المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصيدة "تــــــــوغل"



إسماعيل مهجري
16 -01- 2006, 10:34 PM
قراءة في قصيدة "تــــــــوغل" للشاعر.. إبراهيم الحملي
بقلم / إسماعيل أحمدالمهجري إبراهيم شاعر حريص على أن يخلق لنفسه نفساً شعرياً خاصاً لايترك فيه أي أثر لغيره عليه يدرك هذا القارئ المتمعن في شعره وبالذات في نصوصه الأخيرة والتي منها هذا النص والذي المح فيه روح التجديد والخروج عن المألوف ليس في الشكل فحسب بل على مستوى الصورة والمضمون أيضاً .
عنوان النص (توغل ) يومئ إلى الجو النفسي الذي يلف النص ، التوغل / مغامرة ومن يخض مغامرة يصاحبه غير قليل من القلق والتوتر والمغامر من شأنه أن يكتشف حقائق وهو يغامر بحثاً عن نتيجة ربما تكون موجعة قاسية يتألم لها وكأن (توغل ) أعني العنوان يحدد لنا ماهية المشاعر والعواطف التي ينطق بها النص .إذ تنحو القصيدة في معظمها منحى التساؤلات الباعثة والكاشفة لزخم كبير من الأسى ، وهذا ما جعل القصيدة تنساب من أولها إلى آخرها في جو من الرقة الشعرية ممزوجة بإشعاعات الحزن والهدوء الكئيب الذي يبعث في نفس القارئ شعورا مماثلا وإحساسا عميقا بمدى الحيرة والقلق اللذين تختلج بهما نفس الشاعر ويدلك على هذا انتهاء كل مقطع بباء ساكنة مسبوقة بمد تفرض عليك الوقوف للتأمل والتفكر .تكرار صيغ الاستفهام ( والاستفهام يزلزل يقين الاشياء)وهو دليل القلق.لشاعر يستثمر أسلوب الخطاب للآخر وما الآخر إلا ذاته المنقسمة على نفسها وهو قريب من أسلوب التجريد المألوف في مستهل القصائد التراثية حين يجرد الشاعر من ذاته شخصاً يخاطبه. النزعة الدينية بارزة في النص على نحو ملحوظ تتجلى في ظاهرة التناص القرآني كقول: (....في صراعات ماء مهين )وكقوله : (هل لمحت بوجه " التدارك "غير النكوصْ ) تناص مع قوله تعالى : ( فكنتم على أَعقابكم تَنْكِصُون )أيضاً تتجلى في قاموس الشاعر (تبتل ـ مثواك ـ النكوص ـ الروح ـ ارتياب ـ الهدى ـ الذنوب ـ المآب ـ ظلمات ـ تغشتك) وما إلى ذلك من مفردات قرآنية وظفها الشاعر في خدمة موضوع النص كذلك بعض الحقائق والمفاهيم الدينية مثل فوق كتفيه ـ الأمر في نبضه .
حان وقت التبتل
فاشرح نوياك للأرض
لا تستخر في مقامك إلا الترابْ
استهل الشاعر القصيدة بفعل ماضي( حان) تلاه فعل أمر (اشرح) الماضي يبعث ويحرض والأمر يبدو ردة فعل طبيعية يستجيب لتداعيات وينفعل بها .
التبتل / تكفير لخطيئة انساق إليه الشاعر عبر التأمل وتحت ضغط الحالة النفسية إذ من الواضح أن الشاعر قد عاش أزمة عاصفة سدت أمامه كل الطرق إلا الطريق المؤدي إلى الله .(نوايا) مفردها نية وجمعه لها يشير إلى أن هناك ثمة نوايا سابقة هذه النوايا هي جذوة الإيمان في نفس المسلم التي تخبو ولكنها لا تنطفئ تشتعل هذه الجذوة فتحمل الإنسان المنقطع إلى رحاب الله ،تقوي صلته بخالقه .النوايا توضح للأرض منها خلق وإليها مآله.(منها خلقناكم وفيها نعيدكم)وعلاقة الإنسان بالأرض قديمة .يقول الشاعر الجاهلي :
والأرض معقلنا وكانت أمنا
فيها مقابرنا وفيها نولد
يتوحد الإنسان بالأرض وتتوحد الأرض به لذا فهو ينهى أن يستخير إلا مرادفها التراب إيماناً منه بالمصير المحتوم فالأرض /التراب ،تذكرانه بالنهاية الحتمية لكل مخلوق واستخارته للتراب يزيد من همته في الإقلاع عن الذنب ولأن التراب سينهال عليه بعد موته.
أُحب أن أشير إلى الجو النفسي الذي تخلّفه جملة (لا تستخر في مقامك إلا التراب) من إحساس بالعظمة وشعور بالعلو والرفعة وما نلمحه من ثبات وقوة في الشخصية .
هل تفحصتَ مثواك ؟!
هل ثقفت بدربك ( كم ومتى (
تسألان عن الروح ؟
هل لمحت بوجه " التدارك
"غير النكوصْ
تقرير جاء في صورة ثلاثة استفهامات ، يستبعد وينفي فيها أن يكون قد تأمل مثواه ومصيره المحتوم أو سبق أن حذق كم من الذنوب ارتكب ومتى سيقلع وينيب إلى الله كما أنه كلما هم بالتدارك والرجوع عاد للذنب مرة أخرى .
وفي خضم هذه التساؤلات والانفعالات النفسية المتصارعة يأتي لوصف حالته فهو:
فاغرٌ موحشٌ
سُدّ من دونه كل بابْ
سادرٌ في ارتيابْ.مذعور ، مندهش ،قلبه موحش لا أنس فيه سدت أمامه كل السبل ، تائه ، متشكك يكاد يعلن إفلاسه ويفقد الأمل من انصلاح حاله .كنتَ أقحمته في صراعات ماء مهين/تتجلى الصراحة ومواجهة الذات بالحقيقة التي القت به في التوتر والضياع وما كان السبب وراء هذه الخطيئة التي تكفيرها التبتل ؟ .
ماء مهين / تعبير قرآني مقتبس يبدو أن الشاعر استخدمه كإشارة للجنس الآخر على شكل ( اتهام داخلي ) وكدلالة على ضعفه وضعف ذلك الآخر أمام ( الصراع ) " صراعات ماءٍ مهينْ " .
في قوله (أقحمته ) دلاله على الصراع والتردد وعدم الروية التي صاحبته في دخول هذه الصراعات مع ماء مهين لا يكافئه ولا يليق به أن يدخل في صراع معه .وأن ما أقحمه لا يفقه مكانته العظيمة ..ليس يفقه عرشكَ/
إحساس بالعلو واعتزاز كبير بالنفس في استخدامه لكلمة (عرشك )فالعرش سرير الملك (وعرش الشيء سقفه والسقف يعلو كل شيء)
يحمله فوق كتفيه/ إشارة إلى الملكين كاتب الخير /الحسنات ومدون الشر / السيئات ..(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) .
يختتم الشاعر المقطع باستفهامات تأتي كنتيجة حتمية لحالة الريبة والقلق المسيطرة عليه فيتعجب من نفسه و ينكر عليها أن تظل على هذه الحالة وكأن الهدى قد أعرض عنها وانقطع إلى غير رجعة أو كأن الذنوب نامت فتطامنت واستمرت في غيها .
ليس للفجر يا سيد الوقت وقتْ
ليس للشمس آن
يستخدم الشاعر أسلوب النفي..فاللحظة التي سينبلج فيها الفجر والشمس التي سينقشع بها الظلام ويشرق نور الهداية ليس لها وقت محدد.فالشاعر يحث نفسه على استغلال الوقت .. ..
تعتريك الدياجير
يبصقُ في ظلمات هواك الضياء
وينفذُ عطر ظنونكَ من حاجز القلب
إنه مهما بلغت غفلة النفس ومهما وصلت إليه من شرور وتيهان ..ومهما بلغ تحجم العقل با لانشغال والقلق فإنها تبقى في ذرات ومكونات لإنسان بذرة الخير ونسمات تعبق بالقدسية والطهارة يشرق من خلالها نور الايمان ..
لنتأمل التشخيص في قوله : يبصقُ في ظلمات هواك الضياء.
الشاعر يشخص من الضياء شخصا ً يبصق النور على وجه الإهانة والاستخفاف لسأمه منه ..
أسلوب التقابل بين ( ظلمات ـــ الضياء ) جاء به الشاعر (لإظهار براعته الشعرية) ..
في مواجهة إهانة واستخفاف الضياء به يبين الشاعر في تصوير جميل / نواياه الحسنه. ( وينفذُ عطر ظنونكَ من حاجز القلب) فنوايـاه طيبة وحسنة الرائحة كالعـطر.
هل لك الأمر في نبضه
هل وهل .. ألف هلْ
يستخدم أسلوب الاستفهام الإنكاري فهو حائر متألم والسبب لأنه يرتمي في الغي والضلال مع علمه أنه لا يملك نبض قلبه حالة ذعر ورهبة شديدة من الموت فهو يخاف أن يتخطفه قبل أن يبدأ في تبتله إذ لا يدري متى يباغته الأجل فينطفئ قلبه وهو لا يزال على هذه الحالة ..ويدعو إلى آلاف من الأسئلة عن حياته التي لا يعلمها إلا الخالق تأتي هذه الاستفهامات للتأمل والتفكر كخطوة نحو الاقتراب من الذات والعودة بها إلى رحاب الله .
أم تُرى ذبلت
في بوارك يا صاحبي زهرة
للعتابْ
وهكذا تنتهي القصيدة نهاية يبدو لي أنها متشائمة فزهرة العتاب يخشى الشاعر أنها ذبلت من كثرة الذنوب والآثام وما ما يعتري الشاعر أو من يتحدث عنه من نكوص كلما همَّ بتدارك الخطـــأ ..

إسماعيل مهجري
16 -01- 2006, 10:39 PM
النص
توغـــل


حان وقت التبتل
فاشرح نواياك للأرض
لا تستخر في مقامك
إلا الترابْ

هل تفحصتَ مثواك ؟!
هل ثقفت بدربك ( كم ومتى )
تسألان عن الروح ؟
هل لمحت بوجه " التدارك "
غير النكوصْ
فاغرٌ موحشٌ
سُدّ من دونه
كل بابْ !

سادرٌ في ارتيابْ
كنتَ أقحمته في صراعات ماء مهينْ
ليس يفقه عرشكَ
يحمله فوق كتفيه
فوق فطرته
ما يظنك يا صاحبي !
هل طواك الهدى ؟
هل رأيت الذنوب غفتْ ؟
هل تغشتك روح المآبْ ؟

ليس للفجر يا سيد الوقت وقتْ
ليس للشمس آنْ
تعتريك الدياجير
يبصقُ في ظلمات هواك الضياء
وينفذُ عطر ظنونكَ من حاجز القلب
هل لك الأمر في نبضه
هل وهل .. ألف هل
أم تُرى ذبلت
في بوارك يا صاحبي زهرة
للعتابْ

حسن الصميلي
24 -01- 2006, 11:43 AM
أحسنت ووفقت ياصاحبي


وجدير ما كتبت أن يقرأ



لكن ألا يحتمل أن يكون رمز بالماء المهين أيضا إلى الجنس البشري
وصراعات أخرى ؟!


وينفذ عطر ظنونك من حاجز القلب


ماأجمل هذا وأدفأه





شكرا لكما

عسيريه
24 -01- 2006, 01:11 PM
ساقول هنا نفس الذي قلته هناك


الاخ اسماعيل مهجري
عفوا .. اخي ساكون صريحة
انت كناقد لاغبار عليك من خلال ماقرأت ..ولكني ساكون صريحة
القصيده قوية كقصيدة والشاعر متميز...اوكي:
لكن هذه القصيدة .. لاتخلو من الكفر البواح!!:redhot:
لماذا ملت بتحليلك عندما وصلت الى
:سادرٌ في ارتيابْ
كنتَ أقحمته في صراعات ماء مهينْ
ليس يفقه عرشكَ
يحمله فوق كتفيه
فوق فطرته>>
> من هذه النطفة خلقتني ياربي
وحملتني فوق طاقتي ووهبتني عقلا حددت قدراته وطالبتني بان اجعله
يستوعب تلك العظمه!!! استغفر الله العظيم اليس الله باعدل العادلين!!!!
... امر مخيف ان نصل لهذه الدرجه...

عبدالله الحملي
25 -01- 2006, 09:39 PM
هنا تظهر الإنابة


حان وقت التبتل
فاشرح نواياك للأرض
لا تستخر في مقامك
إلا الترابْ




الأخت عسيرية وهنا يظهر القنوط
سادرٌ في ارتيابْ
كنتَ أقحمته في صراعات ماء مهينْ
ليس يفقه عرشكَ
يحمله فوق كتفيه
فوق فطرته>>



إن كان ((توغل )) هي آخر ماكتبها الشاعر فذلك سينعكس على جميع كتاباته .

وإن كانت تلك محطه توقف بها الشاعر فلا شك بأنها من اسوأ ماقد مر عليه من محطات.
ليس بها كفرا بواحا وإنما تلك أسمى درجات الروحانيه ودونها النكوص .

هل تفحصتَ مثواك ؟!
هل ثقفت بدربك ( كم ومتى تسألان عن الروح ؟
وقد ارتقىالشاعر ولامس تلك السويعات الروحانيه عائدا اأئبا الى مافُطر عليه

ليس للفجر يا سيد الوقت وقتْ
ليس للشمس آنْ

إسماعيل مهجري
01 -02- 2006, 05:40 AM
أخي حسن الصميلي
ثمة إنســان ..تغرس فيه القصيدة ألف إحســاس ..تبني له عوالم أزلية الـتكوين ينتظر طويلا عند أطـرافها المخملية المشبعة بالمـطر ودفق الروح من ثم يكون التداخـل والتفاعل بالكـتابة وتختلف الرؤى باخــتلاف القارئ .
والمعنى كما يقول الغذامي غادر بطن الشاعر إلى بطن القاريء..غمزة:


شـــــــكراً للطفك وكـــرمك ..
استحسانك يمنحني الكـــثير ..
ود

أحمد عكور
03 -02- 2006, 10:31 PM
أستاذ إسماعيل

سعادتي وإعجابي

لا يوصفان

برؤية نقدية إبداعية

كهذه النظرات الفنية

التي ينبعث من كواها

شعاع الفكر ..

تحية شامخة...

إسماعيل مهجري
09 -02- 2006, 11:24 PM
ساقول هنا نفس الذي قلته هناك


الاخ اسماعيل مهجري
عفوا .. اخي ساكون صريحة
انت كناقد لاغبار عليك من خلال ماقرأت ..ولكني ساكون صريحة
القصيده قوية كقصيدة والشاعر متميز...اوكي:
لكن هذه القصيدة .. لاتخلو من الكفر البواح!!:redhot:
لماذا ملت بتحليلك عندما وصلت الى
:سادرٌ في ارتيابْ
كنتَ أقحمته في صراعات ماء مهينْ
ليس يفقه عرشكَ
يحمله فوق كتفيه
فوق فطرته>>
> من هذه النطفة خلقتني ياربي
وحملتني فوق طاقتي ووهبتني عقلا حددت قدراته وطالبتني بان اجعله
يستوعب تلك العظمه!!! استغفر الله العظيم اليس الله باعدل العادلين!!!!
... امر مخيف ان نصل لهذه الدرجه...

الأخت الفاضلة عسيرية مرحباً بهطولك ....وبعد في ظني أن القارئ الحاذق والمسؤول ليس مرغمًا على المراهنة على ما كان يدور في خلد الشاعر عندما كتب هذا البيت .ثم إن البحث عن مقاصد الشاعر لا علاقة له بالنقد الأدبي إذ كما يقول (ومسات وبيردسلي) "أن الموقف القصدي هو مغالطة رومانسية ،لا تماسك لها إلا في إطار الاعتقاد بأن الشعر يجب تناوله بوصفه فيض روح نبيلة." وقبل هذا وبده ليس في النص م يشير إلى ماذهبت إليه مع احترامي لرأيك ،والله اعلم ومن وراء القصد.
أشكر لك الحضور وعباراتك الجميلة لي وللنص وقائله .
وافـــــــرالحب والتقدير .والاختلاف يؤكد الحياة .

حسين صميلي
11 -02- 2006, 05:53 PM
أخي اسماعيل مهجري :

سعدت كغيري بالمرور على قراءتك النقدية ...
وإن كنت تسير في قراءاتك على غرار المدرسة النقدية الحديثة
والتي تحاول أن تصل إلى أعماق الكاتب أو الشاعر ..
فتخرج له بعض الصور والأفكار التي ربما لم تخطر على ذهن صاحب النص ...!!
مع إعجابي في الوقوف على كثير من الدلالات النحوية والبلاغية
وتوضيفها توضيفا جيدا يخدم اللون الجمالي للنص

وقد قد حظيت بالاستماع لك عن كثب ذات مساء ...
وكنت في قراءة نقدية لديوان الشاعر حسن الصلهبي ...
وسواء اتفقنا في وجهات النظر أو اختلفنا ..

فإن النقد عملية فنية تقوم أساسا على التذوق للنص ...

ولا ضير فالإستعانة بأدواة المدرسة الحديثة ..

لكن الإغراق فيها إلى حد التخيل يوهن القراءة ..

شاكرا لك ابداعاتك الجميلة ..

وتقبل تحياتي ..

إسماعيل مهجري
18 -02- 2006, 03:59 PM
هنا تظهر الإنابة


حان وقت التبتل
فاشرح نواياك للأرض
لا تستخر في مقامك
إلا الترابْ




الأخت عسيرية وهنا يظهر القنوط
سادرٌ في ارتيابْ
كنتَ أقحمته في صراعات ماء مهينْ
ليس يفقه عرشكَ
يحمله فوق كتفيه
فوق فطرته>>



إن كان ((توغل )) هي آخر ماكتبها الشاعر فذلك سينعكس على جميع كتاباته .

وإن كانت تلك محطه توقف بها الشاعر فلا شك بأنها من اسوأ ماقد مر عليه من محطات.
ليس بها كفرا بواحا وإنما تلك أسمى درجات الروحانيه ودونها النكوص .

هل تفحصتَ مثواك ؟!
هل ثقفت بدربك ( كم ومتى تسألان عن الروح ؟
وقد ارتقىالشاعر ولامس تلك السويعات الروحانيه عائدا اأئبا الى مافُطر عليه

ليس للفجر يا سيد الوقت وقتْ
ليس للشمس آنْ

مرحباً عكام ..
أشكر حضورك المثمر .
تقبلني صديقاً..