المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اتفاقية منع التمييز ضد المرأة·· دعم "للإباحية



عبدربه
09 -08- 2008, 05:08 PM
أكَّد فضيلة الشيخ خالد الشايع على الأهمية البالغة للدور الذي تؤديه المرأة المسلمة كمربية للأجيال الصالحة التي تراعي حق الله وحق العباد وتعمل على تنمية وتطوير مجتمعاتها· وشدد على أن الدعوات التي تنادي إلى تحرير المرأة سواء من الغرب أو ممن سار على نهجهم ممن ينتسبون إلى الإسلام ما هي إلا محاولات لإفساد المجتمع المسلم ونشر الرذيلة بين أفراده حتى تبقى الأمة الإسلامية في مؤخرة الركب·
كما ركَّز في محاضرة عن مسؤولية المرأة على أنه إذا عرفت المرأة المسلمة دورها الحقيقي والتزمت به، فإن الأمة الإسلامية ستستعيد أمجادها· وأشار إلى تكامل الحياة بين الرجل والمرأة مؤكِّداً أن لكل من المرأة والرجل مسؤولية محددة يجب ألا يحاول أي منهما تجاوزها حتى لا تختلط الأمور وتحدث الفوضى·



مسؤولية المرأة
الحديث عن مسؤولية المرأة حديث ذو شجون ويكتسب أهمية بالغة بالنظر إلى الدور العظيم الذي تتحمله المرأة في كل زمان ومكان، ولا ريب أن مثل هذا الموضوع وإن كان موجهاً بالأصالة إلى المرأة لكن الرجل له جانب كبير بالعناية بهذه المسألة، لأن المرأة كانت يوماً بنتاً تتربى تحت يد الرجل، وهي كذلك أخت مكرّمة، وهي من قبل هذه وتلك أم وكذلك زوجة·
قد وقع في حياة المسلمين أنواع من الاختلال الكبير جراء بعدهم عن كتاب ربهم - جلَّ وعلا - وسنَّة نبيه " وكان من جملة هذا الاختلال ما أريد بالمرأة أن تلحق بالمرأة الغربية في تعاطيها وأخذها حتى تكون على وفق ما سارت إليه، وحتى تبتعد عن المسؤولية الكبرى التي ينبغي أن تتصدى لها·
وقد كان من المفزع حقاً أنه وجد في خضم هذا التأثير عدد من أبناء المسلمين وبناتهم الذين يروّجون لهذا الفكر، والذين يريدون من ورائه نشر الثقافة الغربية والتحلل من كل أدب وخلق بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وكان لهم سبل في هذا مثل الحرص على تغريب المرأة وعلى نشر ثقافتهم وعلى أن يربوا من أجيال المسلمين سواء من عاشوا بين ظهرانيهم أو من خلال ما يروجوه في بلاد المسلمين حتى يحققوا مرادهم ذلك ولو على المدى البعيد من خلال تربية الشباب والفتيات على تلك المسائل·



استغلال المرأة
وأشار فضيلته إلى استغلال بعض ضعاف النفوس قضية المرأة قائلاً: وقد أوجد في خضم هذا ما أصطنع وتعورف عليه بأنه قضية المرأة، فصار هؤلاء كمن ينادي إلى إنصافها وإلى تحريرها وإلى غير ذلك مما يهتفون به، يصفونها بأنها لم تعامل على قدم المساواة مع الرجل ومرة يعلنون المطالبة بإشراكها في ميادين الحياة العامة المتنوعة، ويزينون دعواتهم هذه بأنه ينبغي أن يكون لها أثر في نهضة الأوطان وبناء المجتمعات، وكأن ذلك لا يحصل إلا بعد أن تضع النساء أقدامهن في المصانع والمعامل وغير ذلك مما لا يليق بهن ولا يناسبهن، صوروا للأسف الشديد عكوف المرأة في بيتها على رعاية النشء وتربية الأولاد وإدارة البيت بأنه بطالة المرأة، وأنه تعطيل لها وحرمان للمجتمع مما عندها من قدرات·· إلى غير ذلك من الدعوات التي هي على هذا المنوال· وقد لعب الإعلام لعبته وأثَّر في حياة المسلمين ومكر الماكرون وأتى الملبِّسون بشبهات تتهاوى، وللأسف الشديد انهار كثير من حصون العفة في ديار المسلمين ودُكت فاختلت المعايير وتبدلت الموازين ولم يسلم من ذلك إلا نزر يسير في بلاد المسلمين، حتى صارت أفعال الفحش للأسف الشديد ومنكرات الأفعال أنواعاً معترفاً بها مدعواً لها تحت مسميات الفن وتوظيف المرأة ومساواة المرأة بالرجل إلى آخر القائمة·
لقد بات معتاداً وللأسف الشديد في عدد من بلاد المسلمين أن تعمل المرأة في عدد من الوظائف التي لم تكن معهودة لدى الإسلام، بل كانت جرماً عظيماً، بل كان حتى غير المسلمين فيما مضى ينفرون منها، فهي نادلة في مطعم تهيىء الخدمات للطاعمين وتأتمر بأوامرهم أو خادمة على متن طائرة تفترسها العيون، وهي مندوبة للمبيعات لا تمتنع من استغلال أنوثتها في حمل الزبون على أن يشتري ما بيدها أو أن تكون وسيلة للدعاية والإعلان·· وهي سكرتيرة أيضاً تأتمر بأمر من تنظم أعماله ومواعيده، تختلي به إذا رغب وتختلط بمن معه من الرجال ولا تمتنع من أن يدعوها إلى أي مكان يريد، كل ذلك تحت مسمى هذه الوظيفة· هي أيضاً ممرضة للرجال، تخالط المرضى والعاملين من الأطباء والممرضين وتختلي بهم بالمناوبات وليس هذا استنكاراً في ذات العمل - التمريض - ولكن فيما حُقَّ به من كونه خدمة للرجال المرضى من غير ضرورة واختلاط بالرجال، أما أنها تخدم النساء، إنها تمرِّض النساء المريضات، فهذا مما ينبغي أن يهيأ لبنات المسلمين حتى يُهيأ العمل الكافي مما يُحتاج إليه في هذا البلد·
هي أيضاً من خلال هذه المسميات موظفة بين الرجال تزاحم العشرات تصبحهم وتمسيهم بعبارات الترحاب وكلمات الملاطفة التي تعود إلى الفتنة مخالفة بذلك لقول الله جلّ وعلا: { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } (32)الأحزاب] ·
كل هذه الأنواع من الشر المستطير أدى بالمرأة بأن تتخلى عن مسؤوليتها العظمى، الأم المربية يتخرج على يديها الرجال الأكفاء وتتربى على يديها النساء الفاضلات العفيفات، ما الذي ينتظر من أم ممثلة أو نادلة على الطائرة إلا بنات على مثل مسلكها يدرجن مدارج أمهن ويسلكن مسالكها ولا تسأل بعد ذلك عن الأضرار والأخطار التي تحل بمجتمعات المسلمين·
وقد كان هنالك بعض الرصد لهذه المسالك من خلال ما قام به بعض الباحثين والمؤلفين مما يبيِّن شدة المكر ودهاء الحيل التي أريدت بالمرأة المسلمة حتى تخرج عن عفتها وتتنازل عن مسؤوليتها·



دعوات تحرير المرأة
وانتقد فضيلته الدور الذي تقوم به المنظمات الدولية، مشيراً بذلك إلى "اتفاقية منع التمييز ضد المرأة وغيرها من الاتفاقيات والمحاولات التي تهدف إلى الإباحية·
من جملة ما جاء في هذا الباب ما رصده الباحث الشيخ الدكتور فؤاد بن عبدالكريم العبدالكريم في رسالة علمية موسعة وفي هذا يقول: "أصبحت المرأة والأسرة محورين أساسيين من محاور عمل التجمعات والفعاليات الاجتماعية في العالم ولدى كثير من المنظمات والجمعيات الحكومية وغير الحكومية التي ترفع لواء ورداء الحرية والمساواة وحقوق الإنسان·
كما أصبح الشغل الشاغل لتلك التجمعات والمنظمات، السعي لعولمة الحضارة الغربية ممثلة في الحياة الاجتماعية لتلك الدول وذلك من خلال تقنين الإباحية ومن خلال تعميم نماذج الشذوذ باسم حقوق الإنسان والحرية الشخصية وتقويض بناء الأسرة؛ لأنه في نظرهم أكبر عائق من عوائق التقدم والرفاهية، فهي أقدم مؤسسة اجتماعية يدَّعون أن الرجل يتلسط من خلالها على المرأة ويمارس عليها أشكال القهر إلى آخر ما ذكر في هذا السياق، ولقد توج إن صح التعبير هذا المسعى من خلال ما دعي إليه مؤخراً من الاتفاقية العالمية المسماة "باتفاقية منع التمييز ضد المرأة" وهذه الاتفاقية يراد من ورائها إلزام الدول بسن الإباحية وتيسير سبلها ومنع سياج العفة الذي لايزال موجوداً لدى كثير، بل لدى معظم أهل الإسلام ولله الحمد والمنّة·
وقد اعترض عدد من الدول الإسلامية ومنها المملكة على هذه الاتفاقية لما فيها من الدعوات إلى الفحش بكل صراحة، وفي هذا يقول الشيخ فؤاد العبدالكريم: إن هذا المسعى الذي يراد من ورائه إخراج المرأة عن مسؤوليتها نحو أمتها، ومجتمعها، نحو أولادها، نحو بيتها ونفسها، استغل في هذا السياق عدد من الأمور:
أولاً: وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها مقروءة ومسموعة ومرئية، وهذا الأمر معلوم ومشاهد للجميع، أيضاً مما استغل في هذا الباب، الاستعانة بمؤسسات الهيمنة الدولية وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغير ذلك من المؤسسات التابعة لهذه المنظمات حتى إنه قد تم إلزام الدول كما تقدم من خلال بعض الاتفاقيات بتقنين الرذيلة والسماح بها، ولا ريب أيها الإخوة الكرام أن هذا يبين ما ينبغي من الالتفات لهذه القضية والعناية بتربية المرأة منذ صغرها ومدافعة كل خطر يمكن أن يقودها إلى كل هذه الأضرار، ذلك أن الأطر العالمية التي يتعامل من خلالها مع المرأة إنما يراد من ورائها أن تكون المرأة جسداً للإمتاع الغريزي المحرَّم· وهذا بخلاف ما أريد لها في شريعة الإسلام من العناية الروحية التي يتعامل من خلالها مع المرأة باعتبارها امرأة كتب الله تكريمها في كتابه الكريم وبيّنه - جلَّ وعلا - وأوضحه النبي " في سنته وسيرته وهديه·



وظيفة المرأة
وفيما يتعلق بالوظيفة الحقيقية للمرأة قال: ولذلك فإن المرأة اليوم على مفترق طرق بين طريقين ووظيفتين وظيفة إن استجابت لها وأقحمت فيها فلا تسأل بعد ذلك عن أنواع الشرور والأضرار التي تتعرض لها هي ولمجتمعها؛ وهي وظيفة حادثة طارئة تخرج المرأة من عفتها ومن مملكتها بأن تكون في صف الرجل تنافسه وتكون نداً له، وربما تحاربه حتى يقع من خلال ذلك الاختلال للمجتمع في المسؤوليات والواجبات التي ينبغي أن يتكفل بها كل من الجنسين بحسب ما فطر عليه، أما الوظيفة الأخرى فهي التي لأجلها كلَّف الرجل بخدمتها والسعي لراحتها ولو قدر أنها فقدت من يكفيها مؤونة الكد والسعي المفضي لمخالطتها الرجال وتعاطي أعمالهم فإن الشرع القويم يفرض على المجتمع المسلم وولاته أن يرعوا شأنها·
أيها الإخوة الكرام، الوظيفة الأولى هي من خلال ما تتخلى عنه المرأة من مسؤوليتها العظيمة كما قلت بأنواعها، سواء كان ذلك نحو نفسها أو نحو غيرها· وأما المسلك الآخر والوظيفة التي تراد لها من خلال ما أشرت إليه من بعض المسالك فهو أن تستغل في الإمتاع الغريزي المحرم والتي تأباه كل فطرة سليمة، ولأجل هذا فقد نبَّه النبي " إلى ما للمرأة من الدور العظيم التي متى وعت من خلاله مسؤوليتها كان له الأثر العظيم على نفسها ومجتمعها·
يقول النبي " فيما روى البخاري ومسلم لما ذكر عليه الصلاة والسلام أن كل أحد لديه مسؤولية وله رعاية ينبغي أن يقوم بها حتى قال: "والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم"، وفي رواية قال عليه الصلاة والسلام: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" والراعي هو الحاكم المؤتمن الملتزم بصلاح ما قام عليه، فالمرأة كذلك فيما استرعيت عليه مسؤولة ومؤمنة لتدبير البيت والأولاد ورعاية شؤون الأسرة والنصيحة للزوج وغير ذلك·
كثير من الناس يظن أن مسؤولية المرأة حين تلزم البيت وتقر فيه إنما هو لأجل الخدمة البيتية من غسل وكنس وإعداد طعام وغير ذلك· والواقع أن هذه الأمور إنما تأتي في آخر القائمة التي يمكن أن تكون المرأة مسؤولة عنها، إذ إنها مسؤولية من أعظم ما حدث من قبل، كما وصف الله النساء المؤمنات، حيث قال سبحانه: { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ } (34)[النساء] · وعندما جاءت امرأة وقالت بين يدي النبي " معددة ما يتميز به الرجال من المسابقة في أنواع الخير، وأنهم يشاركون في الجهاد والجمع والجماعات ويحضرون مجالس النبي " ويترددون على حلق العلم بخلاف ما يكون للمرأة من مثل هذا الخير، روي أن النبي " أجابها بأن "حسن تبعُّل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله"، وهذه كلمة جامعة "حسن تبعُّلها لزوجها" من جهة قيامها بواجباتها نحو الزوج ونحو أولادها وما ينبغي رعايته وإدارته في البيت·
هذا يبين أيها الإخوة الكرام ما ينبغي أن تنوء به المرأة من المسؤولية نحو بيتها ومن ينتسب إليه من زوج وولد وغيرهم ممن يكونوا في هذا البيت· وبهذا يعلم كيف أن عدداً من النساء المسلمات عندما أقحمن أنفسهن فيما ليس من تخصصهن ولا ينبغي عليهن ولا يجب أن يعنين به، أنهن قد أعرضن عن وظيفتهن الكبرى ورضين بأن يتأثرن بالدعوات المضللة المنادية للمرأة بالخروج من وظيفتها الكبرى إلى أعمال لا تناسب جبلتها ولا تدعو الضرورة إلى أن تقوم بها، ولو نظر المرء بعين البصيرة إلى ما تنوء به المرأة من بيتها من المسؤوليات العظام والمهام الجسام لأدرك أن ساعات الإنتاج والبناء التي تقدمها المرأة لمجتمعها تفوق حتى ساعات العمل التي يقدمها الرجال في ميادين العمل المتنوعة· ولهذا فإن النساء الفاضلات اللاتي أدركن هذه المسؤولية لا يزال أثرهن باقياً في المجتمع إلى يومنا هذا، ولنا أن نرجع بالذاكرة إلى ما كان من عدد من النساء الفاضلات اللاتي أدركن هذه المسؤولية، وقد سجل القرآن الكريم عدداً من مواقفهن وحفظت في سنّة رسول الله " وسيرته شيء كثير من ذلك، يقول الحق تبارك وتعالى قاصاً علينا ما كان من امرأة عمران وما كانت عليه من الفضل العظيم والإيمان الكبير، قال الله جلَّ وعلا: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (35) [آل عمران] ·
هذا الدعاء يدل على ما وراءه مما قام به قلب هذه المرأة من الإيمان العظيم، هذا الدعاء يدل على ما كانت عليه من مسلك حميد حفظت معه أنوثتها وإيمانها وحياءها ولذلك أجاب الله جلَّ وعلا دعاءها فقال سبحانه {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } (36) [آل عمران] · هي أرادت أن يكون ما في بطنها ذكراً ليقوم برعاية بيت المقدس وأن يخدم فيه تقرباً إلى الله جلَّ وعلا، لكن كان ما لم يكن في الحسبان أن ما وضعته أنثى ولذلك قالت كما حكى سبحانه عنها في القرآن:{ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } [آل عمران: 36]، فالأنثى لها وظائفها ولها خصائصها التي لا يمكن أن يقوم بها الرجل، وكذلك للرجل من الخصائص والوظائف ما لا يمكن أن تقوم به المرأة، ومن جملة ذلك ما أدركته فيما نذرت به، ولذلك قالت: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } [آل عمران: 36]، فاستجاب الله دعاؤها فكانت مريم التي حينما فاجأها جبريل عليه السلام ليؤدي ما أمر به من ربه جلَّ وعلا {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} (18) [مريم] · فلما أخبرها بما كلف به وما أرسل قالت: {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} (20) [مريم] · تقولها بكل ثقة، تعلم حالها وصلتها بربها جلَّ وعلا، لم تتردد في تلك طرفة عين كأنها كانت قد أجيبت فيها الدعوة التي دعت بها أمها { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (36) [آل عمران]· فحفظها الله من نزغات الشيطان وحفظ ابنها عيسى عليه السلام، ولذلك يقول النبي " مخبراً عن هذه المنقبة العظيمة إنه ما من مولود يولد إلا جاء الشيطان ليطعن في خاصرته ولذلك يبكي إلا ما كان من مريم وابنها فإنه لم يستطع ذلك، وإنما كان هذا بما أجاب الله تعالى من دعاء امرأة عمران رضي الله عنها وأرضاها، والمقصود أيها الإخوة الكرام هذا النموذج الذي سُجل في القرآن الكريم، قرآن يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يبين كيف أن المرأة إذا أدركت مسؤوليتها بلغت هذه المنزلة العالية، ولهذا ضرب الله المثل بعدد من النساء في كتابه الكريم كما قال سبحانه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (11) [التحريم]· فانظر إلى إدراك هذه المرأة لمسؤوليتها مع أنها كانت في بيت رجل من أعتى خلق الله سبحانه وأشدهم كفراً، لكنها حفظت إيمانها وقامت بواجباتها وأدركت مسؤولياتها، وكذلك لما دعت كان دعاءً صادراً من قلب مؤمن وعن روح مطمئنة وعن عقل حصيف، ولهذا قالت {ّإِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ (11)} [التحريم] ·
قال أهل العلم سألت الجار قبل الدار، ثم انظر في دعائها حينما أرادت أن يكون لها النجاة دون أن يتعرض لما كان من زوجها من الظلم العظيم والضلال الكبير فإنها، قالت: {وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ(11) } [التحريم:] ولم يذكر في هذا المقام دعاء منها عليه لمقام الزوجية، ثم أعقب الله تعالى بذكر مريم رضي الله عنها، حيث قال سبحانه {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} (12) [التحريم] · فالمقصود أن هذه النماذج والتي استمر وجودها في الأمة إلى يومنا هذا ولله الحمد والمنَّة يبيّن كيف أن المرأة إذا أدركت مسؤوليتها بلغت منازل عالية لا تخطر على بال، هذه خديجة رضي الله عنها وأرضاها، هذا المجلس الذي نجلسه ونحتسب أجره عند الله يكتب في صحائف هذه المرأة، وما من عامل يعمل من الخير والهدى إلى يوم القيامة إلا ولخديجة مثله، فإنها أول من آمنت برسول الله " على وجه الإطلاق، بل إنها رضي الله عنها وأرضاها، قد كانت لها السابقة في تثبيت النبي " وإعانته على ما حُمِّل من البلاغ للأمة، فإن النبي " لما عظم عليه الأمر واشتد الخطب قال عليه الصلاة والسلام حاكياً لخديجة ما فجأه وأثر في نفسه ما بينه ربنا جلَّ وعلا في حال نبيه " أنه تدثر وتزمل وأراد أن يتغطى بعد أن فوجئ بالوحي وما عظم عليه من شأنه، قالت كما ثبت في الصحيحين "كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقرئ الضيف وتعين على نوائب الحق"، استدلت رضي الله عنها من خلال هذه الخصال التي كان عليها نبينا " أن الله - جلَّ وعلا - لا يمكن أن يسلط على نبيه "، الجن فينالوا منه، وإنما كان الأمر كما ثبت إلى نفسها بعد أن استشارت ابن عمها ورقة ابن نوفل أنه الناموس والوحي الذي أنزله الله تعالى على الأنبياء من قبل، فبقيت مع النبي " وزير صدق ومعيناً على كل حق وخير حتى قال أهل العلم إنه لم يحفظ عنها طيلة بقائها مع رسول الله " خمسة وعشرين عاماً· خمسة عشر عاماً قبل النبوة وعشراً في النبوة لم يحفظ عنها أنها كدرت خاطر الرسول " بكلمة قط، ولذلك كان الجزاء كما ثبت في البخاري أنها جاءت يوماً بطبق فيه طعام للنبي " فنزل جبريل بالوحي من رب العالمين يقول : "يا محمد هذه خديجة أتتك بطبق فيه طعام فبلغها السلام من ربها وبشرها ببيت في الجنة من قصب من لؤلؤ لا صخب فيه ولا نصب" قال أهل العلم مناسبة هذا الوصف لهذا البيت في الجنة "لا صخب فيه ولا نصب" ما كان من عظيم تعاملها مع الرسول " وعدم تكديرها لخاطره وعدم إشغالها له طيلة بقائها معه عليه الصلاة والسلام· ولم يعرف لأحد من البشر هذه الفضيلة وهو أن الله يرسل إليها السلام مع ملك من الملائكة إلا ما كان لخديجة رضي الله عنها وأرضاها، والشاهد في هذا المقام أن هذه المرأة أدركت مسؤوليتها وقامت بها حق القيام حتى كان لها هذا الأثر العظيم والثواب الجزيل من رب العالمين ولا يضيع الله عمل العاملين·



انتصار المرأة
إن المرأة أيها الإخوة الكرام حققت هذا النصر العظيم من قيامها بمسؤوليتها نحو ربها جلَّ وعلا فإنها تبلغ منازل عالية لا يدركها كثير من الرجال، ولهذا لما سلك هذا المسلك أولئك النساء الفضليات اللاتي ذكرن بعض النماذج منهن صارت لهن هذه المنزلة العالية· عائشة الصديقة رضي الله عنها لها أثر على الأمة حتى قيام الساعة، ولذلك قال النبي " وكمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا عائشة" وذلك لقيامها بواجبها نحو دينها وخاصة حفاظها على حيائها وعفتها وقيامها بواجب الدعوة إلى الله جلَّ وعلا نحو زوجها وبيتها ونحو النساء اللاتي تختلط بهن، لا شك أن الآثار في ذلك حميدة والعواقب كريمة، يقول النبي " مبيناً أهمية هذا التوجه وعظيم الثواب عليه كما ثبت في مسلم وصحيح، ابن حبان " إذا صلت المرأة خمسهاوصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت"
هذه الخصال الأربع، إذا صلت خمسها وصامت شهرها وحصَّنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت·
هذه الصفات إذا اجتمعت في المرأة كان لها هذا الأثر العظيم، ولنا أن نتوقف عند مثال من هؤلاء النساء اللاتي بأعمالهن وحصافة فكرهن يبلغن بالأمة منازل لا تخطر على البال· فنأخذ مثالاً على ذلك من هذا العصر الحديث ما كان من امرأة جليلة وهي موضي بنت ابن وطيان - رحمها الله تعالى وأسكنها الجنة - هذه المرأة كان لها الأثر الحميد حينما هاجر الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله من عند عثمان بن معمر رحمه الله، إلى الدرعية، وكان ذلك بترتيب من بعض من كان حول الإمام محمد بن سعود رحمه الله، فقالت هذه المرأة زوجة الإمام محمد بن سعود قالت: إن توجهك أنت للشيخ محمد بن عبدالوهاب أبلغ بأن يعلم الناس مكانته وينزلوه منزله لا أن يأتي إليك فأخذ الإمام محمد بن سعود بهذه المشورة، ثم كان هذا اللقاء بين الإمامين والذي كان ما بينهما بعد ذلك ما اصطلح على تسميته باتفاق الدرعية، والذي تعاهدا فيه على نصرة دين الإسلام والجهاد في سبيل الله، فالشاهد هنا أن هذه المرأة لا ريب أن لها أثراً عظيماً فيما حصل بعد ذلك، من نشر التوحيد في أرجاء هذه الجزيرة واستقرار أحوالها والخير الذي ما زلنا ننعم به إلى يومنا هذا·
ومما دلت عليه السنّة أن من كان سبباً في الهدى والخير كتب الله له من الهدي والأجر مثل أجور من تبعهم إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً·
فالشاهد في هذا المقام أن المرأة التي أدركت مسؤوليتها كان لها الأثر العظيم في حياة الأمة حتى في مثل هذه الأحوال التي تعتبر سبقاً تاريخياً سجلت هذه المرأة هذا الموقف العظيم موضي بنت ابن وطيان - رحمهما الله تعالى وأسكنها الجنة - وما زلنا إلى يومنا هذا يحفظ المجتمع للنساء في المآثر الحميدة والخلال الكريمة الشيء الكثير ولا ريب أيضاً أن أقول في هذا الموضع إن هنالك تقصيراً كبيراً من قبل وسائل الإعلام، ومن قبل المؤرخين نحو هؤلاء النساء، يجب أن يكون حفظ مآثر هؤلاء النساء باقياً ومسجلاً وحاضراً بين عموم الناس حتى يعرف لهؤلاء النساء قدرهن ويعرف لهن مآثرهن كما صنع المتقدمون من قبلهم، فنجد أن مما حفظ المؤرخون ما كان من والدة الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - هذا الإمام في صغره وقد عاش يتيماً كان من ورائه أم، وإن لم يكن لها الصيت والحضور كما كان لابنها، لكن قد كان لها أثرٌ عظيم في تربيته وتوجيهه، كانت تأخذ بيده إلى المسجد في صغره لصلاة الفجر وتدخله المسجد وتبقى واقفة تنتظره، فإذا قضيت الصلاة أخذت بيده وأرجعته إلى البيت، وإذا بدأ الناس في الخروج لمعايشهم واطمأنت إلى أنه لا ضير عليه وجهته لحضور مجالس أهل العلم حتى بلغ الإمام أحمد هذا المبلغ العظيم في الأمة، وإنما كان كذلك بعد توفيق الله بالنظر إلى أم من ورائه ترعاه وتوجهه وتؤثر في مسلكه، هكذا أيضاً ما حفظ مما كان من والدة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - فإن الشيخ يذكرها بالفضل ويثني عليها ما كان من توجيهها ودعائها لابنها، وما كان يخطر ببالها أن يبلغ هذا الابن هذا المبلغ العظيم في تأثيره على الأمة بمعنى يقتدى به ويؤثر في حياة المسلمين·
ودعا فضيلته المرأة إلى أن تعي تماماً واجباتها ومسئولياتها قائلاً: إن إدراك المرأة لهذه المسؤولية مما يعين على إعادة مجد الأمة، على ترسيخ الأخلاق الفاضلة وإبعاد المسالك المضلة ولم يحدث بين أهل الإسلام من أنواع الضرر والاختلال مما يحدث اليوم، إلا في ظل أنواع من التقصير سواء تقصير في التربية البيئية أو ما يحيط ذلك بوسائل الإعلام وغير ذلك من المؤثرات المتنوعة، لكن لا ريب أن وجود الأم الواعية، الأم التي تدرك ما ينبغي لقيامها بمسؤولياتها مما يعني إلى حد كبير الحفاظ على أجيال المسلمين حتى يكونوا أهلاً للقيام بواجبهم·
مما يؤسف له اليوم وهذا يدركه من كان له صلة بمجالات التربية والتعليم أن الأمهات قد قصَّرن إلى حد كبير من مسؤولياتهن نحو أبنائهن وبناتهن، مما انعكس على فهم كثير من النساء، بل حتى الآباء بأن واجبهم نحو النشء نحو أبنائهم وبناتهم إنما في توفير الطعام والكساء ونحو ذلك، مع أن توفير ما هو أهم من هذا وهو الأخلاق هو النظرة الصحيحة للحياة، هذا يقوله كثير من الناس، ولذلك كان بعض السلف يقول لابنه وهو يحرص أن يرسخ في نفسه تعظيم الرب - جلَّ وعلا - والعمل على طاعته، يقول "والله إني لأطيل في صلاتي رجاء أن يحفظ فيه ويستدل في هذا بما أخبر به المولى عزَّ وجلَّ في سورة الكهف في قوله سبحانه {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } (82) [الكهف] قال أهل العلم يدل هذا على أن صلاح الأب يدرك الأولاد البنين والبنات، وهذا ما يدل عليه قول الله تعالى في سورة الطور {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (21) [الطور] ·
فهذا خير من الله تعالى عن عظيم فضله وإحسانه أن يجمع هذه الذرية الآباء والأمهات في جنات النعيم، وإن اختلف عمل العامل وإن تفاوت عمل العاملين، لكن ما داموا على الأصل وهو توحيد الله تعالى آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان، قال ألحقنا بهم ذريتهم بمعنى أن يرفع صاحب العمل الأقل إلى صاحب العمل الأكثر دون أن يكون هناك، كما قال تعالى {وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ (12)} [الطور] دون أن يكون هناك تضييع لعمل أحد من العاملين·
وفي ختام محاضرته بيَّن فضيلة الشيخ أن محاولة إبعاد المرأة عن المسؤولية التي أنيطت بها إنما هو مسلك ينميه اليهود في أقطار الدنيا؛ لجعل المرأة جسداً يحقق المآرب الغريزية المحرمة، إلا أنه أشار إلى أن هذا المسلك لم يؤثر على جميع النساء المسلمات في البلاد الإسلامية خاصة في المملكة، حيث يوجد نساء فاضلات قائمات بما أوجب الله تعالى·
وأنحى فضيلته باللائمة على القوانين الوضعية في كثير من الدول الإسلامية مبيناً أنه لا يكاد يخلو بلد إسلامي من مظاهر الفحش الذي لا يمكن أن ينكره الناس بتعودهم عليه، أو لأن القوانين الوضعية تجيزه وتبيحه بخلاف ما عليه مجتمعنا في الجملة ولله الحمد والمنّة، فإنه مجتمع محافظ ومن جملة المحافظة ما نشاهده في مظاهر حياتنا العامة فلا يوجد ذلك الفحش الذي يستغلن به فيظهر للعيان، بل إن من أراد سوءاً أو فحشاً يبالغ في استخفائه وبعده عن الأعين، لكن لا يزال عدد من المنافقين وأصحاب الضلال ومن في قلوبهم مرض يسعون إلى تمرير ذلك النموذج الذي يوجد في عدد من بلاد المسلمين تحت دعاوى عديدة من مثل الحرية وإشراك المرأة في إدارة عجلة الحياة·
وذكر فضيلته أن الدعوات إلى تحرير المرأة وإبعادها عن دورها ينتشر في مجتمعنا العربي، حيث أورد نموذجاً قائلاً: هذه ورقة من أوراق العمل التي طرحت في أحد المؤتمرات العربية ينعى صاحبها على النساء في بلادنا ما هن عليه من المحافظة·
يقول صاحب الورقة دون ذكر اسمه وهو بين يديه إنه حلل جريدتين تصدران في المملكة العربية السعودية ووجد أن قاسماً مشتركاً بين جميع الصحف السعودية تجاه المرأة، يتحدث في أن العمل مفهومه العام هو عمل المرأة في البيت والتأكيد على ضرورة الفصل الجنسي في الوظيفة والعمل، وأن تألق المرأة مرهون بتألق زوجها، هكذا يدعى ويزعم، أما دعوى أن المرأة تتألق وتألقها مرهون بتألق زوجها، فإن هذا مردود عليه وغير صحيح شرعاً ولا واقعاً، ونحن أدرى بواقع مجتمعنا، فكم من امرأة لها على زوجها وعلى أهل زوجها، بل على والديها من أسباب الخير الشيء الكثير ولو راجع كل منا في ذاكرته مثل هذه النماذج لوجد أنه يوجد في المجتمع من النساء من قام بأعمال أثرت في حياة أهلها برعايتهم وتوجيههم وتعليمهم·



الدين يدعو إلى فصل الجنسين
أما مسألة الفصل الجنسي فصل الرجال عن النساء فهذا لدين الله تعالى والسير عليه من بلادنا واقع شرعاً وهو الذي يجد الاهتمام والاحترام من قبل ولاة الأمر ومن خالف في هذا، قد نجد بعض المخالفات فهو خلاف الأصل وخلاف الواقع وهو الذي يجب أن ينكر ولا يسمح به، وهذا التصور الكسيح الذي يهذي به أمثال هذا ويطرح للأسف الشديد بين حين وآخر في صحفنا وبعض وسائل الإعلام الفضائية وغيرها هذا التصور أوجد ما يمكن أن تسميه المتلازمة النسوية بمعنى أنه صارت هناك دعوات محمومة بإشراك المرأة في كل أمر صغيراً كان أو كبيراً حتى ولو لم يكن مناسباً لطبيعتها وجبلتها، وصرنا نقرأ في الصحف عن الأوليات للنساء في مجتمعنا ولا شك أن هذا مما لايزال المجتمع يرفضه ليس انطلاقاً من عادات، بل انطلاقاً مما يدل عليه الشرع المطهر، فيستغرب حينما تأتي مثلاً بعض الصحف وتنشر أن فلانة أول طيارة سعودية أو أن فلانة أول ممثلة، أول مغنية، أول كذا من الأشياء التي تمنع بدلالة الشرع لما تتضمنه من الأمور المحرمة·
هذه المتلازمة النسوية صارت موجودة لدى عدد دمن الكتَّاب والكاتبات الذين يزعمون الثقافة، ولا ريب أن أمثال هؤلاء ممن يكتبون ويصرحون بمثل هذه الأمور إنما يأتون بما يخالف المجتمع ويخالف أنظمته المستقاة من شريعة الإسلام ولو أن هؤلاء نظروا لما باءت به الدول التي يريدوننا أن نقلدها أو نسعى مسعاها لوجدوا أن عدداً من الدول الغربية بما فيها البعض التي لا تضع أي قيد أو شرط على الإباحية والاختلاط بدأت تراجع نفسها في هذا المجال·
وأورد فضيلته أمثلة أن الغرب نفسه بدأ يرى في الدعوة إلى تحرر المرأة خطراً يهدد المجتمع·
هذه بعض الأمثلة على ذلك ما أعلن من وقت قريب أن الرئيس الأمريكي وعد بمنح تمويل في المدارس التي تود الفصل بين البنين والبنات بما يفوق المدارس التي تود الإبقاء على نظامها المختلط·
أين يقع هذا؟ في أمريكا!! التي هي رمز العالم المتحرر كما يقال، بل إن بعض الدول شرعت في سن القوانين المرغبة للمرأة في تحمل مسؤوليتها ووظيفتها الفطرية الكبرى بالتفرغ برعاية النشء وإدارة شؤون البيت· هذا العمل لا يمكن أن يقوم به سواها، بل وسنت هذه الدول نظماً تقضي بصرف مرتب للمرأة التي تتفرغ لبيتها لرعاية أطفالها· من الأمثلة أيضاً في هذا الصدد ما نشرته مجلة ألمانية متخصصة في شؤون المرأة أظهر أن 86% من النساء اللاتي تخلين عن مسؤوليتهن في البيت وخرجن إلى العمل بلا قيد ولا شرط وبلا ضوابط لأنوثتهن أنهن يتعرضن لأنواع الاعتداء صغر أو كبر أثناء عملهن أو أثناء ذهابهن وإيابهن إليه، ومن الأمثلة على ذلك أن كلية شهيرة في جامعة أكسفورد البريطانية أصرت على ما كانت عليه قبل أكثر من مائة سنة، وهو حظر قبول الطلاب والاقتصار على قبول الطالبات فقط، وهذا المسلك كما قلت لاتزال الكلية ملتزمة به منذ أكثر من قرن من الزمان، وبين يدي عدد من الأرقام التي تدل على هذا المعنى، وهو أنه ينبغي لهؤلاء الذين في قلوبهم مرض أن يراجعوا أنفسهم حتى لا يجروا المجتمع، مجتمع المسلمين إلى ما وقعت فيه المجتمعات الإسلامية الأخرى حينما رضيت بأنواع التبرج والاختلاط والتخلي عن المُثل الإسلامية، وأيضاً حينما شرعت في تخلي المرأة عن مسؤوليتها نحو نفسها ونحو مجتمعها وأولادها·