المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "كُـخّة يا بابا" لـ عبدالله المغلوث



سديم الإنتظار
21 -09- 2008, 09:02 PM
:

في سول يسألك الكوري عن عمرك قبل اسمك في لقائكما الأول؛ لكي يتحدث معك بلغة تليق بسنك.

وفي القاهرة يسألك المصري عن مهنتك حتى يناديك بـ(الباش مهندس) أو (البيه).


أما في الرياض فيسألك ابن جلدتك عن أصلك وفصلك



ليدعو القبيلة بأسرها لتجلس القرفصاء معكما.





في أحد المطارات الداخلية، سألني شاب صغير بشنب نيء


وشعر كث، لا يتجاوز عمره 17 عاما،


ونحن في الطابور الأخير قبل استقلال الطائرة، عن اسمي.


فأجبته بسرعة وحبور


، لكنه لم يبلع إجابتي المقتضبة. وقفت في حلقه


. رد بامتعاض:"ماذا أفعل باسمك الأول؟ ماعائلتك؟".


حينما ناولته اسم عائلتي، لم يعده إليّ إلا بعد أن استنفد


كل الأسماء التي تقبع في ذاكرته،


وتحمل نفس اسمي الأخير. وفيما كنت أستوي


على مقعدي في الطائرة،


إذا به يضع يده على كتفي ويقول لي بعطش


:"نسيت أن أسألك أنت من أين؟ إلى أي قبيلة تنتمي؟".





هذا الحوار الذي عشته قبل عامين اجتاحني مجددا قبل أسابيع قليلة




عندما التقيتُ طبيب أسنان مصريا وابنته مُنى (5 سنوات)



في أحد المجمعات التجارية في الخبر.


أنفقت مع الدكتور عماد نحو نصف ساعة كاملة حافلة


بالإثارة بسبب أسئلة ابنته الذكية.


فقد حبستني مُنى في أسئلة لم أخرج منها إلا حينما


حان موعد الصلاة.


سألتني إذا كنت متزوجا أم لا.


وأين طفلتي ولماذا لا أحملها على كتفي



أو أدفع عربتها في هذه الأثناء.


وعبرت عن امتعاضها لعدم وجود دبلة الزواج في خنصري.

أبوها لم ينبس ببنت شفة طوال استجواب ابنته لي مكتفيا



بابتسامة هائلة يرسمها على وجهه


كلما شعر أنني تورطت أو غرقتُ في أحد أسئلتها العميقة.


الحوار المثير الذي جمعني مع مُنى دفعني لسؤال أبيها عن سر


هذا التدفق والحيوية واللياقة التي يتمتع بها لسانها مقارنة



ببعض ألسنة أبنائنا الذين في سنها أو حتى في سني!


الدكتور عماد لخص إجابته على استفساري بقوله إنه وزوجته لا


يقاطعانها إذا تكلمت. يتحدثان معها كأنها ابنة العشرين.


ينتظرانها حتى تنتهي ثم يصوبان أخطاءها،


مما جعلها تتحدث بطلاقة لا تتوافر في أطفالنا الذين نتلو على آذانهم



"كخه يا بابا"، و"أح ياماما" حتى ينبت الشعر في شواربهم.



هذه العبارات التي ترافق أطفالنا سنوات طويلة جعلت الكثيرين


منهم لا يجيدون الحديث وارتكاب الأسئلة.


تبدو جملهم ناقصة وكأن أرتالا من الفئران الشرهة


انقضت عليها بأسنانها الحادة.



في حين تبدو جمل الأطفال المصريين وغيرهم


أكثر دهشة وانشراحا.


البدايات المتعثرة لا تقلص حظوظ فرق كرة القدم في الفوز بالدوري


فحسب بل تقلص حظوظ الوالدين بالفوز بابن أو ابنة يجيدان الحديث.


تزخر جمل اللبنانيين بعبارات مثل:"إزا بدك"، و"إزا حبيت".


في المقابل تبدو جملنا منزوعة الألوان كمنزل فسيح بلا نوافذ.


دائما أقف مذهولا أمام العبارات التي يغرسها السوريون واللبنانيون المصريون


في أحاديثهم التي يلقونها على مسامعنا في الشارع، والدكاكين، والتلفزيون،


متسائلا:لماذا لا نزرع عبارات مثلها بسخاء في لغتنا وحواراتنا.



لماذا نقتصد ونتقشف في تعابيرنا؟


طرق التربية الارتجالية المبكرة التي تمارس في أغلب منازلنا



أنجبت مآسي تقفز من أفواهنا كلما تحدث أحدنا، سأل أحدنا.


فلا نعرف كيف نبدأ الحوار


وكيف ننهيه. يجب أن يدرك أبناؤنا كيف يتحدثون وكيف يسألون.


هناك أسئلة كثيرة تكرس الطائفية والقبلية والتمييز،


علينا أن نطردها،،ونقمعها، ونصادرها.



أنا لست حانقا من الشاب(طيب الذكر أعلاه)الذي قبض عليّ


في الطائرة بسؤاله، لكنني حانق على أمه وأبيه،


لأنهما أودعا في أذنه "كخه"، و"عيب"، و"أح" مبكراً،


متناسين أنها مفردات لا تشيد لسانا، لا تشيد سؤالا،


بل تشيد حزنا أطول من "برج المملكة"!

جارهـ القمر
26 -09- 2008, 06:22 AM
مقال رائع
وفعلا هذه الاسئلة التي اكرهها فيمن يظنون انهم فقط عيال قبايل
الكاتب اصلة من محافظة الاحساء
في هذه المحافظة نادر من يسألك عن اصلك وفصلك والى من ترجع
الا ان لاحظ اختلاف لهجتك عن لهجتهـ

مشكورهـ ياسديم

صفحة رقم 6
26 -09- 2008, 06:31 AM
كلاك اكثر من رائع
وطريقتنا في تعليم ابنائنا الكلام خاطئة من أول يوم يولد فيه الطفل
استغرب كثيرا عندما أرى امرأة مصرية وهي تحدث طفلها او طفلتها وهي مازالت في المهد
وتلاعبها وتكلمها بأفصح الكلمات
ونحن من البداية ونحن نتلفض بألفاض ليس لها أي معني
مجرد أصوات غير مفهومة
ومن هنا يبدأ الفرق


شكرا على الموضوع الممتاااااااااااااااز

أبوإسماعيل
26 -09- 2008, 07:25 PM
لقد عبر عن هذه الحالة تعبيرا رائعا وجميلا فعلا

يخبرني زميل أنه شاهد برنامجا على قناة إقرأ للشباب الصغار دون العشرين عبارة عن أسئلة ثقافية
وكان ساعتها السؤآل عن الحرب العالمية الثانية ، كلما جاء الدور على أحد السعوديين تلكأ وخاف أن يمسك بالمايك
وتصبب عرقا ، ومن استطاع الكلام قال لا عرف أو أجاب إجابة مضحكة .

ثم وصل الدور إلى شاب سوداني لم يتجاوز عمره ال 15 عاما فقام بكل شجاعة وأمسك المايك وأعطاهم تاريخا كاملا
عن الحرب العالمية الثانية منذ سبب قيامها إلى نهايتها ونتائجها والدول المشاركة بها وكل ذلك مدعما بالتواريخ .


وهذه القصة من آلاف القصص التي نراها ونسمعها في مدارسنا ومناسباتنا ومجتمعنا بشكل عام .



شكرا أختي سديم على النقل الثمين .