المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تـَـمْــتــَـمـَـة الأشـــــلاء..



مُدنُ الملح
31 -01- 2008, 09:31 PM
الإهداء ..
إلى النازحين عبر رفح ..بحثاً عن كسرة خبز يابسة..
إلى الهيكل النسائي الذي اقتحم الحديد..
إلى اللواتي جندل الرصاص أجسادهن..فقضى على بقايا الحلم..
إلى خمسين عاماً مضت تحت جزمة صهيون..حتى تعفن الزمن..
إلى كل طفلة وطفل تئن جنوبهم في هذا الشتاء القارص هناك..
إلى الأب الذي تمخض دمعه عن عناكب وجرذان في دهاليز العمر.. بلا مجيب..
إلى كل رجل .. يدعي الحرية.. بلا وطن ..
وينادي بالوطن.. بلا حرية..
إلى تين غزة وزيتونها..
سلامٌ عليك..




تمتمة الأشـــــــلاء.


في شارع بائسٍ مُــكــتظ بــأبنيةٍ خربة .. تكاد تقول عنها نتاج لعنةٍ سماويةٍ أوعذابٍ أليم.
مئاتُ البنايات ؛ لكن تستطيع إذا أمعنت النظر أن تقول لا حياة.
كانت الليلة ُسوداءُ مظلمة، وكان الشارعُ يغط ُ في سباتٍ عقيم ..إذ ْ لا أحد.
أبنية خالية من السكان، وركامٌ من الحيطان يستلقي بعضه على بعض. ويكاد الليل هناك يخافُ حتى من نفسه. فريحٌ باردة كتلك لم أشهد مثيلها.
النجوم تكحلُ عينَ الناظر إليها ببعضِ الأمان. في حين أنّ المدى الساكنِ في الصمتِ يخلعُ على العيونِ رهبة و قلقا لا يستطيع أحد أن يفرّ منه.
هذا البعوضُ الذي يتحركُ في أزقةِ الحيّ...
... الحي؟
... هل قلت حي؟
.. ــ بل في أزقة هذا الميت ــ يحيلُ الصمتَ إلى كومةِ ثلج، ويشطِرُ الحياة إلى فلقـتـيـن، ويصُبُّ الألم على كل متعةٍ بداية من طبلةِ الأذن وحتى قعر القدم.
...........

بزغ الثلثُ الأخير من الخوف ـ الليل ـ وظهرَ وجهُ هلالِ آخرِ الشهر. وعلى وجهه شيءٌ من الشحوب والجوع. بدى نحيلاً خائفاً يترقب.
..فلـقـتـيـن من الخوف، وبصيصٌ من ضوءٍ خافت.
...........

.. حقيبة صغيرة تحمل شطيرتين من خبزٍ حافٍّ وقارورة ماء.
.. وكلما نظر إليها تذكر وصية أمه له: (( الحرية يا ولدي حقٌ لكل الناس يجب أن يملكوه، وأنت أيضاً يجب أن تأخذ هذا الحق .. لأنّ أحداً آخر لن يمنحك إياه ،، أماّ إذا أردتَ أن تموتَ فلا تـَمُت حتى تكونَ نِداَ)).
.. شبحٌ آخرٌ إلى جواره ..
لقد سلخَ هذا الأخيرُ نهارهُ وهو يركضُ على وجهه خشية َ أن يراهُ أحد ..
فــ ( غــزّة) غدت هي الأخرى محط ّ أنظار و رغبة هذا البعوض الذي يستبيح كلّ شيء كل شيء حتى الأفواه.
...........

ـ هل أنت متأكد من أنّ القافلة ستمرُّ من هنا ؟
ـ نعم ما بك!
ـ لا شيء .. فقط الانتظار يقـْطُرُ على رأسي.

صوت شبحٍ آخر لكنه لا يرى فقد جلس في زاوية بعيدة يحتضن بندقيته :
ـ ألا تشعرون بالجوع ؟
ـ بلى . أيقظ بهاء فقد اقترب الفجر.

بعد لحظات ...
الجميع :
ـ طعام أمك كالعادة يا ماهر لا يقاوم.
ـ ماهر :
والشاي...
ـ الجميع : عال العال.

ضحكوا جميعاً في شيء من السكينة.
.........

بالخارج..
صوتٌ يتمرغ في هَـدْأةِ الليل..
ـ دورية ؟
ـ أظن ذلك ؛ أسمعُ صوت سيارتهم.
ـ إلى أين يا ترى؟
ـ لا عليكم إنها تستطلع فقط. ليست هدفنا.هدفنا القافلة عند الفجر.

تمرّ لحظات من الصمت...
صمتٌ مطبق.
صمتٌ كصمتِ الجُدران...
وتغوص اللحظاتُ في بعضها. وتترنحُ سكرى. وتذهب حيث لا رجوع.

ينظرُ إلى أصدقائه.. هو يخافُ على كلّ واحدٍ منهم وكأنما يخافُ على قلبه.
يمسك غصة بين أسنانه كي لا تخرج.. وبينه وبين نفسه يكاد يقول:عودوا ودعوني).
حمامة تنطلق من عينيه إلى السماء..
يا أمي : كنتُ أرى دائماً موتَهم في عينيّ ،، لكنني الآن أرى موتي في أعينهم..فسامحيني..
ضمّ بندقيته الروسية إلى صدره بشدة..ومضى..

..لحظة الصفرِ تقترب،،
والمسافة أصبحت تقاس بالأنفاس.
وتكادُ ترى في أحداقهم حمرة الموت.
ويكاد الموتُ يرى شبهه قابعا في أعينهم..شبيها لا يستطيع أن ينكره، فلا يخافون منه، ولا هو يستطيع أن يثنيهم عنه. فهو لذيذ في أعينهم. وهم أشهى إليه من ألف نعامة وخروف.
ـ هل الشباب جاهزون؟
ـ نعم جاهزون.
ـ الوقت يداهمنا..
وهنا تتوقف الدماء في الأوردة.
...........

الخـُطى تتبعُ الخـُطى .
وقع أقدامهم يزيح وشاح الرهبة.
ودمدمة الرعود من بين الصدور.
والرصاص يتزاحم في فم بنادقهم البيضاء.
ثم...
تحدروا إلى الشارع بكل بسالة الأحرار. في موعدٍ مجهولِ البدايةِ ...مجهولِ الخاتمةِ .
..........

في زقاقٍ صغير ( حيث تـُــنـْـكـَــثُ العهود والمواثيق، وتتلاشى المواعيد ).
عربات على جادة الطريق المتعرج، تصحبها ثوانٍ معدودة، صفراءُ الجبين شاخصة العيون، يسيران جنبا إلى جنب، والقدر أمامهم مطبق العينين يتجاهل النهايات.
... إصبع على الزناد...
شفة ٌ تــُــتـَـمْـتِـم:
ـ يجب أن نقتربَ أكثر.. لا أريد طلقة خارجَ محيطِ الرأس،هل تفهمون.
ـ مفهوم.

يبلع الصمت بعضه بعضا من جديد في زحام شديد.
ـ هاهم يقتربون.
ـ يجب أن نحطم المسافة، أريدُ الصدرَ في الصدر ِ، هل تسمعون.
...( هيا ).
الجميع :
ـ (هيا ااااا).

ومرّ الزمن كعادته دائماً...

........
الساعة الثالثة عصراً..
طيرٌ في السماء...
وزقاقٌ ضيق، وحمرة تكسو المكان...
كلّ الجدرانِ الخالية مخضبة بلونِ الشحوب.
جنديٌّ إسرائيليٌ يترجلُ من سيارته؛ وكأنه سمعَ صوتاً أو تمتمة بالجوار.
يكادُ يتعثرُ من ضجّةِ السّلاحِ حولَ جسدِهِ البدين.
يتفحصُ المكان...
لا أحد...
فكل الجثثِ قد تمّ انتشالـُها من هناك.

غيرَ بعضِ المُستمعين ... وصوتِ التلفازِ وهوَ يهذي:
... ((هنا .. عبد الكريم سَمـَــارَة .... غزّة.. القدس المحتلة)) .


..أنني لا أكترث بالحضور بقدر ما أستجدي الغياب ..
من دفتر قراراتي .................................................. ..............يَحـْـيـَـى.

عبدالكريم سَمَارَه(( مراسل قديم جداً)) ومعروف..

همس الروح
01 -02- 2008, 01:42 AM
الجرح أكبر من حدود غزة

أو حدود فلسطين

الجرح أكبر من ذلك بكثير

الهم كبير والدمع غزير

بارك الله فيك للاهداء النبيل

ورحم الله شهداءنا الأبرار

وأسكنهم فسيح جناته

مع خالص احترامي وتقديري

مون لايت