المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جحا بين الحقيقة والأسطورة



ديوانك وطني
05 -01- 2008, 02:27 AM
http://www.altareekh.com/new/doc/images/articles/goha-feras[1].jpg


جُحا الإنسان الذي أضحك الملايين بنوادره الطريفة وأخباره العجيبة التي تناقلتها الألسن على مرّ العصور، أصبح اليوم في ذاكرة الناس مجرّد شخصية خرافيّة ، إلا أنّ المعاجم وكتب التراجم والأدب ورجال الحديث تبيّن لنا أنّ جُحا شخصية حقيقيّة لها تاريخها العريق وماضيها المشرق الذي غَفِل عنه الأكثرون نتيجة ما نُسِب إليه من النوادر والطرائف التي كرّسته رمزاً للحماقة والتغفيل.

فمن هو جحا؟

قبل البَدء تجدر الإشارة إلى أنّ هناك شخصيتين حملتا هذا الإسم الأوّل اختلفت المصادر بشأن اسمه، فقد قيل : نوح أو عبد الله أو دُجين أبو الغصن بن ثابت اليربوعي البصري، ولقبه (جُحا) أو (جُحى)، وكنيته أبو الغصن ينتهي نسبه إلى قبيلة فزازة العربية .
أوّل من ذكره الجاحظ حين أَورد في كتابه "القول في البغال" نوادر بطلها جُحا دون أن يترجم له.(1)
ولد جُحا في النصف الثاني من القرن الأوّل الهجري (60هـ) وقضى الشطر الأكبر من حياته في الكوفة ، توفي فيها في خلافة أبي جعفر المنصور عام (160هـ).
قال عنه الإمام الذهبي: "أبو الغصن صاحب النوادر دُجين بنُ ثابت اليربوعيُّ البصريُّ ، رأى دُجين أنساً، وروى عن أسلم، وهشام بنِ عُروة شيئاً يسيراً....قال عبّاد بن صهيب: حدّثنا أبو الغصن جُحا- وما رأيت أعقل منه- قال كاتبه: لعلّه كان يمزح أيام الشبيبة، فلمّا شاخ، أقبل على شأنه، وأخذ عنه المحدِّثون" (2).
قال الإمام البخاري: "دُجين بن ثابت أبو الغصن اليربوعي، سمع من أسلم مولى عمر، روى عنه مسلم وابن المبارك" (3) .

أمّا الحافظ ابن حجر العسقلاني فقد فرّق بين دُجين المحدّث(البصري) ونوح الذي استقرّ في الكوفة، وأورد حديثاً رواه حُجا فقال:" عن ابن عدي حدّثنا أبو خليفة حدّثنا مسلم حدّثنا الدجين بن ثابت الغصن عن أسلم مولى عمر قال: قلنا لعمر، مالك لا تحدّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أخشى أن أزيد أو أنقص ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كذب عليّ متعمداً فليتبؤ مقعده من النار". (4)

قال عنه ابن الجوزي: " رُوي عنه ما يدل على فطنة وذكاء ، إلا أنّ الغالب عليه التغفيل، وقد قيل: إنّ بعض من كان يُعاديه وضع له حكايات ، والله أعلم ، عن مكي بن ابراهيم – هو مكي بن إبراهيم البلخي آخر من روى من التقات عن يزيد بن أبي عبيد، عاش نيفاً وتسعين سنة ، مات سنة215هـ – أنّه كان يقول : رأيت جحا رجلاً كيِّساً ظريفاً ، وهذا الذي يُقال عنه مكذوب عليه، وكان له جيران مخنثون يُمازحهم ويمازحونه فوضعوا عليه" (5) .

وربّما هذا ما دفع الإمام النسائي للقول عنه:" ليس بثقة، وابن معين للقول: ليس حديثه بشيْ، والدار قطني وغيره : ليس بالقوي، ولعلّ التجريح قد جاء ممّا نُسِب إليه من نوادر وفكاهات لا تليق براوي حديث ، "وليس من المستحيل أن يكون محدّث البصرة قد وقع فريسة لكيد أهل الكوفة " (6) .

وقال القطب الشعراني في كتابه(المنهج المطهر للقلب والفوائد) : "عبد الله جُحا تابعي ، كما رأيته بخط الجلال السيوطي- الذي ألّف كتاباً عن جُحا، جواباً لسؤال ورده مستفسراً عنه ، جَمع فيه القصص المنسوبة إليه، سمّاه: "إرشاد من نحا إلى نوادر جُحا"- ، قال : وكانت أمّه خادمة لأم أنس بن مالك، وكان الغالب عليه صفاء السريرة"(7)، " فلا ينبغي لأحد أن يسْخر به إذا سَمِع ما يضاف إليه من الحكايات المضحكة، بل يَسأل الله أن ينفعه ببركاته ، قال الجلال: وغالب ما يُذكرعنه من الحكايات المضحكة لا أصل له ، قال شيخنا: وذكره غير واحد ، ونسبوا له كرامات وعلوماً جمّة".(8)

أمّا الشخصيّة الأخرى فهي نصر الدين خُوجة المعروف بجُحا الأتراك؛ فلقد كان معلّماً وفقيهاً وقاضياً(9) ولد في قرية صغيرة تدعى خورتوعام 605هـ ، وتلقّى علومه فيها ، ووليَ القضاء في بعض النواحي المتاخمة لها ، كما ولي الخطابة في (سيوري مصار)، عُيّن مدرِّساً وإماماً في بعض المدن.

كان عفيفاً زاهداً يحْرث الأرض ويحتطب بيده، كما كانت داره محطة للوافدين من الغرباء والفلاحين (10).
ولا يفوتنا أنْ نؤكّد في هذا المقام أنّ نصر الدين من كبار العلماء الأحناف ، وأنّ أكثر اشتغاله كان بعلم الفقه، وقد أحبّه تلاميذه فأقبلوا على مجالسه يستمعون إليه، وكانوا أَكثر من 300 تلميذ، وقد غلب عليه لقب المعلّم؛ لذلك اشتهر بين أهل تركيا بالخوجة، كما كان واعظاً ومرشداً يأتي بالمواعظ في قالب النوادر والنكات الظريفة التي لم تُزعزع مكانته في قلوب الناس.

ومن المعروف عنه أنّه كانت له جُرأة على الحكّام والأمراء والقضاة الذين كان يدعوهم إلى السير بمقتضى الشرع الحنيف ، ويحضّهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبفضل علمه الغزير الذي اعترف به علماء الأناضول استطاع الوقوف في وجه (تيمورلنك) والتصدي له في العديد من المواقف، فأَنقذ بذلك العديد من الناس من بعض مظالمه.
توفي عام 683هـ وضريح الشيخ موجود في مقْبرة آق شهر الكبرى(11).

أمّا النوادر التي نُسبت إليه:" فيستحيل أن تصْدر ...عن شخصية واحدة لتباعد البيئات التي تُروى عنها"(12)- وهي نتيجة - ما وضعه الترْك وما وضعه غيرهم من عامّة الشعوب الشرقية الإسلامية، وبعضه ممّا وضعه غير المسلمين من جِيران العثمانين -كالأرمن - (13).
خِتاماً نقول: إنّه من الواجب علينا إعادة الاعتبار إلى هذه الشخصية التي أُخمط حقّها طوال القرون المنصرمة عندما أُلبست أثواب الطفيلين والحمقى، وذلك بـ:
ـ إعادة الهويّة الإسلامية لجُحا، من خلال التركيزعلى شخصية جُحا المسلم، ورفض ما عداها من هويّات قوميّة أو وطنيّة (جُحا العربي –جُحا المصري- جحا التركي- جُحا الكردي- جُحا الفارسي) التي يحاول البعض إلصاقها به ؛ لأنّ هذا يصبّ في مصلحة أعداء الدين، والدليل ما ورد على لسان وزير الكيان الصهيوني (أبا أبيان) عندما ألقى عام 1967 محاضرة بجامعة (برنستون) الأمريكية قال فيها: "من أوّل واجباتنا أن نُبْقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي".

ـ توقير جُحا بصفته رجل دين وفقيه ومحدّث ، وإنزاله المنزلة التي تليق به لا السخرية منه، لأنّ تصويره بشكل كاريكاتوري فيه انتقاص من شأنه كعالم ، وتغييب لدوره الإصلاحي في المجتمع من توعية الناس ومواجهة الطُغاة والحكّام.

وأخيراً: إنّ الألقاب الكثيرة التي أُلصقت بشخصيّة جُحا منها: الأحمق والمغفّل والطفيلي تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف التي تنصّ على عدم السخرية من الآخرين، فلقد قال الله سبحانه وتعالى : " يا أيّها الذين آمنوا لا يسْخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهن ولا تَلْمِزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئْسَ الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتُبْ فأولئك هم الظالمون " سورة الحجرات: الآية :11.

ــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1 - "القول في البغال" الجاحظ ص: 37.
2ـ "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي ص: 172و173، الجزء الثامن.
3 ـ "التاريخ الكبير" للإمام البخاري ص: 257-258، المجلد الثالث.
4- "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر العسقلاني، ص415-416 الجزء الثاني، بالإضافة لكتاب "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" للإمام الذهبي ص: 23-24 الجزء الثاني، وغيرها من كتب رجال الحديث.
5-"أخبار الحَمْقى والمغفلين" للحافظ ابن الجوزي، ص: 19 .
6- "دائرة المعارف الإسلامية"، ص: 2669.
7- "القاموس المحيط" للفيروز آبادي، ص: 1269 مادة جحا.
8 ـ - "تاج العروس من جواهر القاموس" لمرتضى الزبيدي، ص: 271 المجلد 19.
9 - "الموسوعة العالمية"، ص: 226.
10 - "نوادر جُحا الكبرى" حكمت شريف الطرابلسي، ص: 17.
11- "جُحا العربي" محمد النجار، ص: 53.
12-13 "جُحا الضاحك المُضْحك" عباس محمود العقّاد، ص: 127-171.



المصدر : موقع التاريخ


من الايميل

abooahmd
05 -01- 2008, 02:56 AM
الله يعطيك العافية على الطرح الجميل

الحلم
05 -01- 2008, 03:51 AM
يعني جحا طلع مو جحا ::d::

حقيقة الامر كل من وضع نوادرا الصقها بشخصية جحا..

لكن ذلك اكسبه شهرة واسعة لو سعى اليها لما وجدها..

الالق ديوانك وطني..

لك الشكر والتقدير

وتحية ود

ديوانك وطني
05 -01- 2008, 04:15 AM
الله يعطيك العافية على الطرح الجميل

الله يعافيك أخي أبو أحمد

شكرا لمرورك ..

ديوانك وطني
05 -01- 2008, 04:18 AM
يعني جحا طلع مو جحا ::d::

حقيقة الامر كل من وضع نوادرا الصقها بشخصية جحا..

لكن ذلك اكسبه شهرة واسعة لو سعى اليها لما وجدها..

الالق ديوانك وطني..

لك الشكر والتقدير

وتحية ود

هذا هو حال كل شخصية أسطورية ..

وجحا أسطورة النوادر ..

ازدهى المكان بعبق مرورك الحلم

شكر وتحية ود ..

همس الروح
05 -01- 2008, 01:57 PM
ديوانك وطني

طرح جميل .. لشخصيه تناولها نوادرها كثيرا

وباتت مزيج من الحكمة والفكاهه وبين النقد الهادف

ودي وتقديري

مون لايت

قائد الريم
06 -01- 2008, 08:20 PM
يا جماعة أثاري تاريخ وأنا ما أدري طلعتوا ظالميني وضحاكه على راسي
شكرا ياحفيدتي ديوانك وطني أعدتي لي بعضآ من تاريخي المسلوب

عماد كرشمي
06 -01- 2008, 08:34 PM
كان أمير البلد يزعم أنه يعرف نظم الشعر،
فأنشد يوما قصيدة أمام جحا وقال له أليست بليغة فقال جحا ليست بها رائحة البلاغة فغضب الأمير وأمر بحبسه في الإسطبل فقعد محبوسا مدة شهر ثم أخرجه
وفي يوم آخر نظم الأمير قصيدة وأنشدها لجحا فقام جحا مسرعا فسأله الأمير إلى أين يا جحا فقال إلى الإسطبل ياسيدي

قائد الريم
06 -01- 2008, 08:45 PM
ها متى حبسني يا بني اقلك كتاب خلك متلباع , اشهدوا ياجماعه ترنه يتبلى عليه

عماد كرشمي
06 -01- 2008, 09:12 PM
ها متى حبسني يا بني اقلك كتاب خلك متلباع , اشهدوا ياجماعه ترنه يتبلى عليه

لاتنكر يا جحا
ترى التاريخ كتبك في صفحاتي
والتاريخ لايكذب

ديوانك وطني
06 -01- 2008, 09:15 PM
ديوانك وطني

طرح جميل .. لشخصيه تناولها نوادرها كثيرا

وباتت مزيج من الحكمة والفكاهه وبين النقد الهادف

ودي وتقديري

مون لايت


أختي المتألقة مون لايت..

ممتنة أنا لحضورك وإطلالتك المتميزة..

دمت لأختك

ولك أجمل التحايا

ديوانك وطني
06 -01- 2008, 09:18 PM
يا جماعة أثاري تاريخ وأنا ما أدري طلعتوا ظالميني وضحاكه على راسي
شكرا ياحفيدتي ديوانك وطني أعدتي لي بعضآ من تاريخي المسلوب

::d:: ::d::

مرحبا بك أخي جحا..

الطيب عند ذكره يحضر..

أتمنى أن راق لك الموضوع

تحياتي وتقديري

ديوانك وطني
06 -01- 2008, 09:19 PM
كان أمير البلد يزعم أنه يعرف نظم الشعر،
فأنشد يوما قصيدة أمام جحا وقال له أليست بليغة فقال جحا ليست بها رائحة البلاغة فغضب الأمير وأمر بحبسه في الإسطبل فقعد محبوسا مدة شهر ثم أخرجه
وفي يوم آخر نظم الأمير قصيدة وأنشدها لجحا فقام جحا مسرعا فسأله الأمير إلى أين يا جحا فقال إلى الإسطبل ياسيدي

::d:: ::d::

شكرا لمساهمتك أخي كتاب

تحياتي وتقديري