المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا حياة ولا حياء لدى قنواتنا الفضائية



عبدربه
29 -11- 2008, 07:18 PM
لا حياة ولا حياء لدى قنواتنا الفضائية



برزت على الساحة الكثير من المسلسلات المدبلجة التي تحكي واقع الحياة التي تعيشها مجتمعات أخرى سواء كانت نصرانية أو يهودية أو علمانية، وزاد الطين بلة أن هذه المسلسلات ترجمت إلى اللغة العربية وفتنت المراهقين والمراهقات وبعض كبار السن، هي تهدف إلى غرس ثقافة تلك البلاد وقيمها في نفوس المتلقين، التحقيق التالي يتناول حقيقة تلك المسلسلات والمخاطر المترتبة عليها:



بداية لا بد من معرفة أن مكونات المسلسل المدبلج في ملخص سريع هي:
- استمرار متواصل للمسلسل لمدة 200 حلقة أي على ما يزيد عن 6 أشهر (تستطيع أن تقول إنها نوع من الدورات المكثفة).
- ملابس النساء تكاد تكون شفافة، قصيرة إلى ما فوق الأفخاذ، الصدور شبة عارية أو بملابس البحر ولا مانع أن تكون أحياناً بملابس النوم لإبقاء الشعور بالإثارة لدى الرجل، والإحساس بالأناقة والتجمل عند النساء.
- وجود عدد ليس بالقليل من الفتيان والفتيات مع وجود علاقة بينهم جميعاً فيما عدا البعض منها التي يسلط عليها الضوء وذلك لإضفاء خلفية أن عدداً كبيراً من المجتمع على هذا النمط من الحياة (أي ما يسمى بالبرهان الاجتماعي).
- إعطاء العلاقات المحرمة بين الشاب و الفتاة والخيانات الزوجية نوعاً من الرومانسية والتعاطف في نفس الوقت مع تصوير الأهل بالمتشددين والمضيقين على الفتاة وإظهار الزوج بحدة الطبع والجفاء في المعاملة وعدم تقدير تلك الزوجة اللطيفة ذات المشاعر الرقيقة والمرهفة ثم حسنا الآن إلى من سوف تميل إلى ذلك الزوج الوقح أم إلى ذلك الرجل الرومانسي الذي جاء ليخلص تلك الزوجة من شقائها ويعطيها شيئاً من السعادة.



تكريس سلوكيات فاسدة
التركيز على الأحداث التي تبرر ظاهرة أن تخون الزوجة زوجها لأجله وتضخيمه ثم تسليط الضوء على المشاكل التي ستحدث بعد ذلك وكيف أن الناس ومَنْ حول الرجل وصديقته لا يقدرون وضعهما ولا يتعاطفون معهم من غير وجه حق، التركيز على مشاكل ابن أو ابنة الزنى وما تلاقيه من ضغوط نفسية و...ومرة أخرى خلق تعاطف مع نواتج المشكلة وليست المشكلة بذاتها ألا وهي العلاقة المحرمة (الزنى) إن تغيير نقطة التركيز هي كعدسة التصوير فهي لا تعطي الصورة الحقيقية كلها، بل تسلط على جزء معين وتركز عليه وتكبره (ومن هنا يأتي توجيه الكاتب والمخرج للجمهور بحيث يعزز المبادئ التي يريدها ويهمش أخرى).
كيفية التركيز على الأحداث، فهم يركزون على شكل الفتاة فهي جميلة،رشيقة، وأنيقة لإبقاء الجمهور من الرجال منجذبين إليها ومتعاطفين معها مهما فعلت أو أخطأت، على الطرف الآخر يركزون على الرجال بحيث يكونوا لبقين ويتكلمون بكلام عاطفي لإبقاء الجمهور من النساء متعاطفين معه (لعلمهم أن المرأة عاطفية وتحب الرومانسية) مع عدم إغفال جانب الوسامة فيهم (أي في الرجال الذين يؤدون أدواراً في المسلسلات المدبلجة). وإضفاء موسيقى متوافقة مع حدث ما، مثال آخر زوجة تخون زوجها وعندما يكتشف ذلك ويواجهها يركزون على دموعها وعلى مظهرها الحزين للحصول على تعاطف الجمهور، أما الرجل فهو غاضب ويذهب ليشرب الخمر ليهدئ من غضبه وينسى!! بحيث يعطي انطباع أن الخمر جيد لتهدئة الانفعالات والغضب وتخفيف المصيبة.



الحلول السيئة
طرح بديل خاطئ وإرساء مبدأ المعاملة بالمثل فعندما تكتشف الزوجة أن زوجها يخونها مع أخرى فهي تلجأ إلى حل ألا وهو أحياناً الانتقام منه بإقامة علاقة مع رجل آخر أي رجل حتى لو كان مع السائق.
إظهار أن فترة المراهقة لا بد أن تتخللها علاقات بين الشباب والشابات وأن من لم يقم علاقة في تلك الفترة فهو ربما يعاني من مرض ما أو هو خجول أو شاذ أي لا بد أن يكون به نقص ما، فينغرز في ذهن المشاهد الشاب أو الشابة أنه إن لم يكن على علاقة بالطرف الآخر فهو غريب الأطوار، وكذلك أن هذه العلاقة مبررة فهي مرتبطة بفترة المراهقة ولن تدوم طويلا!! وبعد بضع سنين ستكون ذكرى فقط من دون أن يكون لها أي مردود سلبي.



أسباب الانبهار
وكان من النماذج التي قدمت عبر شاشاتنا العربية مسلسل سنوات الضياع فما الذي بهر الناس بهذا المسلسل وهذه الدراما المدبلجة يجيبنا عن هذا التساؤل د. يوسف بن أحمد القاسم بقوله هذا الانبهار في الغالب سببه، غياب هذه (الرومانسية) عن الحياة الزوجية في كثير من البيوت, وسبب ذلك إما الطبيعة الجافة التي تربى فيها الأزواج، أعني الطبيعة الصحراوية التي تجعل قلب الزوج كالحجارة أو أشد قسوة وإما أن يكون سببه التربية الصخرية التي تلقفها من أبيه وأمه، حيث يتعود الطفل منذ نعومة أظفاره على الغلظة والجفاء، ويتلقف هذا الأسلوب من تعامل أبيه مع أمه، حتى نحت في قلب هذا الطفل أن هذه الطريقة المثلى في المعاملة، وأن الزوج لا يكون رجلاً إلا حين يقسو على امرأته، ولا يكون صاحب قوامه إلا حين يضربها، أو حين يمارس ضدها أعنف السلوك، وأسوأ المعاملة!!



ملل الجمهور
ويلخص فائز أسباب انجذاب الناس إلى هذا المسلسل مستدركاً أنه لم يشاهده بل سمعه عنه:
إنه يمثل دراما جديدة على مجتمع بشكل العام لأن الناس ملت من الدراما الخليجية.
كما أن الناس بطبعها تحب مشاهدة الجديد حتى لو أنه أقل مستوى من الذي قبله والكل يعرف ثورة المسلسلات المكسيكية والأفلام الهندية يعني كما يقال فقاعة صابون..
ونحن لا يوجد لدينا الفراغ العاطفي بل نتصنَّع ذلك.
أما الهدف من هذه المسلسلات، فهي تسعى إلى زرع المياعة في نفوس الشباب والبنات بشكل خاص. ونشر الخيانة الزوجية وأنها شيء طبيعي وهذا ما لمسته أنا شخصياً في الأسواق فأكثر من يعاكس الشباب هن المتزوجات. وكذلك تربية الأطفال على أن يرى الطفل أمه أو أخته تخرج مع صديقها وتنام معه وكأن شيئاً لم يحدث.



تأثير سلبي
ويرى فواز السليمان أن سبب الإقبال عليها (أي المسلسلات المدبلجة) الفراغ الذي يعاني منه المجتمع وخصوصاً الفراغ العاطفي...
كما أن الدراما الخليجية أصبحت مملة ومعلومة النتائج إدمان وتوبة وندم وظالم ومظلوم...
أما تأثيرها على الحياة الزوجية فلا بد أن يكون لها تأثير على المتزوجين إما إيجاباً وإما سلباً، أما على غير المتزوجين فإن تأثيرها سلبي بالتأكيد فلا أريد الزواج إلا بفتاة مثل لميس، والفتاة لا تريد الزواج إلا بمثل مهند.



غياب الحب
وتقول بدرية الحربي عن المسلسلات التركية التي بثت مؤخراً (نور - وسنوات الضياع) ولماذا الشعب السعودي متحمس وبشدة لمشاهدتها أعتقد بأنه سبب فقدان الشعوب العربية وخاصة السعودية للرومانسية بين الرجل وزوجته مع أن جميعنا يحتاج للحب والرومانسية في حياته، وأعتقد أن هذه المسلسلات لها إيجابيات على مجتمعنا كما لها سلبيات خاصة على المراهقين والمراهقات الذين لا يدركون ويفرقون بين الجيد وغير الجيد في مشاهدة هذه المسلسلات، لكن أتمنى أن نأخذ الشيء الطيب من مشاهدة هذه المسلسلات مع المحافظة على عاداتنا وتقاليدنا القيمة.



مشاهد مثالية
وحول خطورة هذه المسلسلات على شبابنا يقول الأستاذ مشاري بن عبد الهادي السبيلة الباحث الاجتماعي ومدير وحدة البرامج الأسرية بمشروع ابن باز بالرياض تكمن الخطورة في مثل هذه المسلسلات في طرح نماذج مثالية يحاول كثير من الشباب والفتيات تشكيل تصورات وتوقعات بناء على مشاهدة مثالية، حيث تبلور لدى الشاب والفتاة تصور بأن الحياة الزوجية كلها حب ورومانسية مطلقة، بدون مشاكل، ويتوقع الشاب أو الفتاه بناء على تصور تبلور نتيجة لمتابعة مثل هذه المسلسلات أن تكون زوجته نموذجاً للممثلة وكذلك الفتاة زوجها نموذجاً للممثل، وعندما يتزوج يفاجأ بزوجته بأنها تخالف النموذج المثالي وكذلك الحال بالنسبة للزوجة فينجم عن ذلك تضارب التصورات بالواقع فيحدث الخلاف بينهما والأخطر في مثل هذه المسلسلات هو تقديم العلاقة بين الشاب والفتاة كأنها علاقة زوج بزوجته بدون مراعاة لاعتبار شرعي أو اجتماعي من خلال اللقاءات والزيارات والخلوة، كلها تتم بدون أي ارتباط بحجة الحب.
تكريس الثقافات
أما الدكتور عادل المكينزي أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود فقال: المسلسلات المدبلجة من الوسائل الاتصالية الفعَّالة والمؤثرة، كونها تعتمد على إيصال الرسالة المرادة بطريقة غير مباشرة وهي تعد من أرقى أنواع الاتصال رغم كلفتها العالية، ومعلوم أن لكل مجتمع خصوصية وثقافة تختلف عن المجتمعات الأخرى، والدراما هي إحدى أدوات تكريس هذه الثقافات. وعندما تغزونا هذه المسلسلات المدبلجة فإنها تؤثر كثيراً في المجتمع كون الدراما من الأنواع المحببة للنفس، فيتلقفها الشخص العامي والأقل ثقافة وعمراً، وخصوصاً المراهقين منهم كون هذا المسلسلات تدغدغ عواطف المشاهدين بما تعرضه من قصص رومانسية وغرامية وخيالية يحبذها المراهقون والعوام وتتحول الحالة لديهم إلى إدمان على هذه الأنواع من الأعمال خصوصاً في ظل انشغال الأسر عن الأبناء وعدم اهتمامها بمتطلباتهم فتأتي هذه المسلسلات لتسرق الأبناء بما تبثه من سموم تهدم الأخلاق والقيم.



اصطدام بالثقافات
ومضى المكينزي قائلاً: هذا الضخ الهائل من المسلسلات المدبلجة التركية والمكسيكية وغيرها أثَّر على عقول ونفسيات مختلف أطياف المجتمع، خصوصاً أنها كسرت حاجز اللغة بدبلجتها إلى لهجات عامية شامية ومصرية ولبنانية وخلافه، فأصبحت مفهومة وواضحة. ولكن للأسف فإنها تحمل قيماً غريبة لا تمت لديننا وعادتنا بصلة، بل إنها تصطدم بها، وهنا يأتي دور الأسرة والمؤسسات التعليمية والدينية، بالإضافة لدور المفكرين والمثقفين في مواجهة هذه الظاهرة السلبية، وأضاف المكينزي قائلاً: مثل هذه المسلسلات المدبلجة تعمل بتأثير تراكمي على قيم المجتمع، وهناك دراسات أجراها الباحث (نغربيني) صاحب النظرية التراكمية عن مدى تأثير المسلسلات على المجتمع بفعل اتصالها التراكمي، كما أن (البرت) صاحب نظرية التعلم الاجتماعي أبان أن الأطفال يقلدون الشخصيات اللافتة والجذابة التي تعرض في وسائل الإعلام، وهو ما يفسر تعلق المجتمع بشخصيات هذا المسلسل كونها تؤثِّر في الأطفال وبالتالي تتأثر الأسرة بأكملها.



فراغ عاطفي
وتابع المكينزي كلامه قائلاً: هذه المسلسلات تؤثر على البنات أكثر من الذكور بسبب غياب الأسرة عن متابعة بناتها، وعدم وجود طموح ذاتي لدى الفتاة فيؤدي ذلك إلى وجود فراغ عاطفي وروحي وخواء داخلي، فتظهر أمامها هذه النماذج بشكل مبهر ومشوِّق، فتخطف لبها وعقلها وقد تصل درجة التأثير إلى تقليد الشخصيات في لبسها وشكلها ولون عيونها ووضع صور أبطال الأعمال على المقتنيات الشخصية، فتكون هذه الشرائح من المجتمع ضحية لهذه المسلسلات المدبلجة بما تبثه من قيم وأخلاقيات تصادم الدين والفطرة السليمة.



تواطؤ إعلامي
ولا شك أن الغرب يريد إغراقنا بالترفيه والعري وهي خطة غربية تستهدف المجتمع المسلم، رغم عدم إيماني الكامل بنظرية المؤامرة. كما أن هناك تواطؤ غير مقصود من جانب الإعلام العربي.
ودعا المكينزي إلى أن تكون هناك مراكز بحثية لدراسات تأثير هذه المسلسلات المدبلجة وغيرها من المواد الإعلامية لقياس مدى خطورتها وتأثر الناس بها لوضع حد لها. لذلك يجب أن ينبري الباحثون والأكاديميون والمثقفون لإيقاف هذا المدى الطاغي، ومن جانب آخر على الإعلاميين والفنانين إيجاد مشاريع فنية بديلة تحمل أهدافاً وقيماً وذلك عبر خطط إستراتيجية طويلة الأمد حتى يمكن القضاء على مثل هذه المسلسلات الخطيرة على المجتمع.