المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحيرة بحجم ثمرة الباباي



مسعد الحارثي
04 -02- 2005, 09:02 PM
كل شيءٍ فيها كان يذكرني بشجرة الباباي المنتصبة في فناء بيتنا الواسع .. طولها الفارع ، ووقفتها المستقيمة رغم شيخوختها .
لا ألمس في جدتي أي جماليات ، كنت أراها قبيحة جداً مثل الغوريلا ، شفتاها غليظتان ، رأسها كبير يصلح للجلوس دون أي متاعب .. كان يزين شفتها السفلى ثقب هائل تسده بقطعةٍ من الخشب نحتتها لتكون صالحة لهذا الغرض . عندما تخرج تلك القطعة فإن لعابها يسيل عبره . أشهر شيءٍ قبيحٍ فيها أنفها الأفطس ، عندما تسمع تعليقاً عن فطاسة أنفها كانت تقول دون أيّ جهدٍ في التفكير:
- يكفي أنني اتنفس به ..
كنت أرى الأفق عبر ثقب أذنها الهائل أيضاً .. الذي أخذ مساحةً كبيرةً من حلمة الأذن ، و هناك أيضاً ثقبَ في أنفها الأفطس ثم تبرز مساحةَ كبيرةَ من لثتها في الفك الأسفل نتيجة لقلع أربعة أسنان .. أما عيناها فكانتا حمراوتان تجثم فوقهما جفونَ منتفخة ..
الشيء الذي عرفته عن جدتي أن لها مقدرة فائقة في تحمل الألم .. ذات يومٍ ذهبت تقضي حاجتها في العراء ، عندما عادت تحك كعبها الذي أخذ يتورم شيئاً فشيئاً دون أن يبدو عليها الألم ، سألتها في براءةٍ عما بها فقالت :
يبدو أن أفعى لدغتني ، ثم أخذت مشرطاً وفصدت اللدغة كانها تفصد شخصاً آخر أو كان المشرط يصنع أخاديده المؤلمة في جسم غير جسمها

ازددت اضطراباً و انا أرى دماً أسود يخرج من تلك الأخاديد .. ليصنع بركةً سوداء .. بركة بلون سمّ ودم ، ثم أخذت ترياقاً مثل حجرٍ أبيض اللون و سحقته بقسوة.. ثم أخذت تملأ تلك الأخاديد بالحجارة الصغيرة ذات الأثر الحارق في الجروح .. حدث كل ذلك و أنا أبحث عن أثرٍ للألم بين خلجاتها .. فجأة نظرت إليّ .. كنت منكمشةً فازددت انكماشاً .. خفت .. أردت الهرب .. و أنا أتذرع بأعذارٍ واهية لأنهض من قربها لأني أعرف عادتها ، إذا أخذت دواء .. أياً كان نوعه فإنها كانت ترغمني على أخذه خوفاً من انتقال العدوى إليّ ، فشلت في الهرب لأنها كانت قد أطبقت قبضتها الفولاذية على معصمي .. و بالمشرط صنعت خطين على ظهر يدي و كذا على قدمي ، لم تعطني حتى فرصةً للصراخ ، أحسست بألمٍ يتسلل عبر دمي ثم قطرات من الدم تنساب عبر الفتحات الثماني .. أخذت الترياق و دعكته بنفس القسوة .. كأنها تريد إدخال تلك القطع الصغيرة عبر أوردتي ، و قالت راطنة وهي تمارس قسوتها عليّ بصوتها الذي بالكاد يشبه صوت النساء :
- هكذا حتى لا تجرؤ تلك الحبائل المتحركة على لدغك .. إذا رأتك إحداها فإنها لا تقوى على الحراك حتى تذهبي مبتعدة .
و هذا ما يحدث دائماً عندما أكون و حدي أو معها .. و منذ ذلك اليوم لم تلدغ أفعى أياً منا رغم أنها كانت تتحرك في كل مكان، حتى في فناء بيتنا الواسع المليئ بالأشجار و الخضروات و شجرة الباباي ذات الأثداء الكثر و الكبيرة .
كانت غرفتنا من القش ذات جدارٍ دائري وبابٍ قصير بحيث يركع من أراد الدخول فيها على ركبتيه ، و عندما تدخل تلاقيك ثلاثة مدرجات لتنزل إلي عمق الغرفة فترى سقفاً مخروطياً بعيداً ، فتصعب عليك المقارنة بين خارج وداخل الغرفة .. وهناك في نهاية البيت حظيرة تضم أكثر من ثلاثين بقرة ، فتزدحم في فتحتي أنفك روائح الروث و الفواكه والخضروات .. ورائحة جدتي ..

كنا أنا وهي ، في كل هذا الصخب ، عائلةَ تتكون من جدة وحفيدة .. توفيت أمي و هي تلدني .. وتوفى أبي في رحلةِ صيدٍ عندما سحقته جاموسةَ هائجةَ بقرونها ، أما جدي فقد أعدم عندما قتل أحد الإنجليز ممزقاً نحره بالرمح لأن نظرات الإنجليزي لم ترق له .. بقيت مع جدتي منذ عمر يوم ، أرضعتني حتى العاشرة من عمري .. كان ثدياها مثل ثمرة الباباي في الضخامة و ما تحوي من لبنٍ طازجٍ ذي طعمٍ غير مفهوم و لكنه جميل ، كنت أرضع قبل الذهاب بالأبقار إلي المرعى ، و بعد أن أعود فلا أشتاق إلا لثمرة الباباي الموجودة على صدر جدتي .. كنت حينها في الثامنة من عمري ، حضرت ذات يومٍ و لم أجدها في البيت .. أدخلت الأبقار في الحظيرة و أنا أناديها مراتٍ و لكن لم تجب .. أعماني إدماني عن رؤية أي شيئ و ناديتها بأعلى صوتي فردت عليّ من بيت جارتنا التي كان يفصل بيننا وبينها جدارَ من البوص و الأخشاب :
نعم .. هل حضرتِ يا ابنتي؟
رأتني في حالةٍ عصبيةٍ و الدموع واقفةَ على جفوني و أنا أقول لها في صوتٍ مخنوقٍ بالعبرة و الغضب :
أسرعي أريد أن أرضع.
قلتها في صوتٍ حازمٍ و في غيظ ، فتأتي و تجلس على الحصير ، أتناول ثديها في نهمٍ و لهفةٍ غريبين ، متجاهلة تعليق جارتنا و هي تضحك علينا و تؤنب جدتي على كيفية نهمي على الرضاعة و أنا في هذا العمر المتأخر.
لم تكن جدتي ترتدي أي شيئٍ سوى جزءٍ ضئيلٍ من الجلد مكون من قطعتين ، معلق بحبل جلدي لفته تحت السرة يتدلى من الأمام و من الخلف ساتراً عورتيها ، أنا حتى ذلك العمر كنت أتساءل لم تضع جدتي تلك الفروة في هذه المواضع .. لم لا تكون مثلي؟
عندما بلغت العاشرة من عمري حدثت تغيرات أثرت على مجرى حياتي ، صنعت لي جدتي شريحتين من الجلد لأغطي المواضع التي تسترها هي .. و منعتني من الرضاعة .. كانت أياماً صعبة ، كنت لا أنام الليل أشعر بلهفةٍ عارمة لأرضع كما أشعر بنفس الرغبة لأتعرى ، عشت أساماً لأتخلص من هذه المشاعر المخجلة ، كنت أعود إليها كلما سنحت لي فرصة ، مثلاً عندما تسكر جدتي بذلك الخمر البلدي مع صديقاتها العجائز ، كانت لا تدري من الدنيا شيئاً و لكنها كانت تتعبني جداً ، خاصة بعد ذهاب صديقاتها من بعد صخب من الرقص والغناء الفاتر ، كانت تتكلم مع الموتى ، مثلاً كانت تقول لأمي : أنتِ يا ربيكا يا ابنتي .. لولا خوفك من الولادة و ربطك للولادة بالموت لما مت .. و أنت يا ماريو فقد قتلك التحدي رغم خوفك ، أما أنت يا زوجي العزيز فقد قتلك جهلك ، ثم تلتفت إليّ قائلة و قد التوى لسانها في الحديث و عيونها أكثر احمراراً و جفونها متورمة لدرجة الانفجار ، وهي تحرك تلك القطعة الخشبية التي أصبحت جزءاً من شفتها المترهلة أكثر مما ينبغي بلسانها المتحرك في قلق :
- أتعلمين قصة موت جدك؟
- لا ياجدتي
رغم أنني كنت أعرف القصة و أحفظها عن ظهر قلب ، إلا أن ردي لا يعني لها شيئاً سواء كان بلا أو نعم ، لأنها كانت ستسردها في الحالتين .. ثقل لسانها و أخذت الكلمات تخرج ملتويةً و مقطوعة ، كنت أسمعها كأنها محشورة في قلةِ كبيرة فيخرج صوتها بعيداً .. قوياً .. ومشوشاً .
لقد قتل جدك أحد الإنجليز في زمن الاستعمار فحكمت عليه المحكمة بالاعدام و هو لا يدري ذلك ، كُتب الحكم في ورقة .. و كان عليه أن يقطع مسافة كبيرة لتنفيذ الحكم في مكانِ آخر .. كان جدك الغبي سعيداً لأن الانجليز أعطوه ورقة و قالوا له إذهب سوف يلقاك أناس هناك .. أعطهم هذه الورقة .. حمل الرسالة وقد حشرها بين شقي عودِ من البوص حتى لا تتسخ .
فصنع لنفسه رايةً صغيرة وهو لا يدري أنها راية موته ، و عندما وصل .. نُفذ الحكم فمات و الدهشة مرتسمة على و جهه الغبيَ ..
ثم تضحك في هستيريا و تعيد القصة مرة أخرى بعد السؤال ذاته ، و بعد دهر من الكلمات و الجمل الملتوية .. ثم تباعد بين الجمل .. و تباعد بين الكلمات .. يليه تباعد بين الحروف .. ثم صمت و انفاس ثقيلة و شخير مزعج يضج في انحاء بيتنا الواسع بعد أن تبكي على موتاها بنفس هستيريا ضحكها حتى تنحدر الدموع على صدرها .
كنت أفرح ويرقص قلبي طرباً ، لأني سأمارس أشيائي التي حرمت منها دون أن اواجه عيوناً حمراء أو صوتاً رجالياً يأمرني بالابتعاد .. أنزع ذلك الغطاء الجلدي الساخن و ألقيه في أبعد مكان ، أقترب من جدتي التي نامت ملقاة أطرافها في كل مكان .. حتى الشريحتان لا تفلحان في تغطية شيئ من جسمها الضخم الممدد على أرضية غرفتنا العميقة .. أتناول ثديها و أشرع في ممارسة رضاعتي في نهم محموم ، عندما امس حلمتها للوهلة الأولى أتذوق طعماً مالحاً ، طعم دموعها .. رغم قبحها لم اكن أتقزز منها فأنا احبها ، أستمر في تلك الحالة و أنا أسمع صوت الرعد بالخارج و أمطاراً غزيرة تضرب السقف المصنوع من القش في إصرارٍ ثائر ، أتجاهل كل هذا الصخب .. صخب الطبيعة المفاجئة ، لأعيش عالمي ، عالم يتكون من بحيرة في حجم ثمرة الباباي ، بحيرة غزتها الشيخوخة فنضبت و ترهلت حتى وصلت السرة.
ذات يوم و أنا أسير خلفها في طريقنا لجلب الماء من النهر ، و نحن نتخذ شريطاً من الطريق الذي صنعته أقدام البشر بين الحشائش التي تغطي نصفنا الأسفل ، بلغت حينها الخامسة عشر من عمري ، كانت تضع قلةً كبيرةً سوداء على رأسها ممسكة بها بيدها اليسرى فيظهر شعر ابطها الأحمر الذي احترق بالعرق ، و أنا ارى الأفق عبر ثقب أذنها ، و أعد خطوط الشيخوخة التي أصبحت واضحة في مشيتها السريعة المتعثرة ، و ترهل بطنها و ثدييها الذان عندما يصطدمان بالبطن يصدران صوتاً كالتصفيق في حالتي المشي و الرقص ..

كانت كغير عادتها هائمة صامتة ، كنت أحاول اللحاق بها بين حين و آخر بهرولة خفيفة ، فجأة توقفت لأنَ هناك أفعى ملونة ترفرف حولها فراشاتَ تحمل ذات الألوان الطفيفة ، اندهشت لذلك و قلت مازحة : منذ متى تقف جدتي لرؤيتها أفعى؟ قالت بعد أن تنهدت بعمقٍ ولأول مرة ألمح خوفاً مخلوطاً بالحزن قد جثم على أخاديد و جهها الكثيرة و العميقة ، قالت: هذه الأفعى نذير شؤم .. تابعنا سيرنا دون أن نتحدث ، قالت جدتي بعد أن فقدتُ الأمل في أن تتحدث :
- أتعلمين أني رأيت جدك قبل أيام؟
في الحلم؟
- لا .. بل في الواقع ..
و لكن ياجدتي .. جدي قد مات كيف ترينه مرة أخرى؟
- رأيته في صورة تمساح .. ضحكتُ و لكنني سرعان ما صمتّ عندما رأيت الجدية على وجهها .
وكيف عرفتِ أنه جدي؟
- من تلك العرجة التي كان مشهوراً بها و صفات أخرى أعرفها أنا فقط
عرفت أننا لا نموت بل نتحول إلي أشياء أخرى تحمل الصفات التي كنا عليها ، نتحول و لكن دون ذاكرة فجدك لا يذكرني عندما تحول إلي تمساح ..

و ماذا تريد أن تكون جدتي بعد عمر طويل؟
لا أدري إلي ماذا سأتحول ، و لكني أتمنى أن أتحول إلي نسر .
و منذ ان ماتت جدتي و علاقتي بالنسور قوية ، كلما ألمح واحداً أتأمله في تحليقه عسى أن أجد بعض صفات جدتي ، ثدياً بحجم ثمرة الباباي .. عيوناً حمراء .. جفوناً منتفخة .. أو لبناً بطعم الملح

بحيرة بحجم ثمرة الباباي ( أستيلا قايتانو ............. من جنوب السودان

مسعد الحارثي
08 -02- 2005, 12:27 PM
تعكس ستيلا قايتانو في عملها الأدبي صورة عن المجتمع الجنوبي وبعض الاعمال والقصص الاخرى تهتم بمشاكل النازحين حول العاصمة الخرطوم من تأثير الحرب في جنوب السودان .
ولدت ستيلا قايتانو عام 1978 في الخرطوم بالسودان ونشأت في أسرة بسيطة تكثر فيها الأميه وهي الوحيدة التي تعلمت ودخلت كلية الصيدله ولكن لها اهتمامات أدبية ، انضمت الى تنظيم سياسي سنة 2003

ومن أهم شعاراتها من "أجل وطن يسع الجميع" وتحاول إيجاد حلول من خلال تحليل المشكلة السودانية بواسطة جدلية المركز والهامش وهي ترمز الي توزيع الموارد بصورة متكافئة . تم التعرف علي الكاتبة من خلال كتاب دروب جديدة في عام 2002 والذي أصدره نادي القصة السوداني واشترك فيه كثير من الكتاُب الشباب ، هذا الكتاب يحكي عن مجموعة من القصص تناولت مواضيع مختلفة ، ومن أشهر قصص الكاتبة هي " بحيره بحجم شجرة الباباي " وتتحدث القصة عن علاقة بين جدة وحفيدتها وهذه العلاقه حميمة وقامت الجده برعاية الحفيده وإحتضانها حين مات أبواها وهي صغيرة وختمت القصة الاسطورية بتجسيد الكاتبة للإعتقاد بان الانسان الجنوبي لا يؤمن بالموت بل بالإنتقال من حياة الي حياة اخرى .

من الأعمال الأخرى للكاتبة كل شي هنا يغلى وهي من جزأين في العامين2002 و2003 ، الغرض من هذه القصة تسليط الضوء على معاناة النازحين بأطراف المدينة وإصطدامهم بواقع لا يستوعبهم ولا يستوعب ثقافتهم . أغلب أبطال الكاتبة ستيلا هم نساء ، اذ تهتم لقضايا المرأة وتتعاطف معها لأنها أكثر الفئات تعرضاً للإنتهاك من مختلف تعددات المجتمع السوداني .





تم اختيار بحيرة بحجم ثمرة الباباي بجائزة علي المك للقصة القصيرة للشباب عام 1999 والتي نظمها المركز الثقافي الفرنسي .


في عام 2002 فازت كل شيء هنا يغلي بجائزة علي المك

--------------------------------------------------------------------------------

أبوإسماعيل
09 -02- 2005, 01:37 AM
http://alshabi.jeeran.com/HARKA/basmal-zarga.gif




شيء عجيب وغريب وجذاب وشيق
هذا النوع الذي أمر به أو أقرأه لأول مرة
أوصاف عجيبة وكأنها من وحي الخيال في بداية القصة
رأس كبيرة لدرجة أنك تستطيع الجلوس عليها
قطعة خشب تغطي فتحة في شفتها السفلى
خرم في حلمة أذنها تكاد ترى منه الأفق

وبالتدريج تعرف أنك في عالم مغاير لما ألفت عليه
وتأخذك المفاجأة شيئا فشيئا لتكتشف أنك في جنوب السودان
وفي أدغال أفريقيا
ولا تكاد تصدق أن هذا الأدب الراقي
وذلك السرد الذي يجعلك تعيش شخصيات القصة من ذلك المكان
فسبحان الله
صحيح أن الفن لا يختص بمكان أو زمان

حقيقة لقد انجذبت لهذه القصة بقوة شديدة
وأعدت قراءة بعض مقاطعها متأملا


فاصلة
=====

هناك في هذا الكون
من المحرومين الكثير
ولو حصلوا على أهم مافي الحياة
وهو التعلم والقراءة والكتابة
لصاروا مبدعين
وإبداعا يفوق إبداع المنغمسين في المدنية والحضارة
إبداع نقي وصافي وبريء ومحبب


أعجز عن شكرك أستاذي مسعد
على المتعة التي سكبتها على جوانحي
وأنا أقرأ هذه القصة
وأبتسم بين الأسطر
ويأخذني العجب





width = 200 height = 200

مسعد الحارثي
09 -02- 2005, 04:49 PM
ابو اسماعيل

الصدق هو سمة هذا العمل . صورة الحفيده شديدة الشبه بجدتها. انظر الرابط ادناه.


http://www.sudaneseonline.com/law2005.htm

أبوإسماعيل
11 -02- 2005, 03:05 PM
http://alshabi.jeeran.com/HARKA/basmal-zarga.gif


ستيلا قايتانو
السيرة الذاتية
http://www.goethe.de/mmo/priv/167985-STANDARD.jpg
تعكس ستيلا قايتانو في عملها الأدبي صورة عن المجتمع الجنوبي وبعض الاعمال والقصص الاخرى تهتم بمشاكل النازحين حول العاصمة الخرطوم من تأثير الحرب في جنوب السودان .

ولدت ستيلا قايتانو عام 1978 في الخرطوم بالسودان ونشأت في أسرة بسيطة تكثر فيها الأميه وهي الوحيدة التي تعلمت ودخلت كلية الصيدله ولكن لها اهتمامات أدبية ، انضمت الى تنظيم سياسي سنة 2003

ومن أهم شعاراتها من "أجل وطن يسع الجميع" وتحاول إيجاد حلول من خلال تحليل المشكلة السودانية بواسطة جدلية المركز والهامش وهي ترمز الي توزيع الموارد بصورة متكافئة . تم التعرف علي الكاتبة من خلال كتاب دروب جديدة في عام 2002 والذي أصدره نادي القصة السوداني واشترك فيه كثير من الكتاُب الشباب ، هذا الكتاب يحكي عن مجموعة من القصص تناولت مواضيع مختلفة ، ومن أشهر قصص الكاتبة هي " بحيره بحجم شجرة الباباي " وتتحدث القصة عن علاقة بين جدة وحفيدتها وهذه العلاقه حميمة وقامت الجده برعاية الحفيده وإحتضانها حين مات أبواها وهي صغيرة وختمت القصة الاسطورية بتجسيد الكاتبة للإعتقاد بان الانسان الجنوبي لا يؤمن بالموت بل بالإنتقال من حياة الي حياة اخرى .

من الأعمال الأخرى للكاتبة كل شي هنا يغلى وهي من جزأين في العامين2002 و2003 ، الغرض من هذه القصة تسليط الضوء على معاناة النازحين بأطراف المدينة وإصطدامهم بواقع لا يستوعبهم ولا يستوعب ثقافتهم . أغلب أبطال الكاتبة ستيلا هم نساء ، اذ تهتم لقضايا المرأة وتتعاطف معها لأنها أكثر الفئات تعرضاً للإنتهاك من مختلف تعددات المجتمع السوداني .


تم اختيار بحيرة بحجم ثمرة الباباي بجائزة علي المك للقصة القصيرة للشباب عام 1999 والتي نظمها المركز الثقافي الفرنسي .


في عام 2002 فازت كل شي هنا يغلى بجائزة علي المك










width = 200 height = 200

مسعد الحارثي
13 -02- 2005, 10:21 AM
اخى ابو اسماعيل

جهد ممتاز الذى قمت به. ارجو ان تستثمر خبرتك
الرائعه فى الشبكه العنكبوتيه وتبحث لنا عن
عمل اخر وفى طريقك ابحث لنا عن اعمال
للكاتب احمد عبد الملك ولك الف شكر

مسعد الحارثي
04 -11- 2005, 07:54 PM
دينامية التعدد النصي يقصة ( بحيرة بحجم ثمرة الباباي ) للقاصة ستيلا قايتنيو
ثمة سؤال ما يلبث ان يطرأ بالذهن ضمن اسئلة اخرى، حال فراغنا من قراءة قصة بحيرة بحجم ثمرة الباباي لستيلا قايتانو، هذه القاصة التي حظيت بلمعة حضورية مميزة بالمشهد الإبداعي وبعد لم تستغرق تجربتها الا قليلاً سؤال يتصل بالمقاطع /النصوص ،المكونة للقصة والكيفية التي تتجاور بها على البياض؟ لعل مرد ذلك ومرجعه كان في تميز المقاطع، سطوعها بإستقلاليتها، كفايتها الدلالية حتى ـ اذا اردنا ـ من غير وصلها بسواها المتأتية من ترابط مكوناتها وتعاقبها السببي، مسارها الزمني المتغاير فيما بينها هنا نحاول مقاربة ذلك السؤال ولنبتدر بإشارة لا مناص منها الى اننا سنعتمد في استخدامنا لمصطلح النص على المفهوم الذي منحه له الا لسنيان هاليداي ورقية حسن وهو:{أي مقطع، منطوق او مكتوب، واياً كان طوله، يشكل كلاً متحداً وصحيح انه بهذا المفهوم يمكننا ان نرى ان بعض الجمل بإعتبارها نصوصاً تبعاً كحد ادنى، لترابط مكوناتها دلالياً ـ وهنالك ثمة العديد من المعايير الأخرى لاسباغ صفة النصية كالحبك، السبك، التضمين، الحذف الخ الخ سنعني اذن بمصطلح النص المقاطع، الجمل العديدة التي ترتصف مجتمعة لتشكلكلاً متحداً ونبدأ تمثيلنا الإجرائي بأول النصوص المكونة للقصة نص الإستهلال: { كل شئ فيها يذكرني بشجرة الباباي المنتصبة في فناء بيتنا الواسع، طولها الفارع، وقفتها المستقيمة رغم شيخوختها...}

الواقع ان نص الإستهلال هذا هو اول ما يوقفنا على براعة هذه القاصة، وعيهاالمتقدم بطرائق القص القصير وطرقه، بالوصفة السحرية لمفتتحاته، لكننا لا نخلص الى ذلك الا عقب قراءتنا للقصة بأكملها ـ أي بعد ان يعتقنا من اسره ـ نص الإستهلال ـ المتصل الى نهاية القصةهكذا يحتاج النص للنص الآخر في القصة عند ذلك فقط يتاح لنا ان نستكنه مختلف مستويات المعنى المتراكبة فيه، بعبارة صبري حافظ، أي ما حملنا خفافاً، على الإستجابة له، الإنقياد من ورائه الى مدى مفتوح ومتعدد من الإحتمالات واول ما يجعلنا نساءله، نتملى طويته ونحاول سبرها هو نص النهاية{ومنذ ان ماتت جدتي وعلاقتي بالنسور قوية، كلما المح واحداً اتأمله عسى ان اجد صفات جدتي، ثدي بحجم ثمرة الباباي } فنص النهاية يكشف لنا للمرة الأولى، ان بطلتنا الجدة المحكي عنها ميتة وان القصة برمتها ليست سوى بعضاً من ذكريات الحفيدة مع جدتها، مواقف مختلفة، بازمان مختلفة. اننا نكتشف ذلك بعد ان تمر من خلالنا ذكريات الحفيدة كما تمر اجمل الحكايات !أي عندما ارادت القاصة لنا ان نكتشف، فما الذي امكنها من ذلك؟
انه السؤال الذي يستفزه نص النهاية بداخلنا وما نلبث ان نقف على صيغة التعالق ما بين نصي الإستهلال والنهاية، صيغة التحاور والإتصال بينهما عندما نبحث عن إجابة السؤال ـ بداية ـ بنص الإستهلال يقول ياسين النصيرفي القصة : الجملة الإستهلالية لا تولد الا وهي مليئة بمادة النص اولاً، ومحددة ارتباطاتها بمبنى النص الحكائي ـ الحبكة ـ ثانياً ومؤدية الى النهاية ثالثاً.
وحسبنا هنا والآن فيما قاله النصير ما يفيد ان الإستهلال لا يولد الا مؤدياً الى النهاية اذ يستجيب النص الإستهلالي بقصةبحيرة بحجم ثمرة الباباي لهذا التقدير النقدي او يقرره ولنبين ذلك على النحو التالي لا تضمن ستيلا نص الإستهلال، الذي يروى بضمير المتكلم الكثير من المعلومات عن المحكي عنها ـ البطلة وبذلك تضمنه ما يثير فضولنا، ما يحملنا على ان نعرف، نكتشف، ان نسأل، بصحبة جملة من الحدوس والتوقعات، متوسلين بما يقيضه لنا السرد من إشارات ، مضياً بإتجاه النهاية، بإتجاه ما يسكت، وللمرة الأخيرة، قلقنا وتهيجنا الفضولي ان القاصة تنشئ نص الإستهلال اذن مبتدراً هكذا( كل شئ فيها يذكرني بشجرة الباباي ..)

لنسأل من هي المحكي عنها؟

ومن هي التي تحكي؟

الخ منشغلين، في الأثناء ذاتها، بما يتعلق دلالياً بالعنوان (بحيرة بحجم ثمرة الباباي) ونبحث عن الإجابة ضمن النصوص التالية المكونة للقصة ليسلمنا كل نص منها الى النص الذي يليه بعقد دياكروني / سببي ؛فنحن نخرج من نص الإستهلال بالسؤالين الفائتين لنتوفر على اجابتيهما في مفتتح النص الذي يعقبه (لا ألمس في جدتي أي جماليات... )
نعرف ان المحكي عنها هي الجدة، والتي تحكي، بضمير المتكلم هي الحفيدة لكن ترانا فقط بحاجة لإجابتي السؤالين الفائتين، ام ان هنالك ثمة ايضاً ما نحتاجه؟

ماذا، على سبيل المثال، بخصوص هوية الجدة؟ ماذا عن العنوان؟ بما تسهم لحظة النص هنا مما يمكن ان يضئ فسحته الدلالية؟
هكذا تتناسل الأسئلة بداخلنا وتثيرنا.

من بعد ، فإن كل شئ سيرجئ، يعلق الى حين ان تتهجى الرواية ـ بضمير المتكلم، بما لها من اصرة قرب وحميمية مع الكاتبة، بعضاً من صفات الجدة، من مفردات بطاقتها الشخصية هكذا: (لا المس في جدتي أية جماليات، كنت اراها قبيحة جداً مثل الغوريلا، شفتاها غليظتان رأسها كبير يصلح للجلوس دون أية متاعب، كان يزين شفتها السفلى ثقب هائل تسده بقطعة من الخشب.. الخ)
هذه الصفات التي تناغي صورة المرأة الجنوبية في المخيلة ـ فلنقل، الشمالية، والتي لو حذقنا في النظر اليها وجس نبضها لبدا لنا وكأن الكاتبة ستيلا تحاول ـ فيما لو حورنا قولا" لصلاح فضل ـ ابداع نصب تذكاري لتلك الجدة بها، لتنقذ بعضاً من عبيرها ـ بالتدوين ـ طعمها، رائحتها في ذلك المكان الذي ناله الكثير بسبب الحرب اللعينة هذه الصفات عندما تمر من خلالنا فأنها لا تشبع رغبتنا في التعرف على المحكي عنها الجدة بل تزكيها وتقويها، ونحتاج لأن نرى الجدة مختبرة في مواقف حياتية معينة، نحتاج لمعادل حدثي، وسريعاً تستجيب لنا الرواية وتبدأ بالسرد أ ذات يوم ذهبت لتقضي حاجتها ب ذات يوم وانا اسير خلفها جومنذ ان ماتت جدتي بهذه الوصلات الزمنية المرتدة الى الماضي تتعين الحكاية هكذا تصطفي الرواية من مواقفها وذكرياتها مع جدتها ما يستجيب لمقتضى حال هذا الفن السردي الموسوم بفن القصة القصيرة، تتقي العرضي والثانوي وتنتقي النموذجي بعبارة نجيب العوفي واستخدام القاصة للزمن الحاضر بنص الإستهلال، كما يبين في الفعل بالجملةكل شئ فيها يذكرني هو ما يسهل ويمنطق كل انتقالة لها بين طرائق السرد، اذا انتحينا الى جهة ياسين النصير، كأن ترتد بالسرد الى الماضي، او تلجأ الى اسلوب الإرجاء، تنتقل الى الوصف، المنولوج، محتفظة بسلاسة وعذوبة السرد دائماً وهو ما كان سيعقد عليها لو انها استخدمت الزمن الماضي بالطبع من بعد لعلنا خلال وقفتنا عند كل من نص الإستهلال، والنص التالي له، نص العنوان، نص النهاية، لعلنا بينا الكيفية الدينامية التي يتجاور بها كل نص منها مع النص الآخر ثمة نصوص اخرى لم نتطرق اليها ولا شئ يحوجنا اليها ضمن اسئلة القراءة هنا بإستثناء نص واحد منها يتمظهر في البياض هكذا(كان جدك الغبي سعيداً لأن الإنجليز اعطوه ورقة وقالوا له اذهب سوف يلقاك اناس هناك اعطهم هذه الورقة حمل الرسالة وقد حشرها بين شقى عود من البوص حتى لا تتسخ فصنع لنفسه راية صغيرة وهو لا يدري انها راية موته عندما وصل نفذ الحكم فمات والدهشة مرتسمة على وجهه الغبي)
يرفد هذا النص القصة بالكثير فمن جهة، عنده يتغير صوت الرواية ـ التي تحكي هنا هي الجدة ـ ومن جهة اخرى يفتح هذا النص كوة تناصية للقصة، يشرفها من خلالها على نص من نصوص مسرحيةمغامرة رأس المملوك جابر لسعد الله ونوس ـ هنالك حيث لا يعرف المملوك، بسبب من نفرة الخضوع والطمع عليه، ان الرسالة المكتوبة برأسه الأصلع تفيد في جزء منها بـقطع رأس حاملها فينحني برأسه ليطلع الأمير على الرسالة، وليقطع رأسه فيما بعد وعند ستيلا يحل( هكذا) محل الأمير: المستعمر، ومحل المملوك : جد الحفيدة الذي لم ترقه ذات مرة نظرات الإنجليزي فقام بقتله و... لعله نسى !

هكذا تستثمر القاصة ستيلا قراءاتها وهنا وهناك، لتثقف وتغني نبضها القصصي، باضافاتها وآفاقها المعرفية والدلالية والجمالية هكذا تنسج لنا اجمل الحكايات .

هوامش :
د جميل عبد المجيد، علم النص، مجلة عالم الفكر، مجلد ، اكتوبر ديسمبر م، ص المجلس الأعلى للثقافة والفنون الكويت
# المرجع نفسه
ياسين النصير الإستهلال في الشعر والقصة والمسرح م بغداد
نشرت قصةبحيرة بحجم ثمرة الباباي بكتاب دروب جديدة افق اول ـ نادي القصة اصدار المكتبة الأكاديمية
عصام ابو القاسم

ناقد سودتنى