المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التوراة جاءت من جزيرة العرب( دراسه ) جازان وعسير



مجاهد اليامي
02 -12- 2003, 08:31 PM
التوراة جاءت من جزيرة العرب( دراسه ) جازان وعسير هذا هو اسم كتاب وضعه عربي من لبنان وهو الدكتور كمال الصليبي، أستاذ جامعي يدرس مادة التاريخ ومشهور بموضوعيته وجديته في دراساته التاريخية العديدة التي تناولت بعض الأقطار العربية، وقد ناقش الدكتور الصليبي مضمون كتابه مع عدد من المختصين العرب في عدد من المؤسسات العلمية العربية قبل أن يضعه بصيغته النهائية، وقامت مؤسسة "دير شبيغل" الألمانية بطلب حقوق النشر من المؤلف، وذلك بعد أن تم تقويمه من الناحية العلمية من قبل علماء اللغات السامية، وقد تم نشره بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والألمانية. التقويم نتج عنه توصية بنشر الكتاب في حين وقف علماء التوراة موقف العداء وراحوا يشنون الحملة عليه لأن الكتاب يحمل في ثناياه تناقضا كاملا لنظرياتهم التقليدية التي افتقرت إلى التمحيص والتدقيق فيما يتعلق بأصول التوراة. وهكذا بدأت حملة إعلامية واسعة ضد الكتاب ومؤلفه في أجهزة الإعلام والدوائر الأكاديمية الغربية والصهيونية داخل فلسطين المحتلة وخارجها، ليس هذا وحسب بل إن الكتاب لقي موقفا سلبيا من قبل أوساط عربية أيضا، والغريب أن الكتاب هوجم قبل ان يتم نشره ويخرج إلى النور. سبب العداء الصهيوني الواضح والموقف الهجومي بشكل عام ضد الكتاب يعود إلى النتائج التي خلص إليها: فالمؤلف يطرح نظرية جديدة تقوم على وجوب إعادة النظر في "الجغرافيا التاريخية للتوراة"، إذ يثبت أن أحداث "العهد القديم" لم تحدث في فلسطين، بل وقعت في جنوب غربي الجزيرة العربية، ويستند في ذلك إلى أدلة اكتشفها في مجالي اللغة والآثار، ويقارنها بالمألوف السائد من "الجغرافيا التاريخية للتوراة". أما الهجوم على الكتاب من جانب الأوساط العربية فمرده الزعم أن الكتاب يحمل دعوة لاحتلال بلد عربي آخر، وعن ذلك يقول الدكتور الصليبي: "من يقول هذا القول فإنما يعترف بحق الدعوة الصهيونية ويؤمن بصحتها، من حيث المبدأ، وهكذا نكون كمن يوافق على حق شعب في أن يعود إلى الأرض التي كان موجودا فيها قبل ألفي سنة، المبدأ خطأ، فأنا لا أقول لليهود من خلال كتابي-عودوا إلى عسير واتركوا فلسطين". خلاصة الكتاب تشير إلى أن البيئة التاريخية للتوراة لم تكن في فلسطين، بل في غرب شبه الجزيرة العربية، بمحاذاة البحر الأحمر، وتحديدا في بلاد السراة بين الطائف وجازان على مشارف اليمن، وهكذا فإن بني إسرائيل من الشعوب العربية البائدة، أي من شعوب الجاهلية الأولى، وقد نشأت الديانة اليهودية بين ظهرانيهم ثم انتشرت من موطنها الأصلي إلى العراق والشام ومصر وغيرها من بلاد العالم القديم. وقد يستنتج قارئ الكتاب أن يهود اليوم لا حقوق تاريخية لهم في أرض فلسطين، وحقيقة فإن الحقوق التاريخية للشعوب تزول بزوالها، فيهود اليوم ليسوا استمرارا تاريخيا لبني إسرائيل ليكون لهم شيء يسمى حقوق بني إسرائيل، وذلك بغض النظر أكانت أرض بني إسرائيل أصلا في فلسطين أو في غير فلسطين. أساس هذا الكتاب هو المقابلة اللغوية بين أسماء الأماكن المضبوطة في التوراة بالحرف العبري، وأسماء أماكن تاريخية أو حالية في جنوب الحجاز وفي بلاد عسير مأخوذة إما عن قدامى الجغرافيين العرب أو عن معاجم لغوية حديثة قام بجمعها عدد من العلماء السعوديين. بدوره يشير الكاتب إلى أن نظريته هذه جاءت عن طريق الصدفة إذ كان يبحث عن أسماء الأمكنة ذات الأصول غير العربية في غرب شبه الجزيرة العربية، وعندها فوجئ بوجود أرض التوراة كلها هناك، وذلك في منطقة بطول يصل إلى حوالي (600) كيلومتر وبعرض (200) كيلومتر، تشمل ما هو اليوم عسير والجزء الجنوبي من الحجاز، وكان أول ما تنبه له أن هذه المنطقة المشار إليها تحتوي على أسماء الأمكنة التوراتية العالقة في ذهنه وأن هذه الأسماء ما زالت موجودة في المنطقة، بل إن الخريطة التي تستخلص من نصوص التوراة في أصلها العبري تتطابق تماما مع خريطة هذه الأرض (عسير وجنوب الحجاز)، وهكذا خلص الكاتب إلى استنتاجه القائل أن اليهودية لم تولد في فلسطين بل في غرب شبه الجزيرة العربية، ومسار تاريخ بني إسرائيل-كما روي في التوراة العبرية-كان في غرب شبه الجزيرة العربية. وحسب الدكتور الصليبي فإن الدراسة اللغوية لأسماء الأمكنة في الشرق الأدنى، إذا أخذت في اعتبارها التوزيع الجغرافي لهذه الأسماء، توحي بأن لغة الكتب اليهودية المقدسة، المسماة تقليديا اللغة العبرية، هي عبارة عن لهجة من لغة سامية كانت منتشرة في الأزمنة التوراتية في أنحاء مختلفة من جنوب شبه الجزيرة العربية وغربها، ومن الشام (بما فيها فلسطين)، هذه اللغة تسمى حاليا "الكنعانية" نسبة إلى شعب توراتي كان يتكلمها، وإلى جانب الكنعانية كانت هناك لغة سامية أخرى منتشرة في الوقت نفسه في شبه الجزيرة العربية والشام هي "الآرامية"، نسبة إلى الآراميين التوراتيين. من جانب آخر فإن الانتشار المبكر للديانة اليهودية من موطنها الأصلي في غرب شبه الجزيرة العربية إلى فلسطين وبقاع أخرى في الشمال اتبع مسار القوافل التجارية العابرة لشبه الجزيرة العربية، ففي العالم القديم كان إقليم عسير في غرب شبه الجزيرة العربية مكان لقاء القوافل المحملة بتجارة حوض المحيط الهندي وكذلك تجارة فارس والعراق وبلاد حوض شرق البحر المتوسط، ونظرا لوقوع فلسطيني في الزاوية الجنوبية للشام وبالقرب من مصر فقد كانت هي المحطة الساحلية الأولى لتجارة شبه الجزيرة العربية في ذلك الاتجاه. لكن عمليا، لم يكن اليهود أول من استوطن فلسطين قادما من غرب شبه الجزيرة العربية، بل كان هناك الفلسطينيون (أو الفلسيّون) الذين وصلوا من غرب شبه الجزيرة العربية قبلهم، فصارت البلاد تعرف باسمهم، وهناك أيضا الكنعانيون الذين نزحوا من غرب شبه الجزيرة العربية في زمن مبكر عندما تفرقت قبائلهم، ليعطوا اسمهم لأرض كنعان على امتداد الساحل الشامي شمال فلسطين في المنطقة التي سماها الإغريق فينيقيا. الكاتب يدحض العديد من الأمور التي درج الناس على اعتبارها مسلمات فيؤكد أنه تم البحث بدقة ودأب ولأكثر من قرن عن آثار لأصول للعبريين في بلاد العراق، وعن هجرتهم المفترضة من هناك إلى فلسطين عبر شمال الشام، دون العثور على شيء إطلاقا، كذلك لم يكتشف حتى الآن أي أثر حقيقي غير قابل للنقاش حول الأسر الإسرائيلي في مصر، أو حول الخروج الإسرائيلي من هناك في أي من العصور القديمة. ***** إن لغات العالم القديم، بكتاباتها الغريبة، هي ألغاز بالنسبة لمعظمنا، ولهذا عندما يقول الاختصاصيون رأيهم في موضوع يتعلق بحقل التاريخ القديم نأخذ ما يقولونه على أنه كلام ثقة ونترك لهم وحدهم أن يختلفوا حول النقاط القابلة للجدل، وبهذه الطريقة يمكن أن ينفذوا بأخطائهم دون حساب في المسائل التي يختارون الاتفاق عليها لسبب أو لآخر، وهذا الأمر يصل بالفعل حد الفضيحة في ميدان علم الآثار التوراتي وفي دراسة النقوش والنصوص القديمة التي درج اعتبارها رديفة للتوراة. الكتاب يوضح الفارق بين البحث الأثري العلمي في الشرق الأدنى وما يسمى بعلم الآثار التوراتي، فالأول هو عبارة عن محاولات منظمة وموضوعية لدراسة الثقافات والحضارات القديمة للمنطقة ولتتبع تطورها على أساس بقاياها المادية، مع الإدراك التام لحدود المعرفة التي يمكن التوصل إليها بهذه الطريقة، أما الثاني فلا يمثل أكثر من بحث عن بقايا مادية في مناطق معينة حددتها مسبقا على أنها من أرض التوراة، وذلك لتوفير البرهان الأثري لمفاهيم مسبقة للتاريخ التوراتي، وليس في البحث الأثري عن المواقع التوراتية خطأ من حيث المبدأ، لكن الخطأ هو في الوصول إلى الاستنتاجات التاريخية وتأكيدها على أساس دلائل أثرية غير حاسمة. ويورد الكاتب العديد من الأمثلة التوضيحية نورد هنا أحدها: فعندما تم العثور على قطع فخارية منقوشة في جوار نابلس في العام 1910، كرست هذه القطع على أنها "نقوش السامرة"، غير أن اسم "السامرة" لا يظهر قط عليها، وقد تم تأريخ القطع الفخارية على أنها تعود إلى أعوام 778- 770 قبل الميلاد، وهي تحتوي على سجلات لمبادلات تجارية بين أشخاص ربما كان بعضهم يهودا حكما على ما ورد من أسمائهم الشخصية، لكن هذه القطع الفخارية لا تذكر حتى اسم مكان واحد ولا حتى تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى أية شخصية أو حادثة توراتية، كما أن هذه القطع لا تثبت بأي شكل أن المكان الذي عثر فيه عليها كان "السامرة" التوراتية، وهو ما يعني أنه لا بد من إعادة النظر حتى بالاسم "نقوش السامرة" الذي أطلقه الباحثون التوراتيون عليها. ويورد الكتاب أمثلة على أسماء أماكن وردت في سجلات قديمة للشرق الأدنى وكذلك في "رسائل العمارنة" وهي لوحات مسمارية تعود بتاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد اكتشف أولا في مصر عام 1887، والأمثلة التالية لأسماء أماكن استمرت بالوجود في جنوب الحجاز جيزان وفي عسير بالصيغة الأصلية لأحرفها الساكنة من دون أن يطرأ عليها أي تغيير: -آكا (ءك أو عك): العكة قرب النماص، عُكوة في منطقة جيزان. -أفيرو (ءفر أو عفر): العفراء قرب النماص، عفراء في وادي أضم، عفراء في منطقة الطائف، وأيضا قبيلة العفير أو العفارية. -بورقونا (برقن):البرقان قرب خميس مشيط، البرقان في بني شهر، آل برقان في منطقة جيزان. -مجدلو (مجدل): في إطار ما ورد يجب أن تكون الإشارة هنا إلى القرية الحالية المجدل من ناحية تنومة القريبة من رجال ألمع، وليس أيا من الأماكن العديدة الأخرى التي تحمل الاسم نفسه. -عنثوث(عنتوت) عنطوطه فى جيزان -شفطيا(الشطيفيه) -صبيم (صبيا) -صيدونالوارده فى سفر التكوين الزيدون(قمه جبل فىجبل شهدان فى بنى مالك -حقو هوج علفنى تهوم( اى الحقو وهياج المشرفه على تهامه وهى من قرى الريث -برقوس.كربوس....ابو ارقوش -مجدو (مجد)، تمت المقارنة مع "مجدّو" التوراتية التي لم يعثر عليها إطلاقا في فلسطين بهذا الاسم، خلافا للاعتقاد السائد: الكلام الوارد فيه يوحي بأن مجدو هي مقدي ومقدّي (مقد) الحالية في منطقة القنفذة، وليست المغدة (مغد) قرب الطائف التي هي أيضا مجدو. ولا تتسع هذه العجالة لكل الأمثلة الواردة في الكتاب، غير أنها كلها تثبت أنه كلما أعيد فحص السجلات القديمة ظهر أنها تتعلق بغرب شبه الجزيرة العربية، وأنه حان الوقت لإعادة دراسة هذه السجلات جنبا إلى جنب مع دراسة التوراة العبرية في الضوء الجديد. ***** ورد اسم "تهوم" في التوراة العبرية أكثر من (30) مرة، وقد تم إيضاح وبرهنة أن تهوم هذه هي منطقة تهامة وهي البلاد الهضبية الوعرة في الجانب البحري من مجال عسير، وبعد الدراسة والفحص والتدقيق تبين أن تهوم التوراة العبرية كانت صحراء تهامة الحالية في غرب شبه الجزيرة العربية. وفي الاستعمال التوراتي كذلك تؤخذ كلمة هـ- يردن تقليديا على أنها اسم النهر المعروف في فلسطين-نهر الأردن- لكنها ليست اسما دوما، بل هي تعبير طوبوغرافي يعني "جرف" أو "قمة" أو "مرتفع"، فكلمة هـ- يردن تعني الجرف الرئيسي لسراة عسير الجغرافية الذي يمتد من الطائف في جنوب الحجاز إلى منطقة ظهران الجنوب قرب الحدود اليمنية، وفي معظم الحالات تشير عبر هـ- يردن إلى أراضي عسير الداخلية تفريقا لها عن عسير الساحلية التي كانت يهوذا الإسرائيلية، وبشكل عام تشير الكلمة إلى أي جزء من جرف عسير. ولعل أهم الإيضاحات الواردة في الكتاب ما جاء عن استيلاء الملك داوود على أورشليم وإثبات أن هذه المدينة الجاري الحديث عنها ليست فلسطينية، بل كانت تقع على مسافة ما صعودا باتجاه الشرق في جوار النماص أو تنومة، أي في مرتفعات السراة عبر جرف عسير، إذ يورد الكتاب نصا توراتيا ويقوم بتحليله وتوضيح ما جاء فيه، ليخلص إلى ما يلي: داوود اتجه جنوبا من أورشليم ليستولي على جوار قعوة الصيان في رجال ألمع، ثم استمر في الاتجاه جنوبا إلى الصران في جبل الهروب، وضرب "العورانيين" و "الصحيفيين" وذلك بناء على النصح الذي تلقاه من أهالي أورشليم اليبوسيين، ثم عاد من حملته هذه مع رجال ألمع فحصن "مدينة داوود" في أم صمدة بجوار قعوة الصيان. وهكذا لم تقل التوراة العبرية في أي مكان منها أن "صهيون" أو "مدينة داوود" كانت جزءا من أورشليم، كما أنه يجب البحث عن أورشليم التوراتية في منطقة ما إلى الشمال من قعوة الصيان (وهي جبل صهيون) لأن داوود اتجه جنوبا من أورشليم ليصل إلى حصن صهيون، والأرجح هو أن أورشليم هذه (المختلفة عن أورشليم الفلسطينية) يمكن أن يعثر عليها فورا على مسافة حوالي (35) كيلومترا إلى الشمال من بلدة النماص في سراة عسير، شمال أبها، وهي القرية التي تسمى اليوم آل شريم التي يحتوي اسمها على بعض التحريف التعريبي عن الأصل يروشليم. ومن سلسلة الأسئلة التي يطرحها الكاتب ويجيب عليها بشكل علمي دقيق سؤال حول كون بني إسرائيل في الأصل عبرانيين، ويوضح الدكتور الصليبي أن نصوص التوراة لا تعطي جوابا قاطعا على هذا السؤال، لكن فيها ما يشير بشكل خفي إلى أن بني إسرائيل لم يكونوا جميعا بالضرورة من أصل عبراني، بل إن العنصر العبراني كان هو العنصر المسيطر عليهم في بداية أمرهم، ومن جهة أخرى وفي إجابة على تساؤل آخر يؤكد الصليبي أن اللغة العبرية أو العبرانية لم تكن لغة بني إسرائيل والعبرانيين وحدهم، بل كانت هذه اللغة واسعة الانتشار ليس في غرب شبه الجزيرة فقط، وإنما أيضا في أماكن أخرى، ومنها فلسطين وما يليها شمالا من غرب الشام، وقد كانت اللغة العبرية تعرف بـ "سفت كنعن" أي لغة كنعان ومنها لغة التوراة وغيرها من اللهجات الكنعانية القديمة ومنها الأوجاريتية والفينيقية. ويفند الكاتب أيضا ما أشيع بين الباحثين بأن "الفلستيّين"-وذلك حسب الفقرات التوراتية-كريتيون نسبة إلى جزيرة كريت في البحر الأبيض المتوسط، وقد انتقلوا واستوطنوا فيما بعد في ساحل فلسطين، ويثبت المؤلف أن الفلستيّين الذين تتحدث عنهم التوراة لم يكونوا فلستيي فلسطين، بل قام الصليبي بتحديد هوية الفلستيين والعودة إلى جذورهم القبلية ليصل إلى أنهم كانوا من شعوب غرب شبه الجزيرة العربية الذين جاوروا بني إسرائيل في القدم على امتداد ساحل البحر الأحمر، وفي مرتفعات السراة وفي حوض وادي بيشة في الداخل، وكان مركزهم الأصلي والأساسي في الأراضي المحاذية لساحل تهامة. لم يغفل الكاتب عن تناول ديوان صغير من الشعر الغرامي ورد في التوراة العبرية- تناوله بالتمحيص والتفسير ليصب في مصلحة نظريته التي دأب على تأكيدها منذ البداية، إذ بين أن أسماء الأماكن الواردة في مجموعة الأغاني الشعبية الواردة في الديوان كانت تعود إلى سلسلة من الذرى الجبلية التي تمتد على شكل هلال لتفصل بين منخفضات منطقة جيزان وبلاد السراة إلى الجنوب من أبها وما يليها من الداخل. ***** يأتي الكاتب على ذكر أرض "يهوذا" بالتفصيل، ليبرهن في كتابه أن هذه الأرض كانت تشمل الجانب البحري من عسير الجغرافية، من الشق المائي لامتداد السراة وحتى صحراء تهامة الساحلية. "فيهوذا" في التوراة هو سبط من "أسباط إسرائيل"، أي قبائل بني إسرائيل، وقد أخذ هذا السبط اسمه من جده الأعلى يهوذا بن يعقوب المدعو أيضا إسرائيل، ويهوذا أيضا اسم المملكة التي استمرت تحت حكم بني داوود بعد وفاة سليمان ومن اسم هذه المملكة جاء اسم اليهودية كدين لأن عبادة يهوه البدائية تحولت إلى دين خلقي مصقول على أيدي الأنبياء الذين رعاهم ملوك يهوذا. إذن، فإن يهوذا كان اسما جغرافيا قبل أن يصبح اسما لقبيلة من بني إسرائيل، وصيغته العبرية "يهوده" هي اشتقاق من "يهد" المماثلة للعربية "وهد"، وهو جذر يفيد معنى الانخفاض أو الهوة في الأرض، ويهود ويهوده التوراتيتان تأتيان من الكلمة العبرية يهد وكانتا تعبيرين طوبوغرافيين ساميين قديمين يحملان المعنى نفسه. ويوضح الدكتور الصليبي أن الأرض الهضبية الممتدة على الجانب البحري من عسير الجغرافية ليست مجرد أرض تحتوي على قمم وسلاسل متضافرة فيما بينها، بل هي تحتوي أيضا على "وهاد" منخفضة تتعرج بين هذه القمم والسلاسل، وهذا ما أعطى "يهوذا" القديمة اسمها، ويسوق المؤلف أمثلة تثبت صحة نظريته وذلك من "سفر عزرا" و "سفر نحميا"، إذ يدرج في نصين من "السفرين" أسماء المجموعات العائدة من بني إسرائيل في أيام "الأخمينيين" من الأسر في بابل إلى أرض "يهوذا"، وذلك استنادا إلى البلدان والقرى الأصلية لها وليس استنادا إلى القبيلة أو الأسرة، وباستعراض النصين، تمكن المؤلف من العثور بسهولة على الأكثرية العظمى من البلدان والقرى التي أورد ذكرها سفرا "عزرا" و "نحميا" كمواقع ما زالت موجودة وتحمل الأسماء نفسها، أو بصيغ من هذه الأسماء يسهل التعرف عليها بشكل آني ومباشر، وذلك في أجزاء من غرب شبه الجزيرة العربية تمتد من جوار الطائف والليث شمالا وحتى منطقة جيزان في الجنوب. كما أن الأسماء الواردة والتي يفترض أنها أسماء لكهنة أو "لاويين" أو مغنيين أو بوابين أو خدم المعبد أو "عبيد سليمان" هي أسماء تشير إلى جماعات آتية من مناطق معينة في الإقليم العام نفسه ومن مناطق مجاورة في شبه الجزيرة العربية، وخصوصا في منطقة نجران وجوارها، ثم يأتي المؤلف على التعريف الجغرافي بهذه الفئات الست الأخيرة، ونورد القليل من الأمثلة على تعريفاته المستفيضة: -الكهنة (الكهنيم): كلمة كهنيم التوراتية ليست صيغة الجمع لكلمة كهن أو كاهن بالعبرية، بل هي جمع لكلمة "كهني" منسوبة إلى "كهن" كاسم مكان لتعني بذلك شعب كهن، والموطن الأصلي لكهنم هو قهوان وهي من قرى وطن سلوا بمنطقة نجران. من هنا يتضح أن "كهنيم" كان اسما أطلق في زمن التوراة على مجتمع امتد موطنه في وادي نجران باتجاه الشمال حتى وادي حبونا، وباتجاه الشمال الشرقي إلى منطقة اليمامة في وسط شبه الجزيرة العربية، ونظرا لوجود أرض الكهنيم في منطقة داخلية، فقد كانت لذلك منطقة ملحقة بأرض "يهوذا" أكثر مما كانت جزءا منها. -اللاويون (اللويم): كانوا مجتمعا يعود في أصوله إلى ما هو اليوم قرية لاوة في وادي أضم، وفي وادي أضم نفسه ما زالت هناك قرية هُديّة وهي ليست إلا "هودويا" المذكورة في كل من "عزرا" و "نحميا" إذ يذكر في السفرين أن شعب "هودويا" وشعب - الـ "لويم" هم "بنو يشوع" و "قدمئيل"، وهذا عبارة عن مكانين متجاورين قرب بلدة غميقة الحالية في منطقة الليث، على مسافة ما إلى الأسفل من وادي أضم، وتتمثل "يشوع" اليوم بقرية (شعية) بينما تتمثل "قد يمئيل" بقرية (القدمة). -عبيد سليمان (عبدي شلمه): كان الـ "بني عبدي شلمة" قبيلة تعود في أصولها إلى ما هو اليوم قرية آل عبدان (عبدن) من ناحية فيفا في منطقة جيزان، وهذه القرية معرفة توراتيا بالنسبة إلى قرية من الناحية ذاتها اسمها (آل سلمان يحيى) واسم سلمان أو سليمان تعريب للاسم التوراتي "شلمه"، وقد عرفت آل عبدان هذه بأنها "عبدان سلمان" لتمييزها عن موقع من ناحية بني الغازي من منطقة جيزان اسمه أيضا "عبدان". جدير بالذكر أنه من بين أسماء الأماكن الـ 130 الواردة في لوائح "عزرا" و "نحميا" والمحددة بقرى غرب شبه الجزيرة العربية، ليس هناك إلا قلة قليلة جدا من الأسماء التي حددت بأماكن موجودة في فلسطين، وهي أربعة أسماء فقط: بيت لحم، ولد، ونبو، وأريحا، وهذا وحده يقود إلى الاستنتاج بأن الأرض التي تسميها التوراة يهوذا، يجب البحث عنها في غرب شبه الجزيرة العربية وليس في أي مكان آخر، وأنه يمكن للباحث أن يحلل نصوصا توراتية أخرى تتعلق بجغرافية أرض "يهوذا" لزيادة البرهان أن هذه الأرض كانت في عسير وجنوب الحجاز وليس في فلسطين، ولكن ما ورد في هذا الكتاب يكفي لإثبات الحد الأدنى من الواقع. بقي أخيرا أن نقول أن هذا الكتاب المقسم إلى سبعة عشر قسما معنونا والمحتوي على خرائط توضيحية عديدة- يمتاز بغزارة الأمثلة التوضيحية ومنطقية التحليل وموضوعية النتائج والاستنباطات لذلك فإن هذه الأوراق المتواضعة لا يمكن لها أن تعطي سوى النزر اليسير لما يحتويه الكتاب من معلومات قيمة كلها تثبت مدى صدق نظرية مؤلفه التي تفيد أن بني إسرائيل لم يكن لهم دولة في يوم من الأيام في أرض فلسطين التاريخية الممتدة من النهر إلى البحر، وإنما كانت دولتهم قائمة في غربي شبه الجزيرة العربية وفي عسير. وحسب قول المؤلف فإن الكتاب يبحث في الجغرافيا التاريخية للتوراة وليس في أي أمر آخر، بما فيه الصهيونية، والغرض منه هو توضيح غوامض التاريخ التوراتي عن طريق إعادة النظر في خريطة التوراة. وعن الدكتور الصليبي نقول: هو كمال سليمان الصليبي، درس التاريخ واللغات السامية في الجامعة الأمريكية في بيروت، وتخصص في تاريخ الشرق الأوسط في جامعة لندن، وهو من أساتذة دائرة التاريخ والآثار في الجامعة الأمريكية في بيروت، ومن مؤلفاته: "تاريخ لبنان الحديث"، و "منطلق تاريخ لبنان"، و "تاريخ الجزيرة العربية" بالإنجليزية، و "بلاد الشام في العصور الإسلامية" بالإنجليزية.

شخابيط العبيط
02 -12- 2003, 10:20 PM
شكرا جحفان
على هذا الجهد
والموضوع فعلا مهم

السهلي
03 -12- 2003, 12:02 AM
موضوع مهم ويستحق القراءة

شكرا جحفان

أبو فارس
03 -12- 2003, 01:43 AM
جحفان



خاف الله فينا يعني من عنطوطة وشام كلنا اصلنا يهود

علشان كذا نقول محراضية يهود اثرنا كلنا

الله يستر