المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أفٍّ لذنوب الخلوات!!



نسايم ليل
04 -10- 2015, 10:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( وفقه الله)، وهي بعنوان "أفٍّ لذنوب الخلوات!!"، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها



أفٍّ لذنوب الخلوات!!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الذي يخشى من نظر الناس إليه، ولا يبالي بنظر الباري سبحانه له،فيكثر من المعاصي والمنكرات في الخلوات،قد جعل الله جل َّجلاله أهون الناظرين إليه،قال تعالى (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول)[ النساء :108]
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"وهذا من ضعف الإيمان،ونقصان اليقين،أن تكون مخافة الخلق عندهم،أعظم من مخافة الله فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة،على عدم الفضيحة عند الناس،وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم،ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم،وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم،خصوصا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول".تفسير السعدي (ص200)
إن لذنوب الخلوات أيها الأحبة عواقب وخيمة وأخطارا جسيمة في الدنيا و الآخرة،إذا لم يبادر صاحبها بالتوبة و الرجوع إلى الله جلَّ وعلا،فمن أضرارها في الدنيا بُغض قلوب المؤمنين له و نفرة نفوسهم عنه،فعن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء-رضي الله عنه- قال:"حَذَرَ امْرُؤٌ أن تُبْغِضَهُ قلوبُ المؤمنِين من حيث لا يشعر"،ثم قال:"أتدري ما هذا؟" قلت:لا، قال:"العبدُ يخلو بمعاصي الله عز وجل، فَيُلْقِي الله بُغْضَهُ في قلوب المؤمنين من حيث لَا يَشْعُرُ".حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني(1/215)
وقال سليمان التيمي –رحمه الله-:"إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبحُ وعليه مذلَّته".التوبة لابن أبي الدنيا(ص330)
وقال ابن الجوزي-رحمه الله-:"ورأيت أقواماً من المنتسبين إلى العلم أهملوا نظر الحق عز وجل إليهم في الخلوات،فمحا محاسن ذكرهم في الجلوات،فكانوا موجودين كالمعدومين،لا حلاوة لرؤيتهم،ولا قلب يحن إلى لقائهم".صيد الخاطر(ص 43)
وأما في الآخرة فهو متوعد بعقاب أليم وعذاب شديد،فعن ثوْبان-رضي الله عنه-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا من أُمَّتِي يَأْتُونَ يوم الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا الله عز وجل هَبَاءً مَنْثُورًا" قال ثَوْبَانُ:يا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لنا جَلِّهِمْ لنا أَنْ لَا نَكُونَ منهم وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ؟!قال:"أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ من اللَّيْلِ كما تَأْخُذُونَ،وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إذا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا".رواه ابن ماجه(4245)،وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله-.
إن ذنوب الخلوات أيها الأحبة الكرام يمكن للمرء الحريص أن يتخلص منها بعون الله،وذلك ببذله للأسباب المعينة على ذلك بعد توفيق الباري سبحانه وتعالى له،ومن ذلك:
-أن يكثر من دعاء الباري سبحانه والتضرع إليه أن يصرف عنه الوقوع في الذنوب والمعاصي ويغرس في قلبه بغضها،فالدعاء أيها الأفاضل من أهم الوسائل المعينة على ذلك،إذا توفرت الشروط كصدق النية في الابتعاد عن الذنوب قال تعالى (ادعوني أستجب لكم)[غافر:60]
قال الإمام ابن كثير-رحمه الله-:"هذا من فضله تبارك وتعالى وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه،وتكفل لهم بالإِجابة".تفسير ابن كثير(7/153)
وقال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"هذا من لطفه بعباده،ونعمته العظيمة،حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة ،ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعد من استكبر عنها فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)أي:ذليلين حقيرين،يجتمع عليهم العذاب و الإهانة،جزاء على استكبارهم".تفسير السعدي(1/740)
-أن يجتنب المعاصي مهما كان حجمها، ويستحضر عند ارتكابها عِظم من يعصي،والوعيد الشديد الوارد في ارتكابها كما جاء في حديث ثوبان-رضي الله عنه- السابق.
- أن يتذكر عند قدرته على المعصية في السر وغياب أعين البشر عنه!أن هناك من يراه،ويعلم سره وجهره،لا يخفى عليه شيء مهما كان حجمه،فيستحي منه ويتقيه، ألا وهو رب العزة جل جلاله.
قال الشيخ السعدي –رحمه الله-:"هو الرقيب :أي المطلع على ما في القلوب،وما حوته العوالم من الأسرار والغيوب، المراقب لأعمال عباده على الدوام،الذي أحصى كل شيء،وأحاط بكل شيء،ولا يخفى عليه شيء وإن دق،الذي يعلم ما أسرته السرائر،من النيات الطيبة والإرادات الفاسدة".فتح الرحيم الملك العلام(ص 58)
ولقد أحسن من قال :
إذا ما خلوتَ الدَّهر يوما فلا تقل خلوتُ ولكن قُل عليَّ رقيبُ
ولا تـحسبن اللهَ يَغفل ساعــةً ولا أن ما يخفـى عليه يَغيبُ. روضة العقلاء لابن حبان(ص 26)
ويعلم ويتيقن أنه سبحانه لحلمه الكامل لم يُعاجله بالعقوبة مع قدرته على ذلك،وأن في إمهاله له فرصة للرجوع والتوبة.
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"وسبحان الحليم،الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة،بل يعافيهم ويرزقهم،كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم".تفسير السعدي(ص 790)
- أن يتفكر في مجيء الموت وهو في حال فعل المنكرات،وانتهاك الحرمات,فكيف سيقابل ربه عزَّ وجل يوم القيامة، ويعلم أن ذنوب الخلوات من أسباب سوء الخاتمة وأصل كل الانتكاسات،والعياذ بالله.
قال الإمام ابن رجب-رحمه الله-:"خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس،إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت". جامع العلوم والحكم (ص 57)
فما أحوجنا أيها الكرام أن نَصدق مع رب البريات ونصلح أنفسنا في الخلوات ونملأ قلوبنا بالخوف وتعظيم رب الأرض و السماوات،فالقلب ما دام معظما للباري سبحانه وموقرا له،فإنه يَظلُ عامرا بالإيمان واليقين،مبتعدا عن سائر المعاصي و المنكرات في الخلوات و الجلوات!التي هي مصدر كل شقاء وأصل كل بلاء و العياذ بالله.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا وإياكم وسائر المسلمين تقواه في السر والعلانية،ويجنبنا جميعا الذنوب والمحرمات الظاهرة والباطنة،فإن في ذلك بإذنه الله تعالى النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة،فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.



وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين





أبو عبد الله حمزة النايلي

النرجس الازرق
05 -10- 2015, 02:51 AM
يجزاك الجنه :h34:

أبوابراهيم
05 -10- 2015, 04:47 AM
الذنوب مهلكة نسأل الله العافية
موضوع جميل وهادف بارك الله فيك

الأغر
06 -10- 2015, 07:00 PM
جزاك الله خيرا اخيتي
دائما تطرجين المفيد
بوركت