mohammed mohamm
29 -07- 2007, 02:00 AM
ما القُصَيْصَة؟ وما القُصَيْصِصَة؟ وما القُصيْصيصة؟
( أسئلة أجناسية )
---------------
لا نكاد نتفحص منتدى أو موقعا إلكترونيا، ولا نكاد نقرأ ورقيا أو إلكترونيا نصا قصصيا مضغوطا إلا ونجد له تعريف: القصة القصيرة جدا، أو القصة الومضة، ولا أعرف لماذا لا يجدي التفكير؛ إن وجد فعلا، في اختصار التعريف وضغطه هو أيضا، كيف يتمكن القاص من ضغط نصه القصصي على صعوبته ويمعن في ذلك ولا يستطيع ضغط تعريف له، وتجنيسه تجنيسا يخلو من التعقيد؟
(( نظرية الأجناس الأدبية theory of literary genres مصطلح يشير إلى مبدأ تنظيمي يصنف الأعمال الأدبية تبعاً لأنماط أدبية خاصة من التنظيم أو البنية الداخليين لهذه الأعمال، وتستمد غالب هذه الأنماط من الأعمال الأدبية الرفيعة التي تتحول تقنياتها وقواعدها ومبادئ تنظيمها وطرائق بنائها، بفعل جملة من العوامل الاجتماعية، إلى معايير يأخذها الكتاب بالحسبان عندما ينشئون نصوصهم، ويجعل النقاد من هذه المعايير كذلك منطلقاً في تقويمهم للنصوص التي يواجهونها، كما يحدد بها القراء آفاق توقعاتهم من النصوص عند قراءتها وتقديرها. وتكوّن الأجناس الأدبية ساحة مغنطيسية ذات تأثير فعال جداً في عملية إنتاج الأعمال الأدبية ونقدها واستهلاكها في أي تقليد أدبي قومي. وهي - أي الأجناس الأدبية - مؤسسة مهمة من مؤسسات أي مجتمع وتؤدي جملة من الوظائف تتصل بالكاتب والقارئ العام والقارئ الخبير معاً)). الأجناس الأدبية(نظريةـ) عبد اللطيف اصطيف، موقع الموسوعة العربية الإلكترونية.
إن القصة القصيرة جدا / القصة الومضة، كجنس أدبي ) هناك من يرفض اعتبارها كذلك كالدكتور: عبد الله أبو هيف لأنها موجودة في كتابات الكتاب قديما وحديثا كما يقول ) له مقوماته؛ قصة تأتي بعد الأقصوصة، والأقصوصة تأتي بعد القصة القصيرة، وهذه الأخيرة تأتي بعد الرواية القصيرة والقصة الطويلة والرواية، وكل ذلك في عمليات تصغير مشروعة لغويا من جهة مصدر القصة وليس مصدر الأقصوصة. وبما أن المبدع مبدع يستطيع التخيل، ويستطيع الإبداع والتحكم في أجرامه الأدبية وهي تسبح في كونه الصغير؛ فإنه بتلك الصفات يستطيع ضغط التعاريف والعناوين والفقرات والجمل والكلمات، لا أقول بضغط الحروف لأنها بغير قابلية الضغط؛ تستقر في ركابها اللغوي من الكلمات، وتشد على المعاني في سياقها البنيوي في الجملة والفقرة والنص، وإنما أقول بضغط الكلمات عند حالات معينة كمثل قول الله تعالى في القرآن العظيم: (( فما اسْطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا )) سورة الكهف، الآية 97، وقوله أيضا: (( ذلك تأويل ما لم تسْطِع عليه صبرا )) الكهف، الآية: 82.
وقول المعري في اللزوميات:
(( سر إن اسْطعت في الهواء رويدا .......... لا اختيالا على رفات العباد ))
وقولي في : ميمية الأقصى وهي قصيدة غير منشورة:
تصبَّرْ ولا تضجرْ قريبا تَحَـــــــرَّر............فقد ’ذبح الـــيأس والذبح أســـــــلم
وفي ضغط الكلمات لإبداع الاصطلاح أسوق بعض ما أوردته في نصوصي القصصية من مثل: حزب الرِّجْدُمي، ومعناها الحزب الرجعي والحزب التقدمي، والمَمْدَرية: ومعناها الامتداد والدائرة، و(( يحرك عضلات الإبْتِضَبْ ولا يتجايش لها )) من قصة وجيهة بعنوان: عبد الرحمن المجذوب في غوانتانامو، ومعنى الكلمة: الابتسام، والغضب..
كما يمكن التصرف في الكلمات بإذن لغوي وليس بإذن ما بعد حداثي من مثل ذلك كلمة : تتظلم، فتصير َتظَلّم، وكذلك تتكرّم وتتبرّم، فتصير تكرّم وتبرّم ودائما في المضارع وهكذا.
وحذف حرف من كلمة ما لا يعني إلا التضمين كمثل ما ذكر، وهو ليس طريق التصغير في اللغة العربية، فاللغة العربية لها قاعدة تعتمدها للتصغير، ولو سرنا بما ذكر فسنجد أن هناك حروف زيدت لتحقيق التصغير، حروف لم تحذف، وذلك مثل ُقصيْصة تصغير قصة، فالقصة بحروف أقل من القُصيْصة وهذه ليست قاعدة، هذا للتنبيه فقط.
وهو من جهة أخرى حذف تخفيف يبقي على المعنى ولا يغيره، كما أنه بحسب قول اللغويين غير ذلك لأن زيادة المبنى عندهم تؤدي لزيادة المعنى فيكون لفظ: اسطاعوا بمعنى لا يحمله لفظ: استطاعوا، وهو لا يفسد مذهبنا، فحذف حرف وإن لم يغير المعنى كلية إلا أنه يزيد فيه أو ينقص منه ولا بأس، فالتخفيف في اسطاعوا يعطي معنى بقدرة أقل من معنى لفظ استطاعوا دون إغفال بلاغة التركيب في الأسلوب للفظين، كما أنه يوحي بحصول العجلة في الظهور على السد الذي بناه ذو القرنين دون تحققه لأن تحققه يقتضي حالا آخر يحصل فيه النقب الفعلي، وهو يوحي من جهة أخرى حصول الالتزام القهري بالوقت اللازم لتحقيق الرغبة في نقبه.
والقول في: تحرَّرُ خفيف عن تتحرّرُ الذي يتطلب مشقة أكبر، وعملا أعظم، وليست هي على غرار: قتل في العادي، وقتّل في المبالغة، ربما نكون موفقين فيما ذهبنا إليه، فإن كنا به كان لنا، وإن كان علينا فهو علينا وحدنا وليس على لغتنا الثرة الفاتنة..
إن إطلاق اسم القُصَيْصة بضم القاف وفتح الحرف الرابع منها على القصة القصيرة جدا، على القصة الومضة كان منذ زمن أبدعت فيه نصوصا قصصية موجهة للكبار والصغار على غرار نص: ضريبة الظلام في عشرة أسطر، ونص: الإنبات الغيبي في خمسة أسطر. ونص : مناجاة صوفية، ومليحة في زبالة، وإقامة في الحلم وكل واحدة منها في عشرة أسطر، ونحن الأحياء الفانون المنشورة في موقع القصة العربية بتاريخ: 15 فبراير 2006 عرفتها بقولي أنها ُقصَيْصَة مَمْدَرية، والتصغير الذي أعنيه هنا تصغير حجمي؛ في كثافة النص، وعددي؛ في جمله وفقراته، صحيح أن الأصل ُقصيصة كتصغير لقصة، وليس تصغير أقصوصة، ولكني أترك الأقصوصة على حالها شكلا وأفرغها من مدلولها الدال على القصة القصيرة وأسقطه للدلالة بها على نص أقل حجما من القصة القصيرة، لأنتقل بعد ذلك إلى التصغير المراد للدلالة على نص أقل حجما وكثافة وعددا في الجمل والفقرات من نفس الأقصوصة، ولكنه في كل الأحوال مبني على قاعدة التصغير العربية التي أعطت ُقصيْصة.
القصة القصيرة / الأقصوصة (( مصطلحان لنوع أدبي واحد ينبغي أن يقوم على أقل ما يمكن من الأحداث / حدث واحد يتنامى عبر شخصيات محدودة أو شخصية واحدة حاسمة، وفى إطار محدود جداً من الزمان والمكان حتى يبلغ الصراع ذروته عند تأزم الموقف وتعقيده لتأتي من ثمّ لحظة التنوير المناسبة معزولة عن المصادفة والافتعال دون اشتراط الحجم أو الطول الذي ينبغي أن يكون محدوداً بطبيعة الحال )) بقلم: أ.د. خليل أبو ذياب من موقع القصة السورية.
ونحن في هذه الدراسة نذهب مذهب أبو ذياب في وجوب أن يكون الحجم محدودا، وهذا بديهي وإلا كنا ما بعد حداثيين، ولكننا لا نذهب مذهبه كما مر معنا في اعتبار القصة القصيرة مرادفا للأقصوصة.
ويجب أن لا يفهم من كلامي هذا أن المحدودية محدودية شكلية قالبية ولو أنها كذلك في العين المجردة، لا يفهم ذلك لأن محدودية الجنس المعني هي نفس محدودية الجنس الآخر، هي نفس محدودية كل شكل من أشكال التعبير الأدبي، ولكن بما أنه لا بد من تلمس جمالية كل جنس على حدة، ولا بد من استقلاله بنفسه وبمكوناته عن غيره؛ كان لزاما أن يتحدد شكلا، غير أن التحديد الشكلي ليس محكوما عدديا، ليس محكوما بالكلمات والجمل والفقرات والنصوص، والمثال على ذلك في القصيصة : نجيب من نجيبة، إذ تقع في 21 سطرا في حاسوبي بخط التايمز الروماني؛ وبحجم 12 للخط المكتوب به، وبين ما لا يتجاوز عشرة أسطر مما سيأتي ذكره في هذه الدراسة، بل هو محكوم بشيء آخر مع مراعاة الشكل الذي تدخله النسب، يحكم الجنس من جانبين اثنين، يحكم بالشكل والمضمون، وهو في مَمْدريتنا / النظرية المَمْدَرية، محكوم بنفس ما ذكر، بيد أنه متحرر منهما معا، فكيف ذلك؟
إذا قيدنا الأديب بعشرة أسطر كما سيرد في كتابة القُصَيْصَة، وقيدنا كاتب القُصَيْصِصَة بخمسة أسطر، وقيدنا مبدع القُصَيْصيصة بثلاث فقرات نكون قد صنعنا إطارا يحيز القصص وهذا جميل لأن الإطار جزء من العمل؛ يضفي عليه جمالا من نوع آخر، إنه دورق معدني أو قارورة خزفية داعبتها أنامل الصانع التقليدي بتلوينه لها وزخرفته عليها، أو هي طاس ُتحيّز فيه باقة ورد، يظهر جميلا بذاته مبصوما بيد الصانع ، ويظهر أجمل بما يحوي، فحضرتك إذا كانت لديك عشر وردات ولديك دورق قطره سنتمتر واحد وقررت وضع الورد فيه لتزيين غرفتك فإنك تستطيع ذلك، ولكنك ستفعل على حساب تخريب الجمال، وإتلاف بهائه، والذهاب برونقه، فستعمد إلى إدخاله فيه بالقوة، وبعملك المنظور ستكسر أغصان الورد، وستتلف معالمه، وتغير شكله الجميل وتحيله إلى قبيح مشفاق لم يعد يعبق شذى طيبا.
وإذا أنت تناولت دورقا قطره متر واحد ووضعت فيه الورد المذكور ـ عشر وردات ـ فإنك لن تحصل على جمال مركب ولو أن يكون وردك فاتنا، ودورقك بديعا، وعليه لا بد من مراعاة الأحجام والكثافة مع مراعاة ما تحويه الأحجام والكثافة من مظروفات أغلى قيمة من ظروفها، أو هو بتعبير آخر حرص على المطابقة البديعية النابعة من جودة الأسلوب وقوة السبك ورصانته بغية تقريب الحقائق، وتحميض الصور المعتكفة في محراب الأسلوب..
وإذن نذهب إلى القول المطمئن أنه لا بد من تحديد الشكل، لا بد من إظهار القالب المراد له أن يحوي ما يحوي من أجناس أدبية، ولا بد في الطرف المقابل أن لا نحدد الشكل والقالب، ندخل التضاد بعقلية نقدية أجناسية لا تنفلت منها جزيئات الجنس، ولا تتأين عندها أنواع الإبداع التي تخصها؛ فنقرر أخيرا أن الشكل والقالب هو هو كما سنحدده، ولكنه في الأهمية النقدية والذوقية لا يأخذ بالعدد والكثافة والشكل والقالب إلا إذا أحس المبدع أنه قد بدأ يستشعر خروجه من جنس إلى جنس، خروجه من جنس أدبي معين، ودخوله في جنس أدبي آخر، وهنا، هنا بالضبط يجب عليه أن يتراجع إلى جنسه الذي كان يكتب فيه ويتقيد بحدوده، يجب عليه أن يحذر ما بعد الحداثة التي تتلف الأذواق، وتستعطر المدانس، وتخلط الأجناس خلط المجاري للمياه العذبة والعادمة، ولا يقال بأن الحدود لا وجود لها في الكتابة الأدبية، لا يقال ذلك لأن الحدود موجودة في كل شيء بما فيها الكتابة الأدبية ونقدر هذا جيدا، وللحسم فيه يكفينا اصطناع محيط للمبدع يسبح فيه، محيط كبير جدا تسعه القصيصيصة والقصيصِصَة والقصيصَة والأقصوصة والقصة القصيرة والرواية القصيرة والقصة الطويلة والرواية..
إذن لا حد لجنس أدبي عند الإبداع إلا عند التداخل مع جنس أدبي آخر، ولا يعني هذا أن جنسا ما لا يحق له الإطلالة والتحليق والغوص في محيط غيره ، لا، ولكن ذلك محسوب بدقة عبقرية، فمثلا لا يتقيد جنس أدبي ما بما ينهل منه، فالقصة القصيرة إن زعم أنها تأخذ من الأحدوثة والنكتة مثلا، فإن غيرها لا يمنع من الأخذ منها، لا يضيق الجنس عند سريانه في أجناس أخرى يسبح فيها ويمتح من عيونها، ولكنه في كل الأحوال يبني بما يبدع في جنس محدد، وليس في كل الأجناس، وإذا استطاع المبدع أن يبني في جميع الأجناس فإن ذلك لا يعطي خلطا، ولا ينتج فسادا، أو يجلب معايب، بل يعطي جنسا جديدا يكون عاليا في إبداعه، شامخا في عليائه، عزيزا بفنه، ويكون مبدعه بحق عبقري فذ لأنه بذلك يسري بجنسه كالماء في جميع الأجناس ولا يتميز إلا في جنس معلوم، قد يكون بفراغه المسيج برزخا في محيط من الإبداعات المتلونة يستطيع التفرد فيها والتميز عنها، وهذا تجريب لن يعطي إلا الروعة، ولن يستقطر من المعاني والأفكار والصور إلا العطر الفواح، ولن يذكّي بروعة إبداعه إلا الشذى الروحي الطيب.. ولنا في تقنية الانصزال في الأدب المَمْدَري برواية: نساء مستعملات شيء مما ذكر، كما لنا فيها تقنيات أخرى جعلت ُبنى الرواية قائما على عدة أجناس تسبح في الرواية كما تسبح الكواكب والنجوم في أفلاكها ولا تصطدم ببعضها..
ويرى د.الفيصل أن عيوب القصة (( الحالية التي يتمنى تلافيها مستقبلاً فهي تكمن في عدم وضوح الحدود بينها وبين أجناس أدب قريبة منها )) المصدر السابق.
ويرى د.حطيني: (( أن المستقبل سيفرز تقنيات كتابية جديدة وبالتالي فإن الشكل النهائي للقصة القصيرة جداً مرهون بالمبدعين وليس بالنقاد لأن النقاد يضعون القواعد من أجل أن يتجاوزها المبدع لا من أجل التقيد بها )) المصدر السابق.
فالخلط ليس مجديا خصوصا في الفنون والأفكار، قد يجدي في بحوث تجريبية على المادة، ولكنه لا يجدي في غيرها إلا إذا قام على بصيرة تفتقدها ما بعد الحداثة وتوجد في الأدب المَمْدَري بتقنية الانصزال كما ذكرت ـ أي الخلط والتعازل للأجرام الأدبية في بناء العالم القصصي والروائي ـ الموظف في رواية: نساء مستعملات، فجعل القصة القصيرة هي الأقصوصة لا نوافقه عليه، القصة القصيرة تظل مصطلحا لم يتحدد كمفهوم أدبي إلا عام 1933 في قاموس أكسفورد، وهي فن أقامه رواد ُأول وأبدعوه أمثال ادجار ألان بو الأمريكي وجودي موباسان الفرنسي وأبوها الروحي جوجول الروسي.
القصة القصيرة تظل قصة قصيرة ولو أن نتجاوز في كتابتها عشر صفحات كما في شروط معتبرة لكتابتها، ولكن ليس إلى درجة أن تتداخل مع الرواية القصيرة، أو القصة الطويلة، أو الرواية، وإلى هذا الحد يجدر بنا إنصاف الأجناس والأنماط؛ وذلك بعدم خلطها ببعضها حتى لا تضيع معالمها، وتشوه ُبناها، فتفقد جماليتها، وعليه فالقصة القصيرة في تعريفنا لها غير الفني الذي أدخلناه الأدب المَمْدَري غير الأقصوصة، الأقصوصة أقل حجما من القصة القصيرة، والقصة القصيرة أقل حجما من الرواية القصيرة، والرواية القصيرة أقل حجما من القصة الطويلة، والقصة الطويلة متحررة في ذاتها عن الرواية كما الرواية التي لا تنعت بالقصيرة متحررة بذاتها عن القصة الطويلة، وهذا التحرر يتواصل في النسب؛ إذ قد تكون القصة الطويلة والرواية بحجم واحد، ولكنهما يتقاطعان في بعض التقنيات، وعليه فالقصة الطويلة والرواية صنوان أحيانا في الحجم ونسب النصوص، وهما لحسن الحظ بتعريف مختلف لا يضطرب الذهن عند سماعه تعريف كل منهما؛ فلا يختلطان عليه، وهذا جميل لا يضطرنا التفكير فيه لوضوحه، وليس بالضرورة أن يضطر المرء التفكير فيما ليس واضحا، كلا، فالواضح قد يفكر فيه ويعطي ما يعطيه غير الواضح، وكم من أسرار كونية ونفسية لافتة ننظر إليها بنظارات تكبير مصنوعة من زجاج الغفلة..
صحيح أن التزام هذه النظرة ليس فيه شيء من الإبداع، ولكنه في كل الأحوال لوحة لا بد منها لإظهار فنون القص عليها، إنه كاللوحة التي تظهر عليها الأعمال الفنية التشكيلية الجميلة، إنها الإطار الذي لا بد منه، وهذا الإطار إن لم تتحدد معالمه، وترسم حدوده يظل إطارا معيقا للنظر السليم بعين الذوق؛ يضيّع الخصائص الفنية للقصة، وبالتالي يغيّب الإعجاب الآسر بها وبكتابها..
وأما في الجانب الفني فتعريفنا لكل جنس أدبي ـ في السرد تحديدا ـ هو ما كان متحررا من كل قيد إلا قيد الاختلاط بغيره من الأجناس الأخرى..
المساحة حيز، والحيز محيط لسباحة الأجرام الأدبية، والمبدع فنان يغلي ذهنه إلى درجة أن يحس بارتفاعه بأصابع قدميه وهما فوق الأرض ينوي الإقلاع للتحليق عاليا فيكون له ما أراد، انظر إلى أشكال كثيرة من أنواع المساحات، إنها إطار للعمل الفني يمارسه المبدع فيظهر فيه وعليه إبداعه، فاللوحة والورق والثوب والبدن والخشب والحائط وغيره مساحات صالحة للإبداع، ينتج الأدب فيها وعليها، فاللوحة من ورق أو خشب أو معدن أو ثلج يستعملها المبدع لإظهار فنه، يرسم لنا التشكيل والكاريكاتير، وينقش لنا أصنافا من الأشكال للطبيعة والحيوان والإنسان والحشرات.. ويكتب لنا الحروف والكلمات بخطوط بديعة آسرة للذوق الرفيع..
يأتي فنان فيرسم بالخشب وعلى الخشب أشكال وألوان فنية سواء كانت لحيوانات أو حشرات أو نباتات أو جمادات..
ويأتي فنان ثان فيكتب على الورق والكرتون وأحيانا على أمتعة ومقتنيات اسما باللغة العربية وبحروف طيعة تستجيب راضية لصناعة الجمال؛ لرجل أو امرأة بخط جميل يبتاعه منه السياح في حي البائسين بغرناطة مثلا..
ويكتب ثالث على الثوب مواقف سياسية وشعارات حزبية يتفنن في وضعها على يافطته حتى تأخذ بالعين وتأسر اللب..
يأتي فنان رابع فيرسم في فصل الشتاء على الثلج مدينة أو قرية، يرسم معمارا، وأنفاقا، ويجسِّم صورا جميلة تنتهي بتولي البرد وسخونة الجو فيذوب الثلج وتذوب معه تلك الإبداعات بعد أن تكون قد وثقت بالفيديو والصور الفوتوغرافية..
ويأتي فنان خامس فينقش بالحناء على أكف الفتيات والنساء وعلى أرجلهن..
ويأتي فنان سادس فيظهر نقوشا ورسوما على البدن في الذراع والكف والرجل وفي أماكن جنسية تحت الخصور لنساء وفتيات قصد الإثارة لإبراز معاني بنقوشه ورسوماته لأفاعي وعقارب وعناكب وغيرها هي أفكار للفحولة الوهمية، وآراء للتمرد مبثوثة في تلك الرسائل التي يضمرها البدن..
ويأتي الأخير وليس الآخر فيكتب على الحيطان مطالبه السياسية وتظلماته حين يفتقد لمنبر يوصل من خلاله آراءه وتظلماته للمجتمع، أو يبدع عليه لوحات تشكيلية تطرب العين، وتهز الخلد..
إن تحديد المساحة للكتابة الفنية ولو أن تكون مساحة غير محدودة بعد زمنيا؛ ضروري فنيا ونقديا، ضرورته ليست فكرية إلا من حيث جعل الفكر حكما في التعاريف والمصطلحات.
إن النظر إلى الحياة، وإلى الكون، وإلى الإنسان، وإلى الطبيعة، وإلى المتخيل لا بد أن يحكم بشروط.. فحجم قصيدة شعرية في الإبداع الشعري مثلا لا يكون إلا تابعا لنفَس الشاعر، فلو استطاع كتابة قصيدته في آلاف الأبيات وعشرات الآلاف فله ذلك وقد حصل لكثير من الألفيات وختمت بملحمة لم يأت بمثلها أحد عبر العصور غير عبد المنعم فرطوسي في ديوانه: ملحمة أهل البيت بـ 40.282 بيت شعري في ثمانية أجزاء، لأنه يتبع ذهنه وانفعاله، يتبع حياته، وبمقدار ما يحيا إبداعيا بحياته الطبيعية يتحدد حجم قصيدته إذا جعلها قصيدة العمر مثل قصيدتي: تائية الانتفاضة في ألف بيت مطبوع ومنشور ورقيا، وعشرات الأبيات للجزء الثاني غير مطبوعة ولا منشورة، وفي ذلك ظهور للحجم، ودعوني أعبر عنه بالفراغ المسيج الذي ورد ذكره آنفا، وهو تعبير أفضل عندي من تعبير المسبح المسيج..
مساحة الإبداع / الفراغ المسيج كون صغير مصنوع ذهنيا وعاطفيا من قبل المبدع، وكونه هذا كون مملوك له وحده من حيث الإبداع فيه، لا يمنع غشيانه عن أحد، ولكن ليس قبل الإبداع، يسمح بغشيانه بعد الإبداع، وليس قبله، وهنا يظهر عمل في حيز لن يكون سوى ساحة الإبداع التي طرقها المبدع بأجرامه الأدبية، يطرقها وحده ولا يسمح لأي كان أن يشاركه صناعته للجمال..
ومن هذا المنطلق نرى أن القصة القصيرة ليست هي الأقصوصة. القصة القصيرة مساحتها الإبداعية أكثر من مساحة الأقصوصة، والمساحة ليست دليلا على الجودة، وليست دليلا على القيمة الفنية لهذا الجنس أو ذاك، ولهذا النص أو ذاك، فالقيم الفنية لا تقتعد ساحتها لتتوسع فيها أو تتكاثف أو تدق وتضمر وتضغط بغية صناعة الجمال، لا، فصناعة الجمال لا تلبي ذلك، ولا تعتبر إلا بالفطرة السليمة الذواقة للجمال، انظر إلى الظرف، فهل تتم العناية به كما يجب أم لا ؟ نعم، لأن الظرف يحمل شيئا مهما يرجى حفاظه فيه حتى يبلغ المرسل إليه ، ولكن المظروف أكثر أهمية من الظرف، وعليه من أجل صناعة الأهم / أي الأجمل في فن القصة القصيرة أو غيرها من أشكال السرد من حيث خلق الجمال والحفاظ عليه؛ لا بد من أن يكون ظرفه لائقا به، فالهدايا البسيطة، والهدايا الرمزية حين تقدم محفوظة في أظرفة جميلة تدل على عناية محاطة بجمالية ترقى عن الماديات إلى قرع الأحاسيس والمشاعر النبيلة لإنتاج المتع العاطفية، وإنتاج المتع الذهنية في الأدب المَمْدَري بذلك الاحتفاء..
لا يعاب على المبدع شيء أكبر من عدم استفراغ وسعه لتقديم مادته لقرائه ومتلقيه، لا يعاب عليه غير ذلك؛ ويا له من عيب، فالقول بالقصة القصيرة جدا ليس فيه سوء يمكن أن يلحق اللغة العربية الرائعة، بل إن وجد ـ وقد وجد ـ فسيلحق أبناءها، وعليه فالفقر ليس فقر اللغة، بل هو فقر من لا يحسن ترويضها والتفكير فيها، ولا أقول التفكير بها كما يقول محمد عابد الجابري؛ وهو قول مخالف للواقع..
إن للتصغير في اللغة العربية أحكام ضبطت في قواعدها، فالاسم المتحول إلى صيغة " فعيل " و"فعيعل" و"فعيعيل" كلها أسماء التصغير الغرض منها كما هو معروف أن يدل التصغير على صغر الحجم مثل: كتيب ولقيمة. وقلة العدد مثل: وريقات ودريهمات. وقرب الزمان مثل: قبيل الصبح، وبعيد العشاء. والتحقير مثل: أأعجزتك مطاردة هذا اللويصص،.والتعظيم مثل: أصابتك دويهمة أذهلتك. والتحبيب مثل: في طنجة جويرية كالجويهرة..
وإذا أخذنا صيغة فعيل وطبقنها على القصة من جهة المصدر صارت ُقصَيْصَة. وإذا أخذنا صيغة : فعيعل وطبقنها على القُصَيْصَة من جهة المصدر أيضا صارت ُقصَيْصِصَة، وهذه الأخيرة هل أجعلها للإبداع الذي ذكرته وهو في خمسة أسطر فتكون قصة : الإنبات الغيبي ُقصَيْصِصَة مََمْدَرية؟ الأمر إلي وأنا أحق به من غيري؛ لأني مبدعه. وإذا أخذنا صيغة فعيعيل وطبقنها على القُصيْصِصَة ودائما من جهة المصدر صارت ُقصيْصيصة وهكذا.
وإذن يظهر عدم استفراع الوسع في إطلاق أسماء على مسميات دون أن يكون المبدع موفقا، بل دون أن يكون المبدع مبدعا حقا لأن الإبداع يقضي بالإتيان بالجديد الذي ينطبق على الإبداع ولا يعيبه..
ومعروف لغويا أن الاسم تشتق منه صفات وأفعال، بينما الصفات وهي نعوت لا تشتق منها أسماء، وعليه فالاسم متضمن للصفة، والصفة مستلزمة للاسم، وإطلاق اسم القصة القصيرة جدا ليس إطلاقا على جنس، بل هو استظهار صفات يظهر فيها الصدق والكذب خلاف الاسم، فأنا إذا أطلقت اسم القُصَيْصَة لم يلحقني عيب، بينما إذا قلت قصة قصيرة جدا لحقني عيب الكذب، صحيح أنه يتضمن اسم القصة وهي المقصودة أولا، ولكن لم هذا الإطلاق على نص يقوم على القصر والضغط وهو لم يقو على تطبيق ذلك حتى على تعريفه، حتى على الاسم العلم واللقب الذي من المفروض أن يبين الجوهر؟
إن ضغط النصوص وكبسلتها وإن لم يكن تشذيبا للنص حتى لا نتهمه في جماليته يخلخل النص من خلال خلخلة اللغة المكتوب بها للسمو بها، واصطفاء الأجود منها، والأبلغ للتعبير عن المعاني المكنونة فيها، فهو ليس تعليبا للنص، وإنما هو تفصيل على القياس لإلباسه جمالية قصوى ربما لا يوجد بعدها غيرها..
وهذا الضغط / الكبسلة يسوقنا إلى تحديدات لا بد منها، إلى تحديدات لا عيب أن نختلف عليها، ولكن ليس لمجرد الاختلاف، بل لملاحظة المطابقة فيما ُيزعم، وهذا مطلوب فكريا أكثر منه إبداعيا، ولكن بما أننا بصدد التعريف ولو أنها للإبداع، فإن هذا التعريف فكر، وليس أدبا..
===
يتبع
===
( أسئلة أجناسية )
---------------
لا نكاد نتفحص منتدى أو موقعا إلكترونيا، ولا نكاد نقرأ ورقيا أو إلكترونيا نصا قصصيا مضغوطا إلا ونجد له تعريف: القصة القصيرة جدا، أو القصة الومضة، ولا أعرف لماذا لا يجدي التفكير؛ إن وجد فعلا، في اختصار التعريف وضغطه هو أيضا، كيف يتمكن القاص من ضغط نصه القصصي على صعوبته ويمعن في ذلك ولا يستطيع ضغط تعريف له، وتجنيسه تجنيسا يخلو من التعقيد؟
(( نظرية الأجناس الأدبية theory of literary genres مصطلح يشير إلى مبدأ تنظيمي يصنف الأعمال الأدبية تبعاً لأنماط أدبية خاصة من التنظيم أو البنية الداخليين لهذه الأعمال، وتستمد غالب هذه الأنماط من الأعمال الأدبية الرفيعة التي تتحول تقنياتها وقواعدها ومبادئ تنظيمها وطرائق بنائها، بفعل جملة من العوامل الاجتماعية، إلى معايير يأخذها الكتاب بالحسبان عندما ينشئون نصوصهم، ويجعل النقاد من هذه المعايير كذلك منطلقاً في تقويمهم للنصوص التي يواجهونها، كما يحدد بها القراء آفاق توقعاتهم من النصوص عند قراءتها وتقديرها. وتكوّن الأجناس الأدبية ساحة مغنطيسية ذات تأثير فعال جداً في عملية إنتاج الأعمال الأدبية ونقدها واستهلاكها في أي تقليد أدبي قومي. وهي - أي الأجناس الأدبية - مؤسسة مهمة من مؤسسات أي مجتمع وتؤدي جملة من الوظائف تتصل بالكاتب والقارئ العام والقارئ الخبير معاً)). الأجناس الأدبية(نظريةـ) عبد اللطيف اصطيف، موقع الموسوعة العربية الإلكترونية.
إن القصة القصيرة جدا / القصة الومضة، كجنس أدبي ) هناك من يرفض اعتبارها كذلك كالدكتور: عبد الله أبو هيف لأنها موجودة في كتابات الكتاب قديما وحديثا كما يقول ) له مقوماته؛ قصة تأتي بعد الأقصوصة، والأقصوصة تأتي بعد القصة القصيرة، وهذه الأخيرة تأتي بعد الرواية القصيرة والقصة الطويلة والرواية، وكل ذلك في عمليات تصغير مشروعة لغويا من جهة مصدر القصة وليس مصدر الأقصوصة. وبما أن المبدع مبدع يستطيع التخيل، ويستطيع الإبداع والتحكم في أجرامه الأدبية وهي تسبح في كونه الصغير؛ فإنه بتلك الصفات يستطيع ضغط التعاريف والعناوين والفقرات والجمل والكلمات، لا أقول بضغط الحروف لأنها بغير قابلية الضغط؛ تستقر في ركابها اللغوي من الكلمات، وتشد على المعاني في سياقها البنيوي في الجملة والفقرة والنص، وإنما أقول بضغط الكلمات عند حالات معينة كمثل قول الله تعالى في القرآن العظيم: (( فما اسْطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا )) سورة الكهف، الآية 97، وقوله أيضا: (( ذلك تأويل ما لم تسْطِع عليه صبرا )) الكهف، الآية: 82.
وقول المعري في اللزوميات:
(( سر إن اسْطعت في الهواء رويدا .......... لا اختيالا على رفات العباد ))
وقولي في : ميمية الأقصى وهي قصيدة غير منشورة:
تصبَّرْ ولا تضجرْ قريبا تَحَـــــــرَّر............فقد ’ذبح الـــيأس والذبح أســـــــلم
وفي ضغط الكلمات لإبداع الاصطلاح أسوق بعض ما أوردته في نصوصي القصصية من مثل: حزب الرِّجْدُمي، ومعناها الحزب الرجعي والحزب التقدمي، والمَمْدَرية: ومعناها الامتداد والدائرة، و(( يحرك عضلات الإبْتِضَبْ ولا يتجايش لها )) من قصة وجيهة بعنوان: عبد الرحمن المجذوب في غوانتانامو، ومعنى الكلمة: الابتسام، والغضب..
كما يمكن التصرف في الكلمات بإذن لغوي وليس بإذن ما بعد حداثي من مثل ذلك كلمة : تتظلم، فتصير َتظَلّم، وكذلك تتكرّم وتتبرّم، فتصير تكرّم وتبرّم ودائما في المضارع وهكذا.
وحذف حرف من كلمة ما لا يعني إلا التضمين كمثل ما ذكر، وهو ليس طريق التصغير في اللغة العربية، فاللغة العربية لها قاعدة تعتمدها للتصغير، ولو سرنا بما ذكر فسنجد أن هناك حروف زيدت لتحقيق التصغير، حروف لم تحذف، وذلك مثل ُقصيْصة تصغير قصة، فالقصة بحروف أقل من القُصيْصة وهذه ليست قاعدة، هذا للتنبيه فقط.
وهو من جهة أخرى حذف تخفيف يبقي على المعنى ولا يغيره، كما أنه بحسب قول اللغويين غير ذلك لأن زيادة المبنى عندهم تؤدي لزيادة المعنى فيكون لفظ: اسطاعوا بمعنى لا يحمله لفظ: استطاعوا، وهو لا يفسد مذهبنا، فحذف حرف وإن لم يغير المعنى كلية إلا أنه يزيد فيه أو ينقص منه ولا بأس، فالتخفيف في اسطاعوا يعطي معنى بقدرة أقل من معنى لفظ استطاعوا دون إغفال بلاغة التركيب في الأسلوب للفظين، كما أنه يوحي بحصول العجلة في الظهور على السد الذي بناه ذو القرنين دون تحققه لأن تحققه يقتضي حالا آخر يحصل فيه النقب الفعلي، وهو يوحي من جهة أخرى حصول الالتزام القهري بالوقت اللازم لتحقيق الرغبة في نقبه.
والقول في: تحرَّرُ خفيف عن تتحرّرُ الذي يتطلب مشقة أكبر، وعملا أعظم، وليست هي على غرار: قتل في العادي، وقتّل في المبالغة، ربما نكون موفقين فيما ذهبنا إليه، فإن كنا به كان لنا، وإن كان علينا فهو علينا وحدنا وليس على لغتنا الثرة الفاتنة..
إن إطلاق اسم القُصَيْصة بضم القاف وفتح الحرف الرابع منها على القصة القصيرة جدا، على القصة الومضة كان منذ زمن أبدعت فيه نصوصا قصصية موجهة للكبار والصغار على غرار نص: ضريبة الظلام في عشرة أسطر، ونص: الإنبات الغيبي في خمسة أسطر. ونص : مناجاة صوفية، ومليحة في زبالة، وإقامة في الحلم وكل واحدة منها في عشرة أسطر، ونحن الأحياء الفانون المنشورة في موقع القصة العربية بتاريخ: 15 فبراير 2006 عرفتها بقولي أنها ُقصَيْصَة مَمْدَرية، والتصغير الذي أعنيه هنا تصغير حجمي؛ في كثافة النص، وعددي؛ في جمله وفقراته، صحيح أن الأصل ُقصيصة كتصغير لقصة، وليس تصغير أقصوصة، ولكني أترك الأقصوصة على حالها شكلا وأفرغها من مدلولها الدال على القصة القصيرة وأسقطه للدلالة بها على نص أقل حجما من القصة القصيرة، لأنتقل بعد ذلك إلى التصغير المراد للدلالة على نص أقل حجما وكثافة وعددا في الجمل والفقرات من نفس الأقصوصة، ولكنه في كل الأحوال مبني على قاعدة التصغير العربية التي أعطت ُقصيْصة.
القصة القصيرة / الأقصوصة (( مصطلحان لنوع أدبي واحد ينبغي أن يقوم على أقل ما يمكن من الأحداث / حدث واحد يتنامى عبر شخصيات محدودة أو شخصية واحدة حاسمة، وفى إطار محدود جداً من الزمان والمكان حتى يبلغ الصراع ذروته عند تأزم الموقف وتعقيده لتأتي من ثمّ لحظة التنوير المناسبة معزولة عن المصادفة والافتعال دون اشتراط الحجم أو الطول الذي ينبغي أن يكون محدوداً بطبيعة الحال )) بقلم: أ.د. خليل أبو ذياب من موقع القصة السورية.
ونحن في هذه الدراسة نذهب مذهب أبو ذياب في وجوب أن يكون الحجم محدودا، وهذا بديهي وإلا كنا ما بعد حداثيين، ولكننا لا نذهب مذهبه كما مر معنا في اعتبار القصة القصيرة مرادفا للأقصوصة.
ويجب أن لا يفهم من كلامي هذا أن المحدودية محدودية شكلية قالبية ولو أنها كذلك في العين المجردة، لا يفهم ذلك لأن محدودية الجنس المعني هي نفس محدودية الجنس الآخر، هي نفس محدودية كل شكل من أشكال التعبير الأدبي، ولكن بما أنه لا بد من تلمس جمالية كل جنس على حدة، ولا بد من استقلاله بنفسه وبمكوناته عن غيره؛ كان لزاما أن يتحدد شكلا، غير أن التحديد الشكلي ليس محكوما عدديا، ليس محكوما بالكلمات والجمل والفقرات والنصوص، والمثال على ذلك في القصيصة : نجيب من نجيبة، إذ تقع في 21 سطرا في حاسوبي بخط التايمز الروماني؛ وبحجم 12 للخط المكتوب به، وبين ما لا يتجاوز عشرة أسطر مما سيأتي ذكره في هذه الدراسة، بل هو محكوم بشيء آخر مع مراعاة الشكل الذي تدخله النسب، يحكم الجنس من جانبين اثنين، يحكم بالشكل والمضمون، وهو في مَمْدريتنا / النظرية المَمْدَرية، محكوم بنفس ما ذكر، بيد أنه متحرر منهما معا، فكيف ذلك؟
إذا قيدنا الأديب بعشرة أسطر كما سيرد في كتابة القُصَيْصَة، وقيدنا كاتب القُصَيْصِصَة بخمسة أسطر، وقيدنا مبدع القُصَيْصيصة بثلاث فقرات نكون قد صنعنا إطارا يحيز القصص وهذا جميل لأن الإطار جزء من العمل؛ يضفي عليه جمالا من نوع آخر، إنه دورق معدني أو قارورة خزفية داعبتها أنامل الصانع التقليدي بتلوينه لها وزخرفته عليها، أو هي طاس ُتحيّز فيه باقة ورد، يظهر جميلا بذاته مبصوما بيد الصانع ، ويظهر أجمل بما يحوي، فحضرتك إذا كانت لديك عشر وردات ولديك دورق قطره سنتمتر واحد وقررت وضع الورد فيه لتزيين غرفتك فإنك تستطيع ذلك، ولكنك ستفعل على حساب تخريب الجمال، وإتلاف بهائه، والذهاب برونقه، فستعمد إلى إدخاله فيه بالقوة، وبعملك المنظور ستكسر أغصان الورد، وستتلف معالمه، وتغير شكله الجميل وتحيله إلى قبيح مشفاق لم يعد يعبق شذى طيبا.
وإذا أنت تناولت دورقا قطره متر واحد ووضعت فيه الورد المذكور ـ عشر وردات ـ فإنك لن تحصل على جمال مركب ولو أن يكون وردك فاتنا، ودورقك بديعا، وعليه لا بد من مراعاة الأحجام والكثافة مع مراعاة ما تحويه الأحجام والكثافة من مظروفات أغلى قيمة من ظروفها، أو هو بتعبير آخر حرص على المطابقة البديعية النابعة من جودة الأسلوب وقوة السبك ورصانته بغية تقريب الحقائق، وتحميض الصور المعتكفة في محراب الأسلوب..
وإذن نذهب إلى القول المطمئن أنه لا بد من تحديد الشكل، لا بد من إظهار القالب المراد له أن يحوي ما يحوي من أجناس أدبية، ولا بد في الطرف المقابل أن لا نحدد الشكل والقالب، ندخل التضاد بعقلية نقدية أجناسية لا تنفلت منها جزيئات الجنس، ولا تتأين عندها أنواع الإبداع التي تخصها؛ فنقرر أخيرا أن الشكل والقالب هو هو كما سنحدده، ولكنه في الأهمية النقدية والذوقية لا يأخذ بالعدد والكثافة والشكل والقالب إلا إذا أحس المبدع أنه قد بدأ يستشعر خروجه من جنس إلى جنس، خروجه من جنس أدبي معين، ودخوله في جنس أدبي آخر، وهنا، هنا بالضبط يجب عليه أن يتراجع إلى جنسه الذي كان يكتب فيه ويتقيد بحدوده، يجب عليه أن يحذر ما بعد الحداثة التي تتلف الأذواق، وتستعطر المدانس، وتخلط الأجناس خلط المجاري للمياه العذبة والعادمة، ولا يقال بأن الحدود لا وجود لها في الكتابة الأدبية، لا يقال ذلك لأن الحدود موجودة في كل شيء بما فيها الكتابة الأدبية ونقدر هذا جيدا، وللحسم فيه يكفينا اصطناع محيط للمبدع يسبح فيه، محيط كبير جدا تسعه القصيصيصة والقصيصِصَة والقصيصَة والأقصوصة والقصة القصيرة والرواية القصيرة والقصة الطويلة والرواية..
إذن لا حد لجنس أدبي عند الإبداع إلا عند التداخل مع جنس أدبي آخر، ولا يعني هذا أن جنسا ما لا يحق له الإطلالة والتحليق والغوص في محيط غيره ، لا، ولكن ذلك محسوب بدقة عبقرية، فمثلا لا يتقيد جنس أدبي ما بما ينهل منه، فالقصة القصيرة إن زعم أنها تأخذ من الأحدوثة والنكتة مثلا، فإن غيرها لا يمنع من الأخذ منها، لا يضيق الجنس عند سريانه في أجناس أخرى يسبح فيها ويمتح من عيونها، ولكنه في كل الأحوال يبني بما يبدع في جنس محدد، وليس في كل الأجناس، وإذا استطاع المبدع أن يبني في جميع الأجناس فإن ذلك لا يعطي خلطا، ولا ينتج فسادا، أو يجلب معايب، بل يعطي جنسا جديدا يكون عاليا في إبداعه، شامخا في عليائه، عزيزا بفنه، ويكون مبدعه بحق عبقري فذ لأنه بذلك يسري بجنسه كالماء في جميع الأجناس ولا يتميز إلا في جنس معلوم، قد يكون بفراغه المسيج برزخا في محيط من الإبداعات المتلونة يستطيع التفرد فيها والتميز عنها، وهذا تجريب لن يعطي إلا الروعة، ولن يستقطر من المعاني والأفكار والصور إلا العطر الفواح، ولن يذكّي بروعة إبداعه إلا الشذى الروحي الطيب.. ولنا في تقنية الانصزال في الأدب المَمْدَري برواية: نساء مستعملات شيء مما ذكر، كما لنا فيها تقنيات أخرى جعلت ُبنى الرواية قائما على عدة أجناس تسبح في الرواية كما تسبح الكواكب والنجوم في أفلاكها ولا تصطدم ببعضها..
ويرى د.الفيصل أن عيوب القصة (( الحالية التي يتمنى تلافيها مستقبلاً فهي تكمن في عدم وضوح الحدود بينها وبين أجناس أدب قريبة منها )) المصدر السابق.
ويرى د.حطيني: (( أن المستقبل سيفرز تقنيات كتابية جديدة وبالتالي فإن الشكل النهائي للقصة القصيرة جداً مرهون بالمبدعين وليس بالنقاد لأن النقاد يضعون القواعد من أجل أن يتجاوزها المبدع لا من أجل التقيد بها )) المصدر السابق.
فالخلط ليس مجديا خصوصا في الفنون والأفكار، قد يجدي في بحوث تجريبية على المادة، ولكنه لا يجدي في غيرها إلا إذا قام على بصيرة تفتقدها ما بعد الحداثة وتوجد في الأدب المَمْدَري بتقنية الانصزال كما ذكرت ـ أي الخلط والتعازل للأجرام الأدبية في بناء العالم القصصي والروائي ـ الموظف في رواية: نساء مستعملات، فجعل القصة القصيرة هي الأقصوصة لا نوافقه عليه، القصة القصيرة تظل مصطلحا لم يتحدد كمفهوم أدبي إلا عام 1933 في قاموس أكسفورد، وهي فن أقامه رواد ُأول وأبدعوه أمثال ادجار ألان بو الأمريكي وجودي موباسان الفرنسي وأبوها الروحي جوجول الروسي.
القصة القصيرة تظل قصة قصيرة ولو أن نتجاوز في كتابتها عشر صفحات كما في شروط معتبرة لكتابتها، ولكن ليس إلى درجة أن تتداخل مع الرواية القصيرة، أو القصة الطويلة، أو الرواية، وإلى هذا الحد يجدر بنا إنصاف الأجناس والأنماط؛ وذلك بعدم خلطها ببعضها حتى لا تضيع معالمها، وتشوه ُبناها، فتفقد جماليتها، وعليه فالقصة القصيرة في تعريفنا لها غير الفني الذي أدخلناه الأدب المَمْدَري غير الأقصوصة، الأقصوصة أقل حجما من القصة القصيرة، والقصة القصيرة أقل حجما من الرواية القصيرة، والرواية القصيرة أقل حجما من القصة الطويلة، والقصة الطويلة متحررة في ذاتها عن الرواية كما الرواية التي لا تنعت بالقصيرة متحررة بذاتها عن القصة الطويلة، وهذا التحرر يتواصل في النسب؛ إذ قد تكون القصة الطويلة والرواية بحجم واحد، ولكنهما يتقاطعان في بعض التقنيات، وعليه فالقصة الطويلة والرواية صنوان أحيانا في الحجم ونسب النصوص، وهما لحسن الحظ بتعريف مختلف لا يضطرب الذهن عند سماعه تعريف كل منهما؛ فلا يختلطان عليه، وهذا جميل لا يضطرنا التفكير فيه لوضوحه، وليس بالضرورة أن يضطر المرء التفكير فيما ليس واضحا، كلا، فالواضح قد يفكر فيه ويعطي ما يعطيه غير الواضح، وكم من أسرار كونية ونفسية لافتة ننظر إليها بنظارات تكبير مصنوعة من زجاج الغفلة..
صحيح أن التزام هذه النظرة ليس فيه شيء من الإبداع، ولكنه في كل الأحوال لوحة لا بد منها لإظهار فنون القص عليها، إنه كاللوحة التي تظهر عليها الأعمال الفنية التشكيلية الجميلة، إنها الإطار الذي لا بد منه، وهذا الإطار إن لم تتحدد معالمه، وترسم حدوده يظل إطارا معيقا للنظر السليم بعين الذوق؛ يضيّع الخصائص الفنية للقصة، وبالتالي يغيّب الإعجاب الآسر بها وبكتابها..
وأما في الجانب الفني فتعريفنا لكل جنس أدبي ـ في السرد تحديدا ـ هو ما كان متحررا من كل قيد إلا قيد الاختلاط بغيره من الأجناس الأخرى..
المساحة حيز، والحيز محيط لسباحة الأجرام الأدبية، والمبدع فنان يغلي ذهنه إلى درجة أن يحس بارتفاعه بأصابع قدميه وهما فوق الأرض ينوي الإقلاع للتحليق عاليا فيكون له ما أراد، انظر إلى أشكال كثيرة من أنواع المساحات، إنها إطار للعمل الفني يمارسه المبدع فيظهر فيه وعليه إبداعه، فاللوحة والورق والثوب والبدن والخشب والحائط وغيره مساحات صالحة للإبداع، ينتج الأدب فيها وعليها، فاللوحة من ورق أو خشب أو معدن أو ثلج يستعملها المبدع لإظهار فنه، يرسم لنا التشكيل والكاريكاتير، وينقش لنا أصنافا من الأشكال للطبيعة والحيوان والإنسان والحشرات.. ويكتب لنا الحروف والكلمات بخطوط بديعة آسرة للذوق الرفيع..
يأتي فنان فيرسم بالخشب وعلى الخشب أشكال وألوان فنية سواء كانت لحيوانات أو حشرات أو نباتات أو جمادات..
ويأتي فنان ثان فيكتب على الورق والكرتون وأحيانا على أمتعة ومقتنيات اسما باللغة العربية وبحروف طيعة تستجيب راضية لصناعة الجمال؛ لرجل أو امرأة بخط جميل يبتاعه منه السياح في حي البائسين بغرناطة مثلا..
ويكتب ثالث على الثوب مواقف سياسية وشعارات حزبية يتفنن في وضعها على يافطته حتى تأخذ بالعين وتأسر اللب..
يأتي فنان رابع فيرسم في فصل الشتاء على الثلج مدينة أو قرية، يرسم معمارا، وأنفاقا، ويجسِّم صورا جميلة تنتهي بتولي البرد وسخونة الجو فيذوب الثلج وتذوب معه تلك الإبداعات بعد أن تكون قد وثقت بالفيديو والصور الفوتوغرافية..
ويأتي فنان خامس فينقش بالحناء على أكف الفتيات والنساء وعلى أرجلهن..
ويأتي فنان سادس فيظهر نقوشا ورسوما على البدن في الذراع والكف والرجل وفي أماكن جنسية تحت الخصور لنساء وفتيات قصد الإثارة لإبراز معاني بنقوشه ورسوماته لأفاعي وعقارب وعناكب وغيرها هي أفكار للفحولة الوهمية، وآراء للتمرد مبثوثة في تلك الرسائل التي يضمرها البدن..
ويأتي الأخير وليس الآخر فيكتب على الحيطان مطالبه السياسية وتظلماته حين يفتقد لمنبر يوصل من خلاله آراءه وتظلماته للمجتمع، أو يبدع عليه لوحات تشكيلية تطرب العين، وتهز الخلد..
إن تحديد المساحة للكتابة الفنية ولو أن تكون مساحة غير محدودة بعد زمنيا؛ ضروري فنيا ونقديا، ضرورته ليست فكرية إلا من حيث جعل الفكر حكما في التعاريف والمصطلحات.
إن النظر إلى الحياة، وإلى الكون، وإلى الإنسان، وإلى الطبيعة، وإلى المتخيل لا بد أن يحكم بشروط.. فحجم قصيدة شعرية في الإبداع الشعري مثلا لا يكون إلا تابعا لنفَس الشاعر، فلو استطاع كتابة قصيدته في آلاف الأبيات وعشرات الآلاف فله ذلك وقد حصل لكثير من الألفيات وختمت بملحمة لم يأت بمثلها أحد عبر العصور غير عبد المنعم فرطوسي في ديوانه: ملحمة أهل البيت بـ 40.282 بيت شعري في ثمانية أجزاء، لأنه يتبع ذهنه وانفعاله، يتبع حياته، وبمقدار ما يحيا إبداعيا بحياته الطبيعية يتحدد حجم قصيدته إذا جعلها قصيدة العمر مثل قصيدتي: تائية الانتفاضة في ألف بيت مطبوع ومنشور ورقيا، وعشرات الأبيات للجزء الثاني غير مطبوعة ولا منشورة، وفي ذلك ظهور للحجم، ودعوني أعبر عنه بالفراغ المسيج الذي ورد ذكره آنفا، وهو تعبير أفضل عندي من تعبير المسبح المسيج..
مساحة الإبداع / الفراغ المسيج كون صغير مصنوع ذهنيا وعاطفيا من قبل المبدع، وكونه هذا كون مملوك له وحده من حيث الإبداع فيه، لا يمنع غشيانه عن أحد، ولكن ليس قبل الإبداع، يسمح بغشيانه بعد الإبداع، وليس قبله، وهنا يظهر عمل في حيز لن يكون سوى ساحة الإبداع التي طرقها المبدع بأجرامه الأدبية، يطرقها وحده ولا يسمح لأي كان أن يشاركه صناعته للجمال..
ومن هذا المنطلق نرى أن القصة القصيرة ليست هي الأقصوصة. القصة القصيرة مساحتها الإبداعية أكثر من مساحة الأقصوصة، والمساحة ليست دليلا على الجودة، وليست دليلا على القيمة الفنية لهذا الجنس أو ذاك، ولهذا النص أو ذاك، فالقيم الفنية لا تقتعد ساحتها لتتوسع فيها أو تتكاثف أو تدق وتضمر وتضغط بغية صناعة الجمال، لا، فصناعة الجمال لا تلبي ذلك، ولا تعتبر إلا بالفطرة السليمة الذواقة للجمال، انظر إلى الظرف، فهل تتم العناية به كما يجب أم لا ؟ نعم، لأن الظرف يحمل شيئا مهما يرجى حفاظه فيه حتى يبلغ المرسل إليه ، ولكن المظروف أكثر أهمية من الظرف، وعليه من أجل صناعة الأهم / أي الأجمل في فن القصة القصيرة أو غيرها من أشكال السرد من حيث خلق الجمال والحفاظ عليه؛ لا بد من أن يكون ظرفه لائقا به، فالهدايا البسيطة، والهدايا الرمزية حين تقدم محفوظة في أظرفة جميلة تدل على عناية محاطة بجمالية ترقى عن الماديات إلى قرع الأحاسيس والمشاعر النبيلة لإنتاج المتع العاطفية، وإنتاج المتع الذهنية في الأدب المَمْدَري بذلك الاحتفاء..
لا يعاب على المبدع شيء أكبر من عدم استفراغ وسعه لتقديم مادته لقرائه ومتلقيه، لا يعاب عليه غير ذلك؛ ويا له من عيب، فالقول بالقصة القصيرة جدا ليس فيه سوء يمكن أن يلحق اللغة العربية الرائعة، بل إن وجد ـ وقد وجد ـ فسيلحق أبناءها، وعليه فالفقر ليس فقر اللغة، بل هو فقر من لا يحسن ترويضها والتفكير فيها، ولا أقول التفكير بها كما يقول محمد عابد الجابري؛ وهو قول مخالف للواقع..
إن للتصغير في اللغة العربية أحكام ضبطت في قواعدها، فالاسم المتحول إلى صيغة " فعيل " و"فعيعل" و"فعيعيل" كلها أسماء التصغير الغرض منها كما هو معروف أن يدل التصغير على صغر الحجم مثل: كتيب ولقيمة. وقلة العدد مثل: وريقات ودريهمات. وقرب الزمان مثل: قبيل الصبح، وبعيد العشاء. والتحقير مثل: أأعجزتك مطاردة هذا اللويصص،.والتعظيم مثل: أصابتك دويهمة أذهلتك. والتحبيب مثل: في طنجة جويرية كالجويهرة..
وإذا أخذنا صيغة فعيل وطبقنها على القصة من جهة المصدر صارت ُقصَيْصَة. وإذا أخذنا صيغة : فعيعل وطبقنها على القُصَيْصَة من جهة المصدر أيضا صارت ُقصَيْصِصَة، وهذه الأخيرة هل أجعلها للإبداع الذي ذكرته وهو في خمسة أسطر فتكون قصة : الإنبات الغيبي ُقصَيْصِصَة مََمْدَرية؟ الأمر إلي وأنا أحق به من غيري؛ لأني مبدعه. وإذا أخذنا صيغة فعيعيل وطبقنها على القُصيْصِصَة ودائما من جهة المصدر صارت ُقصيْصيصة وهكذا.
وإذن يظهر عدم استفراع الوسع في إطلاق أسماء على مسميات دون أن يكون المبدع موفقا، بل دون أن يكون المبدع مبدعا حقا لأن الإبداع يقضي بالإتيان بالجديد الذي ينطبق على الإبداع ولا يعيبه..
ومعروف لغويا أن الاسم تشتق منه صفات وأفعال، بينما الصفات وهي نعوت لا تشتق منها أسماء، وعليه فالاسم متضمن للصفة، والصفة مستلزمة للاسم، وإطلاق اسم القصة القصيرة جدا ليس إطلاقا على جنس، بل هو استظهار صفات يظهر فيها الصدق والكذب خلاف الاسم، فأنا إذا أطلقت اسم القُصَيْصَة لم يلحقني عيب، بينما إذا قلت قصة قصيرة جدا لحقني عيب الكذب، صحيح أنه يتضمن اسم القصة وهي المقصودة أولا، ولكن لم هذا الإطلاق على نص يقوم على القصر والضغط وهو لم يقو على تطبيق ذلك حتى على تعريفه، حتى على الاسم العلم واللقب الذي من المفروض أن يبين الجوهر؟
إن ضغط النصوص وكبسلتها وإن لم يكن تشذيبا للنص حتى لا نتهمه في جماليته يخلخل النص من خلال خلخلة اللغة المكتوب بها للسمو بها، واصطفاء الأجود منها، والأبلغ للتعبير عن المعاني المكنونة فيها، فهو ليس تعليبا للنص، وإنما هو تفصيل على القياس لإلباسه جمالية قصوى ربما لا يوجد بعدها غيرها..
وهذا الضغط / الكبسلة يسوقنا إلى تحديدات لا بد منها، إلى تحديدات لا عيب أن نختلف عليها، ولكن ليس لمجرد الاختلاف، بل لملاحظة المطابقة فيما ُيزعم، وهذا مطلوب فكريا أكثر منه إبداعيا، ولكن بما أننا بصدد التعريف ولو أنها للإبداع، فإن هذا التعريف فكر، وليس أدبا..
===
يتبع
===