المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لوركا وطفولة الضوء في اللوحات



مجاهد اليامي
21 -12- 2003, 07:51 PM
نقلا عن مخطوط كتاب : ( فضاءات تشكيلية ) فتحي العريبي ـ بنغازي - الجماهيرية الليبية

بسبب اهتماماتي التشكيلية قمت بجمع كل ما وقعت عليه العين من الرسومات التي خلّفها شاعر أسبانيا الكبير (فيدريكو غارثيا لوركا) المولود في - فونتفكيروس - في سهل غرناطة الخصب يوم الخامس من يونيو عام 1898 والذي تم اغتياله في الأيام الأولى للحرب الأهلية فجر يوم التاسع عشر من شهر أغسطس سنة 1936 علي يد عصابة فاشستية مجهولة ، ويبدو أن عملية الاغتيال قد حدثت في - فوناز - علي التلال الواقعة خارج غرناطة لكن لم يعثر أبدا علي جسده كما تنبأ هو بذلك :http://members.tripod.com/~altshkeely/rainbow/lurkka4.jpg
عرفت أني قتلت
فَتشوا المقاهي والمقابر والكنائس
فتحوا البراميل والخزانات
استباحوا ثلاثة هياكل ليسلبوا أسنانها الذهب
لم يجدوني .
أتراهم لن يجدوني أبدا ؟
نعم . لم يجدوني أبدا .

كانت المستقبلية والدادائية من التطورات الثورية لأوربا بعد الحرب العالمية الأولى تمارس نفوذها علي عدد من معاصري (لوركا) في مدريد لكنه هو نفسه غير الميال بطبيعته إلى المجموعات كان يبدو للوهلة الأولى غير متأثر إلا عن بعد.
والحق أنه لم يبد أي اهتمام بالتيارات المعاصرة إلا بعد أن توطدت صداقته مع سلفادور دالي الداعية المتحمس للسريالية واللذان تعارفا في بيت طلبة مدريد في بدايات عام 1923 لحظة كان عمر لوركا 24 سنة وعمر دالي 18 سنة.
قليل جدا ما يقال عنه كرسام والكثير مما قيل أن الرسم كان بالنسبة له هواية راسخة في أعماقه ظل يمارسها يوميا وفي كل مكان تقريبا ، يمارس الرسم فوق مائدة المقهى وهو يحتسي فنجانا عابرا ويمارسه فوق منصة المشرب الذي أعتاد في فترات فراغه التردد عليه ويرسم في المطعم علي قائمة الطعام وهو يتناول وجبته الخفيفة ، بل ورسم ذات مرة علي مظروف رسالة وصلته للتو من صديقه سلفادور دالي :

(فيدريكو .. أقوم برسم بعض اللوحات التي تميتني فرحا وأشكل بطبيعة صافية بلا أدني انشغال فني ، أقابل أشياء .. تترك عندي شعورا عميقا وأحاول رسمها بأمانة أو بدقة ، وصلت إلى إدراك تام لكل المعاني ويتراءى لي أني أستحضر طفولتي وحبي الكبير للحشائش ولأشواك راحة البدن للأذن الحمراء تحت الشمس وريش الزجاجات الصغي، لا يبهجني هذا فقط لكن أيضا الكروم والحمير التي تسكن السماء) .
" دالي "

http://members.tripod.com/~altshkeely/rainbow/lurkka3.jpg
هذه الرسالة وغيرها محفوظة الآن في مؤسسة : فيدريكو غارثيا لوركا - والتي يضمها كتاب تذكاري مرفقة بصورها الضوئية إلى جانب مجموعة من الصور الشخصية للشاعر والرسام وأصدقاء لهما مع صور أخري والمتاح من هذه الرسائل للإطلاع هي رسائل - دالي - وحدها أما رسائل لوركا (إن كتبت أصلا) لا توجد ولا أثر لها إلا في بعض إشارات يعود إليها دالي من وقت إلى آخر في رسائله إلى لوركا .
كان قلبه كما هو معروف ينبض شعرا بينما يده كحمامة أندلسية زرقاء اللون حمامة نشطة في كامل عنفوانها حمامة حلقت طويلا ثم مالت في طيرانها وحطت بهدوء علي ورقة الرسم (أي ورقة أو سطح قابل للرسم) إلى أن تمكنت هذه اليد الماهرة من هذا الفن وصار بمقدور (لوركا) أن يرسم بيسر موضوعات عدة ، رسم الطبيعة الساكنة والقيثارات الناعسة ، رسم مساحات الظل المنبسطة إلى أبعد الحدود والمناظر الريفية بخطوط رشيقة تاركا السيطرة لسلم اللونين الأحمر والأصفر كما رسم بالأقلام الخشبية الملونة وكان يرسل البعض من هذه الرسوم إلى أصدقائه في غرناطة عندما حل في مدريد .. رسومات لا تبتعد كثيرا عن استكشات قصائده فقد أعتاد منذ كان شابا صغيرا علي تزيين رسائله برسوم يرسمها بألوان مائية خفيفة في رغبة منه للحرص علي أن الرسم لديه لا ينفصل عن الشعر :

يتفتح حقل الزيتون
ويغلق حقل الزيتون كمروحة
فوق الحرج .. سماء غامقة
مطر أسود من نجمات باردة
في ضفة النهر ترتجف العتمة والقصب
ويموج هواء داكن
أشجار الزيتون تضج بها الصرخات
سرب طيور مأسورة تشرع أذيالا متطاولة في الظل .

الرسام - دالي - الذي عرف : لوركا - وهو شاب في مطلع العشرينات من عمره يصف لنا الجهد البالغ الذي بذله لوركا ليترك رسومه علي رسائله وأعماله الشعرية :

ليست هناك صورة شعرية
تبدو خالية من لون مرتعش
محاطة بقوس قزح من الأنغام الموسيقية .

ففي بداياته الأولى مع الرسم استخدم لوركا نظاما أصيلا للألوان الأساسية لرسم الجبال المجاورة: أخضر بحري شاحب ، بني خفيف ، أحمر ، بني غامق . رسومات تخرج منها تدريجات الإيقاعات الجديدة المحجبة مغمورة بالألوان الأرجوانية . كما أستعمل سلما ثانيا للألوان لاستدعاء المدينة بواجهاتها المتعددة ، أرجواني تفاحي ، أخضر ، وردي مبيض ، والنرجسي الاسلي .
وثمة سلم لوني آخر أكثر رقة ونعومة ، فعندما يأتي المساء فانه يكسو القرى والجبل رداء حريريا مشربا بالفضة مع بريق اللؤلؤ . ألوان الصقيع ، القرنفل ، اللؤلؤ القديم ، الزفير والعقيق وكلما تقدم النهار بدت ألوان(لوركا) جديدة من صباحه إلى مسائه عن تتابع كل إمكانيات الضوء . وكما كان - لوركا - يتمتع بقدرة فائقة علي الرسم والحديث ، كان أيضا لا يحتكر الكلام كله لنفسه بل يترك للآخرين متسعا لأحاديثهم ويظل منتبها إليهم صامتا ومشدودا إلى قسمات وجوههم يرصد انفعالاتهم وتعبيراتهم الطارئة يقتنص ما يجول في داخلهم بينما قلم الرصاص بين أنامله ينتقل علي سطح الرسم بخفة ونعومة عبر الانحناءات وتعرجات الوجه البشري ضمن إجادة تامة مما جعل رسوماته الآن تنافس أشعاره ومسرحياته في الأهمية والعناية من قبل دارسي هذا الشاعر العملاق .

http://members.tripod.com/~altshkeely/rainbow/lurkka2.jpg البنت الحلوة تجمع زيتونا
والريح أمير الأبراج
يأخذ هذى الحلوة بالخصر
فرسان أربعة
مروا فوق جياد أندلسية
الأزرق والأخضر والأقباء السود
"يا فتاة تعالي إلى قرطبة"
مصارعو ثيران فتيان مروا .. بخصور مرهفة
وثياب نارنج وسيوف فضة
"يا فتاة تعالي لاشبيلية"
لكن الفتاة الحلوة لم تأبه
حين صار الأصيل أرجوانا مضاء
جاء هذا الفتي حاملا زهرات القمر
"يا فتاة تعالي لغرناطتي"
لكن الفتاة الحلوة لم تأبه
البنت الحلوة ظلت تجمع زيتونا
وذراع الريح الربداء تطوقها.. تأخذها بالخصر.

ومثل فان جوخ فإن لوركا كان يحب أن يري الألوان ويقدمها إلى أبصارنا وهي مجلوة قد صقلت حتى بلغت أقصي درجات بريقها وتألقها . فالريح ليست فقط ذات لون معين ولكنها من العنف بحيث تتخذ هيأة (عجوز زمردي) واللون يطارد الحسناء، والفواكه صفراء مخملية ، وللمنازل البيضاء نصاعة الجير ولا يمكن لأي ظل أن يستقر علي الجدران النيلية بشوارع جارته الخفية .
وعلي نحو مفاجئ يلوح لوركا بإشارة الوداع ويقول هامسا:

حين أموت
فلتدعوا الشرفة مفتوحة
يأكل الطفل برتقالا
(أنى لا أراه من الشرفة)
الحاصد يحصد قمحه
(أسمعه من هذى الشرفة)
حين أموت
فلتدعوا الشرفة مفتوحة .

اوكي: مشرق: آملاً أن يحوز الموضوع رضاكم

القرش
21 -12- 2003, 10:32 PM
ماشاء الله أخي جحفان
ويعجبني إهتمامك بالفن وأهله
وشكراًعلى المعلومات الجميلة
ولنا عودة أخي جحفان
ومن القلب تحية

ابومشعل
21 -12- 2003, 10:50 PM
هذا الشاعر المبدع لم يقتصر ابداعه على الشعر فحسب ولكن كما أرى في موضوعك أخي جحفان أن إبداعه أمتد لفضاءات أكبر ووصل للفن التشكيلي
شكرا لهذه المعلومات القيمة

أبوإسماعيل
24 -12- 2003, 04:12 AM
http://www.samtah.net/abuesmail/Basmala....a.gif


كان قلبه كما هو معروف ينبض شعرا بينما يده كحمامة أندلسية زرقاء اللون حمامة نشطة في كامل عنفوانها حمامة حلقت طويلا ثم مالت في طيرانها وحطت بهدوء علي ورقة الرسم (أي ورقة أو سطح قابل للرسم)
.
ما أجمله من تعبير
عن حالة خاصة من حالات الفن
جمعت اللفضي والحركي في مكنون واحد .

شكرا جزيلا أخي جحفان
على هذه المواضيع الرائعة






width = 200 height = 200

مجاهد اليامي
29 -04- 2004, 07:20 AM
الأخوة

القرش
أبومشعل
أبو إسماعيل


شكرا لمشاعركم الرقيقة
وتفاعلكم مع الموضوع



تحياتي الجحفانية

لوركا
20 -12- 2009, 02:07 AM
يظل هذا الموضوع في قلبي وصاحبه منذ 2004
"عطر الغائب "
فوحك أشجاني


مودتي و مجاهد

مجاهد اليامي
22 -03- 2010, 07:22 PM
لوركا

شكراً لمرورك

وشكراً لكل هذا الوفاء

مودتي وامتناني وتقديري