المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتطفات من كتاب كليلة ودمنة



همس الروح
30 -07- 2008, 02:04 AM
تعتبر مجموعة قصص كليلة ودمنة من أهم وأشهر كتب ابن المقفع على الإطلاق
وهو مجموعة من الحكايات تدور على ألسنة الحيوانات يحكيها الفيلسوف بيدبا للملك دبشليم،
ويبث من خلالها ابن المقفع آراءه السياسية في المنهج القويم للحُكْم،
وهذه أحد القصص اخترتها لكم من الكتاب التي مغزاها

" لا تنصح الناس وتنس نفسك "

قال الفيلسوف:

زعموا أن حمامة كانت تفرخ في رأس نخلة طويلة ذاهبة في السماء، فكانت الحمامة تشرع في
نقل العش إلى رأس تلك النخلة، فلا يمكن أن تنقل ما تنقل من العش وتجعله تحت البيض إلا بعد
شدة وتعب ومشقة: لطول النخلة وسحقها، فإذا فرغت من النقل باضت ثم حضنت بيضها، فإذا
فقست وأدرك فراخها جاءها ثعلب قد تعاهد ذلك منها لوقت قد علمه بقدر ما ينهض فراخها،
فيقف بأصل النخلة فيصيح بها ويتوعدها أن يرقي إليها فتلقي إليه فراخها.

فبينما هي ذات يوم قد أدرك لها فرخان إذ أقبل مالك الحزين فوقع على النخلة. فلما رأى الحمامة
كئيبة حزينة شديدة الهم قال لها مالك الحزين: يا حمامة، ما لي أراكي كاسفة اللون سيئة الحال?

فقالت له:

يا مالك الحزين، إن ثعلباً دهيت به كلما كان لي فرخان جاء يهددني ويصيح في أصل النخلة،
فأفرق منه فأطرح إليه فرخي. قال لها مالك الحزين: إذا أتاكِ ليفعل ما تقولين فقولي له:

لا ألقي إليك فرخي، فارقَ إلي وغرر بنفسك. فإذا فعلت ذلك وأكلت فرخي، طرت عنك
ونجوت بنفسي.

فلما علمها مالك الحزين هذه الحيلة طار فوقع على شاطئ نهر.

فأقبل الثعلب في الوقت الذي عرف، فوقف تحتها، ثم صاح كما كان يفعل. فأجابته الحمامة
بما علمها مالك الحزين.

قال لها الثعلب: أخبريني من علمك هذا?

قالت: علمني مالك الحزين.

فتوجّه الثعلب إلى مالكاً الحزين على شاطئ النهر، فوجده واقفاً. فقال له الثعلب:

يا مالك الحزين: إذا أتتك الريح عن يمينك فأين تجعل رأسك?

قال: عن شمالي.

قال: فإذا أتتك عن شمالك فأين تجعل رأسك.

قال: أجعله عن يميني أو خلفي.

قال: فإذا أتتك الريح من كل مكان وكل ناحية فأين تجعله?

قال: أجعله تحت جناحي.

قال: وكيف تستطيع أن تجعله تحت جناحك? ما أراه يتهيأ لك.

قال: بلى:

قال: فأرني كيف تصنع? فلعمري يا معشر الطير لقد فضلكم الله علينا. إنكن تدرين في ساعة
واحدة مثلما ندري في سنة، وتبلغن ما لا نبلغ، وتدخلن رؤسكن تحت اجنحتكن من البرد
والريح.فهنيئاً لكن فأرني كيف تصنع.

فأدخل الطائر رأسه تحت جناحه فوثب عليه الثعلب مكانه فأخذه فهمزه همزة دقت عنقه.

ثم قال:
يا عدوي نفسه، ترى الرأي للحمامة، وتعلمها الحيلة لنفسها، وتعجز عن ذلك لنفسك،
حتى يستمكن منك عدوك، ثم أجهز عليه وأكله ..


-يتبع -

همس الروح
30 -07- 2008, 02:06 AM
مثل طالبِ العلمِ والصَحيفةِ الصفراء



وكذلك مَن قَرَأَ هذا الكتابَ ولم يَفهَمْ ما فيه ولم يَعلَمْ غَرَضَهُ ظاهِرًا وباطِنًا لم يَنْتَفِعْ بما يَبدو له
من خَطِّهِ ونَقشِهِ.

كما لو أنَّ رجلاً قُدِّمَ له جَوزٌ صحيحٌ لم يَنتَفِعْ به إلاَّ أن يَكسِرَهُ ويَستَخرِجَ ما فيه. وكانَ أيضًا كالرجلِ
الذي طَلَبَ عِلمَ الفَصيحِ من كلامِ الناسِ. فأتي صديقًا له مِنَ العلماءِ لَه عِلمٌ بالفَصاحَةِ فأعلَمَهُ
حاجَتَهُ إلي عِلمِ الفَصيحِ.

فَرَسَمَ له صديقُهُ في صحيفَةٍ صَفراءَ فَصيحَ الكلامِ وتَصاريفَهُ ووُجوهَهُ. فانصَرَفَ بها إلي منزلِهِ
فَجَعَلَ يُكثِرُ قِراءَتَها ولا يقِفُ علي مَعانيها ولا يَعلَمُ تأويلَ ما فيها حتي استَظهَرَهَا كلَّها،
فاعتَقَدَ أنَّه قد أحاطَ بعِلمِ ما فيها.

ثم إنَّه جَلَسَ ذاتَ يومٍ في مَحفِلٍ من أهلِ العِلمِ والأدَبِ فأخَذَ في مُحاوَرَتِهِمْ فَجَرَتْ له
كلمَةٌ أخطأَ فيها. فقالَ له بعضُ الجماعَةِ: إنَّك قد أخطأتَ والوَجهُ غيرُ ما تَكَلَّمتَ به.

فقالَ:

كيفَ أُخطِئُ وقد قَرَأتُ الصَّحيفَةَ الصَّفراءَ وهي في منزلي?

فكانت مقالَتُهُ هذه أوجَبَ للحُجَّةِ عليه وزادَهُ ذلك قُربًا مِنَ الجَهلِ وبُعدًا مِنَ الأدَبِ


- لي عودة اخري -

مون لايت

جارهـ القمر
31 -07- 2008, 09:36 AM
يعطيكـ العافيهـ

مقتطفاتـ رائعهـ لاتحرمينا منها

انتظر اضافتكـ بكل شوق

دمتـ بود وسلامـ::sa06::

همس الروح
31 -07- 2008, 01:49 PM
الرقيقة جارة القمر

اشكرك للمرور الرقيق

اسعدني انه نال من ذائقتك

ودي وتقديري


مون لايت

صفحة رقم 6
02 -08- 2008, 04:16 AM
قصص جميلة وممتعة
وفيها من العبر الكثير والكثير


سلمت مون

همس الروح
03 -08- 2008, 04:32 AM
صفحة رقم 6


اشكرك للمرور الرقيق

اسعدني انه نال من ذائقتك

ودي وتقديري


مون لايت

همس الروح
03 -08- 2008, 04:35 AM
مثل الشيخِ وبنيه الثلاثة



قالَ دَبشَليمُ الملِكُ لِبَيْدَبا الفَيلَسوفِ وهو رأسُ البَراهِمَةِ:

اضرِبْ لي مَثَلاً لِمُتَحابَّينِ يَقطَعُ بينهما الكَذوبُ المُحتالُ حتي يَحمِلَهُما علي العَداوَةِ والبَغضاءِ.

قالَ بَيدَبا: إذا ابتُلِيَ المُتَحابَّانِ بأن يَدخُلَ بينهما الكَذوبُ المُحتالُ لم يَلبَثا أن يَتَقاطَعا ويَتَدابَرا
وآفَةُ المَوَدَّةِ النَّميمَةُ.

ومن أمثالِ ذلك أنَّه كانَ بأرضِ دَسْتاوَنْدَ رجلٌ شيخٌ له ثلاثَةُ بَنينَ. فلمَّا بَلَغوا أشُدَّهُمْ أسرَفوا في
مالِ أبيهِمْ ولم يكونوا احتَرَفوا حِرفَةً يَكسِبونَ بها لأنفُسِهِمْ خيرًا. فلامَهُمْ أبوهُمْ ووَعَظَهُمْ علي
سوءِ فِعلِهِمْ. وكانَ من قَولِهِ لهم:

يا بَنيَّ إنَّ صاحِبَ الدُّنيا يَطلُبُ ثلاثَةَ أمورٍ لن يُدرِكَها إلاَّ بأربَعَةِ أشياءَ. أمَّا الثَّلاثَةُ التي يَطلُبُ
فالسَّعَةُ في الرِّزقِ، والمَنزلَةُ في الناسِ، والزَّادُ للآخرَةِ. وأما الأربَعَةُ التي يَحتاجُ إليها في دَرَكِ
هذه الثَّلاثَةِ فاكتِسابُ المالِ من أحسَنِ وجهٍ يَكونُ، ثم حُسنُ القِيامِ علي ما اكتَسَبَ منه، ثم استِثمارُهُ،
ثم إنفاقُهُ فيما يُصلِحُ المعيشَةَ ويُرضي الأهلَ والإخوانَ فَيَعودُ عليه نَفعُهُ في الآخرَةِ.

فمَنْ ضَيَّعَ شيئًا من هذه الأحوالِ لم يُدرِكْ ما أرادَ من حاجتِهِ. لأنَّه إن لم يَكتَسِبْ لم يكنْ له مالٌ يَعيشُ به.
وإن هو كان ذا مالٍ واكتِسابٍ ثم لم يُحسِنِ القِيامَ عليه أوشَكَ المالُ أن يَفني ويَبقي مُعدِمًا. وإن هو
وَضَعَهُ ولم يَستَثمِرْهُ لم تَمنَعْهُ قِلَّةُ الإنفاقِ من سُرعَةِ الذَّهابِ. كالكُحلِ الذي لا يُؤْخَذُ منه إلاَّ غُبارُ الميْلِ
ثم هو معَ ذلك سَريعٌ فَناؤُهُ. وإن هو أنفَقَهُ في غيرِ وَجهِهِ ووَضَعَهُ في غيرِ مَوضِعِهِ وأخطَأَ به مَواضِعَ
استِحقاقِهِ صارَ بمنزلَةِ الفَقيرِ الذي لا مالَ له. ثم لم يَمنَعْ ذلك أيضًا مالَهُ مِنَ التَّلَفِ بالحوادِثِ والعِلَلِ
التي تَجري عليه كَمَحبِسِ الماءِ الذي لا تَزالُ المياهُ تَنصَبُّ فيه، فإن لم يكن له مُخَرجٌ ومَفاضٌ ومُتَنَفَّسٌ
يَخرُجُ منه الماءُ بقَدَرِ ما يَنبَغي خَرِبَ وسالَ ونَزَّ من نَواحٍ كثيرَةٍ وربَّمَا انبَثَقَ البَثقَ العَظيمَ فَذَهَبَ الماءُ ضَياعًا.

وإنَّ بَني الشَّيخِ اتَّعَظوا بقَولِ أبيهِمْ وأخَذوا به وعَلِموا أن فيه الخيرَ وعَوَّلوا عليه، فانطَلَقَ أكبَرُهُمْ
نحو أرضٍ يُقالُ لها مَيُّونُ. فأتي في طَريقِهِ علي مكانٍ فيه وَحلٌ كثيرٌ. وكان معه عَجَلَةٌ يَجُرُّها ثَورانِ
يُقالُ لأحدِهِما شَتْرَبَةُ وللآخَرِ بَنْدَبَةُ.

فَوَحِلَ شَتْربَةُ في ذلك المكانِ، فعالَجَهُ الرجلُ وأصحابُهُ حتي بَلَغَ منهُمُ الجَهدُ فلم يَقدِروا علي إخراجِهِ.
فَذَهَبَ الرجلُ وخَلَّفَ عندَهُ رجلاً يُشارِفُهُ لعلَّ الوَحلَ يَنشَفُ فَيَتْبَعَهُ به. فلمَّا باتَ الرجلُ بذلك المكانِ
تَبَرَّمَ به واستَوحَشَ.

فتَرَكَ الثَّورَ والتَحَقَ بصاحبِهِ فأخبَرَهُ بأنَّ الثَّورَ قد ماتَ. وقالَ له إنَّ الإنسانَ إذا انقَضَتْ مُدَّتُهُ وحانَتْ
مَنِيَّتُهُ فهو وإن اجتَهَدَ في التَّوَقّي مِنَ الأمورِ التي يَخافُ فيها علي نفسِهِ الهَلاكَ لم يُغنِ ذلك عنه شيئًا.
وربما عادَ اجتِهادُهُ في تَوَقِّيهِ وحَذَرِهِ وَبالاً عليه

- يتبع -

همس الروح
03 -08- 2008, 04:37 AM
مثل الحمَّالين والرجلِ الذي أصابَ كنزًا



ومَنِ استَكثَرَ من جَمعِ الكُتُبِ وقِراءَةِ العلومِ من غيرِ إعمالِ الرَّويَّةِ فيما يَقرَأُهُ كانَ خَليقًا أن لا يُصيبَهُ
إلاَّ ما أصابَ الرجلَ الذي زَعَمَتِ العلماءُ أنَّه اجتازَ ببعضِ المَفاوِزِ فَظَهَرَ له مَوضِعُ آثارِ كَنزٍ. فَجَعَلَ
يَحفِرُ ويَطلُبُ فَوَقَعَ علي شيءٍ من عَينٍ ووِرْقٍ فقالَ في نفسِهِ: إن أنا أخَذتُ في نَقلٍ هذا المالِ قليلاً
قليلاً طالَ عَلَيَّ وقَطَعَني الاشتِغالُ بنقلِهِ وإحرازِهِ عنِ اللَّذَّةِ بما أصَبتُ منه.

ولكن سأستأجِرُ أقوامًا يَحمِلونَهُ إلي منزلي وأكونُ أنا آخِرَهُمْ. ولا يكونُ بَقِيَ ورائي شيءٌ يُشغَلُ
فِكري بنقلِهِ. وأكونُ قد استَظهَرْتُ لنفسي في إراحَةِ بَدَني عنِ الكَدِّ بيَسيرِ أُجرَةٍ أُعطيها لهم.



ثم جاء بالحمَّالينَ فجَعَلَ يُحَمِّلُ كلَّ واحدٍ منهم ما يُطيقُ فينطلِقُ به إلي منزلِهِ هو فيفوزُ به، حتي
إذا لم يبقَ مِنَ الكَنزِ شيءٌ انطلَقَ خَلفَهُمْ إلي منزلِهِ فلم يَجِدْ فيه مِنَ المالِ شيئًا لا كثيرًا ولا قليلاً.

وإذا كلُّ واحدٍ مِنَ الحمَّالينَ قد فازَ بما حَمَلَهُ لنفسِهِ. ولم يكنْ للرجلِ من ذلك إلاَّ العَناءُ والتَّعَبُ
لأنَّه لم يُفَكِّرْ في آخِرِ أمرِهِ

- لي عودة اخري -

همس الروح
06 -09- 2008, 04:51 PM
مثل الغراب والأسود



قالَ دِمنَةُ: زَعَموا أنَّ غُرابًا كانَ له وَكرٌ في شَجَرَةٍ علي جَبَلٍ، وكانَ قريبًا منه جُحرُ ثُعبانٍ أسوَدَ.
فكانَ الغُرابُ إذا أفرَخَ عَمَدَ الأسوَدُ إلي فِراخِهِ فأكَلَها فَبَلَغَ ذلك مِنَ الغرابِ فأحزَنَهُ.

فشَكا ذلك إلي صَديقٍ لهُ من بَناتِ آوي وقالَ له: أُريدُ مُشاوَرَتَكَ في أمرٍ قد عَزَمتُ عليه.
قالَ: وما هو? قَالَ الغُرابُ: قد عَزَمتُ أن أذهَبَ إلي الأسوَدِ إذا نامَ فأنقُرَ عَينَيهِ
فأفقَأَهُما لعلِّي أستَريحُ منه. قالَ ابنُ آوي: بِئسَ الحِيلَةُ التي احتَلتَ!

فالتَمِسْ أمرًا تُصيبُ فيه بُغيَتَكَ مِنَ الأسَودِ من غيرِ أن تُغَرِّرَ بنفسِكَ وتُخاطِرَ بها.
وإيَّاكَ أن يكونَ مَثَلُكَ مَثَلَ العُلجُومِ الذي أرادَ قَتلَ السَّرَطانِ فَقَتَلَ نفسَهُ.
قالَ الغُرابُ:
وكيفَ كانَ ذلكَ؟

همس الروح
06 -09- 2008, 04:53 PM
مثل الرجل الهارب من الذئب واللصوص



كالذي قيلَ إنَّ رجلاً سَلَكَ مَفازَةً فيها خَوفٌ مِنَ السِّباعِ وكانَ الرجلُ خَبيرًا بوَعَثِ تلك الأرضِ وخَوفِها.
فلمَّا سارَ غيرَ بعيدٍ اعتَرَضَ له ذِئبٌ من أحَدِّ الذِّئابِ وأضراها. فلمَّا رأي الرجلُ أنَّ الذِّئبَ قاصِدٌ نحوه
خافَ منه ونَظَرَ يَمينًا وشِمالاً ليَجِدَ مَوضِعًا يَتَحَرَّزُ فيه مِنَ الذِّئبِ، فلم يَرَ إلا قَريَةً خَلفَ وادٍ فَذَهَبَ مُسرِعًا
نحو القَريَةِ. فلمَّا أتي الوادي لم يَرَ عليه قَنطَرَةً ورأي الذِّئبَ قد أدرَكَهُ فألقي نفسَهُ في الماءِ وهو لا يُحسِنُ
السِّباحَةَ وكاد يَغرَقُ لولا أن بَصُرَ به قَومٌ من أهلِ القريَةِ فَتَواقَعوا لإخراجِهِ، فأخرَجوهُ وقد أشرَفَ علي الهَلاكِ.

فلمَّا حَصَلَ الرجلُ عندَهُمْ وأمِنَ علي نفسِهِ من غائِلَةِ الذِّئبِ رأي علي عُدْوَةِ الوادي بيتًا مُفَردًا فقالَ:
أدخُلُ هذا البيتَ فأستَريحُ فيه. فلمَّا دَخَلَهُ وَجَدَ جماعَةً مِنَ اللُّصوصِ قد قَطَعوا الطَّريقَ علي رجلٍ مِنَ التُّجَّارِ
وهم يَقتَسِمونَ مالَهُ ويُريدونَ قَتْلَهُ. فلمَّا رأي الرجلُ ذلك خافَ علي نفسِهِ ومَضي نحو القريَةِ فأسنَدَ ظَهرَهُ إلي
حائِطٍ من حيطانِها ليَستَريحَ ممَّا حَلَّ به مِنَ الهَولِ والإعياءِ إذ سَقَطَ عليه الحائِطُ فماتَ

قالَ الرجلُ: صَدَقتَ قد بَلَغَني هذا الحَديثُ. وأمَّا الثَّورُ فإنَّه خَلَصَ من مكانِهِ وانبَعَثَ فلم يَزَلْ في مَرجٍ
مُخصِبٍ كثيرِ الماءِ والكَلأِ، فلمَّا سَمِنَ وأمِنَ جَعَلَ يَخورُ ويَرفَعُ صَوتَهُ بالخُوارِ. وكانَ قريبًا منه أجَمَةٌ
فيها أسَدٌ عَظيمٌ وهو ملِكُ تلك النَّاحِيَةِ ومعه سِباعٌ كثيرَةٌ وذئابٌ وبناتُ آوي وثعالِبُ وفُهودٌ ونُمورٌ.

وكانَ هذا الأسَدُ مُنفَرِدًا برأيِهِ دونَ أخذٍ برأيِ أحدٍ من أصحابِهِ. فلمَّا سَمِعَ خُوارَ الثَّورِ ولم يكن رأي ثَورًا
قَطُّ ولا سَمِعَ خُوارَهُ خامَرَهُ منه هَيبَةٌ وخَشيَةٌ وكَرِهَ أن يَشعُرَ بذلك جُندُهُ. فكانَ مُقيمًا مكانَهُ لا يَبرَحُ ولا يَنشَطُ
بل يُؤْتي بِرزقِهِ كلَّ يومٍ علي يَدِ جُندِهِ. وكانَ فيمَن معه مِنَ السِّباعِ ابنا آوي يُقالُ لأحدِهِما كَليلَةُ وللآخَرِ دِمنَةُ،
وكانا ذَوَيْ دَهاءٍ وعِلمٍ وأدَبٍ

فقالَ دِمْنَةُ يومًا لأخيهِ كَليلَةَ: يا أخي ما شأنُ الأسَدِ مُقيمًا مكانَهُ لا يَبرَحُ ولا يَنشَطُ خِلافًا لعادَتِهِ?
فقالَ له كَليلَةُ: ما شأنُكَ أنتَ والمسألَةَ عن هذا? نحن علي بابِ ملكِنا آخِذَينِ بما أحَبَّ وتارِكَينِ ما يَكرَهُ
ولسنا من أهلِ المرتَبَةِ التي يَتَناوَلُ أهلُها كلامَ الملوكِ والنَّظَرَ في أمورِهِمْ. فأمسِكْ عن هذا واعلَمْ أنَّه
مَن تَكَلَّفَ مِنَ القَولِ والفِعلِ ما ليسَ من شكلِهِ أصابَهُ ما أصابَ القِردَ مِنَ النَّجَّارِ.
قالَ دِمْنَةُ: وكيفَ كانَ ذلك؟