أميرة الوله
27 -02- 2006, 07:23 PM
هذه القصة واقعية..أبطالها مازالو يعيشون على أرض الواقع
وأعترف أن السواد طالها في كثير من تفاصيلها!!
* * *
أتذكرها تلك الأيام..نعم..مازلت أذكرها وأذكر ملامحها جيداً..
أتذكر بيتنا..وإخوتي..أمي وأبي..وقريتنا الصغيرة
كل التفاصيل الدقيقة التي يستحيل لطفل في مثل عمري أن يتذكرها!!
أتذكر أبي الحنون الذي وهبني من قلبه أحر النبضات!!
وأمي التي أهدتني من صدرها أحلى الرضعات!!
أتذكر ( ليلى) ذات القلب المثقوب..و(نوره) ذات الأسنان المكسورة كما كانت تسميها جدتي
أتذكر إخواني.. أحمد..والبراء..وخالد…. ذلك الطفل الشقي الذي لا يكف عن تقليد الآخرين
كم مرة وبخه أبي على هذا السلوك الأرعن رغم صغر سنه..
كنت أنظر إلى بيتنا فأجده روضة من الحدائق الغناء..سعادة قلما يوجد مثلها في الدنيا
أسرة لا ينقصها شيء..ألفة ومحبة..وثراء..وأنا (محمد) طفلهم الأكبر المدلل..آه كم دللني أمي وأبي
لكن الأيام جعلتني أدفع الثمن باهظا جدا ..غاليا أكثر مما أتحمل!!
ترى من الذي سمح ليد الغدر أن تنهش جسدي المضنى؟؟
من أنبأ الأيام أن في القلب ثمة فرحِ لم تمسسه جروح الحوادث بعد؟؟
من الذي وأد فرحتي؟؟ من الذي دفن طفولتي وطفولة إخوتي؟؟ من...من..؟؟
أعطتني الأيام كل ماتمنيته.. كنت محسودا من قبل زملائي في المدرسة وحتى أصدقاء الشارع الذين تعرفت إليهم فيما بعد!!
كنت أنظر لأطفال الجيران..الأيتام..الفقراء..لم يعرفوا مذاق (التورته) يوما!!
لا يعرفون لِم نذهب نحن دوما إلى ( الملاهي).لأنهم ببساطة لا يعرفونها أبدا!!
كنت أحلم أن أكون مؤذنا في مسجد قريتنا..لأن لي صوتا عذبا كصوت إمامنا
وترتيلي...
(.الحمد لله رب العالمين..الرحمن الرحيم..) ..
تماما مثل صوت الإمام!
لم يكن يؤرقني سوى قلب ليلى..أختي الصغيرة ذات الخمس سنوات..كانت تعاني من ثقب في القلب
لا تلعب كثيرا..ولا تمشي كثيرا..ولا تضحك كثيرا..!! آآآآآآ ه يا ليلى اليوم ليس لكِ سوى البكاء
لعل (ثقوب) القلب تندمل يوما..
مازلت أسأل نفسي..أسائلها كل ليلة..لماذا؟؟
لماذا؟؟
كيف ومن أجل من حصل ما حصل؟؟
لماذا تركنا أبي؟؟ لماذا غادرنا؟؟ لماذا طلقها؟؟لماذا طلق أمي؟؟
لم ترك حدائق ربيعنا ..لم هاجرها نحو الجفاف؟؟
مساحات شاسعة..وتفاصيل كثيرة ..لن أحكيها لكم..لأن زوايا قلبي لم تعد تتحمل اعوجاج الذكريات
إن أردتم أن تشفقوا على نبضي الضعيف فارحموه من تفاصيل الحدث المؤلمة
لأنها كفيلة بأن تقطع آخر نياط لقلبي الجريح!
قد أتحمل كل شيء..كل شيء..سوف أضحي بحلم الطفولة..
لن أكون إماما كما كنت أحلم
سوف أتقبل ذلك..لكني..لا أريد..لا أريد أن أكون..
لا أريد أن أكون مريضا نفسيا!!
ليس من أجلي .. لأن كأس السعادة الذي ذقته في صغري..أتجرعه اليوم حزنا ومرارة
لكن..من أجل أمي..وأخوتي..وليلى ذات القلب المثقوب..فأنا الآن عائلهم الوحيد بعد الله!!
هاهو الدكتور يدخل غرفتي..إبرة مهدئة أخرى..!
جسمي لم يعد يتحمل المزيد
ونفسيتي لا تسيطر عليها إلا الإبر المهدئة وبعض حبوب أحتفظ بها في جيبي
أشعر بشيء حار على وجهي..أتحسسه..أتلمسه..إنه دمعة حارة لم تستأذن بالنزول!
دمعة حارة من بركان ثائر كحرارة الدم الذي يجري في شرايين قلبي
دمعة..تلتها ثانية..وثالثة..ثم أجهشت بالبكاء..أتلوى لوحدي..أحتضن وسادتي حتى لا يسمع صوتي أحد
يكاد نفسي أن ينقطع..رحماااااك ياربي..!!
****
لم فعلت بنفسي ما فعلت.؟! ألم أكن مؤمنا بالله؟؟!! ألم أعتد على الوضع والمسؤولية والعذاب
ألم أعد أمي بأن أنجح من الثانوية ثم أتوظف لأسعدهم؟؟لم فعلت ما فعلت؟؟
لماذا..؟؟ لماذا؟؟
لا أعرف!!
كل ما أذكره أنني أخذت ( مشرطا) من المدرسة ..ثم ركضت..ركضت..
كنت أجرح نفسي بالمشرط..زملائي يمسكون بي وأنا أدفعهم بقوة!!
كنت هائجا كنمر..ودمي يسيل من بين يدي
ثم أغمي علي ليرسلوني هنا إلى مستشفى الأمراض النفسية!!
***
عذرا أماه..عذرا يا أبتاه..محمد لن يكون إمام مسجد !
محمد الآن ليس سوى نزيل مستشفى
ابنك يا أمي..ابنك يا أبي..مريض نفسي!
أنا مريض نفسي!
***
أحمد..أخي الصغير لم يعد أحمد الذي كان..
أحمد الآن(ولد شوارع) يدخن..يسرق ..يسب ويشتم ويلعن أبي الذي تركنا
بالأمس أخبرتني نوره أنه حاول دهس أبي بسيارته!!
دكتووووووور ..!!لو سمحت..أعطني إبرة مهدئة أخرى..أرجوك يا دكتور..أرجوك!!
لم أعد أتحمل المزيد..رحماك يارباه
مالذي حصل لنا؟؟ مالذي جرى لأسرتي؟؟
ليلى..لم تعد ذكية كما كانت..معلمتها تقول أنها تسرح كثيرا في الحصة وتضرب زميلاتها دون سبب!!
البيت الذي سكناه بعد رحيلك يا أبي مظلم..موحش..كئيب..
ومع ذلك فهم يطالبوننا بأجرة سكن هذا القبر!!
وخالد..خالد يا أبي..لا يعرف عن حالنا شيئا
لم يعد يهمه من الدنيا إلا فتاة تلو فتاة يخدعها
وصورة عبر الإنترنت..تحل محل صور البؤس والشقاء التي نعيشها
أنا لم أعد أخاف عليه من غيه وضياعه بل أمسيت أخاف عليه من الشيطان اللعين
هذا الشيطان الذي أغوى عقله..
بالأمس نصحه إمام المسجد أن يصلي..يسجد لله كما كان يفعل دائما
ولكنه أجاب( لكم دينكم ولي دين)!!
لا يادنيا..لاااااااااا..!!
لا ياخالد..أرجوك...!! رب كلمة تهوي بك
في سبعين خريفا في نار جهنم!!
قاسية أنتِ أيتها الحياة..سلبتِ مني كل شيئ..كل شيئ..!!
***
الزوار يغادرون المستشفى واحدا تلو الآخر..تنام الأعين ملئ جفنيها إلا عيناي
مازلتُ أحملق بذهول في كل شيئ حولي..
الحبوب تزيد من نومي ولكنها الليلة تؤرقني
الليلة ..عرفت أن جيراننا لم يكونوا أشقياء كما كنت أتوقع..
أطفال الجيران الأيتام كبروا وصاروا أسعد منا حالا..
الليلة..عرفت أن الاحتياج ليس سوى حاجتي إليك يا أبي
ورغم كل شيئ..لم أستطع أن أكرهك..لم أستطع
مازلتُ أحبك يا أبي..
ولا زال في القلب جرحٌ ينزف
جرح لم يتخثر بعد..
.
وأعترف أن السواد طالها في كثير من تفاصيلها!!
* * *
أتذكرها تلك الأيام..نعم..مازلت أذكرها وأذكر ملامحها جيداً..
أتذكر بيتنا..وإخوتي..أمي وأبي..وقريتنا الصغيرة
كل التفاصيل الدقيقة التي يستحيل لطفل في مثل عمري أن يتذكرها!!
أتذكر أبي الحنون الذي وهبني من قلبه أحر النبضات!!
وأمي التي أهدتني من صدرها أحلى الرضعات!!
أتذكر ( ليلى) ذات القلب المثقوب..و(نوره) ذات الأسنان المكسورة كما كانت تسميها جدتي
أتذكر إخواني.. أحمد..والبراء..وخالد…. ذلك الطفل الشقي الذي لا يكف عن تقليد الآخرين
كم مرة وبخه أبي على هذا السلوك الأرعن رغم صغر سنه..
كنت أنظر إلى بيتنا فأجده روضة من الحدائق الغناء..سعادة قلما يوجد مثلها في الدنيا
أسرة لا ينقصها شيء..ألفة ومحبة..وثراء..وأنا (محمد) طفلهم الأكبر المدلل..آه كم دللني أمي وأبي
لكن الأيام جعلتني أدفع الثمن باهظا جدا ..غاليا أكثر مما أتحمل!!
ترى من الذي سمح ليد الغدر أن تنهش جسدي المضنى؟؟
من أنبأ الأيام أن في القلب ثمة فرحِ لم تمسسه جروح الحوادث بعد؟؟
من الذي وأد فرحتي؟؟ من الذي دفن طفولتي وطفولة إخوتي؟؟ من...من..؟؟
أعطتني الأيام كل ماتمنيته.. كنت محسودا من قبل زملائي في المدرسة وحتى أصدقاء الشارع الذين تعرفت إليهم فيما بعد!!
كنت أنظر لأطفال الجيران..الأيتام..الفقراء..لم يعرفوا مذاق (التورته) يوما!!
لا يعرفون لِم نذهب نحن دوما إلى ( الملاهي).لأنهم ببساطة لا يعرفونها أبدا!!
كنت أحلم أن أكون مؤذنا في مسجد قريتنا..لأن لي صوتا عذبا كصوت إمامنا
وترتيلي...
(.الحمد لله رب العالمين..الرحمن الرحيم..) ..
تماما مثل صوت الإمام!
لم يكن يؤرقني سوى قلب ليلى..أختي الصغيرة ذات الخمس سنوات..كانت تعاني من ثقب في القلب
لا تلعب كثيرا..ولا تمشي كثيرا..ولا تضحك كثيرا..!! آآآآآآ ه يا ليلى اليوم ليس لكِ سوى البكاء
لعل (ثقوب) القلب تندمل يوما..
مازلت أسأل نفسي..أسائلها كل ليلة..لماذا؟؟
لماذا؟؟
كيف ومن أجل من حصل ما حصل؟؟
لماذا تركنا أبي؟؟ لماذا غادرنا؟؟ لماذا طلقها؟؟لماذا طلق أمي؟؟
لم ترك حدائق ربيعنا ..لم هاجرها نحو الجفاف؟؟
مساحات شاسعة..وتفاصيل كثيرة ..لن أحكيها لكم..لأن زوايا قلبي لم تعد تتحمل اعوجاج الذكريات
إن أردتم أن تشفقوا على نبضي الضعيف فارحموه من تفاصيل الحدث المؤلمة
لأنها كفيلة بأن تقطع آخر نياط لقلبي الجريح!
قد أتحمل كل شيء..كل شيء..سوف أضحي بحلم الطفولة..
لن أكون إماما كما كنت أحلم
سوف أتقبل ذلك..لكني..لا أريد..لا أريد أن أكون..
لا أريد أن أكون مريضا نفسيا!!
ليس من أجلي .. لأن كأس السعادة الذي ذقته في صغري..أتجرعه اليوم حزنا ومرارة
لكن..من أجل أمي..وأخوتي..وليلى ذات القلب المثقوب..فأنا الآن عائلهم الوحيد بعد الله!!
هاهو الدكتور يدخل غرفتي..إبرة مهدئة أخرى..!
جسمي لم يعد يتحمل المزيد
ونفسيتي لا تسيطر عليها إلا الإبر المهدئة وبعض حبوب أحتفظ بها في جيبي
أشعر بشيء حار على وجهي..أتحسسه..أتلمسه..إنه دمعة حارة لم تستأذن بالنزول!
دمعة حارة من بركان ثائر كحرارة الدم الذي يجري في شرايين قلبي
دمعة..تلتها ثانية..وثالثة..ثم أجهشت بالبكاء..أتلوى لوحدي..أحتضن وسادتي حتى لا يسمع صوتي أحد
يكاد نفسي أن ينقطع..رحماااااك ياربي..!!
****
لم فعلت بنفسي ما فعلت.؟! ألم أكن مؤمنا بالله؟؟!! ألم أعتد على الوضع والمسؤولية والعذاب
ألم أعد أمي بأن أنجح من الثانوية ثم أتوظف لأسعدهم؟؟لم فعلت ما فعلت؟؟
لماذا..؟؟ لماذا؟؟
لا أعرف!!
كل ما أذكره أنني أخذت ( مشرطا) من المدرسة ..ثم ركضت..ركضت..
كنت أجرح نفسي بالمشرط..زملائي يمسكون بي وأنا أدفعهم بقوة!!
كنت هائجا كنمر..ودمي يسيل من بين يدي
ثم أغمي علي ليرسلوني هنا إلى مستشفى الأمراض النفسية!!
***
عذرا أماه..عذرا يا أبتاه..محمد لن يكون إمام مسجد !
محمد الآن ليس سوى نزيل مستشفى
ابنك يا أمي..ابنك يا أبي..مريض نفسي!
أنا مريض نفسي!
***
أحمد..أخي الصغير لم يعد أحمد الذي كان..
أحمد الآن(ولد شوارع) يدخن..يسرق ..يسب ويشتم ويلعن أبي الذي تركنا
بالأمس أخبرتني نوره أنه حاول دهس أبي بسيارته!!
دكتووووووور ..!!لو سمحت..أعطني إبرة مهدئة أخرى..أرجوك يا دكتور..أرجوك!!
لم أعد أتحمل المزيد..رحماك يارباه
مالذي حصل لنا؟؟ مالذي جرى لأسرتي؟؟
ليلى..لم تعد ذكية كما كانت..معلمتها تقول أنها تسرح كثيرا في الحصة وتضرب زميلاتها دون سبب!!
البيت الذي سكناه بعد رحيلك يا أبي مظلم..موحش..كئيب..
ومع ذلك فهم يطالبوننا بأجرة سكن هذا القبر!!
وخالد..خالد يا أبي..لا يعرف عن حالنا شيئا
لم يعد يهمه من الدنيا إلا فتاة تلو فتاة يخدعها
وصورة عبر الإنترنت..تحل محل صور البؤس والشقاء التي نعيشها
أنا لم أعد أخاف عليه من غيه وضياعه بل أمسيت أخاف عليه من الشيطان اللعين
هذا الشيطان الذي أغوى عقله..
بالأمس نصحه إمام المسجد أن يصلي..يسجد لله كما كان يفعل دائما
ولكنه أجاب( لكم دينكم ولي دين)!!
لا يادنيا..لاااااااااا..!!
لا ياخالد..أرجوك...!! رب كلمة تهوي بك
في سبعين خريفا في نار جهنم!!
قاسية أنتِ أيتها الحياة..سلبتِ مني كل شيئ..كل شيئ..!!
***
الزوار يغادرون المستشفى واحدا تلو الآخر..تنام الأعين ملئ جفنيها إلا عيناي
مازلتُ أحملق بذهول في كل شيئ حولي..
الحبوب تزيد من نومي ولكنها الليلة تؤرقني
الليلة ..عرفت أن جيراننا لم يكونوا أشقياء كما كنت أتوقع..
أطفال الجيران الأيتام كبروا وصاروا أسعد منا حالا..
الليلة..عرفت أن الاحتياج ليس سوى حاجتي إليك يا أبي
ورغم كل شيئ..لم أستطع أن أكرهك..لم أستطع
مازلتُ أحبك يا أبي..
ولا زال في القلب جرحٌ ينزف
جرح لم يتخثر بعد..
.