المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ساق الغراب ( اَلهَرْبَةْ ) يحي اَمقاسم .



الهامس جهرا
15 -08- 2009, 10:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

وأنا أتجول داخل مكتبة صغيرة في دبي لفت انتباهي اسم مؤلف على غلاف كتاب أبيض اللون : ( يحي امقاسم ) !!
طبعا امتدت يدي للكتاب فهذه التسمية تخص منطقتنا الحبيبة جازان ومع ذلك قلت ربما هو اسم جزائري أو مغاربي ولكن زاد حيرتي ودهشتي وأنا أطالع غلاف الكتاب كلمة ( اَلهَرْبَةْ ) !!
أدرت الكتاب ( الرواية ) الصادرة عن دار الآداب ببيروت للغلاف الخلفي وقرأت :
يحي اَمقاسم وُلد شرق صبياء , بمنطقة جازان . صدرتْ له , ومع كٌتّاب آخرين . ثلاث مجموعات ومختارات قصصية .
تصفحت الرواية ووجدتها مزيج من الفصحى ولهجتنا المحلية الجميلة .
أحسست حينها أني وقعت على كنز خاصة أنها النسخة الوحيدة في المكتبة .
وأجزم أنني من زوار المكتبات داخل السعودية وخارجها في مصر وسوريا والبحرين وقطر ولم يقع الكتاب هذا أمام ناظري من قبل .
بحثت عن الرواية ( النص ) في " شيخنا قوقل " ولم أجدها وهي موجودة لمن يدفع وقد تصادر في الجمارك وتخسر قيمة الكتاب وقيمة تكاليف الشحن والكتاب نفسه .
وأتشرف بنقلها من الكتاب لأعضاء وزوار المنتدى على حلقات متحملا أي جزاءات من الناشر أو الرقيب مستقبلا .
قبل البدء ..
عرفت عن طريق " شيخنا قوقل " أن اسم المؤلف كاملا : يحي امقاسم سبعي .
والرواية نشرت في الشهر الأخير من عام 2008 في 384 صفحة ويبدوا أنها ممنوعة داخل البلد حيث تتناول مقاطع من حياة شرق منطقة جازان أيام دخول الحكم السعودي .

خاتمة .. إذا حضر مؤلف الرواية في أحد الردود وطالبني بالتوقف حينها فقط سألبي طلبه مرغما .

متابعة ممتعة .


َ

الهامس جهرا
15 -08- 2009, 11:11 PM
من (فحولة إلى حين)

تِهَامِي..
كان "حَمُود الخير" يُمسك بفأس، لنصلها وميض خاطف، وهو يقتعد قطعة خشب كبيرة داخل الأحراش، عاريًا وواضعًا ذَكَره على حجر صوان يلمع أمامه كسطح غَيْل ساكن، وذلك استعدادًا لعملية الختان، دون اكتراثه للمرحلة الأولى من هذه العملية، إذ يلزمه ابتداءًا إدخال بعرة بعير من خلال قَلَفَته دافعًا بها الحشفة إلى أقصى حدّ؛ لتحمي ذَكَره من أيّ خطأ محتمل؛ وليأتي النصل على كامل القَلَفَة دون سواها، إلاّ أنّه اكتفى بسبابته عوضًا عن البعرة، حيث غرس أصبعه للدّاخل، حاشرة حشفته إلى مَنبَت قضيبه، ثمّ عند الحدّ الفاصل بين ظفر أصبعه ورأس ذَكَره ضغط بنصل الفأس، وعندما اطمئن أنّه خلص إلى بغيته أخرج أصبعه؛ لتتمدّد القَلَفَة على الحجر كجزء من خرقة قماش بالية، وعليه أن يجزّها سريعًا، ثمّ يُكمل ختانه عندما يسلخ الجلد من عانته وحول ذَكَره، وساحالاً باطن فخذيه؛ محققًا بذلك عادة أجداده في الختان.
فيما هو في حالة تأهب سمع من خلال الأحراش، وبعيدًا عن نظره، لهاث رجل كأنّه يحمل سوءًا لا يعلمه، ولكنّه لن يردعه عمّا سيفعله شيء ـ كما قرر ـ، ولن ينهاه أحد عن إثبات رجولته وقدرته على القيام بهذا العمل العظيم، رغم العقاب الذي سنّوه لمن يقوم بختان نفسه. هذا ما عزّزه بداخله قائلاً لنفسه: (يقتلوني.. لكن ما يلمس واحد منهم رجولتي واَنا اَبْن عُصيْرَةْ).
لم يعر اهتمامًا لأنفاس ذلك الرجل المتلاشية من المكان، ولا ريب أنّه يُراقبه منذ دخوله الأحراش، وقد اطمأن إلى فكرة أنّه عين لوالده أو جدّته "صَادِقِيّةْ"، تلك العين التي لا تُغادره على الدوام. ثمّ أردف: (اَبْن عُصيْرَةْ)، متحدّيًا من يسمع ومن لا يسمع، هذا وهو يعود في فكرة الاطمئنان؛ لأنّ الرجل قد يكون شرًّا لا غير، لكنّ ذلك لن يُثنيه عن نيته المبيتة منذ أيام خلت، فهو ليس أقلّ شأنًا من سواه في وادي "اَلحُسَيْنِي".
(اَبْن عُصيْرَةْ) عبارة تُجمل كلّ أمجاد عشائره في وادي "اَلحُسَيْنِي"، وتحديدًا في قريته "عُصيْرَةْ"، عاصمة وداعية الوادي، التي لا يستنهضون في أرواحهم أُبوتها لهم إلاّ لأمر جلل لا يتراجعون عنه. وعندما صرخ بأنّه ابن لتلك القرية استحثّ من أعماقه مواقد الإقدام، وأشعل في شخصه فتيل الشجاعة؛ ليتدفق الدم إلى أعلى رأسه حاضًّا حماسه لإنهاء الأمر، ولم يتبدّد صمت الأحراش في تلك الظهيرة من صراخه بتلك العبارة، ولم تفرّ الطيور من بين الأغصان الكثيفة، إلاّ وقد رفعت يده الحجر الآخر وهوت به دون هوادة على رأس الفأس الذي نفذ نصله لملامسة الحجر الأملس، باترًا بذلك قَلَفَته التي قفزت بسهولة على التراب، وشخب الدمُ سريعًا مبهورًا بمخرجه.
وقع الفأس بمحاذاة الحجر المدمى، وهو يستبشر فخرًا بما فعل، لكنّه أدرك خطأً فادحًا ارتكبه، إذ تشكّلت الدماء من حوله بشكل مخيف لم يسبق له أن سمع بحالة مماثلة له!، تمعّن جيّدًا وشعر بوخز مريع، ثمّ وجد أنّه قد بخس حشفته تكوّرها البيضاويّ بمزّقٍ نال من طرفها الأيمن، وترك هذا المنظر الغريب في نفسه شيئًا من الرهبة، فعدل عن إكمال سلخ جلد عانته وباطن فخذيه، كما كان يجب عليه تحقيقًا لتمام العملية، وعدلاً لعادتهم في الختان. فكّر في والده الشيخ "عيسى الخير" الذي سيُعالج الأمر لا محالة، وبهل في التراب المعجون بالدماء حتّى وجد ضالته الضئيلة من الحشفة، وأسرع في تفقّد منافذ الأحراش وأيّ طريق سيكون سلكه آمنًا من أعين تتربص به لوشاية ما تدسّها بأذن أمير "صَبْيَاءْ"، فأعداء والده كُثر ولا بدّ أن تطهيره لنفسه سيكون نكاية بأبيه من قبلهم لدى الأمير الذي يُحذّر من اقتراف هذا الفعل وأن القصاص ممّن يرتكبه سيكون قاسيًا.
برغم وصوله خِفية إلى البيت إلاّ أنّ أعين الظلام في القرية لا يُمكن مغافلتها، هذا في تقدير أهله الذين من فورهم تيقنوا تمامًا للخطر المحدق، فأسرع والده في إخفاء ابنه عن الأنظار، ورتّب مع نفر من خاصّته تطبيب الجرح، ثمّ تدبّرت الأمّ مع الجارية "زَهْرَةْ" دفن الجزء المبتور من حشفة الصبيّ.
ركب الشيخ عند الظهر دابّته باتجاه "صَبْيَاءْ"، وتحديدًا نحو الأمير الذي استقبله برحابة يستحقها، مع أنّه فُوجئ بزيارته، فهو الذي كان يُرسل له أكثر من خطاب للتداول معه في أيّ أمر ذي صلة بوادي "اَلحُسَيْنِي" فلا يُجيبه مطلقًا، وكلّ ما يفعله الشيخ تجاه الدعوة الخطيّة هو وضعها تحت فراشه ويأمر جنود الأمير بالذهاب حاملين منه إلى أميرهم عبارة واحدة: (إذا كان هو بحاجتي فبيتي واسع)، ولا يأتيه في مجلسه إلاّ إذا نزل سوق "صَبْيَاءْ" يوم الثلاثاء وسمع به الأمير؛ فيُسارع هذا الأخير لمقابلته على مضض ويُلاطف عرش أنفته؛ حتّى يلين الشيخ لحيله فيعبر بدار الإمارة على عجل، فهو لم يكن يومًا ليذهب عنوة إلى مقرّ الإمارة، ولم يحمله على هذا العمل إلاّ أمرًا مستطيرًا ـ ربما هكذا تحدّث الأمير في نفسه حين رآه ـ.
بدأ الشيخ بتنفيذ أهمّ خطوة في خطّته للخلاص من العيون المتربصة به، حين دعا الأمير وصحبه لحضور "شُهْرَةْ" ابنه "حَمُود" عصر غد الذي سيكون إيذانًا ببداية ليالي التشهير بيوم ختانه، وأصرّ عليه في دعوته ليكون ضمن "المَطَالِيب" الذين يُدعون، وبشكل خاص، لهذه المناسبة الكبيرة، فاعتذر الأمير بحجّة انشغاله، وطلب من معاونه الأوّل الحضور نيابة عنه وبصحبته بعض عساكره، فأضمر الشيخ سعادته بهذه التلبية التي تمّت بالوكالة، لكنّه لم يُظهر فرحه بأيّ سلوك مبالغ فيه يكون من شأنه إيضاح بعض ممّا طواه في نفسه.

نكشكيشو
15 -08- 2009, 11:12 PM
شكرا على هذه المعلومه واتمنى النشر


::sa05::

الهامس جهرا
15 -08- 2009, 11:21 PM
اَلهَرْبَةْ

(1)
خرجوا وكأنّ لا بلاد من بعدهم، لا رُضّع في المهد يلثغون لقلوبهم، ولا نساء يرتكبن الأمل في إثرهم، يقفن على سهوب غادروها، نساء تعيث ريح الصباح بمناديلهنّ وهي تُضارع بخفقها بيارق "عُكْفَة عُصيْرَةْ"، يُوقظن وحش الحماس في أرواح عصبة القرية، بأُهزوجة ترى أنّه لا يكاد رجال هذه العصبة أن ينهضوا لسماع "دُوْف" بنادق، حتّى يتناهى إليهم رحع ذلك الرصاص البعيد راكعًا من فوق المروج الهياّجة، وآخر طوافه على آذان وحش يسكنهم فيقدح مخالبه في أجسادهم؛ ليستنفروا على نداء تلك البنادق دون هوادة. كنّ يُنشدن بصوت عالٍ، وظافر بالفخر والعزّ، تلك الأهزوجة التي تُؤلب قلوب الرجال للحرب:
(قِِمتْ واسْمَعْ دُوْف غَاَبي
مِنْ عَلَى اَمْهَيْجَهْ رِكِيعُهْ)

قبل الشروق كان ناي الجيش يُلهب الأرواح في ميدان "قُنَيْدَةْ"، فإثره جرت في أزقة قرية "عُصيْرَةْ" جلبة لا تلوي على شيء أبدًا، إذ راحت الجموع تتقاطر إلى الميدان جارفين دمدماتهم الحارقة، والجباه تُقطّب في صمت مهول، ولا تقبض الأذن على كلمة واضحة ليلمس المستطلع من أمرهم شيئًا، ولا يجرؤ أحدهم أن يعلو صوته قبل أن يتقدّم الشيخ ليبدأ صباحهم ذا الشرّ المستطير.
أُشعلت الفوانيس في مداخل البيوت، والأمّهات الكبيرات يصرخن في أبناء القرية، كلّ واحدة تُضرم النار في قلب ابنها، وتُناديه في صراخ فاجع بأنّها لم تلده وتدّخر شجاعته إلاّ ليوم طويل كهذا، وأنّ الله لم يمدّ في عمرها إلاّ لتشهد بطولته في هذا اليوم تحديدًا. كان الرجال يمتثلون لنداء الحرب في حناجر الأمّهات؛ مستنشقين رائحة البارود في بنادقهم، ويعلمون أنّ هذا اليوم سيطول بالمشقّة البالغة، وفي قرارهم يرجون الشيخ أن يُعطيهم إشارة التحرّك، لكنّه بدلاً من إطلاقهم كشرر الرصاص في وجه الغرباء، نظر إليهم مليًّا وكأنّه يتفحّص عددهم وعتادهم، ثمّ علّق في خيبة أخزتهم جميعًا: (عُكْفَة عُصيْرَةْ ناقصة أربعين رجل!)، تلفت الجميع بتعجّب، فلا يُمكن أن يتخلّف أربعون رجلاً منهم، وعن استنفارهم هذا تحديدًا، دون أن يُلاحظوا ذلك، إلاّ أنّهم لم يُراجعوه فيما ذكر، وأسلموا لصمت كان يرغبه منهم وهو يستعرض صفوفهم، حتّى علت المكان رصاصة تعمّد مطلقها أن تشقّ سماء ميدانهم. من فوره، وببشاشة واضحة أعلن الشيخ أنّهم اكتملوا، وعندما حدّقوا في القادم، إذا هو "بِشَيبشْ" الذي تنقص عصبة "عُصيْرَةْ" بغيابه أربعين رجلاً.
كان "بِشَيبشْ" قد أوقد الشمس قبل وقتها، ذلك حينما جرّ "ولد بلال" من على قَعَادَة نومه فجرًا، وتحديدًا قبل غروب نجم "الزُهْرَةْ"؛ ليعزف بنايه العتيق لحن رقصة الجيش في الأزقة، ثمّ أشعل في أطراف القرية النيران، معلنًا حالة التأهب، واستنفر عددًا من الرجال؛ ليعدّوا عُدّة النزوح بالعجزة من وادي "اَلحُسَيْنِي" مع النساء والصغار، وكأنّ ساعة الصفر تُنذر بالحلول، وانطلق إلى تُخوم القرية من الشمال يتحسس أمرًا كان يُخفيه منذ أيام، وهو الآن يضع قومه وشيخهم أمام شرّ لا قاطع لدابره سوى مبادرة شرسة تكون من جانبهم.
لم تمض دقائق معدودة على تلك الرصاصة، حتّى انضمّ "بِشَيبشْ" إلى الرجال الماثلين أمام الشيخ "عيسى الخير" وهو يُذكّرهم بنبوءة والده الشريف "مِشَاري" التي رأت أنّ حاكمًا سيخرج من إحدى مدن "ص"، يعني "صَبْيَاءْ" أو "صَعْدَةْ" أو "صَنْعَاء". وقد تحققت تلك النبوءة في رجل خرج من العامّة هو "الأَدريسي" الذي كان، في يوم قديم، حاضرًا سوق "صَبْيَاءْ" حين خرجت على الناس امرأة تستغيثهم أن يدفعوا عنها ضيمًا لحقها من ثلاثة رجال جرّدوها من مالها، فاستلّ "الأَدريسي" سيفه ونادى في الجميع مقسمًا أن يقتصّ من المعتدين الثلاثة بجزّ رؤوسهم، ولا رجوع في ذلك؛ قصاصًا للمرأة وإقامة للعدل، ومن تلك الساعة اجتمع الناس له على قلب واحد، فصار له شأن عظيم من قوامة وخير؛ ليكون حاكم "المِخْلاَف" الأوّل بلا منازع، حتّى غربت شمسه بعد سنوات طويلة من اليد الواحدة بلواء واحد في كافّة المنطقة.
كان الشيخ يتساءل عن أيّ نبوءة، هو لا يعرفها، وتتحدّث عن هؤلاء القادمين من الشمال، فلم يردّ عليه أحد، ولم يسمع تعليقًا واحدًا، عدا الأمّ "صَادِقِيّةْ" التي بدأت صباحهم باستصراخ رجال خلَوْا، تُناديهم بأسمائهم واحدًا واحدًا؛ لتشرخ غيّ رجال القرية في ذلك الصباح، فتردّهم إلى صواب تراهم يحيدون عن جادّته. وغدت تتبع صوت ابنها الشيخ، بمساعدة جاريتها "زَهْرَةْ"، حتّى تمكّنت منه، فشدّت شعر ذقنه إلى الأسفل، ليتهادى مع حركتها إلى أن خرّ على ركبتيه أمامها، وهي تصرخ فيه: (يا عيسى.. عُصيْرَةْ صاحبة عهد وميثاق.. فلا تذلّ بلادك بحرب ما لها ذكر في أيّ كتاب عندي...)، وكان يُلصق جسده بها؛ وهي تنخرط في صراخ أيقظ ما تبقى من القرية، ورجاله يصطّفون في خشوع تامّ، ولا يرون في امتثال شيخهم أمام أمّه إلاّ صلاة خالصة تسبق هذا اليوم الطويل. كان الشيخ يشدّ جسد أمّه إليه صامتًا وهي تقبض على ذقنه وتُنادي في سادة الوادي الراحلين، فلا يُجيبها أحد، فتُناشد في عصبة "عُصيْرَةْ" الواقفين أن يطرحوا بنادقهم جوار آنية نسائهم في البيوت، ولا يميلون إلى هوى ابنها "عيسى" في حرب لا أساس لها البتّة، حرب لم ترد في كتاب علمها الذي لا يطّلع عليه أحد، وتستصرخ فيهم أرواح آبائهم الأولين.
كانت تُدرك عظيم إجلالهم لها، لكنّ عصمة دمائهم الحارّة في لحظتهم تلك مقبوضة إلى ابنها الخارج عن طوعها هذه المرّة، ولا يُمكن أن يُبدّل في رأيه هذا، فهو قد استهلّ اجتماعهم بنبوءة الشريف "مِشَاري" التي كانت مسوغًا لقيام إمارة "الأَدَارِسَةْ" في زمن خلا، وما كان لرجل في الناحية أن يكون سائس حكم إلاّ بموافقة عصبة "عُصيْرَةْ"، مثيرًا بذلك السؤال عن هذا الزمن الذي ينسلّ من بين أيديهم، فلا يكون لهم؟، وكيف سيُصبحون على مقاليد بلادهم مسلوبة بيد أغراب لا مكان لهم هنا بتاتًا؟!. وهذه الأسئلة جعلها حبيسة القوى عن فعل شيء يُوقف ابنها عمّا قرره مع الرجال الذين تراصت أعضادهم باتجاه الغرب حيث يُلاقون "قوم الذُّلُول" فيكسرون شوكة غاياتهم ويردعون مطامعهم في النيل من ترابهم.
كانت الأمّ قد أرخت قبضتها عن ذقن ابنها قبل أن يُقرّبوا الناقة "مِسْلِيَهْ" ويحملونها فوقها، وتسمع الشيخ يُوصي ابنه "حَمُود" أن يُثبت رجولته في الحفاظ على جدّته وإيصالها مع الأطفال وعجزة العشائر إلى تُخوم جبال "ساق الغراب" من الناحية الشرقيّة لواديهم، وألاّ يخذله ويتعقّب الرجال فيما مضوا فيه غربًا، ثمّ انضمّ الشيخ لإحدى فرق القتال، بعد أن وزّع مهمّات حربيّة مساندة على بعض النساء.

الهامس جهرا
16 -08- 2009, 10:03 AM
شكرا على هذه المعلومه واتمنى النشر




::sa05::

تم بحول الله .

حـــذيفــة
16 -08- 2009, 02:01 PM
يا ألله - قسماً بالله رواية جميلة ..

بالفعْل قد تكون ممنوعة لذات السبب ..
على العموم ليس من شيء يختفي في هذا الإنترنت ..
والبركة في رجال أكفّاء : أمثالك يا بِشَيبشْ - يالهامس جهراً .

لنعيش رواية رائعه مليئة بشجاعة الشيخ : عيسى الخير - وحكمة : أمّه .
وشهامة الرجل العظيم : الإدريسي .

أنتظر بحرارة القادم ثم القادم ثم القادم .
والله يكرمك ويبارك فيك .

الموضوع للتثبيت .

الهامس جهرا
16 -08- 2009, 02:10 PM
( 2 )

كان صبياً , وفي عين مَنْ رآه ذلك اليوم , لم يتجاوز بعد العاشرة من عمره , حين قاد " حَمُود الخير " الناقة " مًسْليَةْ " وعليها جدته " صَادِقًيّةْ " التي ما انقطعت تُحذّرهم من هجر واديهم في ذلك الصباح , وتصرخ بهم أن يظلّوا في بيوتهم , لكنهم لم يستمعوا إليها , فخفّوا للخروج من سهول قراهم , تجنّباً من مواجهة الأغراب المغيرين على مرام لا يعرفه أحد .
أضحت قرى وادي " اَلحُسَيْنِي " جرداء من أقدام الأطفال الذين اصطفّوا سيراً في قافلة النازحين , وخالية من جرار الفتيات على الآبار , ونقيت السماء من دخان التنانير الذي يتلبّد عالياً عند كلّ فجر , وغابت أصوات المواشي حين يُسرّحها الرعاة للمراعي وعثّة سيرها المتطايرة في الطرقات , فخوت القرى تماماً من تباشير حياة القوم في ذلك اليوم الفصل .
والناقة " مِسْلِيَةْ " تتصدّر المسيرة , كانت الجموع تتدافع بمحاذاة الوادي شرقاً , حيث يستقرّون إلى حين , فحرص الفتيان والفتيات على تقاطر المواشي والدواب في مسلك واحد يتأخّر عن المتقدّمين ممّن طعنوا في السن من الأهالي , وهناك من النساء من تحمل صغار الضأن والماعز المولودة حديثاً لتتيسّر حركة الجموع , إذ يلزمهم ألاّ تَحْمَرّ أحْباط الجبال بالشفق إلاّ وهم في حلّ من أحمالهم وناصبي أساسات خدورهم تحت تلك الجبال , حيث يتعيّن عليهم ذلك , فلا يُعيقهم عن مبتغاهم شيء , وظهر في المؤخّرة جمل ضخم قيّدوا عليه " علي هبّاش " وهو يُنادي في بكاء طويل رفاقه الراحلين , واليوم يقتاده القوم كدابّة حرون انصياعاً لأمر الشيخ , فما كان لهم من بدّ غير ذلك , لأنّه رجل كبير وأعمى ويُقسم ألاّ يخرج من القرية , وأن يُواجه أُولئك القوم , فيٌمزّقهم بأسنانه , إن منعه ظلام عينيه من نخر صفوفهم العتيدة بالرصاص , كان يشتدّ غضباً كلّما نزلوا في سيرهم من مرتفعات يحسّها تفصلهم عن " عُصَيْرَةْ " , أو كلّما مالوا إلى منحدرات يعلم أماكنها , وكان يقيس قدر المسافة التي يتجاوزونها من خلال عدد التلال التي يصعدها جملة أو من خلال برك المياه الآسنة التي يقطعونها ويعرفها هو واحدةً واحدة .
كان إلى جوار الناقة " مِسْليَةْ " يسير جمل يحمل " بنت الخَبْتي " الشهيرة بـ " فاطمةْ " وكانت تربط إلى جسدها أخاها " بن شامي " الساكن في حضنها كطفل ودود لا يُقدم على أيّ حركة , متشبّثاً ببندقيته " شَارِقْ " وكان " بن شامي " كلّما تقدموا في المسير سأل أخته : ( فاطمة .. عسى في شَارقْ رصاص ؟ ) , منذ سنوات وهو يسأل السؤال ذاته وتردّ عليه بالإيجاب , ثم تطلب منه أن يُوفّر رصاصة لمنازلة ذوي عاشقاته , هذا رغم أنها لم تضع له رصاصة واحدة منذ أن فقد قدرة التمييز ووهنت قواه قبل سنوات نتيجة حرب شعواء مع سيل كاد أن يجرف بعض مواشيه , فصارع الأمواج وتلقّى على رأسه عدّة ضربات أودت بجلّ ذاكرته , وكانت من خلفهما " عَلِيّةْ هادي " تذود بقرة شغوفاً بملاحقة جمل " فاطمةْ " التي زيادة على إمساك " بن شامي " في حضنها , كانت تُردف خلفها " بَوْ " من جلد لبن البقرة النافق قبل أسبوع , محشوّاً بالقشّ , وأقاموه جوار البقرة لئلاّ تنحل بفقد وليدها فيقلّ درّها بالحليب , وعند خروجهم صباحاً , اضطرّوا لحمله معهم لكيلا تُحجم البقرة عن المسير .
كان " علي هبّاش " لا يتوقّف عن النحيب والصراخ , وإذا وصل " بن شامي " شيء من ذلك الصراخ الفاجع سأل : ( فاطمةْ .. ما يقدر الهبّاش يسري يبايت معي ؟ اسألوه إن كان يقدر يسري ؟ ) ويسأل " فاطمةْ " إن كان بإمكان " الهبّاش " أن يشاركه مبيته مع الصبايا العاشقات , ويسألها بصيغة الجمع كما هي عادته , فالجميع لديه " فاطمةْ " , حيث لا أحد يقترب منه , سواء كان رجلاً أو امرأة , إلاّ إذا بيّن الداني إليه أنّه " فاطمةْ " , وإذا لم يُصرّح أي شخص يقترب منه بذلك الاسم تحديداً , فعلى الفور يتلمّس " بن شامي " جسده بطريقة مستفزّة , إذ يضع يده في حجر ذلك الشخص , فإن كانت امرأة زاد في ملامستها وملاطفتها , وإن كان رجلاً بصق عليه , لذلك ما كان لأحد أن يجرؤ على الاقتراب من سرير نومه دون أن ينتحل شخص " فاطمةْ " ثم يصمت .
ودون أن يصل " الهبّاش " سؤال " بن شامي " , أجابته " عَلِيّةْ " وفي مداعبة لا يعيها : ( الهبّاش يقول هو محتزب لليل طويل .. واَنت ؟ ) , وعندما سمع أنّ صاحبه مستعدّ بسلاحه لخوض كلّ لياليه مع الفتيات , ردّ متسائلاً " ( يا فاطمةْ .. في شَارِقْ رصاص ؟ قولوا لي ؟ ) , فعادت أخته تشده إلى حضنها لتُصلح من جلسته معها على الجمل , وعلّقت بأنّ بندقيّّته جاهزة لكلّ الليالي فهي محشوّة بالرصاص حتّى العنق , ولكن عليه الانتظار إلى أن يصلوا لنزل عاشقاته , ثم نظرت لـ " عَلِيّةْ " نظرة ناهرة للتوقّف عن إثارته بمداعباتها التي لا تتوقّف حتّى في ظرفهم الحرج ذاك . وعاد " بن شامي " يُؤَكّد لها : ( أنا قادر عليهم .. بس شَارِقْ في نحر اَمْنَبّاش ... ) , فتحوّل بها إلى شجاعته من دون البندقيّة التي يحتزب بها طيلة حياته ومماته , لتكون في نحر " النبّاش " , ذلك المارد الذي التقاه قبل ثلاثين عاماً في وادٍ سحيق , وقال له " يا بن شامي حِلّيلْتِي بك وبعيالك ) , فهو لن يكون حليلاً لذلك المارد الذي توعّده بأن ينبش قبره وقبر كلّ من يتسلسل من ذريّته , إذا لم يقدح " شَارِقْ " كلّ حين بالرصاص , و" فاطِمَةْ " وحدها هي من تُبقيه على هذا المحمل من الانتباه والحرص , كما يؤمن دوماً .

الهامس جهرا
16 -08- 2009, 02:27 PM
(3)
(اللّي يُشلّ بندق أو حتّى شفرة ويدخل بلادنا ما يشا اِلاّ الموت يا لنا يا له)، هذا ما أعلنه شيخ الشمل "عيسى الخير" عن حاملي الأسلحة وداخلي بلادهم، الذين لا يقصدون غير الموت لهم أو لمن يلقونه وهم في طريقهم إلى كلّ بلاد يدخلونها عنوة.
قال ذلك قبل أن يُسرّح الجميع للشرق عدا الرجال الموقدين بشهوة القتال، والتفّوا حوله يرصّون العزم لنجدة ترابهم من القادمين، فاستبقوا إلى طريق الساحل مشكّلين خط المواجهة الأوّل مع "قوم الذُّلُول"، والبعض انتشر في مداخل القرى على وادي "اَلحُسَيْنِي"، وداخل الجروف من الناحية الغربيّة، وحمل بعض النساء البنادق والسكاكين واقتعدن أحراش "الأراك" و"الأثل" المنتشرة شرقًا، فيما الصبيان حملوا ما استطاعوا من مؤن العشائر، بصحبة الأطفال والماشية والعجزة، قاصدين ناحية "الحِبَاطَةْ"؛ من الجهة الشرقيّة حيث تتسع منحدرات جبال "ساق الغراب"، لتكون ملاذهم إلى أن يكشف الله عنهم هذا الضرّ، وتنفيذًا لأمر الشيخ في نهاية توجيهاته لهم، وقد أطلعته أعين سرّه على أنّ القرى الواقعة شمالهم وتسبقهم في مقابلة تلك القوافل لم يمسسها سوء، إلاّ أنّه فضّل المرابطة في حصونهم؛ ينتظرون هذا الغيب ليروا من أمره شيئًا.
انقضى يومان وهم على حالتهم لا يتحرّكون من مواقعهم، بعد أن اطمأنوا على الأهالي في مقامهم الجديد، وبعض النساء يتناوبن على بعض الثغور لإحكام حراستها فيما أُخريات يُشكّلن همزة وصل مع النازحين إلى "الحِبَاطَةْ" والتأكّد من سلامة مقام الأهالي، إضافة لجلب الماء والغذاء من أماكن متفرّقة للرجال المرابطين.
عند بداية اليوم الثالث وصلت تلك القوافل فجرًا إلى حدود وادي "اَلحُسَيْنِي" الغربيّة، بعد أن انضمت فرقة الخطّ الأوّل لبقية العصبة المرابطة، ولم تكن هناك ظروف مواتية لإحلال التفاوض بديلاً لحرب قُررت سلفًا، فأُطلقت أوّل رصاصة على أوّل القادمين من بندقيّة "بِشَيبشْ" بحكم تمركزه وحيدًا في طريقهم، إذ كان يتحصّن في خندق أقامه بالشقّ الأسفل، حيث الجهة الغربيّة للقرية، فرُفعت أوزار الحرب سريعًا، وكان رجال القافلة لا يتوقفون عن اللعن والسخط، وكأنّهم يحذرون من مغبة مجاراة أهل هذه البلاد، وقد تخلّف قائد الحملة العسكريّة عن خطّ المواجهة، كأنمّا يُمعن في قراءة طبيعة هذه الدمنة التي تنام منذ مئات السنين على تلعة كبيرة ومن تحتها الوادي والمزارع ولا يرى بها قاطنين وقت وصولهم إليها، وشعر فيما بعد أنّه قد يقع ورجاله في مصيدة لا فكاك منها، فهذه البلاد تُحيط بها أحراش ومتاريس حجريّة ممتدة حتّى جذور الجبال من الجهة الشرقيّة، ولا يُمكن التأكّد من قدرات أهلها الذين يجهل بالمطلق عددهم وعتادهم في القتال.
لم يُقرر القائد إيقاف إطلاق النار من طرفه إلاّ بعد إدراكه أنّ الخسارة ستكون أوسع من المتوقع فيما لو استمرت المواجهة، ممّا أثار فيه الرعب، فما شاهده من نيران لا تتوقف قد تحرق أخضرهم قبل يابسهم، وكان يُكرر لمستشاريه وجنوده: (في ذَا هَمَجْ ما يعرفوا حَسَنة مجيئنا...).
واستغرق في تفكيره حتّى تدبّر مع مستشاريه ورجل دليل أمرًا مفاده إرسال وفد صغير للتفاوض. إلاّ أنّه قبل تحرّك الوفد المعيّن تغيّر الوضع وبدأ القائد يتقهقر ويعود لمسار قافلته الأوّل نحو الجنوب بدلاً من التوغّل شرقًا إلى حيث لا يعلم بطبيعة الأرض في ذلك الاتجاه، إذ كانت نيران البنادق لا تتوقف، ولو تقدّموا لَحُصِدوا جميعهم، ويجهلون منافذ المكان الكثيرة، وقد اقتنع في قرارته أنّ هذه المواجهة ما كان لها أن تقع لو أنّ هناك قراءة جيّدة لطبيعة هذه الناحية من حيث ساكنيها وتضاريس بيئتها المجهولة تمامًا بالنسبة لهم كفاتحين حسب اعتقاده.
كان شيخ الشمل يُصرّ على مطاردتهم لمجابهتهم ودحرهم إلى شمالهم، أمّا كبار القوم فكانوا يُثنونه عن ذلك، وكأنّه يُحاربهم وحده ويصرخ في المكان بأعلى صوته: (والله هَاذولا عسكر اَمْسَعَاوِدَةْ.. اللّي يحاربون على ذُلُول.. والله هم.. لا تخلّوهم يُهجّون ميمن.. شَا يقاتلون في الشقّ اليماني.. حُدُّوهم.. خلُّوهم يرجعون لبلادهم الشامية.. لا يقتلون حلفنا في الشقّ اليماني..) ورجاله لا يُحركون ساكنًا مطلقًا!.
صرخ يُفتّش في وجوه رجاله عن ناصر له، وعمّن يردع الغزاة، الذين يخوضون حربهم على جمال بخلافهم حيث يُقاتلون راجلين، عن مواصلة سيرهم جنوبًا، وتحديدًا نحو وادي "ضَمَدْ" و"أبي عَرِيش" وما خلفهما من بلاد حتّى حدود اليمن الشمالية، لكنّ رجاله بقوا ربيبي صمتهم المفاجئ، فجميعهم لا يعرفون لهم حليفًا في الشقّ اليماني، إنهّم مكتملون، وبعضهم يُبرر ثورته بأنّ جمرة الحرب ربما سلبت لبّه، ولم يعد يُدرك ما يقوله، وما يُوافقونه عليه تمامًا هو أنّ هؤلاء القوم لا مكان لهم هنا، وما جرّ أرجلهم لهذه البلاد إلاّ "الأَدريسي" حاكم "المِخْلاَف" الأخير، وأن عليهم الرجوع شمالاً إلى بلادهم البعيدة.
أيقنوا أخيرًا وبعد تواري القافلة عن الأنظار، أنّ لا يد لهم في هذه الحرب، وأنهّم سيتدبرون الآن أمر عيشهم في جوانب الجبال، حتّى ينتهي أمر هذه القوافل، وحتمًا ـ في القريب العاجل أو في البعيد المنتظر ـ سيسمعون عن أفعالها في الجنوب والشمال.
بإيعاز وتصرّف حكيم من كبار العشائر، حملت أكتاف العبيد سرير الشيخ من مقرّ معسكرهم، بعد أن خرّ مغشيًّا عليه من شدّة غضبه عليهم كعصبة شهيرة، إذ خذلوا مناشدته لهم اللحاق بالغزاة الأغراب، وقِيدت دابّته محمّلة بالأسلحة والذخائر، ثمّ بوجه الهزيمة انطلقوا جميعًا مع بقية النساء المعاضدات إلى قربة أهاليهم الفارّين من قراهم، وقد خلفوا من بعدهم "بِشَيبشْ" عينًا استطلاعية وراصدة للمكان.

الهامس جهرا
16 -08- 2009, 07:55 PM
( 4 )

عندما استقروا في " الحِبَاطَةْ " نازحين , كانوا قد اختاروا منها مكانا يُسمّونه " اَلقَايمْ " , لإطلالته الشاهقة على الأودية من الجانبين وارتفاعه عن بقية الأرض الصّخرية المحيطة , فأُقيمت عليه بعض البيوت بسواعد النساء والأطفال من القشّ وجذوع السمر , ولم يصل الشيخ وبقية المحاربين إلاّ وكلّ أُسرة لها خدرها المشيّد , وفي المقدّمة أُقيم عريش كبير للشيخ , بأمر الأمّ ذات الفضل الأوّل في استقرارهم هناك , بعد عقد تفاهم مع أعيان تلك الناحية الذين رحّبوا بهم كما ينبغي لذوي المكانة والجاه العالي , وقد طمأنتهم أنّ الغزاة لا مكان لهم في ذاكرتها ولم يُنبئ أيّ كتاب من قبل بحرب كهذه , وأنّها قد نبّهت شيوخ القبائل وعلى رأسهم قائدهم ـ ابنها ـ إلى مغبّة خروجهم من قراها لكنّهم لم يعوا حدسها , وهي التي لم يُعص لها أمر من قبل هذا , لكنّ هذه المرّة غُلبت وشقّ عليها مخالفة إصرار الرجال وابنها على الخروج من واديهم .
في الليلة ذاتها التي لحقوا بأهاليهم كانت الأمّ تجتمع في خدرها الصغير بثلاث نساء من مساعداتها الخاصّات , ولم يكن مستغرباً أن تطرد الجميع بمن فيهم الشيخ العليل عن جوار ذاك الخدر الضاجّ بالصياح , كما أنه لم يتجرّأ أحد بالسؤال عن سبب الاضطراب الظاهر على وجهها من خلال عبارات الشتم والسباب لكلّ من شعرت باقترابه منها , أو من النساء الثلاث , ولو لمعرفة أسباب الصراخ المنبعث من حنجرة امرأة يُوجعها المخاض , وكانت جاريتها الخاصّة " زَهْرَةْ " تُنبّهها فوراً باقتراب أيّ شخص يستطلع الأمر .
وقد تضاربت الآراء حول اسم المرأة التي يصلهم صراخها وكأنها تسألهم غوثا لا تجده أبداً , كما تناقل النّاس فيما بعد أنّ هناك أكثر من امرأة تصرخ وتستنجد , وراح الجميع يفترضون ما استطاعوا , في محاولات مضنية لمعرفة سر تلك الليلة .
في الصباح كان يظهر على الأمّ جهد ما كان ليُصيبها ـ بحسب تقدير ابنها الشيخ ـ لو أنّها أسرّت إليه مسبقاً بدواعي ذلك الجهد , ولم يخطر بباله أن يستدرج إحدى النساء الثلاث اللاتي خرجن بصمت هلع , فهو لن يخرج منهنّ بشيء ما دامت الأمّ هي من تقود فريق القَبَالَة طوال الليل , وبين أيديهنّ امرأتان تضعان حمليهما في ليلة واحدة ـ كما علم فيما بعد ـ ففضّل الشيخ السكوت حتّى يحين الحديث كما ترغب هي , كما أنّه لم يكن بحال جيّدة للتدخّل في تلك الأمور المقدور على إنهائها من دونه , خاصّة وأنّها من شؤون النساء .
عصر ذلك اليوم وجّهتهم الأم بصلاة الميت على امرأتين وطفل واحد , ثلاث جنازات عناء الليل الفائت وكانت إحدى المتوفاتين زوجة " بِشَيبشْ " الغائب عنهم , أمّا المرأة الثانية فكانت مجهولة , وقد جُهّز الموتى في الخدر ذاته , ثمّ بأمر الأمّ دُفنت جثّة إحدى المرأتين جوار نُزل " اَلسّاحِلي " , والأخرى والطفل دُفنا خارج نطاق مقامهم , وحين هبط أوّل الليل كانت جارية الأمّ الخاصّة " زَهْرَةْ " تتسلل ناحية واديهم غرباً مخبّئة فيما حملته معها الحبل السّري للطفلة الباقية على قيّد الحياة , فيما كان رغاء " اَلبَارق " ـ جمل بِشَيبشْ ـ يعلو في سماء المكان فقداً على زوجة صاحبه , ممّا دعاهم إلى شدّ وثاقه إلى قائم قَعَادَة الأمّ خوفاً من أن يسري إلى القبر ويدكّ معالمه , كما أنّ الجمل لن يجرّ قعََادَة الأمّ ليلاً , فهو يعرفها , وقد أمرت الأمّ " ولد بلال " بألاّ يطيل في عزفه لحن الموت كونهم لا يُقيمون في ديارهم , وكيلا يفجعوا " بِشَيبشْ " بصوت الناي الباكي , إذا ما اقترب من مكان إقامتهم ذاك , مع علمها أنّه عند تلك السّاعة كان يَجْبٌر إلى غار يحميه من الليل المطير , ولن يصلهم في " اَلقَايِم ْ " إلاّ ضحى الغد .
عِشاءً في عريش الأمّ , والسماء تهدر بالرعود كان الشيخ على حالته مثخناً بحزن وحرقة , ومنثنياً عن حادثة الموت والصلاة والدفن , ولم تُذهب عنه تلك الحالة سوى الأمّ القادرة وحدها على تطبيب كافّة آلامه , فعندما شعرت في جواره بصمت تعرف مغزاه , بادرته تقول : ( زوجاتك ماتوا وحقك ما مات .. عادوه في مكانه ... ) .
تبسّم ابتسامة لم يشعر بها سواها رغم وجود خاصّته ومن حضر للتعزية في زوجة " بِشَيبشْ " الغائب حتى تلك الساعة , وسرّهم التخفيف من كمد شيخهم , ثمّ ليستغلّوا فرصة مراوغة الأمّ له حين ذكّرته بأنّ عضوه باق رغم موت كلّ نسائه وآخرهنّ أمّ " حَمُود " المتوفّاه قبل سنتين , ولكيلا يصمتوا لحظتئذ , علّق " سُبَيعْ " ـ ابن الأمّ الأصغر ـ على ما ذكرته العجوز قائلاً لها : ( ما عاد في حقّ ولدك اِلاّ البول ) . وبذلك زاد " سٌبَيعْ " من صخب التندّر بعضو أخيه " عيسى " , معرضاً بعجزه , فعندما ارتفع ضحك " بن شامي " غير الواعي بحال حزنهم , وبدورها ردّت الأمّ على " سُبَيعْ " : ( أنا اَدرى بولدي يا هيّن .. أرجل منكم كلّكم ) .
وفي محاولة أخرى منها لتُحرّك شيئاً بداخله للحديث , دافعت عنه بأنّه أكثرهم رجولة , ومع هذا لم يستجب الشيخ لما ذهبوا إليه , بل غيّر الحديث بسؤاله عن الأسلحة , وما إذا كان النساء اللاتي وصلن قبلاً بيوم , قد أتين بما تبقّى من بنادق وذخيرة .
ردّت عليه الأمّ مؤكدة وصول الجميع وبكلّ أسلحتهم , وهي تتنهّد قليلاً متذكّرة " بِشَيبشْ " وكيف سيستقبل خبر وفاة زوجته , وأضافت : ( روّحوا معهنّ بواحدة حُبلى في حَدّها .. حصّلوها في طريقهم متعسّرة .. يمكن زوجها أسروه قوم الذُّلُول وهو هاربّها ... ) .
بشدّة وفزع , سأل رجاله : ( من هو زوجها ؟ ) .
هوّنت عليه الأمّ ما نعرفها .. كَاَنّها من وادي ضَمَدْ ) .
صمت قليلاً بفعل الاطمئنان , ثمّ وجّه الحديث لها متسائلاً : ( قالوا لي اَنّكن ولّتن ثنتين ماتوا مع ولد واحد وبقي صُبي حَيّ .. ولَد مَنْ ؟ ) عقّب أخوه " سُبَيعْ " ’ مصحّحا له جنس المولود , قائلاً : ( اللي بقيت صبيّة يا عيسى ) .

الهامس جهرا
17 -08- 2009, 02:15 AM
تابع ( 4 )

عطّلت حواسها عن السؤال , وكأنّها تثير انتباههم للاهتمام بما ستقوله , أخذت بعصاها من طرفها ولوّحت بها في الهواء كمن يُحذّر من شيء , وبعيداً عن أيّ ملمح لإجابة عن سؤاله , قالت : ( أنتم مقدمين على زمن ما عادوه لكم .. صحيح أنّ هاذُولا ما اَجوْا يحاربون مثل ما تحسبونهم .. لكنهم اَجوْا بشرع غَيْر .. حياتنا شَا تِتْغيّر كثير فعينكم بعيالكم لأنّهم بعد زمن يُهجّون مشايم ويخَلّون بلادهم .. يُهجّون ورا دولةْ .. يطاردون ورق .. ويمكن الواحد فيهم ينسى أهله وأرضه وحياته هَاهِنا كلّها .. هذا الشّام ما عادُه زي زمان .. فيه دولة جديدة .. وشرع جديد يحكم ظِهار باسلة وبعيدة .. واللّي مَرّروا هم عسكر لهذيك الدولة .. يصلون حتّى زَبِيد ... ) .
وكأنّ في مسامعهم وقراً بعد حديث الأمّ التي توقّفت لتقرأ في صمتهم خشية عارمة ممّا قالته , ولم يُحرّك واحد فيهم ساكناَ , وكاد وجيب قلوبهم أن يُسيطر على مجلسهم الهلع ممّا سمعوا , فلم يخطر ببالهم أن تسير الأمور إلى هذه الدرجة من الخطورة التي تُهدّدهم وتُهدّد أولادهم , وتقضي على ذخيرتهم في هذه الحياة , ولم يُمعنوا جيّداً في واقع كهذا من قبل , أو أنّ زمناً كهذا سيُدركهم , فهم لم يتعوّدوا مثل هذه الأحداث المثيرة , حيث ذكرت أنّ هناك دولة قائمة تجوب أراضي كثيرة ويصل شأن قوّتها حتّى مدينة " زَبِيد " اليمنية , وهذه القوّة ستفني مقدّراتهم من سلطة لها شرعيّتها , والأدهى أنّ هذا الحكم سيستقطب أبناءهم للشمال !
لُجموا بحديث الأمّ عن هذه القوّات وعن الحكم الجديد الذي سيستشري مروراً ببلادهم , ولا يعلمون أي مستقبل ينتظرهم في خضمّ هذه الواقعة الجلل!!
جمع الشيخ لعابه وقذفه خلف مجلسه , رافضاً هذه الأفكار التي ذكرتها الأمّ , مع أنّه يعلم تماماً قدرتها على كشف ما يجهلونه , وهذه المرّة بثّت مرارة لا تُحتمل , فكيف سيرضون بهذه الإهانة , وأيّ قدر ضرير يحلّ بهم !
تهدّج صوته في وجهها وكأنّه يسألها تبديل حديثها بقول أكثر تفاؤلاً ممّا هو عليه الآن , إذ كان قولاً يشوي لحى الرجال ويصفع النساء , يتغلغل في أرواحهم بفجيعة مهولة .
لا يعرفون من الشمال غير " مَكّة " التي يُيمّمونها مرّة واحدة في العمر لأداء الحجّ , ولا يرحل الواحد منهم أبداً غير تلك الرحلة الشاقّة التي تستغرق شهوراً عسيرة , فكيف سيعيشون زمناً فيه أولادهم يٌغادرون بذلك الاتجاه , وبعضهم قد لا يعود ؟!
يُفكّرون جميعهم في المعضلة ذاتها , هذا السفر الذي سيغدون فريسته المواتية , رغم أنّه لم يكن مخيفاً من قبل , فلديهم مقولة عريقة يُكرّرونها دائما عندما يُناقشون أمراً يتعلّق بسفر أحد أولادهم , تلك المقولة التي صرخ بها " الهبّاش " ـ عند نهاية حديث الأمّ ـ غاضباً " ( ولدك إذا وجّه مشايم خَلّّه , وإذا وجّه مِيَمّن أمسُكُه ) , فذكّرهم بأمر الموافقة على سفر أحد الأولاد من عدمها , فلو كان هذا الابن سيتوجّه شمالاً فعلى أهله أن يخلوا سبيله , لأنه سيجد الجوع ويضطرّ للإياب نحوهم , أمّا إذا كان سيُسافر جنوباً , باتجاه اليمن تحديداً , فحينئذ تتعذّر الموافقة , خوفاً من عدم رجوعه , فاليمن مشهور بالخيرات وقد تمنعه النعم من العودة للبلاد ولأهله الذين سيخسرونه عضداً يُجابه معهم ويلات الحياة . لذا كيف لهم أن يعتقدوا الآن أنّ الشمال بقحطه وموته سيأخذ فلذاتهم بدلاً من اليمن ؟ وهذا ما أشعله " الهبّاش " في قلوبهم الساكنة إلى صبر ممضّ , حين عاد متعجّباً والحسرة تنبش أظافرها في قلبه , وسائلاً الأمّ ( عسى الزمن اَنقَلَب يا صَادِقِيّةْ ؟!) .
هذا السؤال أضمره كلّ قلب حضر حديث الأمّ , والشيخ كان في مركب خشن وأسبابه كثيرة , أهمّها سلامة رعيّته , ولم يكترث كثيراً بفكرتهم تلك التي أثارها أكثر من شخص في استفسارات متلاحقة يودّون من الأمّ الإجابة الشافية عنها .
وفي معرض الأحاديث تنهّدت الأمّ طويلاً , بآهتها المعروفة " ( إِيييييييييييهأ ...) , ليحلّ الصمت مجدّداً , وتشقّ عليهم هذه البادرة للخوف , فلا تٌقدم الأمّ على تنهيدتها تلك إلاّ لرعب يتسلّقها , ولم يفتق الترقّب منهم شيئاً حتّى قالت : ( الرجال يموتون .. ما يبقى اِلاّ النساءْ ) .

الهامس جهرا
17 -08- 2009, 02:17 AM
يا ألله - قسماً بالله رواية جميلة ..

بالفعْل قد تكون ممنوعة لذات السبب ..
على العموم ليس من شيء يختفي في هذا الإنترنت ..
والبركة في رجال أكفّاء : أمثالك يا بِشَيبشْ - يالهامس جهراً .

لنعيش رواية رائعه مليئة بشجاعة الشيخ : عيسى الخير - وحكمة : أمّه .
وشهامة الرجل العظيم : الإدريسي .

أنتظر بحرارة القادم ثم القادم ثم القادم .
والله يكرمك ويبارك فيك .

الموضوع للتثبيت .

::sa10::
شكرا لك كل هذا الكرم .

الهامس جهرا
17 -08- 2009, 02:33 AM
(5)
عندما انكفأ "قوم الذُّلُول"، ولحق عُصْبَة "عُصيْرَةْ" بالأهالي في مقامهم المؤقّت، كان "بِشَيبشْ" قد قرر البقاء عينًا تتحسس ثغرات واديهم وأيّها أدعى لمباغتة من الغزاة، ولم يكن لكبار القوم أن يدعوه وحيدًا حتّى أتاهم بمواثيق وأيمان ألاّ يلحق بركب تلك الحملة العسكرية، وألاّ يتتبع أخبارها من بعدهم، فلا يطول غيابه عنهم أكثر من يوم يكون فارقًا بينهم وبين الغزاة، ويتأكّد في ذلك اليوم أن لا أحد يقتفي عشائر واديهم.
بحلول مساء اليوم المعّين لبقائه كان قد مشّط الناحية بكاملها، فاطمأنّ إلى خلوها من أيّ مؤشّر لوجود "قوم الذُّلُول"، وانطلق في إثر العصبة، حيث تُقيم العشائر. تبدّت الجبال قبالته متخصّرة بغيوم داكنة تُبشّره بليلة وفيرة الرعود والبروق، عندها استحضر لازمة المطر الغنائية، المبثوثة في جموعهم كلّما أنذرت السماء بعطاء جديد، وشحذ جوارحه لصوت العصبة حين ترى على أعالي واديهم برقًا يُضيئ ماء، يشمل بنوره الخاطف وهادًا واسعة وسفوحًا بعيدة، فمن اتساعه أن ركب حتّى جبال "اَمْعَرْضِيَةْ" شمالاً، وتلك بشراهم بغيث هائل. راحت سكين أساه تجزّ حنجرته كلّما خطفته ذاكرته إلى ترحيبهم من على تخوم واديهم بالغيوم الوامضة:
(بَرّاق من تَوْ اَلحُسَيْنِي يِضِِيْ مَاءْ
ومن جبال اَمْعَرْضِيَةْ مِرْتِكبْهَا)
كانت سروات "ساق الغراب" تُفسح من ردائها القاتم كما لو أنّها جبين الليل الهاطل من الشرق، وهو بتلك اللازمة الترحيبية للقائها يحثّ الخطى؛ ليتمكّن من النجاة بغار، لا يعرفه غيره؛ فيأوي إليه قبل أن يضطرّ لمجابهة ليل شاقّ، وراغبًا عن البقاء في أحد الجروف الكثيرة المنتشرة في طريقه، فكان يعي أنّه لن تعصمه شجرة ولا صخرة في تلك الجروف، إذ سيسهل على الماء انتزاع كلّ شيء من بطونها. لحظة وصوله إلى المكان المعّين كان الوقت عِشاءً، وكان حسم السماء زلزالاً في الغيوم البعيدة، حين عصم جسده عند فتحة الغار، ولم يتقدّم إلى آخره لتنال روحه غبطة بزرقة السماء الحالكة عندما تُومض زلازلها البرّاقة على السهول حينًا من الجهة اليمنى، وحينًا على التلال والجبال من الجهة الشرقيّة. عند الهزيم يظهر وجهه مشرقًا في الداخل، إذ يُصاب بفرح لا يعرف من أيّ قرار بداخله يتسلّق، يغسله من ألم يمضّه وحيدًا، بعد انحسار الموقف عن منازلة "قوم الذُّلُول"، فلا يعود إلى تذكّرهم إلاّ عندما يُطفئ الظلام تلك الومضات الخاطفة بين الفينة والأخرى. كان البرق يمتدّ من الشمال إلى الجنوب كسيف يُومئ إلى ساحة نصر كبيرة، تنفر الجموع إليها زخًّا مطيرًا لتسحق القامات مهما علت. كان يصله صوت مقاومة أشجار "الدّوْم" لقصف السماء، والحفيف في سعفها وانكساره الباكي، وإذا تسنّى له، من ثقوب الليل الخاطفة، شاهد جرجرة الماء بغصون "البَشَامْ" و"السّمَرْ"، تطفو وتغوص حتّى تقرّ في مسلك هائل للمياه التي تهدر حتّى مجمع الأودية، وتُكمل سيرها في جيش عارم إلى واديهم "اَلحُسَيْنِي" غربًا. لم يغب عنه أنّهم قد عزّزوا من قدرات عقوم الحقول ليمنعوا بها الماء من الوصول إلى زروعهم القائمة، والقريب حصادها، حتّى وإن كانت السيول كبيرة فلن تُصيب بلادهم بضرر بالغ.
كان رشق المطر للمساحات الشاسعة في الخارج، أو صفعه للصخور المستوية، يُذهب عن المكان وحشته ويُؤنس قلب "بِشَيبشْ" الذي ما كان له أن ينعم بذلك الفرح الغريب لولا هذه الليلة المغتسلة بكلّ ما فيها، وعادة ما يدخل هذا الغار الذي يعرف زواياه جيّدًا، ويُجيد التوغّل فيه، وكلّما أتاه أقام أكوامًا من الأشواك في مدخله، لتمنع عنه الزواحف والسباع، ويذهب في قلق إلى نومه، إذ لا يصل هناك إلاّ لقيادة السيول إلى واديهم مع نهاية العاصفة عندما يسري يُعارك هياج المياه حتّى يعقلها في واديهم. هذه المرّة آثر مراقبة الأشجار وهي تُناضل العاصف الذي يفتك بكلّ قائم هانت قوّته، ويدكّ كلّ ما يسهل تقويض أساسه. كان يُراقب يد السماء قابضة على الشجيرات وتمزّقها، ومرّة يسمع جذعًا عزّ عليه مفارقة الأرض فيُطقطق في أنين متصل، ويصله تدحرج الصخور من هامة التل وكأنّها جنود يتدافعون لنجدة ما، فيغمرها السيل وتسكن إلى هناك بعد اصطدام يقهره جبروت المياه المتدافعة إلى الأمام كوحوش مزمجرة لا تحدّ من قطيعها الشرس أيّة عثرة، ومع وميض البرق يرى الأمواج المتتابعة دُرَبَ ثيران تتمايل في سَبق محتدم بالمنافسة ولا نهاية له. وكلّما أرخى "بِشَيبشْ" لروحه الهيام بتلك المناظر والأصوات، رسم صورة بليغة لعصبة "عُصيْرَةْ" وهم يجرفون الغزاة كما تفعل أيادي السماء بوجه الأرض خارج الغار في ساعتها تلك. كان إذا استقرّ على لوحة مرضية عن رجال واديه، انتهى إلى ألم خارق يشلّ حواسّه عن المدركات المحيطة. يتمنّى أن يملك يد السماء الجبّارة ويجزّ معاول الشرور عن بلاده، ويعصف برزايا القادمين فلا يُبقي لهم أثرًا البتّة. كان يجوب سنوات عمره ذات العقود القليلة فلا يقبض على منقصة واحدة لحقت ببلاده، ولا يذكر مَغرمًا تمنّوه لم يُحققوه أو عجزوا عنه، وما كان لهم هذه الحياة الطولى إلاّ بقوّة لا مثيل لها، كانت لهم، ويُقسم أن يبقوا عليها. وفي لحظة يصيخ لنداء روحه العالي ينكسر للقسم، الذي قطعه على نفسه أن لا يُقدم على أيّ فعل من بعدهم، فيعود مغتاظًا إلى صليل السماء على الأرض. (إنّها القوة...)، (الحقّ...)، يُقرر في داخله أنّ القوة حقّ محض، فلا مبرر لهم في العيش كلّ هذه القرون إلاّ بالقوة التي وهبتهم حقًّا بالمطلق، وشاهده على ذلك لا يتوقف عند مثال واحد، فكم من أرض آلت لترابهم، وكم من مياه أسِنَت في واديهم وحبسوها عن الغير، وكم من حصون ركموها على أجساد أصحابها. وهو في تلك الساعة يقطع في كلّ شكّ حول هذه الحقيقة، وينهر نواصي الأعذار التي قد تُبرر خروجهم من ديارهم، ثمّ في لحظة جديدة يتحوّل إلى نشاط السماء المستمرّ والصارم في العمل، فيلمس إتقان القوة فيما تسعى له دون توقف. ويستقرّ إلى تذكّر زوجته "مريم" الحامل والتي خرجت من القرية على جمله "اَلبَارق" وودّعها على أمل اللقاء بها بعد أيّام قليلة انقضت، وهو فرح بانقضاء تلك الأيّام التي فصلته عنها، ويشعر بأنّها قد وضعت مولودهما الأوّل، ولن يتعسّر عليها شيء ما دامت في رعاية الأمّ دائمًا.
بات يُدير فكرة الحياة الجديدة مع ولده القادم، هذا وهو لا يُغادر ليد السماء النشطة صغيرة أو كبيرة إلاّ وسجّلها في خلده، وهكذا حتّى لملمت السحب أسمالها الداكنة وقشع الصبح بفيضه الذهبي ما تبقى من الليل، فهبط من مكانه ليطأ أرضًا تمتدّ بصخورها وأشجارها الغارقة واكتسابها لبريق خالص لم يشبه ضوء الشمس الباهر بعد. ولتبقى روحه في سكينتها، بعد ليلة طويلة مع المطر، رأى حشرة "جِدّةْ اَمطَرْ" وهي تتحرك أمامه ببطء على عادتها، بلونها البرتقالي الزاهي، كأنّها قُدّت من مخمل نفيس، فكلّما كفّت السماء يدها عن الأرض خرجت هذه الحشرة جذلى بالبسيطة المرتوية، نذيرة بالرخاء، ممّا يدفع كلّ من يُشاهدها أن يقطع من ثيابه خيطًا ويضعه عليها ثمّ يستعطفها سائلاً برجاء متودّد: (أنا كسيتك في الدنيا فاكسيني في الآخرة)، معتدّين بكون هذه الحشرة رسول الخير والعطاء، ويلزمهم إهداؤها شيئًا من كسوتهم لتردّ لهم الهدية في الفردوس، وهذا ما فعله تمامًا "بِشَيبشْ"؛ مظهرًا بذلك روح العاطفة التي لا يُمكن أن تبدو عليه أمام أيّ شخص!.

أبوإسماعيل
17 -08- 2009, 04:12 AM
القصة رائعة جدا
وتحكي واقعا مر بمنطقتنا منذ خمسينن سنة تقريبا
نتمنى أن تركز على الترتيب أستاذنا علي
ما أروع حضورك وما أمتع قصصك
وشكرا من القلب

الهامس جهرا
17 -08- 2009, 11:25 AM
القصة رائعة جدا
وتحكي واقعا مر بمنطقتنا منذ خمسينن سنة تقريبا
نتمنى أن تركز على الترتيب أستاذنا علي
ما أروع حضورك وما أمتع قصصك
وشكرا من القلب
بل من مئة سنة وأكثر .
أنا أنقل الرواية كما هي في الكتاب مرتبة .
شكرا لك .

الهامس جهرا
17 -08- 2009, 01:07 PM
مقال عن الرواية في صحيفة الوطن
.............................. ......

لخميس 5 جمادى الأولى 1430 ـ 30 أبريل 2009 العدد 3135 ـ السنة التاسعة

كتاب اليوم

محمد حسن علوان
ساق الغراب
نُشرت رواية (ساق الغراب) العام الماضي للروائي السعودي (يحيى آمقاسم) عن دار الآداب اللبنانية، وما زالت تحقق رواجاً على مستوى نخبوي باعتبارها واحدة من الروايات النادرة التي تؤرخ لحقب تكاد تندثر من تاريخ الجزيرة العربية. وبينما ننتظر رواجها الشعبي غير المتوقع بحكم افتقادها لكثير من محفزات الجدل الاجتماعي، وجب على قارئها أن يلتفت إلى قيم ثقافية تحاول الرواية توثيقها بإمعان من أجل تجذير ما بدأ يندثر فعلاً من تاريخية وجغرافية قرى تهامة وجيزان. الرواية تتناول مجتمع وادي (الحسيني) في بدايات دخول الحكم السعودي للمنطقة، في وصفة حكائية وفانتازية محبوكة بعناية لتسمح للتاريخ أن ينعتق من قوالب التوثيق والتأويل، ويعود إلى الحياة بجسد حي يتحدث عن نفسه ويتماهى مع تدفق الزمن بحرية. وبعيداً عن الجوانب الفنية في العمل، والتي لا بد أن ينصرف إليها جهد النقاد الثقافيين والأدبيين على حد سواء، تفتح الرواية أبواباً من الأسئلة ظلت طويلاً إما منسية في رتم التغيير السريع الذي لا يمنح الإنسان الوقت الذي يحتاجه للتشبع بثقافة المكان وامتصاص انبعاثاته الحضارية ببطء، أو مغلقة بأقفال رقابية متوجسة تعتقد أن كل ما يناكف السياسة المعاصرة يشتمل على خطر ما، أو أنها عوّلت كثيراً على الناقل الشعبي في إبقاء التراث قيد التداول، وهو الأمر الذي صار مشكوكاً فيه مع تهدل الذاكرة وانقطاع الجذور نتيجة التسارع الحضاري.
ذكرت كتب التاريخ أن الحكم السعودي للجزيرة العربية جاء على قدمين من الحرب والسلم حتى تحققت له هذه الوحدة السياسية التي نعيشها اليوم، هذه الحقيقة التاريخية المتداولة رسمياً تعني أن هناك، على أرض الجزيرة العربية، من كان يتوجّس من الحكم الجديد، ويمعن في تفسيره أيديولجياً وثقافياً واجتماعياً بتفسيرات لا ترحب بهذا التغيير السياسي والاجتماعي الكبير، ووادي الحسيني كان في قلب هذه المعادلة التي عاشتها مجتمعات عديدة في الجزيرة العربية قبل مئة سنة، وكلها طرحت على نفسها ذات الأسئلة المخيفة المتشككة، وكلها انتهى إلى إجابات مختلفة. رواية (ساق الغراب) تعيد تذكيرنا بهذه الأسئلة وإجاباتها، في اشتغال حيّ وكثيف لإعادة حياكة المناخ العام الذي تطورت فيه هذه الأسئلة، والمخاض الاجتماعي/السياسي الذي طرح الإجابات، وذلك حتى لا يجيء الطرح مباشراً والتوثيق مبتسراً وجافاً مثل المنهج الدراسي أو حتى العريضة السياسية التاريخية.
الحروب التي خاضها الملك المؤسس إذن أثناء توحيده البلاد دليلٌ على أن هناك من قال (لا) لحركة التوحيد، مثلما أن هناك من قال (نعم) في بداية ذلك الرهان التاريخي على أحداث لا يعرف كيف ستنتهي، ودول لا يدرى أين ستستقر. وهذا سلوك سياسي وثقافي واجتماعي متوقع جداً من كل مجتمعات الأرض عندما تواجَه فجأة بتغير مفاجئ في موازين القوى السياسية، وتدخل في تشعبات الانتقال من سلطة القبيلة ونظامها الداخلي، إلى سلطة الدولة التي تأتي بنظامها معها. وأهالي قرى وادي الحسيني، بحكم بعدها الجغرافي عن المنطقة الوسطى التي تشكلت فيها حركة التوحيد الأولى، واختلافها الثقافي باختلاف مشارب القوم وموروثاتهم، كانت من القرى التي توجست طويلاً من ذلك العهد الجديد، مما يجعلها واحدة من أفضل الأمثلة لدراسة ظروف تناوب العهود السياسية وتبدل الأنظمة السيادية وتغير النظام الداخلي في مجتمع متجانس. وهي بذلك مصدر مثر لكل باحثٍ في علم النفس الاجتماعي، وأحسب مؤلف هذا العمل (يحيى آمقاسم)، وإن لم يكن متخصصاً فيه، أنه يملك بالتأكيد الكثير من أدواته التحليلية الدقيقة، لاسيما وهو ابن وادي الحسيني الذي لم يسعفه عمره الشاب بالوقوف شاهداً على ما كتبه بيده، بينما أسعفته قراءته السوسيولوجية المعمقة لحراك المكان تاريخياً وثقافياً في الخروج بعمل تاريخي (مخيف) كما وصفته نخب نقدية قديرة.
ووصف العمل بالمخيف يحمل دلالات متنوعة، فهو من ناحية فنية يزرع قارئه في منتصف الوادي تماماً، ويحمله بمشاعر الخوف والحمية والتوجس والغضب التي شاعت في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ الوادي، وهو من ناحية أخرى عملٌ يسهل تأويله ضمن مشروعٍ ذميمٍ يحوله من وصف تاريخي فني أمين لحراك مجتمعيّ إلى احتجاج مبطن على تغير الأحوال وانصراف الأمور إلى غير ما ترغبه قيادات القرية. إنهما مستويان من الخوف يتواردان على ذهن القارئ ما بين البحث الاجتماعي في مآل الوادي، والتأويل السياسي في مآرب الرواية، وبقدر ما تغيب الأولى أو تنحصر في نخب قرائية ضيقة، تنتشر الثانية وتجد لها دائماً من يتقن وضعها في السياق المختلق.
الرواية (مخيفة) إذن، مقروءة أو منقولة. إلا أن رأيي هو أن النقاد والباحثين قادرون أكثر من غيرهم على إجلاء هذا الخوف، وموضعة العمل في مكانه الفني والتاريخي المعتبر، باعتباره الرواية السعودية الوحيدة التي تناولت هذه المنطقة المختبئة بين الجبال في تلك الحقبة التي غفل عنها المؤرخون، دون أن يخلّ، حسب رأيي، بالشرط الفني والاجتماعي والتاريخي، وحريٌّ بالعمل الذي استغرقت كتابته سبع سنوات كاملة أن لا يخلّ بأي منها فعلاً.

http://www.alwatan.com.sa/news/write...10939&Rname=27 (http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3135&id=10939&Rname=27)

الهامس جهرا
17 -08- 2009, 01:08 PM
مقال آخر عن الرواية في صحيفة الحياة
.............................. .............

«ساق الغراب» للسعودي يحيى امقاسم .. اللغة الشعبية والفصاحة تتداخلان في قصص الذاكرة

سلمان زين الدين

الحياة 14/04/08

بين إقدام «حمود الخير» على ختان نفسه في بداية رواية «ساق الغراب» للكاتب السعودي يحيى اَمقاسم (دار الآداب ـ بيروت) وقيام الذكور البالغين بتطبيق طريقة الإمارة في الختان في نهايتها، ثمة شريط طويل من الوقائع والأحداث تتجاور فيه منظومتا قيم مختلفتان، وتتواجهان حتى تسيطر إحداهما على الأخرى. فمن جهة، ثمة عشيرة «عصيرة» التي تبسط ظلها على وادي الحسيني وما يجاوره من الجبال في منطقة تهامة السعودية ومنها جبل «ساق الغراب» الذي تحمل الرواية اسمه. ومن جهة ثانية، ثمة إمارة صبياء المجاورة التي لا تدّخر وسعاً في بسط نفوذها وسيطرتها على المناطق والعشائر المجاورة. ولكل من العشيرة والإمارة منظومة قيم مختلفة عن الأخرى. ولذلك، يندلع صراع خفي ومعلن بينهما، يتمظهر في محطات شتى من الرواية، ويتخذ مساراً معيناً، حتى يبلغ نهاية تنتصر فيها إحدى المنظومتين على الأخرى. تشكل حادثة ختان حمود الخير نفسه محطة أولى في الاصطدام بين المنظومتين. فهذه الحادثة هي موضع فخر العشيرة ووفاء لطريقة الأجداد في الإعلان عن الرجولة. لكنها تعتبر تمرداً على تعليمات الإمارة ومخالفة لطريقتها تجر على المخالف العقاب الشديد. لذلك، يكون على الشيخ عيسى والد حمود وشيخ العشيرة أن يتدبر مع أمه صادقية المرأة الحكيمة المجربة مخرجاً يتقيان به غضب الأمير ويشهران رجولة المختون. غير أن وقوف أحد الوشاة على حقيقة الأمر يجعل الأمير مطلعاً عليه، فيستخدم السياسة والدين والمداهنة لاستقطاب العشيرة ونشر منظومة قيمه بين أفرادها بدلاً من لجوئه إلى العقاب. وهكذا، تصور الرواية الممانعة والتقية والدهاء والمصانعة والسياسة التي تبديها العشيرة، من جهة. وتصور التربص والترغيب والترهيب والمداهنة التي تمارسها الإمارة، من جهة ثانية. تتحرك الرواية بين هذين الإطارين راصدة التحولات الكبيرة التي طاولت عشيرة «عصيره»، وانتهت بانحسار نفوذها بعد مئتي عام من بسطه، ولو إلى حين. وتسجل تاريخ عشيرة تختلط فيه الوقائع بالأساطير، وتتجاور الحقائق والغيبيات، وتمتزج الماديات بالروحانيات ما يشكل ملحمة روائية لها أبطالها وبطولاتها، ولها هزائمها وانتصاراتها. تحديات كثيرة واجهتها العشيرة عبر تاريخها، تتراوح بين مقتل شيوخها، وتربص جيرانها بها، وطمع الغزاة فيها، وغضب الطبيعة عليها. وكانت تنجح في كل مرة في تجاوزها، بفضل صادقية، الأم الخبيرة، المجربة، القائدة، ذات القوى الخارقة التي تستشرف الغيب، وتتنبأ بالمستقبل، وتتصل بالجن من ناحية خؤولتها، تكلم السماء فتستجيب لها. فهل ستنجح هذه المرة في مواجهة إمارة صبياء ومخططاتها؟ في محاولتها توسيع نفوذها ونشر منظومتها القيمية، تلجأ الإمارة إلى السياسة والدين، فترسل المقرئين لتبصير العشيرة بأمور الدين وفقاً لقراءتها وتفسيرها ومصالحها، ويقوم هؤلاء بتوظيف الدين في خدمة مصالحهم الخاصة وسياسة الإمارة. وتربط أبناء العشيرة بنظام مصالحها فتتخذ منهم جنوداً وأدلاّء ومعاونين. وبمرور الزمن يضعف ولاؤهم للعشيرة وشيخها وأمه. وإذ يستشعر هذان الخطر الداهم على سلطتهما وعلى عادات العشيرة وتقاليدها وثقافتها، يبديان ما أمكنهما من الممانعة بأساليب شتى، مباشرة وغير مباشرة، من قتل الواشي وحرق مسجد الإمارة، إلى طرد المقرئ، إلى استهجان الانخراط في الجيش، إلى رفض استغلال الدين… غير أن هذه الممانعة لم تحل دون وقوع المحظور ونزول الخطر الذي استشعراه مبكّراً على سلطة العشيرة. ولعل ما سرّع في حصول التحولات رحيل بشيبش بطل العشيرة، وموت كبارها، وتسلل المقرئ بتعاليمه، وأخيراً موت الشيخ والأم. في المقارنة بين ثقافتي العشيرة والإمارة كما تقدمهما الرواية تبدو الأولى أكثر انفتاحاً وتحرراً في موضوع المرأة على الأقل، فتسمح لها بتبوّء القيادة، ومشاركة الرجل، والعمل، واتخاذ القرارات. ويتحقق ذلك من خلال شخصيتي صادقية وشريفة على الأقل. فيما تعمد الثقافة الثانية إلى تهميش المرأة بحرمانها من حق العمل ودعوتها إلى ملازمة البيت. وعليه، تلعب صادقية دور البطولة في الرواية، وهو دور مركّب، فتتولى قيادة العشيرة بعد مقتل زوجها، وتضحي بعينيها في سبيلها، وتشد أزر ابنها الشيخ عيسى، وتلعب دوراً استشارياً فيهرع القوم لطلب رأيها كلما أعوزهم سداد الرأي، وتشرف على زراعة الأرض وحصادها وتوزيع المحصول وتخزينه، وتتخذ القرارات الكبيرة وتشرف على تنفيذها.ولعل ما أتاح لها النهوض بهذا الدور هو شخصيتها المركّبة التي تمتلك قدرات خارقة، فتزعم أن الجن أخوالها، تقرأ الغيب، تستشرف المستقبل، تخاطب السماء ما جعل الجميع يهابونها ويقدّسونها. وهذه المواصفات، مضافة إلى بعض الخوارق والأحداث الغرائبية، تجعل الرواية تنتمي إلى الواقعية السحرية التي عرفنا بعض تجلياتها في روايات أميركا اللاتينية لا سيما مع غابرييل غارسيا ماركيز. وإذ تقرر صادقية الرحيل بعد أن شهدت انهيار العشيرة وأفول نجمها، تعهد بالقيادة الى شريفة «بنت الأرض التي صارت بنت الرجال» لا سيما انها بما أُوتيت من جمال أخاذ وصحة رأي وحسن تدبير ومعرفة بأوقات الزرع وقدرة على اتخاذ القرار يمكنها أن تستعيد مجد العشيرة التليد. وتأتي نهاية الرواية المتمثلة بتحول صرر الحبوب التي راحت تبذرها شريفة بين جبل «عكوة اليمانية» وقريتها «عصيره» إلى «خط مستقيم لنبت يفرّ من الأرض كروحٍ تشغف لجذوة الرقص» (ص 382) لتشني بإمكانية استعادة ذلك العهد الذهبي. إلى ذلك، تشكل «ساق الغراب» سجلاً حافلاً بالعادات والتقاليد العشائرية والطقوس الفولكلورية والمعتقدات والأمثال الشعبية والأساطير والخرافات والأغنيات وأسماء الأطعمة والرقصات البدوية.يقوم بفعل السرد راوٍ واحد كلي العلم يروي بصيغة الغائب. وهذا الشكل يناسب المرحلة التاريخية التي ترصدها الرواية. وهو يقوم بذلك بسردٍ يترجّح مكانياً بين الداخل والخارج فيرصد أفكار الشخصية وهواجسها واعتمالاتها وخواطرها ويسجل حركتها في المكان والفضاء الذي تدور فيه الأحداث. وهو سرد يمضي زمنياً إلى الأمام، لكنه قد يعود إلى الوراء فيفصّل حادثة سبق ذكرها أو يفسّرها أو يبين ظروف حصولها. وهو سرد بطيء الإيقاع خصوصاً عندما يجنح للوصف أو شرح الأغنيات الشعبية. يستخدم يحيى امقاسم مستويين لغويين في روايته، المستوى الفصيح وهو على قدر من الأناقة وهو في منزلة بين التقرير المباشر والإيحاء يرصد به حركة الشخصيات ومسار الأحداث ونموّها. والمستوى المحكي ويتناول ما يصدر عن الشخصيات من أغنيات وأقوال وأمثال شعبية. وهذا المستوى، على صغر مساحته مقارنة بالأول، يضفي على النص قدراً من الواقعية والصدق بما يجسّه من نبضٍ بدويٍّ/ عشائري.
«ساق الغراب» هي الرواية الأولى لصاحبها، لكنها تبدو صادرة عن تجربة واضحة، وتخلو من تعثر البدايات، وتؤشر على روائيٍّ طويل النفس، عارفٍ بأساليب السرد الروائي وتقنياته.

الهامس جهرا
17 -08- 2009, 01:21 PM
مقال آخر ........
.............................

ساق الغراب»...
تعاضد السرد بين الحس الحنيني والتموضع الشعري




محمد الحرز


الحياة - 31/03/09//



تحويل الذاكرة التاريخية إلى عمل روائي هو تحويل لا يشترط فقط امتلاك أدوات المؤرخ المحترف، أو الخبرة في امتلاك الوعي التاريخي بالوثائق والسجلات، أو القدرة على تلمس مكونات التراث المحكي والأسطوري، بما يتلاءم والتوظيف الروائي، وإنما الأكثر أهمية أيضاً هو امتلاك الحس الناستولوجي (الحنيني)، الذي يشد مفاصل العمل إلى هذه الذاكرة من العمق.
ليس ذلك الحس الذي ينصرف مفهومه إلى عقدة الحنين إلى الماضي والانحباس فيه، وإنما ما نعنيه هنا ونحاول افتراضه هو ذلك الحس الذي يرتفع بالرواية إلى مصاف المخيلة، حيث الدلالة القصوى للمعنى الذي ينتجه السرد هو وثيق الصلة بالموقع الذي يمثله هذا الحس داخل الرواية ذاتها.
فكلما كان موقعه يعمل على توسيع رقعة تأثيره انطلاقاً من كون هذا التأثير هو الخيط الناظم الذي يرتكز عليه العمل ككل. وانطلاقاً أيضاً من كونه القيمة الجمالية التي تعيد بناء الرؤية والمعنى في النص.
فإن هذا الحس بالتأكيد لن يتوقف عند حدود الرؤية السطحية للأشياء، سواء على مستوى الشخوص أو الأمكنة أو القيم والعلاقات الاجتماعية وتحولاتها الزمنية الضاربة في العمق.
وبالتالي يمكن أن يقال ان الذاكرة التاريخية في العمل الروائي لم تسقط في فخ التأريخ والتوثيق كما هي الحال في بعض الروايات، التي سجلت حالات توثيقية وتسجيلية، لكنها لم تنتظم في نسيج السرد الروائي وبنائه الفني، بل عملت على تفكيكه من الداخل.
ولم تسقط أيضاً في الأدلجة كمنظور إلى هذه الذاكرة، بل منظور الرؤية الشعرية إليها، وهيمنة منطقه عليها، يصبح بمثابة السد المنيع الذي يمنعها من السقوط في هذا الفخ.
ويمنعها كذلك من رؤية العمل الروائي، باعتباره مجرد استرجاع حنيني، وليس استبصاراً وتأملاً ورؤية.
إذاً هذا التعاضد الذي نقيمه بين وظيفة هذا الحس الذي نفترض هيمنته على السرد من جهة، ومن جهة أخرى بين مكونات الرؤية الشعرية، التي نفترض أنها مجمل المواقف والتعابير والعلاقات التي تقيمها الرواية بين الشخوص، أو بينها وبين القيم الحياتية والوجودية التي ترتكز عليها من العمق.
هذا التعاضد هو الذي سنختبره من خلال تحليل رواية «ساق الغراب» للروائي يحيى امقاسم، بحيث نحاول الكشف عن مفاصله وتجلياته وفق الافتراض السابق.
فمنذ البداية تنفتح الرواية على المكان، ليس بوصفه الحاضن لأحداثها والمحرك لشخوصها فقط، وإنما أيضاً بوصفه منبع القيم التي يتأسس عليها المجتمع، وتنهض بها العلاقات، ويرى من خلالها إلى الحياة والوجود والإنسان.
فقرية «عصيرة» التي هي إحدى قرى وادي الحسيني جنوب غربي المملكة هي المكان الواقعي، الذي تجري فيه الأحداث، وكذلك هي المكان المتخيل الذي يمنح الأرض قداستها، ويهبها القيمة العظمى التي هي رمز حياة أهل هذا الوادي، ورمز كرامتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
وعلى خلفية تقاطع هذين المكانين سردياً، تنسج الرواية فنيتها، وتشيّد بناءها وتنمو شخوصها.
وليس معنى التقاطع هنا سوى الوظيفة السردية التي تنهض بها الرواية.
وهي وظيفةٌ من جملة مهامها إبراز الأثر الشعري والدلالي للمكان وفضائه على عموم مجتمع الرواية.
إن هذا الارتباط الوثيق بالمكان وأرضه وتضاريسه له دلالة كبرى مؤثرة، تظهرها الرواية باعتبارها ذاكرة مجتمع اندثرت معالمه، وتلاشت أغلب سماته. حيث المرأة فيه هي الوريث الشرعي لهذا الارتباط ، والتعبير الرمزي عن قيمه وعاداته وطقوسه.
وليست شخصية «صادقية» وكذلك «شريفة» سوى دليل على هذا التوريث، بما يحملانه من صفات شخصية قيادية ومهارية وحتى أسطورية، تفضي بهما إلى أن تكونا في محل الصدارة والرياسة. إن فكرة التشبث بالأرض هي فكرة شاعرية في الأساس، ناهيك عن كونها منبع القيم التي تشكل في مجملها هوية قرى وادي الحسيني. وعلى رغم الشواهد الكثيرة، يمكن الإشارة إلى مقطعين اثنين من الرواية، يمثلان ما نريد قوله: الأول يشير إلى إقدام البعض من أهل «عُصيرة» على قتل «ولد الهيجة»، وهو عمل طارئ على تقاليدهم وأعرافهم.
يقول السارد في مونولج داخلي يخص شخصية شريفة: «لقد اقترفوا بفعلتهم تلك جرماً عظيماً في حق واديهم وأهليهم، وأتوا بما لم يأت به أحد من قبل، فما عهد الأولون منهم أن يجتمع قهر قوم مرة على رجل أعزل، وليس هذا وحسب، بل إن هذا الأعزل قد ناصبوه العداء بظنون مجردة لا أدلة دامغة تثبتها» إلى أن يقول: «فإذا هم يشنون عليه حرباً ظالمة بكامل قوتهم، ولا يجدون أمامهم غير القضاء عليه، دون أن تردعهم مكانته العالية في معتقداتهم، وذلك غيلة لا تقرها أعراف واديهم في الحرب ولا قيم المِخْلاَف كاملا.
ص330 «.
أما المقطع الآخر فيأتي في إطار التنبؤات المستقبلية التي تصدرها الأم «صادقية» بخصوص قريتها من طرف الغرباء أو ما تسميهم الرواية «قوم الذلول». يقول السارد عبر تنبؤاتها «إن تتابع النور على الجبال يُقرّب إلى الأم فكرة أن هؤلاء الغرباء سيتتابعون فرقا فرقا، لا يثنيهم عن تبديل الطبيعة القائمة أي شيء وتجريدها من أمسها، تحقيقاً لشكل ساق الغراب الجرداء من منابت الحياة، وأنهم سيواصلون عملهم الدؤوب دون توقف، حاصدين فلذات الأكباد من الطين ابتداء، أراضي وخزائن قوت، ومن الولد تاليا. ص243».
من خلال هذين المثالين، وغيرهما بالتأكيد، يتضح لنا الآتي: أولاً: الاعتداء على شخصية «ولد الهيجة» وقتله هو رمز للاعتداء على القيم.
لكن حس التحسر على هذا الاعتداء يلازم صوت السارد حين يصف حادثة الاعتداء تلك، وهو إحساس يتلبسه نوع من التحسر المدفوع بالحنين إلى استعادة زمن تلك القيم، وهو إحساس وثيق الصلة بمشاعر المؤلف من جهة، ومشاعر السارد من جهة أخرى لحظة تشكيل الحدث السردي.
ثانياً: في بعض المواقف والمشاهد السردية، لا يمر هذا الإحساس عبر وسيط رمزي كما لا حظنا للتو.
لكنه يعلن عن نفسه من خلال جملة من الحوارات والمونولوجات داخل الرواية، ويمكن الاستشهاد بالكثير منها. فعلى سبيل المثال حوار الأم صادقية مع رجل الإمارة «محمد المقرئ» أو الحوارات التي تضمها وابن أختها «بشيبش» ، أو الحوار الداخلي للشيخ «عيسى الخير» حينما حاطته الهواجس والريبة من تصرفات الإمارة ، وهكذا دائماً ما يكون هذا الإحساس معبراً عن أحد الدوافع العميقة للمؤلف في كتابة هذه الرواية.
ثالثاً: هناك ما يشبه التموضع الشعري للقيم داخل السرد، وهو طريقة أخرى للتعبير عن هذا الإحساس المشبع بالحنين. هذا التموضع هو الأكثر تقنية واحترافية في الأسلوب السردي التي تتبعها الرواية. وما نقصده هنا بهذا التموضع هو تحويل أفعال الشخصيات إلى دلالة رمزية دون أن تفقد الشخصية ذاتها ووظيفتها البنائية أو الفنية.
إن أكثر ما يتجلى ذلك في شخصية «بشيبش» وأيضاً «الأم صادقية»، فعلى سبيل المثال «كان يبيت «بشيبش» أسفل سرير الأم محتضنا بندقيته «مِعْتِق « هذا اسمها تيمنا بواديهم الذي يعتق كل من يلوذ به هارباً من قصاص يطارده ص123 « أو يمكن الإشارة إلى الموقف الذي قلع فيه الشجيرات المحيطة بقبر زوجته بعد أن دله جمله البارق إلى مكانه.
أيضاً موقف الشيخ عيسى الذي بات يحضن بندقية «بشيبش» ويُقبّلها وهي مازالت تحمل آثار حريق مسها، وشرخت روحه لمحةُ بكاء حين تذكر الراحل وأن هذه البندقية مصدر أمان واديهم «. جميع هذه المواقف وغيرها أيضا تؤكد مقدرة الرواية في خلق التعاضد الذي يشد مفاصل السرد من العمق بين الحس الحنيني ودلالات رمزيته الشعرية في أفعال وسلوك الشخصيات.
رابعاً: هناك تنويعات أخرى على مثل هذا التعاضد نجده يتمثل في طريقة استحضار الطقوس والعادات والأساطير كما في طريقة دفن الحبل السري للمولودة شريفة، أو حضور جلاب الغبار أو ما يسمى بـ «غُبري الليل» وكدلالة أخرى على واقعية سحرية يختلط فيها الغرائبي بالسحري.
خامساً: لولا جملة هذه التقنيات السردية التي أنعشت الحياة في عروق الرواية لكانت الرواية سقطت في فخ السارد الشارح الذي كان يفرض في جوانب معينة منها صوته دون أن يكون ضمن نسيجها الفني، ربما لأن الرواية أرادت أن تقول كل شيء عن تلك القيم التي اندثرت بغياب عالمها وشخوصها. وهذه بالطبع أحد المآزق التي تعانيها الرواية خصوصاً في مقارباتها لعوالم تاريخية، لا تنفك تتحدانا في الإمساك بكل خيوط تراثها خصوصاً إذا كان السرد الروائي هو الرهان على ذلك.




ناقد وشاعر.

الهامس جهرا
17 -08- 2009, 09:08 PM
( 6 )

والقمر يحكي لهم عن ألوان الذرة وعن حصاد الموسم ـ أو ما تعارفوا عليه بالخريف ـ إذا خَرِف الزرع مستوياً للحصاد , كانت آنية النساء مصفوفة تحت القُعُدْ مملوءة بالماء البارد , وقد غمسن فيها وُريقات الريحان تعبيراً عن أملهنّ في رحمة الله بالمتوفّين , ففي هذا استحضار لفضاء الجنّة كما يعتقدن , عند ذلك كانت الأمّ تُعاتب ابنها الشيخ : ( واَنَا اَمَّك قلت لكم اَنّ هذي حرب ما سبق وكُتبت في كتاب .. لو اَنّكم سمعتوني وقرّيتُم في بيوتكم ما كان جانا شِي .. وذا الحين ترى كيف اَحْنا مضيعين في هذي الدمن ؟! )
يسمعها الشيخ , وهي تٌعاتبه متحسّرة على وضعهم الشقي , دون حراك منه , إذ كان مشغولاً بليل " الهبّاش " , وهو في ساعتهم تلك يُواصل نداءه على رفاقه من فرسان القبيلة الأوائل , القاضين من قبل هذا , يستنجد بهم باكياً لنصرته ويستنكر الزمن الذي صار فيه ضريراً , ويتمنّى لو أنّه يُفرّق بين الّلونين الأبيض والأسود , وقد زاد امتعاضاً عندما علم أنّ الغزاة يُحاربون على جمال , وذرف دمعه المهيب عند هروب قومه به , فكان يصرخ فيهم : ( ليتني عادني اَفرّق بين اَمَبيض واَمسوَد والله لاَمزّقهم باَسناني ) , كان صوته يجوب عروق الجبال متصعّداً سفوحها حتى يخدش حلكة السماء , مثل جرح يتمدّد ويتلوّى فتيلا حارقاً في دماء الرجال جميعهم , وينزل في النساء رعباً , كان يصل الأمّ نداؤه لأصحابه الراحلين , يتناهى إليها مضرماً كجمرة الموت المباغت , فيكويها بمناجله الحادّة ودونما أثر يتركه فيها , إلاّ أنّ الأمّ التزمت رباطة الجأش , ليلزم البقيّة صمتاً فائضاً على حاجتهم , إلى أن قالت لابنها : ( يا عيسى كن رجل واسمع كلام اَمّك .. لا تطاوع شياطينك .. وقِرَ بروحك وخلّنا نرجع .. ترى ما لنا اَلاّ بيوتنا .. والله لو اَنا اَبصر أنّي ما أهجّ معاكم من عُصيْرَةْ .. لكن صرت تتحكّم بي لأنّي عميا .. من متى تخالف كلامي يا عيسى ؟! ) .
أنهت لمحة من حسرتها بحشرجة كادت تُبكيه , فقد شعرت بعجزها لأنّها عمياء , وإلاّ لبقيت في قريتهم " عُصيْرَةْ " , حيث شعرت لحظتها أنّها تنقاد لأمره كرعيّته , وهي التي كانت تأمر وتنهي طوال حياتها .

لقد كسرته بشكل لا يُظهره أمام الموجودين , فمدّ يده لرأسها وداعبها باسمها مجرّداً , يقول : ( يا صَادِقِيّةْ زمان اَنتِ أمّي .. لكن اليوم اَنا اَمّك واَبوك وولدك ) ثم استطرد متعمّدا ممازحتها كما اعتاد كلّما شعر بمنغّص يتخلّلها , ومحاولاً جلو روحها من الكدر : ( اِيضاً وشيخك يا صَادِقِيّة .. بس لا يكو نسيت هِرْجنا ذاك .. كاَنّك كبرت قليل ! ) , وهمهم بكلمات من خلا ضحكة مغتصبة , بعد أن ألمح إلى سرّ بينهما يُدبّران تحقيقه في الخفاء , وكأنّه بها تقدّمت في العمر فنسيت ذلك الأمر .
ردّت متسائلة بتعجب , كمن يرفض تعديل مسار حديثه : ( عادك متذكّر واَنت شاحنك الشيطان لهذي المقاتلة؟!).
صمت قليلاً حتّى عاد لجرح " الهبّاش " وصراخه في الليل فوجّه حديثه لأمّه متسائلاً : ( عسى يصلك صراخ علي هبّاش ؟ ) .
أجابته متهكّمة : ( الهبّش يرى شرّه وهو أعمى .. وأنت هبل وترى قوّتك .. فلا شرّ يردّ نظر ولا هبل يمسك قوّة ) , فضحك الشيخ هُنيهة قبل أن يُردف على كلامها , وكأنّه يُهدّئها , قائلاً : ( بكرة يلتقون مشايخنا بمشايخ هذي الدمنة.. شَا نِتشاور بيننا... ) .
صمتت كي لا تُضني نفسها بأمر لقائهم بمشايخ تلك المنطقة التي تستضيفهم , لأنها لا تعرف توجّه ابنها , وتعرف قدرتها فيما بعد على ثني كلّ قرار , إذا ما رأت أنّ إليه يُعدّ وبالاً عليهم جميعاً .
في المساء التالي كان الرجال جميعهم قد قرّروا أمراً لم تتوقّعه الأمّ كثيراً , فعندما أجمعوا علناً على التريّث في الرجوع إلى وادي " َالحُسَيْني " , وقد تتحسّن الأمور فيعودون لبيوتهم في الشقّ الأسفل المقابل لمقامهم ذاك , ومع هذا حلّت في بطن الشيخ غصّة كبيرة , وأمّه تشعر بذلك , وتعرف أنّه لن يرضى إلاّ أن يُلحق الكمد بمن تسبّبت في هذه " اَلهَرْبَةْ "لشمله الكبير, وهذا ما يردّده للجميع دائماً .

الهامس جهرا
17 -08- 2009, 10:54 PM
مقال عن الرواية ..
........................................
« عام سعيد يا رناساق الغراب.. من زمن الملحمة إلى زمن لا وجه له »ساق الغراب ليحيى اَمقاسم: نشيد لـ: سادة الضوء.. سادة الزمن الجميل
عبدالله السفر

جريدة القدس العربي ـ لندن

بذاكرةٍ تستقصي ما فاتَ وتُقيمه على سُوقِهِ غضّاً نديّاً، وبمخيّلةٍ فذَّة منفتحةٍ على الغريب والعجيب؛ يَسُوسُ يحيى اَمقاسم روايَتهُ ساق الغراب (دار الآداب ـ بيروت ـ 2008) لتبقى محتفظةً بتوازنٍ لا يطغى فيه التسجيلي على الإبداعي وحتّى لا يتحوّل العمل إلى وثيقةٍ تاريخيّة، ويظلّ مخلصاً لنسبه الروائي وأدواته الخاصة؛ تخوِّله نجاحاً يستحقّه في “وثيقةٍ فنيّة” شُيَّدَتْ بمهارة تنطوي على نشيدٍ عذب يطلع من عروق المكان، ويطفر من أرواح شخصيّاتٍ عمرتْهُ وأُشْرِبَتْ حُبَّه يجري مجرى الدم؛ تُحملُهُ وديعةً ممهورةً بروح الأسلاف تشرف على سريان العهود والمواثيق وتحفُّ بعينِ رأفتِها أسرارَ الأرض، فتمنحُها صبغةً ورائحةً لا تكون إلا لها؛ السرّ الخصب يتلقّفُهُ جيلٌ بعد جيل.
يعود الكاتب إلى الوراء طاوياً غبارَ الحاضر يتكدّسُ على الصورةِ، ويخدشُ بهاءً زيّنتْهُ سواعدُ الرّجال وزنودُ النساء، كتفاً إلى كتف في الشارع وفي الحقل وفي مجلس الرأي والمشورة، في الغناء والرقص وانتحاب الطين والحيوان. يتوغّل في رصد التحوّل القسري والممانعة الصّلبة بمنطقة تهامة بالجزيرة العربية. العشيرةُ بثقافتها الزراعية ومجتمعها الذي ينحو أن يكون أُموميّاً وطقوسها المتجذّرة منذ مئات السنين وبرواسب ممتدّة إلى أبعد من ذلك بكثير، في مقابِل السلطة الآتية من الشمال تريد فرضَ ثقافتها الذكوريّة الرعويّة الصحراويّة، واستتباع المجتمع هناك إلى كلٍّ واحد مُصمَت؛ قالبٍ لم يكن يوماً على مقاس العشيرة ولا مُعبِّراً عنها، ولا ينتمي إلى ذاكرتها وروحها. بين رفض العشيرة بقرية “عُصيْرَة” داعية ـ عاصمة ـ وادي الحُسَيْنِي وبين السلطة وإرادة الهيمنة بضغط الفرض والوصاية، تمضي الرواية تُقلِّب دفترَ “سادةِ الزمن الجميل”؛ المقاومة والانكسار؛ الممانعة والانحسار؛ الطوفان ومحاولة النجاة بنتفٍ من الذاكرة وكِسَرٍ من الأحداث والسِّيَرِ والحيوات؛ تجلو الغبارَ الكثيف وتردُّ الصورةَ إلى يناعتِها.
الصورةُ نسيج
الصورةُ لحمٌ ودم
الصورةُ روحٌ عصيّةٌ لا تفترُ حتّى الرّمقِ الأخير أو حتّى الحضور في غيابٍ مؤجَّل تستحثُّهُ بذرة “الحبوب” وأشباحُ الرّاحلين إذْ ترفعُ يدَ عنايتِها خيمةً؛ تظلِّل وتحرس وتهدي، وتردع وتبطش وتنتقم أيضاً. هذه الصورة عِمادُها ثقافة الحياة بما هي بهجةٌ ومرحٌ وانفتاح، والتصاقٌ بالأرض واعتزازٌ بها وبمكوِّناتها؛ ما يخرجُ منها وما يدبُّ عليها ممزوجاً بماء الأسطورةِ وزعفرانِها، يتقاطَرُ من حفلاتِ الختان، ومن رقص الحصاد؛ ومن حبلِ السُّرّة المقطوع؛ ومن غناء الراحلين؛ ومراسم استعداد الزوجة ليلة عرسها لدخول الزوج عليها. نقرأ في هذه الصورة نداءات الاشتداد والاستواء وابتهالات الخصوبة ونبوءاتِ المصير.
إنّها جملةٌ وسِياقٌ من العادات والأعراف والتقاليد والشعائر الثاوية في الذاكرة، تظلُّ مشتعلةً وفاعلةً بلهبِها من الأساطير والرموز، وما استدخلتْهُ في نسقِها القيمي من مبادئ ومعاييرَ تواضعتْ عليها العشيرة، وباتتْ محدّداً سلوكيّاً ينشأ عليها الصغير ويراعيها الكبير؛ مَظلّة تنفتحُ صانِعَةً الهويّةَ المتفاعلة مع الإنسان والبيئة والمكان والتاريخ، ولها حظٌّ من الاستقلاليّة والانفكاك عن مراكز السلطة؛ السّياسيّة والفقهيّة. هذه الصورة المخصوصة والهويّة المطبوعة في ثقافة العشيرة والممارَسَة اجتماعيّاً على مَرّ السنين وتعاقُب الأجيال، هناك مَن يُريد طمسَها تماماً وإزالتَها عن الوجود، وإحلالَ بناءٍ بديلٍ عنها في صورةٍ غريبةٍ منبتّة عمّا هو موجود ومُتعارَف عليه وأصبحَ هويّةً طبيعيّة يصعب الانسلاخ منها والنّظر إليها على أنّها مخالِفَة وخاطئة وإثمٌ ينبغي التَّطهر منه والانخراط في الصورة الجديدة؛ الإهاب الجديد القادم من الشمال؛ صورةُ ثقافة الموت والجفاف تتقصَّدُ طيَّ صفحةِ صورةِ الحياة والخصوبة؛ تبدِّدُها كأنّها لم تكن. هذه هي المفارَقةُ بين عالميْنِ يتطاحنان ويُؤجِّج أحدَهما يقينُهُ أنّ زمنَهُ أوفَى على نهايتِهِ وأنّ الجولةَ ليست له، مهما حاولَ أن يُنازِلَ أو يهربَ أو يستمهل؛ العصَفُ قادمٌ بيدِهِ السياسةُ والسّلاح والدّينُ والمال. السّلطان الجديد بإزاء السلطان القديم المتدثِّر بالجبل وبالذاكرة. الدّولةُ تتقدّم والعشيرة بحبلٍ يذوب لا يمكن أن تصمدَ؛ حتميّة “القدر الحديث” تفعلُ فعلَها وتُخطِّط بتؤدة وصبر فالثمرةُ في مَطَال اليد. أميرُ “صبياء” ممثَل السلطة السياسية، ومعه محمد المصلح “المقرئ” اليد المساندة لحرثِ الأرض القديمة واستملاكها ببذور جديدة، حين يخترق النسيج المشتد بـ”ابن الهيجة”، ولد السفاح المنسوب إلى الشجرة الهيّاجة، والمرفوع من العشيرة على معارج النبل، فهو عندهم المقيم على مجد أبيه وفخر أمّه، فلا يُقدح بضيم، فيكون مطية الساسة إلى فتق النسيج؛ تدبيراً من المقرئ حين ينال من تمام القيم القائمة، بصورة تأخذ صفةَ الدينِ الصّحيح، وكأنّ ما عداه بذرة معطوبة مُحرَّفة خرجتْ عن السَّنَن القويم وهذه (ذريعةُ أيديولوجية مثل جميع الذرائع التي تستخدم الدين لتبرير ممارسات تُؤسس لنشوء كيانات سياسية ـ فتحي العفيفي، الثيوقراطية العلمانية في الدولة الخليجية المعاصرة، المستقبل العربي، السنة 30، العدد 350، أبريل 2008، ص 140).
ومع إحكامِ السلطة الجيدة الطّوْقَ على القرية وبداية نُذُر التحوّل بإقصاء المرأة عن المشهد الاجتماعي والمعيشي خارجَ المنزل؛ والتحاقِ الأبناء بالجيش؛ ونَفْرَةِ بعضِهم إلى الشمال مغادرين القرية؛ فإنّ “سادة الزمن الجميل” لم ينتظروا اكتمالَ سقوطِ زمنِهم أمام أعينهم، فآثَرَ بعضهم الموتَ اختياراً (علي هبّاش؛ ابن شامي؛ الساحلي؛ بنت الخَبْتي…) أو الرحيل والاختفاء أَنَفَةً من شهود نوْبة الاحتضار القاصِمة. ونقصد هنا “بِشَيبش” تلك الشخصية التي غابت ولم تغب، إذْ بقيتْ طيفاً وروحاً حارِسة؛ تُكرّر أفعال الممانعة والرَّصد والحماية. “بِشَيبش” هو، أوّلاً، مَن حرق مسجد السلطة وقتلَ عينَها الواشِية، وشبحُهُ، ثانياً، لم يزل يتبعُ السّيْلَ ويمنعُ عن القرية غاراتِه ويرعَى خطوات وديعتِهِ (ابنته شريفة)؛ النبتة المُضمَرَة لحمْلِ رسالةٍ تريد أن تعود. “بِشَيبش” يُذكِّر بشخصيّة اختطَّت مسار الممانعة في رواية أخرى؛ “متعب الهذّال” في رائعة عبد الرحمن منيف “التيه” (الجزء الأول من مدن الملح). “بِشَيبش” شخصيّة روائية آسِرة أحسنَ يحيى اَمقاسم في خلقها وتوظيفها بإبداع في روايته، فشكّلتْ هذه الشخصية مع الأم قطبا ثنائياً (إلى جوار شريفة) منحَ العملَ أَلَقاً وتميّزاً على مدار صفحات الرواية (384 صفحة).
إذا كان الموتُ، اختياراً، أو الرحيلُ صيغةً تفسّر نتائج العهد الجديد؛ فإنّ الأم صادقيّة هي مَن عرف مبكِّراً بمجريات الأحداث ومآلها. حدستْ بالمصير وَهْلَةَ المجابهة الأولى ومن أيام “الهَرْبَة”، فهي المُمَكَّنةُ من عالَم الخفاء بعهدٍ منذ وفاة زوجها مشاري لقاءَ نور عينيها [وهنا، أيضاً نتذكّر سادة الخفاء وعوالمهم العجائبية عند إبراهيم الكوني، وعند إيزابيل اللندي وبخاصة رواية “إيفالونا”]. ولأنّ دفّةَ القيادة بين يديها لم تشأ المغادرة واختيار الموت، في زفّةٍ جنائزيّة تقودها الريح وأهل الخفاء، إلاّ بعد ترتيب المشهد لشريفة “بنت الأرض… بنت الرجال” لتصبح (القيّمة الأولى على وادي الحُسَيْنِي… وبذرة الوطن الذي لا يموت إطلاقاً ـ الرواية، ص 375)، تلك البذرة التي عهدت إليها القوى الخفيّة مجد السادة الراحلين، وأنّ تنجو إلى خلاص بوادي الحُسَيْنِي وداعيته “عُصيْرَة” من قوارع القادمين، فهي المخلص ونائلة الأمل، والنجوى إلى السماء نحو إشراقة أخرى.
كما أودعت الأم صادقيّة (إلى ضفة الخفاء وخاصة السر) حشفةَ “حَمُود” ـ حفيدها وامتداد السادة الكبار ـ مُخبّأَةً أسفل شجرة السّدر التي يمِلْن إلى ساسها نسوةُ القرية على الدوام، بعد أنْ حاقت العنّة بأزواجهن، إذ لم تعد بهم قدرةٌ على العطاء، وقد رُدّت إلى النسوة صلاتهنّ إلى الله أن يكشف ضرّ الرغبة في أجسادهنّ. وكأنّ عنتَ الرجال لعنةُ القصور والتخاذل عن أداء الدور نحو قيم القرية، في حين الشجرةَ، طيلة الرواية، هي المستودَع لانبثاق القيم من جديد يحملها نسلٌ مرصودٌ في الغيب أولى بشائره “شريفة” المحفوفة بعبق الأرض ورائحتها؛ تتبعُها أنّى سارت، وحتى قرّت على مِسْكِ أهلها، وهي ترنو إلى بلادها من سفح “عكوة”؛ الجبل الشاهد أبداً في صمته على سيرة النبلاء، وإذا هو الآن رجاؤها الأخير حين ادخرت “صادقية” فيه ما يُمكّن شريفة من جادة “الزمن الجميل” وآثار سادته، وهو أيضاً ـ الجبل ـ منتهى السلالة بما سنّت الأم عليه من منيّة أصيلة لـ”حمود” آخر النشيد.
ــــــــــــــــــــــــــ
* ناقد من السعودية

أبوإسماعيل
18 -08- 2009, 04:15 AM
كل هذه المقالات وكلام النقاد عن هذه الرواية زادنا شغفا بمتابعتها

الله يبارك فيك ولك يا أستاذنا

الهامس جهرا
18 -08- 2009, 10:47 AM
كل هذه المقالات وكلام النقاد عن هذه الرواية زادنا شغفا بمتابعتها

الله يبارك فيك ولك يا أستاذنا
شكرا لك ..

مدن الأحزان
18 -08- 2009, 04:00 PM
متابع بشغف

الهامس جهرا
18 -08- 2009, 08:12 PM
متابع بشغف
لنا الشرف ..
حياك .

الهامس جهرا
18 -08- 2009, 09:03 PM
انتقاد لاذع للرواية في صحيفة الاقتصادية الالكترونية ..
.............................. ................

جماليات الفحش اللفظي البذيء والعامي تحت ضوءٍ باختيني
محمد العباس
ma_alabbas@hotmail


بقدر ما تختزن الرواية وعي كاتبها، وطبيعة المضامين التي يحاول استعراضها، تشير بالضرورة إلى فرادة قاموسه وخصوصية مزاجه، فالنص الأدبي، هو عمل فني لفظي في المقام الأول، يعتمد في جوهره على الخاصية المفرداتية. وفي هذا المكمن اللغوي يمكن اقتناص ظاهرة كتابية لافتة تتمثل في انتحاء بعض الروايات السعودية إلى الفجاجة التعبيرية. وهي حساسية لغوية منبثقة بدورها عن جرأة التماس بالموضوعات الاجتماعية الوعرة، ومتجاوزة لها في آن، خصوصاً فيما يتعلق بالفحش اللفظي، المعبّر عنه بمعجم عامي أقرب ما يكون إلى الكلام، على اعتبار أن موضوع التلفظ الذي تتشكل تمثلاته التواصلية في الفضاء الاجتماعي، هو ناتج تفاعل اللغة مع سياقات التاريخ.

ويبدو أن هذا النمط السردي المحقون بالألفاظ الخادشة للحياء آخذ في التكثّر داخل بعض المنتجات الروائية، ويراد منه، على ما يبدو، تجسيد صورة حية وصادقة للحياة الواقعية تقوم على إعلاء الهاجس الجنسي، بالنظر إلى كونه عنصر اختراق للأدب الكلاسيكي والرومانتيكي، وهو اتجاه فني مثير للتخرصات التأويلية، ويفترض تمديده كمقولة جمالية تحت طائلة الجدل النقدي، لفحص جمالياته الممكنة، وقياس ما يمكن أن يسهم به كمنطوق لهجي محلي داخل الفعل الروائي، أي قراءته وفق مفهوم باختين الشهير (الكلمة في الرواية) الذي يرى أنها أيدولوجية بطبعها، فحضورها يتجاوز الولم يقبل باختين فصل الشكلانية بين الشكل والمضمون،دلالة المعجمية، إلى مهمة التمركز في قلب النص، واستقطاب عناصره وعلاقاته النفسية والاجتماعية والتاريخية والأيدولوجية.

ذلك هو حجر الأساس في تصوره للخطاب الروائي، حيث يميل من يوصف بأنه أعظم متفحص للكلام الإنساني، إلى القول بأن نظرية الرواية تؤكد بقوة على اللحظة الجدلية الانتهاكية التي تتحكم في المسعى الروائي بوصفه تفاعلاً صراعياً بين القوى الاجتماعية والحوارية. كما ينظر إلى الرواية بوصفها شكلاً من أشكال الأدب الشعبي، أو الجنس السفلي، لدرجة أنه يرجّح كونها كجنس أدبي متحدّرة من الأجناس الأدبية الدنيا، وبالتالي فهي أداة تعبير عن الفئات والأوساط الشعبية، وهنا يكمن السر في تنوع منطلقاتها الحوارية والتناصية، فكل كلمة ملفوظة هي محل لتصارع النبرات الاجتماعية المتخالفة، كما تتمثل على لسان الشخوص في الروايات كتعبير لفظي يعكس شكل وحيوية التفاعل بين القوى الاجتماعية.

ولقياس منسوب الوعي بهذا الاتجاه الفني، عند بعض الروائيين الذين جازفوا بحقن نصوصهم بمفردات أو عبارات ذات طابع فاحش، يمكن تأمل طريقة العرض المرآوي لمراداتهم الموضوعية والفنية في جملة من الأعمال، بما هي قاعدة إنتاج اختبارية، حيث يبدو الانفعال بملفوظات الفحش صريحاً، متمادياً، بل صادماً عند يحيى اَمقاسم، الذي يبالغ في إظهار انحيازه الصريح لصقل مفردات صدئة مترّسبة في القاع الاجتماعي، متلذذاً بترديدها، للتأكيد على مقولة المطابقة البنيوية بين شكل الرواية وشكل الحياة، الأمر الذي يقرّب سرده من مراودات إحياء السجل الشعبي، وبناء الهوية المميزة لفئة اجتماعية من خلال ثقافتهم اللغوية.

في روايته (ساق الغراب) يحتل "أبو حشفة" حيزاً كبيراً من السرد، ويبعث عند الجميع متعة مخاطبته بهذا اللقب المبتدع من قاموس التواصل الشعبي، ابتداء من الأم التي بدأت حديث الأهل بممازحة حفيدها المختون قائلة "يا أبو حشفة كان شا تحرقنا قبل اليوم"، فهذا الكائن (حمود) معبأ منذ طفولته بهاجس جنسي أشبه ما يكون بعقدة القضيب الفرويدية...

هذا اللسان الفارط في جرأة التلفظ بالتعبيرات البذيئة لم يتوّلد عنده من الفراغ، ولم يخترع قاموسه من مخيلته، بل تم اجتراره من التاريخ الاجتماعي، وإعادة إنتاجه كوجود انطوقي على لسان الأم، بما هي ذاكرة شعبية قابلة للتنشيط والتوسع على ممكنات التوثيق والتسجيل، ربما نتيجة ما يضمره من إحساس بإمكانية أن ينعزل هذا اللسان المنسي عن سياقات الثقافة الجديدة، الأمر الذي يفسر تطرف تعبيراته، وكثافتها داخل السرد، فقد كانت تبدد ملفوظاتها على شكل وصايا، وكأنها توّرثه مخزون أسلافه القيمي الكامن في اللغة، وأحياناً على شكل مسامرة لا تخلو من التقريع، حيث دعته في تلك الليلة، إلى فراش والده، وبدأت تحدثه بنبرة بائسة "انقضى كل هذا التاريخ وما كُتب من أهل عُصيرة واحد في مثل لهوك ولعبك يا حمود .. وصارت شِعرَتْك شيب ورافض تكبر وتعقل". الأمر الذي يعني أنها رواية أريد لها الاحتفاء بزمن وموروث وبشر، ذوي خصوصية ثقافية، بتحريك ما تيبّس من لغتهم، واستدعاء ألفاظ فارطة في الفحش والعامية، للتأكيد على صلتها الوثيقة بكل مناشط الحياة، على اعتبار أن المنطوق المحلي، هو الخزان اللغوي المعادل للتجربة الاجتماعية المعاشة، والحامل لكل دلالاتها المحسوسة، كما تتعبأ في أشكال تواصلية مختلفة.

* من الورقة المقدمة في الملتقى الثالث للرواية في الباحة 20-23 أكتوبر 2008.

حـــذيفــة
18 -08- 2009, 09:59 PM
حينما يكون النقد يرتكز على نقطة واحدة تقبع في أولى صفحات الرواية وتلتصِق الصورة في مخيّلة الناقد ليواصل البحث في جميع الكتاب عن ذات العبارات والكلمات التي صوّرها - ربّما لحاجة في نفسه - بالبذيئة فهذا ربما شيء يستدعي اعادة النظر .


كل تلك المقالات التي تتحدّث عن الرواية - تصبّ في جبّ الرواية بصورة رائعة جداً - وأتت في صالح الرواية وتسويقها الذي بلغ الآفاق بعدما استقطعت الساعات للقراءة عنها وعن تسويقها - يأتي لنا الناقد :/ محمد العباس ويصوّر الصورة بطريقة شاذة تعبّر عن أشياء في الخفاء .


الناقد :/ محمّد العباس حاول قدر الإمكان الإبتعاد عن الصور الأخرى في النص وتعمّد اثارة " صورة الحشفة " ولا غير .. وكما ذكرت في البداية هذا يحتاج إعادة نظر ليس في الرواية ولكن يحتاج الناقد فيه إعادة النظر في تركيبة عقليته .

الهامس جهرا
19 -08- 2009, 12:00 AM
حينما يكون النقد يرتكز على نقطة واحدة تقبع في أولى صفحات الرواية وتلتصِق الصورة في مخيّلة الناقد ليواصل البحث في جميع الكتاب عن ذات العبارات والكلمات التي صوّرها - ربّما لحاجة في نفسه - بالبذيئة فهذا ربما شيء يستدعي اعادة النظر .



كل تلك المقالات التي تتحدّث عن الرواية - تصبّ في جبّ الرواية بصورة رائعة جداً - وأتت في صالح الرواية وتسويقها الذي بلغ الآفاق بعدما استقطعت الساعات للقراءة عنها وعن تسويقها - يأتي لنا الناقد :/ محمد العباس ويصوّر الصورة بطريقة شاذة تعبّر عن أشياء في الخفاء .



الناقد :/ محمّد العباس حاول قدر الإمكان الإبتعاد عن الصور الأخرى في النص وتعمّد اثارة " صورة الحشفة " ولا غير .. وكما ذكرت في البداية هذا يحتاج إعادة نظر ليس في الرواية ولكن يحتاج الناقد فيه إعادة النظر في تركيبة عقليته .

بصراحة ..
الرواية مليئة بالعبارات والكلمات والصور " الفاحشة " إن صح التعبير .
ولا أدري بأي طريقة سأنقلها ::sa07::

حـــذيفــة
19 -08- 2009, 12:05 AM
لا لا إنقلها ياعزيزي الهامس جهراً .

وإن رأيت في ذلك الحرج سأنقلها أنا .

أنا توجد لدي نسخة منها .

الهامس جهرا
19 -08- 2009, 03:46 AM
لا لا إنقلها ياعزيزي الهامس جهراً .

وإن رأيت في ذلك الحرج سأنقلها أنا .

أنا توجد لدي نسخة منها .

هذا إذا ضوء أخضر .
تم .

الهامس جهرا
19 -08- 2009, 04:24 PM
من هنا تستطيع الحصول على الكتاب ..

http://www.neelwafurat.com/itempage....8&search=books (http://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb160744-122668&search=books)

ساق الغراب
19 -08- 2009, 07:55 PM
أهلاً يا الهامس
ببالغ التقدير لقاء جهدك أكتب لك.. ولقد تركت رداً في منتدى آخر تحت الموضوع ذاته تم نشره باسمك المستعار.. برجاء تعديل الاسم هناك فلا علاقة لـ"سبعي" بالرواية؛ لذا يلزم كتابة الاسم كما هو على الغلاف دون اجتهاد حسن ومحمود من قبل شخصكم الكريم؛ مع عدم نشر النص كاملاً هنا احتراماً لحقوق النشر، والكتاب يُمكن الحصول عليه من موقعي "أدب وفن" أو "مكتبة النيل والفرات" على الأنترنت.
وتجد بالرابط التالي لمدونة "ساق الغراب" قراءات نشرت بعضها أنت هنا بعناوين مختلطة بعناوين أخرى:
tp://saqalghurab.blogspot.com/ (http://saqalghurab.blogspot.com/)
لذا آمل تصويب ما تراه مناسباً.. وشكراً كثيراً لروحك النبيلة.. ولو هناك رأي آخر يُمكن مكاتبة الكاتب على الإيميل الموجود في آخر الرواية.
أخوكم يحيى امقاسم

حـــذيفــة
19 -08- 2009, 08:12 PM
أهلاً وسهلاً بك عزيزي : يحي امقاسم ..

وشكراً للهامس جهراً على احضار الكتاب ..

الهامس جهرا
19 -08- 2009, 08:28 PM
أهلاً يا الهامس
ببالغ التقدير لقاء جهدك أكتب لك.. ولقد تركت رداً في منتدى آخر تحت الموضوع ذاته تم نشره باسمك المستعار.. برجاء تعديل الاسم هناك فلا علاقة لـ"سبعي" بالرواية؛ لذا يلزم كتابة الاسم كما هو على الغلاف دون اجتهاد حسن ومحمود من قبل شخصكم الكريم؛ مع عدم نشر النص كاملاً هنا احتراماً لحقوق النشر، والكتاب يُمكن الحصول عليه من موقعي "أدب وفن" أو "مكتبة النيل والفرات" على الأنترنت.
وتجد بالرابط التالي لمدونة "ساق الغراب" قراءات نشرت بعضها أنت هنا بعناوين مختلطة بعناوين أخرى:
tp://saqalghurab.blogspot.com/ (http://saqalghurab.blogspot.com/)
لذا آمل تصويب ما تراه مناسباً.. وشكراً كثيراً لروحك النبيلة.. ولو هناك رأي آخر يُمكن مكاتبة الكاتب على الإيميل الموجود في آخر الرواية.
أخوكم يحيى امقاسم

أهلا بك ..
أتشرف بهذا الهطول السعيد بالنسبة لي ..
واعتبر من هذه اللحظة أني قد أقفلت الموضوع هنا وفي بقية الأمكان ..
علما أنني قد نوهت لذلك في مقدمة الموضوع ..
مع بالغ التقدير والاحترام .

وجدان
19 -08- 2009, 10:15 PM
قويّة جدًّا هذه الرواية


بها جذور ممتدة


نستطيع أن نقول أنّها ضربت العمق في التاريخ


لم أكملها لكنّي قرأت جزءًا كبيرًا منها الآن ،


وتوقفت عند بعض الألفاظ والعبارات التي كلما تعثّرت في الفهم عندها


أهرول مسرعةً إلى أمي وأبي وأسألهما ،


بدا عليهما الاستغراب وكأنهما يقولان لي من أين لك هذا ؟؟


فأخبرتهما بأن صامطة موسوعة للعلم والأدب


اللذين نقف عندهما كثيرًا ونأخذ منهما اللب اللباب من هكذا روعة .





شكرًا / للرائع الهامس جهرًا


وشكرًا/ للروائي العميق يحي امقاسم


وسأكمل قراءة الرواية طالما أن الكتاب أصبح في المتناول


بإذن الله.



تقديري ،،

الهامس جهرا
20 -08- 2009, 12:57 AM
أهلاً وسهلاً بك عزيزي : يحي امقاسم ..

وشكراً للهامس جهراً على احضار الكتاب ..


الشكر والعرفان لكم ..

الهامس جهرا
20 -08- 2009, 12:59 AM
قويّة جدًّا هذه الرواية



بها جذور ممتدة


نستطيع أن نقول أنّها ضربت العمق في التاريخ


لم أكملها لكنّي قرأت جزءًا كبيرًا منها الآن ،


وتوقفت عند بعض الألفاظ والعبارات التي كلما تعثّرت في الفهم عندها


أهرول مسرعةً إلى أمي وأبي وأسألهما ،


بدا عليهما الاستغراب وكأنهما يقولان لي من أين لك هذا ؟؟


فأخبرتهما بأن صامطة موسوعة للعلم والأدب


اللذين نقف عندهما كثيرًا ونأخذ منهما اللب اللباب من هكذا روعة .





شكرًا / للرائع الهامس جهرًا


وشكرًا/ للروائي العميق يحي امقاسم


وسأكمل قراءة الرواية طالما أن الكتاب أصبح في المتناول


بإذن الله.




تقديري ،،

اختصرتها في البداية وقلت أن الرواية " كنز "
تقديري .

أبو نزار
20 -08- 2009, 01:13 AM
نزهو..نزهو...نزهو

في منتديات صامطة

بوجود كوكبة لامعة من الكتاب والقراء

والليلة ..نحن أكثر

الهامس جهراً...بحرفنته ..المعهودة...وبجهوده المشكورة..يمارس هواية له منذ إطلالته هنا في منتديات صامطة ..حب السمو..ولاغرابة فهو من سمو الذات

زادنا..الليلة ..سمواً...هنا إطلالة الكاتب يحيى امقاسم ...لو كان من سيأتي بك (الهامس جهراً)..لأشعلناه منذ زمن ..

ولو كانت ..من جاءت بك الرواية....لنشرناها من زمن !!!

كي تلتقي قامتان

الهامس جهراً...في منتداه...ويحيى امقاسم بين عشاق القراءة

يحيى مرحباً بك...نعم ..لبرهة تتوقف الأعناق ..عن البحث والتلهف

لكنها ..الليلة ..أكثر بوجودك هنا

نتمنى بقائك ...وإطلالتك

الهامس جهرا
20 -08- 2009, 11:22 AM
نزهو..نزهو...نزهو

في منتديات صامطة

بوجود كوكبة لامعة من الكتاب والقراء

والليلة ..نحن أكثر

الهامس جهراً...بحرفنته ..المعهودة...وبجهوده المشكورة..يمارس هواية له منذ إطلالته هنا في منتديات صامطة ..حب السمو..ولاغرابة فهو من سمو الذات

زادنا..الليلة ..سمواً...هنا إطلالة الكاتب يحيى امقاسم ...لو كان من سيأتي بك (الهامس جهراً)..لأشعلناه منذ زمن ..

ولو كانت ..من جاءت بك الرواية....لنشرناها من زمن !!!

كي تلتقي قامتان

الهامس جهراً...في منتداه...ويحيى امقاسم بين عشاق القراءة

يحيى مرحباً بك...نعم ..لبرهة تتوقف الأعناق ..عن البحث والتلهف

لكنها ..الليلة ..أكثر بوجودك هنا

نتمنى بقائك ...وإطلالتك
شكرا للإطراء .
الجميل يفرض نفسه في كل مكان .

ساق الغراب
20 -08- 2009, 12:34 PM
كثير هذا الحضور

ما يلزمنا هو كتابة كل قصة من رائحة الأمهات والشجر، كل كلمة من جذع الرجال والعشب، فإن كان أخي الأصغر الآن لا يعرف أنشايد المطر والسيل التي كانت تعلو بأجداده إلى الغيم، وكل ما يستطيعه أيقونات الماسنجر وأسماء عارية من الحياة، فعلينا فعل شيء للحفاظ على ذلك التراث العظيم من حكايات شعبية وأناشيد وأساطير وتقاليد.. هذا رجائي المستمر.
يداً بيد لنقول كل شيء.. فالذاكرة الشفوية تموت بذهاب من اختاروا الترجل عن هذه الحياة التي لم تعد تنادي باسمهم ولا تقول حقولهم.. لتلتفتوا إليهم قليلا.. اقتربوا منهم أكثر واسمعوا .. واسمعوا إليهم.
كل "مثل" هو ذخيرة الروح فيهم.. كل "كلمة" تُقال هي من ذهب دمهم، هي من صرخة طويلة لبعض من الحياة.
سجلوا فقط
فقط اكتبوا ما يذكرونه ولا أكثر.. وستجدون ذات يوم سجلاً حافلاً من ذلك التراث العالي علو اعتزازنا بهم.. لنحكي كل شيء
أنتظركم

أخوكم
يحيى امقاسم

الشفق
20 -08- 2009, 12:53 PM
حياك الله أخي الفاضل ( يحي مقاسم )
تغمرنا سعادة لا مثيل لها بتشريف شخصكم الكريم لمنتديات صامطة
وأتمنى ان يطيب لك المكان وان نسعد دائما بطلتك البهية .
ياعزيزي من المؤكد إن كتابة القصة فن ادبي يحتاج لموهبة وصقل
ورغبة قبل كل شيء ، وسعدنا كثيرا بقراءة هذه الرواية التي ربطت
عقوقلنا بحقبة من الزمن عرفتنا على العديد من المفاهيم والتقاليد والعادات
التي كانت تزخر بها منطقتنا في ذلك الوقت .
أرجو أن تسمح لي باستغلال تواجدك الكريم لأطرح بعض الأسئلة قد يكون لها دور مهم وفائدة تتعلق بالموضوع :
أولا : ما الفرق بين كتابة الرواية والقصة ؟
ثانيا : ما الصفات والمميزات التي ينبغي أن تتوفر في القاص من أجل أن يكتب له النجاح والتوفيق ؟
ثالثا وأخيرا : هل كتابة الرواية موهبة تحتاج لصقل ومتابعة أم هي فن يدرس ويتعلم ؟

خالص الشكر والتقدير

ساق الغراب
20 -08- 2009, 12:57 PM
تصحيح لما سبق:
سجلوا فقط
فقط اكتبوا ما يذكرونه ولا أكثر.. وستجدون ذات يوم سجلاً حافلاً من ذلك التراث العالي علو اعتزازنا بهم.. لنحكي كل شيء

أيضا أنتظركم

الهامس جهرا
25 -08- 2009, 05:19 AM
تصحيح لما سبق:
سجلوا فقط
فقط اكتبوا ما يذكرونه ولا أكثر.. وستجدون ذات يوم سجلاً حافلاً من ذلك التراث العالي علو اعتزازنا بهم.. لنحكي كل شيء

أيضا أنتظركم


توجيه كريم سآخذ به بحول الله ..
شكرا لك .

ملاكـ
25 -08- 2009, 06:32 AM
لقد بذلت جهد عظيم بالقيام بنشر مثل هذه الروايه
التي على وشك أن ينقرض تواجدها

شكراً لك من الأعماق على هذا المجهود .

سمو الاحساس
26 -08- 2009, 01:31 PM
شكراً لك اخي الكريم على هذة القصص اتمنا ان تنشر مثل هذة القصص من تراثنا بلهجتنا لاكن ادباؤنا ومثقفونا لايهتمون رغم انهم على درجة عاليةمن العلم والمعرفة جزاك الله خير على هذا الموضوع الشيق والذي سوف لن ينقع بأذن الله ولن يوقفك الكاتب ولااحد انشاء الله شكرا لك اخي الكريم

سمو الاحساس

ساق الغراب
27 -08- 2009, 04:16 AM
يا الهامس جهرا
حباً وكرماً أحتاج بريدك الخاص برسالة خاصة حيث لم يمكنني النظام في المنتدى من إرسال رسالة إليك، أو برجاء إرسال وسائل الاتصال بك على الايميل المسجل بآخر الرواية.

وشكراً كثيراً مع اعتزازي بحبر كافة المشاركين.. المنير هنا، مع تقديري لبعض الأسئلة، وإلى إياب أوسع وإجابة مشرقة بكم.
أخوكم
يحيى امقاسم

الهامس جهرا
11 -12- 2009, 03:38 PM
ساق الغراب»... تحويل الهزيمة إلى نص فاتن
الثلاثاء, 08 ديسيمبر 2009
صحيفة الحياة

http://ksa.daralhayat.com/files/imagecache/medium_thumb/files/rbimages/1260210336117855900.jpg
معتز قطينة


Related Nodes:
04.JPG (http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/84234)




لا تنقل الكتابات التاريخية والرسمية في حال النزاع إلا رواية واحدة، هي رواية المنتصر أبداً، لذلك فإننا نحكي عن حال نادرة من حالات تحويل الهزيمة إلى نص جمالي فاتن، يحكي عن الزاوية التي لم تصادفنا كثيراً، الزاوية التي تنظر بها عين المهزوم! نتكلم عن رواية "ساق الغراب" للروائي يحيى أمقاسم.
في شكل مغاير، نبدأ القراءة من خلال الإشارة الدالة جداً على الحال التي مثلها الصراع بين صاحب الأرض، ذي الهوية الممتدة جذورها في عصيرة، القرية العاصمة لوادي الحسيني/ جنوب الجزيرة العربية، وبين الداخل الجديد إلى الأرض، الذي يحمل مشروعاً مختلفاً يرغب في إحلاله بديلاً عن الهوية القائمة، يحضر رمز الهوية ماثلاً في الطقس الختاني الذي يؤديه أهل المنطقة حال بلوغ الصبي مآل الرجال، الهوية التي يُعمل الغريب في نزعها من خلال توجيهاته الصارمة بمنع أداء الطقوس، بذريعة الدين حيناً، وبتلويحة السيف الذي سيطبق على رؤوس العباد لاحقاً، كما يحكي النص، ولم أستخدم الدلالة إلا لأبين كيف استحال هذا الطقس- الذي لم يعاينه الكاتب في حياته- إلى حال جمالية من طراز فريد، يستحضر فيها تفاصيل الختان، وكأنه قد أمسك بكاميرا عالية الدقة، ليرصد أدق اللحظات التي تم بها، حاملاً أجواءه في لغة متخمة بقيم ذلك الزمن، فيدفع بالمجد، والهوية، والشجاعة، ورباطة الجأش، والرفض، ربما باعتباره قيمة ضرورية لا تبالي في حال النزاع القيمي الذي يعيشه إنسان القرية بما هو آتٍ من النتائج، ولو كلفه الأمر حياته! إن هذا المستوى من التمسك بالقيمة ينتج فيما يبدو لدى (حمود الخير) نتيجة لحال التهديد التي تتعرض لها هويته، فالذين يشعرون بالقلق حيال ثبات حياتهم ينتفضون دائما ضدّ كل علامة تشير إلى تبدل الحال، ويبذلون ما لا يظنون أنهم قادرون على إتيانه في استقرارهم ورغدهم، ولو كان ثمن الحفاظ على رسوخ الحال هو الحياة ذاتها!
إن ضخامة الحكاية وثبات مجراها، تجعل من المستحيل حصر المواضع التي تفجّرت فيها ينابيع الفتنة، فما بين "إذ يقفون بأسمالهم المبللة وبنادقهم ترهقها قطرات المطر" و"عذوبة الليل التي تذهب بهم إلى ذكريات قديمة" وما بين إشعال النيران العظيمة، ورش الرحى بقطرات الماء كي يرى القمر المخسوف طريقه فيها، تكمن حياة تم وأدها لأغراض خبيئة أولاً، ثم صارت إعلاناً غير قابل للطعن والجدال، من دون أدنى التفاتة إلى ما يمكن أن تؤول إليه حياة بأكملها، فالناس الذين تبددت آمالهم في مجابهة الداخل الجديد، صاروا يعلنون باكراً رفضهم للتغيير، لنغرق في عذوبة جديدة يؤديها اليائسون من الحياة. عذوبة ما زالت عذراء على عيون القارئ العربي، إذ يتوجهون تباعاً إلى الشيخ وأمه، يستأذنونهم في الموت! إنها الأدوار حين تستبدل، فيصبح الموت حالاً إبداعية لاستمرار الحفاظ على الصورة الأخيرة للجمال قبل زواله، وللزجاج الشفاف قبل خدشه بإزميل التغيير، ولا بد لنا من باب الإنصاف أن نفرق بين التغيير والتطوير في هذه الحال، فالرفض في حال النص لا يمثل صداً لمدّ حداثي، ولا يقف عقبةً في سبيل عملية نهضوية، بل يفصح عن نفسه كنوع من مقاومة اجتثاث الجذور فقط!
أبطال العمل ليسوا أشخاصاً مثاليين، ولا يمكننا التنبؤ بسهولة، إن كان فيهم جانب من الشر خفي أو أنهم على ما فيه في خير مطلق، إذ يسهب امقاسم في صبغهم بالمحمود من الصفات والمواصفات والأفعال، وفقاً لأحداث الحكاية الطويلة التي لا تشبهها الحكايات، وكما لا يبدو الكاتب حيادياً مع شخوصه، فإن إعجابه الجليّ بما ينثرونه من الحُسن والعفوية يقودنا لتتبع ما يبرر هذا الإعجاب، لنجد قائمة تطول: فهناك (بشيبش) الكائن الأسطوري الذي رفض أن تهزم قريته وهو موثق إلى سرير خالته (صادقية) فغادرها إلى حيث لا يرى النهاية التي لا تروقه لعنفوانه/مجد عصيرة. ولا يرحل رحيل المخذول، إنما رحيل من ينجو بالجمال من الذكريات المزعجة التي تشوبه، وهو إذ يقرر الذهاب يقدم طقساً غرائبياً آخر لا يخلو من صيغة الفتنة، حين يلعق قدمي طفلته دافعاً إياها إلى عدم الانزعاج من رحيله، إذ كان الراحلون يعتقدون بأن فعلهم هذا يمسح ألم الغياب! وهنا صادقية الأم التي تقف خلف ابنها شيخ القبيلة، توجهه كما لو كان سهماً نافذاً لتعليماتها، وتدير الحصاد، والمخزون، والرجال والنسوة، متمتعة بكل صلابة القادة، من دون أن نغفل عن تعريض بشيبش الدائم لها برغبة جسدها المكبوتة غالباً، النافرة نادراً في ملامحها الملكية الجميلة، ومن دون أن نسهو عما تحمله بصيرتها من قدرة على استشراف النوازل، والتدبير الحكيم لكل ما يطرأ على القرية من أحداث، وهناك (عيسى الخير) شيخ القبيلة الحيّ، الذي يدرك الأمور قبل وقوعها فيطلب إلى خادمه الذي كان يمازحه قبل قليل ما لا يسرّ به السيد إلى عبده! ويجهزه للموت قبل أن يقع، ويتشبث بحياته بين يدي أمه وهو على فراش الموت، يراوغها ليحصل على وقت خارج قدره المكتوب، ثم يستحيي من الاستمرار حياً وقد سبقه إلى الموت كل رفاق دربه ومعاصري مجده، الذين غادروا قبل الأفول، وفضلوا الحصول على رخصة الموت قبل أن تنتهي أسطورة عصيرة! إنهم جميعاً مزيج غرائبيّ التركيب، معقد الصيغة، لا تجد مثلها كثيراً، ولا تملك إلا الانحياز لجمالها، كما تنحاز لجمال رقصهم، وليالي سمرهم، والأغنيات البديعة التي أجهد امقاسم نفسه في تفسيرها، ومحاولة تقريبها إلى بساطة القارئ، على رغم أنها تنضح حساً لم يكن في حاجة إلى كثير تعبٍ ليلمس أرواح القارئين، قبل أن تندمج مع أهالي القرية في حلقة الرقص!
"ساق الغراب" ليست عملاً حِرفياً، وحين نشير إلى المران الذي بذله امقاسم للخروج بهذا الكتاب البديع، فإننا نتحدث عن اجتهاد المبدع الذي ينحت تمثالاً لكي يتمثل ألم الصخر، لا عن تعب الصانع الذي يتخلص من آثام صنمه، يفاجئنا بالجمال من كل جانب، وكأنه يشن حرباً زمنية مضادة بالكتابة، تشبه الحرب التي سُرق فيها جمال القرية وانتهك، يحاول أن يعيده بالجمال، إنه لا يبكي على فردوس كان، فهو يمجد الزمن الذي كان فيه الجمال حاكماً ونمط حياة!
لا يشين العمل ولا ينقص من روعته التماهي الخفي، الذي تشي به السطور بين "ساق الغراب" و"مئة عام من العزلة" للكولومبي ماركيز. فثمة رابط شفيف بين ماكوندو الخيالية التي احتوت حياة حقيقية لم تعد موجودة، وبين عصيرة الحقيقية التي احتوت خيال امقاسم بأقصى ما يمكنه استجلاب الماضي، وثمة براعة حقيقية في التشبع بتقنيات الواقعية السحرية، وتحويلها إلى قالب نقي اجترحه امقاسم ليمنح عمله تقنية الإنباء بالكارثة قبل حلولها، مع الاحتفاظ بكمّ من المفاجآت، والربط بينها وبين التقنية النابهة في تصوير المشهد من زوايا عدة، كمشهد انتحار حمود العابث، الذي سنراه مرة أخرى بعيني شريفة بنت الأرض التي صارت بنت الرجال! هذه هي "ساق الغراب"، النص أو الأرض، لا فرق: روح دافقة في الكتابة، وزمن يحلم المارُّون به لو أنه لم يكن حلماً، وفجيعة ضخمة، تشبه فجيعة شريفة التي تسأل بصدق شفيف وصامت، عن القرية التي امّحت معالمها وكأنما ابتلعتها الأرض الغاضبة، وكأنها لم تكن يوما..!

الهامس جهرا
11 -12- 2009, 03:42 PM
ساق الغراب»... تحويل الهزيمة إلى نص فاتن
الثلاثاء, 08 ديسيمبر 2009
صحيفة الحياة

http://ksa.daralhayat.com/files/imagecache/medium_thumb/files/rbimages/1260210336117855900.jpg
معتز قطينة


Related Nodes:
04.JPG (http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/84234)




لا تنقل الكتابات التاريخية والرسمية في حال النزاع إلا رواية واحدة، هي رواية المنتصر أبداً، لذلك فإننا نحكي عن حال نادرة من حالات تحويل الهزيمة إلى نص جمالي فاتن، يحكي عن الزاوية التي لم تصادفنا كثيراً، الزاوية التي تنظر بها عين المهزوم! نتكلم عن رواية "ساق الغراب" للروائي يحيى أمقاسم.
في شكل مغاير، نبدأ القراءة من خلال الإشارة الدالة جداً على الحال التي مثلها الصراع بين صاحب الأرض، ذي الهوية الممتدة جذورها في عصيرة، القرية العاصمة لوادي الحسيني/ جنوب الجزيرة العربية، وبين الداخل الجديد إلى الأرض، الذي يحمل مشروعاً مختلفاً يرغب في إحلاله بديلاً عن الهوية القائمة، يحضر رمز الهوية ماثلاً في الطقس الختاني الذي يؤديه أهل المنطقة حال بلوغ الصبي مآل الرجال، الهوية التي يُعمل الغريب في نزعها من خلال توجيهاته الصارمة بمنع أداء الطقوس، بذريعة الدين حيناً، وبتلويحة السيف الذي سيطبق على رؤوس العباد لاحقاً، كما يحكي النص، ولم أستخدم الدلالة إلا لأبين كيف استحال هذا الطقس- الذي لم يعاينه الكاتب في حياته- إلى حال جمالية من طراز فريد، يستحضر فيها تفاصيل الختان، وكأنه قد أمسك بكاميرا عالية الدقة، ليرصد أدق اللحظات التي تم بها، حاملاً أجواءه في لغة متخمة بقيم ذلك الزمن، فيدفع بالمجد، والهوية، والشجاعة، ورباطة الجأش، والرفض، ربما باعتباره قيمة ضرورية لا تبالي في حال النزاع القيمي الذي يعيشه إنسان القرية بما هو آتٍ من النتائج، ولو كلفه الأمر حياته! إن هذا المستوى من التمسك بالقيمة ينتج فيما يبدو لدى (حمود الخير) نتيجة لحال التهديد التي تتعرض لها هويته، فالذين يشعرون بالقلق حيال ثبات حياتهم ينتفضون دائما ضدّ كل علامة تشير إلى تبدل الحال، ويبذلون ما لا يظنون أنهم قادرون على إتيانه في استقرارهم ورغدهم، ولو كان ثمن الحفاظ على رسوخ الحال هو الحياة ذاتها!
إن ضخامة الحكاية وثبات مجراها، تجعل من المستحيل حصر المواضع التي تفجّرت فيها ينابيع الفتنة، فما بين "إذ يقفون بأسمالهم المبللة وبنادقهم ترهقها قطرات المطر" و"عذوبة الليل التي تذهب بهم إلى ذكريات قديمة" وما بين إشعال النيران العظيمة، ورش الرحى بقطرات الماء كي يرى القمر المخسوف طريقه فيها، تكمن حياة تم وأدها لأغراض خبيئة أولاً، ثم صارت إعلاناً غير قابل للطعن والجدال، من دون أدنى التفاتة إلى ما يمكن أن تؤول إليه حياة بأكملها، فالناس الذين تبددت آمالهم في مجابهة الداخل الجديد، صاروا يعلنون باكراً رفضهم للتغيير، لنغرق في عذوبة جديدة يؤديها اليائسون من الحياة. عذوبة ما زالت عذراء على عيون القارئ العربي، إذ يتوجهون تباعاً إلى الشيخ وأمه، يستأذنونهم في الموت! إنها الأدوار حين تستبدل، فيصبح الموت حالاً إبداعية لاستمرار الحفاظ على الصورة الأخيرة للجمال قبل زواله، وللزجاج الشفاف قبل خدشه بإزميل التغيير، ولا بد لنا من باب الإنصاف أن نفرق بين التغيير والتطوير في هذه الحال، فالرفض في حال النص لا يمثل صداً لمدّ حداثي، ولا يقف عقبةً في سبيل عملية نهضوية، بل يفصح عن نفسه كنوع من مقاومة اجتثاث الجذور فقط!
أبطال العمل ليسوا أشخاصاً مثاليين، ولا يمكننا التنبؤ بسهولة، إن كان فيهم جانب من الشر خفي أو أنهم على ما فيه في خير مطلق، إذ يسهب امقاسم في صبغهم بالمحمود من الصفات والمواصفات والأفعال، وفقاً لأحداث الحكاية الطويلة التي لا تشبهها الحكايات، وكما لا يبدو الكاتب حيادياً مع شخوصه، فإن إعجابه الجليّ بما ينثرونه من الحُسن والعفوية يقودنا لتتبع ما يبرر هذا الإعجاب، لنجد قائمة تطول: فهناك (بشيبش) الكائن الأسطوري الذي رفض أن تهزم قريته وهو موثق إلى سرير خالته (صادقية) فغادرها إلى حيث لا يرى النهاية التي لا تروقه لعنفوانه/مجد عصيرة. ولا يرحل رحيل المخذول، إنما رحيل من ينجو بالجمال من الذكريات المزعجة التي تشوبه، وهو إذ يقرر الذهاب يقدم طقساً غرائبياً آخر لا يخلو من صيغة الفتنة، حين يلعق قدمي طفلته دافعاً إياها إلى عدم الانزعاج من رحيله، إذ كان الراحلون يعتقدون بأن فعلهم هذا يمسح ألم الغياب! وهنا صادقية الأم التي تقف خلف ابنها شيخ القبيلة، توجهه كما لو كان سهماً نافذاً لتعليماتها، وتدير الحصاد، والمخزون، والرجال والنسوة، متمتعة بكل صلابة القادة، من دون أن نغفل عن تعريض بشيبش الدائم لها برغبة جسدها المكبوتة غالباً، النافرة نادراً في ملامحها الملكية الجميلة، ومن دون أن نسهو عما تحمله بصيرتها من قدرة على استشراف النوازل، والتدبير الحكيم لكل ما يطرأ على القرية من أحداث، وهناك (عيسى الخير) شيخ القبيلة الحيّ، الذي يدرك الأمور قبل وقوعها فيطلب إلى خادمه الذي كان يمازحه قبل قليل ما لا يسرّ به السيد إلى عبده! ويجهزه للموت قبل أن يقع، ويتشبث بحياته بين يدي أمه وهو على فراش الموت، يراوغها ليحصل على وقت خارج قدره المكتوب، ثم يستحيي من الاستمرار حياً وقد سبقه إلى الموت كل رفاق دربه ومعاصري مجده، الذين غادروا قبل الأفول، وفضلوا الحصول على رخصة الموت قبل أن تنتهي أسطورة عصيرة! إنهم جميعاً مزيج غرائبيّ التركيب، معقد الصيغة، لا تجد مثلها كثيراً، ولا تملك إلا الانحياز لجمالها، كما تنحاز لجمال رقصهم، وليالي سمرهم، والأغنيات البديعة التي أجهد امقاسم نفسه في تفسيرها، ومحاولة تقريبها إلى بساطة القارئ، على رغم أنها تنضح حساً لم يكن في حاجة إلى كثير تعبٍ ليلمس أرواح القارئين، قبل أن تندمج مع أهالي القرية في حلقة الرقص!
"ساق الغراب" ليست عملاً حِرفياً، وحين نشير إلى المران الذي بذله امقاسم للخروج بهذا الكتاب البديع، فإننا نتحدث عن اجتهاد المبدع الذي ينحت تمثالاً لكي يتمثل ألم الصخر، لا عن تعب الصانع الذي يتخلص من آثام صنمه، يفاجئنا بالجمال من كل جانب، وكأنه يشن حرباً زمنية مضادة بالكتابة، تشبه الحرب التي سُرق فيها جمال القرية وانتهك، يحاول أن يعيده بالجمال، إنه لا يبكي على فردوس كان، فهو يمجد الزمن الذي كان فيه الجمال حاكماً ونمط حياة!
لا يشين العمل ولا ينقص من روعته التماهي الخفي، الذي تشي به السطور بين "ساق الغراب" و"مئة عام من العزلة" للكولومبي ماركيز. فثمة رابط شفيف بين ماكوندو الخيالية التي احتوت حياة حقيقية لم تعد موجودة، وبين عصيرة الحقيقية التي احتوت خيال امقاسم بأقصى ما يمكنه استجلاب الماضي، وثمة براعة حقيقية في التشبع بتقنيات الواقعية السحرية، وتحويلها إلى قالب نقي اجترحه امقاسم ليمنح عمله تقنية الإنباء بالكارثة قبل حلولها، مع الاحتفاظ بكمّ من المفاجآت، والربط بينها وبين التقنية النابهة في تصوير المشهد من زوايا عدة، كمشهد انتحار حمود العابث، الذي سنراه مرة أخرى بعيني شريفة بنت الأرض التي صارت بنت الرجال! هذه هي "ساق الغراب"، النص أو الأرض، لا فرق: روح دافقة في الكتابة، وزمن يحلم المارُّون به لو أنه لم يكن حلماً، وفجيعة ضخمة، تشبه فجيعة شريفة التي تسأل بصدق شفيف وصامت، عن القرية التي امّحت معالمها وكأنما ابتلعتها الأرض الغاضبة، وكأنها لم تكن يوما..!

لوركا
11 -12- 2009, 06:28 PM
هل يمكن الحصول على الروايه من معارض الكتاب ..؟

الهامس جهرا
18 -12- 2009, 09:11 PM
هل يمكن الحصول على الروايه من معارض الكتاب ..؟

حالياً

لا أعتقد ::sa07::

الهامس جهرا
24 -01- 2010, 07:38 PM
الطبعة الثانية من رواية"ساق الغراب" لـ يحيى أمقاسم

صحيفة جازان الالكترونية .

صدرت الطبعة الثانية من رواية «ساق الغراب» للروائي يحيى أمقاسم أخيراً عن دار «ثقافات» (أبو ظبي - الإمارات). وكانت دار الآداب - بيروت، أصدرت الطبعة الأولى منها العام الماضي، وحظت الرواية باهتمام نقدي لافت، نظراً لقوة العوالم التي طرحتها الرواية، إلى جانب الجماليات المميزة، التي تقصد الكاتب الاشتغال عليها.


وحمل الغلاف الأخير في طبعة الرواية الثانية، مقتطفات من قراءات نقدية لكل من الناقد التونسي حسين الواد والناقد فيصل دراج، كانت نشرت في صحف عربية وألقيت في مؤتمرات حول الرواية في الوطن العربي. يقول الواد عن الرواية: «هذه الرواية تحكي ما احتفظت به ذاكرة الأمجاد لقرية «عُصَيْرة» - جنوب غربي السعودية - على امتداد مئتي عام وأكثر قُبيل وأثناء تصدّعها واضمحلالها أمام سلطة أخرى. لقد تدبر الروائي يحيى امقاسم اشتغاله السردي على أنماط مختلفة، وبنظرةٍ من الأعلى عارفة بالبدايات والنهايات جميعاً، وبلغةٍ فذة نسجها لتشييد عالمه السحري، إذ جعلها ألواناً من الخطابات فيها من الشاعرية والأسطرة ما يتجانس مع طبيعة ذلك العالم المدهش. إنّها رواية تستجيب استجابة كبيرة للقراءات الأنثروبولوجية من دون نفيٍ لغيرها من القراءات».

فيما يؤكد دراج تميز «ساق الغراب» فيقول: «عاد الروائي الواعد إلى نهايات القرن التاسع عشر، إلى مكان يُغادر، لتكون رواية عن فساد الأزمنة، لكنها قبل كل شيء رواية عن الذات الإنسانية الحرة، عن عالم ملحمي يرتحل، لا يتحدث أهله عن الدين لأنهم يُمارسون الفضيلة، ولا يتغنون بالعشق فهم يعيشونه، ولم يهجسوا بالخوف إلاّ عند معاداة الطبيعة. أعطى يحيى في روايته الأولى «ساق الغراب» عملاً فنياً مميزاً جديداً في الشكل والصياغة، لا يُحاكي ولا يُقلّد، ويشتق عناصره من تجربة إنسانية لا تلتبس بغيرها. وأكد أنّ المواضيع من لغتها، وأنّ معنى الحكايات من ساردها، وأنّ السارد الرهيف هو الذي يُحرّر الأزمنة من أمكنتها الضيّقة، ويُحرّر الأمكنة بمتواليات حكائية، تُخبر عن اغتراب الإنسان، وعن عدل مؤجل. لقد أعلن يحيى امقاسم في عمله هذا عن ولادة جديدة أصيلة للرواية السعودية، وعن جديد روائي يوسّع آفاق الرواية العربية».

يذكر أن هذه هي الرواية الأولى للكاتب الشاب يحيى أمقاسم، لكنها جاءت عميقة ومشدودة، لتكشف عن مراس يذكر بالكتاب الكبار الذين يشتغلون بأناة على أعمالهم .

مدن الأحزان
25 -01- 2010, 12:43 AM
شكرا لك أستاذي الهامس جهرا على متابعاتك

للرواية لحظة بلحظة

أرجو منك أن تخبرني كيف أستطيع الحصول على هذه الرواية

وشكرا لك

الهامس جهرا
25 -01- 2010, 09:59 AM
شكرا لك أستاذي الهامس جهرا على متابعاتك

للرواية لحظة بلحظة

أرجو منك أن تخبرني كيف أستطيع الحصول على هذه الرواية

وشكرا لك

الشكر لك .

حسب علمي .. سيعرض الكتاب في معرض الكتاب القادم في الرياض بحول الله .

ويمكن الحصول عليه عن طريق موقع ( النيل والفرات ) على الانترنت .

مدن الأحزان
25 -01- 2010, 06:24 PM
الشكر لك .

حسب علمي .. سيعرض الكتاب في معرض الكتاب القادم في الرياض بحول الله .

ويمكن الحصول عليه عن طريق موقع ( النيل والفرات ) على الانترنت .


شكرا لك

وجزاك الله خيرا

الهامس جهرا
26 -01- 2010, 09:55 PM
العفو .. مدن الأحزان .

لوركا
17 -01- 2011, 03:03 AM
معتز قطينة










نبغى جنسية معتز إذا كان بالامكان ولك جزيل الشكر

الهامس جهرا
17 -01- 2011, 02:10 PM
نبغى جنسية معتز إذا كان بالامكان ولك جزيل الشكر

للأسف ..

لا أملك إجابة صمة:

نيسَانْ ,!
18 -01- 2011, 04:05 AM
شكرا لك أستاذي الهامس جهرا على متابعاتك

للرواية لحظة بلحظة

أرجو منك أن تخبرني كيف أستطيع الحصول على هذه الرواية

وشكرا لك

إن كنت في الرياض فقد رأيتها قبل فترة في مكتبة ديوان الكتاب .

وشكراً لك يا ( الهامس جهراً ) على هذا الموضوع الثري.

..انتظار..
18 -01- 2011, 09:47 AM
نبغى جنسية معتز إذا كان بالامكان ولك جزيل الشكر

الأديب معتز فلسطيني الجنسية , أما إن كنت تقصد كتابه الجنسية فأنا أريده أيضاً صمة:

خزامى
18 -01- 2011, 03:07 PM
موضوع ثري بكل مافيه
شكرا لك اخي الكريم

لوركا
18 -01- 2011, 08:39 PM
الأديب معتز فلسطيني الجنسية , أما إن كنت تقصد كتابه الجنسية فأنا أريده أيضاً صمة:


ما عليك الهامس جهراً قدها
يقدر يجيبها لنا قبل المعرض

نيسَانْ ,!
18 -01- 2011, 11:09 PM
الأديب معتز فلسطيني الجنسية , أما إن كنت تقصد كتابه الجنسية فأنا أريده أيضاً صمة:

كيف ممكن أوصله لكِ ؟ عندي لكِ نسخة

..انتظار..
19 -01- 2011, 10:19 AM
كيف ممكن أوصله لكِ ؟ عندي لكِ نسخة



صدقاً أكون لك من الشاكرين. بس كيف مابعرف إذا عندك طريقة ما قوليلي

الهامس جهرا
27 -01- 2011, 03:33 PM
موضوع ثري بكل مافيه
شكرا لك اخي الكريم

العفو .. مشرفتنا الكريمة :rolleyes: