إبن عبد ربه
18 -10- 2003, 04:43 PM
أولاً: صلاة المسافر
الـوطـن
قبل أن نستعرض شروط سفر القصر، وأحكام المسافر، علينا أن نعرِّف الوطن، فما هو الوطن؟ - الوطن هو المكان الذي اتخذه الشخص للاستيطان فيه بشكل دائم بحيث لايُعد في نظر العرف أنه مسافر فيه، ولا فرق في ذلك أن يكون بلداً أو قرية أو غير ذلك، كما لا فرق أن يكون مسقط رأسه (أي مكان ميلاده) أم لا، وأن يكون مسكناً لوالديه أم لا، ولا بين أن يكون له ملك فيه أم لا.كما لا ضرورة لمرور وقت معين كثلاثة أو ستة أشهر على الإقامة في مكانٍ ما لكي يُعد وطناً للانسان، بل يمكن صدق الوطن بوقت قليل يقيم أثناءه فيه، بل حتى بقصد الاستيطان وتهيأة وسائـل الإقامـة مثل شراء أو استئجار البيت وتأثيثـه وتوفير الشروط القانونية للبقاء، وبشكل عام فإن المعيار هـو الصدق العرفي، فكلما صدق لدى العرف أن هذا المكان وطنه ترتبت الأحكام الشرعية المتعلقة بالوطـن عليه.2- ولأن صدق الوطـن والاستيطان أمر عرفي، فإنه قد يختلـف من شخص لآخر، فقد يصدق الاستيطان بالنسبة لشخص بعد إقامةٍ قصيرة، (شهر واحد مثلاً) كمن اشترى بيتاً خلال هذه الفترة ونقل عائلته وبدء بعمله التجاري في المكان الجديد، ورتَّبَ شؤونه القانونية قاصداً الإقامة، وقد لا يصدق الاستيطان لشخص آخر حتى بعد إقامة ستة شهور مثلاً، كمن لا يزال مردداً بين الإقامة في المكان الجديد وعدمها، ولا يزال يبحث عن سلبيات المكان وإيجابياته ولم يصل بعد إلى اتخاذ قرار نهائي، ولم يقم بأية بادرة تدل على عزمه على الإقامة والاستيطان.3- وبالإمكان أن يكون الشخص ذا وطنين أو أكثر، وذلك كمن يقيم نصف السنة في مكان، والنصف الآخر في مكان ثانٍ، وذلك لضرورات العمل والتجارة، أو تعدد الزوجات أو ما شاكل ذلك.4- وقد يتحقق الوطن بالتبعية، كالولد التابع لأبويه أو لأحدهما، فإن وطنهما يكون وطناً لـه بشرط عدم الاعراض عن الإقامة فيه بعد أن يُصبح مميزاً، وأن يبقى تابعاً لهما، فلو تبنّاه غيرهما إلى الأبد، أو أسره الظالمون، أو انفصل عنهما لأي سبب من الأسباب وسقطت التابعية، سقط حكم الوطن بالنسبة إليه، وعلى العموم كل تابع لغيره، وطنه وطن متبوعه سواء كان بالغاً أو غير بالغ، عاقلاً أو مجنوناً، كانت تبعيته شرعية أو ظالمة، والمعيار هو أن يُعتبر المكان وطناً له عُرفاً.5- إذا كان الولد البالغ تابعاً لوالديه، فاستوطنا مكاناً جديداً، فإن المكان الجديد لايُعد وطناً له الا مع قصده بنفسه ولو من خلال نيته اتباعهما في التوطن.6- ويسقط حكم الوطن عن الوطن الأصلي أو مكان الاستيطان المستجد بالإعراض عنه وتركه والعزم على عدم الإقامة فيه مستقبلاً بشكل دائم، سواء كان له ملك فيه أم لا.7- ولو ترك السُكنى في الوطن الأصلي، أو مكان الاستيطان المستجد دون الإعراض عنه (أي دون العزم على ترك الإقامة فيه أبداً فلربما عاود الإقامة إذا استوجبت الظروف) فإن حكم الوطن لا يسقط، بل يتم الصلاة ويصوم كلما مرَّ به.8- ويزول حكم التوطن بمجرد الإعراض والخروج من الوطن حتى ولو لم يتخذ بعدُ وطناً جديداً للسكن، فيمكن أن تمرّ عليه مدة طويلة دون ان يكون له وطن معين، وحينئذ قد يكون ممن بيته معه فيتم الصلاة في كل مكان، كما سنشير إليه فيما يأتي.
السـفــر :- - ويقوم المسلم -في الوطن أو فيما اُعتبر وطناً له- يقوم بوظائفه الشرعية كاملة من أداء الصلاة تماماً، والصوم، وحضور الجمعة والعيدين، واستحباب النوافل، وما شاكل، ولكن الإسلام شرَّع للمسافر - باعتبار ما يتحمله من العناء والمشقة - أحكاماً تسهيلية في بعض الإلتزامات العبادية، هي كالتالي:ألف ـ وجوب قصر الصلوات الرباعية (الظهر، والعصر، والعشاء) أي الاتيان بكل واحدة منها ركعتين فقط، وهذا الحكم إلزامي وليس إختيارياً الإ في بعض المواطن التي سنشير إليها.ب- سقوط الصوم الواجب وعدم صحته، وعدم صحة الصوم المستحب الا في بعض الموارد المستثناة.ج- سقوط الجمعة، ولكن لو صلاها المسافر أجزأته بدلاً عن الظهر.د- سقوط العيدين ( في حالة وجوبهما).هـ- سقوط نوافل الظهر والعصر، وأيضاً سقوط نافلة العشاء (الوُتَيْرة) على الأقوى.2- المسافر مُخيَّر بين القصر والتمام في أربعة مواضع:الف- المسجد الحرام.باء- المسجد النبوي.جيم- مسجد الكوفة وحرم الامام أمير المؤمنين (عليه السلام).دال- حرم الامام الحسين (عليه السلام).ولا يبعد أن يكون المدار في هذا التخيير هو: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والكوفة، وكربلاء المقدسة، وكذلك النجف الأشرف.والأظهر دخول ما توسّع به الحرمان، وكذلك النجف وكربلاء، في الحكم.3- يتحقق السفر الموجب للأحكام المذكورة بشروط ثمانية هي:الأول: قطع مسافة ثمانية فراسخ إمتدادية أو مُلفَّقة (ذهاباً وإياباً).الثاني: قصد طي هذه المسافة منذ بداية السفر.الثالث: استمرارية القصد.الرابع: عدم المرور بالوطن أو بموطن يقيم فيه عشرة أيام فصاعداً.الخامس: إباحة السفر.السادس: أن لا يكون ممن بيته معه.السابع: أن لا يكون السفر مهنته.الثامن: الوصول إلى حد الترخُّص.وسنذكر أحكام وتفاصيل هذه الشروط فيما يلي:
الأول: قطع المسافة المعتبرة :- - يجب أن لا تقل المسافة التي يقطعها المسافر عن ثمانيـة فراسخ(1) سـواء كانت امتداديــة (أي ثمانية فراسـخ في اتجاه واحد؛ ذهاباً أو إياباً) أو ملفَّقة (أربعة فراسخ ذهابـاً + أربعة فراسخ إيابـاً).2- إذا كانت المسافة ملفَّقة من الذهاب والإياب، وكان الذهاب أقل من أربعة فراسخ (كما لو كان طريق الذهاب ثلاثة فراسخ، وطريق العودة خمسة فراسخ) فالأحوط في هذه الحالة الجمع بين القصر والتمام.3- المقصود بالمسافة الملفَّقة هو أن يبلغ مجموع ذهاب واحد وإياب واحد ثمانية فراسخ، أما لو تردد عدة مرات ذهاباً وإياباً في مسافة قصيرة (كفرسخ واحد مثلاً) حتى أصبح المجموع ثمانية فراسخ لم يُعتبر سفراً ولا يجوز فيه القصر.4- وحسب الرأي الأقوى؛ لا يلزم أن يكون الذهاب والإياب (في المسافة الملفَّقة) خلال يوم واحد أو ليلةٍ واحدة، بل لو قصد منذ البداية العودة بعد أيام عديدة ( أقل من عشرة أيام) وجب عليه القصر، إلا إذا أقام عشرة أيام في المقصد، فإنه يتم في الطريق وفي محل الإقامة. والاحوط استحباباً الجمع بين القصر والتمام، وبين الصوم وقضائه، لو لم يعد في يومه أو ليلته.5- ليس ضرورياً تحري الدقة العقلية في تحقق المسافة، فلو صدق عليه عرفاً أنه قطع المسافة المعتبرة شرعاً كفى، ولا حاجة إلى المسح الدقيق، بحيث تكون الفراسخ الثمانية كاملة بالضبط دون نقص ولو يسير (كعشرة أمتار مثلاً).6- لو نقصت المسافة عن ثمانية فراسخ بشكل ملحوظ بحيث لم يصدق عليه عرفـاً أنه قطع المسافة المعتبرة شرعاً، أو شك فيها، لا يجوز القصر.7- لو شك في أنه هل يبلغ الطريق الذي يسلكه، المسافة المعتبرة أم لا؟ كان حكمه التمام على الأقوى، وكذا لو ظن أنها تبلغ مسافة، فما لم يبلغ ظنه درجة الاطمئنان لايقصر في الصلاة.8- تثبت المسافة المعتبرة في القصر بإحدى السبل التالية:ألف- العلم الحاصل من الاختبار والمسح الشخصي.باء- الشياع المفيد للعلم (أي الشهرة الكبيرة بين الناس بحيث تبعث على الاطمئنان).جيم- البينة الشرعية (شهادة عادلين).دال- العادل الواحد إذا كان قوله يورث الاطمئنان.هاء- العلامات المرورية التي تشير الى المسافات في الطرق إذا كانت مورد ثقة واطمئنان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عدّاد المسافات في وسائط النقل الحديثة.9- لدى الشك في تحقق المسافة يكفي الفحص بقدر ما يزيل الشك وهو الفحص العادي الذي يدعو إليه العقل والعرف.10- لو كان للمقصد طريقان أحدهما يبلغ مسافة القصر والآخر أقل من ذلك، فإن سلك الطريق الأطول (الذي يبلغ 8 فراسخ) قصَّر وإن سلك الطريق الأقصر (الذي يقل عن 8 فراسخ ) أتم.11- إذا كان للبلد سور - كالبلاد القديمة - فإن مبدأ إحتساب المسافة يكون سور البلد، وإن لم يكن لـه سور فمبدأ المحاسبة هو آخر البيوت أو المنشآت البلدية التي تُعتبر عرفاً ضمن البلد، هذا في المدن الصغيرة، والمتوسطة. أما في المدن الكبيرة جداً فاحتساب المسافة يبدء من حيث يعتبر عرفاً مسافراً وليس في بلده، كما إذا بدء رحلته من المطار او محطة القطار او وقع على الطريق السريع (اوتوستراد) او ما أشبه.12- أما نقطة النهاية في احتساب المسافة في المقصد، فهي الموقع الذي يقصده، وليس سور المدينة، أو بداية منشآتها، فلو كان مقصده سوقاً معينة مثلاً في وسط المدينة، فإن المسافة تُحتسب حتى الوصول إلى ذلك السوق.
الثاني: قصد المسافة :- - لكي تنطبق على المسافر أحكام السفر، ينبغي عليه أن يقصد قطع المسافــة المعتبرة (8 فراسخ) ذهاباً، أو ملفقاً بين الذهاب والعودة، منذ بدايـة السفر، فلو بدء السفر بهذا القصد والعزم وجب عليه القصر.2- ولو قصد أقل من المسافة المعتبرة، ولّما بلغها قصد مسافة أخرى بحيث يكون المجموع مسافة القصر، فالاحوط في هذه الصورة الجمع بين القصر والتمام إذا أكمل الفراسخ الثمانية.3- ولو كان - في هذه الصورة- مجموع المسافة التي قصدها من جديد إضافة إلى مسافة العودة يشكل 8 فراسخ فصاعداً، وكان عازماً على العود، قصَّر.4- مَنْ لم يدرِ كم هي المسافة التي يقطعها؛ كمن ينشد ضالة، أو يتعقب هدفاً غير محدد، أو يلاحق صيداً وما أشبه ذلك، لا يقصّر في ذهابه، أما في العودة، فإن كان طريقه يبلغ ثمانية فراسخ فصاعداً، وجب عليه القصر.5- لو خرج قاصداً السفر بمقدار المسافة المعتبرة ولكن بشرط الحصول في الطريق على أصدقاء يشاركونه الرحلة، أو علَّق مواصلة السفر على حصول أمرٍ ما، فإنه لا يقصِّر أيضاً، إلاّ إذا كان يطلب أصدقاء الطريق أو يتوقع الأمر المطلوب بعد قطع أربعة فراسخ، فيقصِّر، إذ يكون بذلك قاصداً المسافة المعتبرة.6- مع توفر قصد المسافة والعزم على السفر، لا يُعتبر قطع المسافة بشكل متواصل، بل بإمكانه قطع المسافة المعتبرة ولو في عدة أيام، بل لو قطع في كل يوم شيئاً يسيراً جداً من الطريق وذلك للتنزه والترفيه، أو البحث العلمي أو ما شاكل، قصَّر أيضاً مادام يصدق السفر عليه عرفاً، ويبدء بالقصر بمجرد الوصول إلى حد الترخص، أما لو شك في صدق السفر على رحلته البطيئة فإنه يتم، والاحتياط الجمع بين القصر والتمام.7- لا يلزم أن يكون مستقلاً في قصد المسافة، فلو كان تابعاً في سفرٍ يقطع فيه المسافـة المعتبـــرة، كالزوجة تتبع زوجها، أو الخادم يتبع مخدومه، أو السجين والأسير، وما شاكل فإنهم يقصرون إذا كانوا يعلمون بأنهم سيقطعون المسافة.8- ولو لم يعلم التابع بالمسافة، فإنه يستمر على التمام. أما لو ظهر بعد ذلك أنه على المسافة المعتبرة فإنه يقصر رأساً، لأن قصده تابع لقصد متبوعه.9- ويجب إحتياطاً على التابع الذي لا يعلم مقدار المسافة الاستعلام من المتبوع، كما يجب احتياطاً على المتبوع إخباره بمقدار المسافة المقصودة.10- إذا علم التابع لغيره أو ظن بانه سيفارق المتبوع قبل بلوغ أربعة فراسخ، يجب عليه أن يتم الصلاة، أما لو شك في ذلك فالظاهر وجوب القصر عليه.
الثالث: استمرار القصد :- كما ينبغي قصد المسافة منذ البدء، كذلك ينبغي إستمرار هذا القصد، فإذا عدل المسافر عن قصده أثناء الطريق وقبل أن يقطع أربعة فراسخ، أو تردد في ذلك فإنه يتم صلاته، لأن هذا العدول يُعتبر إخلالاً بسفر القصر.وإليك بعض تفاصيل المسألة:1- المطلوب هنا هو إستمرار قصد السفر والمسافة بشكل عام وليس إستمرار نية المقصد الواحد، فلو سافر قاصداً المدينة المنورة مثلاً، وفي الطريق غيَّر وجهته إلى مكة المكرمة فلا يضر باستمرارية القصد.وكذلك لو خرج قاصداً السفر وقطع المسافة بشكل عام ودون تحديد المقصد بل أوكل تعيين المقصد إلى الوصول عند مفترق الطرق.2- لو عدل عن مواصلة السفر بعد قطع أربعة فراسخ، ولكنه قرر البقاء هناك وعدم العود، أو تردد بين البقاء والعود، أو قرر العود بعد عشرة أيام من الإقامة هناك، فإنه يتم صلاته في جميع هذه الصور.3- لو عدل عن مواصلة السفر بعد قطع أربعة فراسخ وكان عازماً على العود دون نية الإقامة عشرة أيام، فإنه يقصِّر، سواء كان ينوي العود في نفس اليوم أو بعد عدة أيام تقل عن العشرة.4- لو خرج مسافراً وعازماً على قطع المسافة المعتبرة، ثم تردد في أثناء الطريق في مواصلة السفر، ولكنه سرعان ما عاد وقرر المواصلة مرة أخرى دون أن يقطع شيئاً من الطريق في حالة التردد، فإن كان الباقي من الطريق يشكل مسافة القصر ولو ملفقة مع العودة بقي على القصر، وكذلك لو كان الباقي بالإضافة إلى ما قبل التردد يشكلان معاً مسافة القصر، وإن كان الاحتياط المستحب في هذه الصورة الجمع بين القصر والتمام.5- ولو تردد في مواصلة السفر في أثناء الطريق، وسار قليلاً وهو في حالة التردد، ثم عزم على مواصلة السفر وإكمال المسافة المعتبرة، فإن كان ما بقي مسافة ولو بالإضافة إلى طريق العودة يقصِّر، وإلاّ احتاط بالجمع بين القصر والتمام.6- وإذا مضى خمسة فراسخ ثم تردد ومشى فرسخاً ثم نوى المسافة ومشى ثلاثة فراسخ فالأقوى انه يقصر والاحتياط بالجمع مستحبي.7- إذا صلى قصراً في الطريق قبل العدول عن قصد المسافة، فإنه لا يعيدها بعد العدول.
الرابع: عدم المرور بالوطن :- ينبغي أن لا يكون المسافر قاصداً منذ بداية السفر أو في أثناء الطريق، المرور بوطنه أو الإقامة عشرة أيام في موضع معين قبل قطع ثمانية فراسخ، فمن كان كذلك كان حكمه التمام؛ لأن الإقامة عشرة أيام تقطع حكم السفر، كما إن المرور بالوطن يسقط حكمه أيضاً.فرعـان:الأول: مَنْ لم يعرف هل سيمر بوطنه أثناء السفر قبل قطع ثمانية فراسخ أم لا؟ أو هل سيقيم عشرة أيام في مكانٍ ما كذلك أم لا؟. عليه أن يتم صلاته.الثاني: مَنْ كان منذ بداية سفره أو في أثنائه عازماً على المرور بوطنه أو الإقامة عشرة أيام قبل قطع ثمانية فراسخ أو كان متردداً في ذلك، ثم عدل عن هذا القصد أو التردد إلى الجزم بعدم الأمرين، فإن كان الباقي بعد العدول مسافة كاملة لوحده، أو بالتلفيق مع العودة قصَّر، وإن لم يكن كذلك بل كان مجموع المسافة منذ بداية السفر ثمانية فراسخ فعليه الجمع احتياطاً.
الخامس: إباحة السفر :- - ينبغي أن لا يكون السفر حراماً أو بهدف ارتكاب عمل محرم، إذ في هذه الصورة عليه أن يتم الصلاة. وإليك بعض مصاديق وأمثلة السفر الحرام أو سفر المعصية:ألف- إذا كان السفر ذاته حراماً، كالسفر المضر بالإنسان ضرراً بالغاً، أو سفر الولد مع نهي الوالدين إذا كان مخالفتهما يؤذيهما ويؤدِّي إلى عقوقهما، أو السفر بهدف الفرار من الزحف (حسبما هو مفصّل في كتاب الجهاد).باء- إذا كان الهدف من السفر محرّماً، كمن يسافر لقتل نفس محترمة، أو للزنا، أو السرقة، أو الاستيلاء على أموال الآخرين دون حق، أو إيذاء الناس، أو إعانة الظالم.جيم- السفر لصيد اللهو يجب التمام فيه، أما لو كان الصيد بهدف الاسترزاق والحصــول علـــى قوته وقوت عياله أو للتجارة قصَّر، ولا فرق في مسألة الصيد بين صيد البر أو البحر.2- السفر للاستجمام والراحة والترفيه عن النفس والعائلة، إن لم يكن بهدف إرتكاب محرم، مباحٌ وليس بحرام، وعليه القصر في صلاته.3- مَنْ لم يكن سفره حراماً، ولم يكن لأجل إرتكاب عمل محرم، ولكن وقع منه الحرام أثناء السفر كاغتياب مؤمن، أو اغتصاب مال، أو عقد صفقة تجارية محرمة، أو شرب خمر، أو لعب قمار، أو حضور مجالس المجون والخلاعة، أو مشاهدة الأفلام الخلاعية المحرمة، وما شاكل ذلك مما لم يكـن هدفـاً للسفر، قصَّر في صلاته، وإن كان عاصياً بارتكاب تلك المحرمات وعليه الاستغفار منها.4- إذا كان ترك الواجب هدفاً أساسياً لسفره ( كما لو سافر لأجل التهرب من دفع دَيْن حان وقته ويطالب به الدائن وهو قادر على تسديده) فالاحوط الجمع بين القصر والتمام. أما إذا كان سفره يؤدي إلى ترك واجب دون أن يكون هدفه ذلك، قصَّر.5- إذا كان السفر بذاته مباحاً، وكان الهدف منه مباحاً أيضاً، إلاّ أن وسيلة النقل التي سافر بها (كالسيارة، أو الطائرة، أو القطار، أو البغال، والجمال..) كانت مغصوبة، أو مشى أثناء السفر في طريق مغصوب فالأقوى فيه القصر، وإن كان الأحوط الجمع.6- مَنْ سافر بصحبة الظالم ( سواء كان حاكماً أو غيره) فإذا كان مضطراً للسفر، أو كان هدفه دفع مظلمة أو تصحيح وضع منحرف، أو المنع من وقوع انحرافات ومفاسد معينة، أو غير ذلك من الأهداف السليمة والراجحة، فإنه يقصِّر، أما إذا لم يكن مضطراً، وكان سفره يُعد إعانة للظالم، فإنه يتم صلاته بغض النظر عن حقيقة سفر الظالم وهدفه ولو كان في سفر الحج، فإن مصاحبة الظالم تكون عادة تأييداً له.7- أما العائد من سفر المعصية، فإن كان بعد التوبة من معصيته، فالإحتياط الوجوبي هو الجمع بين القصر والتمام، وإن لم يكن قد تاب إلى الله بعد، فلا يبعد وجوب التمام عليه، ولكن الاحوط استحباباً بالجمع.8- كما أن إباحة السفر شرط في ابتداء السفر، كذلك ينبغي استمراريتها:الف: فلو كان سفره في البدء مباحاً، ولكنه قصد المعصية في الأثناء بحيث أصبح سفره سفر معصية وحرام، وجب عليه التمام.باء: ولو كان هدفه المعصية في بداية السفر، ولكنه عدل عن نية المعصية في أثناء الطريق، فإن كان الباقي من السفر بمقدار مسافة القصر ولو بالإضافة إلى طريق العودة، قصَّر في صلاته.أما لو لم يكن الباقي مسافة فالأحوط الجمع بين القصر والتمام، وإن كان الأقوى القصر إذا كان المجموع يشكل مسافة.9- لو كان هدف السفر ملفَّقاً من الطاعة والمعصية (كمن يسافر لزيارة الأرحام وارتكاب معصية، أو للدراسة وارتكاب محرَّم ) فهنا صور ثلاث:ألف: أن تكون المعصية هي الهدف الأساسي والطاعة هدفاً فرعياً فلا إشكال هنا في وجوب التمام وعدم القصر.باء: أن تكون الطاعة هدفاً مستقلاً والمعصية هدفاً تابعاً، فالاحوط هنا الجمع.جيم: أن تكون الطاعة والمعصية معاً هدفاً مشتركاً بحيث لولا اجتماعهما لم يسافر فلا يبعد هنا وجوب التمام، وإن كان الجمع احوط.
السادس: أن لا يكون ممن بيته معه :- - أن لا يكون ممن لا مسكن معيناً لهم كالبدو الرُحَّل الذين لا يقطنون مكاناً خاصاً، بل يرتحلون هنا وهناك بحثاً عن الكلأ والماء والمرعى وبيوتهم معهم، فعلى هؤلاء التمام في كل رحلاتهم وتنقلاتهم مهما طالت المسافات، لعدم صدق السفر والمسافر عليهم، وكذلك السائح مدى حياته الذي لم يتخذ لنفسه وطناً.2- لو سافر هؤلاء لمقصد آخر غير البحث عن الكلأ والماء، كالسفر للحج والزيارة، ولم تكن بيوتهم وامتعتهم معهم (أي خرجوا عن الإطار العادي لحياتهم المتنقلة) قصَّروا.3- ولو سافر أحدهم لاختيار منزل أو لطلب محل إجتماع المياه والعشب، وقطع المسافة المعتبرة، فإن سافر مع بيته وأمتعته أتم، وإن سافر وحده قصَّر، والاحتياط حسن بالجمع.
.................................................. ......................>>> يتبع >>>>>>>>
الـوطـن
قبل أن نستعرض شروط سفر القصر، وأحكام المسافر، علينا أن نعرِّف الوطن، فما هو الوطن؟ - الوطن هو المكان الذي اتخذه الشخص للاستيطان فيه بشكل دائم بحيث لايُعد في نظر العرف أنه مسافر فيه، ولا فرق في ذلك أن يكون بلداً أو قرية أو غير ذلك، كما لا فرق أن يكون مسقط رأسه (أي مكان ميلاده) أم لا، وأن يكون مسكناً لوالديه أم لا، ولا بين أن يكون له ملك فيه أم لا.كما لا ضرورة لمرور وقت معين كثلاثة أو ستة أشهر على الإقامة في مكانٍ ما لكي يُعد وطناً للانسان، بل يمكن صدق الوطن بوقت قليل يقيم أثناءه فيه، بل حتى بقصد الاستيطان وتهيأة وسائـل الإقامـة مثل شراء أو استئجار البيت وتأثيثـه وتوفير الشروط القانونية للبقاء، وبشكل عام فإن المعيار هـو الصدق العرفي، فكلما صدق لدى العرف أن هذا المكان وطنه ترتبت الأحكام الشرعية المتعلقة بالوطـن عليه.2- ولأن صدق الوطـن والاستيطان أمر عرفي، فإنه قد يختلـف من شخص لآخر، فقد يصدق الاستيطان بالنسبة لشخص بعد إقامةٍ قصيرة، (شهر واحد مثلاً) كمن اشترى بيتاً خلال هذه الفترة ونقل عائلته وبدء بعمله التجاري في المكان الجديد، ورتَّبَ شؤونه القانونية قاصداً الإقامة، وقد لا يصدق الاستيطان لشخص آخر حتى بعد إقامة ستة شهور مثلاً، كمن لا يزال مردداً بين الإقامة في المكان الجديد وعدمها، ولا يزال يبحث عن سلبيات المكان وإيجابياته ولم يصل بعد إلى اتخاذ قرار نهائي، ولم يقم بأية بادرة تدل على عزمه على الإقامة والاستيطان.3- وبالإمكان أن يكون الشخص ذا وطنين أو أكثر، وذلك كمن يقيم نصف السنة في مكان، والنصف الآخر في مكان ثانٍ، وذلك لضرورات العمل والتجارة، أو تعدد الزوجات أو ما شاكل ذلك.4- وقد يتحقق الوطن بالتبعية، كالولد التابع لأبويه أو لأحدهما، فإن وطنهما يكون وطناً لـه بشرط عدم الاعراض عن الإقامة فيه بعد أن يُصبح مميزاً، وأن يبقى تابعاً لهما، فلو تبنّاه غيرهما إلى الأبد، أو أسره الظالمون، أو انفصل عنهما لأي سبب من الأسباب وسقطت التابعية، سقط حكم الوطن بالنسبة إليه، وعلى العموم كل تابع لغيره، وطنه وطن متبوعه سواء كان بالغاً أو غير بالغ، عاقلاً أو مجنوناً، كانت تبعيته شرعية أو ظالمة، والمعيار هو أن يُعتبر المكان وطناً له عُرفاً.5- إذا كان الولد البالغ تابعاً لوالديه، فاستوطنا مكاناً جديداً، فإن المكان الجديد لايُعد وطناً له الا مع قصده بنفسه ولو من خلال نيته اتباعهما في التوطن.6- ويسقط حكم الوطن عن الوطن الأصلي أو مكان الاستيطان المستجد بالإعراض عنه وتركه والعزم على عدم الإقامة فيه مستقبلاً بشكل دائم، سواء كان له ملك فيه أم لا.7- ولو ترك السُكنى في الوطن الأصلي، أو مكان الاستيطان المستجد دون الإعراض عنه (أي دون العزم على ترك الإقامة فيه أبداً فلربما عاود الإقامة إذا استوجبت الظروف) فإن حكم الوطن لا يسقط، بل يتم الصلاة ويصوم كلما مرَّ به.8- ويزول حكم التوطن بمجرد الإعراض والخروج من الوطن حتى ولو لم يتخذ بعدُ وطناً جديداً للسكن، فيمكن أن تمرّ عليه مدة طويلة دون ان يكون له وطن معين، وحينئذ قد يكون ممن بيته معه فيتم الصلاة في كل مكان، كما سنشير إليه فيما يأتي.
السـفــر :- - ويقوم المسلم -في الوطن أو فيما اُعتبر وطناً له- يقوم بوظائفه الشرعية كاملة من أداء الصلاة تماماً، والصوم، وحضور الجمعة والعيدين، واستحباب النوافل، وما شاكل، ولكن الإسلام شرَّع للمسافر - باعتبار ما يتحمله من العناء والمشقة - أحكاماً تسهيلية في بعض الإلتزامات العبادية، هي كالتالي:ألف ـ وجوب قصر الصلوات الرباعية (الظهر، والعصر، والعشاء) أي الاتيان بكل واحدة منها ركعتين فقط، وهذا الحكم إلزامي وليس إختيارياً الإ في بعض المواطن التي سنشير إليها.ب- سقوط الصوم الواجب وعدم صحته، وعدم صحة الصوم المستحب الا في بعض الموارد المستثناة.ج- سقوط الجمعة، ولكن لو صلاها المسافر أجزأته بدلاً عن الظهر.د- سقوط العيدين ( في حالة وجوبهما).هـ- سقوط نوافل الظهر والعصر، وأيضاً سقوط نافلة العشاء (الوُتَيْرة) على الأقوى.2- المسافر مُخيَّر بين القصر والتمام في أربعة مواضع:الف- المسجد الحرام.باء- المسجد النبوي.جيم- مسجد الكوفة وحرم الامام أمير المؤمنين (عليه السلام).دال- حرم الامام الحسين (عليه السلام).ولا يبعد أن يكون المدار في هذا التخيير هو: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والكوفة، وكربلاء المقدسة، وكذلك النجف الأشرف.والأظهر دخول ما توسّع به الحرمان، وكذلك النجف وكربلاء، في الحكم.3- يتحقق السفر الموجب للأحكام المذكورة بشروط ثمانية هي:الأول: قطع مسافة ثمانية فراسخ إمتدادية أو مُلفَّقة (ذهاباً وإياباً).الثاني: قصد طي هذه المسافة منذ بداية السفر.الثالث: استمرارية القصد.الرابع: عدم المرور بالوطن أو بموطن يقيم فيه عشرة أيام فصاعداً.الخامس: إباحة السفر.السادس: أن لا يكون ممن بيته معه.السابع: أن لا يكون السفر مهنته.الثامن: الوصول إلى حد الترخُّص.وسنذكر أحكام وتفاصيل هذه الشروط فيما يلي:
الأول: قطع المسافة المعتبرة :- - يجب أن لا تقل المسافة التي يقطعها المسافر عن ثمانيـة فراسخ(1) سـواء كانت امتداديــة (أي ثمانية فراسـخ في اتجاه واحد؛ ذهاباً أو إياباً) أو ملفَّقة (أربعة فراسخ ذهابـاً + أربعة فراسخ إيابـاً).2- إذا كانت المسافة ملفَّقة من الذهاب والإياب، وكان الذهاب أقل من أربعة فراسخ (كما لو كان طريق الذهاب ثلاثة فراسخ، وطريق العودة خمسة فراسخ) فالأحوط في هذه الحالة الجمع بين القصر والتمام.3- المقصود بالمسافة الملفَّقة هو أن يبلغ مجموع ذهاب واحد وإياب واحد ثمانية فراسخ، أما لو تردد عدة مرات ذهاباً وإياباً في مسافة قصيرة (كفرسخ واحد مثلاً) حتى أصبح المجموع ثمانية فراسخ لم يُعتبر سفراً ولا يجوز فيه القصر.4- وحسب الرأي الأقوى؛ لا يلزم أن يكون الذهاب والإياب (في المسافة الملفَّقة) خلال يوم واحد أو ليلةٍ واحدة، بل لو قصد منذ البداية العودة بعد أيام عديدة ( أقل من عشرة أيام) وجب عليه القصر، إلا إذا أقام عشرة أيام في المقصد، فإنه يتم في الطريق وفي محل الإقامة. والاحوط استحباباً الجمع بين القصر والتمام، وبين الصوم وقضائه، لو لم يعد في يومه أو ليلته.5- ليس ضرورياً تحري الدقة العقلية في تحقق المسافة، فلو صدق عليه عرفاً أنه قطع المسافة المعتبرة شرعاً كفى، ولا حاجة إلى المسح الدقيق، بحيث تكون الفراسخ الثمانية كاملة بالضبط دون نقص ولو يسير (كعشرة أمتار مثلاً).6- لو نقصت المسافة عن ثمانية فراسخ بشكل ملحوظ بحيث لم يصدق عليه عرفـاً أنه قطع المسافة المعتبرة شرعاً، أو شك فيها، لا يجوز القصر.7- لو شك في أنه هل يبلغ الطريق الذي يسلكه، المسافة المعتبرة أم لا؟ كان حكمه التمام على الأقوى، وكذا لو ظن أنها تبلغ مسافة، فما لم يبلغ ظنه درجة الاطمئنان لايقصر في الصلاة.8- تثبت المسافة المعتبرة في القصر بإحدى السبل التالية:ألف- العلم الحاصل من الاختبار والمسح الشخصي.باء- الشياع المفيد للعلم (أي الشهرة الكبيرة بين الناس بحيث تبعث على الاطمئنان).جيم- البينة الشرعية (شهادة عادلين).دال- العادل الواحد إذا كان قوله يورث الاطمئنان.هاء- العلامات المرورية التي تشير الى المسافات في الطرق إذا كانت مورد ثقة واطمئنان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عدّاد المسافات في وسائط النقل الحديثة.9- لدى الشك في تحقق المسافة يكفي الفحص بقدر ما يزيل الشك وهو الفحص العادي الذي يدعو إليه العقل والعرف.10- لو كان للمقصد طريقان أحدهما يبلغ مسافة القصر والآخر أقل من ذلك، فإن سلك الطريق الأطول (الذي يبلغ 8 فراسخ) قصَّر وإن سلك الطريق الأقصر (الذي يقل عن 8 فراسخ ) أتم.11- إذا كان للبلد سور - كالبلاد القديمة - فإن مبدأ إحتساب المسافة يكون سور البلد، وإن لم يكن لـه سور فمبدأ المحاسبة هو آخر البيوت أو المنشآت البلدية التي تُعتبر عرفاً ضمن البلد، هذا في المدن الصغيرة، والمتوسطة. أما في المدن الكبيرة جداً فاحتساب المسافة يبدء من حيث يعتبر عرفاً مسافراً وليس في بلده، كما إذا بدء رحلته من المطار او محطة القطار او وقع على الطريق السريع (اوتوستراد) او ما أشبه.12- أما نقطة النهاية في احتساب المسافة في المقصد، فهي الموقع الذي يقصده، وليس سور المدينة، أو بداية منشآتها، فلو كان مقصده سوقاً معينة مثلاً في وسط المدينة، فإن المسافة تُحتسب حتى الوصول إلى ذلك السوق.
الثاني: قصد المسافة :- - لكي تنطبق على المسافر أحكام السفر، ينبغي عليه أن يقصد قطع المسافــة المعتبرة (8 فراسخ) ذهاباً، أو ملفقاً بين الذهاب والعودة، منذ بدايـة السفر، فلو بدء السفر بهذا القصد والعزم وجب عليه القصر.2- ولو قصد أقل من المسافة المعتبرة، ولّما بلغها قصد مسافة أخرى بحيث يكون المجموع مسافة القصر، فالاحوط في هذه الصورة الجمع بين القصر والتمام إذا أكمل الفراسخ الثمانية.3- ولو كان - في هذه الصورة- مجموع المسافة التي قصدها من جديد إضافة إلى مسافة العودة يشكل 8 فراسخ فصاعداً، وكان عازماً على العود، قصَّر.4- مَنْ لم يدرِ كم هي المسافة التي يقطعها؛ كمن ينشد ضالة، أو يتعقب هدفاً غير محدد، أو يلاحق صيداً وما أشبه ذلك، لا يقصّر في ذهابه، أما في العودة، فإن كان طريقه يبلغ ثمانية فراسخ فصاعداً، وجب عليه القصر.5- لو خرج قاصداً السفر بمقدار المسافة المعتبرة ولكن بشرط الحصول في الطريق على أصدقاء يشاركونه الرحلة، أو علَّق مواصلة السفر على حصول أمرٍ ما، فإنه لا يقصِّر أيضاً، إلاّ إذا كان يطلب أصدقاء الطريق أو يتوقع الأمر المطلوب بعد قطع أربعة فراسخ، فيقصِّر، إذ يكون بذلك قاصداً المسافة المعتبرة.6- مع توفر قصد المسافة والعزم على السفر، لا يُعتبر قطع المسافة بشكل متواصل، بل بإمكانه قطع المسافة المعتبرة ولو في عدة أيام، بل لو قطع في كل يوم شيئاً يسيراً جداً من الطريق وذلك للتنزه والترفيه، أو البحث العلمي أو ما شاكل، قصَّر أيضاً مادام يصدق السفر عليه عرفاً، ويبدء بالقصر بمجرد الوصول إلى حد الترخص، أما لو شك في صدق السفر على رحلته البطيئة فإنه يتم، والاحتياط الجمع بين القصر والتمام.7- لا يلزم أن يكون مستقلاً في قصد المسافة، فلو كان تابعاً في سفرٍ يقطع فيه المسافـة المعتبـــرة، كالزوجة تتبع زوجها، أو الخادم يتبع مخدومه، أو السجين والأسير، وما شاكل فإنهم يقصرون إذا كانوا يعلمون بأنهم سيقطعون المسافة.8- ولو لم يعلم التابع بالمسافة، فإنه يستمر على التمام. أما لو ظهر بعد ذلك أنه على المسافة المعتبرة فإنه يقصر رأساً، لأن قصده تابع لقصد متبوعه.9- ويجب إحتياطاً على التابع الذي لا يعلم مقدار المسافة الاستعلام من المتبوع، كما يجب احتياطاً على المتبوع إخباره بمقدار المسافة المقصودة.10- إذا علم التابع لغيره أو ظن بانه سيفارق المتبوع قبل بلوغ أربعة فراسخ، يجب عليه أن يتم الصلاة، أما لو شك في ذلك فالظاهر وجوب القصر عليه.
الثالث: استمرار القصد :- كما ينبغي قصد المسافة منذ البدء، كذلك ينبغي إستمرار هذا القصد، فإذا عدل المسافر عن قصده أثناء الطريق وقبل أن يقطع أربعة فراسخ، أو تردد في ذلك فإنه يتم صلاته، لأن هذا العدول يُعتبر إخلالاً بسفر القصر.وإليك بعض تفاصيل المسألة:1- المطلوب هنا هو إستمرار قصد السفر والمسافة بشكل عام وليس إستمرار نية المقصد الواحد، فلو سافر قاصداً المدينة المنورة مثلاً، وفي الطريق غيَّر وجهته إلى مكة المكرمة فلا يضر باستمرارية القصد.وكذلك لو خرج قاصداً السفر وقطع المسافة بشكل عام ودون تحديد المقصد بل أوكل تعيين المقصد إلى الوصول عند مفترق الطرق.2- لو عدل عن مواصلة السفر بعد قطع أربعة فراسخ، ولكنه قرر البقاء هناك وعدم العود، أو تردد بين البقاء والعود، أو قرر العود بعد عشرة أيام من الإقامة هناك، فإنه يتم صلاته في جميع هذه الصور.3- لو عدل عن مواصلة السفر بعد قطع أربعة فراسخ وكان عازماً على العود دون نية الإقامة عشرة أيام، فإنه يقصِّر، سواء كان ينوي العود في نفس اليوم أو بعد عدة أيام تقل عن العشرة.4- لو خرج مسافراً وعازماً على قطع المسافة المعتبرة، ثم تردد في أثناء الطريق في مواصلة السفر، ولكنه سرعان ما عاد وقرر المواصلة مرة أخرى دون أن يقطع شيئاً من الطريق في حالة التردد، فإن كان الباقي من الطريق يشكل مسافة القصر ولو ملفقة مع العودة بقي على القصر، وكذلك لو كان الباقي بالإضافة إلى ما قبل التردد يشكلان معاً مسافة القصر، وإن كان الاحتياط المستحب في هذه الصورة الجمع بين القصر والتمام.5- ولو تردد في مواصلة السفر في أثناء الطريق، وسار قليلاً وهو في حالة التردد، ثم عزم على مواصلة السفر وإكمال المسافة المعتبرة، فإن كان ما بقي مسافة ولو بالإضافة إلى طريق العودة يقصِّر، وإلاّ احتاط بالجمع بين القصر والتمام.6- وإذا مضى خمسة فراسخ ثم تردد ومشى فرسخاً ثم نوى المسافة ومشى ثلاثة فراسخ فالأقوى انه يقصر والاحتياط بالجمع مستحبي.7- إذا صلى قصراً في الطريق قبل العدول عن قصد المسافة، فإنه لا يعيدها بعد العدول.
الرابع: عدم المرور بالوطن :- ينبغي أن لا يكون المسافر قاصداً منذ بداية السفر أو في أثناء الطريق، المرور بوطنه أو الإقامة عشرة أيام في موضع معين قبل قطع ثمانية فراسخ، فمن كان كذلك كان حكمه التمام؛ لأن الإقامة عشرة أيام تقطع حكم السفر، كما إن المرور بالوطن يسقط حكمه أيضاً.فرعـان:الأول: مَنْ لم يعرف هل سيمر بوطنه أثناء السفر قبل قطع ثمانية فراسخ أم لا؟ أو هل سيقيم عشرة أيام في مكانٍ ما كذلك أم لا؟. عليه أن يتم صلاته.الثاني: مَنْ كان منذ بداية سفره أو في أثنائه عازماً على المرور بوطنه أو الإقامة عشرة أيام قبل قطع ثمانية فراسخ أو كان متردداً في ذلك، ثم عدل عن هذا القصد أو التردد إلى الجزم بعدم الأمرين، فإن كان الباقي بعد العدول مسافة كاملة لوحده، أو بالتلفيق مع العودة قصَّر، وإن لم يكن كذلك بل كان مجموع المسافة منذ بداية السفر ثمانية فراسخ فعليه الجمع احتياطاً.
الخامس: إباحة السفر :- - ينبغي أن لا يكون السفر حراماً أو بهدف ارتكاب عمل محرم، إذ في هذه الصورة عليه أن يتم الصلاة. وإليك بعض مصاديق وأمثلة السفر الحرام أو سفر المعصية:ألف- إذا كان السفر ذاته حراماً، كالسفر المضر بالإنسان ضرراً بالغاً، أو سفر الولد مع نهي الوالدين إذا كان مخالفتهما يؤذيهما ويؤدِّي إلى عقوقهما، أو السفر بهدف الفرار من الزحف (حسبما هو مفصّل في كتاب الجهاد).باء- إذا كان الهدف من السفر محرّماً، كمن يسافر لقتل نفس محترمة، أو للزنا، أو السرقة، أو الاستيلاء على أموال الآخرين دون حق، أو إيذاء الناس، أو إعانة الظالم.جيم- السفر لصيد اللهو يجب التمام فيه، أما لو كان الصيد بهدف الاسترزاق والحصــول علـــى قوته وقوت عياله أو للتجارة قصَّر، ولا فرق في مسألة الصيد بين صيد البر أو البحر.2- السفر للاستجمام والراحة والترفيه عن النفس والعائلة، إن لم يكن بهدف إرتكاب محرم، مباحٌ وليس بحرام، وعليه القصر في صلاته.3- مَنْ لم يكن سفره حراماً، ولم يكن لأجل إرتكاب عمل محرم، ولكن وقع منه الحرام أثناء السفر كاغتياب مؤمن، أو اغتصاب مال، أو عقد صفقة تجارية محرمة، أو شرب خمر، أو لعب قمار، أو حضور مجالس المجون والخلاعة، أو مشاهدة الأفلام الخلاعية المحرمة، وما شاكل ذلك مما لم يكـن هدفـاً للسفر، قصَّر في صلاته، وإن كان عاصياً بارتكاب تلك المحرمات وعليه الاستغفار منها.4- إذا كان ترك الواجب هدفاً أساسياً لسفره ( كما لو سافر لأجل التهرب من دفع دَيْن حان وقته ويطالب به الدائن وهو قادر على تسديده) فالاحوط الجمع بين القصر والتمام. أما إذا كان سفره يؤدي إلى ترك واجب دون أن يكون هدفه ذلك، قصَّر.5- إذا كان السفر بذاته مباحاً، وكان الهدف منه مباحاً أيضاً، إلاّ أن وسيلة النقل التي سافر بها (كالسيارة، أو الطائرة، أو القطار، أو البغال، والجمال..) كانت مغصوبة، أو مشى أثناء السفر في طريق مغصوب فالأقوى فيه القصر، وإن كان الأحوط الجمع.6- مَنْ سافر بصحبة الظالم ( سواء كان حاكماً أو غيره) فإذا كان مضطراً للسفر، أو كان هدفه دفع مظلمة أو تصحيح وضع منحرف، أو المنع من وقوع انحرافات ومفاسد معينة، أو غير ذلك من الأهداف السليمة والراجحة، فإنه يقصِّر، أما إذا لم يكن مضطراً، وكان سفره يُعد إعانة للظالم، فإنه يتم صلاته بغض النظر عن حقيقة سفر الظالم وهدفه ولو كان في سفر الحج، فإن مصاحبة الظالم تكون عادة تأييداً له.7- أما العائد من سفر المعصية، فإن كان بعد التوبة من معصيته، فالإحتياط الوجوبي هو الجمع بين القصر والتمام، وإن لم يكن قد تاب إلى الله بعد، فلا يبعد وجوب التمام عليه، ولكن الاحوط استحباباً بالجمع.8- كما أن إباحة السفر شرط في ابتداء السفر، كذلك ينبغي استمراريتها:الف: فلو كان سفره في البدء مباحاً، ولكنه قصد المعصية في الأثناء بحيث أصبح سفره سفر معصية وحرام، وجب عليه التمام.باء: ولو كان هدفه المعصية في بداية السفر، ولكنه عدل عن نية المعصية في أثناء الطريق، فإن كان الباقي من السفر بمقدار مسافة القصر ولو بالإضافة إلى طريق العودة، قصَّر في صلاته.أما لو لم يكن الباقي مسافة فالأحوط الجمع بين القصر والتمام، وإن كان الأقوى القصر إذا كان المجموع يشكل مسافة.9- لو كان هدف السفر ملفَّقاً من الطاعة والمعصية (كمن يسافر لزيارة الأرحام وارتكاب معصية، أو للدراسة وارتكاب محرَّم ) فهنا صور ثلاث:ألف: أن تكون المعصية هي الهدف الأساسي والطاعة هدفاً فرعياً فلا إشكال هنا في وجوب التمام وعدم القصر.باء: أن تكون الطاعة هدفاً مستقلاً والمعصية هدفاً تابعاً، فالاحوط هنا الجمع.جيم: أن تكون الطاعة والمعصية معاً هدفاً مشتركاً بحيث لولا اجتماعهما لم يسافر فلا يبعد هنا وجوب التمام، وإن كان الجمع احوط.
السادس: أن لا يكون ممن بيته معه :- - أن لا يكون ممن لا مسكن معيناً لهم كالبدو الرُحَّل الذين لا يقطنون مكاناً خاصاً، بل يرتحلون هنا وهناك بحثاً عن الكلأ والماء والمرعى وبيوتهم معهم، فعلى هؤلاء التمام في كل رحلاتهم وتنقلاتهم مهما طالت المسافات، لعدم صدق السفر والمسافر عليهم، وكذلك السائح مدى حياته الذي لم يتخذ لنفسه وطناً.2- لو سافر هؤلاء لمقصد آخر غير البحث عن الكلأ والماء، كالسفر للحج والزيارة، ولم تكن بيوتهم وامتعتهم معهم (أي خرجوا عن الإطار العادي لحياتهم المتنقلة) قصَّروا.3- ولو سافر أحدهم لاختيار منزل أو لطلب محل إجتماع المياه والعشب، وقطع المسافة المعتبرة، فإن سافر مع بيته وأمتعته أتم، وإن سافر وحده قصَّر، والاحتياط حسن بالجمع.
.................................................. ......................>>> يتبع >>>>>>>>