته للقرآن ]




وكان صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته ويقف عند كل آية فيقول الحمد لله رب العالمين ويقف الرحمن الرحيم ويقف مالك يوم الدين

وذكر الزهري أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت آية آية وهذا هو الأفضل الوقوف على رءوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها وذهب بعض القراء إلى تتبع الأغراض والمقاصد والوقوف عند انتهائها واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته أولى . وممن ذكر ذلك البيهقي في " شعب الإيمان " وغيره ورجح الوقوف على رءوس الآي وإن تعلقت بما بعدها .

وكان صلى الله عليه وسلم يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها وقام بآية يرددها حتى الصباح

[هل الأفضل الترتيل مع قلة القراءة أو السرعة مع كثرتها ؟ ]

وقد اختلف الناس في الأفضل من الترتيل وقلة القراءة أو السرعة مع كثرة القراءة أيهما أفضل ؟ على قولين . فذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها . واحتج أرباب هذا القول بأن المقصود من القراءة فهمه وتدبره والفقه فيه والعمل به وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه كما قال بعض السلف نزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملا ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به والعاملون بما فيه وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب .

وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم . قالوا : ولأن الإيمان أفضل الأعمال وفهم القرآن وتدبره هو الذي يثمر الإيمان وأما مجرد التلاوة من غير فهم ولا تدبر فيفعلها البر والفاجر والمؤمن والمنافق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر

والناس في هذا أربع طبقات أهل القرآن والإيمان وهم أفضل الناس . والثانية من عدم القرآن والإيمان . الثالثة من أوتي قرآنا ولم يؤت إيمانا الرابعة من أوتي إيمانا ولم يؤت قرآنا .

قالوا : فكما أن من أوتي إيمانا بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآنا بلا إيمان فكذلك من أوتي تدبرا وفهما في التلاوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر . قالوا : وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها وقام بآية حتى الصباح .

وقال أصحاب الشافعي رحمه الله كثرة القراءة أفضل واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف رواه الترمذي وصححه .

قالوا : ولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة وذكروا آثارا عن كثير من السلف في كثرة القراءة .

والصواب في المسألة أن يقال إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا وثواب كثرة القراءة أكثر عددا فالأول كمن تصدق بجوهرة عظيمة أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا والثاني : كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة .

وفي " صحيح البخاري " عن قتادة قال سألت أنسا عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يمد مدا

وقال شعبة : حدثنا أبو جمرة قال قلت لابن عباس إني رجل سريع القراءة وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين فقال ابن عباس : لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل فإن كنت فاعلا ولا بد فاقرأ قراءة تسمع أذنيك ويعيها قلبك

وقال إبراهيم قرأ علقمة على ابن مسعود وكان حسن الصوت فقال رتل فداك أبي وأمي فإنه زين القرآن .

وقال ابن مسعود : لا تهذوا القرآن هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة

وقال عبد الله أيضا : إذا سمعت الله يقول يا أيها الذين آمنوا فأصغ لها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تصرف عنه وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : دخلت علي امرأة وأنا أقرأ ( سورة هود فقالت يا عبد الرحمن هكذا تقرأ سورة هود ؟ والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر بالقراءة في صلاة الليل تارة ويجهر بها تارة ويطيل القيام تارة ويخففه تارة ويوتر آخر الليل - وهو الأكثر - وأوله تارة وأوسطه تارة .

[ صلاة التطوع على الراحلة ]
وكان يصلي التطوع بالليل والنهار على راحلته في السفر قبل أي جهة توجهت به فيركع ويسجد عليها إيماء ويجعل سجوده أخفض من ركوعه وقد روى أحمد وأبو داود عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يصلي على راحلته تطوعا استقبل القبلة فكبر للصلاة ثم خلى عن راحلته ثم صلى أينما توجهت به فاختلف الرواة عن أحمد هل يلزمه أن يفعل ذلك إذا قدر عليه ؟ على روايتين فإن أمكنه الاستدارة إلى القبلة في صلاته كلها مثل أن يكون في محمل أو عمارية ونحوها فهل يلزمه أو يجوز له أن يصلي حيث توجهت به الراحلة ؟ فروى محمد بن الحكم عن أحمد فيمن صلى في محمل أنه لا يجزئه إلا أن يستقبل القبلة لأنه يمكنه أن يدور وصاحب الراحلة والدابة لا يمكنه . وروى عنه أبو طالب أنه قال الاستدارة في المحمل شديدة يصلي حيث كان وجهه .

واختلفت الرواية عنه في السجود في المحمل فروى عنه ابنه عبد الله أنه قال وإن كان محملا فقدر أن يسجد في المحمل فيسجد . وروى عنه الميموني إذا صلى في المحمل أحب إلي أن يسجد لأنه يمكنه . وروى عنه الفضل بن زياد : يسجد في المحمل إذا أمكنه . وروى عنه جعفر بن محمد : السجود على المرفقة إذا كان في المحمل وربما أسند على البعير ولكن يومئ ويجعل السجود أخفض من الركوع وكذا روى عنه أبو داود .

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 09:18 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى





[ من روى ترك النبي صلى الله عليه وسلم فعلها ]




روى البخاري في " صحيحه " عن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى وإني لأسبحها وروى أيضا من حديث مورق العجلي قلت لابن عمر أتصلي الضحى ؟ قال لا قلت فعمر ؟ قال لا قلت فأبو بكر ؟ قال لا . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال لا . إخاله

وذكر عن ابن أبي ليلى قال ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ فإنها قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثمان ركعات فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود

وفي " صحيح مسلم " عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت لا إلا أن يجيء من مغيبه . قلت هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بين السور ؟ قالت من المفصل

[ من روى صلاة النبي لها وعدد ركعاتها ]

وفي " صحيح مسلم " عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله وفي " الصحيحين " عن أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح ثمان ركعات وذلك ضحى وقال الحاكم في " المستدرك " : حدثنا الأصم حدثنا الصغاني حدثنا ابن أبي مريم حدثنا بكر بن مضر حدثنا عمرو بن الحارث عن بكر بن الأشج عن الضحاك بن عبد الله عن أنس رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سفر سبحة الضحى صلى ثمان ركعات فلما انصرف قال إني صليت صلاة رغبة ورهبة فسألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته ألا يقتل أمتي بالسنين ففعل وسألته ألا يظهر عليهم عدوا ففعل وسألته أن لا يلبسهم شيعا فأبى علي قال الحاكم صحيح . قلت : الضحاك بن عبد الله هذا ينظر من هو وما حاله ؟ وقال الحاكم : في كتاب " فضل الضحى " : حدثنا أبو بكر الفقيه أخبرنا بشر بن يحيى حدثنا محمد بن صالح الدولابي حدثنا خالد بن عبد الله بن الحصين عن هلال بن يساف عن زاذان عن عائشة رضي الله عنها قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى ثم قال اللهم اغفر لي وارحمني وتب علي إنك أنت التواب الرحيم الغفور حتى قالها مائة مرة

حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا أسد بن عاصم حدثنا الحصين بن حفص عن سفيان عن عمر بن ذر عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ركعتين وأربعا وستا وثمانيا

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عثمان بن عبد الملك العمري حدثتنا عائشة بنت سعد عن أم ذرة قالت رأيت عائشة رضي الله عنها تصلي الضحى وتقول ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلا أربع ركعات .

وقال الحاكم أيضا : أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد المروزي حدثنا أبو قلابة حدثنا أبو الوليد حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن مرة عن عمارة بن عمير عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى . قال الحاكم أيضا : حدثنا إسماعيل بن محمد حدثنا محمد بن عدي بن كامل حدثنا وهب بن بقية الواسطي حدثنا خالد بن عبد الله عن محمد بن قيس عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات ثم روى الحاكم عن إسحاق بن بشير المحاملي حدثنا عيسى بن موسى عن جابر عن عمر بن صبح عن مقاتل بن حيان عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما قالتا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى ثنتي عشرة ركعة وذكر حديثا طويلا .

وقال الحاكم : أخبرنا أبو أحمد بن محمد الصيرفي حدثنا أبو قلابة الرقاشي حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى وبه إلى أبي الوليد . حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن مرة عن عمارة بن عمير العبدي عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى

قال الحاكم : وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وأبي ذر الغفاري وزيد بن أرقم وأبي هريرة وبريدة الأسلمي وأبي الدرداء وعبد الله بن أبي أوفى وعتبان بن مالك وأنس بن مالك وعتبة بن عبد الله السلمي ونعيم بن همار الغطفاني وأبي أمامة الباهلي رضي الله عنهم ومن النساء عائشة بنت أبي بكر وأم هانئ وأم سلمة رضي الله عنهن كلهم شهدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها .

وذكر الطبراني من حديث علي وأنس وعائشة وجابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ست ركعات

[ بيان أدلة من رجح الفعل على الترك مع بيان العدد ]

فاختلف الناس في هذه الأحاديث على طرق منهم من رجح رواية الفعل على الترك بأنها مثبتة تتضمن زيادة علم خفيت على النافي . قالوا : وقد يجوز أن يذهب علم مثل هذا على كثير من الناس ويوجد عند الأقل . قالوا : وقد أخبرت عائشة وأنس وجابر وأم هانئ وعلي بن أبي طالب أنه صلاها . قالوا : ويؤيد هذا الأحاديث الصحيحة المتضمنة للوصية بها والمحافظة عليها ومدح فاعلها والثناء عليه ففي " الصحيحين " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أوصاني خليلي محمد صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام

وفي " صحيح مسلم " نحوه عن أبي الدرداء . وفي " صحيح مسلم " عن أبي ذر يرفعه قال يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى

وفي " مسند الإمام أحمد " عن معاذ بن أنس الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرا غفر الله له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر

وفي الترمذي و " سنن ابن ماجه " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حافظ على سبحة الضحى غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر

وفي " المسند " والسنن عن نعيم بن همار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل يا ابن آدم لا تعجزن عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره ورواه الترمذي من حديث أبي الدرداء وأبي ذر .

وفي " جامع الترمذي " و " سنن ابن ماجه " عن أنس مرفوعا من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة

وفي " صحيح مسلم " عن زيد بن أرقم أنه رأى قوما يصلون من الضحى في مسجد قباء فقال أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال " . وقوله ترمض الفصال أي يشتد حر النهار فتجد الفصال حرارة الرمضاء . وفي " الصحيح " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى في بيت عتبان بن مالك ركعتين

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 09:21 PM
فصل سجود الشكر




وكان من هديه صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه سجود الشكر عند تجدد نعمة تسر أو اندفاع نقمة كما في " المسند " عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره خر لله ساجدا شكرا لله تعالى وذكر ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر بحاجة فخر لله ساجدا

وذكر البيهقي بإسناد على شرط البخاري أن عليا رضي الله عنه لما كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام همدان خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال السلام على همدان السلام على همدان وصدر الحديث في صحيح البخاري وهذا تمامه بإسناده عند البيهقي . وفي " المسند " من حديث عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد شكرا لما جاءته البشرى من ربه أنه من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه

وفي سنن أبي داود من حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه فسأل الله ساعة ثم خر ساجدا ثلاث مرات ثم قال إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا شكرا لربي ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الثاني فخررت ساجدا شكرا لربي ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدا لربي

وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه ذكره البخاري .

وذكر أحمد عن علي رضي الله عنه أنه سجد حين وجد ذا الثدية في قتلى الخوارج .

وذكر سعيد بن منصور أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سجد حين جاءه قتل مسيلمة

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 09:22 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في سجود القرآن




كان صلى الله عليه وسلم إذا مر بسجدة كبر وسجد وربما قال في سجوده سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته

وربما قال اللهم احطط عني بها وزرا واكتب لي بها أجرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود ذكرهما أهل السنن .

ولم يذكر عنه أنه كان يكبر للرفع من هذا السجود ولذلك لم يذكره الخرقي ومتقدمو الأصحاب ولا نقل فيه عنه تشهد ولا سلام البتة . وأنكر أحمد والشافعي السلام فيه فالمنصوص عن الشافعي : إنه لا تشهد فيه ولا تسليم وقال أحمد : أما التسليم فلا أدري ما هو وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي غيره .

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سجد في ( الم تنزيل ) وفي ( ص ) وفي ( النجم ) وفي إذا السماء انشقت وفي اقرأ باسم ربك الذي خلق

وذكر أبو داود عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة منها ثلاث في المفصل وفي سورة الحج سجدتان

وأما حديث أبي الدرداء سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء ( الأعراف) و ( الرعد) و ( النحل) و ( بني إسرائيل و ( مريم ) و ( الحج ) و ( سجدة الفرقان ) و ( النمل ) و ( السجدة ) و ( ص و ( سجدة الحواميم ) فقال أبو داود : روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة وإسناده واه .

وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في المفصل منذ تحول إلى المدينة رواه أبو داود فهو حديث ضعيف في إسناده أبو قدامة الحارث بن عبيد لا يحتج بحديثه . قال الإمام أحمد : أبو قدامة مضطرب الحديث . وقال يحيى بن معين : ضعيف وقال النسائي : صدوق عنده مناكير وقال أبو حاتم البستي : كان شيخا صالحا ممن كثر وهمه . وعلله ابن القطان بمطر الوراق وقال كان يشبهه في سوء الحفظ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعيب على مسلم إخراج حديثه . انتهى كلامه .

ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع حديث الثقة ومن ضعف جميع حديث سيئ الحفظ فالأولى : طريقة الحاكم وأمثاله والثانية طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن والله المستعان .

وقد صح عن أبي هريرة أنه سجد مع النبي صلى الله عليه وسلم في اقرأ باسم ربك الذي خلق وفي إذا السماء انشقت وهو إنما أسلم بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بست سنين أو سبع فلو تعارض الحديثان من كل وجه وتقاوما في الصحة لتعين تقديم حديث أبي هريرة لأنه مثبت معه زيادة علم خفيت على ابن عباس فكيف وحديث أبي هريرة في غاية الصحة متفق على صحته وحديث ابن عباس فيه من الضعف ما فيه والله أعلم.

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 09:24 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الجمعة وذكر خصائص يومها


[هدي الله هذه الأمة له ]



ثبت في " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
نحن الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له والناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد

وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق

وفي " المسند " والسنن من حديث أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قالوا : يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ ( يعني : قد بليت قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ورواه الحاكم في " المستدرك " وابن حبان في " صحيحه " .

وفي " جامع الترمذي " من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة قال حديث حسن صحيح وصححه الحاكم .

وفي " المستدرك " أيضا عن أبي هريرة مرفوعا سيد الأيام يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة

وروى مالك في " الموطأ " عن أبي هريرة مرفوعا خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه

قال كعب : ذلك في كل سنة يوم فقلت بل في كل جمعة فقرأ كعب التوراة فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . قال أبو هريرة ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب قال قد علمت أية ساعة هي قلت فأخبرني بها قال هي آخر ساعة في يوم الجمعة فقلت كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي " وتلك الساعة لا يصلى فيها ؟ فقال ابن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي " ؟

وفي " صحيح ابن حبان " مرفوعا لا تطلع الشمس على يوم خير من يوم الجمعة

وفي " مسند الشافعي " من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال أتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرآة بيضاء فيها نكتة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه ؟ فقال " هذه يوم الجمعة فضلت بها أنت وأمتك والناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ولكم فيها خير وفيها ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل ما يوم المزيد ؟ قال إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب من مسك فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله سبحانه ما شاء من ملائكته وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب " فيقول الله عز وجل " أنا ربكم قد صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم فيقولون ربنا نسألك رضوانك فيقول قد رضيت عنكم ولكم ما تمنيتم ولدي مزيد فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير وهو اليوم الذي استوى فيه ربك تبارك وتعالى على العرش وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة .

رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عبيد عن عمير بن أنس .

ثم قال وأخبرنا إبراهيم قال حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد عن أنس شبيها به .

وكان الشافعي حسن الرأي في شيخه إبراهيم هذا لكن قال فيه الإمام أحمد رحمه الله معتزلي جهمي قدري كل بلاء فيه .

ورواه أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا صفوان قال قال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل فذكره " ورواه محمد بن شعيب عن عمر مولى غفرة عن أنس . ورواه أبو ظبية عن عثمان بن عمير عن أنس . وجمع أبو بكر بن أبي داود طرقه .

وفي " مسند أحمد " من حديث علي بن أبي طلحة عن أبي هريرة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لأي شيء سمي يوم الجمعة ؟ قال لأن فيه طبعت طينة أبيك آدم وفيه الصعقة والبعثة وفيه البطشة وفي آخره ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له

وقال الحسن بن سفيان النسوي في " مسنده " حدثنا أبو مروان هشام بن خالد الأزرق حدثنا الحسن بن يحيى الخشني حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة حدثني أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أتاني جبريل وفي يده كهيئة المرآة البيضاء فيها نكتة سوداء فقلت : ما هذه يا جبريل ؟ فقال هذه الجمعة بعثت بها إليك تكون عيدا لك ولأمتك من بعدك . فقلت : وما لنا فيها يا جبريل ؟ قال لكم فيها خير كثير أنتم الآخرون السابقون يوم القيامة وفيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه . قلت فما هذه النكتة السوداء يا جبريل ؟ قال هذه الساعة تكون في يوم الجمعة وهو سيد الأيام ونحن نسميه عندنا يوم المزيد . قلت وما يوم المزيد يا جبريل ؟ قال ذلك بأن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة هبط الرب عز وجل من عرشه إلى كرسيه ويحف الكرسي بمنابر من النور فيجلس عليها النبيون وتحف المنابر بكراسي من ذهب فيجلس عليها الصديقون والشهداء ويهبط أهل الغرف من غرفهم فيجلسون على كثبان المسك لا يرون لأهل المنابر والكراسي فضلا في المجلس ثم يتبدى لهم ذو الجلال والإكرام تبارك وتعالى فيقول سلوني فيقولون بأجمعهم نسألك الرضى يا رب فيشهد لهم على الرضى ثم يقول سلوني فيسألونه حتى تنتهي نهمة كل عبد منهم قال ثم يسعى عليهم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم يرتفع الجبار من كرسيه إلى عرشه ويرتفع أهل الغرف إلى غرفهم وهي غرفة من لؤلؤة بيضاء أو ياقوتة حمراء أو زمردة خضراء ليس فيها فصم ولا وصم منورة فيها أنهارها أو قال مطردة متدلية فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها ومساكنها قال فأهل الجنة يتباشرون في الجنة بيوم الجمعة كما يتباشر أهل الدنيا في الدنيا بالمطر

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب " صفة الجنة " : حدثني أزهر بن مروان الرقاشي حدثني عبد الله بن عرادة الشيباني حدثنا القاسم بن مطيب عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جب ريل وفي كفه مرآة كأحسن المرائي وأضوئها وإذا في وسطها لمعة سوداء فقلت : ما هذه اللمعة التي أرى فيها ؟ قال هذه الجمعة قلت : وما الجمعة ؟ قال يوم من أيام ربك عظيم وسأخبرك بشرفه وفضله في الدنيا وما يرجى فيه لأهله وأخبرك باسمه في الآخرة فأما شرفه وفضله في الدنيا فإن الله عز وجل جمع فيه أمر الخلق وأما ما يرجى فيه لأهله فإن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم أو أمة مسلمة يسألان الله تعالى فيها خيرا إلا أعطاهما إياه وأما شرفه وفضله في الآخرة واسمه فإن الله تبارك وتعالى إذا صير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جرت عليهم هذه الأيام وهذه الليالي ليس فيها ليل ولا نهار إلا قد علم الله عز وجل مقدار ذلك وساعاته فإذا كان يوم الجمعة حين يخرج أهل الجمعة إلى جمعتهم نادى أهل الجنة مناد يا أهل الجنة اخرجوا إلى وادي المزيد ووادي المزيد لا يعلم سعة طوله وعرضه إلا الله فيه كثبان المسك رءوسها في السماء قال فيخرج غلمان الأنبياء بمنابر من نور ويخرج غلمان المؤمنين بكراسي من ياقوت فإذا وضعت لهم وأخذ القوم مجالسهم بعث الله عليهم ريحا تدعى المثيرة تثير ذلك المسك وتدخله من تحت ثيابهم وتخرجه في وجوههم وأشعارهم تلك الريح أعلم كيف تصنع بذلك المسك من امرأة أحدكم لو دفع إليها كل طيب على وجه الأرض . قال ثم يوحي الله تبارك وتعالى إلى حملة عرشه ضعوه بين أظهرهم فيكون أول ما يسمعونه منه إلي يا عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني وصدقوا رسلي واتبعوا أمري سلوني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة رضينا عنك فارض عنا فيرجع الله إليهم أن يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم داري فسلوني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة يا ربنا وجهك ننظر إليه فيكشف تلك الحجب فيتجلى لهم عز وجل فيغشاهم من نوره شيء لولا أنه قضى ألا يحترقوا لاحترقوا لما يغشاهم من نوره ثم يقال لهم ارجعوا إلى منازلكم فيرجعون إلى منازلهم وقد أعطى كل واحد منهم الضعف على ما كانوا فيه فيرجعون إلى أزواجهم وقد خفوا عليهن وخفين عليهم مما غشيهم من نوره فإذا رجعوا تراد النور حتى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها فتقول لهم أزواجهم لقد خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها فيقولون ذلك لأن الله عز وجل تجلى لنا فنظرنا منه قال وإنه والله ما أحاط به خلق ولكنه قد أراهم من عظمته وجلاله ما شاء أن يريهم قال فذلك قولهم فنظرنا منه قال فهم يتقلبون في مسك الجنة ونعيمها في كل سبعة أيام الضعف على ما كانوا فيه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة 17 ] .

ورواه أبو نعيم في " صفة الجنة " من حديث عصمة بن محمد حدثنا موسى بن عقبة عن أبي صالح عن أنس شبيها به .

وذكر أبو نعيم في " صفة الجنة " من حديث المسعودي عن المنهال عن أبي عبيدة عن عبد الله قال سارعوا إلى الجمعة في الدنيا فإن الله تبارك وتعالى يبرز لأهل الجنة في كل جمعة على كثيب من كافور أبيض فيكونون منه سبحانه بالقرب على قدر سرعتهم إلى الجمعة ويحدث لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك فيرجعون إلى أهليهم وقد أحدث لهم

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 09:30 PM
فصل في مبدإ الجمعة




قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كنت قائد أبي حين كف بصره فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان بها استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة فمكث حينا على ذلك فقلت : إن هذا لعجز ألا أسأله عن هذا فخرجت به كما كنت أخرج فلما سمع الأذان للجمعة استغفر له فقلت : يا أبتاه أرأيت استغفارك لأسعد بن زرارة كلما سمعت الأذان يوم الجمعة ؟ قال أي بني كان أسعد أول من جمع بنا بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له : نقيع الخضمات . قلت فكم كنتم يومئذ ؟ قال أربعون رجلا .

قال البيهقي ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه من الراوي وكان الراوي ثقة استقام الإسناد وهذا حديث حسن صحيح الإسناد انتهى .

قلت : وهذا كان مبدأ الجمعة . ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأقام بقباء في بني عمرو بن عوف كما قاله ابن إسحاق يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة وذلك قبل تأسيس مسجده .

قال ابن إسحاق : وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - ونعوذ بالله أن نقول على رسول الله ما لم يقل - أنه قام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها تجزى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال ابن إسحاق : ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال إن الحمد لله أحمده وأستعينه نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إن أحسن الحديث كتاب الله قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر فاختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسن الحديث وأبلغه أحبوا ما أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره ولا تقس عنه قلوبكم فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي قد سماه الله خيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد والصالح من الحديث ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا واتقوه حق تقاته واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم وتحابوا بروح الله بينكم إن الله يغضب أن ينكث عهده والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وقد تقدم طرف من خطبته عليه السلام عند ذكر هديه في الخطب .

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 09:33 PM
فصل [خواص يوم الجمعة وهي ثلاث وثلاثون ]




وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره .وقد اختلف العلماء هل هو أفضل أم يوم عرفة ؟ على قولين هما وجهان لأصحاب الشافعي .
وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي ( الم تنزيل ) و ( هل أتى على الإنسان ) . ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة ويسمونها سجدة الجمعة وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة استحب قراءة سورة أخرى فيها سجدة ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة دفعا لتوهم الجاهلين وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها فإنهما اشتملتا على خلق آدم وعلى ذكر المعاد وحشر العباد وذلك يكون يوم الجمعة وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون والسجدة جاءت تبعا ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت . فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة .
الخاصة الثانية استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته لقوله صلى الله عليه وسلم أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة وهو يوم عيد لهم في الدنيا ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته .
الخاصة الثالثة صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام ومن أعظم مجامع المسلمين وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عرفة ومن تركها تهاونا بها طبع الله على قلبه وقرب أهل الجنة يوم القيامة وسبقهم إلى الزيارة يوم المزيد بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة وتبكيرهم .
الخاصة الرابعة الأمر بالاغتسال في يومها وهو أمر مؤكد جدا ووجوبه أقوى من وجوب الوتر وقراءة البسملة في الصلاة ووجوب الوضوء من مس النساء ووجوب الوضوء من مس الذكر ووجوب الوضوء من القهقهة في الصلاة ووجوب الوضوء من الرعاف والحجامة والقيء ووجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ووجوب القراءة على المأموم .
وللناس في وجوبه ثلاثة أقوال النفي والإثبات والتفصيل بين من به رائحة يحتاج إلى إزالتها فيجب عليه ومن هو مستغن عنه فيستحب له والثلاثة لأصحاب أحمد .
الخاصة الخامسة التطيب فيه وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع .
الخاصة السادسة السواك فيه وله مزية على السواك في غيره .
الخاصة السابعة التبكير للصلاة .

إبن عبد ربه
06 -11- 2003, 09:34 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبه





كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى

ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة

ثم يقول أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي رواه مسلم . وفي لفظ كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته فذكره .

وفي لفظ يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وخير الحديث كتاب الله وفي لفظ للنسائي وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار

وكان يقول في خطبته بعد التحميد والثناء والتشهد " أما بعد " . وكان يقصر الخطبة ويطيل الصلاة ويكثر الذكر ويقصد الكلمات الجوامع

وكان يقول إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه

وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين . ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك وأمره بالجلوس .

وكان يقطع خطبته للحاجة تعرض أو السؤال من أحد من أصحابه فيجيبه ثم يعود إلى خطبته فيتمها . وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة ثم يعود فيتمها كما نزل لأخذ الحسن والحسين رضي الله عنهما فأخذهما ثم رقي بهما المنبر فأتم خطبته

وكان يدعو الرجل في خطبته تعال يا فلان اجلس يا فلان صل يا فلان . وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم بالصدقة وحضهم عليها .

وكان يشير بأصبعه السبابة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه.

وكان يستسقي بهم إذا قحط المطر في خطبته

وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس فإذا اجتمعوا خرج إليهم وحده من غير شاويش يصيح بين يديه ولا لبس طيلسانا ولا طرحة ولا سوادا فإذا دخل المسجد سلم عليهم فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم ولم يدع مستقبل القبلة ثم يجلس ويأخذ بلال في الأذان فإذا فرغ منه قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب من غير فصل بين الأذان والخطبة لا بإيراد خبر ولا غيره .

ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره وإنما كان يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر وكان في الحرب يعتمد على قوس وفي الجمعة يعتمد على عصا . ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائما وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف فمن فرط جهله فإنه لا يحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفا البتة وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس .

وكان منبره ثلاث درجات وكان قبل اتخاذه يخطب إلى جذع يستند إليه فلما تحول إلى المنبر حن الجذع حنينا سمعه أهل المسجد فنزل إليه صلى الله عليه وسلم وضمه قال أنس : حن لما فقد ما كان يسمع من الوحي وفقده التصاق النبي صلى الله عليه وسلم . ولم يوضع المنبر في وسط المسجد وإنما وضع في جانبه الغربي قريبا من الحائط وكان بينه وبين الحائط قدر ممر الشاة .

وكان إذا جلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم في غير الجمعة أو خطب قائما في الجمعة استدار أصحابه إليه بوجوههم وكان وجهه صلى الله عليه وسلم قبلهم في وقت الخطبة .

[ الأمر بالإنصات للخطبة ]

وكان يقوم فيخطب ثم يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيخطب الثانية فإذا فرغ منها أخذ بلال في الإقامة . وكان يأمر الناس بالدنو منه ويأمرهم بالإنصات ويخبرهم أن الرجل إذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا . ويقول من لغا فلا جمعة له

وكان يقول من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليست له جمعة رواه الإمام أحمد .

وقال أبي بن كعب : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ( تبارك وهو قائم فذكرنا بأيام الله وأبو الدرداء أو أبو ذر يغمزني فقال متى أنزلت هذه السورة ؟ فإني لم أسمعها إلى الآن فأشار إليه أن اسكت فلما انصرفوا قال سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني فقال إنه ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك وأخبره بالذي قال له أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق أبي " . ذكره ابن ماجه وسعيد بن منصور وأصله في " مسند أحمد " .

وقال صلى الله عليه وسلم يحضر الجمعة ثلاثة نفر : رجل حضرها يلغو وهو حظه منها ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة له إلى يوم الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك أن الله عز وجل يقول من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها

ذكره أحمد وأبو داود .

إبن عبد ربه
07 -11- 2003, 03:56 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين




كان صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى وهو المصلى الذي على باب المدينة الشرقي وهو المصلى الذي يوضع فيه محمل الحاج ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة أصابهم مطر فصلى بهم العيد في المسجد إن ثبت الحديث وهو في سنن أبي داود وابن ماجه وهديه كان فعلهما في المصلى دائما .

وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة ومرة كان يلبس بردين أخضرين ومرة بردا أحمر وليس هو أحمر مصمتا كما يظنه بعض الناس فإنه لو كان كذلك لم يكن بردا وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك .

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من غير معارض النهي عن لبس المعصفر والأحمر وأمر عبد الله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة ثم يلبسه والذي يقوم عليه الدليل تحريم لباس الأحمر أو كراهيته كراهية شديدة .

وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات ويأكلهن وترا وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته . وكان يغتسل للعيدين صح الحديث فيه وفيه حديثان ضعيفان حديث ابن عباس من رواية جبارة بن مغلس وحديث الفاكه بن سعد من رواية يوسف بن خالد السمتي .

ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه وكان صلى الله عليه وسلم يخرج ماشيا والعنزة تحمل بين يديه فإذا وصل إلى المصلى نصبت بين يديه ليصلي إليها فإن المصلى كان إذ ذاك فضاء لم يكن فيه بناء ولا حائط وكانت الحربة سترته .

وكان يؤخر صلاة عيد الفطر ويعجل الأضحى وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس ويكبر من بيته إلى المصلى .

وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول الصلاة جامعة والسنة أنه لا يفعل شيء من ذلك . ولم يكن هو ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئا قبل الصلاة ولا بعدها .

وكان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة فيصلي ركعتين يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه قال يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الخلال . وكان ابن عمر مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة .

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتم التكبير أخذ في القراءة فقرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ بعدها ق والقرآن المجيد في إحدى الركعتين وفي الأخرى اقتربت الساعة وانشق القمر وربما قرأ فيهما سبح اسم ربك الأعلى و هل أتاك حديث الغاشية صح عنه هذا وهذا ولم يصح عنه غير ذلك . فإذا فرغ من القراءة كبر وركع ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود كبر خمسا متوالية فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين والقراءة يليها الركوع وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه والى بين القراءتين فكبر أولا ثم قرأ وركع فلما قام في الثانية قرأ وجعل التكبير بعد القراءة ولكن لم يثبت هذا عنه فإنه من رواية محمد بن معاوية النيسابوري . قال البيهقي : رماه غير واحد بالكذب .

وقد روى الترمذي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة قال الترمذي : سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث قال ليس في الباب شيء أصح من هذا وبه أقول وقال وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذا الباب هو صحيح أيضا .

قلت : يريد حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها . قال أحمد : وأنا أذهب إلى هذا . قلت : وكثير بن عبد الله بن عمرو هذا ضرب أحمد على حديثه في " المسند " وقال لا يساوي حديثه شيئا والترمذي تارة يصحح حديثه وتارة يحسنه وقد صرح البخاري بأنه أصح شيء في الباب مع حكمه بصحة حديث عمرو بن شعيب وأخبر أنه يذهب إليه . والله أعلم

[ كان يخطبهم في العيد قائما على الأرض ]

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكمل الصلاة انصرف فقام مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم وينهاهم وإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به . ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه ولم يكن يخرج منبر المدينة وإنما كان يخطبهم قائما على الأرض قال جابر : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن متفق عليه . وقال أبو سعيد الخدري : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول ما يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم . . . الحديث . رواه مسلم .

وذكر أبو سعيد الخدري : أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم فيقف على راحلته مستقبل الناس وهم صفوف جلوس فيقول " تصدقوا " فأكثر من يتصدق النساء بالقرط والخاتم والشيء . فإن كانت له حاجة يريد أن يبعث بعثا يذكره لهم وإلا انصرف . وقد كان يقع لي أن هذا وهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يخرج إلى العيد ماشيا والعنزة بين يديه وإنما خطب على راحلته يوم النحر بمنى إلى أن رأيت بقي بن مخلد الحافظ قد ذكر هذا الحديث في " مسنده " عن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا داود بن قيس حدثنا عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم العيد من يوم الفطر فيصلي بالناس تينك الركعتين ثم يسلم فيستقبل الناس فيقول تصدقوا وكان أكثر من يتصدق النساء وذكر الحديث .

ثم قال حدثنا أبو بكر بن خلاد حدثنا أبو عامر حدثنا داود عن عياض عن أبي سعيد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في يوم الفطر فيصلي بالناس فيبدأ بالركعتين ثم يستقبلهم وهم جلوس فيقول تصدقوا فذكر مثله وهذا إسناد ابن ماجه إلا أنه رواه عن أبي كريب عن أبي أسامة عن داود . ولعله ثم يقوم على رجليه كما قال جابر قام متوكئا على بلال فتصحف على الكاتب براحلته . والله أعلم .

فإن قيل فقد أخرجا في " الصحيحين " عن ابن عباس قال شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب قال فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى جاء إلى النساء ومعه بلال فقال يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا [ الممتحنة 12 ] . فتلا الآية حتى فرغ منها الحديث .

وفي " الصحيحين " أيضا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فبدأ بالصلاة ثم خطب الناس بعد فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل فأتى النساء فذكرهن الحديث . وهو يدل على أنه كان يخطب على منبر أو على راحلته ولعله كان قد بني له منبر من لبن أو طين أو نحوه ؟ قيل لا ريب في صحة هذين الحديثين ولا ريب أن المنبر لم يكن يخرج من المسجد وأول من أخرجه مروان بن الحكم فأنكر عليه وأما منبر اللبن والطين فأول من بناه كثير بن الصلت في إمارة مروان على المدينة كما هو في " الصحيحين " فلعله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في المصلى على مكان مرتفع أو دكان وهي التي تسمى مصطبة ثم ينحدر منه إلى النساء فيقف عليهن فيخطبهن فيعظهن ويذكرهن . والله أعلم .

[ كان يفتتح خطبه بالحمدلة ]

وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير وإنما روى ابن ماجه في " سننه " عن سعد القرظ مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر التكبير بين أضعاف الخطبة ويكثر التكبير في خطبتي العيدين . وهذا لا يدل على أنه كان يفتتحها به .

وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء فقيل يفتتحان بالتكبير وقيل تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وقيل يفتتحان بالحمد . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهو الصواب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم

وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله . ورخص صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة وأن يذهب ورخص لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة .

وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد فيذهب في طريق ويرجع في آخر فقيل ليسلم على أهل الطريقين وقيل لينال بركته الفريقان وقيل ليقضي حاجة من له حاجة منهما وقيل ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق وقيل ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله وقيام شعائره وقيل لتكثر شهادة البقاع فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله وقيل وهو الأصح : إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها .

[ التكبير من فجر يوم عرفة ]

وروي عنه أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد

إبن عبد ربه
07 -11- 2003, 03:58 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف



لما كسفت الشمس خرج صلى الله عليه وسلم إلى المسجد مسرعا فزعا يجر رداءه وكان كسوفها في أول النهار على مقدار رمحين أو ثلاثة من طلوعها فتقدم فصلى ركعتين قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وسورة طويلة جهر بالقراءة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه من الركوع فأطال القيام وهو دون القيام الأول وقال لما رفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم أخذ في القراءة ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم رفع رأسه من الركوع ثم سجد سجدة طويلة فأطال السجود ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الأولى فكان في كل ركعة ركوعان وسجودان فاستكمل في الركعتين أربع ركعات وأربع سجدات ورأى في صلاته تلك الجنة والنار وهم أن يأخذ عنقودا من الجنة فيريهم إياه ورأى أهل العذاب في النار فرأى امرأة تخدشها هرة ربطتها حتى ماتت جوعا وعطشا ورأى عمرو بن مالك يجر أمعاءه في النار وكان أول من غير دين إبراهيم ورأى فيها سارق الحاج يعذب ثم انصرف فخطب بهم خطبة بليغة حفظ منها قوله إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا يا أمة محمد والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا

وقال لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم به حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني أتقدم ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا حين رأيتموني تأخرت

وفي لفظ ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط أفظع منها ورأيت أكثر أهل النار النساء . قالوا : وبم يا رسول الله ؟ قال بكفرهن . قيل أيكفرن بالله ؟ قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط

ومنها : ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة الدجال يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو قال الموقن فيقول محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا فيقال له نم صالحا فقد علمنا إن كنت لمؤمنا وأما المنافق أو قال المرتاب فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته

وفي طريق أخرى لأحمد بن حنبل رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم لما سلم حمد الله وأثنى عليه وشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله ثم قال أيها الناس أنشدكم بالله هل تعلمون أني قصرت في شيء من تبليغ رسالات ربي لما أخبرتموني بذلك ؟ فقام رجل فقال نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك . ثم قال أما بعد فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم عن مطالعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض وإنهم قد كذبوا ولكنها آيات من آيات الله تبارك وتعالى يعتبر بها عباده فينظر من يحدث منهم توبة وايم الله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقوه من أمر دنياكم وآخرتكم وإنه - والله أعلم - لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الدجال ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي يحيى لشيخ حينئذ من الأنصار بينه وبين حجرة عائشة وإنه متى يخرج فسوف يزعم أنه الله فمن آمن به وصدقه واتبعه لم ينفعه صالح من عمله سلف ومن كفر به وكذبه لم يعاقب بشيء من عمله سلف وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس فيزلزلون زلزالا شديدا ثم يهلكه الله عز وجل وجنوده حتى إن جذم الحائط أو قال أصل الحائط وأصل الشجرة لينادي : يا مسلم يا مؤمن هذا يهودي أو قال هذا كافر فتعال فاقتله قال ولن يكون ذلك حتى تروا أمورا يتفاقم بينكم شأنها في أنفسكم وتساءلون بينكم هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا : وحتى تزول جبال عن مراتبها ثم على أثر ذلك القبض .

[ بيان الاختلاف في صفة صلاة الكسوف ]

فهذا الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم من صفة صلاة الكسوف وخطبتها . وقد روي عنه أنه صلاها على صفات أخر . منها : كل ركعة بثلاث ركوعات ومنها: كل ركعة بأربع ركوعات ومنها : إنها كإحدى صلاة صليت كل ركعة بركوع واحد ولكن كبار الأئمة لا يصححون ذلك كالإمام أحمد والبخاري والشافعي ويرونه غلطا .

قال الشافعي وقد سأله سائل فقال روى بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركعات في كل ركعة قال الشافعي : فقلت له أتقول به أنت ؟ قال لا ولكن لم لم تقل به أنت وهو زيادة على حديثكم ؟ يعني حديث الركوعين في الركعة فقلت هو من وجه منقطع ونحن لا نثبت المنقطع على الانفراد ووجه نراه - والله أعلم - غلطا قال البيهقي : أراد بالمنقطع قول عبيد بن عمير : حدثني من أصدق قال عطاء : حسبته يريد عائشة . . . الحديث وفيه فركع في كل ركعة ثلاث ركوعات وأربع سجدات .

وقال قتادة : عن عطاء عن عبيد بن عمير عنها : ست ركعات في أربع سجدات . فعطاء إنما أسنده عن عائشة بالظن والحسبان لا باليقين وكيف يكون ذلك محفوظا عن عائشة وقد ثبت عن عروة وعمرة عن عائشة خلافه وعروة وعمرة أخص بعائشة وألزم لها من عبيد بن عمير وهما اثنان فروايتهما أولى أن تكون هي المحفوظة .

قال وأما الذي يراه الشافعي غلطا فأحسبه حديث عطاء عن جابر انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس إنما انكسفت الشمس لموت إبراهيم فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات الحديث .

قال البيهقي : من نظر في قصة هذا الحديث وقصة حديث أبي الزبير علم أنهما قصة واحدة وأن الصلاة التي أخبر عنها إنما فعلها مرة واحدة وذلك في يوم توفي ابنه إبراهيم عليه السلام .

قال ثم وقع الخلاف بين عبد الملك يعني ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وبين هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر في عدد الركوع في كل ركعة فوجدنا رواية هشام أولى يعني أن في كل ركعة ركوعين فقط لكونه مع أبي الزبير أحفظ من عبد الملك ولموافقة روايته في عدد الركوع رواية عمرة وعروة عن عائشة ورواية كثير بن عباس وعطاء بن يسار عن ابن عباس ورواية أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو ثم رواية يحيى بن سليم وغيره وقد خولف عبد الملك في روايته عن عطاء فرواه ابن جريج وقتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير : ست ركعات في أربع سجدات فرواية هشام عن أبي الزبير عن جابر التي لم يقع فيها الخلاف ويوافقها عدد كثير أولى من روايتي عطاء اللتين إنما إسناد أحدهما بالتوهم والأخرى يتفرد بها عنه عبد الملك بن أبي سليمان الذي قد أخذ عليه الغلط في غير حديث .

قال وأما حديث حبيب بن أبي ثابت عن طاووس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في كسوف فقرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم سجد قال والأخرى مثلها فرواه مسلم في " صحيحه " وهو مما تفرد به حبيب بن أبي ثابت وحبيب وإن كان ثقة فكان يدلس ولم يبين فيه سماعه من طاووس فيشبه أن يكون حمله عن غير موثوق به وقد خالفه في رفعه ومتنه سليمان المكي الأحول فرواه عن طاووس عن ابن عباس من فعله ثلاث ركعات في ركعة .

وقد خولف سليمان أيضا في عدد الركوع فرواه جماعة عن ابن عباس من فعله كما رواه عطاء بن يسار وغيره عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني في كل ركعة ركوعان .

قال وقد أعرض محمد بن إسماعيل البخاري عن هذه الروايات الثلاث فلم يخرج شيئا منها في " الصحيح " لمخالفتهن ما هو أصح إسنادا وأكثر عددا وأوثق رجالا وقال البخاري في رواية أبي عيسى الترمذي عنه أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات .

قال البيهقي : وروي عن حذيفة مرفوعا أربع ركعات في كل ركعة وإسناده ضعيف . وروي عن أبي بن كعب مرفوعا خمس ركوعات في كل ركعة وصاحبا الصحيح لم يحتجا بمثل إسناد حديثه .

قال وذهب جماعة من أهل الحديث إلى تصحيح الروايات في عدد الركعات وحملوها على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها مرارا وأن الجميع جائز فممن ذهب إليه إسحاق بن راهويه ومحمد بن إسحاق بن خزيمة وأبو بكر بن إسحاق الضبعي وأبو سليمان الخطابي واستحسنه ابن المنذر .

والذي ذهب إليه البخاري والشافعي من ترجيح الأخبار أولى لما ذكرنا من رجوع الأخبار إلى حكاية صلاته صلى الله عليه وسلم يوم توفي ابنه .

قلت : والمنصوص عن أحمد أيضا أخذه بحديث عائشة وحده في كل ركعة ركوعان وسجودان .

قال في رواية المروزي : وأذهب إلى أن صلاة الكسوف أربع ركعات وأربع سجدات في كل ركعة ركعتان وسجدتان وأذهب إلى حديث عائشة أكثر الأحاديث على هذا . وهذا اختيار أبي بكر وقدماء الأصحاب وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية . وكان يضعف كل ما خالفه من الأحاديث ويقول هي غلط وإنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الكسوف مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم . والله أعلم .

وأمر صلى الله عليه وسلم في الكسوف بذكر الله والصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتاقة والله أعلم .

إبن عبد ربه
07 -11- 2003, 03:59 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء



ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على وجوه . أحدها : يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته وقال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا الوجه الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوما يخرجون فيه إلى المصلى فخرج لما طلعت الشمس متواضعا متبذلا متخشعا مترسلا متضرعا فلما وافى المصلى صعد المنبر - إن صح وإلا ففي القلب منه شيء - فحمد الله وأثنى عليه وكبره وكان مما حفظ من خطبته ودعائه الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت تفعل ما تريد اللهم لا إلا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا وبلاغا إلى حين ثم رفع يديه وأخذ في التضرع والابتهال والدعاء وبالغ في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة وحول إذ ذاك رداءه وهو مستقبل القبلة فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن وظهر الرداء لبطنه وبطنه لظهره وكان الرداء خميصة سوداء وأخذ في الدعاء مستقبل القبلة والناس كذلك ثم نزل فصلى بهم ركعتين كصلاة العيد من غير أذان ولا إقامة ولا نداء البتة جهر فيهما بالقراءة وقرأ في الأولى بعد فاتحة الكتاب سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية .

الوجه الثالث أنه صلى الله عليه وسلم استسقى على منبر المدينة استسقاء مجردا في غير يوم جمعة ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء صلاة .

الوجه الرابع أنه صلى الله عليه وسلم استسقى وهو جالس في المسجد فرفع يديه ودعا الله عز وجل فحفظ من دعائه حينئذ اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار

الوجه الخامس أنه صلى الله عليه وسلم استسقى عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء وهي خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام نحو قذفة حجر ينعطف عن يمين الخارج من المسجد .

الوجه السادس أنه صلى الله عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء فأصاب المسلمين العطش فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال بعض المنافقين لو كان نبيا لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أوقد قالوها ؟ عسى ربكم أن يسقيكم ثم بسط يديه ودعا فما رد يديه من دعائه حتى أظلهم السحاب وأمطروا فأفعم السيل الوادي فشرب الناس فارتووا .

وحفظ من دعائه في الاستسقاء اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل . وأغيث صلى الله عليه وسلم في كل مرة استسقى فيها .

واستسقى مرة فقام إليه أبو لبابة فقال يا رسول الله إن التمر في المرابد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد ثعلب مربده بإزاره فأمطرت فاجتمعوا إلى أبي لبابة فقالوا : إنها لن تقلع حتى تقوم عريانا فتسد ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل فاستهلت السماء

ولما كثر المطر سألوه الاستصحاء فاستصحى لهم وقال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والجبال والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر

وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى مطرا قال اللهم صيبا نافعا وكان يحسر ثوبه حتى يصيبه من المطر فسئل عن ذلك فقال لأنه حديث عهد بربه

قال الشافعي رحمه الله أخبرني من لا أتهم عن يزيد بن الهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سال السيل قال اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا فنتطهر منه ونحمد الله عليه

وأخبرني من لا أتهم عن إسحاق بن عبد الله أن عمر كان إذا سال السيل ذهب بأصحابه إليه وقال ما كان ليجيء من مجيئه أحد إلا تمسحنا وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى الغيم والريح عرف ذلك في وجهه فأقبل وأدبر فإذا أمطرت سري عنه وذهب عنه ذلك وكان يخشى أن يكون فيه العذاب .

قال الشافعي : وروي عن سالم بن عبد الله عن أبيه مرفوعا أنه كان إذا استسقى قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا غدقا مجللا عاما طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخلق من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا

قال الشافعي رحمه الله وأحب أن يدعو الإمام بهذا قال وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا في الاستسقاء رفع يديه وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمطر في أول مطرة حتى يصيب جسده .

قال وبلغني أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح وقد مطر الناس قال مطرنا بنوء الفتح ثم يقرأ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها [ فاطر 2 ] .

[ طلب الإجابة عند نزول الغيث ]

قال وأخبرني من لا أتهم عن عبد العزيز بن عمر عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند : نزول الغيث وإقامة الصلاة .

قال البيهقي : وقد روينا في حديث موصول عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لا يرد عند النداء وعند البأس وتحت المطر .

وروينا عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلاة وعند رؤية الكعبة .

إبن عبد ربه
07 -11- 2003, 04:01 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في سفره وعبادته فيه




كانت أسفاره صلى الله عليه وسلم دائرة بين أربعة أسفار سفره لهجرته وسفره للجهاد وهو أكثرها وسفره للعمرة وسفره للحج .

وكان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها سافر بها معه ولما حج سافر بهن جميعا .

وكان إذا سافر خرج من أول النهار وكان يستحب الخروج يوم الخميس ودعا الله تبارك وتعالى أن يبارك لأمته في بكورها

وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار وأمر المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمروا أحدهم

ونهى أن يسافر الرجل وحده وأخبر أن الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب

وذكر عنه أنه كان يقول حين ينهض للسفر اللهم إليك توجهت وبك اعتصمت اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهتم به اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير أينما توجهت

وكان إذا قدمت إليه دابته ليركبها يقول بسم الله حين يضع رجله في الركاب وإذا استوى على ظهرها قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم يقول الحمد لله الحمد لله الحمد لله ثم يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثم يقول سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت

وكان يقول ( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون

وكان هو وأصحابه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا الأودية سبحوا .

وكان إذا أشرف على قرية يريد دخولها يقول اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها .

وذكر عنه أنه كان يقول اللهم إني أسألك من خير هذه القرية . وخير ما جمعت فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما جمعت فيها اللهم ارزقنا جناها وأعذنا من وباها وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا

[ مبحث في قصر الصلاة ]
وكان يقصر الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرا إلى أن يرجع إلى المدينة ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره ألبتة وأما حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم فلا يصح . وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وقد روي كان يقصر وتتم الأول بالياء آخر الحروف والثاني بالتاء المثناة من فوق وكذلك يفطر وتصوم أي تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين قال شيخنا ابن تيمية : وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه فتصلي خلاف صلاتهم كيف والصحيح عنها أنها قالت إن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فكيف يظن بها مع ذلك أن تصلي بخلاف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه . قلت : وقد أتمت عائشة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس وغيره إنها تأولت كما تأول عثمان وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر دائما فركب بعض الرواة من الحديثين حديثا وقال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصر وتتم هي فغلط بعض الرواة فقال كان يقصر ويتم أي هو . والتأويل الذي تأولته قد اختلف فيه فقيل ظنت أن القصر مشروط بالخوف في السفر فإذا زال الخوف زال سبب القصر وهذا التأويل غير صحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم سافر آمنا وكان يقصر الصلاة والآية قد أشكلت على عمر وعلى غيره فسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه بالشفاء وأن هذا صدقة من الله وشرع شرعه للأمة وكان هذا بيان أن حكم المفهوم غير مراد وأن الجناح مرتفع في قصر الصلاة عن الآمن والخائف وغايته أنه نوع تخصيص للمفهوم أو رفع له وقد يقال إن الآية اقتضت قصرا يتناول قصر الأركان بالتخفيف وقصر العدد بنقصان ركعتين وقيد ذلك بأمرين الضرب في الأرض والخوف فإذا وجد الأمران أبيح القصران فيصلون صلاة الخوف مقصورة عددها وأركانها وإن انتفى الأمران فكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران فيصلون صلاة تامة كاملة وإن وجد أحد السببين ترتب عليه قصره وحده فإذا وجد الخوف والإقامة قصرت الأركان واستوفي العدد وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق في الآية فإن وجد السفر والأمن قصر العدد واستوفي الأركان وسميت صلاة أمن وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق وقد تسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد وقد تسمى تامة باعتبار إتمام أركانها وأنها لم تدخل في قصر الآية والأول اصطلاح كثير من الفقهاء المتأخرين والثاني يدل عليه كلام الصحابة كعائشة وابن عباس وغيرهما قالت عائشة : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فهذا يدل على أن صلاة السفر عندها غير مقصورة من أربع وإنما هي مفروضة كذلك وأن فرض المسافر ركعتان .

وقال ابن عباس : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة متفق على حديث عائشة وانفرد مسلم بحديث ابن عباس .

وقال عمر رضي الله عنه صلاة السفر ركعتان والجمعة ركعتان والعيد ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى وهذا ثابت عن عمر رضي الله عنه وهو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما بالنا نقصر وقد أمنا ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة تصدق بها الله عليكم فاقبلوا صدقته

ولا تناقض بين حديثيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجابه بأن هذه صدقة الله عليكم ودينه اليسر السمح علم عمر أنه ليس المراد من الآية قصر العدد كما فهمه كثير من الناس فقال صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر . وعلى هذا فلا دلالة في الآية على أن قصر العدد مباح منفي عنه الجناح فإن شاء المصلي فعله وإن شاء أتم .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب في أسفاره على ركعتين ركعتين ولم يربع قط إلا شيئا فعله في بعض صلاة الخوف كما سنذكره هناك ونبين ما فيه إن شاء الله تعالى .

وقال أنس خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة متفق عليه .

ولما بلغ عبد الله بن مسعود أن عثمان بن عفان صلى بمنى أربع ركعات قال إنا لله وإنا إليه راجعون صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان متفق عليه . ولم يكن ابن مسعود ليسترجع من فعل عثمان أحد الجائزين المخير بينهما بل الأولى على قول وإنما استرجع لما شاهده من مداومة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه على صلاة ركعتين في السفر . وفي " صحيح البخاري " عن ابن عمر رضي الله عنه قال صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان في السفر لا يزيد على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان . يعني في صدر خلافة عثمان وإلا فعثمان قد أتم في آخر خلافته وكان ذلك أحد الأسباب التي أنكرت عليه . وقد خرج لفعله تأويلات

أحدها : أن الأعراب كانوا قد حجوا تلك السنة فأراد أن يعلمهم أن فرض الصلاة أربع لئلا يتوهموا أنها ركعتان في الحضر والسفر ورد هذا التأويل بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا حديثي عهد بالإسلام والعهد بالصلاة قريب ومع هذا فلم يربع بهم النبي صلى الله عليه وسلم .

التأويل الثاني : أنه كان إماما للناس والإمام حيث نزل فهو عمله ومحل ولايته فكأنه وطنه ورد هذا التأويل بأن إمام الخلائق على الإطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو أولى بذلك وكان هو الإمام المطلق ولم يربع .

التأويل الثالث أن منى كانت قد بنيت وصارت قرية كثر فيها المساكن في عهده ولم يكن ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت فضاء ولهذا قيل له يا رسول الله ألا نبني لك بمنى بيتا يظلك من الحر ؟ فقال لا . منى مناخ من سبق فتأول عثمان أن القصر إنما يكون في حال السفر . ورد هذا التأويل بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عشرا يقصر الصلاة .

التأويل الرابع أنه أقام بها ثلاثا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا فسماه مقيما والمقيم غير مسافر ورد هذا التأويل بأن هذه إقامة مقيدة في أثناء السفر ليست بالإقامة التي هي قسيم السفر وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشرا يقصر الصلاة وأقام بمنى بعد نسكه أيام الجمار الثلاث يقصر الصلاة .

التأويل الخامس أنه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنى واتخاذها دار الخلافة فلهذا أتم ثم بدا له أن يرجع إلى المدينة وهذا التأويل أيضا مما لا يقوى فإن عثمان رضي الله عنه من المهاجرين الأولين وقد منع صلى الله عليه وسلم المهاجرين من الإقامة بمكة بعد نسكهم ورخص لهم فيها ثلاثة أيام فقط فلم يكن عثمان ليقيم بها وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وإنما رخص فيها ثلاثا وذلك لأنهم تركوها لله وما ترك لله فإنه لا يعاد فيه ولا يسترجع ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من شراء المتصدق لصدقته وقال لعمر : لا تشترها ولا تعد في صدقتك فجعله عائدا في صدقته مع أخذها بالثمن .

التأويل السادس أنه كان قد تأهل بمنى والمسافر إذا أقام في موضع وتزوج فيه أو كان له به زوجة أتم ويروى في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم . فروى عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن ابن أبي ذباب عن أبيه قال صلى عثمان بأهل منى أربعا وقال يا أيها الناس لما قدمت تأهلت بها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا تأهل الرجل ببلدة فإنه يصلي بها صلاة مقيم رواه الإمام أحمد رحمه الله في " مسنده " وعبد الله بن الزبير الحميدي في " مسنده " أيضا وقد أعله البيهقي بانقطاعه وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم . قال أبو البركات بن تيمية : ويمكن المطالبة بسبب الضعف فإن البخاري ذكره في " تاريخه " ولم يطعن فيه وعادته ذكر الجرح والمجروحين وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأصحابهما وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان .

وقد اعتذر عن عائشة أنها كانت أم المؤمنين فحيث نزلت كان وطنها وهو أيضا اعتذار ضعيف فإن النبي صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين أيضا وأمومة أزواجه فرع عن أبوته ولم يكن يتم لهذا السبب . وقد روى هشام بن عروة عن أبيه أنها كانت تصلي في السفر أربعا فقلت لها : لو صليت ركعتين فقالت يا ابن أختي إنه لا يشق علي

قال الشافعي رحمه الله لو كان فرض المسافر ركعتين لما أتمها عثمان ولا عائشة ولا ابن مسعود ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم وقد قالت عائشة : كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم وقصر ثم روي عن إبراهيم بن محمد عن طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت كل ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في السفر وأتم .

قال البيهقي : وكذلك رواه المغيرة بن زياد عن عطاء وأصح إسناد فيه ما أخبرنا أبو بكر الحارثي عن الدارقطني عن المحاملي حدثنا سعيد بن محمد بن ثواب حدثنا أبو عاصم حدثنا عمر بن سعيد عن عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في الصلاة ويتم ويفطر ويصوم

قال الدارقطني : وهذا إسناد صحيح . ثم ساق من طريق أبي بكر النيسابوري عن عباس الدوري أنبأنا أبو نعيم حدثنا العلاء بن زهير حدثني عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة أنها اعتمرت مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وصمت وأفطرت . قال أحسنت يا عائشة

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هذا الحديث كذب على عائشة ولم تكن عائشة لتصلي بخلاف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة وهي تشاهدهم يقصرون ثم تتم هي وحدها بلا موجب . كيف وهي القائلة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله وتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

قال الزهري لعروة لما حدثه عنها بذلك فما شأنها كانت تتم الصلاة ؟ فقال تأولت كما تأول عثمان . فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حسن فعلها وأقرها عليه فما للتأويل حينئذ وجه ولا يصح أن يضاف إتمامها إلى التأويل على هذا التقدير وقد أخبر ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في السفر على ركعتين ولا أبو بكر ولا عمر . أفيظن بعائشة أم المؤمنين مخالفتهم وهي تراهم يقصرون ؟ وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم فإنها أتمت كما أتم عثمان وكلاهما تأول تأويلا والحجة في روايتهم لا في تأويل الواحد منهم مع مخالفة غيره له والله أعلم .

وقد قال أمية بن خالد لعبد الله بن عمر إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر في القرآن ؟ فقال له ابن عمر يا أخي إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأينا محمدا صلى الله عليه وسلم يفعل

وقد قال أنس خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة

وقال ابن عمر : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وهذه كلها أحاديث صحيحة .

إبن عبد ربه
07 -11- 2003, 04:02 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن واستماعه





وخشوعه وبكائه عند قراءته واستماعه وتحسين صوته به وتوابع ذلك

كان له صلى الله عليه وسلم حزب يقرؤه ولا يخل به وكانت قراءته ترتيلا لا هذا ولا عجلة بل قراءة مفسرة حرفا حرفا . وكان يقطع قراءته آية آية وكان يمد عند حروف المد فيمد الرحمن ويمد الرحيم وكان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في أول قراءته فيقول " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وربما كان يقول اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه وكان تعوذه قبل القراءة .

وكان يحب أن يسمع القرآن من غيره وأمر عبد الله بن مسعود فقرأ عليه وهو يسمع . وخشع صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن منه حتى ذرفت عيناه .

وكان يقرأ القرآن قائما وقاعدا ومضطجعا ومتوضئا ومحدثا ولم يكن يمنعه من قراءته إلا الجنابة .

وكان صلى الله عليه وسلم يتغنى به ويرجع صوته به أحيانا كما رجع يوم الفتح في قراءته إنا فتحنا لك فتحا مبينا وحكى عبد الله بن مغفل ترجيعه آ آ آ ثلاث مرات ذكره البخاري .

وإذا جمعت هذه الأحاديث إلى قوله زينوا القرآن بأصواتكم وقوله ليس منا من لم يتغن بالقرآن وقوله ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن علمت أن هذا الترجيع منه صلى الله عليه وسلم كان اختيارا لا اضطرارا لهز الناقة له فإن هذا لو كان لأجل هز الناقة لما كان داخلا تحت الاختيار فلم يكن عبد الله بن مغفل يحكيه ويفعله اختيارا ليؤتسى به وهو يرى هز الراحلة له حتى ينقطع صوته ثم يقول كان يرجع في قراءته فنسب الترجيع إلى فعله . ولو كان من هز الراحلة لم يكن منه فعل يسمى ترجيعا .

وقد استمع ليلة لقراءة أبي موسى الأشعري فلما أخبره بذلك قال لو كنت أعلم أنك تسمعه لحبرته لك تحبيرا أي حسنته وزينته بصوتي تزيينا وروى أبو داود في " سننه " عن عبد الجبار بن الورد قال سمعت ابن أبي مليكة يقول قال عبد الله بن أبي يزيد : مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فإذا رجل رث الهيئة فسمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس منا من لم يتغن بالقرآن . قال فقلت لابن أبي مليكة يا أبا محمد أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال يحسنه ما استطاع

إبن عبد ربه
07 -11- 2003, 04:03 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في عيادة المرضى
كان صلى الله عليه وسلم يعود من مرض من أصحابه وعاد غلاما كان يخدمه من أهل الكتاب وعاد عمه وهو مشرك وعرض عليهما الإسلام فأسلم اليهودي ولم يسلم عمه .

وكان يدنو من المريض ويجلس عند رأسه ويسأله عن حاله فيقول كيف تجدك ؟

وذكر أنه كان يسأل المريض عما يشتهيه فيقول هل تشتهي شيئا ؟ فإن اشتهى شيئا وعلم أنه لا يضره أمر له به .

وكان يمسح بيده اليمنى على المريض ويقول اللهم رب الناس أذهب البأس واشفه أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما

وكان يقول امسح البأس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلا أنت وكان يدعو للمريض ثلاثا كما قاله لسعد : اللهم اشف سعدا اللهم اشف سعدا اللهم اشف سعدا

وكان إذا دخل على المريض يقول له لا بأس طهور إن شاء الله

[ الرقية والاسترقاء ]
وربما كان يقول كفارة وطهور وكان يرقي من به قرحة أو جرح أو شكوى فيضع سبابته بالأرض ثم يرفعها ويقول بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا هذا في " الصحيحين " وهو يبطل اللفظة التي جاءت في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب وأنهم لا يرقون ولا يسترقون . فقوله في الحديث " لا يرقون " غلط من الراوي سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول ذلك . قال وإنما الحديث " هم الذين لا يسترقون " . قلت : وذلك لأن هؤلاء دخلوا الجنة بغير حساب لكمال توحيدهم ولهذا نفى عنهم الاسترقاء وهو سؤال الناس أن يرقوهم . ولهذا قال وعلى ربهم يتوكلون فلكمال توكلهم على ربهم وسكونهم إليه وثقتهم به ورضاهم عنه وإنزال حوائجهم به لا يسألون الناس شيئا لا رقية ولا غيرها ولا يحصل لهم طيرة تصدهم عما يقصدونه فإن الطيرة تنقص التوحيد وتضعفه .

قال والراقي متصدق محسن والمسترقي سائل والنبي صلى الله عليه وسلم رقى ولم يسترق وقال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه

فإن قيل فما تصنعون بالحديث الذي في " الصحيحين " عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ قل هو الله أحد و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ويمسح بهما ما استطاع من جسده ويبدأ بهما على رأسه ووجهه ما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات قالت عائشة : فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرني أن أفعل ذلك به

فالجواب أن هذا الحديث قد روي بثلاثة ألفاظ . أحدها : هذا .
والثاني : أنه كان ينفث على نفسه .
والثالث قالت كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها وفي لفظ رابع كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث وهذه الألفاظ يفسر بعضها بعضا . وكان صلى الله عليه وسلم ينفث على نفسه وضعفه ووجعه يمنعه من إمرار يده على جسده كله . فكان يأمر عائشة أن تمر يده على جسده بعد نفثه هو وليس ذلك من الاسترقاء في شيء وهي لم تقل كان يأمرني أن أرقيه وإنما ذكرت المسح بيده بعد النفث على جسده ثم قالت كان يأمرني أن أفعل ذلك به أي أن أمسح جسده بيده كما كان هو يفعل .

ولم يكن من هديه عليه الصلاة والسلام أن يخص يوما من الأيام بعيادة المريض ولا وقتا من الأوقات بل شرع لأمته عيادة المرضى ليلا ونهارا وفي سائر الأوقات . وفي " المسند " عنه إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرفة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وفي لفظ ما من مسلم يعود مسلما إلا بعث الله له سبعين ألف ملك يصلون عليه أي ساعة من النهار كانت حتى يمسي وأي ساعة من الليل كانت حتى يصبح

وكان يعود من الرمد وغيره وكان أحيانا يضع يده على جبهة المريض ثم يمسح صدره وبطنه ويقول اللهم اشفه وكان يمسح وجهه أيضا . وكان إذا يئس من المريض قال إنا لله وإنا إليه راجعون

إبن عبد ربه
07 -11- 2003, 04:05 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز والصلاة عليها واتباعها ودفنها
وما كان يدعو به للميت في صلاة الجنازة وبعد الدفن وتوابع ذلك








كان هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز أكمل الهدي مخالفا لهدي سائر الأمم مشتملا على الإحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفعه في قبره ويوم معاده وعلى الإحسان إلى أهله وأقاربه وعلى إقامة عبودية الحي لله وحده فيما يعامل به الميت . وكان من هديه في الجنائز إقامة العبودية للرب تبارك وتعالى على أكمل الأحوال والإحسان إلى الميت وتجهيزه إلى الله على أحسن أحواله وأفضلها ووقوفه ووقوف أصحابه صفوفا يحمدون الله ويستغفرون له ويسألون له المغفرة والرحمة والتجاوز عنه ثم المشي بين يديه إلى أن يودعوه حفرته ثم يقوم هو وأصحابه بين يديه على قبره سائلين له التثبيت أحوج ما كان إليه ثم يتعاهده بالزيارة له في قبره والسلام عليه والدعاء له كما يتعاهد الحي صاحبه في دار الدنيا .

فأول ذلك تعاهده في مرضه وتذكيره الآخرة وأمره بالوصية والتوبة وأمر من حضره بتلقينه شهادة أن لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه ثم النهي عن عادة الأمم التي لا تؤمن بالبعث والنشور من لطم الخدود وشق الثياب وحلق الرءوس ورفع الصوت بالندب والنياحة وتوابع ذلك .

وسن الخشوع للميت والبكاء الذي لا صوت معه وحزن القلب وكان يفعل ذلك ويقول تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب

وسن لأمته الحمد والاسترجاع والرضى عن الله ولم يكن ذلك منافيا لدمع العين وحزن القلب ولذلك كان أرضى الخلق عن الله في قضائه وأعظمهم له حمدا وبكى مع ذلك يوم موت ابنه إبراهيم رأفة منه ورحمة للولد ورقة عليه والقلب ممتلئ بالرضى عن الله عز وجل وشكره واللسان مشتغل بذكره وحمده .

ولما ضاق هذا المشهد والجمع بين الأمرين على بعض العارفين يوم مات ولده جعل يضحك فقيل له أتضحك في هذه الحالة ؟ قال إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه فأشكل هذا على جماعة من أهل العلم فقالوا : كيف يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم وهو أرضى الخلق عن الله ويبلغ الرضى بهذا العارف إلى أن يضحك فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هدي نبينا صلى الله عليه وسلم كان أكمل من هدي هذا العارف فإنه أعطى العبودية حقها فاتسع قلبه للرضى عن الله ولرحمة الولد والرقة عليه فحمد الله ورضي عنه في قضائه وبكى رحمة ورأفة فحملته الرأفة على البكاء وعبوديته لله ومحبته له على الرضى والحمد وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة والرأفة

إبن عبد ربه
07 -11- 2003, 04:06 PM
فصل صلاة الخوف





وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف أن أباح الله سبحانه وتعالى قصر أركان الصلاة وعددها إذا اجتمع الخوف والسفر وقصر العدد وحده إذا كان سفر لا خوف معه وقصر الأركان وحدها إذا كان خوف لا سفر معه وهذا كان من هديه صلى الله عليه وسلم وبه تعلم الحكمة في تقييد القصر في الآية بالضرب في الأرض والخوف .

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف إذا كان العدو بينه وبين القبلة أن يصف المسلمين كلهم خلفه ويكبر ويكبرون جميعا ثم يركع فيركعون جميعا ثم يرفع ويرفعون جميعا معه ثم ينحدر بالسجود والصف الذي يليه خاصة ويقوم الصف المؤخر مواجه العدو فإذا فرغ من الركعة الأولى ونهض إلى الثانية سجد الصف المؤخر بعد قيامه سجدتين ثم قاموا فتقدموا إلى مكان الصف الأول وتأخر الصف الأول مكانهم لتحصل فضيلة الصف الأول للطائفتين وليدرك الصف الثاني مع النبي صلى الله عليه وسلم السجدتين في الركعة الثانية كما أدرك الأول معه السجدتين في الأولى فتستوي الطائفتان فيما أدركوا معه وفيما قضوا لأنفسهم وذلك غاية العدل فإذا ركع صنع الطائفتان كما صنعوا أول مرة فإذا جلس للتشهد سجد الصف المؤخر سجدتين ولحقوه في التشهد فيسلم بهم جميعا .

وإن كان العدو في غير جهة القبلة فإنه كان تارة يجعلهم فرقتين فرقة بإزاء العدو وفرقة تصلي معه فتصلي معه إحدى الفرقتين ركعة ثم تنصرف في صلاتها إلى مكان الفرقة الأخرى وتجيء الأخرى إلى مكان هذه فتصلي معه الركعة الثانية ثم تسلم وتقضي كل طائفة ركعة ركعة بعد سلام الإمام .

وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعة ثم يقوم إلى الثانية وتقضي هي ركعة وهو واقف وتسلم قبل ركوعه وتأتي الطائفة الأخرى فتصلي معه الركعة الثانية فإذا جلس في التشهد قامت فقضت ركعة وهو ينتظرها في التشهد فإذا تشهدت يسلم بهم .

وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعتين فتسلم قبله وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الركعتين الأخيرتين ويسلم بهم فتكون له أربعا ولهم ركعتين ركعتين .

وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعتين ويسلم بهم وتأتي الأخرى فيصلي بهم ركعتين ويسلم فيكون قد صلى بهم بكل طائفة صلاة .

وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعة فتذهب ولا تقضي شيئا وتجيء الأخرى فيصلي بهم ركعة ولا تقضي شيئا فيكون له ركعتان ولهم ركعة ركعة وهذه الأوجه كلها تجوز الصلاة بها . قال الإمام أحمد كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز .

وقال ستة أوجه أو سبعة تروى فيها كلها جائزة وقال الأثرم : قلت لأبي عبد الله تقول بالأحاديث كلها كل حديث في موضعه أو تختار واحدا منها ؟ قال أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن .

وظاهر هذا أنه جوز أن تصلي كل طائفة معه ركعة ركعة ولا تقضي شيئا وهذا مذهب ابن عباس وجابر بن عبد الله وطاووس ومجاهد والحسن وقتادة والحكم وإسحاق بن راهويه .

قال صاحب " المغني " : وعموم كلام أحمد يقتضي جواز ذلك وأصحابنا ينكرونه . وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف صفات أخر ترجع كلها إلى هذه وهذه أصولها وربما اختلف بعض ألفاظها وقد ذكرها بعضهم عشر صفات وذكرها أبو محمد بن حزم نحو خمس عشرة صفة

والصحيح ما ذكرناه أولا وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجوها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من اختلاف الرواة . والله أعلم .

ولد السعوديه
07 -11- 2003, 05:09 PM
جزلك الله خير اخوي

اسال الله ان يجعلها في موازين جسناتك

تحياتي ،،،

إبن عبد ربه
07 -11- 2003, 09:47 PM
شكراً لمرورك اخوي ولد السعودية . وجزاك الله خير

إبن عبد ربه
08 -11- 2003, 11:07 PM
الجزء الثاني

فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الصدقة والزكاة
.................................................. ...................
هديه في الزكاة أكمل هدي في وقتها وقدرها ونصابها ومن تجب عليه ومصرفها . وقد راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ومصلحة المساكين وجعلها الله سبحانه وتعالى طهرة للمال ولصاحبه وقيد النعمة بها على الأغنياء فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته بل يحفظه عليه وينميه له ويدفع عنه بها الآفات ويجعلها سورا عليه وحصنا له وحارسا له .

[ الأصناف التي تجب فيها الزكاة ]
ثم إنه جعلها في أربعة أصناف من المال وهي أكثر الأموال دورانا بين الخلق وحاجتهم إليها ضرورية .

أحدها : الزرع والثمار .

الثاني : بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم .

الثالث الجوهران اللذان بهما قوام العالم وهما الذهب والفضة .

الرابع أموال التجارة على اختلاف أنواعها .

[ وقت وجوبها ]

ثم إنه أوجبها مرة كل عام وجعل حول الزروع والثمار عند كمالها واستوائها وهذا أعدل ما يكون إذ وجوبها كل شهر أو كل جمعة يضر بأرباب الأموال ووجوبها في العمر مرة مما يضر بالمساكين فلم يكن أعدل من وجوبها كل عام مرة .

[ نصاب الزكاة ]
ثم إنه فاوت بين مقادير الواجب بحسب سعي أرباب الأموال في تحصيلها وسهولة ذلك ومشقته فأوجب الخمس فيما صادفه الإنسان مجموعا محصلا من الأموال وهو الركاز . ولم يعتبر له حولا بل أوجب فيه الخمس متى ظفر به .

وأوجب نصفه وهو العشر فيما كانت مشقة تحصيله وتعبه وكلفته فوق ذلك وذلك في الثمار والزروع التي يباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها ويتولى الله سقيها من عنده بلا كلفة من العبد ولا شراء ماء ولا إثارة بئر ودولاب .

وأوجب نصف العشر فيما تولى العبد سقيه بالكلفة والدوالي والنواضح وغيرها . وأوجب نصف ذلك وهو ربع العشر فيما كان النماء فيه موقوفا على عمل متصل من رب المال بالضرب في الأرض تارة وبالإدارة تارة وبالتربص تارة ولا ريب أن كلفة هذا أعظم من كلفة الزرع والثمار وأيضا فإن نمو الزرع والثمار أظهر وأكثر من نمو التجارة فكان واجبها أكثر من واجب التجارة وظهور النمو فيما يسقى بالسماء والأنهار أكثر مما يسقى بالدوالي والنواضح وظهوره فيما وجد محصلا مجموعا كالكنز أكثر وأظهر من الجميع .

ثم إنه لما كان لا يحتمل المواساة كل مال وإن قل جعل للمال الذي تحتمله المواساة نصبا مقدرة المواساة فيها لا تجحف بأرباب الأموال وتقع موقعها من المساكين فجعل للورق مائتي درهم وللذهب عشرين مثقالا وللحبوب والثمار خمسة أوسق وهي خمسة أحمال من أحمال إبل العرب وللغنم أربعين شاة وللبقر ثلاثين بقرة وللإبل خمسا لكن لما كان نصابها لا يحتمل المواساة من جنسها أوجب فيها شاة . فإذا تكررت الخمس خمس مرات وصارت خمسا وعشرين احتمل نصابها واحدا منها فكان هو الواجب .

ثم إنه لما قدر سن هذا الواجب في الزيادة والنقصان بحسب كثرة الإبل وقلتها من ابن مخاض وبنت مخاض وفوقه ابن لبون وبنت لبون وفوقه الحق والحقة وفوقه الجذع والجذعة وكلما كثرت الإبل زاد السن إلى أن يصل السن إلى منتهاه فحينئذ جعل زيادة عدد الواجب في مقابلة زيادة عدد المال .

[ أصناف من يأخذ الزكاة ]

فاقتضت حكمته أن جعل في الأموال قدرا يحتمل المواساة ولا يجحف بها ويكفي المساكين ولا يحتاجون معه إلى شيء ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء فوقع الظلم من الطائفتين الغني يمنع ما وجب عليه والآخذ يأخذ ما لا يستحقه فتولد من بين الطائفتين ضرر عظيم على المساكين وفاقة شديدة أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف في المسألة والرب سبحانه تولى قسم الصدقة بنفسه وجزأها ثمانية أجزاء يجمعها صنفان من الناس
أحدهما : من يأخذ لحاجة فيأخذ بحسب شدة الحاجة وضعفها وكثرتها وقلتها وهم الفقراء والمساكين وفي الرقاب وابن السبيل .
والثاني : من يأخذ لمنفعته وهم العاملون عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمون لإصلاح ذات البين والغزاة في سبيل الله فإن لم يكن الآخذ محتاجا ولا فيه منفعة للمسلمين فلا سهم له في الزكاة

إبن عبد ربه
08 -11- 2003, 11:22 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام

[ المقصود من الصيام وفوائده ]


لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين .

وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم لا يفعل شيئا وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارا لمحبة الله ومرضاته وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهو أمر لا يطلع عليه بشر وذلك حقيقة الصوم .

وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [ البقرة 185 ] .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم الصوم جنة .

وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام وجعله وجاء هذه الشهوة .

والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم وحمية لهم وجنة . وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أكمل الهدي وأعظم تحصيل للمقصود وأسهله على النفوس .

ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة وألفت أوامر القرآن فنقلت إليه بالتدريج

إبن عبد ربه
18 -11- 2003, 04:36 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حجه وعمره
[ العمرات التي اعتمرها صلى الله عليه وسلم وأنها كانت في ذي القعدة ]

اعتمر صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة أربع عمر كلهن في ذي القعدة .

الأولى : عمرة الحديبية ، وهي أولاهن سنة ست فصده المشركون عن البيت فنحر البدن حيث صد بالحديبية وحلق هو وأصحابه رءوسهم وحلوا من إحرامهم ورجع من عامه إلى المدينة .

الثانية عمرة القضية في العام المقبل دخل مكة فأقام بها ثلاثا ، ثم خرج بعد إكمال عمرته واختلف هل كانت قضاء للعمرة التي صد عنها في العام الماضي ، أم عمرة مستأنفة ؟ على قولين للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد إحداهما : أنها قضاء وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله . والثانية ليست بقضاء وهو قول مالك رحمه الله والذين قالوا : كانت قضاء احتجوا بأنها سميت عمرة القضاء وهذا الاسم تابع للحكم . وقال آخرون القضاء هنا من المقاضاة لأنه قاضى أهل مكة عليها ، لا أنه من قضى قضاء . قالوا : ولهذا سميت عمرة القضية . قالوا : والذين صدوا عن البيت ، كانوا ألفا وأربعمائة ، وهؤلاء كلهم لم يكونوا معه في عمرة القضية ، ولو كانت قضاء لم يتخلف منهم أحد ، وهذا القول أصح ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر من كان معه بالقضاء .

- 87 - الثالثة عمرته التي قرنها مع حجته فإنه كان قارنا لبضعة عشر دليلا ، سنذكرها عن قريب إن شاء الله .

الرابعة عمرته من الجعرانة ، لما خرج إلى حنين ، ثم رجع إلى مكة ، فاعتمر من الجعرانة داخلا إليها . ففي " الصحيحين " : عن أنس بن مالك قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته

ولم يناقض هذا ما في " الصحيحين " عن البراء بن عازب قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين لأنه أراد العمرة المفردة المستقلة ولا ريب أنهما اثنتان فإن عمرة القران لم تكن مستقلة وعمرة الحديبية صد عنها ، وحيل بينه وبين إتمامها ، ولذلك قال ابن عباس : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر . عمرة الحديبية وعمرة القضاء من قابل والثالثة من الجعرانة ، والرابعة مع حجته ذكره الإمام أحمد .

ولا تناقض بين حديث أنس : أنهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته وبين قول عائشة ، وابن عباس : لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة لأن مبدأ عمرة القران كان في ذي القعدة ونهايتها كان في ذي الحجة مع انقضاء الحج فعائشة وابن عباس أخبرا عن ابتدائها ، وأنس أخبر عن انقضائها .

فأما قول عبد الله بن عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربعا ، إحداهن في رجب ، فوهم منه رضي الله عنه . قالت عائشة لما بلغها ذلك عنه يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة قط إلا وهو شاهد وما اعتمر في رجب قط .

وأما ما رواه الدارقطني ، عن عائشة قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت بأبي وأمي ، أفطرت وصمت ، وقصرت وأتممت ، فقال : أحسنت يا عائشة فهذا الحديث غلط فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط ، وعمره مضبوطة العدد والزمان ونحن نقول يرحم الله أم المؤمنين ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قط ، وقد قالت عائشة رضي الله عنها : لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة رواه ابن ماجه وغيره .

ولا خلاف أن عمره لم تزد على أربع فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسا ، ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستا ، إلا أن يقال بعضهن في رجب وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة وهذا لم يقع وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس رضي الله عنه ، وابن عباس رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها . وقد روى أبو داود في " سننه " عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في شوال وهذا إذا كان محفوظا ، فلعله في عمرة الجعرانة حين خرج في شوال ولكن إنما أحرم بها في ذي القعدة .

فصل [ العمرة للداخل إلى مكة ]
ولم يكن في عمره عمرة واحدة خارجا من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم وإنما كانت عمره كلها داخلا إلى مكة ، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجا من مكة في تلك المدة أصلا .

فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها ، هي عمرة الداخل إلى مكة ، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إلا عائشة وحدها بين سائر من كان معه لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت فأمرها ، فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها ، فوجدت في نفسها أن يرجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين فإنهن كن متمتعات ولم يحضن ولم يقرن وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها ، فأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم تطييبا لقلبها ، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة ولا أحد ممن كان معه وسيأتي مزيد تقرير لهذا وبسط له عن قريب إن شاء الله تعالى .

إبن عبد ربه
18 -11- 2003, 04:38 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الهدايا والضحايا والعقيقة
وهي مختصة بالأزواج الثمانية المذكورة في سورة ( الأنعام ) ولم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة هدي ولا أضحية ولا عقيقة من غيرها ، وهذا مأخوذ من القرآن من مجموع أربع آيات .

إحداها : قوله تعالى : أحلت لكم بهيمة الأنعام [ المائدة 1 ] .

والثانية قوله تعالى : ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام [ الحج : 28 ] .

والثالثة قوله تعالى : ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ثمانية أزواج [ الأنعام 142 ، 143 ] ثم ذكرها .

الرابعة قوله تعالى : هديا بالغ الكعبة [ المائدة 95 ] .

فدل على أن الذي يبلغ الكعبة من الهدي هو هذه الأزواج الثمانية وهذا استنباط علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

والذبائح التي هي قربة إلى الله وعبادة هي ثلاثة الهدي والأضحية والعقيقة .

فأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم وأهدى الإبل وأهدى عن نسائه البقر وأهدى في مقامه وفي عمرته وفي حجته وكانت سنته تقليد الغنم دون إشعارها .

وكان إذا بعث بهديه وهو مقيم لم يحرم عليه شيء كان منه حلالا .

وكان إذا أهدى الإبل قلدها وأشعرها ، فيشق صفحة سنامها الأيمن يسيرا حتى يسيل الدم . قال الشافعي : والإشعار في الصفحة اليمنى ، كذلك أشعر النبي صلى الله عليه وسلم .

وكان إذا بعث بهديه أمر رسوله إذا أشرف على عطب شيء منه أن ينحره ثم يصبغ نعله في دمه ثم يجعله على صفحته ولا يأكل منه هو ولا أحد من أهل رفقته ثم يقسم لحمه ومنعه من هذا الأكل سدا للذريعة فإنه لعله ربما قصر في حفظه ليشارف العطب فينحره ويأكل منه فإذا علم أنه لا يأكل منه شيئا ، اجتهد في حفظه .

وشرك بين أصحابه في الهدي كما تقدم البدنة عن سبعة والبقرة كذلك .

وأباح لسائق الهدي ركوبه بالمعروف إذا احتاج إليه حتى يجد ظهرا غيره وقال علي رضي الله عنه يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها

وكان هديه صلى الله عليه وسلم نحر الإبل قياما ، مقيدة معقولة اليسرى ، على ثلاث وكان يسمي الله عند نحره ويكبر وكان يذبح نسكه بيده وربما وكل في بعضه كما أمر عليا رضي الله عنه أن يذبح ما بقي من المائة .

وكان إذا ذبح الغنم وضع قدمه على صفاحها ثم سمى ، وكبر وذبح وقد تقدم أنه نحر بمنى وقال إن فجاج مكة كلها منحر وقال ابن عباس : مناحر البدن بمكة ، ولكنها نزهت عن الدماء ومنى من مكة ، وكان ابن عباس ينحر بمكة .

وأباح صلى الله عليه وسلم لأمته أن يأكلوا من هداياهم وضحاياهم ويتزودوا منها ، ونهاهم مرة أن يدخروا منها بعد ثلاث لدافة دفت عليهم ذلك العام من الناس فأحب أن يوسعوا عليهم وذكر أبو داود من حديث جبير بن نفير عن ثوبان قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا ثوبان أصلح لنا لحم هذه الشاة قال فما زلت أطعمه منها حتى قدم المدينة .

وروى مسلم هذه القصة ولفظه فيها : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع أصلح هذا اللحم " قال فأصلحته فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة

وكان ربما قسم لحوم الهدي وربما قال من شاء اقتطع فعل هذا ، وفعل هذا ، واستدل بهذا على جواز النهبة في النثار في العرس ونحوه وفرق بينهما بما لا يتبين .

إبن عبد ربه
18 -11- 2003, 04:43 PM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك لا ملك إلا الله

وثبت عنه أنه قال أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة

وثبت عنه أنه قال لا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح فإنك تقول أثمت هو ؟ فلا يكون فيقال لا

وثبت عنه أنه غير اسم عاصية وقال أنت جميلة وكان اسم جويرية برة فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم جويرية . وقالت زينب بنت أم سلمة : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمى بهذا الاسم فقال لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم .

وغير اسم أصرم بزرعة وغير اسم أبي الحكم بأبي شريح وغير اسم حزن جد سعيد بن المسيب وجعله سهلا فأبى ، وقال " السهل يوطأ ويمتهن " .

قال أبو داود : وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب ، فسماه هشاما ، وسمى حربا سلما ، وسمى المضطجع المنبعث وأرضا عفرة سماها خضرة ، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى ، وبنو الزنية سماهم بني الرشدة ، وسمى بني مغوية بني رشدة

إبن عبد ربه
21 -11- 2003, 01:29 AM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق واختيار الألفاظ



كان يتخير في خطابه ويختار لأمته أحسن الألفاظ وأجملها ، وألطفها ، وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغلظة والفحش فلم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا ولا فظا .

وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك وأن يستعمل اللفظ المهين المكروه في حق من ليس من أهله .

[ كراهة استعمال اللفظ الشريف في حق من ليس كذلك ]

فمن الأول منعه أن يقال للمنافق " يا سيدنا " وقال فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل ومنعه أن تسمى شجرة العنب كرما ، ومنعه تسمية أبي جهل بأبي الحكم وكذلك تغييره لاسم أبي الحكم من الصحابة بأبي شريح وقال إن الله هو الحكم وإليه الحكم

ومن ذلك نهيه للمملوك أن يقول لسيده أو لسيدته ربي وربتي ، وللسيد أن يقول لمملوكه عبدي ، ولكن يقول المالك فتاي وفتاتي ، ويقول المملوك سيدي وسيدتي ، وقال لمن ادعى أنه طبيب أنت رجل رفيق ، وطبيبها الذي خلقها والجاهلون يسمون الكافر الذي له علم بشيء من الطبيعة حكيما ، وهو من أسفه الخلق .

ومن هذا قوله للخطيب الذي قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى بئس الخطيب أنت

ومن ذلك قوله لا تقولوا : ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا : ما شاء الله ثم ما شاء فلان وقال له رجل ما شاء الله وشئت فقال : أجعلتني لله ندا ؟ قل ما شاء الله وحده

وفي معنى هذا الشرك المنهي عنه قول من لا يتوقى الشرك أنا بالله وبك وأنا في حسب الله وحسبك وما لي إلا الله وأنت وأنا متوكل على الله وعليك ، وهذا من الله ومنك ، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض ووالله وحياتك ، وأمثال هذا من الألفاظ التي يجعل فيها قائلها المخلوق ندا للخالق وهي أشد منعا وقبحا من قوله ما شاء الله وشئت .

فأما إذا قال أنا بالله ثم بك ، وما شاء الله ثم شئت ، فلا بأس بذلك كما في حديث الثلاثة لا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك وكما في الحديث المتقدم الإذن أن يقال ما شاء الله ثم شاء فلان .

إبن عبد ربه
21 -11- 2003, 01:30 AM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر




كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق ذكرا لله عز وجل بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه وكان أمره ونهيه وتشريعه للأمة ذكرا منه لله وإخباره عن أسماء الرب وصفاته وأحكامه وأفعاله ووعده ووعيده ذكرا منه له وثناؤه عليه بآلائه وتمجيده وحمده وتسبيحه ذكرا منه له وسؤاله ودعاؤه إياه ورغبته ورهبته ذكرا منه له وسكوته وصمته ذكرا منه له بقلبه فكان ذاكرا لله في كل أحيانه وعلى جميع أحواله وكان ذكره لله يجري مع أنفاسه قائما وقاعدا وعلى جنبه وفي مشيه وركوبه ومسيره ونزوله وظعنه وإقامته .

وكان إذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور

[ الذكر عند الاستيقاظ من الليل ]

وقالت عائشة كان إذا هب من الليل كبر الله عشرا ، وحمد الله عشرا ، وقال سبحان الله وبحمده عشرا ، سبحان الملك القدوس عشرا ، واستغفر الله عشرا ، وهلل عشرا ثم قال اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا ، وضيق يوم القيامة عشرا ، ثم يستفتح الصلاة .

وقالت أيضا : كان إذا استيقظ من الليل قال لا إله إلا أنت سبحانك اللهم أستغفرك لذنبي ، وأسألك رحمتك اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ذكرهما أبو داود .

وأخبر أن من استيقظ من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله [ العلي العظيم ] ثم قال " اللهم اغفر لي أو دعا بدعاء آخر استجيب له فإن توضأ وصلى ، قبلت صلاته ذكره البخاري .

وقال ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم ليلة مبيته عنده إنه لما استيقظ رفع رأسه إلى السماء وقرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة ( آل عمران ) إن في خلق السماوات والأرض . .. إلى آخرها . ثم قال اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ، ووعدك الحق ، وقولك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي ، لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

وقد قالت عائشة كان إذا قام من الليل قال ا للهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ربما قالت كان يفتتح صلاته بذلك .

وكان إذا أوتر ختم وتره بعد فراغه بقوله سبحان الملك القدوس ثلاثا ، ويمد بالثالثة صوته .

[ الذكر عند الخروج من البيت ]

وكان إذا خرج من بيته يقول بسم الله توكلت على الله ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي حديث صحيح .

وقال صلى الله عليه وسلم من قال إذا خرج من بيته : بسم الله توكلت على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان حديث حسن .

وقال ابن عباس عنه ليلة مبيته عنده إنه خرج إلى صلاة الفجر وهو يقول اللهم اجعل في قلبي نورا ، واجعل في لساني نورا ، واجعل في سمعي نورا ، واجعل في بصري نورا ، واجعل من خلفي نورا ، ومن أمامي نورا ، واجعل من فوقي نورا ، واجعل من تحتي نورا ، اللهم أعظم لي نورا

وقال فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما خرج رجل من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا إليك فإني لم أخرج بطرا ولا أشرا ، ولا رياء ولا سمعة وإنما خرجت اتقاء سخطك ، وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إلا وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضي صلاته

[ دعاء دخول المسجد]

وذكر أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم

وقال صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك فإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك ذكر عنه أنه كان إذا دخل المسجد صلى على محمد وآله وسلم ثم يقول اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ، فإذا خرج صلى على محمد وآله وسلم ثم يقول اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك

وكان إذا صلى الصبح جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس يذكر الله عز وجل .

إبن عبد ربه
21 -11- 2003, 01:32 AM
الجزء الثالث



فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد والمغازي والسرايا والبعوث






لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدنيا والآخرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا منه واستولى على أنواعه كلها فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد بقلبه ولسانه ويده . ولهذا كان أرفع العالمين ذكرا وأعظمهم عند الله قدرا .

[ كان الجهاد في أول الإسلام بتبليغ الحجة ]

وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه وقال ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا [ الفرقان : 52 ] فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بتبليغ الحجة وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام قال تعالى : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير [ التوبة 73 ] فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل والقائمون به أفراد في العالم والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدرا .

ولما كان من أفضل الجهاد قول الحق مع شدة المعارض مثل أن تتكلم به عند من تخاف سطوته وأذاه كان للرسل - صلوات الله عليهم وسلامه - من ذلك الحظ الأوفر وكان لنبينا - صلوات الله وسلامه عليه - من ذلك أكمل الجهاد وأتمه .

[ جهاد أعداء الله فرع على جهاد النفس ]

ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه كان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه لم يجاهده ولم يحاربه في الله بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج .

[ هناك جهاد ثالث هو جهاد الشيطان ]

فهذان عدوان قد امتحن العبد بجهادهما وبينهما عدو ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده وهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما ويخذله ويرجف به ولا يزال يخيل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ وفوت اللذات والمشتهيات ولا يمكنه أن يجاهد ذينك العدوين إلا بجهاده فكان جهاده هو الأصل لجهادهما وهو الشيطان قال تعالى : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا [ فاطر 6 ] والأمر باتخاذه عدوا تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته كأنه عدو لا يفتر ولا يقصر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس .

[ جهاد هؤلاء الأعداء الثلاثة ليمتحن من يتولاه ]

فهذه ثلاثة أعداء أمر العبد بمحاربتها وجهادها وقد بلي بمحاربتها في هذه الدار وسلطت عليه امتحانا من الله له وابتلاء فأعطى الله العبد مددا وعدة وأعوانا وسلاحا لهذا الجهاد وأعطى أعداءه مددا وعدة وأعوانا وسلاحا وبلا أحد الفريقين بالآخر وجعل بعضهم لبعض فتنة ليبلو أخبارهم ويمتحن من يتولاه ويتولى رسله ممن يتولى الشيطان وحزبه كما قال تعالى : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا [ الفرقان : 20 ]

وقال تعالى ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض [ محمد 4 ] وقال تعالى : ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم [ محمد 31 ] فأعطى عباده الأسماع والأبصار والعقول والقوى وأنزل عليهم كتبه وأرسل إليهم رسله وأمدهم بملائكته وقال لهم أني معكم فثبتوا الذين آمنوا [ الأنفال 12 ] وأمرهم من أمره بما هو من أعظم العون لهم على حرب عدوهم وأخبرهم أنهم إن امتثلوا ما أمرهم به لم يزالوا منصورين على عدوه وعدوهم وأنه إن سلطه عليهم فلتركهم بعض ما أمروا به ولمعصيتهم له ثم لم يؤيسهم ولم يقنطهم بل أمرهم أن يستقبلوا أمرهم ويداووا جراحهم ويعودوا إلى مناهضة عدوهم فينصرهم عليه ويظفرهم بهم فأخبرهم أنه مع المتقين منهم ومع المحسنين ومع الصابرين ومع المؤمنين وأنه يدافع عن عباده المؤمنين ما لا يدافعون عن أنفسهم بل بدفاعه عنهم انتصروا على عدوهم ولولا دفاعه عنهم لتخطفهم عدوهم واجتاحهم .

وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم وعلى قدره فإن قوي الإيمان قويت المدافعة فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .

[ معنى وجاهدوا في الله حق جهاده ]

وأمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته وكما أن حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر فحق جهاده أن يجاهد العبد نفسه ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله فيكون كله لله وبالله لا لنفسه ولا بنفسه ويجاهد شيطانه بتكذيب وعده ومعصية أمره وارتكاب نهيه فإنه يعد الأماني ويمني الغرور ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء وينهى عن التقى والهدى والعفة والصبر وأخلاق الإيمان كلها فجاهده بتكذيب وعده ومعصية أمره فينشأ له من هذين الجهادين قوة وسلطان وعدة يجاهد بها أعداء الله في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله لتكون كلمة الله هي العليا .

واختلفت عبارات السلف في حق الجهاد فقال ابن عباس : هو استفراغ الطاقة فيه وألا يخاف في الله لومة لائم . وقال مقاتل : اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته . وقال عبد الله بن المبارك : هو مجاهدة النفس والهوى . ولم يصب من قال إن الآيتين منسوختان لظنه أنهما تضمنتا الأمر بما لا يطاق وحق تقاته وحق جهاده هو ما يطيقه كل عبد في نفسه وذلك يختلف باختلاف أحوال المكلفين في القدرة والعجز والعلم والجهل . فحق التقوى وحق الجهاد بالنسبة إلى القادر المتمكن العالم شيء وبالنسبة إلى العاجز الجاهل الضعيف شيء وتأمل كيف عقب الأمر بذلك بقوله هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج [ الحج 78 ] والحرج الضيق بل جعله واسعا يسع كل أحد كما جعل رزقه يسع كل حي وكلف العبد بما يسعه العبد ورزق العبد ما يسع العبد فهو يسع تكليفه ويسعه رزقه وما جعل على عبده في الدين من حرج بوجه ما قال النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة أي بالملة فهي حنيفية في التوحيد سمحة في العمل .

وقد وسع الله سبحانه وتعالى على عباده غاية التوسعة في دينه ورزقه وعفوه ومغفرته وبسط عليهم التوبة ما دامت الروح في الجسد وفتح لهم بابا لها لا يغلقه عنهم إلى أن تطلع الشمس من مغربها وجعل لكل سيئة كفارة تكفرها من توبة أو صدقة أو حسنة ماحية أو مصيبة مكفرة وجعل بكل ما حرم عليهم عوضا من الحلال أنفع لهم منه وأطيب وألذ فيقوم مقامه ليستغني العبد عن الحرام ويسعه الحلال فلا يضيق عنه وجعل لكل عسر يمتحنهم به يسرا قبله ويسرا بعده " فلن يغلب عسر يسرين " فإذا كان هذا شأنه سبحانه مع عباده فكيف يكلفهم ما لا يسعهم فضلا عما لا يطيقونه ولا يقدرون عليه .

فصل [ مراتب الجهاد ]
إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الكفار وجهاد المنافقين .

مراتب جهاد النفس فجهاد النفس أربع مراتب أيضا :

إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين .

الثانية أن يجاهدها على العمل به بعد علمه وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها .

الثالثة أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله .

الرابعة أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله . فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات .

إبن عبد ربه
21 -11- 2003, 01:34 AM
فصل [ أكمل الخلق من كمل مراتب الجهاد وأكملهم محمد صلى الله عليه وسلم ]




وأكمل الخلق عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله خاتم أنبيائه ورسله فإنه كمل مراتب الجهاد وجاهد في الله حق جهاده وشرع في الجهاد من حين بعث إلى أن توفاه الله عز وجل فإنه لما نزل عليه يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر [ المدثر ا - 4 ] شمر عن ساق الدعوة وقام في ذات الله أتم قيام ودعا إلى الله ليلا ونهارا وسرا وجهارا ولما نزل عليه فاصدع بما تؤمر [ الحجر : 94 ] فصدع بأمر الله لا تأخذه فيه لومة لائم فدعا إلى الله الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والأنثى والأحمر والأسود والجن والإنس .

ولما صدع بأمر الله وصرح لقومه بالدعوة وناداهم بسب آلهتهم وعيب دينهم اشتد أذاهم له ولمن استجاب له من أصحابه ونالوه ونالوهم بأنواع الأذى وهذه سنة الله عز وجل في خلقه كما قال تعالى : ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك [ فصلت 43 ] وقال وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن [ الأنعام 112 ] وقال كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون [ الذاريات 52- 53 ]

فعزى سبحانه نبيه بذلك وأن له أسوة بمن تقدمه من المرسلين وعزى أتباعه بقوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب [ البقرة 214 ]

وقوله الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين [ العنكبوت 1 - 11 ]

[ ذكر الابتلاء في أول الدعوة ]
فليتأمل العبد سياق هذه الآيات وما تضمنته من العبر وكنوز الحكم فإن الناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا وإما ألا يقول ذلك بل يستمر على السيئات والكفر فمن قال آمنا امتحنه ربه وابتلاه وفتنه والفتنة الابتلاء والاختبار ليتبين الصادق من الكاذب ومن لم يقل آمنا فلا يحسب أنه يعجز الله ويفوته ويسبقه فإنه إنما يطوي المراحل في يديه .

وكيف يفر المرء عنه بذنبه

إذا كان تطوى في يديه المراحل


فمن آمن بالرسل وأطاعهم عاداه أعداؤهم وآذوه فابتلي بما يؤلمه وإن لم يؤمن بهم ولم يطعهم عوقب في الدنيا والآخرة فحصل له ما يؤلمه وكان هذا المؤلم له أعظم ألما وأدوم من ألم اتباعهم فلا بد من حصول الألم لكل نفس آمنت أو رغبت عن الإيمان لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة والمعرض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداء ثم يصير إلى الألم الدائم . وسئل الشافعي رحمه الله أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى ؟ فقال لا يمكن حتى يبتلى والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرسل فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة وإنما يتفاوت أهل الآلام في العقول فأعقلهم من باع ألما مستمرا عظيما بألم منقطع يسير وأشقاهم من باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر .

فإن قيل كيف يختار العاقل هذا ؟ قيل الحامل له على هذا النقد والنسيئة .

و النفس موكلة بحب العاجل


[ من أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا ]

كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة [ القيامة 20 ] إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا [ الدهر 27 ] وهذا يحصل لكل أحد فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له أن يعيش مع الناس والناس لهم إرادات وتصورات فيطلبون منه أن يوافقهم عليها فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم وتارة من غيرهم كمن عنده دين وتقى حل بين قوم فجار ظلمة ولا يتمكنون من فجورهم وظلمهم إلا بموافقته لهم أو سكوته عنهم فإن وافقهم أو سكت عنهم سلم من شرهم في الابتداء ثم يتسلطون عليه بالإهانة والأذى أضعاف ما كان يخافه ابتداء لو أنكر عليهم وخالفهم وإن سلم منهم فلا بد أن يهان ويعاقب على يد غيرهم فالحزم كل الحزم في الأخذ بما قالت عائشة أم المؤمنين لمعاوية : من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا

ومن تأمل أحوال العالم رأى هذا كثيرا فيمن يعين الرؤساء على أغراضهم الفاسدة وفيمن يعين أهل البدع على بدعهم هربا من عقوبتهم فمن هداه الله وألهمه رشده ووقاه شر نفسه امتنع من الموافقة على فعل المحرم وصبر على عدوانهم ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة كما كانت للرسل وأتباعهم كالمهاجرين والأنصار ومن ابتلي من العلماء والعباد وصالحي الولاة والتجار وغيرهم .

[ تعزية الله عباده المؤمنين بأن الحياة الدنيا قصيرة ]

ولما كان الألم لا محيص منه البتة عزى الله - سبحانه - من اختار الألم اليسير المنقطع على الألم العظيم المستمر بقوله من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم [ العنكبوت 5 ] فضرب لمدة هذا الألم أجلا لا بد أن يأتي وهو يوم لقائه فيلتذ العبد أعظم اللذة بما تحمل من الألم من أجله وفي مرضاته وتكون لذته وسروره وابتهاجه بقدر ما تحمل من الألم في الله ولله وأكد هذا العزاء والتسلية برجاء لقائه ليحمل العبد اشتياقه إلى لقاء ربه ووليه على تحمل مشقة الألم العاجل بل ربما غيبه الشوق إلى لقائه عن شهود الألم والإحساس به ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه الشوق إلى لقائه فقال في الدعاء الذي رواه أحمد وابن حبان : اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضى بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين

فالشوق يحمل المشتاق على الجد في السير إلى محبوبه ويقرب عليه الطريق ويطوي له البعيد ويهون عليه الآلام والمشاق وهو من أعظم نعمة أنعم الله بها على عبده ولكن لهذه النعمة أقوال وأعمال هما السبب الذي تنال به والله سبحانه سميع لتلك الأقوال عليم بتلك الأفعال وهو عليم بمن يصلح لهذه النعمة ويشكرها ويعرف قدرها ويحب المنعم عليه فتصلح عنده هذه النعمة ويصلح بها كما قال تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين [ الأنعام 53 ] فإذا فاتت العبد نعمة من نعم ربه فليقرأ على نفسه
أليس الله بأعلم بالشاكرين

[ من جاهد فإنما يجاهد لنفسه ]

ثم عزاهم تعالى بعزاء آخر وهو أن جهادهم فيه إنما هو لأنفسهم وثمرته عائدة عليهم وأنه غني عن العالمين ومصلحة هذا الجهاد ترجع إليهم لا إليه سبحانه ثم أخبر أنه يدخلهم بجهادهم وإيمانهم في زمرة الصالحين .

[ معنى فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ]

ثم أخبر عن حال الداخل في الإيمان بلا بصيرة وأنه إذا أوذي في الله جعل فتنة الناس له كعذاب الله وهي أذاهم له ونيلهم إياه بالمكروه والألم الذي لا بد أن يناله الرسل وأتباعهم ممن خالفهم جعل ذلك في فراره منهم وتركه السبب الذي ناله كعذاب الله الذي فر منه المؤمنون بالإيمان فالمؤمنون لكمال بصيرتهم فروا من ألم عذاب الله إلى الإيمان وتحملوا ما فيه من الألم الزائل المفارق عن قريب وهذا لضعف بصيرته فر من ألم عذاب أعداء الرسل إلى موافقتهم ومتابعتهم ففر من ألم عذابهم إلى ألم عذاب الله فجعل ألم فتنة الناس في الفرار منه بمنزلة ألم عذاب الله وغبن كل الغبن إذ استجار من الرمضاء بالنار وفر من ألم ساعة إلى ألم الأبد وإذا نصر الله جنده وأولياءه قال إني كنت معكم والله عليم بما انطوى عليه صدره من النفاق .

والمقصود أن الله سبحانه اقتضت حكمته أنه لا بد أن يمتحن النفوس ويبتليها فيظهر بالامتحان طيبها من خبيثها ومن يصلح لموالاته وكراماته ومن لا يصلح وليمحص النفوس التي تصلح له ويخلصها بكير الامتحان كالذهب الذي لا يخلص ولا يصفو من غشه إلا بالامتحان إذ النفس في الأصل جاهلة ظالمة وقد حصل لها بالجهل والظلم من الخبث ما يحتاج خروجه إلى السبك والتصفية فإن خرج في هذه الدار وإلا ففي كير جهنم فإذا هذب العبد ونقي أذن له في دخول الجنة .

إبن عبد ربه
21 -11- 2003, 01:36 AM
فصل

ولما اشتد أذى المشركين على من أسلم وفتن منهم من فتن حتى يقولوا لأحدهم اللات والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول نعم وحتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون وهذا إلهك من دون الله فيقول نعم ومر عدو الله أبو جهل بسمية أم عمار بن ياسر وهي تعذب وزوجها وابنها فطعنها بحربة في فرجها حتى قتلها .

[ شراء الصديق للعبيد المعذبين ]

كان الصديق إذا مر بأحد من العبيد يعذب اشتراه منهم وأعتقه منهم بلال وعامر بن فهيرة وأم عبيس وزنيرة والنهدية وابنتها وجارية لبني عدي كان عمر يعذبها على الإسلام قبل إسلامه وقال له أبوه يا بني أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت قوما جلدا يمنعونك فقال له أبو بكر إني أريد ما أريد

[ الهجرة الأولى إلى الحبشة ]
[ هل قدم ابن مسعود مكة من الهجرة الأولى إلى الحبشة ]

فلما اشتد البلاء أذن الله سبحانه لهم بالهجرة الأولى إلى أرض الحبشة وكان أول من هاجر إليها عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أهل هذه الهجرة الأولى اثني عشر رجلا وأربع نسوة عثمان وامرأته وأبو حذيفة وامرأته سهلة بنت سهيل وأبو سلمة وامرأته أم سلمة هند بنت أبي أمية والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي حثمة وأبو سبرة بن أبي رهم وحاطب بن عمرو وسهيل بن وهب وعبد الله بن مسعود .

وخرجوا متسللين سرا فوفق الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار فحملوهم فيهما إلى أرض الحبشة وكان مخرجهم في رجب في السنة الخامسة من المبعث وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر فلم يدركوا منهم أحدا ثم بلغهم أن قريشا قد كفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فرجعوا فلما كانوا دون مكة بساعة من نهار بلغهم أن قريشا أشد ما كانوا عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل من دخل بجوار وفي تلك المرة دخل ابن مسعود فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فلم يرد عليه فتعاظم ذلك على ابن مسعود حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم ؟ : إن الله قد أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة هذا هو الصواب وزعم ابن سعد وجماعة أن ابن مسعود لم يدخل وأنه رجع إلى الحبشة حتى قدم في المرة الثانية إلى المدينة مع من قدم ورد هذا بأن ابن مسعود شهد بدرا وأجهز على أبي جهل وأصحاب هذه الهجرة إنما قدموا المدينة مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه بعد بدر بأربع سنين أو خمس .

قالوا : فإن قيل بل هذا الذي ذكره ابن سعد يوافق قول زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت وقوموا لله قانتين [ البقرة 238 ] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وزيد بن أرقم من الأنصار والسورة مدنية وحينئذ فابن مسعود سلم عليه لما قدم وهو في الصلاة فلم يرد عليه حتى سلم وأعلمه بتحريم الكلام فاتفق حديثه وحديث ابن أرقم .

قيل يبطل هذا شهود ابن مسعود بدرا وأهل الهجرة الثانية إنما قدموا عام خيبر مع جعفر وأصحابه ولو كان ابن مسعود ممن قدم قبل بدر لكان لقدومه ذكر ولم يذكر أحد قدوم مهاجري الحبشة إلا في القدمة الأولى بمكة والثانية عام خيبر مع جعفر فمتى قدم ابن مسعود في غير هاتين المرتين ومع من ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق قال وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا إلى الحبشة إسلام أهل مكة فأقبلوا لما بلغهم من ذلك حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن إسلام أهل مكة كان باطلا فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيا . فكان ممن قدم منهم فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة فشهد بدرا وأحدا فذكر منهم عبد الله بن مسعود .

فإن قيل فما تصنعون بحديث زيد بن أرقم ؟ قيل قد أجيب عنه بجوابين

أحدهما : أن يكون النهي عنه قد ثبت بمكة ثم أذن فيه بالمدينة ثم نهي عنه .

والثاني : أن زيد بن أرقم كان من صغار الصحابة وكان هو وجماعة يتكلمون في الصلاة على عادتهم ولم يبلغهم النهي فلما بلغهم انتهوا وزيد لم يخبر عن جماعة المسلمين كلهم بأنهم كانوا يتكلمون في الصلاة إلى حين نزول هذه الآية ولو قدر أنه أخبر بذلك لكان وهما منه .

[ الهجرة الثانية إلى الحبشة ]
ثم اشتد البلاء من قريش على من قدم من مهاجري الحبشة وغيرهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية وكان خروجهم الثاني أشق عليهم وأصعب ولقوا من قريش تعنيفا شديدا ونالوهم بالأذى وصعب عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره لهم وكان عدة من خرج في هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلا إن كان فيهم عمار بن ياسر فإنه يشك فيه قاله ابن إسحاق ومن النساء تسع عشرة امرأة .

قلت قد ذكر في هذه الهجرة الثانية عثمان بن عفان وجماعة ممن شهد بدرا فإما أن يكون هذا وهما وإما أن يكون لهم قدمة أخرى قبل بدر فيكون لهم ثلاث قدمات قدمة قبل الهجرة وقدمة قبل بدر وقدمة عام خيبر ولذلك قال ابن سعد وغيره إنهم لما سمعوا مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ومن النساء ثمان نسوة فمات منهم رجلان بمكة وحبس بمكة سبعة وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا .

فلما كان شهر ربيع الأول سنة سبع من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام وبعث به مع عمرو بن أمية الضمري فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وقال لئن قدرت أن آتيه لآتينه .

وكتب إليه أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت فيمن هاجر إلى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فتنصر هناك ومات فزوجه النجاشي إياها وأصدقها عنه أربعمائة دينار وكان الذي ولي تزويجها خالد بن سعيد بن العاص .

وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من بقي عنده من أصحابه ويحملهم ففعل وحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فوجدوه قد فتحها فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يدخلوهم في سهامهم ففعلوا .

وعلى هذا فيزول الإشكال الذي بين حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم ويكون ابن مسعود قدم في المرة الوسطى بعد الهجرة قبل بدر إلى المدينة وسلم عليه حينئذ فلم يرد عليه وكان العهد حديثا بتحريم الكلام كما قال زيد بن أرقم ويكون تحريم الكلام بالمدينة لا بمكة وهذا أنسب بالنسخ الذي وقع في الصلاة والتغيير بعد الهجرة كجعلها أربعا بعد أن كانت ركعتين ووجوب الاجتماع لها .

فإن قيل ما أحسنه من جمع وأثبته لولا أن محمد بن إسحاق قد قال ما حكيتم عنه أن ابن مسعود أقام بمكة بعد رجوعه من الحبشة حتى هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وهذا يدفع ما ذكر .

قيل إن كان محمد بن إسحاق قد قال هذا فقد قال محمد بن سعد في " طبقاته " : إن ابن مسعود مكث يسيرا بعد مقدمه ثم رجع إلى أرض الحبشة وهذا هو الأظهر لأن ابن مسعود لم يكن له بمكة من يحميه وما حكاه ابن سعد قد تضمن زيادة أمر خفي على ابن إسحاق وابن إسحاق لم يذكر من حدثه ومحمد بن سعد أسند ما حكاه إلى المطلب بن عبد الله بن حنطب فاتفقت الأحاديث وصدق بعضها بعضا وزال عنها الإشكال و لله الحمد والمنة .

وقد ذكر ابن إسحاق في هذه الهجرة إلى الحبشة أبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس وقد أنكر عليه ذلك أهل السير منهم محمد بن عمر الواقدي وغيره وقالوا : كيف يخفى ذلك على ابن إسحاق أو على من دونه ؟

قلت وليس ذلك مما يخفى على من دون محمد بن إسحاق فضلا عنه وإنما نشأ الوهم أن أبا موسى هاجر من اليمن إلى أرض الحبشة إلى عند جعفر وأصحابه لما سمع بهم ثم قدم معهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر كما جاء مصرحا به في " الصحيح " فعد ذلك ابن إسحاق لأبي موسى هجرة ولم يقل إنه هاجر من مكة إلى أرض الحبشة لينكر عليه .

فصل [ محاولة المشركين رد النجاشي المهاجرين ]
فانحاز المهاجرون إلى مملكة أصحمة النجاشي آمنين فلما علمت قريش بذلك بعثت في أثرهم عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بهدايا وتحف من بلدهم إلى النجاشي ليردهم عليهم فأبى ذلك عليهم وشفعوا إليه بعظماء بطارقته فلم يجبهم إلى ما طلبوا فوشوا إليه إن هؤلاء يقولون في عيسى قولا عظيما يقولون إنه عبد الله فاستدعى المهاجرين إلى مجلسه ومقدمهم جعفر بن أبي طالب فلما أرادوا الدخول عليه قال جعفر يستأذن عليك حزب الله فقال للآذن قل له يعيد استئذانه فأعاده عليه فلما دخلوا عليه قال ما تقولون في عيسى ؟ فتلا عليه جعفر صدرا من سورة " كهيعص " فأخذ النجاشي عودا من الأرض فقال ما زاد عيسى على هذا ولا هذا العود فتناخرت بطارقته عنده فقال وإن نخرتم قال اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي من سبكم غرم والسيوم الآمنون في لسانهم ثم قال للرسولين لو أعطيتموني دبرا من ذهب يقول جبلا من ذهب ما أسلمتهم إليكما ثم أمر فردت عليهما هداياهما ورجعا مقبوحين .

فصل [ مقاطعة قريش لبني هاشم وبني المطلب ]
ثم أسلم حمزة عمه وجماعة كثيرون وفشا الإسلام فلما رأت قريش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلو والأمور تتزايد أجمعوا على أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف أن لا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة يقال كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم ويقال النضر بن الحارث والصحيح أنه بغيض بن عامر بن هاشم فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت يده فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه في الشعب شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة وبقوا محبوسين ومحصورين مضيقا عليهم جدا مقطوعا عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغهم الجهد وسمع أصوات صبيانهم بالبكاء من وراء الشعب وهناك عمل أبو طالب قصيدته اللامية المشهورة أولها :

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا

عقوبة شر عاجلا غير آجل


[ نقض الصحيفة ]
وكانت قريش في ذلك بين راض وكاره فسعى في نقض الصحيفة من كان كارها لها وكان القائم بذلك هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك مشى في ذلك إلى المطعم بن عدي وجماعة من قريش فأجابوه إلى ذلك ثم أطلع الله رسوله على أمر صحيفتهم وأنه أرسل عليها الأرضة فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ذكر الله عز وجل فأخبر بذلك عمه فخرج إلى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قد قال كذا وكذا فإن كان كاذبا خلينا بينكم وبينه وإن كان صادقا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا قالوا : قد أنصفت فأنزلوا الصحيفة فلما رأوا الأمر كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ازدادوا كفرا إلى كفرهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب .

قال ابن عبد البر : بعد عشرة أعوام من المبعث ومات أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر وماتت خديجة بعده بثلاثة أيام وقيل غير ذلك .

إبن عبد ربه
21 -11- 2003, 01:38 AM
فصل [ الخروج إلى الطائف ]


فلما نقضت الصحيفة وافق موت أبي طالب وموت خديجة وبينهما يسير فاشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفهاء قومه وتجرءوا عليه فكاشفوه بالأذى فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف رجاء أن يؤووه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم ودعاهم إلى الله عز وجل فلم ير من يؤوي ولم ير ناصرا وآذوه مع ذلك أشد الأذى ونالوا منه ما لم ينله قومه وكان معه زيد بن حارثة مولاه فأقام بينهم عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه فقالوا : اخرج من بلدنا وأغروا به سفهاءهم فوقفوا له سماطين وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه فانصرف راجعا من الطائف إلى مكة محزونا وفي مرجعه ذلك دعا بالدعاء المشهور دعاء الطائف : اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني ؟ أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو أن ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك .

فأرسل ربه تبارك وتعالى إليه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة وهما جبلاها اللذان هي بينهما فقال لا بل أستأني بهم لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا

[ استماع الجن لقراءته صلى الله عليه وسلم]

فلما نزل بنخلة مرجعه قام يصلي من الليل فصرف إليه نفر من الجن فاستمعوا قراءته ولم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين [ الأحقاف 29 - 32 ] .

وأقام بنخلة أياما فقال له زيد بن حارثة : كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك ؟ يعني قريشا فقال يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه

[ دخوله صلى الله عليه وسلم مكة بجوار المطعم ]

ثم انتهى إلى مكة فأرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم بن عدي أدخل في جوارك ؟ فقال نعم ودعا بنيه وقومه فقال البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى : يا معشر قريش إني قد أجرت محمدا فلا يهجه أحد منكم فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته .

فصل [ الإسراء ]
ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس راكبا على البراق صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما وربط البراق بحلقة باب المسجد .

وقد قيل إنه نزل ببيت لحم وصلى فيه ولم يصح ذلك عنه البتة .

[المعراج ]

ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا فاستفتح له جبريل ففتح له فرأى هنالك آدم أبا البشر فسلم عليه فرد عليه السلام ورحب به وأقر بنبوته وأراه الله أرواح السعداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره ثم عرج به إلى السماء الثانية فاستفتح له فرأى فيها يحيى بن زكريا وعيسى ابن مريم فلقيهما وسلم عليهما فردا عليه ورحبا به وأقرا بنبوته ثم عرج به إلى السماء الثالثة فرأى فيها يوسف فسلم عليه فرد عليه ورحب به وأقر بنبوته ثم عرج به إلى السماء الرابعة فرأى فيها إدريس فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته ثم عرج به إلى السماء الخامسة فرأى فيها هارون بن عمران فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته ثم عرج به إلى السماء السادسة فلقي فيها موسى بن عمران فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته فلما جاوزه بكى موسى فقيل له ما يبكيك ؟ فقال أبكي لأن غلاما بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي ثم عرج به إلى السماء السابعة فلقي فيها إبراهيم فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته ثم رفع إلى سدرة المنتهى ثم رفع له البيت المعمور ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى وفرض عليه خمسين صلاة . فرجع حتى مر على موسى فقال له بم أمرت ؟ قال بخمسين صلاة قال إن أمتك لا تطيق ذلك ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار أن نعم إن شئت فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه . هذا لفظ البخاري في بعض الطرق فوضع عنه عشرا ثم أنزل حتى مر بموسى فأخبره فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل حتى جعلها خمسا فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف فقال قد استحييت من ربي ولكن أرضى وأسلم فلما بعد نادى مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي .

إبن عبد ربه
21 -11- 2003, 01:39 AM
فصل في مبدأ الهجرة التي فرق الله فيها بين أوليائه وأعدائه


وجعلها مبدأ لإعزاز دينه ونصر عبده ورسوله


[ دعوته صلى الله عليه وسلم القبائل ]


قال الواقدي : حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان وغيرهما قالوا : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيا ثم أعلن في الرابعة فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين يوافي الموسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم وفي المواسم بعكاظ ومجنة وذي المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة فلا يجد أحدا ينصره ولا يجيبه حتى إنه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ويقول يا أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب وتذل لكم بها العجم فإذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة وأبو لهب وراءه يقول لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب فيردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبح الرد ويؤذونه ويقولون أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك وهو يدعوهم إلى الله ويقول اللهم لو شئت لم يكونوا هكذا قال وكان ممن يسمى لنا من القبائل الذين أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم وعرض نفسه عليهم بنو عامر بن صعصعة ومحارب بن حصفة وفزارة وغسان ومرة وحنيفة وسليم وعبس وبنو النضر وبنو البكاء وكندة وكلب والحارث بن كعب وعذرة والحضارمة فلم يستجب منهم أحد

فصل [ لقياه صلى الله عليه وسلم لمن قدم من الأوس والخزرج ]
وكان مما صنع الله لرسوله أن الأوس والخزرج كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة أن نبيا من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج فنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم وكانت الأنصار يحجون البيت كما كانت العرب تحجه دون اليهود فلما رأى الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله عز وجل وتأملوا أحواله قال بعضهم لبعض تعلمون والله يا قوم أن هذا الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه . وكان سويد بن الصامت من الأوس قد قدم مكة فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبعد ولم يجب حتى قدم أنس بن رافع أبو الحيسر في فتية من قومه من بني عبد الأشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال إياس بن معاذ وكان شابا حدثا : يا قوم هذا والله خير مما جئنا له فضربه أبو الحيسر وانتهره فسكت ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا إلى المدينة

[ فصل لقي النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر من الخزرج ]

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر من الأنصار كلهم من الخزرج وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث ورافع بن مالك وقطبة بن عامر وعقبة بن عامر وجابر بن عبد الله بن رئاب فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلموا

[ بيعة العقبة الأولى ]

ثم رجعوا إلى المدينة فدعوهم إلى الإسلام ففشا الإسلام فيها حتى لم يبق دار إلا وقد دخلها الإسلام فلما كان العام المقبل جاء منهم اثنا عشر رجلا الستة الأول خلا جابر بن عبد الله ومعهم معاذ بن الحارث بن رفاعة أخو عوف المتقدم وذكوان بن عبد القيس وقد أقام ذكوان بمكة حتى هاجر إلى المدينة فيقال إنه مهاجري أنصاري وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة وأبو الهيثم بن التيهان وعويمر بن مالك هم اثنا عشر .

وقال أبو الزبير عن جابر إن النبي صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم ومجنة وعكاظ يقول من يؤويني ؟ من ينصرني ؟ حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة فلا يجد أحدا ينصره ولا يؤويه حتى إن الرجل ليرحل من مضر أو اليمن إلى ذي رحمه فيأتيه قومه فيقولون له احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله عز وجل وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام وبعثنا الله إليه فائتمرنا واجتمعنا وقلنا : حتى متى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدنا بيعة العقبة فقال له عمه العباس يا ابن أخي ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك إني ذو معرفة بأهل يثرب فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين فلما نظر العباس في وجوهنا قال هؤلاء قوم لا نعرفهم هؤلاء أحداث فقلنا : يا رسول الله علام نبايعك ؟ قال " تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة فقمنا نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين فقال رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله فقالوا : يا أسعد أمط عنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها فقمنا إليه رجلا رجلا فأخذ علينا وشرط يعطينا بذلك الجنة ثم انصرفوا إلى المدينة وبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن ويدعوان إلى الله عز وجل فنزلا على أبي أمامة أسعد بن زرارة وكان مصعب بن عمير يؤمهم وجمع بهم لما بلغوا أربعين فأسلم على يديهما بشر كثير منهم أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ وأسلم بإسلامهما يومئذ جميع بني عبد الأشهل الرجال والنساء إلا أصيرم عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد وأسلم حينئذ وقاتل فقتل قبل أن يسجد لله سجدة فأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمل قليلا وأجر كثيرا

[ بيعة العقبة الثانية ]

وكثر الإسلام بالمدينة وظهر ثم رجع مصعب إلى مكة ووافى الموسم ذلك العام خلق كثير من الأنصار من المسلمين والمشركين وزعيم القوم البراء بن معرور فلما كانت ليلة العقبة الثلث الأول من الليل تسلل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خفية من قومهم ومن كفار مكة على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزرهم فكان أول من بايعه ليلتئذ البراء بن معرور وكانت له اليد البيضاء إذ أكد العقد وبادر إليه وحضر العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكدا لبيعته كما تقدم وكان إذ ذاك على دين قومه واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم تلك الليلة اثني عشر نقيبا وهم أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك والبراء بن معرور
وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر وكان إسلامه تلك الليلة وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وعبادة بن الصامت فهؤلاء تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس : أسيد بن الحضير وسعد بن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر . وقيل بل أبو الهيثم بن التيهان مكانه .

وأما المرأتان فأم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو وهي التي قتل مسيلمة ابنها حبيب بن زيد وأسماء بنت عمرو بن عدي . فلما تمت هذه البيعة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يميلوا على أهل العقبة بأسيافهم فلم يأذن لهم في ذلك وصرخ الشيطان على العقبة بأنفذ صوت سمع يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك ثم أمرهم أن ينفضوا إلى رحالهم فلما أصبح القوم غدت عليهم جلة قريش وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار فقالوا : يا معشر الخزرج إنه بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا البارحة وواعدتموه أن تبايعوه على حربنا وايم الله ما حي من العرب أبغض إلينا من أن ينشب بيننا وبينه الحرب منكم فانبعث من كان هناك من الخزرج من المشركين يحلفون لهم بالله ما كان هذا وما علمنا وجعل عبد الله بن أبي ابن سلول يقول هذا باطل وما كان هذا وما كان قومي ليفتاتوا علي مثل هذا لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا حتى يؤامروني فرجعت قريش من عندهم ورحل البراء بن معرور فتقدم إلى بطن يأجج وتلاحق أصحابه من المسلمين وتطلبتهم قريش فأدركوا سعد بن عبادة فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله وجعلوا يضربونه ويجرونه ويجذبونه بجمته حتى أدخلوه مكة فجاء مطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية فخلصاه من أيديهم وتشاورت الأنصار حين فقدوه أن يكروا إليه فإذا سعد قد طلع عليهم فوصل القوم جميعا إلى المدينة .

[ بدء الهجرة إلى المدينة ]
فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة فبادر الناس إلى ذلك فكان أول من خرج إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة ولكنها احتبست دونه ومنعت من اللحاق به سنة وحيل بينها وبين ولدها سلمة ثم خرجت بعد السنة بولدها إلى المدينة وشيعها عثمان بن أبي طلحة . ثم خرج الناس أرسالا يتبع بعضهم بعضا ولم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي أقاما بأمره لهما وإلا من احتبسه المشركون كرها وقد أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج وأعد أبو بكر جهازه .

إبن عبد ربه
21 -11- 2003, 01:41 AM
فصل [ تحويل القبلة ]


وكان يصلي إلى قبلة بيت المقدس ويحب أن يصرف إلى الكعبة وقال لجبريل وددت أن يصرف الله وجهي عن قبلة اليهود فقال إنما أنا عبد فادع ربك واسأله س فجعل يقلب وجهه في السماء يرجو ذلك حتى أنزل الله عليه قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام [ البقرة 144 ] وذلك بعد ستة عشر شهرا من مقدمه المدينة قبل وقعة بدر بشهرين .

قال محمد بن سعد أخبرنا هاشم بن القاسم قال أنبأنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال ما خالف نبي نبيا قط في قبلة ولا في سنة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس حين قدم المدينة ستة عشر شهرا ثم قرأ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك [ الشورى : 13 ]

وكان لله في جعل القبلة إلى بيت المقدس ثم تحويلها إلى الكعبة حكم عظيمة ومحنة للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين . فأما المسلمون فقالوا : سمعنا وأطعنا وقالوا : آمنا به كل من عند ربنا [ آل عمران 7 ] وهم الذين هدى الله ولم تكن كبيرة عليهم . وأما المشركون فقالوا : كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا وما رجع إليها إلا أنه الحق .

وأما اليهود فقالوا : خالف قبلة الأنبياء قبله ولو كان نبيا لكان يصلي إلى قبلة الأنبياء . وأما المنافقون فقالوا : ما يدري محمد أين يتوجه إن كانت الأولى حقا فقد تركها وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل وكثرت أقاويل السفهاء من الناس وكانت كما قال الله تعالى : وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله [ البقرة 143 ] وكانت محنة من الله امتحن بها عباده ليرى من يتبع الرسول منهم ممن ينقلب على عقبيه .

ولما كان أمر القبلة وشأنها عظيما وطأ - سبحانه - قبلها أمر النسخ وقدرته عليه وأنه يأتي بخير من المنسوخ أو مثله ثم عقب ذلك بالتوبيخ لمن تعنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقد له ثم ذكر بعده اختلاف اليهود والنصارى وشهادة بعضهم على بعض بأنهم ليسوا على شيء وحذر عباده المؤمنين من موافقتهم واتباع أهوائهم ثم ذكر كفرهم وشركهم به وقولهم إن له ولدا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا ثم أخبر أن له المشرق والمغرب وأينما يولي عباده وجوههم فثم وجهه وهو الواسع العليم فلعظمته وسعته وإحاطته أينما يوجه العبد فثم وجه الله . ثم أخبر أنه لا يسأل رسوله عن أصحاب الجحيم الذين لا يتابعونه ولا يصدقونه ثم أعلمه أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم وأنه إن فعل وقد أعاذه الله من ذلك فما له من الله من ولي ولا نصير ثم ذكر أهل الكتاب بنعمته عليهم وخوفهم من بأسه يوم القيامة ثم ذكر خليله باني بيته الحرام وأثنى عليه ومدحه وأخبر أنه جعله إماما للناس يأتم به أهل الأرض ثم ذكر بيته الحرام وبناء خليله له وفي ضمن هذا أن باني البيت كما هو إمام للناس فكذلك البيت الذي بناه إمام لهم ثم أخبر أنه لا يرغب عن ملة هذا الإمام إلا أسفه الناس ثم أمر عباده أن يأتموا برسوله الخاتم ويؤمنوا بما أنزل إليه وإلى إبراهيم وإلى سائر النبيين ثم رد على من قال إن إبراهيم وأهل بيته كانوا هودا أو نصارى وجعل هذا كله توطئة ومقدمة بين يدي تحويل القبلة ومع هذا كله فقد كبر ذلك على الناس إلا من هدى الله منهم وأكد سبحانه هذا الأمر مرة بعد مرة بعد ثالثة وأمر به رسوله حيثما كان ومن حيث خرج وأخبر أن الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم هو الذي هداهم إلى هذه القبلة وأنها هي القبلة التي تليق بهم وهم أهلها لأنها أوسط القبل وأفضلها وهم أوسط الأمم وخيارهم فاختار أفضل القبل لأفضل الأمم كما اختار لهم أفضل الرسل وأفضل الكتب وأخرجهم في خير القرون وخصهم بأفضل الشرائع ومنحهم خير الأخلاق وأسكنهم خير الأرض وجعل منازلهم في الجنة خير المنازل وموقفهم في القيامة خير المواقف فهم على تل عال والناس تحتهم فسبحان من يختص برحمته من يشاء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

وأخبر سبحانه أنه فعل ذلك لئلا يكون للناس عليهم حجة ولكن الظالمون الباغون يحتجون عليهم بتلك الحجج التي ذكرت ولا يعارض الملحدون الرسل إلا بها وبأمثالها من الحجج الداحضة وكل من قدم على أقوال الرسول سواها فحجته من جنس حجج هؤلاء .

وأخبر سبحانه أنه فعل ذلك ليتم نعمته عليهم وليهديهم ثم ذكرهم نعمه عليهم بإرسال رسوله إليهم وإنزال كتابه عليهم ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ثم أمرهم بذكره وبشكره إذ بهذين الأمرين يستوجبون إتمام نعمه والمزيد من كرامته ويستجلبون ذكره لهم ومحبته لهم ثم أمرهم بما لا يتم لهم ذلك إلا بالاستعانة به وهو الصبر والصلاة وأخبرهم أنه مع الصابرين .

فصل [ الأذان وزيادة الصلاة إلى رباعية ]

وأتم نعمته عليهم مع القبلة بأن شرع لهم الأذان في اليوم والليلة خمس مرات وزادهم في الظهر والعصر والعشاء ركعتين أخريين بعد أن كانت ثنائية فكل هذا كان بعد مقدمه المدينة .

إبن عبد ربه
21 -11- 2003, 01:46 AM
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الأسارى




كان يمن على بعضهم ويقتل بعضهم ويفادي بعضهم بالمال وبعضهم بأسرى المسلمين وقد فعل ذلك كله بحسب المصلحة ففادى أسارى بدر بمال وقال لو كان المطعم بن عدي حيا ، ثم كلمني في هؤلاء النتنى ، لتركتهم له

وهبط عليه في صلح الحديبية ثمانون متسلحون يريدون غرته فأسرهم ثم من عليهم .

وأسر ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة ، فربطه بسارية المسجد ثم أطلقه فأسلم .

[ أسارى بدر ]
واستشار الصحابة في أسارى بدر ، فأشار عليه الصديق أن يأخذ منهم فدية تكون لهم قوة على عدوهم ويطلقهم لعل الله أن يهديهم إلى الإسلام وقال عمر : لا والله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها ، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر فلما كان من الغد أقبل عمر فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي هو وأبو بكر فقال يا رسول الله من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، وأنزل الله ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض [ الأنفال 67 ] .

وقد تكلم الناس في أي الرأيين كان أصوب فرجحت طائفة قول عمر لهذا الحديث ورجحت طائفة قول أبي بكر لاستقرار الأمر عليه وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب ولتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك بإبراهيم وعيسى ، وتشبيهه لعمر بنوح وموسى ولحصول الخير العظيم الذي حصل بإسلام أكثر أولئك الأسرى ، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء ولموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أولا ، ولموافقة الله له آخرا حيث استقر الأمر على رأيه ولكمال نظر الصديق فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخرا ، وغلب جانب الرحمة على جانب العقوبة .

قالوا : وأما بكاء النبي صلى الله عليه وسلم فإنما كان رحمة لنزول العذاب لمن أراد بذلك عرض الدنيا ، ولم يرد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر وإن أراده بعض الصحابة فالفتنة كانت تعم ولا تصيب من أراد ذلك خاصة كما هزم العسكر يوم حنين بقول أحدهم ( لن نغلب اليوم من قلة ) وبإعجاب كثرتهم لمن أعجبته منهم فهزم الجيش بذلك فتنة ومحنة ثم استقر الأمر على النصر والظفر والله أعلم .

واستأذنه الأنصار أن يتركوا للعباس عمه فداءه فقال " لا تدعوا منه درهما

واستوهب من سلمة بن الأكوع جارية نفله إياها أبو بكر في بعض مغازيه فوهبها له فبعث بها إلى مكة ، ففدى بها ناسا من المسلمين وفدى رجلين من المسلمين برجل من عقيل ورد سبي هوازن عليهم بعد القسمة ، واستطاب قلوب الغانمين فطيبوا له وعوض من لم يطيب من ذلك بكل إنسان ست فرائض وقتل عقبة بن أبي معيط من الأسرى ، وقتل النضر بن الحارث لشدة عداوتهما لله ورسوله .

وذكر الإمام أحمد عن ابن عباس قال كان ناس من الأسرى لم يكن لهم مال ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة وهذا يدل على جواز الفداء بالعملكما يجوز بالمال .

[ الاسترقاق ]

وكان هديه أن من أسلم قبل الأسر لم يسترق وكان يسترق سبي العرب ، كما يسترق غيرهم من أهل الكتاب وكان عند عائشة سبية منهم فقال أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل

وفي الطبراني مرفوعا : من كان عليه رقبة من ولد إسماعيل ، فليعتق من بلعنبر

ولما قسم سبايا بني المصطلق ، وقعت جويرية بنت الحارث في السبي لثابت بن قيس بن شماس ، فكاتبته على نفسها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها ، فأعتق بتزوجه إياها مئة من أهل بيت بني المصطلق إكراما لصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهي من صريح العرب ، ولم يكونوا يتوقفون في وطء سبايا العرب على الإسلام بل كانوا يطئونهن بعد الاستبراء وأباح الله لهم ذلك ولم يشترط الإسلام بل قال تعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ النساء 24 ] فأباح وطء ملك اليمين وإن كانت محصنة إذا انقضت عدتها بالاستبراء وقال له سلمة بن الأكوع ، لما استوهبه الجارية الفزارية من السبي والله يا رسول الله لقد أعجبتني ، وما كشفت لها ثوبا ولو كان وطؤها حراما قبل الإسلام عندهم لم يكن لهذا القول معنى ، ولم تكن قد أسلمت لأنه قد فدى بها ناسا من المسلمين بمكة ، والمسلم لا يفادى به وبالجملة فلا نعرف في أثر واحد قط اشتراط الإسلام منهم قولا أو فعلا في وطء المسبية فالصواب الذي كان عليه هديه وهدي أصحابه استرقاق العرب ، ووطء إمائهن المسبيات بملك اليمين من غير اشتراط الإسلام .

فصل [ لا يفرق في السبي بين الوالدة وولدها ]
وكان صلى الله عليه وسلم يمنع التفريق في السبي بين الوالدة وولدها ، ويقول من فرق بين والدة وولدها ، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة وكان يؤتى بالسبي فيعطي أهل البيت جميعا كراهية أن يفرق بينهم .

إبن عبد ربه
21 -11- 2003, 01:47 AM
فصل في هديه فيمن جس عليه



ثبت عنه أنه قتل جاسوسا من المشركين . وثبت عنه أنه لم يقتل حاطبا ، وقد جس عليه واستأذنه عمر في قتله فقال وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فاستدل به من لا يرى قتل المسلم الجاسوس كالشافعي ، وأحمد ، وأبي حنيفة رحمهم الله واستدل به من يرى قتله كمالك ، وابن عقيل من أصحاب أحمد - رحمه الله - وغيرهما قالوا : لأنه علل بعلة مانعة من القتل منتفية في غيره ولو كان الإسلام مانعا من قتله لم يعلل بأخص منه لأن الحكم إذا علل بالأعم كان الأخص عديم التأثير وهذا أقوى . والله أعلم .

فصل

وكان هديه صلى الله عليه وسلم عتق عبيد المشركين إذا خرجوا إلى المسلمين وأسلموا ، ويقول هم عتقاء الله عز وجل

[ من أسلم على شيء في يده فهو له ولم ينظر إلى سببه قبل الإسلام ]

وكان هديه أن من أسلم على شيء في يده فهو له ولم ينظر إلى سببه قبل الإسلام بل يقره في يده كما كان قبل الإسلام ولم يكن يضمن المشركين إذا أسلموا ما أتلفوه على المسلمين من نفس أو مال حال الحرب ولا قبله وعزم الصديق على تضمين المحاربين من أهل الردة ديات المسلمين وأموالهم فقال عمر تلك دماء أصيبت في سبيل الله ، وأجورهم على الله ولا دية لشهيد فاتفق الصحابة على ما قال عمر ولم يكن أيضا يرد على المسلمين أعيان أموالهم التي أخذها منهم الكفار قهرا بعد إسلامهم بل كانوا يرونها بأيديهم ولا يتعرضون لها سواء في ذلك العقار والمنقول هذا هديه الذي لا شك فيه .

ولما فتح مكة ، قام إليه رجال من المهاجرين يسألونه أن يرد عليهم دورهم التي استولى عليها المشركون فلم يرد على واحد منهم داره وذلك لأنهم تركوها لله وخرجوا عنها ابتغاء مرضاته فأعاضهم عنها دورا خيرا منها في الجنة فليس لهم أن يرجعوا فيما تركوه لله بل أبلغ من ذلك أنه لم يرخص للمهاجر أن يقيم بمكة بعد نسكه أكثر من ثلاث لأنه قد ترك بلده لله وهاجر منه فليس له أن يعود يستوطنه ولهذا رثى لسعد بن خولة ، وسماه بائسا أن مات بمكة ودفن بها بعد هجرته منها .

إبن عبد ربه
21 -11- 2003, 01:49 AM
فصل في هديه في الأرض المغنومة




ثبت عنه أنه قسم أرض بني قريظة وبني النضير وخيبر بين الغانمين وأما المدينة ، ففتحت بالقرآن وأسلم عليها أهلها ، فأقرت بحالها . وأما مكة ، ففتحها عنوة ولم يقسمها ، فأشكل على كل طائفة من العلماء الجمع بين فتحها عنوة وترك قسمتها ، فقالت طائفة لأنها دار المناسك وهي وقف على المسلمين كلهم وهم فيها سواء فلا يمكن قسمتها ، ثم من هؤلاء من منع بيعها وإجارتها ، ومنهم من جوز بيع رباعها ، ومنع إجارتها ، والشافعي لما لم يجمع بين العنوة وبين عدم القسمة قال إنها فتحت صلحا ، فلذلك لم تقسم . قال ولو فتحت عنوة لكانت غنيمة فيجب قسمتها كما تجب قسمة الحيوان والمنقول ولم ير بأسا من بيع رباع مكة ، وإجارتها ، واحتج بأنها ملك لأربابها تورث عنهم وتوهب وقد أضافها الله سبحانه إليهم إضافة الملك إلى مالكه واشترى عمر بن الخطاب دارا من صفوان بن أمية ، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم أين تنزل غدا في دارك بمكة ؟ فقال وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور وكان عقيل ورث أبا طالب ، فلما كان أصل الشافعي أن الأرض من الغنائم وأن الغنائم تجب قسمتها ، وأن مكة تملك وتباع ورباعها ودورها لم تقسم لم يجد بدا من القول بأنها فتحت صلحا .

[ هل الأرض تدخل في الغنائم ]

لكن من تأمل الأحاديث الصحيحة وجدها كلها دالة على قول الجمهور أنها فتحت عنوة . ثم اختلفوا لأي شيء لم يقسمها ؟ فقالت طائفة لأنها دار النسك ومحل العبادة فهي وقف من الله على عباده المسلمين . وقالت طائفة الإمام مخير في الأرض بين قسمتها وبين وقفها ، والنبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر ، ولم يقسم مكة ، فدل على جواز الأمرين . قالوا : والأرض لا تدخل في الغنائم المأمور بقسمتها ، بل الغنائم هي الحيوان والمنقول لأن الله تعالى لم يحل الغنائم لأمة غير هذه الأمة وأحل لهم ديار الكفر وأرضهم كما قال تعالى : وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إلى قوله يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم [ المائدة 20 21 ، ] وقال في ديار فرعون وقومه وأرضهم كذلك وأورثناها بني إسرائيل [ الشعراء 59 ] فعلم أن الأرض لا تدخل في الغنائم والإمام مخير فيها بحسب المصلحة وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك وعمر لم يقسم بل أقرها على حالها وضرب عليها خراجا مستمرا في رقبتها يكون للمقاتلة فهذا معنى وقفها ، ليس معناه الوقف الذي يمنع من نقل الملك في الرقبة بل يجوز بيع هذه الأرض كما هو عمل الأمة وقد أجمعوا على أنها تورث والوقف لا يورث وقد نص الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - على أنها يجوز أن تجعل صداقا ، والوقف لا يجوز أن يكون مهرا في النكاح ولأن الوقف إنما امتنع بيعه ونقل الملك في رقبته لما في ذلك من إبطال حق البطون الموقوف عليهم من منفعته والمقاتلة حقهم في خراج الأرض فمن اشتراها صارت عنده خراجية كما كانت عند البائع سواء فلا يبطل حق أحد من المسلمين بهذا البيع كما لم يبطل بالميراث والهبة والصداق ونظير هذا بيع رقبة المكاتب وقد انعقد فيه سبب الحرية بالكتابة فإنه ينتقل إلى المشتري مكاتبا كما كان عند البائع ولا يبطل ما انعقد في حقه من سبب العتق ببيعه والله أعلم .

ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم نصف أرض خيبر خاصة ولو كان حكمها حكم الغنيمة لقسمها كلها بعد الخمس ففي " السنن " و " المستدرك " : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما ، جمع كل سهم مائة سهم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس هذا لفظ أبي داود وفي لفظ عزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما ، وهو الشطر لنوائبه وما ينزل به من أمر المسلمين وكان ذلك الوطيح والكتيبة ، والسلالم وتوابعها . وفي لفظ له أيضا : عزل نصفها لنوائبه وما نزل به : الوطحية والكتيبة ، وما أحيز معهما ، وعزل النصف الآخر فقسمه بين المسلمين الشق والنطاة ، وما أحيز معهما ، وكان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيز معهما

صمت الأجراس
23 -11- 2003, 02:24 AM
شكرا

الأخ (( مخربش ))

فكرة جدا رائعة

لكن لماذا لا يثبت الموضوع حتى يحظى بأكبر قدر من المتابعين

إلى الأمام

إبن عبد ربه
23 -11- 2003, 11:23 PM
في الحقيقة أشــــكر لك هذه البادرة الطيبة التي كنت اتمنى أن تصدر من أول يوم بدأت أنقل بعض فصول هذا الكتاب القيم

كما ارجو أن يعطينا المشرف العام لهذا المنتدى ( أبو إسماعيل أو النمرود ) بعض الإهتمام كأعضاء في هذا المنتدى المتميز.الذي نحبه من قلوبنا لأننا نحس ونحن نكتب فيه باننا في ديارنا الحبيبة



وتقبل تحياتي الحارة ( أخي صمت الأجراس )


أخوك إبن عبد ربه نظرة: حب: مشرق:

إبن عبد ربه
23 -11- 2003, 11:30 PM
فصل في هديه في الأمان والصلح ومعاملة رسل الكفار




وأخذ الجزية ومعاملة أهل الكتاب والمنافقين وإجارة من جاءه من الكفار حتى يسمع كلام الله ورده إلى مأمنه ووفائه بالعهد وبراءته من الغدر ثبت عنه أنه قال ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ، فمن أخفر مسلما ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا

وقال المسلمون تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا فعلى نفسه ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين

وثبت عنه أنه قال من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى يمضي أمده أو ينبذ إليهم على سواء وقال من أمن رجلا على نفسه فقتله ، فأنا بريء من القاتل وفي لفظ أعطي لواء غدرة وقال لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة يعرف به يقال هذه غدره فلان بن فلان

ويذكر عنه أنه قال ما نقض قوم العهد إلا أديل عليهم العدو

إبن عبد ربه
23 -11- 2003, 11:31 PM
فصل [ عقد الذمة وأخذ الجزية ]


وأما هديه في عقد الذمة وأخذ الجزية فإنه لم يأخذ من أحد من الكفار جزية إلا بعد نزول ( سورة براءة ) في السنة الثامنة من الهجرة فلما نزلت آية الجزية أخذها من المجوس ، وأخذها من أهل الكتاب وأخذها من النصارى ، وبعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن ، فعقد لمن لم يسلم من يهودها الذمة وضرب عليهم الجزية ولم يأخذها من يهود خيبر ، فظن بعض الغالطين المخطئين أن هذا حكم مختص بأهل خيبر ، وأنه لا يؤخذ منهم جزية وإن أخذت من سائر أهل الكتاب وهذا من عدم فقهه في السير والمغازي ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم وصالحهم على أن يقرهم في الأرض ما شاء ولم تكن الجزية نزلت بعد فسبق عقد صلحهم وإقرارهم في أرض خيبر نزول الجزية ثم أمره الله سبحانه وتعالى أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية فلم يدخل في هذا يهود خيبر إذ ذاك لأن العقد كان قديما بينه وبينهم على إقرارهم وأن يكونوا عمالا في الأرض بالشطر فلم يطالبهم بشيء غير ذلك وطالب سواهم من أهل الكتاب ممن لم يكن بينه وبينهم عقد كعقدهم بالجزية كنصارى نجران ، ويهود اليمن ، وغيرهم فلما أجلاهم عمر إلى الشام ، تغير ذلك العقد الذي تضمن إقرارهم في أرض خيبر ، وصار لهم حكم غيرهم من أهل الكتاب .

[ بيان تزوير طائفة من اليهود كتابا فيه إسقاطه صلى الله عليه وسلم الجزية ]

ولما كان في بعض الدول التي خفيت فيها السنة وأعلامها ، أظهر طائفة منهم كتابا قد عتقوه وزوروه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط عن يهود خيبر الجزية وفيه شهادة علي بن أبي طالب ، وسعد بن معاذ ، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم فراج ذلك على من جهل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه وسيره وتوهموا ، بل ظنوا صحته فجروا على حكم هذا الكتاب المزور حتى ألقي إلى شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - وطلب منه أن يعين على تنفيذه والعمل عليه فبصق عليه واستدل على كذبه بعشرة أوجه

منها : أن فيه شهادة سعد بن معاذ ، وسعد توفي قبل خيبر قطعا .

ومنها : أن في الكتاب أنه أسقط عنهم الجزية والجزية لم تكن نزلت بعد ولا يعرفها الصحابة حينئذ فإن نزولها كان عام تبوك بعد خيبر بثلاثة أعوام .

ومنها : أنه أسقط عنهم الكلف والسخر وهذا محال فلم يكن في زمانه كلف ولا سخر تؤخذ منهم ولا من غيرهم وقد أعاذه الله وأعاذ أصحابه من أخذ الكلف والسخر وإنما هي من وضع الملوك الظلمة واستمر الأمر عليها . ومنها : أن هذا الكتاب لم يذكره أحد من أهل العلم على اختلاف أصنافهم فلم يذكره أحد من أهل المغازي والسير ولا أحد من أهل الحديث والسنة ولا أحد من أهل الفقه والإفتاء ولا أحد من أهل التفسير ولا أظهروه في زمان السلف لعلمهم أنهم إن زوروا مثل ذلك عرفوا كذبه وبطلانه فلما استخفوا بعض الدول في وقت فتنة وخفاء بعض السنة زوروا ذلك وعتقوه وأظهروه وساعدهم على ذلك طمع بعض الخائنين لله ولرسوله ولم يستمر لهم ذلك حتى كشف الله أمره وبين خلفاء الرسل بطلانه وكذبه .

فصل [ هل يجوز أخذ الجزية من غير المجوس واليهود والنصارى ]
فلما نزلت آية الجزية أخذها صلى الله عليه وسلم من ثلاث طوائف من المجوس ، واليهود ، والنصارى ، ولم يأخذها من عباد الأصنام . فقيل لا يجوز أخذها من كافر غير هؤلاء ومن دان بدينهم اقتداء بأخذه وتركه . وقيل بل تؤخذ من أهل الكتاب وغيرهم من الكفار كعبدة الأصنام من العجم دون العرب ، والأول قول الشافعي رحمه الله وأحمد ، في إحدى روايتيه . والثاني : قول أبي حنيفة ، وأحمد رحمهما الله في الرواية الأخرى .

وأصحاب القول الثاني : يقولون إنما لم يأخذها من مشركي العرب ; لأنها إنما نزل فرضها بعد أن أسلمت دارة العرب ، ولم يبق فيها مشرك فإنها نزلت بعد فتح مكة ، ودخول العرب في دين الله أفواجا ، فلم يبق بأرض العرب مشرك ولهذا غزا بعد الفتح تبوك ، وكانوا نصارى ، ولو كان بأرض العرب مشركون لكانوا يلونه وكانوا أولى بالغزو من الأبعدين .

ومن تأمل السير وأيام الإسلام علم أن الأمر كذلك فلم تؤخذ منهم الجزية لعدم من يؤخذ منه لا لأنهم ليسوا من أهلها ، قالوا : وقد أخذها من المجوس ، وليسوا بأهل كتاب ولا يصح أنه كان لهم كتاب ورفع وهو حديث لا يثبت مثله ولا يصح سنده .

ولا فرق بين عباد النار وعباد الأصنام بل أهل الأوثان أقرب حالا من عباد النار وكان فيهم من التمسك بدين إبراهيم ما لم يكن في عباد النار بل عباد النار أعداء إبراهيم الخليل ، فإذا أخذت منهم الجزية فأخذها من عباد الأصنام أولى ، وعلى ذلك تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في " صحيح مسلم " أنه قال إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خلال ثلاث فأيتهن أجابوك إليها ، فاقبل منهم وكف عنهم " . ثم أمره أن يدعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو يقاتلهم

وقال المغيرة لعامل كسرى : أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله ، أو تؤدوا الجزية

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش : هل لكم في كلمة تدين لكم بها العرب ، وتؤدي العجم إليكم بها الجزية . قالوا : ما هي ؟ قال " لا إله إلا الله

فصل

ولما كان في مرجعه من تبوك ، أخذت خيله أكيدر دومة ، فصالحه على الجزية وحقن له دمه " .

[ صلحه صلى الله عليه وسلم مع أهل نجران ]
وصالح أهل نجران من النصارى على ألفي حلة . النصف في صفر والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين وعارية ثلاثين درعا ، وثلاثين فرسا ، وثلاثين بعيرا ، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها ، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد أو غدرة على ألا تهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا

وفي هذا دليل على انتقاض عهد الذمة بإحداث الحدث وأكل الربا إذا كان مشروطا عليهم . ولما وجه معاذا إلى اليمن ، أمره أن يأخذ من كل محتلم دينارا أو قيمته من المعافري وهي ثياب تكون باليمن

[ الجزية تقدر بحسب حاجة المسلمين ]
وفي هذا دليل على أن الجزية غير مقدرة الجنس ولا القدر بل يجوز أن تكون ثيابا وذهبا وحللا ، وتزيد وتنقص بحسب حاجة المسلمين واحتمال من تؤخذ منه وحاله في الميسرة وما عنده من المال .

[ تؤخذ الجزية من العرب والعجم بغير اعتبار لآبائهم ]
ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه في الجزية بين العرب والعجم ، بل أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى العرب ، وأخذها من مجوس هجر ، وكانوا عربا ، فإن العرب أمة لي لها في الأصل كتاب وكانت كل طائفة منهم تدين بدين من جاورها من الأمم فكانت عرب البحرين مجوسا لمجاورتها فارس ، وتنوخ ، وبهرة ، وبنو تغلب نصارى لمجاورتهم للروم وكانت قبائل من اليمن يهود لمجاورتهم ليهود اليمن ، فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام الجزية ولم يعتبر آباءهم ولا متى دخلوا في دين أهل الكتاب هل كان دخولهم قبل النسخ والتبديل أو بعده ومن أين يعرفون ذلك وكيف ينضبط وما الذي دل عليه ؟ وقد ثبت في السير والمغازي ، أن من الأنصار من تهود أبناؤهم بعد النسخ بشريعة عيسى ، وأراد آباؤهم إكراههم على الإسلام فأنزل الله تعالى : لا إكراه في الدين [ البقرة 256 ] وفي قوله لمعاذ : خذ من كل حالم دينارا دليل على أنها لا تؤخذ من صبي ولا امرأة .

فإن قيل فكيف تصنعون بالحديث الذي رواه عبد الرزاق في " مصنفه " وأبو عبيد في " الأموال " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذ بن جبل أن يأخذ من اليمن الجزية من كل حالم أو حالمة زاد أبو عبيد : عبدا أو أمة دينارا أو قيمته من المعافري " فهذا فيه أخذها من الرجل والمرأة والحر والرقيق ؟ قيل هذا لا يصح وصله وهو منقطع وهذه الزيادة مختلف فيها ، لم يذكرها سائر الرواة ولعلها من تفسير بعض الرواة . وقد روى الإمام أحمد ، وأبو داود والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وغيرهم هذا الحديث فاقتصروا على قوله أمره " أن يأخذ من حالم دينارا " ولم يذكروا هذه الزيادة وأكثر من أخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم الجزية العرب من النصارى واليهود ، والمجوس ، ولم يكشف عن أحد منهم متى دخل في دينه وكان يعتبرهم بأديانهم لا بآبائهم .

إبن عبد ربه
23 -11- 2003, 11:33 PM
فصل في ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقين
من حين بعث إلى حين لقي الله عز وجل



أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى : أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أول نبوته فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ ثم أنزل عليه يا أيها المدثر قم فأنذر [ المدثر 1 ، 2 ] فنبأه بقوله اقرأ وأرسله ب يا أيها المدثر ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين ثم أنذر قومه ثم أنذر من حولهم من العرب ، ثم أنذر العرب قاطبة ثم أنذر العالمين فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ويؤمر بالكف والصبر والصفح . ثم أذن له في الهجرة وأذن له في القتال ثم أمره أن يقاتل من قاتله ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام أهل صلح وهدنة وأهل حرب وأهل ذمة فأمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم وأن يوفي لهم به ما استقاموا على العهد فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد وأمر أن يقاتل من نقض عهده . ولما نزلت ( سورة براءة ) نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها ، فأمره فيها أن " يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في الإسلام وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم فجاهد الكفار بالسيف والسنان والمنافقين بالحجة واللسان .

[ الفرق بين أشهر التسيير الحرم وبين الأشهر الحرم ]

وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار ونبذ عهودهم إليهم وجعل أهل العهد في ذلك ثلاثة أقسام قسما أمره بقتالهم وهم الذين نقضوا عهده ولم يستقيموا له فحاربهم وظهر عليهم . وقسما لهم عهد مؤقت لم ينقضوه ولم يظاهروا عليه فأمره أن يتم لهم عهدهم إلى مدتهم . وقسما لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه أو كان لهم عهد مطلق فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر فإذا انسلخت قاتلهم وهي الأشهر الأربعة المذكورة في قوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر [ التوبة 2 ] وهي الحرم المذكورة في قوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين [ التوبة 5 ] فالحرم ها هنا : هي أشهر التسيير أولها يوم الأذان وهو اليوم العاشر من ذي الحجة وهو يوم الحج الأكبر الذي وقع فيه التأذين بذلك وآخرها العاشر من ربيع الآخر وليست هي الأربعة المذكورة في قوله إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم [ التوبة 36 ] فإن تلك واحد فرد وثلاثة سرد رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم . ولم يسير المشركين في هذه الأربعة فإن هذا لا يمكن لأنها غير متوالية وهو إنما أجلهم أربعة أشهر ثم أمره بعد انسلاخها أن يقاتلهم فقتل الناقض لعهده وأجل من لا عهد له أو له عهد مطلق أربعة أشهر وأمره أن يتم للموفي بعهده عهده إلى مدته فأسلم هؤلاء كلهم ولم يقيموا على كفرهم إلى مدتهم وضرب على أهل الذمة الجزية .

فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول براءة على ثلاثة أقسام محاربين له وأهل عهد وأهل ذمة ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام فصاروا معه قسمين محاربين وأهل ذمة والمحاربون له خائفون منه فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام مسلم مؤمن به ومسالم له آمن وخائف محارب .

وأما سيرته في المنافقين فإنه أمر أن يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله وأن يجاهدهم بالعلم والحجة وأمره أن يعرض عنهم ويغلظ عليهم وأن يبلغ بالقول البليغ إلى نفوسهم ونهاه أن يصلي عليهم وأن يقوم على قبورهم وأخبر أنه إن استغفر لهم فلن يغفر الله لهم فهذه سيرته في أعدائه من الكفار والمنافقين .

فصل [ سيرته صلى الله عليه وسلم في أوليائه وحزبه ]
وأما سيرته في أوليائه وحزبه ، فأمره أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وألا تعدو عيناه عنهم وأمره أن يعفو عنهم ويستغفر لهم ويشاورهم في الأمر وأن يصلي عليهم . وأمره بهجر من عصاه وتخلف عنه حتى يتوب ويراجع طاعته كما هجر الثلاثة الذين . خلفوا . وأمره أن يقيم الحدود على من أتى موجباتها منهم وأن يكونوا عنده في ذلك سواء شريفهم ودنيئهم .

[ معنى خذ العفو وأمر بالعرف ]

وأمره في دفع عدوه من شياطين الإنس بأن يدفع بالتي هي أحسن فيقابل إساءة من أساء إليه بالإحسان وجهله بالحلم وظلمه بالعفو وقطيعته بالصلة وأخبره أنه إن فعل ذلك عاد عدوه كأنه ولي حميم .

وأمره في دفعه عدوه من شياطين الجن بالاستعاذة بالله منهم وجمع له هذين الأمرين في ثلاثة مواضع من القرآن في ( سورة الأعراف ) و ( المؤمنون ) و ( سورة حم فصلت ) فقال في سورة الأعراف خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم [ الأعراف 199 - 200 ] فأمره باتقاء شر الجاهلين بالإعراض عنهم وباتقاء شر الشيطان بالاستعاذة منه وجمع له في هذه الآية مكارم الأخلاق والشيم كلها ، فإن ولي الأمر له مع الرعية ثلاثة أحوال فإنه لا بد له من حق عليهم يلزمهم القيام به وأمر يأمرهم به ولا بد من تفريط وعدوان يقع منهم في حقه فأمر بأن يأخذ من الحق الذي عليهم ما طوعت به أنفسهم وسمحت به وسهل عليهم ولم يشق وهو العفو الذي لا يلحقهم ببذله ضرر ولا مشقة وأمر أن يأمرهم بالعرف وهو المعروف الذي تعرفه العقول السليمة والفطر المستقيمة وتقر بحسنه ونفعه وإذا أمر به يأمر بالمعروف أيضا لا بالعنف والغلظة . وأمره أن يقابل جهل الجاهلين منهم بالإعراض عنه دون أن يقابله بمثله فبذلك يكتفي شرهم . وقال تعالى في سورة المؤمنين قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون [ المؤمنون 93 - 97 ]

وقال تعالى في سورة حم فصلت ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم [ فصلت 134 ] فهذه سيرته مع أهل الأرض إنسهم وجنهم مؤمنهم وكافرهم .

إبن عبد ربه
23 -11- 2003, 11:36 PM
فصل في سياق مغازيه وبعوثه على وجه الاختصار


[ سرية حمزة إلى سيف البحر ]

وكان أول لواء عقده رسو ل الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجره وكان لواء أبيض وكان حامله أبو مرثد كناز بن الحصين الغنوي حليف حمزة وبعثه في ثلاثين رجلا من المهاجرين خاصة يعترض عيرا لقريش جاءت من الشام ، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل . فبلغوا سيف البحر من ناحية العيص ، فالتقوا واصطفوا للقتال فمشى مجدي بن عمرو الجهني ، وكان حليفا للفريقين جميعا ، بين هؤلاء وهؤلاء حتى حجز بينهم ولم يقتتلوا .

فصل [ سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب]
[ سعد هو أول من رمى بسهم في سبيل الله ]

ثم بعث عبيدة بن الحارث بن المطلب في سرية إلى بطن رابغ في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة وعقد له لواء أبيض وحمله مسطح بن أثاثة بن عبد المطلب بن عبد مناف ، وكانوا في ستين من المهاجرين ليس فيهم أنصاري فلقي أبا سفيان بن حرب ، وهو في مائتين على بطن رابغ ، على عشرة أميال من الجحفة ، وكان بينهم الرمي ولم يسلوا السيوف ولم يصطفوا للقتال وإنما كانت مناوشة وكان سعد بن أبي وقاص فيهم وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله ثم انصرف الفريقان على حاميتهم .

قال ابن إسحاق : وكان على القوم عكرمة بن أبي جهل ، وقدم سرية عبيدة على سرية حمزة .

فصل [ سرية سعد إلى بطن رابغ ]
ثم بعث سعد بن أبي وقاص إلى الخرار في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر وعقد له لواء أبيض وحمله المقداد بن عمرو ، وكانوا عشرين راكبا يعترضون عيرا لقريش ، وعهد أن لا يجاوز الخرار ، فخرجوا على أقدامهم فكانوا يكمنون بالنهار ويسيرون بالليل حتى صبحوا المكان صبيحة خمس فوجدوا العير قد مرت بالأمس

فصل [ غزوة الأبواء وهي أول غزوة غزاها بنفسه صلى الله عليه وسلم ]
ثم غزا بنفسه غزوة الأبواء ، ويقال لها : ودان ، وهي أول غزوة غزاها بنفسه وكانت في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مهاجره وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب ، وكان أبيض واستخلف على المدينة سعد بن عبادة ، وخرج في المهاجرين خاصة يعترض عيرا لقريش ، فلم يلق كيدا ، وفي هذه الغزوة وادع مخشي بن عمرو الضمري وكان سيد بني ضمرة في زمانه على ألا يغزو بني ضمرة ، ولا يغزوه ولا أن يكثروا عليه جمعا ، ولا يعينوا عليه عدوا ، وكتب بينه وبينهم كتابا ، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة .

فصل [ غزوة بواط ]
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بواط في شهر ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا من مهاجره وحمل لواءه سعد بن أبي وقاص ، وكان أبيض واستخلف على المدينة سعد بن معاذ ، وخرج في مائتين من أصحابه يعترض عيرا لقريش ، فيها أمية بن خلف الجمحي ، ومائة رجل من قريش ، وألفان وخمسمائة بعير فبلغ بواطا ، وهما جبلان فرعان أصلهما واحد من جبال جهينة ، مما يلي طريق الشام ، وبين بواط والمدينة نحو أربعة برد فلم يلق كيدا فرجع .

فصل [ خروجه في طلب كرز الفهري ]
ثم خرج على رأس ثلاثة عشر شهرا من مهاجره يطلب كرز بن جابر الفهري ، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان أبيض واستخلف على المدينة زيد بن حارثة ، وكان كرز قد أغار على سرح المدينة ، فاستاقه وكان يرعى بالحمى ، فطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر ، وفاته كرز ولم يلحقه فرجع إلى المدينة .

فصل [ غزوة العشيرة ]
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهرا ، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب ، وكان أبيض واستخلف على المدينة أبا سلمة بن - عبد الأسد المخزومي ، وخرج في خمسين ومائة ويقال في مائتين من المهاجرين ولم يكره أحدا على الخروج وخرجوا على ثلاثين بعيرا يعتقبونها يعترضون عيرا لقريش ذاهبة إلى الشام ، وقد كان جاءه الخبر بفصولها من مكة فيها أموال لقريش ، فبلغ ذا العشيرة ، وقيل العشيراء بالمد . وقيل العسيرة بالمهملة وهي بناحية ينبع ، وبين ينبع والمدينة تسعة برد فوجد العير قد فاتته بأيام وهذه هي العير التي خرج في طلبها حين رجعت من الشام ، وهي التي وعده الله إياها ، أو المقاتلة وذات الشوكة ووفى له بوعده .

وفي هذه الغزوة وادع بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة .

قال عبد المؤمن بن خلف الحافظ : وفي هذه الغزوة كنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أبا تراب وليس كما قال فإن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ إنما كناه أبا تراب بعد نكاحه فاطمة ، وكان نكاحها بعد بدر ، فإنه لما دخل عليها وقال " أين ابن عمك ؟ " قالت خرج مغاضبا ، فجاء إلى المسجد فوجده مضطجعا فيه وقد لصق به التراب فجعل ينفضه عنه ويقول " اجلس أبا تراب اجلس أبا تراب وهو أول يوم كني فيه أبا تراب .

فصل [ سرية نخلة ]
[ أول خمس وأول قتيل وأول أسيرين في الإسلام ]

[ القتال في الأشهر الحرم ]

[ معنى الفتنة أكبر من القتل ]

ثم بعث عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة في اثني عشر رجلا من المهاجرين كل اثنين يعتقبان على بعير فوصلوا إلى بطن نخلة يرصدون عيرا لقريش ، وفي هذه السرية سمى عبد الله بن جحش أمير المؤمنين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا ، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه ولما فتح الكتاب وجد فيه " إذا نظرت في كتابي هذا ، فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف ، فترصد بها قريشا ، وتعلم لنا من أخبارهم فقال سمعا وطاعة وأخبر أصحابه بذلك وبأنه لا يستكرههم فمن أحب الشهادة فلينهض ومن كره الموت فليرجع وأما أنا فناهض فمضوا كلهم فلما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فتخلفا في طلبه وبعد عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي ، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة ، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة فتشاور المسلمون وقالوا : نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم ، ثم أجمعوا على ملاقاتهم فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل ثم قدموا بالعير والأسيرين وقد عزلوا من ذلك الخمس وهو أول خمس كان في الإسلام وأول قتيل في الإسلام وأول أسيرين في الإسلام وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ما فعلوه واشتد تعنت قريش وإنكارهم ذلك وزعموا أنهم قد وجدوا مقالا ، فقالوا : قد أحل محمد الشهر الحرام واشتد على المسلمين ذلك حتى أنزل الله تعالى : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ؟ قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل [ البقرة 217 ] يقول سبحانه هذا الذي أنكرتموه عليهم وإن كان كبيرا ، فما ارتكبتموه أنتم من الكفر بالله والصد عن سبيله وعن بيته وإخراج المسلمين الذين هم أهله منه والشرك الذي أنتم عليه والفتنة التي حصلت منكم به أكبر عند الله من قتالهم في الشهر الحرام وأكثر السلف فسروا الفتنة ها هنا بالشرك كقوله تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة [ البقرة 193 ] ويدل عليه قوله ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين [ الأنعام 23 ] أي لم يكن مآل شركهم وعاقبته وآخر أمرهم إلا أن تبرءوا منه وأنكروه .

وحقيقتها : أنها الشرك الذي يدعو صاحبه إليه ويقاتل عليه ويعاقب من لم يفتتن به ولهذا يقال لهم وقت عذابهم بالنار وفتنتهم بها : ذوقوا فتنتكم قال ابن عباس : تكذيبكم .

وحقيقته ذوقوا نهاية فتنتكم وغايتها ، ومصير أمرها ، كقوله ذوقوا ما كنتم تكسبون [ الزمر 24 ] وكما فتنوا عباده على الشرك فتنوا على النار وقيل لهم ذوقوا فتنتكم ومنه قوله تعالى : إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا [ البروج 10 ] فسرت الفتنة ها هنا بتعذيبهم المؤمنين وإحراقهم إياهم بالنار واللفظ أعم من ذلك وحقيقته عذبوا المؤمنين ليفتتنوا عن دينهم فهذه الفتنة المضافة إلى المشركين . وأما الفتنة التي يضيفها الله سبحانه إلى نفسه أو يضيفها رسوله إليه كقوله وكذلك فتنا بعضهم ببعض وقول موسى : إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء [ الأعراف 155 ] فتلك بمعنى آخر وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر بالنعم والمصائب فهذه لون وفتنة المشركين لون وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لون آخر والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام كالفتنة التي أوقعها بين أصحاب علي ومعاوية ، وبين أهل الجمل وصفين ، وبين المسلمين حتى يتقاتلوا ويتهاجروا لون آخر وهي الفتنة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي وأحاديث الفتنة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها باعتزال الطائفتين هي هذه الفتنة .

وقد تأتي الفتنة مرادا بها المعصية كقوله تعالى : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني [ التوبة 49 ] ، يقوله الجد بن قيس ، لما ندبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، يقول ائذن لي في القعود ولا تفتني بتعرضي لبنات بني الأصفر فإني لا أصبر عنهن قال تعالى : ألا في الفتنة سقطوا [ التوبة 49 ] أي وقعوا في فتنة النفاق وفروا إليها من فتنة بنات الأصفر . والمقصود أن الله سبحانه حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف ولم يبرئ أولياءه من ارتكاب الإثم بالقتال في الشهر الحرام بل أخبر أنه كبير وأن ما عليه أعداؤه المشركون أكبر وأعظم من مجرد القتال في الشهر الحرام فهم أحق بالذم والعيب والعقوبة لا سيما وأولياؤه كانوا متأولين في قتالهم ذلك أو مقصرين نوع تقصير يغفره الله لهم في جنب ما فعلوه من التوحيد والطاعات والهجرة مع رسوله وإيثار ما عند الله فهم كما قيل


وإذا الحبيب أتى بذنب واحد

جاءت محاسنه بألف شفيع


فكيف يقاس ببغيض عدو جاء بكل قبيح ولم يأت بشفيع واحد من المحاسن .

فصل [ تحويل القبلة ]

ولما كان في شعبان من هذه السنة حولت القبلة وقد تقدم ذكر ذلك .

إبن عبد ربه
23 -11- 2003, 11:38 PM
فصل [ كانت هذه الغزوة بعد الحديبية وتوهيم من قال بخلاف ذلك ]



وهذه الغزوة كانت بعد الحديبية وقد وهم فيها جماعة من أهل المغازي والسير فذكروا أنها كانت قبل الحديبية والدليل على صحة ما قلناه ما رواه الإمام أحمد والحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا هاشم بن القاسم قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثني إياس بن سلمة عن أبيه قال قدمت المدينة زمن الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خرجت أنا ورباح بفرس لطلحة أندبه مع الإبل فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل راعيها وساق القصة رواها مسلم في " صحيحه " بطولها

ووهم عبد المؤمن بن خلف في " سيرته " في ذلك وهما بينا فذكر غزاة بني لحيان بعد قريظة بستة أشهر ثم قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لم يمكث إلا ليالي حتى أغار عبد الرحمن بن عيينة وذكر القصة .

والذي أغار عبد الرحمن وقيل أبوه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فأين هذا من قول سلمة قدمت المدينة زمن الحديبية ؟ .

[ سرايا سنة ست ]
[ سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر ]
وقد ذكر الواقدي عدة سرايا في سنة ست من الهجرة قبل الحديبية فقال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول - أو قال الآخر - سنة ست من قدومه المدينة عكاشة بن محصن الأسدي في أربعين رجلا إلى الغمر وفيهم ثابت بن أقرم وسباع بن وهب فأجد السير ونذر القوم بهم فهربوا فنزل على مياههم وبعث الطلائع فأصابوا من دلهم على بعض ماشيتهم فوجدوا مائتي بعير فساقوها إلى المدينة .

[ سرية أبي عبيدة إلى ذي القصة ]
وبعث سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة فساروا ليلتهم مشاة ووافوها مع الصبح فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال وأصابوا رجلا واحدا فأسلم .

[ سرية محمد بن مسلمة ]
وبعث محمد بن مسلمة في ربيع الأول في عشرة نفر سرية فكمن القوم لهم حتى ناموا فما شعروا إلا بالقوم فقتل أصحاب محمد بن مسلمة وأفلت محمد جريحا .

[ سرية زيد إلى الجموم ]
وفي هذه السنة - وهي سنة ست - كانت سرية زيد بن حارثة بالجموم فأصاب امرأة من مزينة يقال لها : حليمة فدلتهم على محلة من محال بني سليم فأصابوا نعما وشاء وأسرى وكان في الأسرى زوج حليمة فلما قفل زيد بن حارثة بما أصاب وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها .

[ سرية زيد إلى الطرف ]
وفيها - يعني : سنة ست - كانت سرية زيد بن حارثة إلى الطرف في جمادى الأولى إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا فهربت الأعراب وخافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا وغاب أربع ليال .

[ سرية زيد إلى العيص ]
[ إجارة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم أبا العاص وهو على شركه ]

وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى العيص في جمادى الأولى وفيها : أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع زوج زينب مرجعه من الشام وكانت أموال قريش قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن محمد بن حزم قال خرج أبو العاص بن الربيع تاجرا إلى الشام وكان رجلا مأمونا وكانت معه بضائع لقريش فأقبل قافلا فلقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقوا عيره وأفلت وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أصابوا فقسمه بينهم وأتى أبو العاص المدينة فدخل على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجار بها وسألها أن تطلب له من رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ماله عليه وما كان معه من أموال الناس فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم السرية فقال إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم وقد أصبتم له مالا ولغيره وهو فيء الله الذي أفاء عليكم فإن رأيتم أن تردوا عليه فافعلوا وإن كرهتم فأنتم وحقكم فقالوا : بل نرده عليه يا رسول الله فردوا عليه ما أصابوا حتى إن الرجل ليأتي بالشن والرجل بالإداوة والرجل بالحبل فما تركوا قليلا أصابوه ولا كثيرا إلا ردوه عليه ثم خرج حتى قدم مكة فأدى إلى الناس بضائعهم حتى إذا فرغ قال يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم معي مال لم أرده عليه ؟ قالوا : لا فجزاك الله خيرا قد وجدناك وفيا كريما فقال أما والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا تخوفا أن تظنوا أني إنما أسلمت لأذهب بأموالكم فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله .

[ رواية موسى بن عقبة لقصة أبي العاص ]

وهذا القول من الواقدي وابن إسحاق يدل على أن قصة أبي العاص كانت قبل الحديبية وإلا فبعد الهدنة لم تتعرض سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش . ولكن زعم موسى بن عقبة أن قصة أبي العاص كانت بعد الهدنة وأن الذي أخذ الأموال أبو بصير وأصحابه ولم يكن ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا منحازين بسيف البحر وكانت لا تمر بهم عير لقريش إلا أخذوها هذا قول الزهري .

قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب في قصة أبي بصير : ولم يزل أبو جندل وأبو بصير وأصحابهما الذين اجتمعوا إليهما هنالك حتى مر بهم أبو العاص بن الربيع وكانت تحته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش فأخذوهم وما معهم وأسروهم ولم يقتلوا منهم أحدا لصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي العاص وأبو العاص يومئذ مشرك وهو ابن أخت خديجة بنت خويلد لأبيها وأمها وخلوا سبيل أبي العاص فقدم المدينة على امرأته زينب فكلمها أبو العاص في أصحابه الذين أسرهم أبو جندل وأبو بصير وما أخذوا لهم فكلمت زينب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فخطب الناس فقال إنا صاهرنا أناسا وصاهرنا أبا العاص فنعم الصهر وجدناه وإنه أقبل من الشام في أصحاب له من قريش فأخذهم أبو جندل وأبو بصير وأخذوا ما كان معهم ولم يقتلوا منهم أحدا وإن زينب بنت رسول الله سألتني أن أجيرهم فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه ؟ " فقال الناس نعم فلما بلغ أبا جندل وأصحابه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي العاص وأصحابه الذين كانوا عنده من الأسرى رد إليهم كل شيء أخذ منهم حتى العقال وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير يأمرهم أن يقدموا عليه ويأمر من معهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم وألا يتعرضوا لأحد من قريش وعيرها فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بصير وهو في الموت فمات وهو على صدره ودفنه أبو جندل مكانه وأقبل أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمنت عير قريش وذكر باقي الحديث .

[ ترجيح المصنف لرواية ابن عقبة ]

وقول موسى بن عقبة : أصوب وأبو العاص إنما أسلم زمن الهدنة وقريش إنما انبسطت عيرها إلى الشام زمن الهدنة وسياق الزهري للقصة بين ظاهر أنها كانت في زمن الهدنة .

[ سرية زيد إلى حسمى وهي بعد الحديبية ]
قال الواقدي : وفيها أقبل دحية بن خليفة الكلبي من عند قيصر وقد أجازه بمال وكسوة فلما كان بحسمى لقيه ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق فلم يتركوا معه شيئا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بيته فأخبره فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حسمى . قلت : وهذا بعد الحديبية بلا شك .

[ سرية علي إلى فدك ]
قال الواقدي : وخرج علي في مائة رجل إلى فدك إلى حي من بني سعد بن بكر وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بها جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر فسار إليهم يسير الليل ويكمن النهار فأصاب عينا لهم فأقر له أنهم بعثوه إلى خيبر فعرضوا عليهم نصرتهم على أن يجعلوا لهم ثمر خيبر .

[ سرية ابن عوف إلى دومة الجندل ]
قال وفيها سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم فأسلم القوم وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ وهي أم أبي سلمة وكان أبوها رأسهم وملكهم .

[ سرية كرز إلى العرنيين وكانت قبل الحديبية ]
قال وكانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل في شوال سنة ست وكانت السرية عشرين فارسا . قلت : وهذا يدل على أنها كانت قبل الحديبية كانت في ذي القعدة كما سيأتي وقصة العرنيين في " الصحيحين " من حديث أنس أن رهطا من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله إنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فاستوخمنا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود وكفروا بعد إسلامهم . وفي لفظ لمسلم سملوا عين الراعي فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وتركهم في ناحية الحرة حتى ماتوا

وفي حديث أبي الزبير عن جابر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم عم عليهم الطريق واجعلها عليهم أضيق من مسك جمل فعمى الله عليهم السبيل فأدركوا . وذكر القصة .

[ الفقه المستنبط من حديث العرنيين ]
وفيها من الفقه جواز شرب أبوال الإبل وطهارة بول مأكول اللحم والجمع للمحارب إذا أخذ المال وقتل بين قطع يده ورجله وقتله وأنه يفعل بالجاني كما فعل فإنهم لما سملوا عين الراعي سمل أعينهم وقد ظهر بهذا أن القصة محكمة ليست منسوخة وإن كانت قبل أن تنزل الحدود والحدود نزلت بتقريرها لا بإبطالها . والله أعلم .

إبن عبد ربه
23 -11- 2003, 11:39 PM
فصل في قصة الحديبية
[ متى حدثت ]



قال نافع : كانت سنة ست في ذي القعدة وهذا هو الصحيح وهو قول الزهري وقتادة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وغيرهم .

وقال هشام بن عروة عن أبيه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية في رمضان وكانت في شوال وهذا وهم وإنما كانت غزاة الفتح في رمضان وقد قال أبو الأسود عن عروة إنها كانت في ذي القعدة على الصواب .

[ كم اعتمر صلى الله عليه وسلم في حياته ]

وفي " الصحيحين " عن أنس أن النبي . صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة فذكر منها عمرة الحديبية .

[ كم كان معه صلى الله عليه وسلم ]

وكان معه ألف وخمسمائة هكذا في " الصحيحين " عن جابر وعنه فيهما : كانوا ألفا وأربعمائة وفيهما : عن عبد الله بن أبي أوفى : " كنا ألفا وثلاثمائة " قال قتادة : قلت لسعيد بن المسيب : كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان ؟ قال خمس عشرة مائة . قال قلت فإن جابر بن عبد الله قال كانوا أربع عشرة مائة قال يرحمه الله أوهم هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة . قلت : وقد صح عن جابر القولان وصح عنه أنهم نحروا عام الحديبية سبعين بدنة البدنة عن سبعة فقيل له كم كنتم ؟ قال ألفا وأربعمائة بخيلنا ورجلنا يعني فارسهم وراجلهم والقلب إلى هذا أميل وهو قول البراء بن عازب ومعقل بن يسار وسلمة بن الأكوع في أصح الروايتين وقول المسيب بن حزن قال شعبة : عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ألفا وأربعمائة .

وغلط غلطا بينا من قال كانوا سبعمائة وعذره أنهم نحروا يومئذ سبعين بدنه والبدنة قد جاء إجزاؤها عن سبعة وعن عشرة وهذا لا يدل على ما قاله هذا القائل فإنه قد صرح بأن البدنة كانت في هذه العمرة عن سبعة فلو كانت السبعون عن جميعهم لكانوا أربعمائة وتسعين رجلا وقد قال في تمام الحديث بعينه إنهم كانوا ألفا وأربعمائة

إبن عبد ربه
23 -11- 2003, 11:41 PM
فصل [ تقليده صلى الله عليه وسلم الهدي بذي الحليفة وبعثه
عينا له ابن خزاعة إلى قريش ]


[ استشارته صلى الله عليه وسلم أصحابه فيما يفعله ]

[ رؤيتهم لخالد بن الوليد وفراره منهم ]

[ بروك القصواء ]

[ نزولهم بالحديبية ]

فلما كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش حتى إذا كان قريبا من عسفان أتاه عينه فقال إني تركت كعب بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين وإن يجيئوا تكن عنقا قطعها الله أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه ؟ فقال أبو بكر : الله ورسوله أعلم إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه فقال النبي صلى الله عليه وسلم فروحوا إذا فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين " فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل حل فألحت فقالوا : خلأت القصواء خلأت القصواء فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت به فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا فلم يلبثه الناس أن نزحوه فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه قال فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه .

[ إرسال عثمان إلى قريش ]

وفزعت قريش لنزوله عليهم فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم فقال يا رسول الله ليس لي بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت فأرسل عثمان بن عفان فإن عشيرته بها وإنه مبلغ ما أردت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فأرسله إلى قريش وقال أخبرهم أنا لم نأت لقتال وإنما جئنا عمارا وادعهم إلى الإسلام وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان فانطلق عثمان فمر على قريش ببلدح فقالوا : أين تريد ؟ فقال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام وأخبركم أنا لم نأت لقتال وإنما جئنا عمارا فقالوا : قد سمعنا ما تقول فانفذ لحاجتك وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأسرج فرسه فحمل عثمان على الفرس وأجاره وأردفه أبان حتى جاء مكة وقال المسلمون قبل أن يرجع عثمان ؟ خلص عثمان قبلنا إلى البيت وطاف به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون " فقالوا : وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص ؟ قال " ذاك ظني به ألا يطوف بالكعبة حتى نطوف معه

[ بيعة الرضوان ]
واختلط المسلمون بالمشركين في أمر الصلح فرمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر وكانت معركة وتراموا بالنبل والحجارة وصاح الفريقان كلاهما وارتهن كل واحد من الفريقين بمن فيهم وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل فدعا إلى البيعة فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة فبايعوه على ألا يفروا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال هذه عن عثمان

[ رجوع عثمان ]

ولما تمت البيعة رجع عثمان فقال له المسلمون اشتفيت يا أبا عبد الله من الطواف بالبيت فقال بئس ما ظننتم بي والذي نفسي بيده لو مكثت بها سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بالحديبية ما طفت بها حتى يطوف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت فقال المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعلمنا بالله وأحسننا ظنا وكان عمر آخذا بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة تحت الشجرة فبايعه المسلمون كلهم إلا الجد بن قيس

وكان معقل بن يسار آخذا بغصنها يرفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول من بايعه أبو سنان الأسدي

وبايعه سلمة بن الأكوع ثلاث مرات في أول الناس وأوسطهم وآخرهم .

[ بديل بن ورقاء ]

فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لم نجئ لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم ويخلوا بيني وبين الناس وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره

[ إرسال عروة الثقفي إليه صلى الله عليه وسلم ]

قال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال إني قد جئتكم من عند هذا الرجل وقد سمعته يقول قولا فإن شئتم عرضته عليكم . فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء . وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته قال سمعته يقول كذا وكذا . فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم . فقال عروة بن مسعود الثقفي : إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته فقالوا : ائته فأتاه فجعل يكلمه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل فقال له عروة عند ذلك أي محمد أرأيت لو استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك ؟ وإن تكن الأخرى فوالله إني لأرى وجوها وأرى أوشابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر امصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه . قال من ذا ؟ قالوا : أبو بكر . قال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم وكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع عروة رأسه وقال من ذا ؟ قالوا : المغيرة بن شعبة . فقال أي غدر أولست أسعى في غدرتك ؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء

[ إرسال مكرز إليه صلى الله عليه وسلم ]

[ رد أبي جندل إلى المشركين ]

ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه فوالله ما تنخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها جلده ووجهه وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك على كسرى وقيصر والنجاشي والله ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعوني آته فقالوا : ائته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فلان " وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثوها له واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال " سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فرجع إلى أصحابه فقال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت وما أرى أن يصدوا عن البيت فقام مكرز بن حفص فقال دعوني آته . فقالوا : ائته فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا مكرز بن حفص وهو رجل فاجر فجعل يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد سهل لكم من أمركم فقال هات اكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا الكاتب فقال " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " . فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما ندري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم " ثم قال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل فوالله لو كنا نعلم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني رسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به " فقال سهيل والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب فقال سهيل على أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما بينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين ظهور المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنا لم نقض الكتاب بعد فقال فوالله إذا لا أصالحك على شيء أبدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فأجزه لي " قال ما أنا بمجيزه لك . قال " بلى فافعل " قال ما أنا بفاعل . قال مكرز بلى قد أجزناه فقال أبو جندل يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما لقيت وكان قد عذب في الله عذابا شديدا قال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألست نبي الله حقا ؟ قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال بلى . فقلت علام نعطي الدنية في ديننا إذا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا ؟ فقال إني رسول الله وهو ناصري ولست أعصيه قلت أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال " بلى أفأخبرتك أنك تأتيه العام ؟ " قلت لا . قال " فإنك آتيه ومطوف به " . قال فأتيت أبا بكر فقلت له كما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورد علي أبو بكر كما رد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء وزاد فاستمسك بغرزه حتى تموت فوالله إنه لعلى الحق . قال عمر فعملت لذلك أعمالا .

فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا فانحروا ثم احلقوا فوالله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة يا رسول الله أتحب ذلك ؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن حتى بلغ بعصم الكوافر [ الممتحنة 10 ] فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية والأخرى صفوان بن أمية ثم رجع إلى المدينة وفي مرجعه أنزل الله عليه إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا [ الفتح 31 ] فقال عمر أوفتح هو يا رسول الله ؟ قال نعم فقال الصحابة هنيئا لك يا رسول الله فما لنا ؟ فأنزل الله عز وجل هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين [ الفتح 4 ]

[ قصة أبي بصير]
ولما رجع إلى المدينة جاءه أبو بصير رجل من قريش مسلما فأرسلوا في طلبه رجلين وقالوا : العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين والله إني لأرى سيفك هذا جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد وفر الآخر يعدو حتى بلغ المدينة فدخل المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه " لقد رأى هذا ذعرا " فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال قتل والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير فقال يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد " فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله لا يسمعون بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأنزل الله عز وجل وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم حتى بلغ حمية الجاهلية [ الفتح 24 ] وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينهم وبين البيت .

[ فور بئر الحديبية بالماء ببركته صلى الله عليه وسلم ]
قلت في " الصحيح " : أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومج في بئر الحديبية من فمه فجاشت بالماء كذلك قال البراء بن عازب وسلمة بن الأكوع في " الصحيحين " .

وقال عروة عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أنه غرز فيها سهما من كنانته وهو في " الصحيحين " أيضا .

وفي مغازي أبي الأسود عن عروة توضأ في الدلو ومضمض فاه ثم مج فيه وأمر أن يصب في البئر ونزع سهما من كنانته وألقاه في البئر ودعا الله تعالى ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها وهم جلوس على شقها فجمع بين الأمرين وهذا أشبه والله أعلم .

[ فور الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ]

وفي " صحيح البخاري " : عن جابر قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ منها إذ جهش الناس نحوه فقال ما لكم ؟ قالوا : يا رسول الله ما عندنا ماء نشرب ولا ما نتوضأ إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه أمثال العيون فشربوا وتوضئوا وكانوا خمس عشرة مائة وهذه غير قصة البئر .

[ هطول المطر ]

وفي هذه الغزوة أصابهم ليلة مطر فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح قال أتدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب

إبن عبد ربه
24 -11- 2003, 02:45 PM
فصل في غزوة خيبر


قال موسى بن عقبة : ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليلة أو قريبا منها ثم خرج غازيا إلى خيبر وكان الله عز وجل وعده إياها وهو بالحديبية .

وقال مالك : كان فتح خيبر في السنة السادسة والجمهور على أنها في السابعة . وقطع أبو محمد بن حزم : بأنها كانت في السادسة بلا شك ولعل الخلاف مبني على أول التاريخ هل هو شهر ربيع الأول شهر مقدمه المدينة أو من المحرم في أول السنة ؟ وللناس في هذا طريقان . فالجمهور على أن التاريخ وقع من المحرم وأبو محمد بن حزم : يرى أنه من شهر ربيع الأول حين قدم وكان أول من أرخ بالهجرة يعلى بن أمية باليمن كما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح وقيل عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ست عشرة من الهجرة .

وقال ابن إسحاق : حدثني الزهري عن عروة عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أنهما حدثاه جميعا قالا : انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة فأعطاه الله عز وجل فيها خيبر وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه [ الفتح 20 ] خيبر فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجيع واد بين خيبر وغطفان فتخوف أن تمدهم غطفان فبات به حتى أصبح فغدا إليهم انتهى

[ قدوم أبي هريرة ]

واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة وقدم أبو هريرة حينئذ المدينة فوافى سباع بن عرفطة في صلاة الصبح فسمعه يقرأ في الركعة الأولى - كهيعص وفي الثانية ويل للمطففين فقال في نفسه ويل لأبي فلان له مكيالان إذا اكتال اكتال بالوافي وإذا كال كال بالناقص فلما فرغ من صلاته أتى سباعا فزوده حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلم المسلمين فأشركوه وأصحابه في سهمانهم .

[ قصة عامر بن الأكوع ]

وقال سلمة بن الأكوع : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا ؟ فنزل يحدو بالقوم يقول


اللهم لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فاغفر فداء لك ما اقتفينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

وأنزلن سكينة علينا

إنا إذا صيح بنا أتينا

صياح عولوا علينا

وبالوإن أرادوا فتنة أبينا


فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا السائق " ؟ قالوا : عامر . فقال " رحمه الله فقال رجل من القوم : وجبت يا رسول الله لولا أمتعتنا به . قال فأتينا خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ثم إن الله تعالى فتح عليهم فلما أمسوا أوقدوا نيرانا كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذه النيران على أي شيء توقدون ؟ " قالوا : على لحم . قال " على أي لحم ؟ قالوا : على لحم حمر إنسية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أهريقوها واكسروها " فقال رجل يا رسول الله أونهريقها ونغسلها ؟ فقال " أو ذاك فلما تصاف القوم خرج مرحب يخطر بسيفه وهو يقول


قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب


إذا الحروب أقبلت تلهب


فنزل إليه عامر وهو يقول


قد علمت خيبر أني عامر

شاكي السلاح بطل مغامر


فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فذهب عامر يسفل له وكان سيف عامر فيه قصر فرجع عليه ذباب سيفه فأصاب عين ركبته فمات منه فقال سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم زعموا أن عامرا حبط عمله فقال كذب من قاله إن له أجرين وجمع بين أصبعيه إنه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله " .

إبن عبد ربه
29 -11- 2003, 04:43 PM
فصل [ الانصراف إلى وادي القرى ]




ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى وكان بها جماعة من

[ قتل مدعم عبد النبي صلى الله عليه وسلم وبيان أنه كان غالا]

اليهود وقد انضاف إليهم جماعة من العرب فلما نزلوا استقبلهم يهود بالرمي وهم على غير تعبئة فقتل مدعم عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس هنيئا له الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين فقال النبي صلى الله عليه وسلم شراك من نار أو شراكان من نار

[ فتح وادي القرى ]
[ مصالحة يهود تيماء النبي صلى الله عليه وسلم ]

[ إخراج عمر يهود خيبر وفدك من جزيرة العرب ]

فعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال وصفهم ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة وراية إلى الحباب بن المنذر وراية إلى سهل بن حنيف وراية إلى عباد بن بشر ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم وحسابهم على الله فبرز رجل منهم فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله ثم برز آخر فقتله ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله حتى قتل منهم أحد عشر رجلا كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام وكانت الصلاة تحضر ذلك اليوم فيصلي بأصحابه ثم يعود فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله فقاتلهم حتى أمسوا وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم وفتحها عنوة وغنمه الله أموالهم وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود وعاملهم عليها فلما بلغ يهود تيماء ما واطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر وفدك ووادي القرى صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاموا بأموالهم فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرج يهود خيبر وفدك ولم يخرج أهل تيماء

[ الرجوع إلى المدينة ]
ووادي القرى لأنهما داخلتان في أرض الشام ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز وأن ما وراء ذلك من الشام وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة .

[ نوم المسلمين عن الفجر ]
فلما كان ببعض الطريق سار ليله حتى إذا كان ببعض الطريق أدركهم الكرى عرس وقال لبلال : اكلأ لنا الليل [ فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر ] فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أي بلال " ؟ فقال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله فاقتادوا رواحلهم شيئا حتى خرجوا من ذلك الوادي ثم قال هذا واد به شيطان فلما جاوزه أمرهم أن ينزلوا وأن يتوضئوا ثم صلى سنة الفجر ثم أمر بلالا فأقام الصلاة وصلى بالناس ثم انصرف إليهم وقد رأى من فزعهم وقال يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقته ا ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأخبره بمثل ما أخبر به أبا بكر .

[ الاختلاف في زمن هذه القصة ]

وقد روي أن هذه القصة كانت في مرجعهم من الحديبية وروي أنها كانت في مرجعهم من غزوة تبوك وقد روى قصة النوم عن صلاة الصبح عمران بن حصين ولم يوقت مدتها ولا ذكر في أي غزوة كانت وكذلك رواها أبو قتادة كلاهما في قصة طويلة محفوظة .

وروى مالك عن زيد بن أسلم أن ذلك كان بطريق مكة وهذا مرسل .

وقد روى شعبة عن جامع بن شداد قال سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة قال سمعت عبد الله بن مسعود قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يكلؤنا ؟ فقال بلال أنا فذكر القصة .

لكن قد اضطربت الرواة في هذه القصة فقال عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن جامع إن الحارس فيها كان ابن مسعود وقال غندر عنه إن الحارس كان بلالا واضطربت الرواية في تاريخها فقال المعتمر بن سليمان : عن شعبة عنه إنها كانت في غزوة تبوك وقال غيره عنه إنها كانت في مرجعهم من الحديبية فدل على وهم وقع فيها ورواية الزهري عن سعيد سالمة من ذلك وبالله التوفيق .

إبن عبد ربه
29 -11- 2003, 04:46 PM
فصل في فقه هذه القصة



فيها : أن من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يستيقظ أو يذكرها .

[ السنن الرواتب تقضى ]

وفيها : أن السنن الرواتب تقضى كما تقضى الفرائض وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الفجر معها وقضى سنة الظهر وحدها وكان هديه صلى الله عليه وسلم قضاء السنن الرواتب مع الفرائض .

[ الفائتة يؤذن لها ويقام ]

وفيها : أن الفائتة يؤذن لها ويقام فإن في بعض طرق هذه القصة أنه أمر بلالا فنادى بالصلاة وفي بعضها فأمر بلالا فأذن وأقام ذكره أبو داود .

وفيها : قضاء الفائتة جماعة .

[ القضاء على الفور ]

وفيها : قضاؤها على الفور لقوله فليصلها إذا ذكرها وإنما أخرها عن مكان معرسهم قليلا لكونه مكانا فيه شيطان فارتحل منه إلى مكان خير منه وذلك لا يفوت المبادرة إلى القضاء فإنهم في شغل الصلاة وشأنها .

[ اجتناب الصلاة في أمكنة الشيطان ]

وفيها : تنبيه على اجتناب الصلاة في أمكنة الشيطان كالحمام والحش بطريق الأولى فإن هذه منازله التي يأوي إليها ويسكنها فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ترك المبادرة إلى الصلاة في ذلك الوادي وقال إن به شيطانا فما الظن بمأوى الشيطان وبيته .

فصل [ رد المهاجرين منائح الأنصار ]
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال ونخيل فكانت أم سليم - وهي أم أنس بن مالك - أعطت رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقا فأعطاهن أم أيمن مولاته وهي أم أسامة بن زيد فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سليم عذاقها وأعطى أم أيمن مكانهن من حائطه مكان كل عذق عشرة " .

فصل [السرايا بين مقدمه من خيبر إلى شوال ]
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد مقدمه من خيبر إلى شوال وبعث في خلال ذلك السرايا .

[سرية الصديق إلى بني فزارة ]
فمنها : " سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى نجد قبل بني فزارة ومعه سلمة بن الأكوع فوقع في سهمه جارية حسناء فاستوهبها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفادى بها أسرى من المسلمين كانوا بمكة " .

[سرية عمر نحو هوازن ]
ومنها : سرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ثلاثين راكبا نحو هوازن فجاءهم الخبر فهربوا وجاءوا محالهم فلم يلق منهم أحدا فانصرف راجعا إلى المدينة فقال له الدليل هل لك في جمع من خثعم جاءوا سائرين وقد أجدبت بلادهم ؟ فقال عمر لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ولم يعرض لهم .

[سرية ابن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي ]
ومنها : سرية عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكبا فيهم عبد الله بن أنيس إلى يسير بن رزام اليهودي فإنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجمع غطفان ليغزوه بهم فأتوه بخيبر فقالوا : أرسلنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعملك على خيبر فلم يزالوا - حتى تبعهم في ثلاثين رجلا مع كل رجل منهم رديف من المسلمين فلما بلغوا قرقرة نيار - وهي من خيبر على ستة أميال - ندم يسير فأهوى بيده إلى سيف عبد الله بن أنيس ففطن له عبد الله بن أنيس فزجر بعيره ثم اقتحم عن البعير يسوق القوم حتى إذا استمكن من يسير ضرب رجله فقطعها واقتحم يسير وفي يده مخرش من شوحط فضرب به وجه عبد الله فشجه مأمومة فانكفأ كل رجل من المسلمين على رديفه فقتله غير رجل من اليهود أعجزهم شدا ولم يصب من المسلمين أحد وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في شجة عبد الله بن أنيس فلم تقح ولم تؤذه حتى مات .

[سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بفدك ]
ومنها : سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بفدك في ثلاثين رجلا فخرج إليهم فلقي رعاء الشاء فاستاق الشاء والنعم ورجع إلى المدينة فأدركه الطلب عند الليل فباتوا يرمونهم بالنبل حتى فني نبل بشير وأصحابه فولى منهم من ولى وأصيب منهم من أصيب وقاتل بشير قتالا شديدا ورجع القوم بنعمهم وشائهم وتحامل بشير حتى انتهى إلى فدك فأقام عند يهود حتى برئت جراحه فرجع إلى المدينة .

[سرية أسامة إلى الحرقة من جهينة ]
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى الحرقة من جهينة وفيهم أسامة بن زيد فلما دنا منهم بعث الأمير الطلائع فلما رجعوا بخبرهم أقبل حتى إذا دنا منهم ليلا وقد احتلبوا وهدءوا قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وأن تطيعوني ولا تعصوني ولا تخالفوا أمري فإنه لا رأي لمن لا يطاع ثم رتبهم وقال يا فلان أنت وفلان ويا فلان أنت وفلان لا يفارق كل منكما صاحبه وزميله وإياكم أن يرجع أحد منكم فأقول أين صاحبك ؟ فيقول لا أدري فإذا كبرت فكبروا وجردوا السيوف ثم كبروا وحملوا حملة واحدة وأحاطوا بالقوم وأخذتهم سيوف الله فهم يضعونها منهم حيث شاءوا وشعارهم أمت أمت

[قتل أسامة رجلا قال لا إله إلا الله عندما لحمه بالسيف ]

وخرج أسامة في أثر رجل منهم يقال له مرداس بن نهيك فلما دنا منه ولحمه بالسيف قال لا إله إلا الله فقتله ثم استاقوا الشاء والنعم والذرية وكانت سهمانهم عشرة أبعرة لكل رجل أو عدلها من النعم فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بما صنع أسامة فكبر ذلك عليه وقال أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ فقال إنما قالها متعوذا قال فهلا شققت عن قلبه " ثم قال من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة فما زال يكرر ذلك عليه حتى تمنى أن يكون أسلم يومئذ وقال يا رسول الله أعطي الله عهدا ألا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدي فقال أسامة بعدك

إبن عبد ربه
30 -11- 2003, 06:15 PM
فصل في عمرة القضية



قال نافع كانت في ذي القعدة سنة سبع وقال سليمان التيمي : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر بعث السرايا وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة ثم نادى في الناس بالخروج .

قال موسى بن عقبة : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام المقبل من عام الحديبية معتمرا في ذي القعدة سنة سبع وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها الحجف والمجان والنبل والرماح ودخلوا بسلاح الراكب السيوف وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية فخطبها إليه فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب وكانت أختها أم الفضل تحته فزوجها العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه فقال اكشفوا عن المناكب واسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدهم وقوتهم .

وكان يكايدهم بكل ما استطاع فوقف أهل مكة : الرجال والنساء والصبيان ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت وعبد الله بن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتجز متوشحا بالسيف يقول


خلوا بني الكفار عن سبيله

قد أنزل الرحمن في تنزيله

في صحف تتلى على رسوله

يا رب إني مؤمن بقيله

إني رأيت الحق في قبوله

اليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله


وتغيب رجال من المشركين كراهية أن ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حنقا وغيظا فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا فلما أصبح من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة فصاح حويطب نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث فقال سعد بن عبادة : كذبت لا أم لك ليست بأرضك ولا أرض آبائك والله لا نخرج ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم حويطبا أو سهيلا فقال إني قد نكحت منكم امرأة فما يضركم أن أمكث حتى أدخل بها ونضع الطعام فنأكل وتأكلون معنا فقالوا : نناشدك الله والعقد إلا خرجت عنا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذن بالرحيل وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بطن سرف فأقام بها وخلف أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمسي فأقام حتى قدمت ميمونة ومن معها وقد لقوا أذى وعناء من سفهاء المشركين وصبيانهم بناؤه صلى الله عليه وسلم بميمونة بسرف فبنى بها بسرف ثم أدلج وسار حتى قدم المدينة وقدر الله أن يكون قبر ميمونة بسرف حيث بنى بها .

[فصل بيان خطإ من قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم ]
وأما قول ابن عباس : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال فمما استدرك عليه وعد من وهمه قال سعيد بن المسيب : ووهم ابن عباس وإن كانت خالته ما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما حل ذكره البخاري .

وقال يزيد بن الأصم عن ميمونة تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف رواه مسلم .

وقال أبو رافع تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت الرسول بينهما صح ذلك عنه . وقال سعيد بن المسيب : هذا عبد الله بن عباس يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم وإنما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وكان الحل والنكاح جميعا فشبه ذلك على الناس .

وقد قيل إنه تزوجها قبل أن يحرم وفي هذا نظر إلا أن يكون وكل في العقد عليها قبل إحرامه وأظن الشافعي ذكر ذلك قولا فالأقوال ثلاثة . أحدها : أنه تزوجها بعد حله من العمرة وهو قول ميمونة نفسها وقول السفير بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبو رافع وقول سعيد بن المسيب وجمهور أهل النقل .

والثاني : أنه تزوجها وهو محرم وهو قول ابن عباس وأهل الكوفة وجماعة .

والثالث أنه تزوجها قبل أن يحرم .

وقد حمل قول ابن عباس أنه تزوجها وهو محرم على أنه تزوجها في الشهر الحرام لا في حال الإحرام قالوا : ويقال أحرم الرجل إذا عقد الإحرام وأحرم إذا دخل في الشهر الحرام وإن كان حلالا بدليل قول الشاعر


قتلوا ابن عفان الخليفة محرما

ورعا فلم أر مثله مقتولا


وإنما قتلوه في المدينة حلالا في الشهر الحرام .

وقد روى مسلم في " صحيحه " من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب

ولو قدر تعارض القول والفعل ها هنا لوجب تقديم القول لأن الفعل موافق للبراءة الأصلية والقول ناقل عنها فيكون رافعا لحكم البراءة الأصلية وهذا موافق لقاعدة الأحكام ولو قدم الفعل لكان رافعا لموجب القول والقول رافع لموجب البراءة الأصلية فيلزم تغيير الحكم مرتين وهو خلاف قاعدة الأحكام والله أعلم .

إبن عبد ربه
30 -11- 2003, 06:22 PM
تنبيه ؟

أردت ان استفيد وأفيدكم ولكن لاحظت نقص في طرحي للمواضيع في هذا الكتاب القيم وتجاوزي لبعض المواضيع بالخطأ. ولكوني بشراً لست معصوماً من الخطأ او الزلل آثرت ان اضع لكم رابط الكتاب وانتم تقرأون منه ما شئتم


وهذا رابط الكتاب ( وسامحوني على التقصير )
http://sirah.al-islam.com/tree.asp?ID=1&t=book4


نظرة: حب: مشرق: