المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نوافذ.....



السموه
23 -12- 2009, 03:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

وجوهنا نوافذ .. عيوننا نوافذ.. أشياؤنا نوافذ، لكن قلائل هم الذين يطلون من تلك النوافذ لكي يقولوا لأرواحنا صباح الخير، أو يشربوا الشاي مع همومنا التي جعلتنا ندمن الضحك المزيف والنظر في الفراغ والسفر المجاني إلى الخديعة.. لا عيب في النوافذ لأنها تبوح وتقول وتفسر. أنظر في وجوه العابرين بقليل من التمعن ستجد العيون تحكي والوجوه تعترف أو هي جاهزة للكلام ومستعدة للاعتراف لولا أن المستعدين للإنصات لا وجود لهم.. أو لم يرجع منهم أحد منذ أن سكتت الأسئلة على شفاه الأطفال وهم يتدافعون عند حافة المذبحة..لا أحد يقرأ التفاتة رجل اشتعل رأسه شيبا ناحية أطفال يركضون خلف غيمة ويرسمون على الغبار ملامح الأسطورة وينتظرون عودة الحمام في المساء.. قلائل هم الذين يتأملون وجه المعتذر حين يرتبك الكلام على شفتيه ويبتل صوته بالندم .. إنها لحظة يقترب فيها الانسان من البدء حين لم يكن هناك ذنوب ولم تكن هناك تفاحة الوجود التي علقت في حلق آدم لتذكرنا بالخطأ الأول.. حريصون دائما على وجود نوافذ في المنازل .. بعضها يطل على الشارع وبعضها يطل على الحديقة.. نتفرج منها على سفر العربات وسفر الوقت في الأعمار ونتثاءب ونحن نتابع مرور الريح بالقرب منا .. لكننا قليلا ما نتفرج على القلق الساكن في أرواح المارة حتى وهم يتكلمون بحماس عن شقاوات أولادهم قبل الخروج إلى حافلة المدرسة.. وقليلا ما نهتم بسكوت الجالس بالقرب من جدار لا يلتفت إليه أحد والمنافي تتوالد من عينيه منفى على أثر منفى وكلما زاد ضجيجنا زاد سكوته . الروح تطل من نوافذها علينا كل لحظة.. لكن العيون لا ترى غير ما اعتادت أن تراه من شكل خارجي كذبت عليه الموضة فكذب هو على نفسه واعتادت حقائقه على التخفي والهروب حتى لم تعد فيه حقيقة واحدة.. منذ الوعي الأول في بداية العمر ندرب نوافذنا على إخفاء الحقيقة وقتل الإعتراف لكي نبدو بشكل مختلف يخيف الآخرين ولا يصادقهم.. يمنعم من الفهم ولا يسهل عليهم المعرفة لذلك نعيش ونموت وفينا شيء مجهول لا نعرفه نحن فكيف يعرفه القريبون منا، نحن من يساعد على اكتمال الجرائم لأننا لم نقرأ نوافذ القاتل جيدا.. مرة لأنه استطاع أن يخفي ما تدل عليه عيناه وملامحه..

ومرة أخرى لأننا غير قادرين على قراءة عينيه ووجهه بالشكل المطلوب فعيوننا لا ترى وآذاننا لا تسمع وكل ما نعرفه هو صورة نمطية عن الآخرين بأنهم يأكلون ويشربون وينامون ويعملون ويصلون ويصومون ويشترون ثياب العيد.. لا نعرف أسئلتهم ولا نقترب من أرواحهم ولا نشاركهم لحظاتهم الانسانية التي يتلفتون فيها باحثين عمن يرى أو يسمع أو يشعر دون جدوى فالنوافذ مقفلة والستائر تخفي البقايا وسأم الروح هو المسيطر خاصة حين يغطي الليل سكون المنازل وتتعب النجوم من البحث عن ناجين من البلادة.. النوافذ كثيرة لكننا لا نفتحها إلا ليرى الآخرون من خلالها أكاذيبنا ويروا مدى قوتنا ونحن في عز الضعف .. ويروا ما نملكه ونحن لا نملك أعمارنا.. وما نعرفه ونحن لا نعرف متى سنموت ولا كيف سنرحل ..ليس المطلوب أن نتصوف لنعيش لحظة الكشف لكن المطلوب أن نقترب من الآخر بحب ونقرأ نوافذه بحب لكي نشعر بمعنى أن نكون معا.. وبجدوى أن نلتقي .. فرق بين أن نرى النوافذ وبين أن نقرأها .. كل المخلوقات ترى بطريقتها.. الانسان فقط هو الذي يرى ليقرأ.. ما فائدة عينين جميلتين لا تقويان على قراءة الحزن في وجه الغريب أو القلق في وجه الحبيب؟!
ما فائدة نوافذ لا تقول شيئا .. ولا تكشف عن شيء .. كل ما فيها فراغ بارد وشرود نحو لا شيء .. يموت فيها المعنى.. وتنمو على زواياها طحالب الجهل .. لا تعرف غير اجترار مقولات التخلف والوقوع في أخطاء متشابهة .. يا صديقي افتح نوافذك .. ساعدني على قراءتك .. شجعني على فتح نوافذي أمامك.. البوح ليس جريمة.. والاعتراف ليس خطيئة .. جئنا لكي نلتقي .. ونزرع الأحلام كي تنبت ونغني معا لحريتنا .. ونسافر حتى آخر الدنيا بحثا عن ابتسامة مشتركة.. وكلمات جديدة تساعدنا على اكتشاف الفرج وانتظار الأمنية.. السر ليس في واقع عنيد أو في حظ لا يجيء.. الواقع يا صديقي يتغير كما يتغير كل شيء .. ولا يتغير لون وطعم حزننا إلا إذا فتحنا نوافذنا وقرأنا جيدا ما نراه في وجوه الآخرين وعيونهم وأشيائهم من نوافذ.

منقول

الغامظ
23 -12- 2009, 03:29 PM
شكرا لك على النقل الرائع

لك ودي

شحرورة
23 -12- 2009, 05:00 PM
ربي يعطيك العافية ع الموضوع
لاعدمناك

السموه
24 -12- 2009, 05:47 AM
الغامظ وشحروره
مشكورين على المرور ويعطيكم العافيه