المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : توماس أديسون



ابومحمدالحدادي
09 -11- 2014, 04:04 PM
توماس أديسون

كانت ساحات بيوت الأغنياء تضاء بالمصابيح القوسية الساطعة، والتي يصحب تشغيلها حدوث ضجيج وانبعاث دخان غير ملائمين على الإطلاق للاستخدام في الحجرات الصغيرة .. لم يكن ثمن هذه المصابيح رخيصاً ليملكها الفقراء ، بل كانت بيوتهم مظلمة متلونة بلون المساء ، قد طووا كتبهم التي شغلوا بقراءتها منتظرين شمس فجر جديد ، لكن ما أن تأتي هذه الشمس ليهرعوا إلى تلك الكتب حتى يصم آذانهم جرس العمل منادياً حيّ على العمل .. حيّ على العمل ، فيتركون هذه الكتب في قبورها ، مودعيها بقلبٍ عاشق وأنفاسٍ مشتاقة ، فما أن ينتهي العمل وينتهوا من طعامهم إلا وقد ودعتهم الشمس بضيائها ، كم أذكر سعادة هؤلاء الناس بتلك الليالي المقمرة التي آنسهم القمر بنوره ، فأنار لهم شطراً من لياليهم وأنار لهم صفحات من تلك الكتب الغابرة.




هناك وفي مساءٍ حالك على تلك الربوة المرتفعة ، وقف أديسون يراقب المدينة المظلمة وهو يحلم باختراع يضيئها، مصباح ذو ضوء معتدل وهادئ وآمن ، ليكون للكبير وللصغير رخيص الثمن للغني والفقير ، كان هذا حُلماً يتردد على أديسون كل مساء .. حُلماً يشغله عن صفاء ليلته وهدوئها.. حلماً ينام معه على وسادته.




وفي يوم دخل أديسون على صديقيه ( فارمر) و ( والاس ) فوجدهما يشعلان مصباح القوس الكهربائي ، فقال فارمر : لقد جئت في الوقت المناسب يا أديسون .. هيا اشترك معنا في الحديث عن هذه المشكلة ، مشكلة أضواء القوس الكهربائي .. قال والاس: إن أضواء القوس الكهربائي كما تراها لامعة براقة ، أكثر مما ينبغي أن تكون .. ومثل هذه الأضواء المتوهجة لا تصلح إلا في إضاءة الميادين والساحات والفنارات .. لكنها لا تصلح لإضاءة المنازل على الإطلاق . فابتسم أديسون قائلا ً : هل فكرتما في الإضاءة باستعمال السلك الحراري ؟ فصاح صديقاه في صوت واحد :هذا مستحيل . فرد أديسون : لقد استطاع سير وليم جروث أن يجعل السلك يشتعل فصاح فارمر قائلا : لقد وضع سلكاً أما طرفي بطارية فلمع برهة ثم تفتت .. أهذا هو السلك الذي تنشده يا أديسون ، إنه لا يصلح للإضاءة التي نبغيها.

فابتسم أديسون قائلاً سأصنع لكما من هذا السلك الحراري مصباحاً يصلح لإضاءة المنازل والمكاتب .. فأعلن أديسون أمنيته وانبرى صديقاه يؤكدان له أنه لن يستطيع أن يصل إلى المصباح العادي من هذا الطريق .. واحتدم النقاش والجدل بينهم ، وانتقل ميدان الجدل إلى الصحف .. وقامت في وجه أديسون حملات نقد كبيرة، ولا سيما من أصحاب شركات الغاز الذين رأوا أن الاختراع الذي يتحدث عنه سوف يؤدي إلى كساد أسهم شركاتهم وتوقف مصانعهم ، لأن هذا يعني أن الناس سيستغنون عن الغاز الذي يستعملونه في الإضاءة و يستبدلونه بمصباح أديسون الكهربائي .. لا بد من قذف أديسون بكل أنواع التهم ، حتى لا يوجد من يمول مشروعه هذا ، مما يضطره إلى صرف النظر عنه بالكلية وتحطيم آماله وأحلامه ، فاتهم أديسون بالجهل والجنون ، واتُهِمَ بأنه يحلق في عالم الأحلام ، ووصفوه بأنه يُلقي القول جزافاً دون حكمةٍ أو روية ، حتى أصدقائه رفضوا مشاركته في النجاح.




وبدلاً من أن يرد أديسون على مثل هذه الحملات راح يواصل العمل ، ليلاً ونهاراً ، ويقول لمساعديه : إن أكبر مشكلة أمامنا هي العثور على سلك حراري يشتعل ويتوهج من غير أن يحترق ويتفتت .







على هذا الأساس جرّب أديسون وأعوانه كل المعادن واحداً بعد واحد ، وعماله لا يفارقون عملهم ، يأكلون على مناضدهم ، ومن خلفهم أديسون يشجعهم ويشد من أزرهم .. كانت الأسلاك التي يستخدمونها تحترق وتذوب و تتلاشى ، حتى دب ّ اليأس في قلوب مساعديه ، والعاملين معه ، وزاد الطين بله أن أقبل الممولون لمشروعه يهددونه بعدم الإنفاق على هذا المشروع .. ووجد أديسون أن كل من حوله قد فقد الأمل في تحقيق هذا الحلم الجميل .. ومع ذلك ظلّ أديسون مصمماً على أن يعثر على سلك حراري لا يحترق ولا يتفتت ولا يتلاشى مع درجات الحرارة العالية .




وفي أثناء ذلك العمل الدؤوب من أديسون ومعاونيه ، كان أديسون يبحث عن الممولين لمشروعه ، لأن مشروعه يحتاج إلى مال كثير لا ينقطع حتى يحقق حلمه أو أن يعلن فشله وفشل تجاربه . كان أديسون مؤمناً بنجاحه يوماً ما ، ولكنه لم يجد من التجار من يشاركه هذا الإيمان .. لقد خذله أكثر الناس ، فالتمس أديسون المال الضروري للاختراع من أحد أصحاب البنوك في نيويورك مستر مورجان ، وأكد أديسون لمورجان أن باستطاعته استكمال اختراع المصباح في ستة أسابيع ، فعمد مدير البنك عام 1878 إلى تأسيس شركة خاصة لتمويل أديسون ، وطرحت أسهم تلك الشركة في الأسواق ، وكان عددها 3000 سهم ، لكنها مُنيت بالكساد ، ولم يُبع منها سهم واحد ، عندئذ لجأ أديسون إلى الحيلة ، فأكد في تصريحاته الصحفية أنه استكمل وأنجز اختراع المصباح الكهربائي ، ولم تمض أيام قليلة على تلك التصريحات حتى بيعت أسهم الشركة الجديدة كلها ووضع ، مبلغ 50 ألف دولار في متناول المخترع أديسون.




ظل أديسون يجرب ويجرب بعزيمة لا تعرف الكلل أو الملل ، ولم يبرح معمله أسبوعين كاملين رغم قرب بيته من المعمل ، لقد كان يتناول طعامه من النافذة ، وكان يأكله واقفاً كعادته ، طار نومه أياماً أربعة بلياليها ، لقد أصبح بين خيار الموت أو النجاح .. لقد انتهى به المطاف إلى إدخال فتيل من الكربون في كرة زجاجية مفرغة من الهواء .. وعند

هذه اللحظة يكون أديسون قد أنفق أكثر من 100 ألف دولار - وهو مبلغ ضخم في أيامه - في صناعة المصباح الكهربائي.




في اليوم الموعود اجتمع أديسون ومساعدوه وعماله ليشاهدوا ما أسفرت عنه جهودهم الأخيرة .. وأدير التيار الكهربائي ، فتوهج فتيل الكربون وتعلقت أنظار الجميع بهذا المصباح في خوف وقلق من أن ينطفئ بعد هذا التوهج .. ومضت ساعة وساعتان والمصباح في توهجه واشتعاله ، وانقسم الحاضرون إلى فئتين : فئة تتوقع استمرار هذا التوهج والاشتعال ، وأخرى تتوقع أن ينطفئ هذا الضوء ، ولكن المصباح ظل متوهجاً مشتعلاً حتى الصباح .. مضت عشرون ساعة .. وثلاثون ساعة .. والكل يترقب هذا المصباح المضئ المشتعل.




وبعد انقضاء 36 ساعة .. حدث اهتزاز صغير ثم إظلام ، وعندئذ نهض أديسون واقفاً وهو يتمتم ويقول : الآن أستطيع أن أستريح قليلا ً .. وعاد أديسون يبحث عن فتيل أفضل ، حتى استطاع أن يجعل مصباحه يظل متوهجاً مشتعلا ً أكثر من 100 ساعة متصلة .




لقد قدم أديسون مصابيحه للعالم بإضاءة معامله الخاصة في ( منلوبارك ) بخمسمائة مصباح عام 1880 ، فكان ذلك حدثاً عظيماً ، وهرع الزوار من غسق الليل لمشاهدة معامله التي فتحت أبوابها وأخذوا يتأملون مصابيحه المتوهجة بإعجاب لا حد له ، وسُيّرت قطارات إضافية من نيويورك ، كما عبر المهندسون المحيط الأطلنطي من أوروبا لمشاهدة تلك الأعجوبة ، فسمّي أديسون بـ ساحر منلوبارك.




وفي هذه الأثناء استغل أديسون أمواله وشهرته في تشييد محطة ضخمة وسط نيويورك وأشترى موقعاً يطل على بيرل وانتقل إليه مع جماعة صغيرة من الفنيين ، وبنى ستة مولدات كبيرة للتيار المستمر مجموع طاقاتها 900حصان تُدار بواسطة البخار ، وحفرت أميالا عديدة في الشوارع والطرقات لمد الكابلات التي صممت وصنعت كذلك بواسطة أديسون ، ورُكبت الأسلاك الكهربائية في خمسة وثمانين مبنى لإضاءتها وشاهد أهل نيويورك في يوم 4 سبتمبر 1882 بداية عصر الكهرباء عندما بدأ 2323 مصباحاً التوهج بمجرد تحريك مفتاح توصيل في محطة قوى شارع بيرل .




وبحلول عام 1885 كان هناك ربع مليون من المصابيح تستخدم في الولايات المتحدة

خالد معافا
13 -11- 2014, 03:02 AM
بارك الله فيك

احب الليل
15 -11- 2014, 12:46 AM
بارك الله فيك ومشكوور اخوي..,,