المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موقف المسلم أمام خلاف العلماء



عبدربه
12 -11- 2008, 07:55 PM
موقف المسلم أمام خلاف العلماء


بقلم: د. علي بن فهد أبابطين* عضو هيئة التدريس بالكلية التقنية ببريدة



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا ريب فيه أن الشريعة الإسلامية نصوص وأدلة تبنى عليها الأحكام والمسائل الشرعية، لا مجال فيها لآراء الرجال واستحسان العقول ووجهات النظر والنظريات المختلفة، وهذه النصوص هي حجة الله على عباده، يجب تقديمها والتعويل عليها وترجيح الراجح بها، فلا يحل لمسلم العدول عنها لقول أحد من الناس كائناً من كان.
ولما كان الكثير من هذه النصوص والأدلة ظني الدلالة نشأ بذلك الخلاف بين العلماء لتفاوت مداركهم وقدراتهم في استظهار الحق واستنباط الأحكام وفهم وجوه الكلام، ومن نعمة الله تعالى على هذه الأمة عدم وقوع الخلاف في أصول دينها، وإنما كان في مسائل وأحكام فرعية لا تؤثر على وحدتها وتماسكها، وهذا الخلاف بين العلماء لم يكن القصد منه مخالفة نصوص الشرع، وإنما هو اختلاف بينهم في الوصول إلى الحق وتحقيق مقاصد الشريعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وليعلم أنه ليس لأحد من الأئمة المقبولين عند الأمة -قبولاً عاماً- يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل، فهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم " مجموع الفتاوى، ج02"
فالخلاف بين العلماء ظاهرة طبيعية في حياة الأمة اقتضتها دلالة النصوص، ولكن الشأن كل الشأن في موقف المسلم أمام هذا الخلاف الذي جانب الصواب فيه طائفتان من الناس:
أولاهما: تظن أن وجود الخلاف بين العلماء يعني الحرية في اختيار ما يوافق الهوى من الأقوال في المسألة المختلف فيها، فتتبعت رخص العلماء وأخذت بما يتوافق مع رغباتها ويهواه هواها دون النظر إلى كونه راجحاً أو مرجوحاً، حتى زلت قدمها ووقعت في محظور ربها.
والثانية: استغلت وجود هذا الخلاف لنشر وترويج الأقوال المرجوحة والشاذة تحت شعار احترام الرأي الآخر وعدم اقصائه وتهميشه والتيسير على الأمة، ونحو ذلك من المصطلحات والعبارات البراقة، التي يُروّج لها عبر وسائل الإعلام المختلفة، لينخدع بها عوام الناس وجهلتهم.
والعاقل البصير يبصر في منهج هاتين الطائفتين المنزلق الخطير الذي ينحّي الأمة عن مصادرها الأصيلة الكتاب والسنَّة إلى آراء وأقوال بشرية يعتريها الخطأ والنقص، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع فتاواه: فلا يجوز لنا أن نعدل عن قول ظهرت حجته في حديث صحيح وافقه طائفة من أهل العلم إلى قول آخر قاله عالم يجوز أن يكون معه ما يدفع به هذه الحجة وإن كان أعلم، إذ تطرق الخطأ إلى آراء العلماء أكثر من تطرقه إلى الأدلة الشرعية، فإن الأدلة الشرعية حجة الله على جميع عباده، بخلاف رأي العالم، والدليل الشرعي يمتنع أن يكون خطأ إذا لم يعارضه دليل آخر، ورأي العالم ليس كذلك.. إلى أن قال: وليس لأحد أن يعارض الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس" ا. هـ. كلامه.
وأما الطائفة المستقيمة فهي التي سلكت المسلك الشرعي الذي أوضحه الله لعباده وأبانه لهم، بل ألزمهم به، وجعل الاهتداء إليه من مقتضيات الإيمان، وهو ردّ النزاع إلى الكتاب والسنَّة، فما وافقهما أخذت به واطرحت ما سواه دون محاباة أو التفات إلى غيره امتثالاً لأمره سبحانه: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء: 59] قال ابن كثير: وهذا أمر من الله عزَّ وجلَّ بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يُرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنَّة"، ويقول سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } [الشورى: 10] قال ابن كثير: "أي مهما اختلفتم فيه من الأمور وهذا عام في جميع الأشياء، فحكمه إلى الله.. أي هو الحاكم فيه بكتابه وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم" وقال ابن القيم: والمقصود أن أهل الإيمان لا يخرجهم تنازعهم في بعض مسائل الأحكام عن حقيقة الإيمان إذا ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله كما شرطه الله عليهم بقولهم: { فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } [النساء: 59] ولا ريب أن الحكم المعلق على شرط ينتفي عند انتقائه"ا. هـ كلامه.
فهذا هو طريق الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ونهجهم ونهج من سار على طريقهم واقتفى أثرهم من الأئمة المتبوعين والعلماء الناصحين، فكانوا إذا تنازعوا في شيء ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، وإن كان بعضهم أعلم من بعض في مواضع أخر، ولهذا ترك الصحابة قول عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في مسألة تيمم الجنب وأخذوا بقول من هو دونهما كأبي موسى الأشعري رضي الله عنه وغيره لما احتج بالكتاب والسنَّة، وتركوا قول عمر رضي الله عنه في دية الأصابع وأخذوا بقول معاوية رضي الله عنه لما معه من السنَّة، ولما ناظر بعض الناس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في متعة الحج وقال له: قال أبو بكر وعمر، قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال الرسول وتقولون قال أبو بكر وعمر، وكان الإمام أبو حنيفة يقول: "قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه فمن جاء بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منّا" ومثله قول الإمام الشافعي: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط" وقول الإمام أحمد: "من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال"، فهؤلاء هم الصحابة الكرام والأئمة الأعلام رأوا الحق فيما ظهر لهم ولم يجعلوه حجة يعوّل عليه، بل اعتبروا الحجة في اتباع الدليل الصحيح، زهدوا في أقوالهم للحق واتسعت صدورهم لقبوله ورغبوا في خلاص أنفسهم من آثار الفتوى.
فرد النزاع إلى الكتاب والسنَّة مقتضى نصوص الشريعة في حق من رزقه الله علماً وفهماً، وعنده من مقومات الرد إلى الكتاب والسنَّة ما يؤهله لذلك، وأما من لا يحسن النظر في الدليل، فالمتعين في حقه سؤال أهل العلم الموثوق في علمهم لقوله تعالى: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (43) {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ } (44) [النحل: 43 - 44] ولا يعرّض دينه للهوى والشهوة بتتبع الرخص والأقوال المهجورة.
نسأل الله سبحانه أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح وأن يرزقنا الاستقامة على دينه والثبات عليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

ابو جوليا
12 -11- 2008, 08:02 PM
جزاك الله الف خير
وبارك فيك

عبدربه
16 -11- 2008, 10:54 PM
جزاك الله الف خير
وبارك فيك

اخي الكريم بارك الله فيك . وأشكرك على مرورك

هادي
17 -11- 2008, 06:36 AM
جزاك الله خيرا
وبارك فيك
الموضوع مكرر وأنت صاحب الموضوع القديم
http://www.samtah.net/vb/showthread.php?t=61968