المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مستهلكون مخدوعون وآخرون مخدرون:المستهلك اليوم تحول إلى طفل



عبدربه
28 -10- 2008, 10:26 PM
مستهلكون مخدوعون وآخرون مخدرون:المستهلك اليوم تحول إلى طفل رضيع لا يكف عن الصياح والطلب


لا شك أن للمال عند الإنسان جاذبية قوية، تجعله ينشد إليه ويسير باتجاهه، متصوراً أن هذا المال يحقق له كل طموحاته وتطلعاته الاستهلاكية، وهذا التصور هو أحد أسباب سيادة ثقافة الاستهلاك وشيوع العقلية الاستهلاكية مؤخراً في مجتمعاتنا المعاصرة.
والمشكلة التي أكدها العديد من العلماء والمتخصصين أن المستهلك المعاصر كائن معقد في تكوينه النفسي، إذ تحركه الغرائز المتعددة وتتحكم فيه مختلف العواطف، ويتأثر سلوكه بما يسيطر عليه من نزعات، فضلاً عن تباين الحاجات المادية والنفسية.
فلا عجب إذن، أن يقول إريك فروم العالم النفساني في كتابه: "نتملك أو نكون" إن هوية المستهلك المعاصر تتلخص في الصيغة الآتية: أنا موجود بقدر ما أملك واستهلك. وكأن الإنسان المستهلك اليوم، رضيع لا يكف عن الصياح في طلب زجاجة الرضاعة، نزوع للاستهلاك. وفي هذا التحقيق نناقش القضية بجوانبها المختلفة باستضافة عدد من المتخصصين في العلوم الاجتماعية.




لا شك أن للمال عند الإنسان جاذبية قوية، تجعله ينشد إليه ويسير باتجاهه، متصوراً أن هذا المال يحقق له كل طموحاته وتطلعاته الاستهلاكية، وهذا التصور هو أحد أسباب سيادة ثقافة الاستهلاك وشيوع العقلية الاستهلاكية مؤخراً في مجتمعاتنا المعاصرة.
والمشكلة التي أكدها العديد من العلماء والمتخصصين أن المستهلك المعاصر كائن معقد في تكوينه النفسي، إذ تحركه الغرائز المتعددة وتتحكم فيه مختلف العواطف، ويتأثر سلوكه بما يسيطر عليه من نزعات، فضلاً عن تباين الحاجات المادية والنفسية.
فلا عجب إذن، أن يقول إريك فروم العالم النفساني في كتابه: "نتملك أو نكون" إن هوية المستهلك المعاصر تتلخص في الصيغة الآتية: أنا موجود بقدر ما أملك واستهلك. وكأن الإنسان المستهلك اليوم، رضيع لا يكف عن الصياح في طلب زجاجة الرضاعة، نزوع للاستهلاك. وفي هذا التحقيق نناقش القضية بجوانبها المختلفة باستضافة عدد من المتخصصين في العلوم الاجتماعية.

الاستهلاك وقفة تاريخية
يقول الدكتور زيد الرماني: في القرن الماضي كان كل شيء يقتنى ويشترى موضع رعاية وعناية خاصة. واستخدام إلى آخر حدود الاستخدام، فكانت الأشياء والسلع تشترى، ليحافظ عليها، وكأن شعار ذلك القرن: ما أجمل القديم.
وفي هذا القرن، أصبح التأكيد على الاستهلاك وليس على الحفظ، أصبت الأشياء تشترى لكن ترمى فأياً كان الشيء الذي يشترى، سيارة، أو ملابس أو آلة من أي نوع، فإن الشخص سرعان ما يمل منه، ويصبح تواقاً للتخلص من القديم وشراء آخر طراز وموديل، وكأن شعار اليوم: ما أجمل الجديد.



الاستهلاك كرة ثلجية
يقول الدكتور إحسان الطالب: الاستهلاك في حد ذاته يمكن أن نقارنه بما يسمى الكرة الثلجية، فلو نظرنا إلى الكرات الثلجية النازلة من الجبال، التي تبدأ صغيرة ثم تكبر وتكبر إلى أن تصل إلى النهاية، ثم تتفتت بعد أن تكون تضخمت إلى درجة كبيرة، وهي في نزولها تكبر بطريقة شبه آلية، هذا ما يحصل في الاستهلاك أيضاً، الذي يكون في الغالب استهلاكاً غير عقلاني.



الاستهلاك نظرات اقتصادية
يقول الدكتور الرماني: من المعلوم أن المستهلك أصبح اليوم يشكل عاملاً مهماً في تطور المجتمعات ونموها، وسلوكه يشغل مركزاً رئيساً في تفكير المفكرين والعلماء والمخططين للتنمية.
بالأمس، كانت النظرة الاقتصادية للمستهلك هي السائدة حيث كانت تنظر إلى المستهلك على أنه كائن اقتصادي عقلاني يسعى من خلال التصرف برشادة، ودراسة للاحتمالات والبدائل المتاحة، للحصول على المنفعة الأعلى.
أما اليوم، فإن المستهلك يقبل بالمعلومات المتوافرة لديه ولو كانت ناقصة أو خاطئة أو مغلوطة، ويتوقف عن البحث عن معلومات إضافية، ثم يقرر الشراء دون دراسة أو روّية.
ولأن المستهلك هو أساس السوق والمحرك لكافة قوى النشاط الاقتصادي، كان الاقتصاديون في مقدمة المهتمين بدراسة شؤون الاستهلاك والمستهلكين من حيث دوافع شرائهم ومعرفة أساليب تحقيق الإشباع الكافي لاحتياجات شرائح المستهلكين.
لذا، تغلب الاقتصاديون على إخوانهم الاجتماعيين والنفسيين والتربويين في الاهتمام والعناية بالمستهلك وبواعثه ودوافعه وسلوكه إلى حد ما.



النمط الاستهلاكي أسلوب حياة
يقول د. عبدالرحمن العسيري: لعل من أهم الصفات التي أفرزتها الحضارة المعاصرة النمط الاستهلاكي، حيث أصبح الفرد عبداً لشهواته ورغباته، بحيث لا يستطيع كبح جماحها ولا الوفاء باحتياجاتها المتزايدة.
وذلك بعكس القروي البسيط والبدوي القانع الذي يرضى من العيش بالكفاف والضروري في مأكله ومشربه.
ومع اتساع النمط الغربي في المعيشة في كافة أرجاء العالم الإسلامي شاع ما يطلق عليه أسلوب التحضر أو التمدن، وأصبح الأسلوب الغربي هو الأسلوب القدوة الذي ينشده بعض الناس والمجتمعات، كتعبير عن مستوى تحضرهم فكرياً وسلوكياً.
إن النمط الاستهلاكي الذي أفرزته الحضارة الحديثة من وجهة نظري ليس إلا جزءاً من النظام الاقتصادي الغربي الذي يجعل من المادة كل شيء ومن أجلها يضحى بكل شيء.



الاستهلاك إغراء
يقول د. الطالب: إنسان يحتاج إلى سيارة واحدة فقط، لكننا نجده يجمع لديه ثلاث سيارات أو أربع، زعماً منه بأن منزلته الاجتماعية سوف ترتفع وتكو له وجاهة في المجتمع. وآخر يحتاج إلى هاتف، لكنه يطلب أيضاً هاتفاً نقالاً، وجهاز نداء آلي وغداً ستأتي مبتكرات جديدة من هاتف بالصورة وهاتف بالفاكس وسيستمر هذا الإنسان في جمع ذلك إنه إغراء الاستهلاك غير المتزن.



الاستهلاك تقليد ومحاكاة
يقول الدكتور معتز سيد عبدالله: إن جزءاً من الاستهلاك ليس بالقليل فيه مسايرة لما يحدث في المجتمع سواء بين الأصدقاء أو الزملاء والأسر والجيران من أجل أن يظهر الشخص بالصورة المقبولة اجتماعياً، وما يحدث في حفلات الأعراس والمناسباات العامة دليل على ذلك، فبعض الناس ينفق في هذه الحفلات الكثير مسايرة لضغوط المجتمع وحتى يظهروا أمام الآخرين أحسن الناس.
الاستهلاك تخمة
يقول الطالب: وأعطي لذلك مثالاً، إنسان شبعان ويستمر في الأكل، ما النتائج، إنها لا بد أن تكون مضرة بالجسم والنفس، والحال نفسه للمستهلك المتخم الذي يطلب المزيد من الاستهلاك، إذ إنه باستهلاكه الأشياء التي لا حاجة له بها، فإنه يهدر ثروة يمكن استغلالها في وقت الحاجة.
كذلك فإن الاستهلاك الزائد عن الحاجة يقود المجتمع إلى اتجاهات غير صائبة، وهذا سينعكس على الثقافات والأخلاقيات في المجتمع.



الاستهلاك تفاخر ومباهاة
يقول د. معتز: يحرص بعض الناس على التظاهر والتفاخر والتباهي أمام الآخرين بالأشياء التي يتم شراؤها بامتلاك سلع ومنتجات لا يمتلكها الآخرون، والأشخاص الذين يوجد لديهم هذا الدافع لا يكون حرصهم على الشراء والاقتناء فقط للأشياء، ولكن إبرازها أمام الآخرين وإظهارها أمامهم أو على الأقل الحديث المتكرر عنها أمامهم وأن سعرها مرتفع كثيراً وأنها مستوردة من بعض الدول الأجنبية.



الاستهلاك غول
يقول د. الطالب: في الحقيقة فإن الاستهلاك إذا ما ربط بالمواضيع المادية، فهذا طبعاً شيء مخيف، لأنه يدعم الجانب المادي في المجتمع على حساب القيم والأخلاق وعلى حساب الثقافة الأصيلة الأساسية.



الاستهلاك فخ
يقول د. الرماني: لقد وقع الكثير من المستهلكين بلا هوية في الفخ، نتيجة لوسائل الإعلام وفنون الدعاية والإعلانات التجارية والثورة الاستهلاكية والإنتاجية الكبيرة.
إن القضية ليست اليوم، في أن تنتج لنستطيع إشباع حاجاتنا، بل نستهلك ونبذر حتى نستطيع أن ننتج، وكل شيء يجري - كما لو كان خاضعين لآلة تنتج بضائع وتوجد أسواقاً، وتصنع وتكيف مستهلكين لإشباع حاجات هذه الآلة العجيبة. حقاً، إن غالبيتنا مستهلكون بلا هوية، ولا عجب إن وقعنا في الفخ؟!



المستهلك فأر تجارب
يقول د. العسيري: الإنسان المستهلك المعاصر لا يعد كونه فأراً لتجارب المصانع التجارية ذات الأهداف الاقتصادية البحتة بكل المعايير، حيث تتسابق المصانع لتسويق منتجاتها وإغراء المستهلكين لشرائها وتملكها غير آبهين بالأضرار الصحية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي قد تسببّها بعض تلك السلع.



الاستهلاك متعة تسوّق
يقول د. معتز: بعض الناس يشعر بالمتعة أثناء تجولهم في الأسواق ومشاهدة واجهات المحلات والسلع المعروضة فيها، وربما يقضي الشخص ساعات طويلة في هذه العملية ولا يشعر بأي شكل من أشكال الملل أو الضيق أو ضياع الوقت.



السلع الاستهلاكية نماذج كرتونية
يقول د. العسيري: للأسف فقد أصبحت المصانع تنتج آلاف السلع الكرتونية التي لا يتجاوز عمرها الافتراضي بضع سنوات قليلة، مما يجعلها لا تعدو كونها قبراً متنقلاً يدفع ثمنه الفرد برضى تام، ومن يبقى على قيد الحياة، فإنه بلا شك سوف يقوم بإصلاح ذلك القبر المتنقل بكل مدخراته أو جزء كبير منها، فهناك السموم المزخرفة خارجياً المليئة بالكيماويات والمواد الحافظة والملونة والمسرطنة داخلياً.



الاستهلاك رغبة في الاكتناز
يقول د. معتز: يميل بعض الناس إلى جمع السلع والمنتجات وشرائها بأنواعها وأشكالها المختلفة لمجرد امتلاكها فقط، بصرف النظر عن الحاجة إليها من عدمه. وهذه بمثابة رغبة ذاتية بحتة، لجمع الأشياء وامتلاكها، بدافع المجاراة أو التباهي.



الإعلام الاستهلاكي تجارة
يقول د. العسيري: إن وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون والإذاعة التي يفترض أنها تقوم بدور الترفيه والتثقيف والتوعية سيطرت عليها لغة التجارة، فأصبحت البرامج تمول من قبل التجار.
لذا، فهي لا تخدم سوى مصالحهم والدعاية لسلعهم، حتى أصبح أطفالنا في سنوات عمرهم الغضّة يتغنون بتلك السلعة، وأصبح الناس مسلوبي الإرادة أمام مغريات الحياة الحديثة.



الاستهلاك تخدير وخدعة
يقول د. الرماني: نتيجة لظاهرة الاستهلاك دون هوية والنهم الاستهلاكي وحمى الشراء، أصبح لدينا مجموعة كبيرة من المستهلكين المخدرين والمستهلكين المخدوعين، وأصبحوا نتيجة السلوكيات الاستهلاكية الجديدة المعتمدة على ثورة المتغيرات والإنتاجية الكبيرة، أصبحوا تحت التخدير الموضعي.
وانتهج أولئك المستهلكون مسلكاً استهلاكياً معيناً يخفون معه شيء ما في نفوسهم وفي أكثر استهلاكهم هم يمارسون تمثيلية، تستلهم فصولها من غيرهم، خيارهم عشوائي حسب ما يمليه ذوق المصمم أو حسب النص الإعلاني، بل لقد عمدت الإعلانات التجارية والدعايات التسويقية إلى خداعهم ودفعهم إلى المزيد من الشراء لا حاجة بهم إليه فعلاً، فانساقوا إلى ذلك مخدوعين.



الخاتمة
في ختام هذا التحقيق نقول:
أولاً: أيها المستهلكون احذروا تأثير وسائل الإعلام الذي يدعو إلى الشراهة الاستهلاكية ونهم الإنفاق وحمى الشراء والتسوق.
ثانياً: أيها المستهلكون احذروا تقليد المجتمعات المترفة ذات النمط الاستهلاكي الشره المترف.
ثالثاً: ينبغي أن نقدم بعض الخدمات الإرشادية لتوعية الناس بأضرار السلوك الاستهلاكي المبالغ فيه وآثاره السلبية على المجتمع.
رابعاً: ينبغي أن يخصص الخطباء والمعلمون والعلماء مساحات مناسبة من الخطب والتأليف والمحاضرات لإبراز ضرورة ترشيد الاستهلاك.