المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سهرة على السطوح.....



الحلم
18 -08- 2003, 10:24 AM
سهرة على السطوح

بعد يوم مطير عبَّت فيه الأرض ماءً حتى لفظت منه أكثر مما امتصته ليبقى شاهداً على الدقة الهندسية في تصميم ورصف الشوارع !!! ولو أن أحدهم غامر بمرور السيارة عبرها قد يدفع به ذلك إلى استجداء بعض المارة لمساعدته في دفعها جانباً بعد أن كتمت أنفاسها تلك البحيرات، وقد يكون محظوظاً إن وجد من يضحي باتساخ نصفه السفلي وهذا قلما يحدث دون مقابل.

ما استهواني في تلك الليلة النسمات العليلة وجعلتني أفكر بجدية وأنا في طريق عودتي إلى المنزل أن أهاجر كالطيور، قررت أن أبتعد عن أزيز المكيف وصخب الأطفال وضجيج التلفاز ودهاليز الانترنيت وأن أكسر تلك الدائرة التي ارتسمت حولي بمرور الأيام .ولكن إلى أين ؟ سؤال لم يدم طويلاً حتى جاءت الإجابة عنه باستفهام آخر . لماذا لا تكون إلى السطوح؟
فكرة رائعة . السطوح المكان الذي اعتدت على زيارته كلما انحرف ذلك الشاخص إلى عنان السماء لاصطياد ثقافات ملونة تنطلق إشاراتها من كوكبة الأقمار الصناعية، وتذكرت كم هي العناية الفائقة التي أوليناها لذلك المدعو (سطح) وفي النهاية لم يسكنه سوى ذلك الدش مقابل أن يفسد ما بقي من أذواقنا تارة ويدمي قلوبنا تارة أخرى.
المهم ... اتخذت قرار الهجرة إلى السطوح... دخلت المنزل وصممت على نقل بروتوكولاتي إلى هناك ...حملت فراشاً.. وتأبطت وسادة...وأمسكت بتلابيب دورق الماء ومثله ترمس الشاي، لملمت كل لوازم ذلك البروتوكول وشرعت أصعد على درجات السلم بتثاقل أنوء بحمل كان يمكنني نقله على مراحل لولا أني كغيري أتكاسل حتى وأنا في قمة النشاط تحت ستار الاختصار.
وأخيراً وصلت إلى السطح في الوقت الذي زاد فيه طول لساني بضع سنتمترات كونها المرة الأولى التي أبذل فيها مجهوداً بهذا الحجم خاصة وإني لا أذكر من الرياضة سوى طابور الصباح الذي كنت أؤديه بتثاقل في غفلة ممن كان يصدر أوامره بـ(واحد-اثنين-ثلاثة-اببعة) ولا زلت أحفظها بعد عقدين من الزمن .
الحاصل.. اخترت لنفسي مكاناً استراتيجياً في المستر (سطح) حيث تتلاطم نسمات الهواء ممنياً نفسي بسهرة ممتعة لم أعتدها منذ زمن غابر.
مضت ساعة من الزمن وأنا أدغدغ حلمات ذكرياتي وأقلب أوراق دفاترها المختزنة في مخيلتي ، ولم أصح من أحلام يقظتي إلا بعد الحادية عشرة حيث تحولت النسمات إلى ريح تزورني كل بضع ثوان ويغيب مثلها وكلما أتتني حملت إلي ضجيجاً لم أعهده إلا في رحلة ذهابي إلى (سوق الاثنين) وعودتي منه ، ذلك لأن طريقي إليه كان يخترق (المجلاب) ولكم أن تتخيلوا ما كان يحويه ذلك المجلاب قبل خمس وعشرون إلى ثلاثون سنة!!!. شتى أنواع الحيوانات التي يأتي في مقدمتها صاحب الصوت المستنكر الشهير .
عموماً.. لم أفاجأ بذلك الصوت الذي كانت تواتيني به الريح بين الفينة والأخرى لعلمي مسبقاً بأنني أسكن على مرمى حجر من ما يسمى بـ(قصر الأفراح) ولا أدري من أين جاؤوا بتلك التسمية التي شذت به عن المسمى الحقيقي (صالة ألعا... أفراح) أما ذلك الصوت فهو صادر عن ما يطلق عليه جزافاً(المطربة)وعرفاً (الطقاقة) وأذناً (الصراخة).
عرفت من نشاز الصوت أن صاحبته لا تعرف أدنى مبادئ الـ(دو-ري-مي-فا-صو-لا...) أو ما يسمى بالسلم الموسيقي ولا تعرف من الحروف سوى (الهاء الممدودة والقاف المقلقلة)، وأخذت تصرخ بأغان وتشوه كلمات طالما طربت لها أيام شبابي. ولا أدري ما سر سكوت أصحابها على من يفسد تاريخهم. تذكرت حينها ما كان يتسرب إلى سمعي عن أسعار (المطربات!!!) ثلاثون ألفاً لأقلهن شهرة!!! ويبقى التناسب الطردي بين شدة النشاز وزيادة المبلغ ، وقد تحتاج إلى (واو)وبخط الثلث حتى تحظى بإحيائها لليلة العمر وتخريمها-أقصد-تشنيفها لآذان (معازيم حماتك) المصون.
وعلى كل حال....لا غرابة في ذلك طالما أن (الجنون فنون)وقد يكون ذلك في ذيل القائمة حينما نذكر بكم بيعت تلك اللوحة المخربشة في مزاد عالمي.
وما زاد الطين بلة .. رائحة ركام محترق بدأت تأتي بها الريح عندما افترقن عقارب الساعة بعد اجتماعهن في الثانية عشرة منتصف الليل. رائحة اعتدنا إدمانها منذ سنين . إنها رائحة المرمى أو (المحرقة)، تصل إلينا ونحن الأبعد عن غيرنا منها فكيف بجيرانها؟ قرى تجاوز نسبة الأمراض الصدرية فيها الحد الطبيعي بشكل لافت للنظر ولكن للذي يملكه!! والروائح تلف الأنوف لا تصمد معها أجود الكمامات والفلاتر.
فجأة.. تعالى صرير إطار سيارة في الشارع المجاور .. وقفت منتصباً ..هرعت إلى الحائط الساتر ..دفعني الفضول إلى (مط) رقبتي لأكسر ارتفاع الساتر البالغ مترين ولأسجل رقماً قياسياً جديداً في (المط) .. كل ذلك لا إرادي وتحت سيطرة الخوف من أن يكون حادث مؤلم لأحدهم ...يتعالى صفير وصيحات تشجيعية صادرة عن شباب تجمهروا في تلك الفسحة من الشارع .. سيارة ثملة تترنح وتسير على غير عادتها ليس باتجاه ما رسم لها..تزحف،تحبو،تتراقص،تتمايل، خلتها تسير في كل اتجاه في اللحظة نفسها ..تعتدل ثم تنطلق ومن شرفتها الأمامية تخرج يد يسرى بحجمها الصغير وتلوح للمتجمهرين تعبيراً عن الامتنان وقبل أن تغيب تخلفها سيارة أخرى ببهلوانية مجنونة ...تتصاعد رائحة الإطارات المحترقة من شدة الاحتكاك لتمتزج مع روائح المحرقة التي لم تغب بعد.
تراجعت إلى الوراء بعد أن أرخيت عضلات رقبتي لتعود إلى وضعها الطبيعي مضحياً بمشاهد التفحيط المغرية في سبيل الحفاظ على حرمة الجار.
أما البعوض .. فلن أتحث عنه!!! كونه صار مستأنساً بالنسبة لنا.. توسط بيننا التكيف فزاد من سماكة جلودنا بشدة (الهرش) التي مارسناها على مر السنين وأصبحت دماؤنا بعيدة المنال على (شواربه).
بعد الساعة الثانية منتصف الليل أو قل (صباحاً) بدأت زخات المطر بالنزول وبدأ معها حماسي بالبقاء يتهاوى حتى وصل درجة الصفر المؤوي عندما بدأت معداتي الهجروية تتشبع بالماء .. حملتها وعدت قافلاً أترنح على درجات السلم بعد أن تضاعف حملي حينما تشبع الاسفنج ماءً مما ذكرني بقصة شهيرة لعلكم تعرفونها!!!.
دلفت إلى البيت .. المكيف..التلفاز..ضجيج صغاري. كل ذلك تحول إلى سيمفونية لم يتوصل إليها بيتهوفن وأقرانه قياساً بما عانيته من تلك السطوح.
ختاماً: إذا استهوتك السطوح نصيحة لا(تروح).

وتبقى الحلول............

-----------
تحياتي

فراس
18 -08- 2003, 07:54 PM
بحيرات ؟
بحيرات؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــت
ار يناهم شفااااااااااااااااطة

التاريــــــــخ
18 -08- 2003, 08:54 PM
أخي الحلم

اعجبني اسلوبك كثيراً فقد تصورت كل شيء امامي من خلال ما كتبت وعشت حلماً جميلاً معك أيها الحلم .


هنئياً لك سيمفونيتك المتوجة بضجيج صغارك

تحايا عاطرة

MR_BigHeart
18 -08- 2003, 09:55 PM
اخوي الحلم بصراحه اخاف اقلك انك فعلا فعلا اجدت في الوصف مع انها قصه عاديه ولاكن اسلوبك اجبرنا اقولها وبصراحه على قرائة النص كاملا الله يعطيك العافيه وتصوير دقيق جدا اخوي

بس اسمع مو يهاويك الشيطان وتسري ترقد في موادي وتسريبك مهوام


وشككككر اااااااوكي:

أبو نزار
18 -08- 2003, 10:59 PM
إبداع ...إبداع....إبداع.....منك أيها ( الحلم ) تصور ولاأبدع ....وصف ولاأجمل ..... كلمات ولاأعذب ماشاء الله عليك ..... تمنياتي لك بالتوفيق اوكي: اوكي: اوكي:

أبوسامي
19 -08- 2003, 01:05 AM
أخي الحلم

لقد عشنا معك قصة السطوح لحظة بلحظة .. وكأننا معك على السطوح ..

لقد أحسنت وأجدت ..

(عرفت من نشاز الصوت أن صاحبته لا تعرف أدنى مبادئ الـ(دو-ري-مي-فا-صو-لا...) أو ما يسمى بالسلم الموسيقي)

انتقادك السابق يؤكد أنك خبير في الموسيقى ..

وأما تجاوزك لساتر السطوح و(مط) رقبتك .. فيدل على أن طولك ماشاء الله تبارك الله ..

وأما تعبك من حمل أغراضك للسطوح فيدل على أنك نحيف ..

وبهذا أكون قد توصلت لمعرفتك من خلال قصتك الرائعة ..

أنا معك أن القصة تتناول العديد من القضايا التي لا بد أن تطرح للمناقشة ..

ولكن ..

في الحقيقة أن الأسلوب الأدبي الرائع الذي جعلني أقرأ القصة مرتين ..

يؤكد لي أنه من الضروري أن تكون في المنتدى الأدبي ..

دمت رائعا .. اوكي: تمرين: اوكي:

أبوإسماعيل
19 -08- 2003, 05:12 AM
http://alshabi.jeeran.com/basmalah-h.gif
أخي الحـــــــــــــــــــــــلم
ما شاء الله عليك
يعني كل ذا يطلع من طلعة للسطوح
بكرة إن شاء الله أجرب السطوح حقي
بس المطر كمل :D

حقيقة أسلوب أدبي رائع
ألف شكر
ونحن في انتظارك ;)





http://alshabi.jeeran.com/asmaa%20allah-h.gif

أبونواف
20 -08- 2003, 09:56 AM
أخي الحلم مشاركة جميلة

كلامك كان جميل

وأسلوبك في التعبير كان أجمل

تحياT

الحلم
21 -08- 2003, 05:53 PM
الإخوة الأعزاء ( فراس - التاريخ - مستر بق هيرت - فاين - النمرود - أبو اسماعيل - أبو نواف )

أولاً: أشكركم على تفاعلكم وثنائكم على تلك الأسطر المتواضعة.
ثانياً: لي عتب وثقتي لاحدود لها بأن لكم قلوباً كبيرة كأخينا البق هيرت ولذلك سأقوله:
أكثركم ذهب إلى تسمية الموضوع بالقصة وامتدح خيالها الواسع!!! (فهل لازلنا بحاجة إلى أن نفرق بين الخيال والواقع حتى نتلمس احتياجنا؟)
الموضوع كما تعرفون تناول مشكلات عدة نعيشها ونتنفسها وكم كنت أتمنى أن تتناول طروحاتكم شيئاً منها.

أخي النمرود:
إذا كانت معرفتك لي تحل شيئاً من تلك القضايا لما كتبت عنها كونها محلولة مسبقاً.
تحليل جميل وتمنيت لو تناولت إحدى المشكلات بنفس أسلوبك التحليلي لشخصيتي.
استخدامي للأسلوب يهدف لكسر الملل الذي قد يجعل القارئ ينثني عن المتابعة وما دمت عرفتني فبالتأكيد تعرف المسافة الفاصلة بيني وبين الأدب وبالتالي فلست أنا من برى القوس.
أما عن معرفتي بالموسيقى فقد تعلمت أن (أعرف شيء عن كل شيء ولا أكتفي بمعرفة كل شيء عن شيء واحد)
دعوتك لي للمنتدى الأدبي أثمنها ولعلك لم تقرأردي على أستاذنا الكبير عبد الصمد حكمي وهو على الرابط التالي:

http://www.samtah.net/vb/showthread.php?s=&threadid=695

ثم وهل المنتديات الأدبية لطرح المشكلات؟
وفي حدود معرفتي أن سوق الاثنين يرتاده الجميع!!!! أليس كذلك!!!؟

أخيراً:
التمسوا لي العذر إن كنت قد جانبت الصواب وأثقلت في العتاب فوالله ما كان ذلك إلا لمكانتكم في القلب.

تحياتي

عبدالله الحلوي
14 -07- 2004, 03:34 PM
لم اكن اعلم ان سطوحك


المليئ بالمياه المليئ بالصقع



يملئني دفئً ويلهمني احساسا متيقظا



يجعلني اقرأ واكتب واشعر بكل لحظة عشتها داخل سطوح له اربع جدران



ورجل ملهم المشاعر مثلك



شكرا

عاشق الفل
08 -08- 2004, 03:27 AM
أخي الحلم
أغبطك 00 على جلسة السطوح في ليلة مطيرة 00 رغم كل ماذكرت من إزعاج للحواس الخمس سمعك من الطقاقة وأنفك من المحرقة إلى غير ذلك
أنا من عشاق السطوح وأنا أعيش في أبها ولذلك أفتقدها كثيرا 00 لامتعة للسطوح إلا في ديارنا الحبيبة 00 ولا إطلالة فاتنة للقمر في ليالية المقمرة إلا في ديارنا الغالية ومنظر مدهش للنجوم إلا في ليالي المحاق الهادئة ورائحة النيم واللوز تعطر المكان
الله 00 كم أحن إلى مراتع الصبا ومدارج الطفولة وليالي القرية 00 ولعبة الساري في القماري
أحلى متعة لدي حينما أنزل للديرة 00 الجلوس على السطح قبيل الغروب في وقت الأصيل البديع الجميل 00 أو الليل المعطر بعبق الفل والكاذي هل تعرف أن أغلب قصائدي أكتبها حين أنزل إلى الديرة 00 وعلى السطوح تحديدا
قاتل الله الحضارة رغم ما فيها من وسائل الراحة 00 فقد حرمتنا أشياء جميلة نحن إليها 00 ربم لإرتباطها بطفولتنا وأيام الشباب الأولى 00 كنا قبل الكهرباء ننام على السطوح 00 وتجمعنا الألعاب وأحاديث السمر التي حرمنا منها التلفزيون 00 والإنترنت 00 والمكيف
كان للحياة طعم آخر
أخي الحلم 00 عشت معك لحظات جميلة في هذه القصة التي تدل على مو هبة جميلة في القصة أو النثر والتي ضمنتها شيئا من معاناة نعرفها جميعا
لك 00 ولكل من مر من هنا باقات الفل وتحيات عاشقه المحروم منه 00 إلا من بعض الهدايا من القادمين من دياره التي تسكنني وإن لم أسكنها
أخوكم
حسين أحمد النجمي
أبها

الحلم
18 -07- 2005, 01:39 AM
الله يسقي...

تذكرت هذا الموضوع مع المطر اليوم... والآن بدأ المطر بالهطول... ليغريني بسهرة أخرى...

ترى هل ستكون ممتعة ...لا أظن في ظل نفس الظروف...

أشكر كل من مر من هنا وأدلى بدلوه...

يا هي أياااااااااااااااام..

تحياتي

د0ابوالهيثم
20 -07- 2005, 09:04 PM
رائع 000
رائع 000
رائع 000

اسلوب بديع 00
خيا ل ابدع 000
دائما مميز ومميز جدا أيها الحلم ( الوردي )

تحياتي الخاصة لك ولجميع المبدعين 0000