المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصراع النفسي Conflict



ضيف الله مهدي
22 -10- 2006, 05:58 AM
الصراع النفسي Conflict :
تعتبر الدوافع بمثابة القوة الدافعة أو الطاقة المحركة للكائن الحي وللإنسان، حاجات كثيرة، منها ما هو أساسي لا غنى عنه لأنه يتوقف عليها حفظ حياته وبقاء نوعه. ومنها ما هو هام وضروري لتحقيق أمنه النفسي وسعادته. وتنبعث من هذه الحاجات دوافع تدفع الإنسان إلى القيام بنشاط توافقي لإشباع هذه الحاجات. ويقسم علماء النفس الدوافع إلى فئتين وهما الدوافع العضوية أو الفسيولوجية ، والدوافع الاجتماعية وحاجات الإنسان أو دوافعه كما قلت قد تكون حاجات فسيولوجية تتعلق بما يحدث في بدنه من اختلال في الاتزان العضوي والكيميائي، كنقص كمية الغذاء في الدم، أو نقص كمدية الماء في أنسجة الجسم، فتنبعث من هذه الحاجات دوافع تدفع الإنسان إلى النشاط والسعي للحصول على الطعام والماء لإشباع حاجاته، ولإعادة بدنه إلى حالته السابقة من الاتزان . وتسمى هذه الدوافع بالدوافع الفسيولوجية، وهي دوافع فطرية غير مكتسبة، وهي عامة يشترك فيها جميع أفراد الحيوان والإنسان . وهذه ا لدوا فع هي الجوع، والعطش، والتنفس، والجنس، والراحة ( النوم ) ، وتجنب الحرارة والبرودة، والإخراج ( ا لتبرز والتبول ) وتجنب الألم العضوي، والأمومة. وللإنسان أيضا، إلى جانب هذه الحاجات الفسيولوجية، حاجات أخرى كثيرة نفسية وروحية، بعضها هام وضروري لتحقيق أمنه وسعادته. ، وهو يشعر أيضا بالحاجة إلى الإنجاز والنجاح والتفوق وتحقيق طموحاته في الحياة، مما يكسبه الثقة بالنفس، ويحقق له الشعور بالرضا النفسي والسعادة. وللإنسان حاجات نفسية أخرى كثيرة تتكون أثناء تنشئته الاجتماعية. وقد ذكر القرآن الكريم كثيرا من دوافع الإنسان الفسيولوجية والنفسية والروحية ، وتناول الحديث النبوي الشريف أيضا بعض دوافع الإنسان الأساسية الفسيولوجية والنفسية والروحية، وبعض ا لدوافع يتعلق بحفظ الذات، وبعضها يتعلق ببقاء النوع . فالدافع الجنسي ودافع الأمومة يتعلقان ببقاء النوع . وأما الدوافع الفسيولوجية الأخرى فتتعلق بحفظ الذات. وقد أشارت بعض الأحاديث النبوية الشريفة إلى بعض الدوافـع الفسيولوجية التي تنتمي إلى كل من هذين النوعين من الدوافع. ويحدث ما يسمى بالصراع النفسي بين الدوافع ، وحالات الصراع يمر بها الكثير من الناس في حياتهم اليومية ، وهي كثيرة ومختلفة ، فهذا طفل يناقش موقفه مناقشة داخلية وعنده حيرة في تنفيذ ما طلب والده منه ، وهو مذاكرة دروسه ، وميله للعب مع أقرانه ، أو مشاهدة برامجه التلفزيونية المفضلة ، وهذا شاب يصارع نفسه محتارا بين تقرير الالتحاق بكلية الطب بناء على رغبته أن يصبح طبيبا ، وبين نسبته التي حصل عليها ولا تؤهله للدخول والانتساب لهذه الكلية 00 وغيرها الكثير 0 وهذه الأنواع المختلفة من الصراع في حياتنا اليومية تقود عددا غير قليل من الناس إلى المتاعب والآلام 0 ولا تقف حالات الصراع عند هذا الحد ، بل إنها تقود أحيانا إلى توترات واضطرابات نفسية شديدة ، وقد تكون الطريق إلى حالات الشذوذ القاسية 0
تعريف الصراع النفسي :
نستطيع تعريف الصراع بأنه :

حالة يمر بها الفرد حين لا يستطيع إرضاء دافعين معا أو عدة دوافع ، ويكون كل منها قائما لديه 0 ( عبد الله ، 2001 ) ، ( الرفاعي ، 1987 ) 0

الصراع هو : العمل المتزامن أو المتواقت للدوافع أو الرغبات المتعارضة ، أو المتبادلة ، وينتج عن وجود حاجتين لا يمكن إشباعهما في وقت واحد ، ويؤدي إلى التوتر الانفعالي ، والقلق ، واضطراب الشخصية 0 ( زهران ، 1988 ) 0

والصراع حالة نفسية مؤلمة يشعر بها الفرد وذلك بوجود رغبات ونزاعات وحاجات متناقضة لا يمكن تحقيقها معا 0 فقد يوجد لديه دافعان يريد إشباعها في وقت واحد ، ولكن ذلك يكون مستحيلا لأن كل منهما في اتجاه مضاد لاتجاه الآخر ، ويدفع الفرد لنشاط مخالف ، ولا يمكن إشباعها دفعة واحدة 0
ويرافق وجود الصراع شعور الرد بالضيق والقلق والتوتر Distress , Anxiety , Tension ، مما يحرض الفرد ويدفعه للاستجابة السريعة والخروج من هذا الموقف الضاغط بسرعة 0
تحليل الصراع النفسي :
يحتل الصراع مكانة هامة بالنسبة لحالات الشذوذ لأنه كما قلت سابقا قد يكون الطريق إليها ، ويواجه كل فرد منا العديد من المواقف التي تنطوي على صراعات نفسية ، فالطالب يمر بحالة صراع نفسي حين يكون عليه الاختيار بين نوع الدراسة التي سيلتحق بها ( أدبي أم علمي ، لغة إنجليزية أم فرنسية ، الهندسة أو الطب أو الزراعة أو الحاسب الآلي ) والرجل حين يكون عليه أن يختار العمل أو الوظيفة المناسبة له ، وحين يختار الزوجة وشريكة الحياة ، والطفل حين تُعرض عليه ألعاب أو لعب مختلفة 0 ويحدث الصراع عندما يواجه الشخص في موقف Situation ، يتضمن شروطا عدة أثناء تفاعله مع محيطه 0 ولكل عنصر في الموقف أثر في الشخص 0 ومن هنا نقول :
إن الموقف الذي ينطوي على صراع نفسي يتميز بما يلي :
1ـ إن كل عنصر في الموقف ، إما أن يدفع الشخص إلى الشيء ( انجذاب نحو ، وإشارته + ) أو أن يدفعه للابتعاد عنه ( انجذاب عن ، وإشارته ــ ) 0 فالأول إقدام إلى Approach ، والثاني إحجام عن Avoidance 0
2ـ إن هذه القوى ليست متساوية في شدتها وقوتها 0 ويكون الشخص عرضة للصراع النفسي ( أي في موقف صراع ) ، بسبب هذه القوى التي تتجاذبه ( سواء أكانت تدفعه إلى الشيء أم إلى الابتعاد عنه ) 0
3ـ إن هذه القوى التي تتجاذب السلوك والشخصية ، قد يكون مصدرها قوى ودوافع داخلية المصدر ، وقد تكون خارجية المصدر 0
4ـ إن الموقف الذي يتعرض فيه الفرد لحالة الصراع ، يدفعه دوما للقيام بسلوك من أجل التكيف مع الموقف ، وإنهاء الحالة بسرعة ليعيد للشخصية حالة الاتزان 0 فإذا نجح الشخص في ذلك وأنهى حالة الصراع ( حلّه ) وتمت عملية التكيف فإن الشخصية عادت إلى حالة التوازن 0
أما إذا فشل في ذلك أو طالت حالة الصراع ولم يتخلص الفرد من آثاره ، فإنه في موقف لا يُحسد عليه ، من اختلال التوازن والقلق يجعل شخصيته عرضة للاضطراب النفسي 0
5ـ يرافق حالة الصراع دوما حالة من الإحباط 0 والسبب في ذلك هو أن الشخص حتى إذا نجح في حل الصراع وإشباع أحد الدافعين ( أو الرغبتين ) فإن ذلك يكون على حساب الدافع الآخر أو الرغبة الأخرى ، الذي يعني الفشل في إشباعه ، وهذا بحد ذاته إحباط 0 لذلك فالصراع ينطوي دوما على إحباط وقلق 0
الصراع اللاشعوري :
إن الكثير من حالات الصراع التي نمر بها شعوري ، ولكن بعضها يبقى في مستوى اللاشعور ، كما أن بعضها الآخر يبدو شعوريا ، ولكنه ينطوي في الأعماق على عناصر لا شعورية 0 ففي حالة حيرة الشاب بين ممارسة السباحة أو الاستمرار في الدراسة ، أو بين الذهاب إلى النزهة والبقاء في البيت إلى جانب أبيه المريض ، في مثل هاتين الحالتين صراع شعوري يحتمل أن يقود التحليل فيه إلى إيجاد عناصر لا شعورية 0
ويحدث الصراع اللاشعوري في البناء العميق للشخصية ويكون بعيدا عن وعي صاحبه وليس في مستوى شعوره ، وعملية اكتشافه ليست سهلة ، وأعلاه ذكرت أمثلة له 0
لو درسنا حالات الخلافات الزوجية في الكثير من الأسر لو وجدنا أن معظم أسباب تلك الخلافات هي صراعات لاشعورية 0 فالزوج يحمل في لا شعوره النزوع إلى ( زوجة أم ) ترعاه ونجده في الوقت نفسه متأثرا بنزوعه إلى الاستقرار وتأكيد رجولته 0
والزوجة أيضا تكون في حالة صراع لا شعوري لا تعي مصدره ، فهي تنزع إلى الحصول على ( الزوج الأب ) الذي يرعاها لكن الزوج يمر في صراع تجاه ذلك السلوك 0
إن الكثير من أنواع وأشكال الاضطرابات النفسية والجنسية ناتجة عن صراعات نفسية لا شعورية ، ومن أمثلة ذلك ( حب وكره للزوج ) و( الزوجة المسترجلة ) ، و ( الزوج الطفل )0
ويمكن للصراع اللاشعوري أن يأخذ أشكالا عدة بالنسبة للبناء الوظيفي للشخصية عند فرويد ، وهذه الأنواع هي :
1ـ الصراع بين دوافع الهو The Id –Conflict حين ينطوي الهو على دافعين أو أكثر ، فيسعى كل منهما للإشباع ولا يمكن إشباهما معا 0 كالصراع بين دوافع الجوع والدافع الجنسي أو دافع الجنس والخوف على الحياة 0 وقد بين فرويد أن الدوافع اللاشعورية المتعارضة تسعى لإيجاد حل وسط يكون مخرجا مناسبا لكلا الدافعين المتناقضين 0
2ـ الصراع بين الهو والأنا الأعلى The Id – Super Ego Conflict ، ويحدث حين يمر الفرد بموقف متصارع فيه دوافع الهو وقيم الأنا الأعلى 0 كالصراع بين دوافع الجنس والقيم العليا 0 فلا يمكن للفرد إشباع دوافع الهو بسبب القيم العليا ( المثل الأخلاقية ) 0 وكثيرا ما تشتد حدة هذا الصراع إذا كانت دوافع الهو قوية أو حين يكون تخطي قيم الأنا الأعلى ينطوي تهديد شديد للذات 0
3ـ الصراع بين مكونات الأنا الأعلى ، ويحدث حين تتصارع قيم الأنا الأعلى 0 ومثاله الشاب المتزوج الذي تتجاذبه قيمه نحو زوجته وأمه حين يدب الخلاف بينهما 0 وكذلك لدى القائد في المعركة بين واجبه نحو الجندي المرهق المتعب وبين واجبه نحو كسب المعركة والنصر 0 ولهذا النوع آثار قاسية كثيرا ما ينطوي على تأنيب الضمير وعذاب الذات 0 إن هذا النوع من الصراع يقف خلف العديد من أشكال التفكك والاضطرابات الأسرية 0
ــ أنواع الصراع :
1ـ صراع الإقدام ــ الإحجام Approach – Avoidance Conflict :

في صراع الإقدام والإحجام نجد أن هناك دافعين متعارضين ، أحدهما يدفعنا لأن نعمل شيء ، بينما يدفعنا الآخر إلى تجنب عمله 0 فمثلا يرغب الشخص في مشاهدة عرض فني شائق ، ولكن يعرف أن تكاليفه باهظة ، فيقع في صراع بين دافع الإقدام على مشاهدته ، ودافع الإحجام بسبب التكاليف 0
ومثال آخر ، الصراع بين رغبة الشخص في عمل شيء يرغب فيه جيدا ، وشعوره بتأنيب الضمير وبالذنب إذا عمل هذا الشيء 0
ومثال آخر ، رغبة الطالب في الدخول في كلية الطب ، ولكن نسبته ومجموع درجاته لا تؤهلانه للالتحاق بهذه الكلية 0 وكلما ازداد الشخص اقترابا من الهدف كلما زاد قلقه وصراعه النفسي 0 وهذا الصراع بين الإقدام والإحجام إذا لم يحل ، يجعل الشخص عاجزا عن التصرف ، لا يستطيع أن يقترب ولا أن يبتعد ، بل يعاني التوتر أو يصل به الأمر إلى حد المرض النفسي 0 وقد يرفض الشخص الاختيار ، وقد يلجأ إلى التأجيل مهما كان موقف الشخص 0 وتكون الشخصية الناضجة والواثقة أكثر قدرة على المواجهة وحل الصراع من الشخصية غير الناضجة والأقل ثقة 0
2ـ صراع الإقدام ــ الإقدام Approach – Approach Conflict :
ويكون لدى الفرد أحيانا رغبتان أو أكثر ، تتعارض أحداهما مع الأخرى ، بحيث أن إرضاء إحدى هذه الرغبات ، يعني التضحية بالرغبات الأخرى 0 فيقع الشخص في صراع أيهما يختار وبأيهما يضحي 0 ومثال ذلك الطالب الذي يريد الالتحاق بكليتين ممتازتين ويرغبهما ، ولكن لا يعرف أيهما يختار 0 ومثال آخر ، الشخص الذي يرغب في الحصول على وظيفة وأمامه وظيفتين مغريتين ، فيقع في الصراع والتردد 0 ويزداد هذا الصراع كلما زادت أهمية الاختيار وأثره البعيد في حياة الشخص 0 ولهذا النوع من الصراع أثار ، فغالبا ما يكون الشخص ضعيفا لأن الشخص يحل الصراع بعد حساب مميزات كل من الشيئين الذي يرغب فيهما 0 إلا أن أثاره تشتد حين يطول بقاء الشخص في الموقف ولم يحسم الصراع بعد أو حين يكون كلا منهما مساويا في قيمته ، فيشعر الفرد بالخسارة حين تخليه عن الآخر 0
3ـ صراع الإحجام ــ الإحجام Avoidance – Avoidance Conflict :
ويحدث هذا الصراع لدى الفرد حين يكون أمام أمرين كلاهما مر ، أو أحلاهما مر 0 وأمثلة هذا النوع كثيرة في حياتنا اليومية 0
فمثلا الشخص الذي أمامه أن يعمل في مهنة شاقة لا يحبها أو يموت جوعا ، أو يمد يده للناس ويذل نفسه 0
ومثال آخر الجندي في جبهة القتال الذي يكون أمامه الاختيار ، إمّا أن يواجه المخاطر وربما الموت ، أو أن يوصف بالجبن 0
وآثار هذا النوع من الصراع شديدة ، إن هذا التهديد وما يرافقه من قلق وخوف كثيرا ما يقف خلف العديد من حالات السلوك اللا اجتماعي Anti – Social behavior
الصراع النفسي ، هل هو أساس الشخصية؟
تقول نظرية التحليل النفسي بان النفس الإنسانية تتكون من ثلاث أجزاء ، الهو أوId هو أول جزء يتكون في الإنسان ويولد معه، ويتكون هذا الجزء من الغرائز والشهوات ورغبات العدوان ، فهذا الجزء يدفع الإنسان إلى المتعة والرغبة في الاعتداء، وعليه فان نظرية التحليل النفسي تنظر إلى الإنسان على انه يميل إلى العدوان والشهوات بطبعه، ولكي نفهم سبب هذه النظرة لابد أن نعرف أن مؤسس هذه النظرية كغيره من علماء وفلاسفة عصره كان يحاول تفسير السلوك الوحشي الذي قام به البشر وخصوصا في أوروبا في حروبهم آنذاك ، فكيف يمكن تفسير أن إنسان متحضر رقيق المشاعر ومهذب يقوم فجأة بالقتل والتعذيب والاعتداء أثناء الحرب، تفسير التحليل النفسي هو أن الإنسان يميل بطبعه إلى هذه الأمور ولكنه يخفيها نتيجة وجود الضوابط الاجتماعية، ولكن عند انهيار هذه الضوابط فان هذه الميول تظهر للعيان، ولكن الهو ليس هو الجزء الوحيد في الإنسان، فهناك الأنا او Ego وهو الجزء الذي يساعدنا على معرفة الواقع، فهو العقل الذي يعطينا معلومات عن الواقع داخلنا وخارجنا، فمثلا الانا تخبرنا أننا لا نستطيع إشباع رغباتنا لأن الواقع لا يسمح بذلك، والجزء الثالث هو الانا العليا أو Superego وهو الجزء الأخلاقي الذي يخبرنا عن الصح والخطأ، فهو الضمير الذي يشكله المجتمع بمعتقداته وأخلاقه، وهكذا يكون هناك دوما صراع داخل الانسان بين شهواته وميوله وبين متطلبات الواقع وحدوده وبين الضمير والمجتمع، فلا يمكن للإنسان أن يشبع كل شهواته ولا يمكنه أن ينزعها من نفسه، فهو بشر وهي جزء من بشريته، والصراع بين هذه الأجزاء يولد القلق النفسي والإحساس بعدم الرضا، إن كيفية تعامل الإنسان مع شهواته وصراعه النفسي هي التي تشكل شخصيته حسب نظرية التحليل النفسي، فالبعض يكون عنده جزء الشهوات أقوى في تكوينه من جزء الضمير وأخر يكون عنده جزء الضمير أقوى من الشهوات، وثالث قد يكون عنده إحساس شديد بالذنب نتيجة ضمير قاس فيشعر بالذنب حتى عند إشباع ابسط غرائزه بالأسلوب الحلال والمقبول اجتماعيا، فالتنظيم الاجتماعي يمكن رؤيته على انه تنظيم لإشباع غرائز الإنسان واحتياجاته دون التعدي على الآخرين ، بمعنى لا ضرر ولا ضرار، ولكن ما نهاية هذا الصراع؟ وهل القلق هو مصير الإنسان؟ وماذا يحدث عندما يفشل المجتمع في تنظيم هذا الصراع؟
أثار الصراع وقياسه :
أي فرد من الممكن أن يتعرض للصراع النفسي بأشكاله المتعددة ، ويعود السبب لعدة عوامل ومن أهمها :
1ـ البناء العضوي والنفسي للفرد ، وما يحمله من دوافع ورغبات 0
2ـ أسلوب التنشئة الاجتماعية التي تلقاها في صغره 0
3ـ الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد 0 حيث كلما كان المجتمع والبيئة أكثر تعقيدا كثرت حالات الصراع 0 وتكثر أيضا عند المتمسكين بالتقاليد الألوفة والموروثة حين يواجهون الحياة الجديدة ، ويعانون صراع الأجيال 0
ويترك الصراع أثرا سلبيا في الشخصية ويتوقف ذلك على عدة عوامل وأهمها :
1ـ نوع الرغبات والحاجات وشدتها وتكرارها 0
2ـ أهمية موضوعات الصراعات 0
3ـ قدرات الأفراد 0
وتختلف الوسائل التي يتبناها الناس في مواجهتهم لصراعاتهم النفسية 0 فالبعض يضاعف نشاطه ، ويقرر الصمود حتى النجاح 0 أما البعض منهم فيستسلم أو ينسحب ، والبعض الآخر يتبع وسائل التعويض أو النكوص ، وغير ذلك من الوسائل غير المباشرة 0
الآثار التي يتركها الصراع النفسي عند الأفراد :
1ـ الشعور بالتعب والإعياء ، وكذلك الانطواء 0
2ـ الإثارة الزائدة والتهيج 0
3ـ اضطراب التفكير ، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات 0
4ـ طول مدة الصراع Chronic يُحدث اضطرابات عضوية ، ويُضعف جهاز المناعة 0
5ـ يرافق الصراع حالة من التوتر Tension والقلق ، تستثير الجهاز العصبي السيمبثاوي محدثة أعراضا عضوية متنوعة 0
وقد بين ( دوغلاس غروان ، 1979 ) أن الصراع النفسي له صلة وثيقة بحالات العصاب ) الأمراض النفسية ) ، وتبقى آثاره حتى تتم المعالجة النفسية 0
حيث أن الصراع النفسي يعتبر :
1ـ المفتاح للعصاب ، وأن أكثر الأعصبة تتضمن صراعات نفسية مستمرة ، وخاصة التي من نوع ( صراع الإقدام ـــ الإحجام ) ، وبالرغم من أن الأعراض النوعية والمميزة تختلف ، إلاّ أن أكثر الناس يتعرضون للاضطراب النفسي بسبب كونهم ضحايا الدوافع العضوية المتناقضة التي يعجزون عن مواجهتها والاستجابة لها 0 فالخوف والقلق من جهة ، والرغبات الجامحة والاندفاع من جهة ثانية 0
2ـ كون الشخص غير قادر على التفكير ولديه ضعف دافعية نحو العمل والإنجاز 0 وخاصة في
( صراع الإقدام ـــ الإحجام ) فموقف الصراع يمنع الفرد من إنجاز ما يستطيع إنجازه وتخطيه0 والمعالجون النفسيون الذين يركزون على المشكلة الأساسية في العصاب والتي تقلق الشخص وتهدده ، ودفعهم للشخص لإنجاز الأهداف التي يخافها كثيرا ما تعمل على تضخيم حالة الصراع عنده ، وتزيد بالتالي من مخاوفه وقلقه 0 ونتيجة لذلك فإن المريض يترك المعالجة وعدم متابعتها إذا استمر المعالج في طريقته تلك ، كما يقول غروان ( Crowne, 1979 )0
قياس الصراع :
في الغالب يقاس الصراع عن طريق تقدير درجة الإثارة والتنشيط Activation ، التي يعانيها الفرد بسبب ما يحمله من دوافع وحاجات ، ويتم ذلك بوسائل مثل : قياس درجة إثارة الجهاز العصبي المستقل The Arousal of Autonomic Nervous System ، وظهور الأعراض الجسمية Somatic Symptoms ، وضعف القدرة على العمل والإنجاز 0
وقد استخدم ( إبستين وفينز ) في قياس الصراع الطرق التالية :
ــ درجة إثارة الجهاز العصبي المستقل 0
ــ ضعف الإنجاز 0
ــ استجابات كف الدافع 0
وقد طبق تجاربه على عدد قليل من المظليين قبل وأثناء وبعد القفز ، مركزا على آثار كل من الإقدام والإحجام على القفز والآثار العضوية والنفسية لها 0 وقد أجرى ( إبستين ) أيضا تجارب أخرى مستخدما مجموعات تجريبية وأخرى ضابطة ، مركزا على تغيرات في المقاومة الكهربائية للجلد ( دليل على زيادة نشاط الغدة الدرقية ) باعتبارها مؤشرا جيدا على إثارة الجهاز العصبي الذاتي 0 وقد قاس هذه التغيرات الجلدية كاستجابة على كلمات تستدعي القلق مثل : ( قتل ، ضرر ) وكلمات حيادية مثل : ( سماء ) وكلمات متوسطة الإثارة مثل : ( سقوط ) وكلمات عالية الإثارة استعداد للهبوط مثل : ( حبل فتح الباراشوت عند الهبوط ، حبل التنفيس ، أي انطلق ) وقد قيست التغيرات المذكورة سابقا قبل يوم القفز ، وفي نفس اليوم أيضا ، وحين القفز 0 ودلت النتائج على حدوث تغيرات عضوية ، وإثارة عصبية قوية في الجهاز العصبي الذاتي استجابة لكلمات ( مثيرات ) القلق والإثارة استعدادا للهبوط 0 في حين لم تظهر هذه التغيرات في المجموعات الضابطة 0 وهكذا يتبين أن الصراع النفسي بأشكاله المختلفة يحدث تغيرات سلوكية ظاهرة ، وفسيولوجية داخلية ، إذا استمرت تكون لها آثارها السلبية على الشخص 0 فإذا لم ينتهي الصراع إلى حل عبر فترات زمنية تطول أو تقصر تجعل الفرد عرضة للاضطراب النفسي ، ومع ذلك لا يمكننا إغفال البناء المعرفي وطريقة تفكير الشخص وإدراكه للموقف ، لما لها من أهمية كبيرة في تكوين سلوكه وتوجيه استجاباته 0
كيف نواجه هذه الصراعات ؟
نواجه صراع ( الإقدام ـ الإحجام ) بعلاج ما يعانيه الشخص من تناقض وجداني حول الموضوع ، وهذا ليس بالأمر السهل في كثير من الأحيان 0 ويتبع في ذلك إمّا زيادة المحاسن وتقليل العيوب ، فتقوى الرغبة في الهدف ، ويقدم عليه ، أو زيادة عيوبه وتقليل محاسنه ، فتضعف الرغبة في الهدف ويحجم عنه 0 فمثلا الشخص الذي يرغب في عمل ما لما يحققه من مرتب ومميزات ، لكنه في نفس الوقت يكرهه لما فيه من أخطار ، يمكن علاج هذا التناقض بإبراز محاسن العمل أكثر من عيوبه فيقدم عليه ، أو إبراز عيوبه ومخاطره فيحجم عنه 0 كذلك الطالب الذي يرغب في النجاح ويخاف من الاختبارات ، يحل هذا الصراع بتحسين ظروف الاختبارات وتقليل ما فيها من توترات ورهبة ، فيقبل عليها ويحقق النجاح 0 والطفل الذي يحب السباحة ويخاف الماء ، يحل صراعه بتخصيص المكافآت والجوائز لتعلم السباحة ، فيقبل عليها ويتغلب على مخاوفه 0 والشاب الذي يرغب في أن يكون محاميا ، لكنه يخاف من مواجهة الناس يُعالج صراعه بتدريبه على التحدث أمام مجموعات صغيرة ، ثم أمام زملائه في الفصل ، ثم التحدث في حفل ، حتى يتغلب على هذا الخوف ويُقدم على عمل المحاماة ، وهكذا في بقية الأمور والصراعات 0
وعلينا تربية أولادنا على تحمل الصراع وتدريبهم على حله ، حتى ننمي عندهم القدرة على مواجهة الصراعات التي قد يتعرضون لها في مراحل حياتهم المختلفة 0 كما أن علينا مساعدة أولادنا وتلاميذنا على إدراك ما يعانونه من صراعات ، والاعتراف بها صراحة حتى يمكنهم حلها بسرعة ، قبل أن يصيبهم القلق والاضطراب النفسي ، وقبل أن يلجأوا إلى حلها بالحيل الدفاعية النفسية 0 كذلك وهو المهم استخارة الله سبحنه في حل الصراع ، وهو من السنن المؤكدة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سعادة ابن آدم استخارة الله ، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله له 0 وعلى الإنسان الرضا بما كتبه الله فإنك تدعو الله فيما تحب ، فإذا وقع ما تكره فلا تخالف الله فيما أحب 0 قال داؤود عليه السلام : رب أي عبادك أبغض إليك ) ؟ قال : {عبد استخارني في أمر فخرت له فلم يرض به } 0 لأن العلاقة بين العبد وربه لها تأثير كبير في التوفيق والإجابة ، وقد يختبر الله عز وجل العبد ليظهر صبره أو كفره أو رضاه أو سخطه0 فإن لله سبحانه و تعالى ألطاف خفية فيما يراه الناس مصيبة ، فكم من راسب في الاختبار تمكن من النجاح بتفوق في الإعادة ، وكم من فاشل في التعليم فتح الله له أبواب الرزق من حيث لا يحتسب ، فالله يصرف أمور الناس على ما يريد ، ولا تقاس العطايا الإلهية بالمكاسب الدنيوية ، فالله يحمي عبده من الدنيا كما يحمي أحدنا من يحبه من المخاطر ، ويعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا لمن يحب 0 فعليك أن تبذل أقصى جهدك في دراستك وعملك ودعوتك ، وألا تكل ّ ، واترك الأمر لجانب الله تعالى ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " ( واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا ، كان كذا وكذا ، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ) 0وإن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام قد دلنا ماذا نفعل إذا كنا في مثل هذه المواقف ، وذلك بإقامة صلاة الاستخارة 00 قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : (( إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر ـ ويسمي حاجته ـ خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال : عاجله وآجله ـ فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال : عاجله وآجله ـ فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به )) 0فعلى الشخص الذي يكون محتار أن يصلي صلاة الاستخارة ويدعو بذلك الدعاء ثم ينام أو يذهب إلى عمله إن كان في غير وقت النوم ، فإذا شعر براحة وطمأنينة لذلك الأمر الذي سيقدم عليه فليعرف أن له فيه خير وليقدم 00 أما إذا شعر أنه غير مرتاح له وقلبه مقبوض فليعرف أن ليس له فيه خير وليبتعد عنه 00 وقد يصلي الشخص ، ولكنه لا يشعر براحة أو بخوف من ذلك الأمر ، يعني الأمور وسط ، فماذا يفعل ؟ عليه أن يصلي مرة ثانية ، وثالثة حتى يشعر بأحد الأمرين ، إما الراحة والطمأنينة والرغبة أو الخوف والوجل وعدم الرغبة 0

قلب صارخ
27 -10- 2006, 03:45 AM
جزاك الله خير الجزاء

قلب صارخ

ضيف الله مهدي
28 -10- 2006, 04:02 AM
شكرا جزيلا لك أخي الفاضل / قلب صارخ 0
دمت بصحة وعافية 0

أبوإسماعيل
29 -10- 2006, 05:05 AM
سبحان الله

كم في النفس الإنسانية من حالات وتقلبات ودوافع وغرائز وتطلعات

وهذا العلم بحر لا ينضب أبدا .


الله يبارك فيك أخي الكريم ضيف الله

الطموحة
29 -10- 2006, 02:52 PM
مشكور على الموضوع الرائع
الطموحة متابعة دائما

ضيف الله مهدي
30 -10- 2006, 12:35 AM
شكرا جزيلا لك أخي الفاضل / أبو إسماعيل 0
دمت بصحة وعافية 0

ضيف الله مهدي
30 -10- 2006, 12:36 AM
شكرا جزيلا لك أختي الفاضلة / الطموحة 0
أسعد بمتابعتك الدائمة 0
دمت بصحة وعافية 0

روز
30 -10- 2006, 12:37 AM
مشكور اخوي ضيف الله
موضوع اكثر من رائع
الله يعطيك العافيه

ضيف الله مهدي
30 -10- 2006, 02:26 AM
شكرا جزيلا لك أختي الفاضلة / روز 0
دمت بصحة وعافية 0

from Riyadh
30 -10- 2006, 02:51 AM
شكرا لك يا اخصائي المنتدى على المواضيع الشيقة التى لايفكر الكثير من الاخوان فى التعرف على نفسة من خلال مواضيعك التي تلامس بها شخصياتنا .

ضيف الله مهدي
30 -10- 2006, 10:38 PM
شكرا جزيلا لك أخي الفاضل / from Riyadh
دمت بصحة وعافية 0