المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوساوس المتسلطة والأفعال القسرية



ضيف الله مهدي
21 -02- 2007, 11:43 PM
• الوساوس المتسلطة والأفعال القسرية Obsessive-Ompulsive Neurosis:
الوساوس من المشكلات العصيبة التي يتعرض لها عدد كبير من الناس ، وهي متفاوتة في خطورتها، فقد تبدأ بأمور بسيطة عارضة حتى تصل بصاحبها إلى قضايا خطيرة، كالوساوس القهرية وما تسببه من شكوك قد تتصل بمسلمات دينية وثوابت عقدية مثل الشك في وجود الله تعالى، وفي عقيدة القضاء والقدر، وفي أداء العبادات كالطهارة والصلاة وغيرها من العبادات 0 قال ابن منظور رحمه الله تعالى: "الوَسْوَسَة والوَسْواس: الصوت الخفي من ريح، والوَسْوسة والِوسْواس: حديث النفس، يقال: وَسْوَست إليه نفسه وَسْوَسَة وِوسْوَاساً، بكسر الواو المصدر، وبالفتح الاسم، مثل الزِّلزال والزَّلزال، والوَسْوَاس بالفتح هو الشيطان، وكل ما حدثك به ووَسْوَس إليك.. ورجل مُوَسوس إذا غلبت عليه الوَسْوَسة" وقد تناول قدماء الأطباء المسلمين موضوع الوساوس بشيء من التفصيل ، ومنهم أبو زيد البلخي الذي ذكر أنَّ : "المريض لا تزال تلمُّ به وساوس القلب التي قد تكون من جنس ما يحبُّ مثل عشقه شيئاً يهواه ، فيعلق قلبه به ويصرف فكره في كل الأوقات إليه ، ويخطر بباله كلَّ حين ، ويجعله نصب وهمه دائماً ، فيمنعه ذلك من التفكير فيما سواه ، ويشغله عن أكثر أعماله وعن قضاء أوطاره 0 وقد تكون الوساوس من جنس ما يخافه المريض ويخشاه من أمرٍ لعله يحلُّ به عن قريب ، وأشده ما يخشى أن يصيبه في أمر بدنه وحياته فإن هذا من أصعب المخاوف وأشدها تمكناً من القلب واستيلاءً عليه ، وهو أيضاً وسواس أصعب من الذي قبله، لأن انشغال الفكر بما يحبه الإنسان فيه حظ من اللذة ، فأما انشغاله بمكروه يتوقعه فهو مؤذٍ للنفس 0 وصاحب الوسواس في حال اليقظة شبيه بصاحب الأحلام المروعة في حال النوم 0 والوساوس أفكار غير منطقية تحدث بشكل متكرر وتسبب الكثير من القلق ولكن لا يمكن التحكم بها عبر التفكير بأفكار منطقية. وتشمل الوساوس القهرية الاهتمام الشديد بالأوساخ والجراثيم والشكوك المتكررة (على سبيل المثال في كون المرء قد أغلق الموقد أو الفرن)، والأفكار عن العنف أو إيذاء الآخرين، والحاجة لأن تكون الأشياء موضوعة في نظام معين. وعلى الرغم من أن الأشخاص المصابين بهذه الوساوس يدركون أن أفكارهم غير معقولة ولا تتعلق بمشكلات الحياة الحقيقية، إلا أن هذه المعرفة ليست كافية لجعل الأفكار الغير مرغوب فيها تذهب. وعلى العكس من ذلك، فأثناء محاولة التخلص من الأفكار الوسواسية، فإن الأشخاص المصابين بعرض الوسواس القهري يقومون بأعمال قهرية أو طقوس أو تصرفات متكررة لتقليل قلقهم. ومن أمثلة الأعمال القهرية غسل الأيدى المتكرر (لتجنب العدوى)، وتفقد الباب و إعادة تفقده مرارًا وتكرارا للتأكد من إغلاقه ومن أن الفرن مغلق (لتهدئة الشكوك وتجنب الخطر)، وإتباع قواعد صارمة من النظام (وضع الملابس في نفس الترتيب كل يوم). ويمكن أن تصبح الأعمال القهرية زائدة عن الحد ومزعجة لنظام الحياة اليومية وأن تستغرق الكثير من الوقت بحيث تأخذ أكثر من ساعة في اليوم وتتدخل بشكل كبير في النشاطات اليومية والعلاقات الاجتماعية 0 وعادة ما تبدأ الوساوس القهرية في مرحلة المراهقة أو بداية النضج، ولكن يمكن أن تحدث لأول مرة في مرحلة الطفولة وتؤثر في الرجال والسيدات بنفس الدرجة ويبدو أنها تنتشر في اسر بذاتها. و من الممكن أن يصاحب الوسواس القهري أعراض القلق المرضي الأخرى مثل الاكتئاب ومشكلات تناول الطعام أو الإدمان. ويعاني حوالي 2% من الشعب سنويًا من الوسواس القهري 0وكلمة الوسواس في الأدب العربي والكتابات القديمة عن الأمراض النفسية تعني الخوف من المرض أو القلق على المرض والانشغال الزائد بالصحة، وأحيانا توهم المرض والاعتقاد الجازم بوجوده برغم عدم وجود الدليل على ذلك. وقد وردت كلمة الوسواس في القاموس العربي الطبي الموحد كترجمة لكلمة ( Obsession ) الإنجليزية ، وهو عرض نفسي يحصل على شكل فكرة أو دافع ، أو تخيل متكرر برغم مقاومة المصاب له، ويكون محتواه عادة مزعجا 0 أما كلمة القهري فقد وردت كترجمة لكلمة (Compulsion) وتعني عرضاً نفسياً يتميز بالقيام بعمل أو طقوس وهي سلسة من الأعمال بصورة قهرية أي برغم مقاومة المصاب وأحيانا بصورة متكررة ، وغالباً ما تجتمع الوساوس والأعمال القهرية معاً ولذا سميت الحالة الوسواس القهري وبعض الكتب العربية تستعمل كلمة التسلطي بدل القهري 0
وتختلف هذه الأعمال الو سواسية من مريض إلى آخر ، وتأخذ أشكالاً عدة ، إلا أن أكثرها انتشاراً هو ( وسواس التلوث ) حيث يشعر المصاب بأنه قد تلوث بشيء ما من أوساخ وجراثيم وربما بنجاسة ، ولذلك فإننا نراه يغسل ، ويغسل ، ويكرر ذلك كثيراً ، حتى لربما أصيب بحالة من التهابات الجلد ..!! وقد يسيطر على المريض هوس النظافة للمنزل أو للمتعلقات الأخرى ، فتراه لا يهدأ حتى يبدأ بتنظيفها وترتيبها ولا يكاد ينتهي حتى يبدأ من جديد ، وهكذا . وقد تكون الوساوس القهرية مرتبطة بالحاجة للأمن ، والخوف من المجهول ، بشكل يتعدى المألوف 0 فترى المصاب يكرر قفل الأبواب والنوافذ ، ويتأكد من ذلك مرات ومرات في الليلة الواحدة ، وينظر لمصادر الكهرباء أو الغاز أو غيرها ، ويعيد النظر عشرات المرات بشكل مزعج له ولمن معه .
ويقسم الأطباء الوساوس القهرية إلى قسمين وهما :
1ـ الوساوس والشكوك الفكرية أو الأفكار الو سواسية القهرية : وهي الأفكار التي تتكرر على ذهن المصاب ، ولا يستطيع دفعها رغم غرابتها أحياناً ، ومع ذلك فإنها تفرض نفسها عليه وعلى تفكيره رغماً عنه ، ودون إرادته 0 وترتبط كثيراً بأمور الإيمان أو الاعتقاد أو الخلق وكثير من المسلمات البديهية في حياة المرء ، وغيرها 0 وهي الخلل في الفكرة ( وسواس ) 0
2ـ الأعمال الو سواسية القهرية أو العادات والسلوكيات : حيث يشعر المصاب برغبة ملحة للقيام ببعض الأعمال أو اللزمات السخيفة أحياناً وغير المنطقية ، بل ويكررها بشكل غريب، وربما شعر بالرغبة الملحة في تكرار أعمال يكفيه منها إجراءها أول مرة .. كتكرار غسل اليدين أو الوجه أو الوضوء أو إغلاق الأبواب والتأكد منه أكثر من مرة ، وغيرها الكثير وتتباين الدرجة بين المصابين بذلك بين مقل ومكثر إلا أن الجدير ذكره هنا ، هو أن هذا الأمر إن لم يعالج ويوقف عند حد معين ، فإنه يزداد مع الوقت شيئاً فشيئاً ، ونستطيع أن نقول أنها الخلل فقط في العمل (القهر) 0
و قد يكون المرض مركباً من الوسواس والقهر ( الاثنين معا ً) والأكثر شيوعاً هو الوسواس القهري 0
• تعريف الوساوس المتسلطة والأفعال القسرية :
1ـ يعرف الوسواس المتسلط Obsession : بأنه فكرة أو صور أو اندفاعات ، تتسلط على الفرد وتلح عليه بالرغم من شعوره بسخافتها وعرقلتها لسير تفكيره 0 وإذا رغب في التخلص منها واجهته بمقارنة ، وإذا أراد الانشغال عنها عاودت الظهور والإلحاح ، وإذا اشتد سعيه للتخلص منها فإنه يعاني قلقا حادا 0
2ـ ويعرف أيضا بأنه : نوع من تسلط فكرة محددة وكريهة ومرفوضة على ذهن الإنسان، وتأتي هذه الفكرة بشكل متكرر جدّا، وتقتحم على الإنسان حياته لتفسدها تماما، وهذا النوع لا يمكن التحكم فيه أو السيطرة عليه مهما بذل الإنسان من جهد في الاستعاذة أو محاولة صرف التركيز الذهني عنه 0
3ـ ويعرف أيضا بأنه : أفكار أو صور ذهنية أو نزعات تتكرر وتتطفل على العقل بحيث يحس الشخص أنها خارجة عن سيطرته، وتكون هذه الأفكار بدرجة من الإزعاج بحيث يتمنى صاحبها مغادرتها من رأسه ، وفي نفس الوقت يعرف صاحب الأفكار أن هذه الأفكار ليست إلا تفاهات أو خرافات 0 ويصاحب هذه الأفكار عدم الارتياح ، والشعور بالخوف أو الكراهية ، أو الشك أو النقصان 0
4ـ ويعرفها البعض بأنها : تسلط فكرة أو مجموعة أفكار معينة بشكل مبالغ فيه على ذهن الفرد باستمرار على الرغم من أنه يدرك عدم منطقية هذه الفكرة وسخفها وغير فائدتها إلا أنه لا يستطيع أن يخلص نفسه منها ، ويشعر بالقلق والتوتر إذا قاوم ما توسوس به نفسه ، يشعر أيضا بإلحاح داخلي للقيام بهذه الفكرة 0

ضيف الله مهدي
21 -02- 2007, 11:45 PM
ومن أمثلة هذه الوساوس :
1ـ الاجترار الوسواسي : وهو الوقوع في شراك مجموعة من الأفكار متعلقة بموضوع معين بحيثُ لا يستطيع المريضُ التوقف عنها وعادةً ما يكونُ الموضوعُ نفسه من المواضيع التي لا معنى للتفكير فيها ، أو من المواضيع المحرم شرعًا بالنسبة للشخص أن يخوضَ فيها مثلَ : منْ خلقَ الله ؟ أو كيفَ يستطيعُ الله أن يراقبَ كل هذا الكم الهائل من البشر...إلى آخره0
2ـ استحواذ فكرة الوسخ والتنجيس : وتشمل مخاوف بلا أساس من التقاط مرض خطير ، أو الخوف المبالغ من الوسخ أو النجاسة أو الجراثيم (أو حتى الخوف من نقلها إلى الآخرين أو البيئة أو المنزل ) ، أو كراهية شديدة للإخراجات الشخصية ، أو الاهتمام الزائد عن الحد بطهارة ونظافة الجسم 0
3ـ شكوك غير طبيعية : وتتمثل في شكوك لا أساس لها من أن الشخص لم يقوم بالشيء على وجهه الصحيح ، مثل إغلاق أجهزة أو إتمام الوضوء أو الصلاة على وجهها الأكمل0
4ـ أفكار دينية مستحوذة : مثل: الخوف المبالغ فيه من الموت ، أو الاهتمام غير الطبيعي بالحلال والحرام ، والخوف الزائد من ارتكاب الذنوب والمعاصي ، وأفكار ووساوس مزعجة بانتهاك الحرمات والأعراض والوقوع في الكفر، ضغط عصبي شديد بسب الدين والله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم مع العجز عن وقف هذا السباب 0
5ـ أفكار تطيرية أو خيالية : الاعتقاد أن بعض الأرقام أو الألوان أو ما أشبهها هي محظوظة أو غير محظوظة 0
6ـ أفكار تسلطية : وغالباً ما تكون دون سلوك قهري ، أي أنها أفكار فقط دون استجابة عملية وهو نوع مزعج جداً من الأفكار ، لأن صورها غالباً ما تكون صوراً أو أفكاراً جنسية أو غير أخلاقية مع الأقارب أو الأطفال أو مع الناس المقدسين كالأنبياء ، أو تكون على شكل رغبة عدوانية لإيذاء الآخرين 0 وغالباً ما يشعر المريض معها بالذنب وتأنيب الضمير ويصاحبها الشعور بالدونية والكآبة ، وبالذات لو أصابت رجال الدين أو المتدينين عموماً 0
أمّا الفعل القسري Compuksion : فهو فعل أو سلوك حركي يتسلط على الفرد ويلح عليه ، ولا يستطيع التخلص منه رغم محاولاته في ذلك 0 وإذا حاول التغلب عليها ومقاومتها فإنه يعاني الضيق والقلق الحاد 0
• العادات والسلوكيات :

المصابون بالوساوس القهرية يحاولون التخلص من الأفكار المتكررة، عن طريق القيام بعادات اضطرارية، والقيام بهذه العادات لا يعني أن القائم بها مرتاح من قيامه بها، ولكن العمل بهذه العادات هي لمجرد الحصول على راحة مؤقتة من تكرار الوسواس، ومن هذه العادات والسلوكيات :
1ـ التنظيف والتغسيل الكثير : التكرار الروتيني المبالغ فيه للغسيل أو دخول الحمام أو تغسيل الأسنان ، أو الشعور الذي لا يمكن التخلص منه بأن الأواني المنزلية مثلاً نجسة ، وأنه لابد من غسلها بما فيه الكفاية حتى تكون نظيفة بالفعل 0 ويعرف هذا السلوك عند الأطباء المختصين باسم : ( البطء الوسواسي القهري ) ، حيث يقضي أصحابه فترات مفرطة في الطول "ساعات" لقضاء أفعال يفعلها معظم الناس خلال دقائق ، ومن الأمثلة المستمدة من تراثنا على ( البطء الوسواسي ) ما ذكرهُ عبد الوهاب الشعراني إذ يقول : " وَشهدتُ أنا بعينيَّ موسوساً دخلَ ميضَأةً ليتوضأ قبل الفجر من ليلة الجمعة فلا زال يتوضأ للصبح حتى طلعت الشمسُ ، ثم جاءَ إلى باب المسجد فوقفَ ساعةً يتفكر ، ثم رجعَ إلى الميضأةِ ، فلا زال يتوضأ ويكررُ غسلَ العضو إلى الغاية ، وينسى الغسل الأول ، ولم يزل حتى خطبَ الخطيبُ الخطبةَ الأولى ، ثم جاءَ إلى باب المسجد فوقفَ ساعةً ورجعَ ، فلا زالَ يتوضأ حتى سلمَ الإمامُ من صلاة الجمعة ، وأنا أنظرُ من شُبَّاكِ المسجد ، ففاتته صلاةُ الصبح والجمعة !!! 0
2ـ الشك في عدم طهارة الماء المتوضأ به ونجاسته ، وعدم التيقن من نزول الماء على كل مكان في العضو بنفس قوة جريانه على باقي الأعضاء ، والوسوسة الشديدة في انتقاض الوضوء سواء بخروج ريح أو نزول نقطة مَذْي أو بول أو لمس القدم للأرض أو رذاذ الماء، والشك المستمر في نجاسة الملابس والمياه المكشوفة ، والشك في النية في العبادات كالوضوء والصلاة 0
3ـ الوسوسة في مخارج الحروف وعدم نطق الكلمة بالصورة الصحيحة والتكلف فيها بكثرة تكرارها 0 الوسوسة في التكبير والفاتحة وغيرها من أركان الصلوات المنطوقة ، والوسوسة في ضبط اتجاه القبلة ، والوسوسة في الطعام هل تم ذبحه بالطريقة الشرعية ؟ وهل الذي ذبحه مسلم أم لا ؟ 0
4ـ الاضطرار لعمل شيء معين إلى أن يصبح صحيحاً : مثل تكرار العبادات خشية القيام بها بصورة خاطئة ، وكذا تكرار الأذكار 0
5ـ الإحساسُ المتضخمُ بالمسؤولية ، مثل : استعادة الحديث الذي تم إجراؤه مع الناس للتأكد من عدم الكذب فيه أو مخالفة الحقيقة 0
6ـ سلوكيات تعتمد على اعتقادات تطيرية، مثل : النوم في وقت معين حتى يبعد الشر0
والمصاب بالوساوس القهرية يتمنى لو أنه تخلص من الأفكار الشنيعة أو الأفعال المتكررة، ولكنه لا يقدر، وربما يكون من الصعب جداً على المريض علاج نفسه ، وخصوصاً أن العلاج السلوكي يحتاج إلى مواجهة المرض ، وقد لا يعرف مدى شدة الألم الذي يصيب المريض بمرض الوساوس القهرية سوى الشخص المصاب به ، ولكن هذا الألم لا يمكن الهروب منه، لذلك نقول للمريض إن المرض لن يختفي إن تُرك للوقت ، فالعلاج الدوائي والسلوكي (وهو الأهم) وإن كان مؤلماً في البداية ولكنه بعد مدة من الزمن سيذهب ، وهذه الأفكار التي تزعج وتقلق المريض ستزول وتضعف تدريجياً إن شاء الله تعالى ، حتى تصبح بلا قيمة 0

ضيف الله مهدي
21 -02- 2007, 11:47 PM
• هل الشيطان وراء الوسواس القهري؟
مفهومان قديمان موجودان منذ خلق الله الإنسان، يمسانه ويؤثران في حياته بشكل مباشر، ويختلطان في الأذهان الوسواس القهري ، والشيطان ! فهل من علاقة بينهما؟ وهل يؤثر أي منهما في الآخر؟ إن الوسواس القهري واحد من المواضيع التي تغيرت الأفكار العلمية بشأنها تغيرا مذهلا خلال العقدين الأخيرين ، بحيث إن مفاهيم عمرها يزيد على مئات السنين تم محوها تماما واستبدالها بعكسها خلال بضعة أعوام 0 وخبرة الوسوسة كخبرة نفسية معرفية وشعورية هي خبرة تحدث في 90% من البشر في كل المجتمعات ، ومعنى ذلك أن الوسوسة قديمة قدم العقل البشري ذاته ، وبالرغم من ذلك لم يصل إلينا تفسير لها؛ من حيث كونها خبرة بشرية عامة ، يسبق التفسير الإسلامي القديم الذي قسمها إلى نوعين هما :
1ـ وسوسة النفس 0 2ـ ووسوسة الشيطان 0
وينطبق هذا على مفهوم الشيطان؛ فهو أيضا مفهوم قديم؛ لأنه موجود ــ وإن كان بصورة غير واضحة ــ في معظم الحضارات القديمة كقوة مسئولة عن الشر بوجه عام ، وهو موجود في الديانة اليهودية وفي الديانة المسيحية أيضا ، إلا أن مفهوم الشيطان لم يظهر بشكل واضح كما ظهر في الإسلام ، ولا كان هناك ربط ما بين الوسوسة وبين الشيطان قبل الفهم الإسلامي 0
ونظرا لأهمية هذا الاضطراب وللخلط الحادث في أذهان الناس خاصة في نواحيه المتعلقة بالدين الإسلامي، كانت هذه المحاولة لإظهار الفرق والعلاقة بينهما، وتبيين سبب هذا الخلط 0
• الوسواس القهري بين الدين والطب النفسي :
الشيطان بنصّ القرآن الكريم هو الوسواس الخناس ، و الوسواس الخناس هو نوع من أنواع الدس الشيطاني وهذا الدس له هدف وهو انحراف الإنسان سواء كان الانحراف العقائدي أو السلوكي فيشعر الإنسان المصاب به أن ثمة شيء يمنعه عن الصلاة وعن الأعمال الحسنة ويدفعه لفعل كل ما هو فاحشة ومنكر 0 وهو الذي وسوس لآدم ولحواء عليهما السلام بأن يأكلا من الشجرة ، فتسبب في طردهما من الجنة ، كما أن النفس البشرية في الفهم الإسلامي مصدر من مصادر الوسوسة ( النفس الأمّارة بالسوء ) ، إلا أن الوسوسة في تراثنا تعني معنى آخر هو التشدد في الدين ، كما تعني الوسوسة العديد من المعاني عند الناطقين بالعربية ، مثل الشك والتكرار والخوف على الصحة ، إلى آخره 0
وقد كان لذلك تأثير كبير على تعامل المسلمين مع معطيات البحث العلمي الحديث فيما يتعلق بالوسواس القهري ؛ لأن غير الطبيب النفسي إنما يقف حائرا أمام خبرات نفسية يفسرها الشيوخ بشكل ويفسرها الأطباء بشكل مختلف ، بينما الحقيقة هي أن ما يتكلم عنه الطبيب النفسي شيء وما يتكلم عنه الشيوخ شيء آخر ، بالرغم من التشابه بينهما 0

• كيف تكتشف الوسواس القهري ؟ :
وهناك ثلاثة أنواع من الأفكار التي تخطر على ذهن الإنسان بشيء محرم 0
1ـ النوع الأول : فكرة أو أفكار تدعو الإنسان لفعل شيء محبب للنفس مثل : الزنا أو غيره، وهذه الأفكار يكون مصدرها حديث النفس ، أو وسوسة الشيطان ، أو تأثيرات الواقع المحيط بالإنسان الذي يزين له الوقوع في هذا الأمر، وغالبا ما تتنوع هذه الأفكار في أشكالها وتفاصيلها، وترتبط بالمستوى الإيماني للإنسان ، وصحبته الخيرة ، وانشغال ذهنه بهذا الأمر المحبب للنفس ، أو بغيره من أنشطة تصرف الذهن عنه ، وعلاج هذه الأفكار أساسا يكون بالاستعاذة ، واستثمار الطاقة النفسية والفكرية والاجتماعية في صداقات واهتمامات نافعة 0
2ـ النوع الثاني : فهو وساوس في العبادة مثل الزيادة أو النقص في الصلاة وهو من الشيطان ، ولا يتكرر إلا بمعدل متقطع ، وعلاجه الاستعاذة ، والخشوع والتركيز في أداء العبادة 0
وكلا النوعين السابقين يمكن التحكم فيهما ، والسيطرة عليهما ببذل بعض الجهد 0
3ـ والنوع الثالث : وهو الوسواس القهري وهو " بتبسيط " نوع من تسلط فكرة محددة وكريهة ومرفوضة على ذهن الإنسان ، وتأتي هذه الفكرة بشكل متكرر جدّا، وتقتحم على الإنسان حياته لتفسدها تماما، وهذا النوع لا يمكن التحكم فيه أو السيطرة عليه مهما بذل الإنسان من جهد في الاستعاذة أو محاولة صرف التركيز الذهني عنه 0 ومحتوى هذه الأفكار قد يكون دينيّا أو دنيويّا ، في العقيدة أو في غيرها من شئون الحياة، وهذه الأفكار تعبير عن المرض الذي يصيب الملتزم وغير الملتزم، المؤمن والكافر بنفس الكيفية والأعراض والمواصفات بغض النظر عن اختلاف محتوى الفكرة من شخص لآخر، كما أن هذا المرض لا علاقة له بالجن أو غيره، فهو مرض تتضافر فيه بعض العوامل الوراثية، والاضطرابات البيولوجية الكيميائية الجسدية، والاختلالات النفسية الفردية، وبعض التأثيرات الثقافية والاجتماعية لتنتج الأعراض التي يشكو منها المريض 0
الاستعانة بالله ، والأخذ بالأسباب هي ما نحتاج إليه في كل الأحوال ، ومن الأخذ بالأسباب العلاج بالعقاقير في حالة المرض، والصبر على علاج نفسي قد يطول، ويستحسن أن يبدأ فور تشخيصه على أنه وسواس قهري، أما إذا كانت مجرد خواطر سوء متنوعة تأتي لتشغل التفكير حينا ثم تنصرف بالاستعاذة وذكر الله، ويمكن وقفها ببذل بعض الجهد والإرادة؛ فإن الأمر يكون أبسط، ولكن لا مانع من مراجعة الطبيب لتشخيص الأعراض التي أجملنا في وصفها 0
• وسواس الجنون ( قديما ) :
كان المسلمون الأوائل ينسبون الوسواس إلى فعل الشيطان ؛ لأنهم عرفوا ووصفوا نوعين من الوساوس موجودين في القرآن الكريم وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، وهما وساوس النفس ، ووساوس الشيطان ، وأما ما عدا ذلك من الأعراض التي تدخل ضمن اضطراب الوسواس القهري اليوم فقد كانوا يعتبرونها نوعا من أنواع الجنون ، وليسوا وحدهم ، فقد أرجعه الكثير من الغربيين حتى عهد قريب إلى أنه كذلك 0
والصحيح عند الطبيب النفسي المسلم اليوم هو أن ما لا يزول بالاستعاذة ليس من الشيطان ، وما لا يزول بتقوية الصلة بالله والإكثار من الطاعات ليس وسواس النفس ، وإنما هو وسواس قهري 0 ومما يؤلم المصابين بالوسواس القهري ما يقرؤونه في كتب بعض العلماء عن ذم الوسوسة والموسوسين ، لأنهم كانوا يطلقون ذلك الوصف على جميع أنواع الوسواس دون تخصيص، فهو وصف عام يتأكد عندهم في النوع الثالث ـ حسب تصنيفنا ـ أكثر من سواه 0 ولم يكونوا أيضا يرون أن هناك وسواسا مرضيا كما يراه الأطباء في العصر الحديث ؛ ولذلك يتألم مريض الوسواس القهري جدا حينما يقرأ للإمام ابن القيم رحمه الله قوله : " فإن قال (أي الموسوس): هذا مرض بليت به ، قلنا: نعم، سببه قبولك من الشيطان ، ولم يعذر الله أحدا بذلك ، ألا ترى أن آدم وحواء لما وسوس لهما الشيطان فقبلا منه أخرجا من الجنة ، ونودي عليهما بما سمعت ، وهما أقرب إلى العذر لأنهما لم يتقدم قبلهما من يعتبران به ، وأنت قد سمعت وحذرك الله من فتنته وبيَّن لك عداوته وأوضح لك الطريق؟! فما لك عذر ولا حجة في ترك السنة والقبول من الشيطان " 0 ولعله يلاحظ أن الإمام ابن القيم قد جمع في مقولته بين النوع الأول وهو ما حدث لأبينا آدم وأمنا حواء ، وبين النوع الثالث وهو حال مرضى الوسواس القهري ، وناقش النوعين على أنهما نوع واحد إن صح ابتداء تصنيفنا للوسواس إلى تلك الأنواع الثلاثة 0 ومما يؤلم الموسوسين أيضا اجتهاد بعض طلبة العلم بالاستشهاد بالأحاديث التي تنهي عن التنطع والغلو في الدين في حق الموسوسين مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم ، فإن قوما شددوا على أنفسهم فتشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار: رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) 0
ولو وقفنا مع كلمة واحدة من هذا الحديث ( لا تشددوا) لربما بان لنا الفرق بين التشدد والوسواس القهري ؛ فالتشدد : هو الغلو والتنطع في الدين النابع من ذات الفرد وبإرادته وتقربا منه إلى الله ، بل إنه قد يستنقص غيره ممن لا يفعلون فعله ، أما الموسوس فأمره مختلف تماما ، فهو يشكو لكل أحد من وسواسه ، ويتألم منه ، ويستفتي العلماء في حاله، ويتردد على الأطباء ، ويدعو الله أن يخلصه منها ، ويقاومها فيفرح أشد الفرح إذا تغلب على الوسواس ويحزن أشد الحزن إذا غلبه الوسواس 0 وعلى الرغم من كل ما ذكرناه من الدلائل التي تدعم عدم علاقة الشيطان بالوسواس القهري ، فإننا لا يمكن أن نقطع بذلك ـ رغم غلبة الظن ـ وذلك لأننا نبحث في أمور غيبية نؤمن بمجمل تأثيرها لكن لم ينقل لنا طبيعة وخصوصية ذلك التأثير ، وإن قلب الطبيب النفسي المسلم ليتألم حينما يرى بعضا من بني أمته يصارع مرض الوسواس القهري لسنوات عديدة ويرفض زيارة الطبيب النفسي إما لقناعته بعدم فائدة العلاج النفسي في علاج علته ، أو بسبب النظرة الاجتماعية السلبية تجاه الطب النفسي 0
نستنتج مما سبق أن الحكم الشرعي لمرض الوسواس القهري ، إنما يجيء اليوم بالقياس كقاعدة فقهية نلجأ إليها عندما يجدّ على أفهامنا كمسلمين شيء لم يكن مفهوما أيام رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، والقياس هنا معروف وواضح، فليس على المريض حرج، والله سبحانه وتعالى يحاسبنا على ما نفعله بإرادتنا ، ولعلّ من المهم هنا أن أذكر لك ما وجدته في كتب السيرة ، فقد ذكرت لنا كتب السيرة شيئا مشابها لما نعرفه الآن بالاجترار الوسواسي المتعلق بالأمور الدينية ؛ فقد روي أن أحد الصحابة قال للرسول صلى الله عليه وسلم : إني لأجد في صدري ما تكاد أن تنشق له الأرض ، وتخر له الجبال هدّا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أوجدتموه في قلوبكم ، ذلك صريح الإيمان ) ، ثم قال : ( الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ) 0 وفي حديث آخر ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن الشيطان ليأتي أحدكم فيقول له : من خلق الشمس؟ فيقول : الله ، فمن خلق القمر؟ فيقول: الله ، فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليقل : آمنت بالله ورسوله ) 0 وذلك حتى يقطع الإنسان هذه الوساوس 0 ومع ذلك فإذا لم تكن هذه الأفكار نوعا من الوسواس وعبارة عن عارض وشبهة قوية تحتاج إلى إجابة ، فعذر ذلك ينبغي أن يتعلم الإنسان من أمور العقيدة ما يدفع هذه الشبهة0
ويقول الدكتور طارق الحبيب : " يرى الكثير من الأطباء النفسانيين أنه لا علاقة للشيطان بمرض الوسواس القهري ، في حين يرى الكثير من طلبة العلم الشرعي أن الشيطان هو مصدر جميع أنواع الوسواس . ولعله لتوضيح مصدر اللبس في شأن مرض الوسواس القهري أن نصنف الوساوس بشكل عام إلى ثلاثة أنواع :
1ـ النوع الأول ـ تلك الوساوس التي تدعـو الإنسان عادة أن ينظر أو يستمع أو يفعل أمراً محرماً . ويعد هذا النوع من الوساوس من طبيعة النفس البشرية ( أي ليس مرضاً ) ، ويعتري كل أحد من بني آدم . وتختلف هذه الوساوس عن غيرها من الوساوس – كما سنرى لاحقاً – بأنها تدعو الإنسان إلى محبوبات النفس المحرمة شرعاً. كما أنه إذا لبى الإنسان بشيء من جوارحه نداء هذا النوع من الوساوس فإنه قد عرض نفسه للحساب والجزاء من رب العالمين ، فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عُفي عن أمتي ما حدّثت به نفوسها ما لم تتكلم به أو تعمل به. وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقول للحفظة إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فاكتبوها …"
ويُعد مصدر هذا النوع من الوساوس عادة أحد ثلاثة أمور :
1ـ النفس : وهي النفس الأمارة بالسوء . قال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) .
2ـ شياطين الجن : ودليل ذلك قوله تعالى : ( من شر الوسواس الخناس ) . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره لسورة الناس : وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس وملكهم وإلههم من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس فيحسن لهم الشر ، ويريهم إياه في صورة غير صورته . وهو دائماً بهذه الحال يوسوس ثم يخنس ، أي يتأخر عن الوسوسة إذا ذكر العبد ربه واستعان به على دفعه .
3ـ شياطين الإنس : ودليل ذلك قوله تعالى : ( من الجنة والناس ) . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره : والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس ولهذا قال : ( من الجنة والناس ).
2ـ النوع الثانـي ـ تلك الوساوس العابرة ( غير المرضية ) التي تعرض للإنسان في صلاته وطهارته وعبادته ومعتقداته ، وكذلك في شؤون حياته الدنيوية . وهذا النوع من الوساوس يلهي العبد عن عبادته فينسى كم ركعة صلى ؟ أو هل غسل ذلك العضو من جسمه ؟ وغير ذلك من الوساوس في أمور الدين والدنيا . دليله ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عثمان بن أبي العاص – رضى الله عنه – قال : قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي لُبِّسها علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذاك شيطان يقال له خِنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً " ففعلت ذلك فأذهبه الله تعالى عني .
وكما يعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان في أمور دينه فإنه يصيبه أيضاً في أمور دنياه لأن الشيطان عدو للمسلم في شأنه كله 0 وقد يزول هذا النوع من الوساوس عند الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، كما قد تخف شدته أحياناً بالتركيز أكثر في ذا العبادة . ولذلك فإن الإنسان يؤجر من صلاته ما عقل منها لأن بيده مقاومة هذا النوع من الوساوس مستعيذاً بالله من الشيطان الرجيم 0 ويختلف هذا النوع من الوساوس عن النوع الأول في أنه قد يزول بإذن الله عند الاستعاذة من الشيطان الرجيم ، في حين أن النوع الأول قد لا يزول عند الاستعاذة لأن مصدره ليس مقصوراً على الشيطان الرجيم وإنما النفس وكذلك شياطين الإنس 0 ومما يدعـم إمكانية زوال هذا النوع من الوساوس بالتركيز في ذات العبادة ما ذكره أبو حامد الغزالي – رحمه الله – " ولا يمحو وسوسة الشيطان من القلب إلا ذكر ما سوى ما يوسوس به لأنه إذا خطر في القلب ذكر شيء انعدم منه ما كان فيه من قبل ، ولكن كل شيء سوى الله تعالى وسوى ما يتعلق به فيجوز أيضاً أن يكون مجالاً للشيطان ، وذكر الله هو الذي يؤمن جانبه ويعلم أنه ليس للشيطان فيه مجال " .
3ـ النوع الثالـث ـ الوساوس القهرية المرضية ( مرض الوسواس القهري ) ، وهي علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى . وهي أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها ، كما يدرك أيضاً بأنها خاطئة ولا معنى لها ، لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها 0
وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو – لغير المتخصصين – عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماما ً 0 ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية
مثال ذلك ( في العبادات ) : تكرار المصلي لتكبيرة الإحرام أو قراءة الفاتحة عدة مرات أو تكرار غسل عضو من الأعضاء أثناء الوضوء أو تكرار الوضوء كاملاً أو إعادة التطهر من النجاسة عدة مرات رغم إدراكه أنه مخطئ في فعله ذلك ، لكن هناك م يدفعه جبراً عنه إلى إعادة ذلك الفعل مرات عديدة احتياطاً منه أنه ربما قد نسي أنه لم يفعل ذلك 0
مثال آخر ( في غير العبادات ) : تكرار غسل اليدين مرات كثيرة بعد لمس جسم ما رغم عدم وجود حاجة لغسل اليدين أو كان يكفيه غسلهما مرة واحدة لكن هناك ما يدفعه لذلك الفعل بسبب الأفكار التي تهيمن على عقله أنه ربما تجرثمت يداه بسبب ذلك الفعل ، ولذلك فإنه يعيد غسلهما عدة مرات ، ويصبح ذلك ديدناً له 0
مثال ثالث : تكرار فكرة أو هاجس ما ، مثل إحساس أحدهم بأن زوجته تعد طالقاً منه إذا باع تلك البضاعة من متجره . ورغم إدراكه بأن ذلك غير صحيح ، إلا أن تكرار تلك الفكرة وعدم قدرته على دفعها يثير القلق في نفسه 0
مثال رابع : تكرار الفرد في خاطره لكلمات يسب فيها الدين أو الخالق – تعالي الله عن ذلك – دون أن يكون له قدرة على دفعها . ويختلف الموسوس في ذلك عن الضال أو المنحرف فكرياً في أن الموسوس يحترق ويتألم من شدة المعاناة ويشتكي حاله إلى العلماء ،
كما ربما أخفـاها أحياناً خجلاً منها أو كي لا يكفره الآخرون نظراً لعدم إدراكهم لحقيقة معاناته . أما المنحرف فكرياً فإنه ينافح ويناضل من أجل إثبات فكرته للآخرين ولا تقلقه بل تتوافق مع أفكاره الأخرى وميولاته 0
والذي يبدو أنه إن كان للشيطان دور في هذا النوع من الوساوس فيتركز في أمرين أساسين :
ربما كان للشيطان دور في الوسوسة لذلك الفرد في بداية مرضه ، فإن صادفت تلك الوسوسة نفساً ذات قابلية للإصابة بمرض الوسواس القهري حدث المرض ، وإلا انتهت تلك الوسوسة بنفس الطريقة التي ذكرناها في النوع الثاني 0
فيما يتعلق بالوساوس في العبادات فربما يكون للشيطان دور أيضاً في إقناع مريض الوسواس القهري بتقصيره في حق الله حتى يزيد من قلق المريض . كما ربما يوهمه الشيطان أن معاناته بسبب ضعف إيمانه مما أدى إلى تغلب الشيطان عليه ، وليس ذلك بسبب علة مرضية أصابته . والعجيب في الأمر أن بعض الصالحين اجتهاداً منهم وعن حسن نية قد ينصرون الشيطان على أخيهم الموسوس لأنهم يعاتبونه على وسواسه ( النوع الثالث ) وكيف سمح للشيطان أن يتغلب عليه فيزيدون من معاناته وهم لا يشعرون ، وذلك لأن زيادة قلق الموسوس تزيد من وسواسه والذي يؤدي ثانية إلى زيادة القلق ، فيظل الموسوس يطوف في دائرة مغلقة من القلق والوساوس حتى تنهكه الهموم 0 ومما يرجح الصفة المرضية لهذا النوع من الوساوس (النوع الثالث ) حدوثه في غير أمور العبادات بشكل كبير ، رغم أننا ندرك أن الشيطان عدو للإنسان في شؤون دينه ودنياه . إضافة إلى ذلك فإن إصابة بعض من لم يعهد عنهم زيادة في تدين أو صلاح ببعض الوساوس القهرية في أمور العبادات ما يدعم الصفة المرضية لهذا المرض . كما إن انتقال هذا النوع من الوساوس ( النوع الثالث ) عن طريق الوراثة في بعض الأحيان ، أو بسبب أسلوب تربية الوالدين أو أحدهما في أحيان أخرى وكذلك انتشار ذات المرض عند أقارب المريض ما يدعم بشكل جلي وجود اضطراب مرضي عند تلك الفئة من الناس . ويختلف هذا النوع من الوساوس عن النوع الأول في أنه لا يدعو الإنسان إلى محبوبات النفس بل يجبر النفس على فعل أشياء تعرف في قرارها بأنها خاطئة وذات طابع بغيض وغير مرغوب فيها وبلا معنى لكن النفس لا تستطيع مقاومتها في أغلب الأحيان . كما يختلف أيضاً عن النوع الثاني في أن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم لا تكفي في العادة لعلاجه 0 ولعل إصابة المسلم بمرض الوسواس القهري يعد ابتلاءاً من الله سبحانه وتعالى – كما يبتلي بغيره مـن الأمراض ، ويندرج مثل غيره من الأمراض تحت قوله صلى الله عليه وسلم : " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب و هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " 0 ولقد كتب عدد من العلماء في الوسواس مثل الإمام الجويني في كتابه (التبصرة في الوسوسة ) والإمام النـووي في ( المجموع شرح المهـذب ) وأبو حامـد الغزالي في كتابه ( إحياء علوم الدين ) والإمام ابن الجوزي في كتابه ( تلبيس إبليس ) وكذلك الإمام ابن القيم في كتابه ( إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ) 0 كما اختلف العلماء في نظرتهم للوسواس ، فقد ذكر الجويني في التبصرة فـي الوسوسة ) أن الوسواس يحدث بسبب نقص في غريزة العقل أو جهل بمسالك الشريعة 0 والذي يبدو أن معنى الوسواس عند معظم العلماء السابقين – رحمهم الله – معنى واسع يشمل جميع أنواع الوسواس التي ذكرناها ابتداءاً لكنهم نسبوها جميعاً إلى الشيطان ولم يقبل أحد منهم – حسب بحثي – أن هناك وسواساً مرضياً سوى ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي عن أبي الوفاء بن عقيل " أن رجلاً قال له : أنغمس في الماء مراراً كثيرة وأشك : هل صح لي الغسل أم لا ، فما ترى في ذلك ؟ فقال له الشيخ أذهب ، فقـد سقطت عنك الصلاة . قال : وكيف ؟ قال : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رُفـع القلم عن ثلاثة المجنون حتى يفيق ، والنائم حتى يستيقظ والصبي حتى يبلغ " ومن ينغمس في الماء مراراً ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون " . ولا أدري حقيقة هل أراد أبو الوفاء بن عقيل – رحمه الله – تأديب السائل وزجره بجوابه ذلك أم أنه يرى حقيقة أنه مريض . وإذا قبلنا الثانية فإنه يبدو أن معظم هؤلاء العلماء لم يكونوا يتعاملون مع الحالات الشديدة من الوسواس على أنها حالات وسواس مرضي خارج عن إرادة الفرج ، وإنما على أنها لون من الجنون أو نقص في غريزة العقل كما مر بنا 0
وقد نقل الغزالي – رحمه الله – في إحياء علوم الدين بعض اختلاف العلماء في حال الوسواس عند الذكر حيث قال : "اعلم أن العلماء المراقبين للقلوب الناظرين في صفاتها وعجائبها اختلفوا في هذه المسألة على خمس فرق : فقالت فرقة : الوسوسة تنقطع بذكر الله عز وجل لأنه عليه السلام قال : " فإذا ذكر الله خنس " ، والخنس هو السكوت فكأنه يسكت وقالت فرقة : لا ينعدم أصله ولكن يجري في القلب ولا يكون له أثر لأن القلب إذا صار مستوعباً بالذكر كان محجوباً عن التأثر بالوسوسة كالمشغول بهمه فإنه يتكلم ولا يفهم ، وإن كان الصوت يمر على سمعه 0 وقالت فرقة : لا تسقط الوسوسة ولا أثرها أيضاً ولكن تسقط غلبتها للقلب ، فكأنه يوسوس عن بعد وعلى ضعف 0 وقالت فرقة : ينعدم عند الذكر في لحظة وينعدم في لحظة ، ويتعاقبان في أزمنة متقاربة يظن لتقاربهما أنهما متساوقة ، وهي كالكرة التي عليها نقط متفرقة فإنك إذا أدرتها بسرعة تواصلها بالحركة ، واستدل هؤلاء بأن الخنس قد ورد ونحن نشاهد الوسوسة مع الذكر ولا وجه له إلا هذا 0 وقالت فرقة : الوسوسة والذكر يتساوقان في الدوام على القلب تساوقاً لا ينقطع ، وكما أن الإنسان قد يرى بعينيه شيئين في حالة واحدة فكذلك القلب قد يكون مجرى لشيئين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد إلا وله أربعة أعين : عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه ، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر دينه " وعلى هذا ذهب المحاسبي 0 والصحيح عندنا أن كل هذه المذاهب صحيحة ولكن كلها قاصرة عن الإحاطة بأصناف الوسواس ، وإنما نظر كل واحد منهم إلى صنف واحد من الوسواس فأخبر عنه " انتهى كلام الغزالي 0 ولعله مما سبق يتبين لنا اختلاف معظم المسلمين السابقين في وصف الدور الحقيقي للشيطان في الوسوسة وكذلك حيرة بعضهم في التعامل مع بعض أنواع الوسواس كما حدث للإمام أبي الوفاء بن عقيل – رحمه الله - . ولذلك فلعله من المطلوبة أن نركز في البحث الشرعي وأن نسخر ما توصل إليه العلم الحديث حول هذه المسألة 0 وباستقراء جملة الأحاديث النبوية الواردة في شأن الوسواس يمكننا أن نصنفها إلى ما يلي :
• وهذه الأحاديث التي تنتهي بنسبة الوسواس إلى الشيطان :
1ـ عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحـدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلى من أن أتكلم به ، فقال : النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " 0

ضيف الله مهدي
21 -02- 2007, 11:47 PM
وهذه الأحاديث التي تقدم علاجاً عملياً إضافة إلى الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم :
حديث عثمان بن أبي العاص الذي سبق ذكره في النوع الثاني من أنواع الوساوس .
1ـ عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ، من خلق كذا ، حتى يقول من خلق ربك ، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته " 0
2ـ عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله ، فإذا جاءه شيء من ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وليقل آمنت بالله " .
• وهذه الأحاديث التي تقدم علاجاً عملياً وليس الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم رغم نسبة الوسواس إلى الشيطان في بعضها :
1ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه : أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " .
2ـ عن عبد الله بن زيد – رضي الله عنه – قال : شُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، قال " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً "
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" " الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " .
وفي لفظ أبي داود " إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له : إنك قد أحدثت ، فليقل له : كذبت إلا ما وجد ريحاً بأنفه أو سمع صوتاً بأذنه " .
تلك الأحاديث التي تقدم علاجاً وقائياً للوسواس قبل حدوثه :
عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن للوضوء شيطاناً يقال له ولهان ، فاتقوا وسواس الماء " .
عن عبد الله بن مغفل قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل في مستحمه فإن عامة الوسواس منه " .
• وهذه الأحاديث التي تخبر عن وقوع التعدي في الوضوء لكنها لم توضح طبيعة هذا التعدي هل هو وسواس أم تشدد وهو إلى التشدد أقرب وسنفصل في الفرق بينهما لاحقاً :
1ـ عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء " 0
وباستقراء جميع هذه الأحاديث يمكننا أن نستنتج ما يلي :
لو كانت الاستعاذة وحدها كافية لجميع أنواع الوساوس دون فعل أسباب أخرى لأرشد إليها الرسول صلى الله عليه وسلم – وهو الرحيم بأمته – في جميع الأحاديث لأنها أهون بكثير من مقاومة الوساوس التي دعا إلى نهجها في المجموعة الثانية من أحاديث الوسواس .
وجه النبي صلى الله عليه وسلم في المجموعة الثالثة من الأحاديث إلى وسائل علمية للعلاج وهي منع الاستجابة ، والتي تعتبر أحد التقنيات المستخدمة طبياً في علاج الوسواس القهري . جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المجموعة الثانية من الأحاديث بين الاستعاذة والعلاج العملي ( مثل إيقاف الأفكار وفنيات صرف الانتباه ) ، في حين اقتصر في المجموعة الثالثة على العلاج العملي ، مما يدل على أنه ربما كان غير الشيطان مصدراً للوسواس القهري في بعض الأحيان على الأقل ، رغم إدراكي لفائدة العلاج العملي في علاج وساوس الشيطان سواءاً كان مقروناً بالاستعاذة ( وهو الأفضل ) كما جاء في حديث عثمان بن أبي العاص ( فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً ) أو بدون الاستعاذة كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري . مما سبق ربما نستنتج أيضاً أن أي إجراء عملي أو خطوة علاجية مباحة سواءاً بالعـقاقير أو الوسائل العلاجية النفسية مشروعة إن ثبت نفعها في علاج الوسواس القهري 0 ولعل ما يلاحظه الأطباء النفسانيون من شفاء عدد ليس بالقليل من مرضى الوسواس القهري عند علاجهم بالعقاقير أو الوسائل العلاجية النفسية الأخرى أو الجراحة ما يدعم الصفة المرضية لهذا الداء . إضافة إلى ذلك فإن الأبحاث العلمية أثبتت وجود تغير في أنسجة المخ واضطراب في مستوى بعض النواقل العصبية خصوصاً مادة السيروتونين عند بعض المصابين بمرض الوسواس القهري والذي يتبدل عند التداوي بالعلاج المناسب سواءاً كان عقاراً نفسياً أو برنامجاً علاجياً سلوكياً 0 ومما يدعم ذلك أيضاً إصابة بعض الكفار بهذا المرض وهم من خلت قلوبهم من التوحيد أصل الإيمان فلا حاجة للشيطان أن يصيبهم بالوسواس فيما هو دون ذلك من أمور الدنيا 0 ولعل توافق اسم هذا المرض (الوسواس القهري ) لفظاً مع كلمة وسواس التي تنسب عادة إلى الشيطان جعل بعض الناس يربطون هذا المرض دائماً بالشيطان 0 ومما يؤلم المصابين بداء الوسواس القهري ( النوع الثالث من الوساوس ) ما يقرؤونه في كتب بعض العلماء عن ذم الوسوسة والموسوسين لأنهم كانوا – رحمه الله – يطلقون ذلك الوصف على جميع أنواع الوسواس دون تخصيص ، فالوصف الذي يطلقونه كان وصفاً عاماً لكن يتأكد عندهم في النوع الثالث – حسب تصنيفنا – أكثر من سواه ، ولم يكونوا أيضاً – كما مر بنا – يرون أن هناك وسواساً مرضياً كما يراه الأطباء في العصر الحديث . ولذلك يتألم مريض الوسواس القهري جداً حينما يقرأ للإمام ابن القيم – رحمه الله – قوله : " فإن قال ( أي الموسوس ) : هذا مرض بليت به ، قلنا : نعم ، سببه قبولك من الشيطان ، ولم يعذر الله أحداً بذلك ، ألا ترى أن آدم وحواء لما وسوس لهما الشيطان فقبلا منه أُخرجا من الجنة ، ونودي عليهما بما سمعت ، وهما أقرب إلى العذر لأنهما لم يتقدم قبلهما من يعتبران به وأنت قد سمعت وحذرك الله من فتنته وبين لك عدواته وأوضح لك الطريق فما لك عذر ولا حجة في ترك السنة والقبول من الشيطان " 0 ولعلك تلاحظ أخي القارئ أن الإمام ابن القيم – رحمه الله – قد جمع في مقولته بين النوع الأول وهو ما حدث لأبينا آدم وأمنا حواء ، وبين النوع الثالث وهو حال مرضى الوسواس القهري ، وناقش النوعين على أنهما نوع واحد إن صح ابتداءاً تصنيفنا للوسواس إلى تلك الأنواع الثلاثة 0 ومما يؤلم الموسوسين أيضاً اجتهاد بعض طلبة العلم بالاستشهاد بالأحاديث التي تنهي عن التنطع والغلو في الدين في حق الموسوسين مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فتشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار : رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " . ولو وقفنا مع كلمة واحدة من هذا الحديث ( لا تشددوا ) لربما بان لنا الفرق بين التشدد والوسواس القهري . فالتشدد هو الغلو والتنطع في الدين النابع من ذات الفرد وبإرادته وتقرباً منه إلى الله ، بل ويستنقص غيره ممن لا يفعلون فعله مثلما كان من أولئك النفر الثلاثة الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم أنه يصوم ولا يفطر وقال الآخر أنه يصلي ولا ينام وقال الثالث بأنه لا يتزوج النساء فأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك 0 أما الموسوس فأمره مختلف تماماً ، فهو يشكو لكل أحد من وسوسته ، ويتألم منها ، ويستفتي العلماء في حاله ، ويتردد على الأطباء ، ويدعو الله أن يخلصه منها ، ويقاومها فيفرح أشد الفرح إذا تغلب على الوسواس ويحزن أشد الحزن إذا غلبه الوسواس 0 وقد سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله – السؤال الثالث : إذا ترك رجل متزوج الصلاة لمدة تقارب عشرة أشهر فما الذي يجب عليه ، وهل يقضي تلك الصلوات علماً بأنه تركها بسبب الوسواس ، وهل يؤثر على صحة زواجه ؟ فأجاب رحمه الله : لا يؤثر هذا على صحة نكاحه لأنه عندما تزوج لم يكن تاركاً للصلاة إنما طرأ عليه ترك الصلاة بعد العقد 0 ثم إن ظاهر سؤاله أن تركه للصلاة ليس باختيار منه لكنه عن مرض نرجو أن يكون النكاح باقياً 0 وخلاصة الجواب أنه لا يلزمه قضاء الماضي من الصلوات وأنه لا يلزمه إعادة عقد نكاحه " والشاهد في هذه الفتوى قوله رحمه الله ( ليس باختيار منه لكنه عن مرض ) 0 كما سئل رحمه الله : هل يعذر الإنسان بالتصرفات المحرمة بسبب الوسواس ؟ فأجاب : إذا كانت ليست تحت طاقته فيعذر لقول الله تعالى : { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } ، وأما إذا كان في طاقته ويمكن أن يتخلص منه بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الاستعاذة والإعراض فلا يعذر 0 وعلى الرغم من كل ما أسلفناه من الدلائل التي تدعم عدم علاقة الشيطان بالوسواس القهري فإننا لا يمكن أن نقطع بذلك – رغم غلبة الظن – وذلك لأننا نبحث في أمور غيبية نؤمن بمجمل تأثيرها لكن لم يُنقل لنا طبيعة وخصوصية ذلك التأثير
وإن قلب الطبيب النفساني المسلم ليتألم حينما يرى بعضاُ من بني أمته يصارع مرض الوسواس القهري لسنوات عديدة ويرفض زيارة الطبيب النفساني إما لقناعته بعدم فائدة العلاج النفسي في علاج علته ، أو بسبب النظرة الاجتماعية السلبية تجاه الطب النفسي وفي الوقت نفسه فإن قلب الطبيب ليبتهج حينما ينجح في إقناع مريض الوسواس القهري بالعلاج ، وتغمره الفرحة حينما يعود إليه المريض بعد عدة أسابيع وهو في أحسن حال .
وإن أنس لا أنس مقولة تلك السيدة المسنة التي قالت بعد أن شفاها الله من الوسواس القهري بعد تناول العلاج " إنني لم أذق طعم الراحة منذ عشرين سنة إلا اليوم " 0
• تفسير الوساوس والأفعال القسرية وعواملها :
1ـ الوساوس القهرية هي ردود أفعال تنكرية لدوافع لا شعورية قوية قبلت بها الذات كأسلوب دفاعي ، وهي تحويل للطاقة الداخلية ( القلق والصراع اللاشعوري ) إلى صرف خارجي يأخذ مجراه بطريقة نمطية رمزية على شكل أفكار وأفعال ، فهي إذن بمثابة إجراء تعويضي 0
2ـ حين يأخذ الفعل القهري شكل الدقة في الترتيب والتنظيم ، كالمريض الذي لا يستطيع رؤية الأشياء إلا في مكانها المرسوم ، فإنه إنما يعاني فوضى واضطراب شديدين داخليا ، إنه يعاني فوضى داخلية في المفاهيم والقيم ومعاني الأشياء 0 لذلك فهو ينظم الأشياء الخارجية بدقة كتعويض عن عدم وجود التنظيم الداخلي لديه ، إنه تنظيم يرتاح إليه ويطمئنه إلى وجود نظام في حياته ، وقد كرره حتى غدا طريقة خاصة عنده لكتم الفوضى الداخلية في الذات 0
3ـ يفسر بعض المحللين النفسيين أن المصاب بالفعل القهري لم يستطع التغلب على تعلقه الطفولي بوالديه ، وأن إثما وحاجة قوية في اللاشعور إلى ضرورة العقاب 0 وأن كل ذلك يعود إلى مرحلة الطفولة ، وأسلوب الوالدين في رعاية الطفل وتعويده على النظافة والنظام
4ـ يحدث هذا الاضطراب عند الأشخاص الذين يتصفون بسمات خاصة تميزهم ، بحيث نستطيع أن نطلق عليهم اسم ( الشخصيات الوسواسية ) 0 ( عبد الله ، 2001 ) 0
والسمة الرئيسة للشخصية الوسواسية ، هي نمط من الكمالية التعنت و عدم المرونة ، و يبدأ هذا الاضطراب عندها في سن الشباب الباكرة ويظهر في سياق العديد من التصرفات ويستدل على اضطراب الشخصية بما يلي :
1ـ المثالية لتي تعيق عن إتمام الشخص لواجباته ، فعلى سبيل لمثال نجد ( العجز عن إنهاء
مشروع ما لأن المعايير التي يلزم نفسه بها دقيقة جداً و لا يمكن تحقيقها بسهولة) 0
2ـ الإستغراق بالتفاصيل والقوانين واللوائح والترتيب والتنظيم والجداول إلى درجة يضيع
معها الموضوع الرئيسي للعمل الذي يقوم به 0
3ـ الإصرار غير المنطقي على إتباع الآخرين لطريقته في تنفيذ الأشياء ، أو المعارضة غير المنطقية للسماح للآخرين بتنفيذ الأعمال بسبب اقتناعه بأنهم لن يؤدوها بشكل صحيح
4ـ التفاني الزائد في العمل والانتاجية إلى درجة التخلي عن الصداقات وأوقات الراحة 0
5ـ عدم اتخاذ القرارات ، حيث يتجنب اتخاذ قرارٍ ما أو يؤجله أو يؤخره ، فعلى سبيل المثال ( لا يستطيع تأدية واجباته في الوقت المحدد بسبب كثرة تفكيره بالأولويات ) ، كما أنه لا يعود السبب في عدم اتخاذ القرارات إلى الحاجة الماسة للنصح والطمأنة من الآخرين 0
6ـ صاحب هذه الشخصية ذو ضمير حي يقظ وكثير الشك والوساوس ومتشدد فيما يخص المسائل الأخلاقية والمثل والقيم ( وذلك لا يمكن تعليله بالإلتزام الديني والثقافي فقط) 0
7ـ ذو مجال محدود في التعبير عن عواطفه 0
8ـ ينقصه الكرم في بذل الوقت أو المال أو الهدايا، حين لا يعود ذلك بفائدة شخصية عليه
9ـ العجز عن التخلي عن أشياء بالية أو لا قيمة لها حتى ولو لم يكن لها قيمة عاطفية 0
الانتشار ونسبة إصابة الجنسين :
يبدو أن اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية شائع ، و هو أكثر حدوثاً عند الذكور منه عند النساء 0
• المظاهر المرافقة :
يتصف المصابون بهذا الإضطراب بالاتكالية على النفس وانعدام الثقة وهم دائماً متشائمون حول مستقبلهم وغير مدركين أن سلوكهم هو المسؤول عن الصعوبات التي يواجهونها.
• المسببات :
1ـ يشار للشخص الذي يتسم بمثل هذه السمات على أنه ذو شخصية وسواسية قهرية حيث يحتاج الشخص أن يشعر بسيطرته على نفسه وعلى المحيط من حوله 0
2ـ من المحتمل أن الشخصية القهرية قد واجهت انضباطا مفرطا أثناء سنين التطور.
3ـ تتميز الحياة العائلية بعواطف مكبوحة ، وحين يعبر أعضاء الأسرة عن غضبهم فغالبا ما يوجه النقد لهم وينتبذوا من المجتمع 0
4ـ وفقاً لنظرية التعلم ، فإن الوساوس هي إرتكاسات شرطية تجاه القلق ، كما أن القهر هو نمط سلوكي يخفف من القلق 0
• المعالجة :
1ـ يدرك أصحاب الشخصية الوسواسية مدى معاناتهم وانزعاجهم لذلك فهم ميالون إلى طلب المعالجة عن طيب خاطر ، خلافاً للمصابين باضطرابات الشخصية الأخرى . وعلى أية حال فإن علاج اضطرابات الشخصية الوسواسية القهرية ليس سهلاً ، وقد يطول . ويجب أن يتم التركيز أثناء العلاج على المشاعر أكثر منه على الأفكار وكذلك يجب التركيز على إيضاح دفاعات العقلنة واقصاء الشعور العدائي 0
2ـ إن المعالجة النفسية الهادفة للإستبصار من المعالجات المختارة لاضطراب الوسواس القهري 0
3ـ العلاج بالأدوية: فعال في معالجة العديد من الأشخاص الذين عندهم تكرارية في التفكير الوسواسي 0

• دور الأسرة مع مريض الوسواس القهري :
رسالة لأهل مريض الوسواس القهري :
إن وجود مريض بالوسواس القهري في الأسرة أمر مؤلم ومن الممكن أن يؤدي إلى تناثر الأسرة وتمزقها وسوء فهم خطير بين أفرادها، وكثيرا ما يتساءل أهل مريض الوسواس القهري عن كيفية التعامل معه أو معها، وكثيرا ما يخطئون في طريقة التعامل تلك خاصة عندما يكونون على غير وعي بحقيقة أنه مرض أو على غير وعي بطبيعة ذلك المرض ، و يقدم لنا ( الدكتور محمد شريف سالم ) بعضا من أهم النصائح المفيدة لأهل المريض إضافة إلى إجابات على عديد من الأسئلة التي تواجه أفراد أسرة مريض الوسواس القهري 0
1ـ التدعيم : وذلك بما يستطيع كل فرد من أفراد الأسرة عمله للتعامل مع الضيق المتكرر والمشاعر المتصارعة تجاه المرض والمريض 0 فهذا المرض يرهق ويؤذي مشاعر العائلة وربما يتخذون مواقف وسلوكيات مدمرة لمريضهم إما بالسخرية أو الإهمال أو العداء الصريح أو حتى منعه من العلاج 0
2ـ احصل على الحقائق : وذلك بتعلم أقصى ما تستطيعه عن هذا المرض فإن القلق يتضاءل بتحصيل الحقائق والمعلومات عنه 0
3ـ تخلص من اللوم : إن الخجل والإحساس بالذنب ولوم النفس بين أفراد العائلة يعوق العلاج الجذري لهذا المرض ، فقد لوحظ تعود الناس على لوم أسباب هذا المرض وإيعازها إلى التنشئة غير الكافية للأطفال أو وجود بيئة عائلية غير مستقرة والحقيقة أنه لا يوجد ثمة دليل على علاقة التفاعلات العائلية المبكرة بأسباب هذا المرض ولكن الحقيقة أن الوراثة والعوامل البيولوجية هي المتهمة الأولى في هذا المرض وليست الوحيدة ولا يجب أن تشعر العائلة بالخجل لهذا المرض أكثر مما يحدث لو كان المرض هو مرض السكر أو القلب أو أي مرض مزمن آخر 0
4ـ لا داعي لإخفاء المرض والمريض : أو الخوف من ازدراء الآخرين باعتبارهم آباء سيئين أو إخوة أو أخوات وهنا لا تدع جهل الآخرين يُملي عليك مشاعر حول وجود مريض في عائلتك وتكلم بحرية مع هؤلاء الذين تعتقد أنهم قادرون على الفهم والدعم 0 وابدأ في تعلم المزيد حول المرض وشارك مع أفراد عائلتك في المعلومات التي تجدها عن المرض 0
5ـ دع الغضب : تقبل حقائق عائلتك كما هي ، وحاول تغيير ما يمكن تغييره ولا يعني قبولك هذا ألا تفعل شيئاً ولكنه يعني أن تبذل الطاقة في إيجاد حل بدلا من بذلها في الغضب والرفض واستبدال الغضب بالمسامحة لابنتك ولنفسك فأنت لم تفعل شيئاً سببه لها المرض ولا تستحق ذلك فهو ببساطة مرض 0
6ـ سيطر على المشاعر التي يجب أن يفهمها الآخرون أيضاً : فليس هناك أحد مجبر على أن يشعر أو يفعل كما تفعل أنت لمجرد أنك ترغب منهم ذلك 0 جهز نفسك بالحقائق والمعلومات والمواد التعليمية بمنزلك وشارك ما تعرفه من معلومات مع أفراد العائلة المهتمين بذلك دونما تهديد أو وعيد وبطريقة متدرجة 0
7ـ توقع وتقبل المقاومة : بسبب قلة الفهم عن الأمراض النفسية فكثير من أفراد عائلتك لديهم قناعتهم المسبقة وأفكارهم عن أسباب الوسواس القهري 0 ولذا فيجب أن تتوقع ( مقاومة ) حتى لأفضل وأحدث مصادر المعلومات. يمكنك أن تحاول ولكن لا تتوقع أن تغير المواقف الحصينة هذه ويجب أن تقاوم أن ترى أقصى المواقف المضادة والأفراد المتحيزين لموقفهم على أنهم مخطئين أو "سيئين". فقط هم لم يتعلموا بعد ومع الوقت فبالصبر والمثابرة يمكنهم تغيير أشد المواقف الحصينة 0
8ـ كن مستمعا جيدا : لا تحاضر ، فأخوة الطفل المصاب بالوسواس القهري لديهم في أعماقهم أمور عميقة ، مثل الغضب المكتوم والإحساس بالذنب والرفض وتلك تحتاج لإرشاد تخصصي 0 فبكلامك عن هذه المشاعر والتزود بالمعرفة عن المرض يجعلهم أكثر عرضة لمقاومة إبداء تعليقات مؤذية أو محرجة 0
• كيف يمكن لأفراد العائلة مساعدة المريض في البرنامج العلاجي :
1ـ التواصل مع الفريق الطبي وفيما بينهم : استمر في التواصل ببساطة ووضوح واعلم أن أعراض مرض الوسواس القهري تتزايد وتتضاءل 0 ضع هذا في اعتبارك عندما يبدو المرض أشد مما هو معتاد 0 وقلل من توقعاتك في الوقت الحالي ، وقم بتشجيع كل واحد في العائلة على التعبير عن مشاعره حول كيفية تأثر العائلة بالمرض 0 ومع الجميع يجب تذكر تلك الأوقات التي بدأ فيها المرض سيئاً ولكن بعد ذلك جرت الأمور إلى الأفضل 0
2ـ لا تشارك في الطقوس القهرية : إن أحد الوسائل السلبية التي يزيد بها أفراد العائلة الاضطراب الذي يحدث بسبب سلوكيات الوسواس القهري داخل العائلة هو المشاركة فيه ، فالمشاركة ، والتي تدعى أيضاً ( التمكين ) ، هو وسيلة العائلة لجعل السلام ( مستمرا ) في مواجهة المتطلبات المستمرة للمريض وذلك للتخفيف السريع في حينه للقلق الوسواسي وغالبا ما يعتبر ( التمكين ) هذا هو الخندق الأخير لأقل مقاومة للأفعال القهرية والتي هي خارج نطاق سيطرة العائلة ومسببة للتمزق داخلها 0 ومع ذلك فإن النتيجة ( التي تعتبر كارثة ) للتمكين من المشاركة في الطقوس الوسواسية هي تدعيم أعراض الوسواس القهري وتقويتها بسبب العائلة المنغمسة فيها 0
وهذه وسائل المشاركة المعروفة في السلوكيات القهرية من قبل أفراد العائلة لمريضة بالوسواس القهري :
أ ـ الإجابة بـ ( أنكِ مؤمنة وغير كافرة وأنكِ بكر ) في كل مرة تطلب فيها التطمين وتكرر طلبه وسؤاله هل من الممكن ألا أكون بكر؟ 0
ب ـ طمأنة المريضة ( والذي يستغرق ساعات لتتأكد أنها على ما يرام ) أو مساعدتها في طقوسها 0
ج ـ تكرار طمأنتها بأنها لم تؤذِ نفسها أو غيرها 0
د ـ الاستسلام للمطالب المستمرة والمرهقة للمريض الذي يطلب الطمأنة باستمرار أن هذا الشيء ( صحيح ) أو لا بأس به أو مؤذى أو خطير.. وهكذا وحتى تصل إلى ( الصحيح ) فإن طلبه يتكرر مرات ومرات 0
• كيف نوقف ( تمكين ) الوسواس القهري ؟ :
هل يجب عليك فجأة التوقف عن الطمأنة والمشاركة في الطقوس ؟ محتمل لا ، فالتوقف عن ( المشاركة ) بدون أن تجهز المريض لذلك قد يؤدي إلى قلق هائل وتمزق شديد لمشاعر المريض 0 وأفضل الخطط أن تتعاون على مخطط مع المريض قبل أن تبدأ في الانسحاب من هذه الطقوس 0 وأمثل الطرق لذلك هو الوقت الذي يكون فيه المريض مستعدا لبداية ( البرنامج العلاجي ) ويمكن هنا اللجوء لمساعدة الطبيب النفسي فهذا سيكون ذو فائدة كبيرة 0
• كيف تتعامل مع "الباحث عن التأكيد" الوسواسي ؟ :
البحث الوسواسي عن ( التأكيد ) هو في الواقع عرض مزعج لمرض الوسواس القهري والذي يقع في شباكه أفراد العائلة وهو يحدث في الترتيب الآتي :
1ـ الوساوس المقلقة وتطفلها : يعاني المريض من فكرة وسواسية والتي من الممكن أن تكون غالبا حول فكرة مخيفة أو غير مريحة مثل :
أ ـ السب على المقدسات وكل ما هو جليل في الدين الحنيف 0
ب ـ الإحساس بالذنب تجاه ألعاب الطفولة 0
ج ـ أفكار التشكيك في الدين والأفكار التي ُتخرج من الإيمان ( في نظرك ) 0
د ـ الإحساس بأنكِ تعبد شخص ما بسبب احترامه أو الاهتمام به 0
هـ ـ التساؤل عن أهمية الصلاة والصيام ووجود أفكار سيئة عنهما 0
و ـ الخوف من فقد العذرية 0
ز ـ الخوف من غش وخداع زوج المستقبل 0
ح ـ الخوف من نذر النفس وعدم القدرة على الزواج 0
2ـ صدمة ورجة القلق : عندما تهجم الفكرة فإنها تسبب ضيقا شديدا وتحت وطأة القلق البالغ فإن المصابين بالوسواس القهري لا يملكون القدرة على تهدئة أنفسهم أو إزاحة هذا الضيق الذي تسببه الفكرة من خلال ( الحديث المنطقي للنفس ) أو ( الانعكاس على النفس ) بطريقة منتجة 0
3ـ الإلحاح على تهدئة التوتر : بدلا من تهدئة النفس فإن هؤلاء المرضى يبحثون بإلحاح غير مسيطر عليه عن التهدئة في الحال من خارج أنفسهم على هيئة سؤال وضع لغرض التأكيد اللفظي وذلك لشخص موثوق في أنه سيريحهم أو لشخص مسئول 0
4ـ الحصول على التثبيت : يقوم فرد من أفراد العائلة مستشعرا هذا القلق الشديد بتقديم التأكيد اللفظي والمعنوي لتهيئة هذا الشخص فمثلا يقول : ( أنتِ لستِ كافرة ) أو ( أنتِ مازلتِ بكر ) وبالرغم من هذا فإنه يجب تكرار ذلك مرات حتى يهدأ القلق الذي سببته الفكرة و يشعر مريض الوسواس بتحسن ولكن مؤقت 0
5ـ مرات ومرات أخرى : وتبدأ الدائرة بعد ذلك ، فإن هذا النموذج يصبح راسخا ومتأصلا ويصبح عادة مكتسبة لا يمكن كسرها إلا بالعلاج 0

أبوإسماعيل
23 -02- 2007, 04:24 AM
أما أن تتصل بمعتقدات دينية وقواعد إسلامية

فهذه مرحلة خطيرة تستوجب العلاج .

وكذلك كثير من الوساوس متعبة ومؤلمة

نسأل الله تعالى العفو والعافية .

شكرا لهذا الموضوع القيم

شكرا دكتور

السلامي
23 -02- 2007, 04:39 AM
شكر الله لك أخي الكريم على هذا الموضوع الجيد "

ضيف الله مهدي
23 -02- 2007, 09:03 PM
شكرا جزيلا لك أخي الفاضل / أبو إسماعيل 0
دمت بصحة وعافية 0

ضيف الله مهدي
23 -02- 2007, 09:05 PM
شكرا جزيلا لك أخي الفاضل / السلامي 0
دمت بصحة وعافية 0