المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مطر في غربال!



التاريــــــــخ
03 -08- 2003, 12:20 AM
مطر في غربال!
أين ذهبت آلاف القصائد، بدءا من شنق زهران في دنشواي حتى قلعة الشقيف؟

وأين ذهبت أشرطة الكاسيت التي ردد الناس فيها مع مارسيل خليفة كلمات عن النار والياسمين؟

وأين ذهبت مساجلات المقاهي وضجيج الأكف التي صفقت حتى اشتعلت في عقود عربية منقعة في الدم والدمع؟

وأين ذهبت صرخات البرلمانيين الذين تحاورا بالكراسي والمسدسات لفرط الحماس من أجل وطن حر، وغد أبهى؟

ألف سؤال وسؤال تثب الآن الى الذاكرة ونحن نرتب هذا الاستنقاع والأسن الذي شمل المشهد القومي كله، فلم تعد السنبلة تقاوم كما وعد الشعراء، ولم تعد السماء الزرقاء القدسية عصية على الغربان!

قد تبدو هذه التداعيات أشبه برحلة شجية بين الأطلال، فمن يسمعون اليوم بالمصادفة او عن طريق الخطأ أغنية “وطني حبيبي الوطن الأكبر” قد يظنون ان هذا الصوت ينتمي الى كوكب تلاشى، ومن يقرؤون كتاباً اصفرت أوراقه يتحدث مؤلفه عن حق الإنسان في الحياة الحرة يحسبون أنهم يقلبون مخطوطاً في متحف، فالزمن لم يتغير فقط، بل انقلب رأساً على عقب، فلم يعد سبتُه سبتاً ولا أحده أحداً ولا جمعته جمعة! وصار الناس يعيشون في ثامن أو عاشر أيام الاسبوع والشهر الثالث عشر واليوم الثالث والثلاثون من شهر شباط!

هذا الانقلاب حدث بسرعة فائقة، والأسوار التي بنيت حول الإنسان يصدق عليها ما قاله الشاعر كفافي

الذي تساءل عن صوت البنائين الذين لم يسمعهم ولم يحس بمعاولهم وهم يعلون الأسوار حول عزلته وحصاره!

اعترف انني ما ان اقرأ قصيدة راجت وصفقنا لها حتى احمرت الأكف قبل ثلاثين عاما حتى أشعر بأنها لم تكتب لنا، وإنما لكائنات أخرى لا أدري في أي أرض تعيش أو تموت!

كيف استطاع عقدان او ثلاثة من الزمن ان تصبح قرونا عدة دفعة وحدة، وقد استطالت وتمددت حتى ابتلعت التاريخ كله؟

ما عدنا نغني كما كنا نغني، والرقصة الوحيدة الباقية، بل المسموح بها لنا هي رقصة الطائر المذبوح، ولو كانت الكائنات تترجم كاللغات لسألنا ببراءة: من هو الذي ترجمنا؟ وإلى أية مجرات أو كواكب نجهلها؟

ما يجري لنا الآن هو أضعاف ما جرى لنا قبل نصف قرن، لكننا لا نقول واحدا بالألف مما قاله هؤلاء الشهود! هل لأننا ألفنا الانكسار وتأقلمنا مع الهزيمة الدائمة؟ أم ان هناك من جمّلوا لنا الموت، وجعلوا أقسى الهزائم قابلة للاحتمال؟

ما قاله انطون المقدسي ذات مراجعة جادة لسيرة العربي الجريح والصامت، يستحق الاستعادة الآن، فهذا العربي كانت له ذات يوم قامة قومية تطابق قامته الإنسانية، حتى في عصره الجاهلي، لكن المسافة الآن كبيرة بين القامتين، وكأن هذا العربي صدق ما قيل له عن نفسه وصار يصنف جنسه في درجة رابعة او خامسة بين البشر!

ان الدجاجة، حتى الدجاجة لم تصدق في الحكاية انها مجرد حبة قمح، وكما قال شيلر فإن للدجاج لحظة ينتفض فيها على دجاجتيه، ويشد أجنحته الخاملة من جذور الريش لفرط اشواقه للطيران، فكيف يسقط الإنسان على هذا النحو الفاجع في هاوية استدرجته؟ وقبل بأن يكون مجرد أحشاء تشبه الاسفنجة ذات آلاف الافواه الفاغرة؟

هل كان كل ذلك المطر السخي الذي جادت به سماؤنا في غربال؟ أم ان الذاكرة كانت رملية، وكذلك الساعات؟

نعرف جميعاً منذ الحصة الأولى في درس التاريخ ان الشقاء لا يخلق الإرادة على تجاوزه، بل الوعي به هو ما يفعل ذلك، وتلك كانت أطروحة “جان جاك روسو” الذي عرف من خلال القراءة والتأمل ان شعوبا أعياها الشقاء لم تحرك ساكنا، وان شعوبا اخرى أقامت التاريخ ولم تقعده لأن قليلا من الشقاء لامس شغاف القلب؟

وما يقال الآن عن مطالبة الولايات المتحدة والدولة العبرية التي تشكل مخلبها بحذف الآية الكريمة: “كنتم خير أمة أخرجت للناس” لأنها تعلي من شأن العرب والمسلمين قابل لأن يتكرر بحيث نطالب بإجراء جراحات غليظة لنصوصنا وقصائدنا وكل ما رضعناه من أدبيات إنسانية ووطنية قبل عقود قليلة كان القليل من الحزن يشعل غابات من الغضب، فما الذي جرى لهذا الكائن الذي أقام في “الكمد”؟ ولم يعد قادرا على تحويل الحزن الى غضب؟

هل كان كل ذلك المطر في غربال؟

منقول:cool:

أبوإسماعيل
03 -08- 2003, 02:11 AM
مقالة رائعة
وتعبير محزن عن زمن
انقضى كانت فيه الكلمات والقصائد والخطب والأناشيد
كلها تلهب الحماس

ولكن هناك سؤال يطرح نفسه ماذا استفاد العرب من كل ذلك








لاشيء للأسف

ونسأل مرة أخرى
هل إذا عادت تلك الحماسات سيسلم أصحابها أو قائلوها
فاليوم مع الأسف نحن محاصرون ومراقبون حتى فيما نقول

نسأل الله عز وجل أن يجعل لنا مخرجا قريبا

شكرا لك أحي العزيز
التاريخ

التاريــــــــخ
05 -08- 2003, 06:11 PM
أخي أبو إسماعيل

هذا هو الحال والواقع المرير ........... وستنفرج


تحايا عاطره

بت بوها
08 -08- 2003, 10:21 AM
يا قلب لا تحزن

التاريــــــــخ
09 -08- 2003, 01:12 AM
[SIZE=3]

مشكور لمرورك يابت بوها وسلامة قلبك من الحزن

دام تواصلك

[/SIZE