المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نعم.. عانس.. بكل فخر



عبدربه
12 -11- 2008, 08:29 PM
نعم.. عانس.. بكل فخر


بقلم: الشيخ د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن المقحم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى صاحبيه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فإن الفخر محرم في الإسلام والحمد لله فالحق أن يقال: عانس ولا فخر. لكن لأن من لا يقدرون الأمور بقدرها جعلوا العنوسة عيباً وذماً وهم لا يشعرون وصدقتهم العوانس وهم مخطئون. فرغبت أن نحطم هذا الإحسان المقلوب بعنوان مقلوب فبدل كلمة عانس ولا فخر نقول قولي: عانس بكل فخر وإن ربنا لغفور شكور. وإن الزواج سنة المرسلين وسر بقاء العالمين وسبب تواصل المتباعدين قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } [الرعد: 38] . وقال سبحانه: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [النور: 32]. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أنجزوا ما أمركم الله من الإنكاح ينجز لكم ما وعد من الغنى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة" وكانت أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم عائشة ثم بعدها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهم كما رواه الشيخان من حديث عمرو بن العاص وقال عليه الصلاة والسلام: "قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على مئة امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل إن شاء الله فلم يقل: إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق إنسان، والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دَرَكاً لحاجته" رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي من حديث أبي هريرة، صدق الله ورسوله.. مئة امرأة في ليلة واحدة؟! ولكن لماذا؟ ليخرج له مئة فارس يجاهدون في سبيل الله، حقاً النية تجارة العلماء وإن مراد الصالحين في كل طريق سلكوه هو مرضاة الله وجنته سواء عندهم في ذلك طريق اللذات المحببة أو طريق الدماء الغالية.
وقد رغَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح ونهى عن التبتل وهو ترك الزواج مطلقاً فقال عليه الصلاة والسلام: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أي قاطع يقطع شهوته، ونهى عن التبتل قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "استأذن عثمان بن مظعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبتل فنهاه ولو أذن له لاختصينا"
وأنكر عليه الصلاة والسلام على من همَّ بترك الزواج ليتفرغ للعبادة لا لشيء غيرها. فبيَّن أن الزواج من سنته وقال: "من رغب عن سنتي فليس مني"
فلا يظن ظانٌ أويتمنى متمنٍّ أن هذا العنوان دعوة للتأيم والعنوسة ومحاربة الزواج، بل أقول بملء فمي إن كل مسلم ناصح يدعو إلى الزواج ويرغب فيه ويشجع على تسهيله بكل وسيلة، بل يدعو إلى نشر ثقافة التعدد وبيان منافعه وضرورته للمجتمع كله وتثقيف المعددين رجالاً ونساء لنخلص تلك السنّة الإسلامية مما شوهناها به من تصرفاتنا وأخطائنا ولزوجة رابعة ترجو أبناء صالحين مصلحين خير من أيم عزفت عن الزواج، ونحن لسنا مع أعداء الفطرة والأنبياء ضد الزواج أو التعدد، بل نحن مع الفطرة والأنبياء في شأن الزواج والتعدد وفي غيرهما، ولسنا مع العنوسة والتأيم وعزوف المرأة عن الزواج في هذا الوقت العصيب مادياً وإعلامياً وثقافياً.
ولكننا في هذه المقالة نعالج نظرة خاطئة حوصرت بها الأيامى والعوانس والمطلقات شأنها شأن كثير من أحكامنا القاصرة قليلة الاستقراء قليلة التجرد قليلة الإنصاف والواجب ألا نحكم بشيء إلا حكماً نأخذه من كتاب الله أو سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حكماً لا يخالف شيئاً منهما.
إن كثيراً من الناس غفلوا عن جانب مهم في النصوص الشرعية المرغبة في الزواج والناهية عن التبتل وذلكم الجانب هو أن الترغيب في الزواج والنهي عن التبتل ليس موجهاً للنساء وإنما هو موجه للرجال، بل لمن استطاع الباءة منهم، بل قال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة حين اشتكى إليه أنه يخاف على نفسه ولا يجد ما يتزوج به. "يا أبا هريرة جَفَّ القلم بما أنت لاقٍ فاختص على ذلك أو ذَرْ" رواه البخاري.
إن أعدل العدل وأفضل المراعاة للفروق هو في أحكام الله وشريعته وليس في غيرها من الشرائع والأحكام {صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } [البقرة: 138]. ولذلك بني الحكم فيها بالعدل على مراعاة الفروق بين ركني "نظام الزواج" أو "مؤسسة الأسرة"، فليس موقع الرجل والمرأة فيهما سواء في الحقوق والواجبات، بل بينهما فوارق كبيرة نظمت بالعدل لتحقيق المصالح ودرء المفاسد دون محاباة للرجل أو ظلم للمرأة لا يشك في ذلك مؤمن ولا مؤمنة، ثم الله سائل كل راع عما استرعاه من ذكر وأنثى {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ }(92) {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (93)[الحجر].
ولو نظرت إلى فارق واحد من تلك الفوارق لعذرت كل عانس في عنوستها، ولم تلم منهن واحدة وعلمت أن اللائم ظالم كما تقول العرب: "رب لائم مُليم، أي آتٍ ما يلام عليه. وإليك طرفاً من تلك الفوارق:
فأول تلك الفوارق:
أن للرجل حق البحث والطلب والاختيار، لا يعاب عليه شيء من ذلك، وليس ذلك محاباة له دون المرأة ولكنه هو الذي سينفق ماله فصار له أن يختار لنفسه وذريته من يرضاها ديناً وخلقاً ويبقى للمرأة حق القبول أو الرفض غير ملومة قط إذا رفضت. فمن كان له حق الطلب والاختيار ليمَ على ترك مصلحة الزواج ومن ليس كذلك فلا يلام، ومن لامه فبفيه الحجر! أرأيت هذا الفارق، فإذا برد عليك بعده لوم العوانس فإنه أهون الفوارق وسوف ترى إن شاء الله.
وتقديم الرجل في هذا الحق أقرب لطبيعتهما وإلا فإنه جائز للمرأة، بل هو سنة من يقتدى بهم من الرجال والنساء وما من امرأة عاقلة فاضلة تتقدم به إلى رجل يُرضى دينه وخلقه إلا قبله منها وأحبها وأكرمها أو جهد لها فيمن ترضاه وحسبك ثلاثة أمثلة في هذا الصدد:
الأول لامرأة سلم الله عليها وحمل سلام الله إليها جبريل ومحمد عليهم الصلاة والسلام وهي أول من آمن بالله وبرسوله من هذه الأمة. إنها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فإنها رفضت الخطّاب بعد موت زوجها أبي هالة وتأيمت وكانت تسمى بمكة العفيفة فذخرها الله وهو أعلم لرسوله صلى الله عليه وسلم فلما رأت من الصادق الأمين ما فاق الرجال خطبته لنفسها رضي الله عنها، وكذلك فعل عمر حين عرض حفصة على عثمان وأبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك فعل صاحب مدين حين قال لموسى عليهم جميعاً الصلاة والسلام: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } [القصص: 27] . وما به دعاوى السن والتفاهم ولا تقديم الكبرى ولكن { إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } . وفي تلك القصة لموسى عليه السلام بيان شرطي عمل المرأة بنص القرآن (لا استعمالها كما سيأتي) وهما عدم مزاحمة الرجال والحاجة للعمل: { قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }(23) [القصص] مع الحرص على الاستغناء عن عمل المرأة أول ما يمكن حتى لو كان الثمن تزويجها من يكفيها ذلك العمل {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } [القصص: 27] .

ابو جوليا
12 -11- 2008, 08:52 PM
بارك الله فيك وكثر من أمثالك

عبدربه
16 -11- 2008, 10:50 PM
بارك الله فيك وكثر من أمثالك

اخي الكريم بارك الله فيك . وأشكرك على مرورك