المسني
07 -05- 2008, 04:08 PM
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)
تفسيرإبن كثير
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
وَقَوْله تَعَالَى " يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ " أَيْ يَتَنَزَّل أَمْره مِنْ أَعْلَى السَّمَاوَات إِلَى أَقْصَى تُخُوم الْأَرْض السَّابِعَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " اللَّه الَّذِي خَلَقَ سَبْع سَمَاوَات وَمِنْ الْأَرْض مِثْلهنَّ يَتَنَزَّل الْأَمْر بَيْنهنَّ " الْآيَة وَتُرْفَع الْأَعْمَال إِلَى دِيوَانهَا فَوْق سَمَاء الدُّنْيَا وَمَسَافَة مَا بَيْنهَا وَبَيْن الْأَرْض مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ سَنَة وَسُمْك السَّمَاء خَمْسمِائَةِ سَنَة : وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك النُّزُول مِنْ الْمَلَك فِي مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام وَصُعُوده فِي مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام وَلَكِنَّهُ يَقْطَعهَا فِي طَرْفَة عَيْن . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ " .
تفسير الجلالين
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
"يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إلَى الْأَرْض" مُدَّة الدُّنْيَا "ثُمَّ يَعْرُج" يَرْجِع الْأَمْر وَالتَّدْبِير "إلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ" فِي الدُّنْيَا وَفِي سُورَة "سَأَلَ" خَمْسِينَ أَلْف سَنَة وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة لِشِدَّةِ أَهْوَاله بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَافِر وَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيَكُون أَخَفّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاة مَكْتُوبَة يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث
تفسير الطبري
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه هُوَ الَّذِي يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنْ أَمْر خَلْقه مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ , وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ { ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَنَّ الْأَمْرَ يَنْزِل مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , وَيَصْعَد مِنْ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء فِي يَوْم وَاحِد , وَقَدْر ذَلِكَ أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا ; لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء خَمْسمِائَةِ عَامٍ , وَمَا بَيْنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض مِثْل ذَلِكَ , فَذَلِكَ أَلْف سَنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22476 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو بْن مَعْرُوف , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد { فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة } يَعْنِي بِذَلِكَ نُزُول الْأَمْر مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , وَمِنَ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء فِي يَوْم وَاحِد , وَذَلِكَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة ; لِأَنَّ مَا بَيْن السَّمَاء إِلَى الْأَرْض مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام. 21477 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم } مِنْ أَيَّامكُمْ { كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } يَقُول : مِقْدَار مَسِيره فِي ذَلِكَ الْيَوْم أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامكُمْ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا خَمْسمِائَةِ سَنَة نُزُوله , وَخَمْسمِائَةِ صُعُوده فَذَلِكَ أَلْف سَنَة . 21478 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك { ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ : تَعْرُج الْمَلَائِكَة إِلَى السَّمَاء , ثُمَّ تَنْزِل فِي يَوْم مِنْ أَيَّامكُمْ هَذِهِ , وَهُوَ مَسِيرَة أَلْف سَنَة. 21479 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة { أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ : مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . 21480 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي الْحَارِث , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم } مِنْ أَيَّامكُمْ هَذِهِ , مَسِيرَة مَا بَيْن السَّمَاء إِلَى الْأَرْض خَمْسمِائَةِ عَام. * وَذُكِرَ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة قَالَ : تَنْحَدِر الْأُمُور وَتَصْعَد مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض فِي يَوْم وَاحِد , مِقْدَاره أَلْف سَنَة , خَمْسمِائَةٍ حَتَّى يَنْزِل , وَخَمْسمِائَةٍ حَتَّى يَعْرُج . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم مِنَ الْأَيَّام السِّتَّة الَّتِي خَلَقَ اللَّه فِيهِنَّ الْخَلْقَ , كَانَ مِقْدَار ذَلِكَ الْيَوْم أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21481 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس { أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ : ذَلِكَ مِقْدَار الْمَسِير قَوْله { كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } 22 47 قَالَ : خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام , وَكُلّ يَوْم مِنْ هَذِهِ كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ أَنْتُمْ . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس { فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ : السِّتَّة الْأَيَّام الَّتِي خَلَقَ اللَّه فِيهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض . 21482 -حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } يَعْنِي هَذَا الْيَوْم مِنْ الْأَيَّام السِّتَّة الَّتِي خَلَقَ اللَّه فِيهِنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض بِالْمَلَائِكَةِ , ثُمَّ تَعْرُج إِلَيْهِ الْمَلَائِكَة , فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21483 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله { ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة } قَالَ : هَذَا فِي الدُّنْيَا تَعْرُج الْمَلَائِكَة إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة . 21484 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا غُنْدَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة { فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة } قَالَ : مَا بَيْنَ السَّمَاء وَالْأَرْض مَسِيرَة أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّام الْآخِرَة . * حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ : مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض مَسِيرَة أَلْف سَنَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض فِي يَوْم كَانَ مِقْدَار ذَلِكَ التَّدْبِير أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا , ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ ذَلِكَ التَّدْبِير الَّذِي دَبَّرَهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21485 - ذُكِرَ عَنْ حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ : يَقْضِي أَمْر كُلّ شَيْء أَلْف سَنَة إِلَى الْمَلَائِكَة ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى تَمْضِيَ أَلْف سَنَة , ثُمَّ يَقْضِي أَمْر كُلّ شَيْء أَلْفًا , ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا , قَالَ : يَوْم كَانَ مِقْدَاره , قَالَ : الْيَوْم أَنْ يُقَالَ لِمَا يَقْضِي إِلَى الْمَلَائِكَة أَلْفَ سَنَة , كُنْ فَيَكُون , وَلَكِنْ سَمَّاهُ يَوْمًا . سَمَّاهُ كَمَا بَيَّنَّا كُلّ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : وَقَوْله : { إِنَّ يَوْمًا عِنْد رَبّك كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } 22 47 قَالَ : هُوَ هُوَ سَوَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , ثُمَّ يَعْرُج إِلَى اللَّه فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة , مِقْدَار الْعُرُوج أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21486 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم : مِقْدَار مَا بَيْن الْأَرْض حِين يَعْرُج إِلَيْهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ عُرُوجه أَلْفَ سَنَة , هَذَا مِقْدَار ذَلِكَ الْمِعْرَاج فِي ذَلِكَ الْيَوْم حِين يَعْرُج فِيهِ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم , كَانَ مِقْدَار ذَلِكَ الْيَوْم فِي عُرُوج ذَلِكَ الْأَمْر إِلَيْهِ , وَنُزُوله إِلَى الْأَرْض أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامكُمْ خَمْسمِائَةٍ فِي النُّزُول , وَخَمْسمِائَةٍ فِي الصُّعُود ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَر مَعَانِيه , وَأَشْبَههَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيل.
تفسير القرطبي
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُنْزِل الْقَضَاء وَالْقَدَر . وَقِيلَ : يُنْزِل الْوَحْي مَعَ جِبْرِيل . وَرَوَى عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَابَط قَالَ : يُدَبِّر أَمْر الدُّنْيَا أَرْبَعَة : جِبْرِيل , وَمِيكَائِيل , وَمَلَك الْمَوْت , وَإِسْرَافِيل ; صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . فَأَمَّا جِبْرِيل فَمُوكَل بِالرِّيَاحِ وَالْجُنُود . وَأَمَّا مِيكَائِيل فَمُوكَل بِالْقَطْرِ وَالْمَاء . وَأَمَّا مَلَك الْمَوْت فَمُوكَل بِقَبْضِ الْأَرْوَاح . وَأَمَّا إِسْرَافِيل فَهُوَ يَنْزِل بِالْأَمْرِ عَلَيْهِمْ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْعَرْش مَوْضِع التَّدْبِير ; كَمَا أَنَّ مَا دُون الْعَرْش مَوْضِع التَّفْصِيل ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر كُلّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّر الْأَمْر يُفَصِّل الْآيَات " [ الرَّعْد : 2 ] . وَمَا دُون السَّمَوَات مَوْضِع التَّصْرِيف ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ لِيَذَّكَّرُوا " [ الْفُرْقَان : 50 ] .
ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ
قَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : هُوَ جِبْرِيل يَصْعَد إِلَى السَّمَاء بَعْد نُزُوله بِالْوَحْيِ . وَقَالَ النَّقَّاش : هُوَ الْمَلَك الَّذِي يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض . وَقِيلَ : إِنَّهَا أَخْبَار أَهْل الْأَرْض تَصْعَد إِلَيْهِ مَعَ حَمَلَتهَا مِنْ الْمَلَائِكَة ; قَالَهُ اِبْن شَجَرَة . وَقِيلَ : " ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ " أَيْ يَرْجِع ذَلِكَ الْأَمْر وَالتَّدْبِير إِلَيْهِ بَعْد اِنْقِضَاء الدُّنْيَا
فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
" فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة " وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة . وَعَلَى الْأَقْوَال الْمُتَقَدِّمَة فَالْكِنَايَة فِي " يَعْرُج " كِنَايَة عَنْ الْمَلَك , وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر لِأَنَّهُ مَفْهُوم مِنْ الْمَعْنَى , وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي " سَأَلَ سَائِل " قَوْله : " تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ " [ الْمَعَارِج : 4 ] . وَالضَّمِير فِي " إِلَيْهِ " يَعُود عَلَى السَّمَاء عَلَى لُغَة مَنْ يُذَكِّرهَا , أَوْ عَلَى مَكَان الْمَلَك الَّذِي يَرْجِع إِلَيْهِ , أَوْ عَلَى اِسْم اللَّه تَعَالَى ; وَالْمُرَاد إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي أَقَرَّهُ فِيهِ , وَإِذَا رَجَعَتْ إِلَى اللَّه فَقَدْ رَجَعَتْ إِلَى السَّمَاء , أَيْ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى ; فَإِنَّهُ إِلَيْهَا يَرْتَفِع مَا يُصْعَد بِهِ مِنْ الْأَرْض وَمِنْهَا يَنْزِل مَا يُهْبَط بِهِ إِلَيْهَا ; ثَبَتَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي صَحِيح مُسْلِم . وَالْهَاء فِي " مِقْدَاره " رَاجِعَة إِلَى التَّدْبِير ; وَالْمَعْنَى : كَانَ مِقْدَار ذَلِكَ التَّدْبِير أَلْف سَنَة مِنْ سِنِي الدُّنْيَا ; أَيْ يَقْضِي أَمْر كُلّ شَيْء لِأَلْفِ سَنَة فِي يَوْم وَاحِد , ثُمَّ يُلْقِيه إِلَى مَلَائِكَته , فَإِذَا مَضَتْ قَضَى لِأَلْفِ سَنَة أُخْرَى , ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقِيلَ : الْهَاء لِلْعُرُوجِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُ يُدَبِّر أَمْر الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُوم السَّاعَة , ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْر فَيَحْكُم فِيهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يُدَبِّر أَمْر الشَّمْس فِي طُلُوعهَا وَغُرُوبهَا وَرُجُوعهَا إِلَى مَوْضِعهَا مِنْ الطُّلُوع , فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره فِي الْمَسَافَة أَلْف سَنَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى كَانَ مِقْدَاره لَوْ سَارَهُ غَيْر الْمَلَك أَلْف سَنَة ; لِأَنَّ النُّزُول خَمْسُمِائَةٍ وَالصُّعُود خَمْسُمِائَةٍ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ , وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْل الْأَوَّل . أَيْ أَنَّ جِبْرِيل لِسُرْعَةِ سَيْره يَقْطَع مَسِيرَة أَلْف سَنَة فِي يَوْم مِنْ أَيَّامكُمْ ; ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ . وَذَكَر الْمَاوَرْدِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك أَنَّ الْمَلَك يَصْعَد فِي يَوْم مَسِيرَة أَلْف سَنَة . وَعَنْ قَتَادَة أَنَّ الْمَلَك يَنْزِل وَيَصْعَد فِي يَوْم مِقْدَاره أَلْف سَنَة ; فَيَكُون مِقْدَار نُزُوله خَمْسمِائَةِ سَنَة , وَمِقْدَار صُعُوده خَمْسمِائَةٍ عَلَى قَوْل قَتَادَة وَالسُّدِّيّ . وَعَلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك : النُّزُول أَلْف سَنَة , وَالصُّعُود أَلْف سَنَة . " مِمَّا تَعُدُّونَ " أَيْ مِمَّا تَحْسُبُونَ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . وَهَذَا الْيَوْم عِبَارَة عَنْ زَمَان يَتَقَدَّر بِأَلْفِ سَنَة مِنْ سِنِي الْعَالَم , وَلَيْسَ بِيَوْمٍ يَسْتَوْعِب نَهَارًا بَيْن لَيْلَتَيْنِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عِنْد اللَّه . وَالْعَرَب قَدْ تُعَبِّر عَنْ مُدَّة الْعَصْر بِالْيَوْمِ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : يَوْمَانِ يَوْمُ مُقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيب وَلَيْسَ يُرِيد يَوْمَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ , وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ زَمَانهمْ يَنْقَسِم شَطْرَيْنِ , فَعَبَّرَ عَنْ كُلّ وَاحِد مِنْ الشَّطْرَيْنِ بِيَوْمٍ . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة : " يُعْرَج " عَلَى الْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ . وَقُرِئَ : " يَعُدُّونَ " بِالْيَاءِ . فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : " فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة " فَمُشْكِل مَعَ هَذِهِ الْآيَة . وَقَدْ سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن فَيْرُوز الدَّيْلَمِيّ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس عَنْ هَذِهِ الْآيَة وَعَنْ قَوْله : " فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة " فَقَالَ : أَيَّام سَمَّاهَا سُبْحَانه , وَمَا أَدْرِي مَا هِيَ ؟ فَأَكْرَه أَنْ أَقُول فِيهَا مَا لَا أَعْلَم . ثُمَّ سُئِلَ عَنْهَا سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فَقَالَ : لَا أَدْرِي . فَأَخْبَرْته بِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس فَقَالَ اِبْن الْمُسَيِّب لِلسَّائِلِ : هَذَا اِبْن عَبَّاس اِتَّقَى أَنْ يَقُول فِيهَا وَهُوَ أَعْلَمُ مِنِّي . ثُمَّ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ فَقِيلَ : إِنَّ آيَة " سَأَلَ سَائِل " [ الْمَعَارِج : 1 ] هُوَ إِشَارَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , بِخِلَافِ هَذِهِ الْآيَة . وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَهُ فِي صُعُوبَته عَلَى الْكُفَّار كَخَمْسِينَ أَلْف سَنَة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَالْعَرَب تَصِف أَيَّام الْمَكْرُوه بِالطُّولِ وَأَيَّام السُّرُور بِالْقِصَرِ . قَالَ : وَيَوْمٌ كَظِلِّ الرُّمْحِ قَصَّرَ طُولَهُ دَمُ الزِّقِّ عَنَّا وَاصْطِفَاقُ الْمَزَاهِرِ وَقِيلَ : إِنَّ يَوْم الْقِيَامَة فِيهِ أَيَّام ; فَمِنْهُ مَا مِقْدَاره أَلْف سَنَة وَمِنْهُ مَا مِقْدَاره خَمْسُونَ أَلْف سَنَة . وَقِيلَ : أَوْقَات الْقِيَامَة مُخْتَلِفَة , فَيُعَذَّب الْكَافِر بِجِنْسٍ مِنْ الْعَذَاب أَلْف سَنَة , ثُمَّ يَنْتَقِل إِلَى جِنْس آخَرَ مُدَّته خَمْسُونَ أَلْف سَنَة . وَقِيلَ : مَوَاقِف الْقِيَامَة خَمْسُونَ مَوْقِفًا ; كُلّ مَوْقِف أَلْف سَنَة . فَمَعْنَى : " يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة " أَيْ مِقْدَار وَقْت , أَوْ مَوْقِف مِنْ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ النَّحَّاس : الْيَوْم فِي اللُّغَة بِمَعْنَى الْوَقْت ; فَالْمَعْنَى : تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ فِي وَقْت كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة , وَفِي وَقْت آخَر كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة . وَعَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : " فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة " قَالَ : مَا بَيْن أَسْفَلِ الْأَرْضِ إِلَى الْعَرْش . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ عَنْ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك فِي قَوْله تَعَالَى : " تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة " [ الْمَعَارِج : 4 ] أَرَادَ مِنْ الْأَرْض إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى الَّتِي فِيهَا جِبْرِيل . يَقُول تَعَالَى : يَسِير جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة الَّذِينَ مَعَهُ مِنْ أَهْل مَقَامه مَسِيرَة خَمْسِينَ أَلْف سَنَة فِي يَوْم وَاحِد مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . وَقَوْله : " إِلَيْهِ " يَعْنِي إِلَى الْمَكَان الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَعْرُجُوا إِلَيْهِ . وَهَذَا كَقَوْلِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : " إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ " [ الصَّافَّات : 99 ] أَرَادَ أَرْض الشَّام . وَقَالَ تَعَالَى : " وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه " [ النِّسَاء : 100 ] أَيْ إِلَى الْمَدِينَة . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَانِي مَلَك مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ بِرِسَالَةٍ ثُمَّ رَفَعَ رِجْله فَوَضَعَهَا فَوْق السَّمَاء وَالْأُخْرَى عَلَى الْأَرْض لَمْ يَرْفَعهَا بَعْد ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
كما قرأتم أخواني وأخوتي هذه التفاسير عن الأية الكريمة في سورة السجدة العظيمة ستستخلصون خلاصة من هذه الأية والتفاسير تقول هذه الخلاصة أن كلمت تدبير وكلمة أمر تعني مجتمعة تكوين خطة كاملة تشمل كافة مايحتاجة الخلق خلال ألف سنة وبهذا تكون كل ألف سنة تتغير هذه الخطة بتدبير وأمر بتنفيذها ولايكون شيئ سيكون إلا فيها وماليس فيها فلن يكون , والله أعلم ............
تفسيرإبن كثير
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
وَقَوْله تَعَالَى " يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ " أَيْ يَتَنَزَّل أَمْره مِنْ أَعْلَى السَّمَاوَات إِلَى أَقْصَى تُخُوم الْأَرْض السَّابِعَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " اللَّه الَّذِي خَلَقَ سَبْع سَمَاوَات وَمِنْ الْأَرْض مِثْلهنَّ يَتَنَزَّل الْأَمْر بَيْنهنَّ " الْآيَة وَتُرْفَع الْأَعْمَال إِلَى دِيوَانهَا فَوْق سَمَاء الدُّنْيَا وَمَسَافَة مَا بَيْنهَا وَبَيْن الْأَرْض مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ سَنَة وَسُمْك السَّمَاء خَمْسمِائَةِ سَنَة : وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك النُّزُول مِنْ الْمَلَك فِي مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام وَصُعُوده فِي مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام وَلَكِنَّهُ يَقْطَعهَا فِي طَرْفَة عَيْن . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ " .
تفسير الجلالين
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
"يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إلَى الْأَرْض" مُدَّة الدُّنْيَا "ثُمَّ يَعْرُج" يَرْجِع الْأَمْر وَالتَّدْبِير "إلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ" فِي الدُّنْيَا وَفِي سُورَة "سَأَلَ" خَمْسِينَ أَلْف سَنَة وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة لِشِدَّةِ أَهْوَاله بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَافِر وَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيَكُون أَخَفّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاة مَكْتُوبَة يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث
تفسير الطبري
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه هُوَ الَّذِي يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنْ أَمْر خَلْقه مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ , وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ { ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَنَّ الْأَمْرَ يَنْزِل مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , وَيَصْعَد مِنْ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء فِي يَوْم وَاحِد , وَقَدْر ذَلِكَ أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا ; لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء خَمْسمِائَةِ عَامٍ , وَمَا بَيْنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض مِثْل ذَلِكَ , فَذَلِكَ أَلْف سَنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22476 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو بْن مَعْرُوف , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد { فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة } يَعْنِي بِذَلِكَ نُزُول الْأَمْر مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , وَمِنَ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء فِي يَوْم وَاحِد , وَذَلِكَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة ; لِأَنَّ مَا بَيْن السَّمَاء إِلَى الْأَرْض مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام. 21477 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم } مِنْ أَيَّامكُمْ { كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } يَقُول : مِقْدَار مَسِيره فِي ذَلِكَ الْيَوْم أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامكُمْ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا خَمْسمِائَةِ سَنَة نُزُوله , وَخَمْسمِائَةِ صُعُوده فَذَلِكَ أَلْف سَنَة . 21478 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك { ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ : تَعْرُج الْمَلَائِكَة إِلَى السَّمَاء , ثُمَّ تَنْزِل فِي يَوْم مِنْ أَيَّامكُمْ هَذِهِ , وَهُوَ مَسِيرَة أَلْف سَنَة. 21479 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة { أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ : مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . 21480 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي الْحَارِث , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم } مِنْ أَيَّامكُمْ هَذِهِ , مَسِيرَة مَا بَيْن السَّمَاء إِلَى الْأَرْض خَمْسمِائَةِ عَام. * وَذُكِرَ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة قَالَ : تَنْحَدِر الْأُمُور وَتَصْعَد مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض فِي يَوْم وَاحِد , مِقْدَاره أَلْف سَنَة , خَمْسمِائَةٍ حَتَّى يَنْزِل , وَخَمْسمِائَةٍ حَتَّى يَعْرُج . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم مِنَ الْأَيَّام السِّتَّة الَّتِي خَلَقَ اللَّه فِيهِنَّ الْخَلْقَ , كَانَ مِقْدَار ذَلِكَ الْيَوْم أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21481 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس { أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ : ذَلِكَ مِقْدَار الْمَسِير قَوْله { كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } 22 47 قَالَ : خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام , وَكُلّ يَوْم مِنْ هَذِهِ كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ أَنْتُمْ . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس { فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ : السِّتَّة الْأَيَّام الَّتِي خَلَقَ اللَّه فِيهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض . 21482 -حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } يَعْنِي هَذَا الْيَوْم مِنْ الْأَيَّام السِّتَّة الَّتِي خَلَقَ اللَّه فِيهِنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض بِالْمَلَائِكَةِ , ثُمَّ تَعْرُج إِلَيْهِ الْمَلَائِكَة , فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21483 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله { ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة } قَالَ : هَذَا فِي الدُّنْيَا تَعْرُج الْمَلَائِكَة إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة . 21484 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا غُنْدَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة { فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة } قَالَ : مَا بَيْنَ السَّمَاء وَالْأَرْض مَسِيرَة أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّام الْآخِرَة . * حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ : مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض مَسِيرَة أَلْف سَنَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض فِي يَوْم كَانَ مِقْدَار ذَلِكَ التَّدْبِير أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا , ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ ذَلِكَ التَّدْبِير الَّذِي دَبَّرَهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21485 - ذُكِرَ عَنْ حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ : يَقْضِي أَمْر كُلّ شَيْء أَلْف سَنَة إِلَى الْمَلَائِكَة ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى تَمْضِيَ أَلْف سَنَة , ثُمَّ يَقْضِي أَمْر كُلّ شَيْء أَلْفًا , ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا , قَالَ : يَوْم كَانَ مِقْدَاره , قَالَ : الْيَوْم أَنْ يُقَالَ لِمَا يَقْضِي إِلَى الْمَلَائِكَة أَلْفَ سَنَة , كُنْ فَيَكُون , وَلَكِنْ سَمَّاهُ يَوْمًا . سَمَّاهُ كَمَا بَيَّنَّا كُلّ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : وَقَوْله : { إِنَّ يَوْمًا عِنْد رَبّك كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } 22 47 قَالَ : هُوَ هُوَ سَوَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , ثُمَّ يَعْرُج إِلَى اللَّه فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة , مِقْدَار الْعُرُوج أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21486 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم : مِقْدَار مَا بَيْن الْأَرْض حِين يَعْرُج إِلَيْهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ عُرُوجه أَلْفَ سَنَة , هَذَا مِقْدَار ذَلِكَ الْمِعْرَاج فِي ذَلِكَ الْيَوْم حِين يَعْرُج فِيهِ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : يُدَبِّر الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم , كَانَ مِقْدَار ذَلِكَ الْيَوْم فِي عُرُوج ذَلِكَ الْأَمْر إِلَيْهِ , وَنُزُوله إِلَى الْأَرْض أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامكُمْ خَمْسمِائَةٍ فِي النُّزُول , وَخَمْسمِائَةٍ فِي الصُّعُود ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَر مَعَانِيه , وَأَشْبَههَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيل.
تفسير القرطبي
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُنْزِل الْقَضَاء وَالْقَدَر . وَقِيلَ : يُنْزِل الْوَحْي مَعَ جِبْرِيل . وَرَوَى عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَابَط قَالَ : يُدَبِّر أَمْر الدُّنْيَا أَرْبَعَة : جِبْرِيل , وَمِيكَائِيل , وَمَلَك الْمَوْت , وَإِسْرَافِيل ; صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . فَأَمَّا جِبْرِيل فَمُوكَل بِالرِّيَاحِ وَالْجُنُود . وَأَمَّا مِيكَائِيل فَمُوكَل بِالْقَطْرِ وَالْمَاء . وَأَمَّا مَلَك الْمَوْت فَمُوكَل بِقَبْضِ الْأَرْوَاح . وَأَمَّا إِسْرَافِيل فَهُوَ يَنْزِل بِالْأَمْرِ عَلَيْهِمْ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْعَرْش مَوْضِع التَّدْبِير ; كَمَا أَنَّ مَا دُون الْعَرْش مَوْضِع التَّفْصِيل ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر كُلّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّر الْأَمْر يُفَصِّل الْآيَات " [ الرَّعْد : 2 ] . وَمَا دُون السَّمَوَات مَوْضِع التَّصْرِيف ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ لِيَذَّكَّرُوا " [ الْفُرْقَان : 50 ] .
ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ
قَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : هُوَ جِبْرِيل يَصْعَد إِلَى السَّمَاء بَعْد نُزُوله بِالْوَحْيِ . وَقَالَ النَّقَّاش : هُوَ الْمَلَك الَّذِي يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض . وَقِيلَ : إِنَّهَا أَخْبَار أَهْل الْأَرْض تَصْعَد إِلَيْهِ مَعَ حَمَلَتهَا مِنْ الْمَلَائِكَة ; قَالَهُ اِبْن شَجَرَة . وَقِيلَ : " ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ " أَيْ يَرْجِع ذَلِكَ الْأَمْر وَالتَّدْبِير إِلَيْهِ بَعْد اِنْقِضَاء الدُّنْيَا
فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
" فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة " وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة . وَعَلَى الْأَقْوَال الْمُتَقَدِّمَة فَالْكِنَايَة فِي " يَعْرُج " كِنَايَة عَنْ الْمَلَك , وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر لِأَنَّهُ مَفْهُوم مِنْ الْمَعْنَى , وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي " سَأَلَ سَائِل " قَوْله : " تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ " [ الْمَعَارِج : 4 ] . وَالضَّمِير فِي " إِلَيْهِ " يَعُود عَلَى السَّمَاء عَلَى لُغَة مَنْ يُذَكِّرهَا , أَوْ عَلَى مَكَان الْمَلَك الَّذِي يَرْجِع إِلَيْهِ , أَوْ عَلَى اِسْم اللَّه تَعَالَى ; وَالْمُرَاد إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي أَقَرَّهُ فِيهِ , وَإِذَا رَجَعَتْ إِلَى اللَّه فَقَدْ رَجَعَتْ إِلَى السَّمَاء , أَيْ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى ; فَإِنَّهُ إِلَيْهَا يَرْتَفِع مَا يُصْعَد بِهِ مِنْ الْأَرْض وَمِنْهَا يَنْزِل مَا يُهْبَط بِهِ إِلَيْهَا ; ثَبَتَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي صَحِيح مُسْلِم . وَالْهَاء فِي " مِقْدَاره " رَاجِعَة إِلَى التَّدْبِير ; وَالْمَعْنَى : كَانَ مِقْدَار ذَلِكَ التَّدْبِير أَلْف سَنَة مِنْ سِنِي الدُّنْيَا ; أَيْ يَقْضِي أَمْر كُلّ شَيْء لِأَلْفِ سَنَة فِي يَوْم وَاحِد , ثُمَّ يُلْقِيه إِلَى مَلَائِكَته , فَإِذَا مَضَتْ قَضَى لِأَلْفِ سَنَة أُخْرَى , ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقِيلَ : الْهَاء لِلْعُرُوجِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُ يُدَبِّر أَمْر الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُوم السَّاعَة , ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْر فَيَحْكُم فِيهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يُدَبِّر أَمْر الشَّمْس فِي طُلُوعهَا وَغُرُوبهَا وَرُجُوعهَا إِلَى مَوْضِعهَا مِنْ الطُّلُوع , فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره فِي الْمَسَافَة أَلْف سَنَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى كَانَ مِقْدَاره لَوْ سَارَهُ غَيْر الْمَلَك أَلْف سَنَة ; لِأَنَّ النُّزُول خَمْسُمِائَةٍ وَالصُّعُود خَمْسُمِائَةٍ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ , وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْل الْأَوَّل . أَيْ أَنَّ جِبْرِيل لِسُرْعَةِ سَيْره يَقْطَع مَسِيرَة أَلْف سَنَة فِي يَوْم مِنْ أَيَّامكُمْ ; ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ . وَذَكَر الْمَاوَرْدِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك أَنَّ الْمَلَك يَصْعَد فِي يَوْم مَسِيرَة أَلْف سَنَة . وَعَنْ قَتَادَة أَنَّ الْمَلَك يَنْزِل وَيَصْعَد فِي يَوْم مِقْدَاره أَلْف سَنَة ; فَيَكُون مِقْدَار نُزُوله خَمْسمِائَةِ سَنَة , وَمِقْدَار صُعُوده خَمْسمِائَةٍ عَلَى قَوْل قَتَادَة وَالسُّدِّيّ . وَعَلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك : النُّزُول أَلْف سَنَة , وَالصُّعُود أَلْف سَنَة . " مِمَّا تَعُدُّونَ " أَيْ مِمَّا تَحْسُبُونَ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . وَهَذَا الْيَوْم عِبَارَة عَنْ زَمَان يَتَقَدَّر بِأَلْفِ سَنَة مِنْ سِنِي الْعَالَم , وَلَيْسَ بِيَوْمٍ يَسْتَوْعِب نَهَارًا بَيْن لَيْلَتَيْنِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عِنْد اللَّه . وَالْعَرَب قَدْ تُعَبِّر عَنْ مُدَّة الْعَصْر بِالْيَوْمِ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : يَوْمَانِ يَوْمُ مُقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيب وَلَيْسَ يُرِيد يَوْمَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ , وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ زَمَانهمْ يَنْقَسِم شَطْرَيْنِ , فَعَبَّرَ عَنْ كُلّ وَاحِد مِنْ الشَّطْرَيْنِ بِيَوْمٍ . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة : " يُعْرَج " عَلَى الْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ . وَقُرِئَ : " يَعُدُّونَ " بِالْيَاءِ . فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : " فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة " فَمُشْكِل مَعَ هَذِهِ الْآيَة . وَقَدْ سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن فَيْرُوز الدَّيْلَمِيّ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس عَنْ هَذِهِ الْآيَة وَعَنْ قَوْله : " فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة " فَقَالَ : أَيَّام سَمَّاهَا سُبْحَانه , وَمَا أَدْرِي مَا هِيَ ؟ فَأَكْرَه أَنْ أَقُول فِيهَا مَا لَا أَعْلَم . ثُمَّ سُئِلَ عَنْهَا سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فَقَالَ : لَا أَدْرِي . فَأَخْبَرْته بِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس فَقَالَ اِبْن الْمُسَيِّب لِلسَّائِلِ : هَذَا اِبْن عَبَّاس اِتَّقَى أَنْ يَقُول فِيهَا وَهُوَ أَعْلَمُ مِنِّي . ثُمَّ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ فَقِيلَ : إِنَّ آيَة " سَأَلَ سَائِل " [ الْمَعَارِج : 1 ] هُوَ إِشَارَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , بِخِلَافِ هَذِهِ الْآيَة . وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَهُ فِي صُعُوبَته عَلَى الْكُفَّار كَخَمْسِينَ أَلْف سَنَة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَالْعَرَب تَصِف أَيَّام الْمَكْرُوه بِالطُّولِ وَأَيَّام السُّرُور بِالْقِصَرِ . قَالَ : وَيَوْمٌ كَظِلِّ الرُّمْحِ قَصَّرَ طُولَهُ دَمُ الزِّقِّ عَنَّا وَاصْطِفَاقُ الْمَزَاهِرِ وَقِيلَ : إِنَّ يَوْم الْقِيَامَة فِيهِ أَيَّام ; فَمِنْهُ مَا مِقْدَاره أَلْف سَنَة وَمِنْهُ مَا مِقْدَاره خَمْسُونَ أَلْف سَنَة . وَقِيلَ : أَوْقَات الْقِيَامَة مُخْتَلِفَة , فَيُعَذَّب الْكَافِر بِجِنْسٍ مِنْ الْعَذَاب أَلْف سَنَة , ثُمَّ يَنْتَقِل إِلَى جِنْس آخَرَ مُدَّته خَمْسُونَ أَلْف سَنَة . وَقِيلَ : مَوَاقِف الْقِيَامَة خَمْسُونَ مَوْقِفًا ; كُلّ مَوْقِف أَلْف سَنَة . فَمَعْنَى : " يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة " أَيْ مِقْدَار وَقْت , أَوْ مَوْقِف مِنْ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ النَّحَّاس : الْيَوْم فِي اللُّغَة بِمَعْنَى الْوَقْت ; فَالْمَعْنَى : تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ فِي وَقْت كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة , وَفِي وَقْت آخَر كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة . وَعَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : " فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة " قَالَ : مَا بَيْن أَسْفَلِ الْأَرْضِ إِلَى الْعَرْش . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ عَنْ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك فِي قَوْله تَعَالَى : " تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة " [ الْمَعَارِج : 4 ] أَرَادَ مِنْ الْأَرْض إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى الَّتِي فِيهَا جِبْرِيل . يَقُول تَعَالَى : يَسِير جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة الَّذِينَ مَعَهُ مِنْ أَهْل مَقَامه مَسِيرَة خَمْسِينَ أَلْف سَنَة فِي يَوْم وَاحِد مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . وَقَوْله : " إِلَيْهِ " يَعْنِي إِلَى الْمَكَان الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَعْرُجُوا إِلَيْهِ . وَهَذَا كَقَوْلِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : " إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ " [ الصَّافَّات : 99 ] أَرَادَ أَرْض الشَّام . وَقَالَ تَعَالَى : " وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه " [ النِّسَاء : 100 ] أَيْ إِلَى الْمَدِينَة . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَانِي مَلَك مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ بِرِسَالَةٍ ثُمَّ رَفَعَ رِجْله فَوَضَعَهَا فَوْق السَّمَاء وَالْأُخْرَى عَلَى الْأَرْض لَمْ يَرْفَعهَا بَعْد ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
كما قرأتم أخواني وأخوتي هذه التفاسير عن الأية الكريمة في سورة السجدة العظيمة ستستخلصون خلاصة من هذه الأية والتفاسير تقول هذه الخلاصة أن كلمت تدبير وكلمة أمر تعني مجتمعة تكوين خطة كاملة تشمل كافة مايحتاجة الخلق خلال ألف سنة وبهذا تكون كل ألف سنة تتغير هذه الخطة بتدبير وأمر بتنفيذها ولايكون شيئ سيكون إلا فيها وماليس فيها فلن يكون , والله أعلم ............