المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فساد الذوق يفسد العقل والنفس والضمير



iMac
12 -02- 2008, 02:22 PM
يقال ان الذوق ملاك الحضارة المترفة وانه يشيع حيث يتاح للحضارة ان ترقى وتترف ومن أجل ذلك يوجد في المدن اكثر مما يوجد في القرى وفي القرى اكثر مما يوجد في الهجر وفي القصور اكثر مما يوجد في الدور ويقال عنه اكثر من ذلك فالذوق يكون في الادب والفن وهو خصلة من خصال الفرد المترف الراقي المهذب ويكون ايضا خصلة من خصال الجماعة المثقفة المترفة ونسبته بين الشعوب حسب حظها من الحضارة وامعانها فيها وتعرف بعض المعاجم الذوق بانه ملكة طبيعية تسبق التفكير وتعين على تمييز الجيد من الرديء ويقول هذا المعجم ان لكل انسان من هذا الذوق حظا ولكن هذا الحظ يقوى ويضعف باختلاف ما يكون عليه الانسان من ثقافة وحضارة.
ويقال كذلك ان الذوق يتغير بما يصيب الحضارة فيفسد بعد صلاح ويقبح بعد حسن ويشيع فساده وقبحه بمقدار ما يصيب الحضارة من ضعف وانحطاط واكثر ما يفسد الذوق حين يطرأ على الحضارة المستقرة المطمئنة التي الفتها النفوس وتوارثتها الاجيال طارئ عارض عنيف يغير سيرة الناس في حياتهم المادية اولا ثم في حياتهم العقلية بعد ذلك.

وهذا ما يحدث في وقتنا الحاضر المجنون بعد ان ازداد هذا الطارئ العارض عنفا وقوة فصار بقوة وسرعة الاعصار الممطر ليقتلع ويفسد ويجرف ويطمس الامارات “أي العلامات الثابتة التي يدل بها لمعرفة حدود الاشياء” فهناك من يطلق على إمارة المنطقة “أمارة” بفتح الالف وهذا خطأ والصحيح “إمارة” بكسر الألف قلت ليفسد ويطمس ويجرف الامارات والمفاهيم المستقرة المطمئنة التي ورثتها والفتها الاجيال وربما تأتي اجيال في وقت من الاوقات قد غيرت واستبدلت اذواقها الحضارية والثقافية المتوارثة فلا تعرف حينها حتى عن ابجديات تراثها الثقافي شيئا وان شاءت لها الصدفة وسمعت عنه شيئا او اطعلت على شيء منه فهي ستكون على غير اقتناع به او ميول اليه فهذا الطارئ العارض ليس وليد اليوم. ففي اواخر النصف الاول من القرن التاسع عشر اطلق عميد الادب العربي الدكتور “طه حسين رحمه الله” صرخة مدوية يحذر فيها اجياله والاجيال القادمة عندما لاحظ “علامات فساد الذوق تنتشر والناس تتهافت عليه”فقد كتب منتقدا ما آل اليه المجتمع حينذاك ومتنبئا بما يهدد حضارتنا والاجيال القادمة من دخائل عنيفة وقد ظهرت اليوم بعد ثلثي قرن منذ صرخته انذاك حينما قال “فلما تقدم القرن شيئا - يقصد القرن الثامن عشر الميلادي- تغيرت الدنيا وهجمت الحضارة الغربية هجوما جعل يزداد عنفا من يوم الى يوم ثم بلغ اقصى غايات العنف بعد الحرب العالمية الاولى”. يقول الكاتب رحمه الله فاخذ المترفون من الناس يتركون مترفهم القديم الانيق الذي كانوا يعرفونه ويألفونه ويحسنون تنميته والتأنق فيه الى الترف الغربي اخذوه كما هو واندفعوا فيه غير متحفظين فكانوا محدثين ثم يضيف وقل مثل هذا بالقياس الى الحياة العقلية فقد كان الناس الى اوائل هذا القرن أميل الى المحافظة على ثقافتهم يغذون عقولهم بالتراث العربي اكثر مما يغذونها بالتراث الاجنبي ثم هجمت الثقافة الاجنبية هجوما لم يكن اقل عنفا من هجوم الحضارة الاجنبية فاضطربت لهجومها العقول واختلطت له الامور وتأثرت به الاخلاق وتغير به الذوق وكانت الموقعة الهائلة بين الادب القديم والادب الجديد ثم يصف الكاتب واقع الحال بعد الحرب العالمية الثانية بقوله.. فاذا رأيت قيم الاشياء تتغير الى هذا الحد الذي نشهده واذا رأيت الشباب لا يحفلون بشيء ولا يتحرجون من شيء ولا يتحفظون في قول او عمل وعلمي نحو مجاف لكل ما الفنا من سماحة الخلق وسجاحة الطبع وصفاء النفوس وبركة الاذواق فحمل هذا كله غير متردد ولا متهيب على هذه الحضارة الطارئة التي غزتنا بها أمريكا فكانت بعيدة الاثر في حياتنا المادية والاقتصادية والادبية. ومع ذلك تهافت الناس عليها تهافتا عنيفا وهم لا يشعرون.

رحم الله عميد الادب العربي كأني به كتب هذا عما هو كائن او حاصل في عصرنا الحالي لما ينشر من خلال ما يسمى الشاتات على شاشات الفضائيات وعما يعرض من فساد الذوق الفني وسماجته على مختلف تخصصاته ومسمياته وكأني به يرحمه الله يكتب عن العولمة الجديدة في عصرنا وعن طلب تغيير المناهج وحوار الحضارات او كما اطلقوا عليه هم “صراع الحضارات” يا ترى كيف وعلى أي اساس وبأي حال سنحاور هل هم مستعدون لقبول مفاهيم حضارتنا الدينية والثقافية والاجتماعية واحترام اذواقنا ام انهم سيملون علينا ما يريدون اتمنى على القسم الثقافي في الجامعة العربية ان يهلوا علينا من سحائب ما لديهم من معرفة برذاذ فقط لا نريد زخات ولا شآبيب وبهذه المناسبة اقترح على “جامعة الدول العربية” باصدار مجلة عربية ثقافية ادبية اجتماعية شاملة وتعنى ايضا بالتراث العربي ليتواصل المواطن العربي مع جامعته العربية ومع المفكرين والادباء .


كاتب الموضوع
علي محمد أحمد شاوش

منقول

* روعة خيال *
14 -02- 2008, 07:05 PM
iMac

نقل رائع تشكر على عرضه

دمت بود