أبوإسماعيل
10 -05- 2008, 10:02 PM
مقال أكثر من رائع قرأته في جريدة الوطن ليوم الخميس الماضي 3 جمادى الأولى 1429هـ
في صفحة نقاشات . . . وكاتبه يستحق أن سصنف من أكبر كتاب بلادنا
في أسلوبه وطرحه وتميزه . . وأحببت أن أطرحه أمامكم لتستمتعوا به
عسى أن يعجبكم . . .
رغبات الزبائن لا تبرر ترويج بضائع تحمل شعارات وشخصيات لا تتناسب مع مبادئنا وقيمنا
تجولت باستمتاع في معرض صغير للصناعات المحلية أقيم مؤخراً في جدة، أراقب وأحلل وأسأل عن تفاصيل معينة وأقتني بعض الأشياء. ووسط الزحام شدتني مجموعة من الشباب والشابات يبيعون بضاعة طبع عليها شعار "بلاي بوي - Playboy" وهي الشركة المصدرة للمجلة الفضائحية المشهورة عالمياً. والذي أثار دهشتي هو أن دلالات الشعار ليست مجهولة، وهي دلالات أقل ما يقال عنها إنها "غير مؤدبة" لما اشتهرت به من المتاجرة بصور خليعة تنافي جميع الآداب، وكذلك أثار دهشتي أن يباع هذا المنتج في معرض للصناعات المحلية في جدة وهذا ملمح خطير لانهيار الهوية مقابل هجوم الماركات العالمية حتى التي تخالف -بوضوح لا لبس فيه- قيمنا المتعارف عليها.
توجهت لشابة ضمن الباعة الشباب لهذا المنتج وسألتها عن معنى الشعار؟ فقالت إنه شعار "بلاي بوي" فسألتها عن معنى الـ"بلاي بوي" فأجابت بابتسامة: ولد لعوب!.
إذن القيمة التي يحملها الشعار ليست واضحة فقط عند هذه الفتاة وإنما تبدو أيضاً وكأنها قيمة مستحسنة. سألتها عن السبب الذي يدفعهم لبيعها فلم تجبني وطلبت من شابٍ آخر يروج نفس المنتج أن يجيبني عن معنى الشعار فكان رده أن معنى الشعار غير حميد، فأعدت السؤال حول سبب بيعه منتجاً كهذا فقال إن "الناس يريدون شراء هذا المنتج".
أحياناً يصعب التصديق أن ثقافة ربحية ولا أخلاقية نشأت على بعد قارات منا قد تتغلغل في تفكيرنا لدرجة أنها تُستعمل وكأنها حجة منطقية في الرد على استفسارات مثل استفساري ذاك، وهذا لا يدل على قوة الرأسمالية في غزو العالم بقدر ما يدل على ضعف الهوية الشخصية لهؤلاء الشباب. هويتهم التي مرت بتعليم نمطي واحد محتكر ومرت بشكل إجباري على مدارس فكرية محددة -رغم أن التميز بمستوياته الفردية والجماعية هو الركن الذي تقوم عليه الهوية- فنشأت لدينا أجيال شبه عديمة المناعة ضد القيم والهويات المختلفة كل الاختلاف مع هويتنا، فحصلنا على جيل يستقبل فقط ولا يرسل إلا فيما ندر، وبلا قدرة مناسبة حتى للنقد، وبلا آليات دفاع كافية.
ثم طرحت على ذلك الشاب عدداً من الأسئلة، فتركزت إجاباته على أن هناك طلباً على هذا المنتج وبالتالي سيكون لبيعه ربحية توازي الطلب، وليس له دخل في المشتري هو فقط يلبي حاجة المشتري أما اللوم حول كون الفعل صوابا أم خطأ فهو على عاتق هذا المشتري صاحب الرغبة في استعمال شعار شركة "بلاي بوي"، ولا أدري من أين جاءت هذه الأفكار التي فضلاً عن مخالفتها للشريعة الإسلامية التي تدعو لسمو الغاية وسمو الوسيلة معاً، ومخالفتها للقانون السعودي فهي أيضاً تخالف -في رأيي- المنطق البشري السويّ، وهي نفس الآلية التي يستخدمها تجار السلاح والمخدرات حول العالم.
شعرت بأن منطق ذلك الشاب ينهار بسهولة أمام أبسط أسئلتي وفوجئت به يستخدم نوعاً جديداً من الاحتجاج وهو يقول لي "أنت لست مطوعاً ولا أنا مطوع" !
وهذا -مرة أخرى- نتاج الثقافة التي نشأ عليها والمُحتكرة بشكل كبير، فكان كمن ينظر إلى الناس باعتبارهم لا يخرجون عن إحدى فئتين: "المطوع" و "غير المطوع"، بل وكان يستطيع أن يعرف من هو المطوع فقط من المظهر الخارجي بغض النظر عن السلوك بل وبغض النظر عن فحوى نقاشنا أصلاً، ليس هذا فقط بل ويرى من باب الغرابة والعجب، أن يهتم غير المطاوعة أو يعلقوا على أمر كهذا!
انتهى نقاشنا، ولم أنس قبل مغادرة المعرض أن أتقدم بشكوى للمنظمين، وكرست فترة من الليل للدعاء له ولزميلاته، وأخذت أحلل هذه الظواهر في رأسي، حيث إن غيري من زوار المعرض كانوا ضد استعمال ذلك الشعار وبيع منتجاته، ولكنهم لم يعلقوا، وقد أصبحت ظاهرة مشاهدة، فمثلاً في بعض المطاعم والمقاهي اليوم تعرض أغان مصورة غاية في الرخص -عربية وغير عربية- وفي وجود عائلات لا تناسبها هذه المشاهد ولكنها لا تمارس حقها في الاعتراض وطلب تغيير القناة بل وحقها في مغادرة المحل أو التهديد بذلك.ولا شك أن غياب مؤسسات المجتمع المدني وغياب ثقافتها عامل مهم في تشكل هذا السلوك السلبي.
ويبدو أن الوضع في بدايته، فمنذ فترة بسيطة افتتح في جدة محل لحقائب وإكسسوارات باريس هلتون، تلك الفتاة الأمريكية التي لا تشتهر بشيء إيجابي واحد، حتى نشاطها لحقوق الحيوان يكاد يكون منعدما، وسجلت معدلات من الفضائح الأخلاقية ونسب إليها قولها عن نفسها إنها "أيقونة الشقراوات في هذا العقد". وكان المحل يستخدم شعارا زهري اللون بشكل قرني شيطان فوقهما هالة الملائكة، علماً أن استخدام هذين الرمزين وحده علامة على مدى تغلغل رموز ثقافات لا تنتمي لنا بأي شكل من الأشكال، فضلاً عن المعنى الساقط للشعار. وأشك أننا لو سألنا مالك المحل عن سبب ترويجه لبضاعة تحمل شخصية مثل باريس هلتون بهذا الشكل لقال إن "الناس تطلب هذا المنتج".
الحقيقة في تصوري أن عموم الناس لا يريدون هذا المنتج، والأقلية فقط من تريده، وهي أقلية تعبر عن نفسها بالعديد من الطرق الشرعية وأحيانا - للأسف الشديد - غير الشرعية.. بينما الأكثرية التي ترفض هذا النمط التجاري الدخيل علينا، تقترب من حالة الساكتين عن الحق .
أحمد مصطفى صبري - طالب بقسم العلوم السياسية - جامعة الملك عبدالعزيز
http://www.alwatan.com.sa/news/ad2.asp?issueno=2778&id=2433
في صفحة نقاشات . . . وكاتبه يستحق أن سصنف من أكبر كتاب بلادنا
في أسلوبه وطرحه وتميزه . . وأحببت أن أطرحه أمامكم لتستمتعوا به
عسى أن يعجبكم . . .
رغبات الزبائن لا تبرر ترويج بضائع تحمل شعارات وشخصيات لا تتناسب مع مبادئنا وقيمنا
تجولت باستمتاع في معرض صغير للصناعات المحلية أقيم مؤخراً في جدة، أراقب وأحلل وأسأل عن تفاصيل معينة وأقتني بعض الأشياء. ووسط الزحام شدتني مجموعة من الشباب والشابات يبيعون بضاعة طبع عليها شعار "بلاي بوي - Playboy" وهي الشركة المصدرة للمجلة الفضائحية المشهورة عالمياً. والذي أثار دهشتي هو أن دلالات الشعار ليست مجهولة، وهي دلالات أقل ما يقال عنها إنها "غير مؤدبة" لما اشتهرت به من المتاجرة بصور خليعة تنافي جميع الآداب، وكذلك أثار دهشتي أن يباع هذا المنتج في معرض للصناعات المحلية في جدة وهذا ملمح خطير لانهيار الهوية مقابل هجوم الماركات العالمية حتى التي تخالف -بوضوح لا لبس فيه- قيمنا المتعارف عليها.
توجهت لشابة ضمن الباعة الشباب لهذا المنتج وسألتها عن معنى الشعار؟ فقالت إنه شعار "بلاي بوي" فسألتها عن معنى الـ"بلاي بوي" فأجابت بابتسامة: ولد لعوب!.
إذن القيمة التي يحملها الشعار ليست واضحة فقط عند هذه الفتاة وإنما تبدو أيضاً وكأنها قيمة مستحسنة. سألتها عن السبب الذي يدفعهم لبيعها فلم تجبني وطلبت من شابٍ آخر يروج نفس المنتج أن يجيبني عن معنى الشعار فكان رده أن معنى الشعار غير حميد، فأعدت السؤال حول سبب بيعه منتجاً كهذا فقال إن "الناس يريدون شراء هذا المنتج".
أحياناً يصعب التصديق أن ثقافة ربحية ولا أخلاقية نشأت على بعد قارات منا قد تتغلغل في تفكيرنا لدرجة أنها تُستعمل وكأنها حجة منطقية في الرد على استفسارات مثل استفساري ذاك، وهذا لا يدل على قوة الرأسمالية في غزو العالم بقدر ما يدل على ضعف الهوية الشخصية لهؤلاء الشباب. هويتهم التي مرت بتعليم نمطي واحد محتكر ومرت بشكل إجباري على مدارس فكرية محددة -رغم أن التميز بمستوياته الفردية والجماعية هو الركن الذي تقوم عليه الهوية- فنشأت لدينا أجيال شبه عديمة المناعة ضد القيم والهويات المختلفة كل الاختلاف مع هويتنا، فحصلنا على جيل يستقبل فقط ولا يرسل إلا فيما ندر، وبلا قدرة مناسبة حتى للنقد، وبلا آليات دفاع كافية.
ثم طرحت على ذلك الشاب عدداً من الأسئلة، فتركزت إجاباته على أن هناك طلباً على هذا المنتج وبالتالي سيكون لبيعه ربحية توازي الطلب، وليس له دخل في المشتري هو فقط يلبي حاجة المشتري أما اللوم حول كون الفعل صوابا أم خطأ فهو على عاتق هذا المشتري صاحب الرغبة في استعمال شعار شركة "بلاي بوي"، ولا أدري من أين جاءت هذه الأفكار التي فضلاً عن مخالفتها للشريعة الإسلامية التي تدعو لسمو الغاية وسمو الوسيلة معاً، ومخالفتها للقانون السعودي فهي أيضاً تخالف -في رأيي- المنطق البشري السويّ، وهي نفس الآلية التي يستخدمها تجار السلاح والمخدرات حول العالم.
شعرت بأن منطق ذلك الشاب ينهار بسهولة أمام أبسط أسئلتي وفوجئت به يستخدم نوعاً جديداً من الاحتجاج وهو يقول لي "أنت لست مطوعاً ولا أنا مطوع" !
وهذا -مرة أخرى- نتاج الثقافة التي نشأ عليها والمُحتكرة بشكل كبير، فكان كمن ينظر إلى الناس باعتبارهم لا يخرجون عن إحدى فئتين: "المطوع" و "غير المطوع"، بل وكان يستطيع أن يعرف من هو المطوع فقط من المظهر الخارجي بغض النظر عن السلوك بل وبغض النظر عن فحوى نقاشنا أصلاً، ليس هذا فقط بل ويرى من باب الغرابة والعجب، أن يهتم غير المطاوعة أو يعلقوا على أمر كهذا!
انتهى نقاشنا، ولم أنس قبل مغادرة المعرض أن أتقدم بشكوى للمنظمين، وكرست فترة من الليل للدعاء له ولزميلاته، وأخذت أحلل هذه الظواهر في رأسي، حيث إن غيري من زوار المعرض كانوا ضد استعمال ذلك الشعار وبيع منتجاته، ولكنهم لم يعلقوا، وقد أصبحت ظاهرة مشاهدة، فمثلاً في بعض المطاعم والمقاهي اليوم تعرض أغان مصورة غاية في الرخص -عربية وغير عربية- وفي وجود عائلات لا تناسبها هذه المشاهد ولكنها لا تمارس حقها في الاعتراض وطلب تغيير القناة بل وحقها في مغادرة المحل أو التهديد بذلك.ولا شك أن غياب مؤسسات المجتمع المدني وغياب ثقافتها عامل مهم في تشكل هذا السلوك السلبي.
ويبدو أن الوضع في بدايته، فمنذ فترة بسيطة افتتح في جدة محل لحقائب وإكسسوارات باريس هلتون، تلك الفتاة الأمريكية التي لا تشتهر بشيء إيجابي واحد، حتى نشاطها لحقوق الحيوان يكاد يكون منعدما، وسجلت معدلات من الفضائح الأخلاقية ونسب إليها قولها عن نفسها إنها "أيقونة الشقراوات في هذا العقد". وكان المحل يستخدم شعارا زهري اللون بشكل قرني شيطان فوقهما هالة الملائكة، علماً أن استخدام هذين الرمزين وحده علامة على مدى تغلغل رموز ثقافات لا تنتمي لنا بأي شكل من الأشكال، فضلاً عن المعنى الساقط للشعار. وأشك أننا لو سألنا مالك المحل عن سبب ترويجه لبضاعة تحمل شخصية مثل باريس هلتون بهذا الشكل لقال إن "الناس تطلب هذا المنتج".
الحقيقة في تصوري أن عموم الناس لا يريدون هذا المنتج، والأقلية فقط من تريده، وهي أقلية تعبر عن نفسها بالعديد من الطرق الشرعية وأحيانا - للأسف الشديد - غير الشرعية.. بينما الأكثرية التي ترفض هذا النمط التجاري الدخيل علينا، تقترب من حالة الساكتين عن الحق .
أحمد مصطفى صبري - طالب بقسم العلوم السياسية - جامعة الملك عبدالعزيز
http://www.alwatan.com.sa/news/ad2.asp?issueno=2778&id=2433