المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جمع المال والجهل بالدين ولمس النساء.. اتهامات تطارد بعض الرق



عجاج الليل
28 -06- 2008, 04:54 AM
تباينت الآراء حول العلاج بالقرآن الكريم في المجتمع من فئة إلى أخرى. المعالجون أفاضوا في الحديث عن أخطاء بعض الرقاة، وسلبياتهم، وتجاوزاتهم التي تصل إلى تحويل "الرقية" إلى نوع من التجارة لجمع المال، إضافة إلى لمس أماكن من المرأة لا يجوز لمسها شرعا.
واتهم المعالجون كثيرين من الرقاة بأنهم "يتكسبون" بالقرآن الكريم والأعشاب، ويتاجرون في الماء المقروء عليه والزيت. وطالبوا بوضع ضوابط لتنظيم العلاج بالقرآن، وتشكيل لجان للمتابعة، لمنع أعمال الشعوذة والخرافات، وعدم السماح لغير المؤهلين تأهيلا شرعيا بممارسة هذا النوع من العلاج.
أما علماء الطب والاختصاصيون الاجتماعيون فيطالبون بعرض المريض على الطبيب المختص، لتحديد نوع المرض، والعلاج اللازم له، ووصف الدواء الناجع، مؤكدين أن غالبية مرتادي أماكن الرقية مرضى "نفسيون"، وقالوا إن المرأة تلجأ إلى الشعوذة للخلاص من "تسلّط الرجل" أو ضعف ميوله العاطفية، أو لتطويعه لرغباتها. أما الرجل فيلجأ إلى ذلك العلاج لفك "طلاسم" السحر، أو للتغلب على العجز الجنسي، أو لاسترداد حق ضاع منه.
ويجزم علماء الإسلام بأن العلاج بالقرآن حقيقة ثابتة بالأدلة الشرعية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا مضت، ولا يختلف عليها أحد، والخلاف يتركز على شخص الراقي من حيث صلاحه وإيمانه وتقواه، وسلوكه وطريقته في أداء الرقية، ومدى التزامه بقيم الإسلام وتعاليمه، وأدواته في علاج مرضاه. كما يمتد الخلاف ليبحث في أنواع الأمراض التي يتم علاجها بالقرآن.
تراخيص للرقاة
عمر بن أحمد بن رضا العاطفي راق شرعي يعالج حالات السحر والحسد والعين والمس.. يقول "السحر عبارة عن طلاسم وتعاويذ يُعظم فيها غير الله، ويُستفاد منها في حصول ملكية نفسية، يكتسبها بالتعلم شخص بذاته تتوفر فيه صفات خاصة، تحت ظروف غير مألوفة، وبطرق خفية".
ويضيف أن أعمال السحر تصدر من نفوس شريرة تتقرب إلى الشيطان لتحقيق ما لا يقدر عليه الإنسان، وهي تؤثر في عالم العناصر، فيحدث من خلالها تأثير في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر، وفي الأبدان بالألم والسقم، ويحصل ذلك على فرد أو مجموعة أفراد رغم إرادتهم، لتحقيق هدف معين.
ويوضح أن السحر أنواع ، سحر التفريق.. وسحر المحبة.. وسحر تعطيل الزواج.. وسحر النزيف.. وسحر المرض.. وسحر الربط.. وسحر الهواتف.. وسحر الجنون.
ويؤكد عمر بأنه عالج في دار الاستشفاء بالقرآن التي أنشأها لهذا الغرض مئات الحالات التي كانت تعاني من المس والسحر والحسد، ويقول "بدأت العمل منذ ثلاث سنوات، وتمكنت من الرقية، وتعلمت أساليبها على أيدي كبار العلماء، إضافة إلى الاطلاع والخبرة، حيث إنني مؤهل شرعيا للرقية، وأحمل شهادة في الشريعة الإسلامية، وأستعين بأربع سيدات سعوديات حافظات للقرآن يساعدنني في الرقية".
ويشرح طريقته في الرقية قائلا "أبدأ بالثناء على الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم، وأقرأ آيات معينة من القرآن الكريم، وأستخدم الأدعية المختلفة".
ويطالب عمر الحكومة بأن تمنحه ترخيصا للرقية بعد معرفة مدى قدرته عليها، مشددا على ضرورة منح تراخيص للرقاة المعروفين بحسن أدائهم بعد أخذ التعهدات والإجراءات الاحترازية اللازمة.
ويُشدّد عمر على أن أفضل علاج للسحر اتقاؤه قبل وقوعه، فالوقاية خير من العلاج، مشيرا إلى أن الساحر إنسان ضال يحب الشر والإفساد, ويستعين على أغراضه الفاسدة بالشيطان.
ويشير إلى أن القرآن الكريم أوضح كيف يحصن المسلم نفسه من الشيطان وأعوانه وأتباعه، ومن ذلك إخلاص العبادة لله، والثقة فيه، وأن كل ما حوله بيد الله، ولن يضره شيء ولا ينفعه إلا بإذن الله، إضافة إلى الاستعاذة بالله من الشيطان، والتوكل على الله والاعتماد عليه، كما ينبغي المحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم، وقراءة آخر آيتين من سورة البقرة, وآية الكرسي، وغيرها من التحصينات الواردة في الكتاب والسنة.
تجاوزات بعض المعالجين
أما علي الفيفي الذي يعالج بالقرآن الكريم منذ 16 عاما فيلفت إلى وجود العديد من التجاوزات تحدث من بعض المعالجين حين يسمح لنفسه بوضع يده في أماكن محظورة بالنسبة للسيدات، لأن هذا لا يجوز شرعا.
وعن طريقته في الرقية يقول إنه يقوم بالرقية الشرعية المعروفة في الكتاب والسنة، وما ورد من الأحاديث الصحيحة.
ولا يرى عيبا في اتخاذ بعض الرقاة أماكن نائية ومهجورة كعيادات لقراءة القرآن، ذلك أن الكثير من الرقاة يسعى للبعد عن الأماكن السكنية، خوفا من شكوى سكانها من أصوات صراخ المرضى، ولذلك يحرص الكثير منهم على الابتعاد عن الأماكن الآهلة بالسكان، حتى لا يتأذى الناس من تجمع السيارات وصياح المسحورين.
ويعيب الفيفي على الكثيرين أنهم يتكسبون بالقرآن والأعشاب ويعتبرونها تجارة، مشيرا إلى أن هناك من يبيع عبوة الماء المقروء عليه أو الزيت بمبلغ 50 ريالا، وربما 100 ريال.
ويؤكد أنه يبيع الماء بمبلغ خمسة ريالات والزيت 20 ريالا، موضحا أن هناك الكثير من الحالات يتم التعاطف معها وإعطاؤها العلاج دون مقابل.
ويحذر من وجود رقاة يستترون خلف الرقية لترويج أعمال السحر والطلاسم، حيث يطلبون اسم الأم، واسم الأب، والأثر، أو قراءة طلاسم في دورة المياه، أو الاحتجاب 40 يوما في غرفة مظلمة، وهذا من السحر والكهانة، لأن الرقية لا تكون إلا بالقراءة الواضحة لآيات القرآن الكريم والأدعية المباركة.
تجارة مرفوضة
وينضم المعالج محمد الشديدي إلى الشيخ الفيفي في التحذير من أن البعض يمارس الرقية لتحقيق أمور دنيوية، مثل جمع المال، أو ممارسة السحر والشعوذة تحت ستار الدين والقرآن. يقول "كثيرون من الرقاة تشغلهم الناحية المادية التي أصبحت هاجسا ومشكلة، حيث فتحوا، إلى جانب أماكن الرقية، منافذ لبيع العطارة والعسل، والمتاجرة في الماء والزيت، إضافة إلى دفع المرضى مبالغ عند الدخول على الراقي، حتى تحولت عيادات العلاج بالقرآن إلى مستشفيات خاصة، وأنا أعتبر هذا تلاعبا بالقرآن".
ويلفت إلى أن عمل السحر يمكن أن يتم من خلال الاتصالات الهاتفية، ويحذر من وجود بعض الأعشاب لدى العطارين يتم استخدامها في السحر الذي يغير طبيعتها.
ويكشف الشديدي عن أن عددا من أصحاب المستشفيات الخاصة عرضوا عليه افتتاح عيادات للعلاج بالقرآن في مستشفياتهم، غير أنه رفض ذلك لإصرارهم على أن يكون العلاج غير مجاني.
ويطالب بتشكيل رابطة للرقية الشرعية يلتحق بها الرقاة الذين لا يتكسبون بقراءة القرآن، وألا يتم بيع أي شيء للمريض، وأن تترك له الفرصة لكي يحضر الماء والزيت، ويتم القراءة عليها.
ويستنكر اتجاه بعض الرقاة إلى الأماكن البعيدة والمخيفة، مؤكدا أن هناك حاجة إلى توجيه الرقية التوجيه السليم بالضوابط الشرعية، وألا يكون هناك توجه لجمع المال.
ولا يخفي الشيخ الشديدي معارضته الرقية الجماعية لأسباب كثيرة، أهمها ترويع الناس، فقد يصاب أحدهم بشيء من المرض النفسي أو الهلوسة، بينما تعدّ القراءة الفردية من باب الستر على المرضى، إضافة إلى أن الراقي سيرجع في النهاية إلى الرقية الفردية.
أنواع المرض
أما سعيد بن محمد آل مفتاح القحطاني الذي يحمل تصريحا بالرقية من الجهات المختصة، ويرقي منذ 18 سنة فيعيب على بعض الرقاة استخدامهم أدعية خاطئة ليست من الكتاب أو السنة، بل هي تُمجد الجان، كما أن بعضهم لا يجيد قراءة القرآن.
ويقول إن كثيراً من المرضى تكون لديهم حالات نفسية، ويظنون أنها سحر، أو حسد أو مس، مشيرا إلى أنه احتاج إلى تدريب أكثر من ست سنوات حتى شعر بقدرته على الرقية، وتشخيص الحالات، مشيرا إلى أنه تمكن من علاج أكثر من 800 حالة.
ويلفت القحطاني إلى أنه يرقي في بيت أسهم أهل الخير في إقامته على نفقتهم، وأنه عبارة عن هناجر كبيرة تتسع لأكثر من ألف شخص، ومهيأة بدورات مياه، منتقدا القيام بالرقية في أحواش بعيدة وأماكن مهجورة.
وعن طريقته في الرقية يقول "أبدأ بذكر الله عز وجل، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والأدعية المأثورة، ثم أتبين السحر" مضيفا أنه يعتمد في طريقته تجزئة العلاج بالرقية، وأولها العلاج من السحر، ثم الحسد، ثم المس.
ويوضح أنه يرقي بطريقة جماعية، ثم يقوم بالقراءة الفردية، ولا يعالج امرأة إلا إذا كان محرمها معها، وأن تكون مرتدية الحجاب الشرعي، مؤكدا أن هذه المهنة صعبة وتحتاج إلى أن يتقي الراقي الله فيها، وأن يتخذها سبيلا لعمل الخير.
ويُقسّم الشيخ القحطاني الأمراض إلى مرض عضوي يكتشفه الأطباء طبقا لاختصاصهم، وآخر نفسي يحتاج إلى تشخيص دقيق من الأطباء النفسيين، موضحا أن الأمراض النفسية "عصرية"، والجميع معرضون لها نتيجة الضغوط النفسية والأسرية أو الوراثية أو البعد عن طاعة الله عز وجل.
ويشير القحطاني إلى أن المرض الروحي ينقسم إلى ثلاثة أقسام: السحر، والحسد، والمس.. وعلاجها بالقرآن الكريم، غير أن الكثيرين من الرقاة يخلطون بين المرض النفسي والروحي فيتلاعبون بعقول المرضي ومشاعرهم.
علاج طبي
ويرى استشاري الطب النفسي، المدير الطبي لمستشفى الصحة النفسية بأبها الدكتور عبد الله عسيري أن انتشار السحر وأعمال الشعوذة تحول إلى كابوس مخيف يهدد المجتمعات والأفراد، ويقضي على استقرار الأسر، ويزين للناس دعاوى باطلة بعمل الأحجبة ونحوها، ويقول"ليس صحيحا أن السحر يحقق مكاسب كثيرة، أو يعالج حالات مختلفة، وتشير الإحصائيات إلى أن النساء أكثر إقبالا على السحر من الرجال، لضعفهن وتأثر العاطفة لديهن وزيادة نسبة الاضطرابات التفاعلية والأسرية والاجتماعية، إضافة إلى أن هؤلاء السحرة والمشعوذين يسعون للكسب المادي، ويتربصون بكل من له حاجة أو به ضعف أو مرض.
ويشير إلى أنه عندما يقع السحر على شخص ويتأثر به تظهر عليه أعراض قد تكون جسدية أو نفسية، وتتزايد بدرجة ضعف الوازع الديني وزيادة الإيحاء، وعدم طرق السبل الصحيحة للمعالجة من الكتاب والسنة ووسائل العلاج الطبية.
أما من الناحية النفسية فيؤكد أن هناك اضطرابات مختلفة تظهر بشكل أعراض سلوكية انفعالية، فقد يعاني منها الشخص مباشرة مثل الاكتئاب والقلق والوسواس القهري، أو تلاحظ عليه تصرفات دون استبصار مثل الاضطرابات الذهانية بأنواعها، فيتكون اعتقاد خاطىء بأن هذه الأعراض ناتجة عن السحر على هذا المريض، ويبدأ هو أو ذووه اللجوء إلى من يفكّ عنه السحر ويعالجه. بينما الطريق الأصح للمعالجة اللجوء إلى الله والرقية الشرعية والمعالجة الطبية النفسية.
ويجزم الدكتور عسيري بأنه تبين في كثير من الحالات أن غالبية المرضى لديهم اضطراب نفسي معين، وليس سحرا أو مسا، وأن أهم الفئات التي تلجأ للسحرة الأشخاص الذين ليس لديهم وعي نفسي واجتماعي تجاه المرض النفسي، إضافة إلى زيادة الاعتقاد بوقوع السحر.
وينصح الدكتور العسيري بضرورة عرض المريض أولا على المتخصصين لتشخيص الحالة ومعرفة الأسباب والتوجيه الصحيح للعلاج سواء بالقرآن الكريم أو العلاج الدوائي أو الإرشاد النفسي لحل المشكلة، مع أهمية التسليم والاعتقاد بالقضاء والقدر، وألا ينشغل الإنسان بالتفكير في السحر.
تسلّط الرجل
وتصف الاختصاصية الاجتماعية بمستشفى الصحة النفسية بأبها لطفية أحمد سلمان السحر والشعوذة بأنهما ممارستان معقدتان تهتم بهما المجتمعات التي تتميز بالبساطة والحياة البدائية. تقول "السحر عبارة عن طقوس وأساليب حركية يستعمل الساحر فيها أحيانا بعض المواد لإنجاز أهداف تقع خارج نطاق قوة السيطرة الحسية للإنسان العادي، والمشعوذ شخص يؤذي الآخرين بطريقة غير مباشرة، لتغلب صفة الكراهية والغيرة عنده"، مشيرة إلى أن السحر تبذل فيه الجهود المتواصلة للسيطرة على البيئة والعلاقات الاجتماعية، وهو أيضاً واسطة يمكن من خلالها محاربة السحرة والمشعوذين وهدم النجاحات والمنجزات التي أحرزوها من خلال مهنة السحر.
وتؤكد لطفية أن المرأة تلجأ إلى الشعوذة عندما تضيق بها الدنيا، وتعجز عن إيجاد الحلول للخلاص من تسلط الرجل، أو من ضعف ميوله العاطفية، أو عندما تسعى إلى تطويعه حتى يستجيب لجميع رغباتها.
وتضيف أنها تؤيد العلاج بالقرآن مع ضرورة مراجعة عيادات الصحة النفسية والاجتماعية، لافتة إلى أن 70% من الحالات التي يتم علاجها لدى الرقاة والمعالجين بالقرآن عبارة عن حالات نفسية، مشيرة إلى أن الرجل يلجأ إلى ذلك العلاج لفك "طلاسم" السحر، أو التغلب على العجز الجنسي، أو الدفاع عن حق ضاع منه، أو الانتصار على واقع يؤلمه.
وتحذر الاختصاصية النفسية من أن الشعوذة تحولت إلى جزء من الثقافة الشعبية، وبدأت تفرض نفسها حتى في الأوساط الاجتماعية الثرية، بعد أن كانت حكرا على الفئات الفقيرة، وانتقلت من مرحلة الاستقبال، أي انتظار المشعوذ للزبائن في بيته، إلى مرحلة الاستقطاب، من خلال السعي لجلب الزبائن، عبر استعمال وسائل الاتصال الحديث من إنترنت وصحف وتلفزيون.
وتطالب بتدخل الطب الحديث لمنع تفشي الظاهرة، والحد منها، مشيرة إلى أنه إذا كان لدى أي فرد مشكلة عضوية يجب عليه أن يلجأ إلى الطب الحديث، لأن علاجه لدى الأطباء في المستشفيات.


م. الوطن