المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علم اليقين.. عين اليقين.. حق اليقين..



وجدان
26 -12- 2009, 09:39 PM
قال تعالى: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين } / (سورة الحجر:99)


أتيت لكم بدروس عن اليقين وسوف أجعلها في حلقات حتى نعرف وندرك هذا العلم العظيم ،
ثم سأذكر لكم بعد الانتهاء من هذه الدروس المراجع المستفاد منها بإذن الله .
متمنّية القراءة بتمعّن وتركيز حتى نصل للفائدة المرجوّة ،
فما وضعته ليس لمحرّك البحث قوقل دورًا فيه أبدًا
فقد انتقيته وهومكتوبًا من عدّة مراجع، ثم كتبته ورتّبته هنا بارك الله فيكم.


( اليقين )


مفهومه


منزلته ومراتبه


ثمراته


موقعه في النظرية المعرفية القرآنية


المعرفة اليقينية بين الحس والعقل
( تطبيقات في التربية الإسلامية )


اللا أدرية واللا يقين


دلائل اليقين من السنة النبوية


أسس اليقين بين الفكر الديني والفلسفي


السؤال في القرآن الكريم منهج معرفي وتعليمي .


وبسم الله نبدأ الدّرس الأوّل


فلسفة (اللا أدرية) هي إحدى المدارس الفلسفية القديمة والمستمرة إلى الآن !!
وعديد من عموم الناس ـ ربما دون أن يدري ـ يتبنى هذه الفلسفة على مستويات مختلفة
ونحو قضايا مختلفة أيضا.


"هذه المدرسة تشكّك في كل شيء وتنكر العلم وتهدم قواعد التفكير المنطقي وتستبعد إدراك القوانين الموضوعية للطبيعة،
تلك القوانين الثابتة التي خلقها الله بقدر { إنّا كل شيء خلقناه بقدر } / (سورة القمر : 49 )


وتختلف فلسفة ( اللا أدرية ) عن المذهب الفلسفي الشكي، فمدرسة اللا أدريّة
" تتسم بموقفها العام القائم على تعليق الحكم، أي التوقّف عن إصدار الأحكام على الأشياء بزعم أن العقل
ليس في استطاعته الوصول إلى الحقيقة !
فلا يمكنه أن يثبت أو ينفي. وأما فلاسفة الشك فقد أكدوا فقط عدم إمكانية الوصول إلى المعرفة اليقينية .
لكنهم فرّقوا بين المحتمل وغير المحتمل في المعارف، والحكمة والحمق، والخير والشر .


إن اللا أدرية ، تعكس حالة من السلبية تجعل الإنسان لايهتم بأي شيء ولا يسعى للوصول إلى المعرفة
وهي تخالف الموقف الإنساني الطبيعي الذي لايستطيع أن يعيش بدون قدرٍ ما من اليقين .


إن المقولات الهادمة للمعرفة اليقينية انتقلت إلى مجال الأخلاق ، ومن ثم هي تؤدي إلى التدهور الأخلاقي
والعلمي والحضاري عامة، وتجعل الإنسانية تعجز عن مواصلة الكفاح ضد الخرافة والتخلف والجهل !!


في المقابل يعرض القرآن الكريم قضيّة اليقين كإحدى القضايا المحورية والهامة
ويثني على المؤمنين أصحاب اليقين.
ويذكر خصائصهم، مبيّنًا طرائق الوصول إلى هذا اليقين ، وثمراته في الدنيا قبل الآخرة.


ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
ـ فخنقته العبرة وبكى ـ
ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
على هذا المنبر يقول عام أول : سلوا الله العفو والعافية واليقين في الأولى والآخرة،
فإنه ما أوتي عبد بعد اليقين خير من العافية ".


دلالات اليقين في القرآن الكريم


يمكن للأمة أن تستقيم على أمر الله تعالى تربيةً وبناءً وانتصارًا واستمرارا
إذا وجد فيها الربانيون أئمة الهدى الذين يمتلؤون يقينًا بالله عز وجل
قال الله تعالى: { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } / (السجدة 24)
واليقين هو مقام الإحسان؛ الذي شرحه النبي صلى الله عليه وسلّم فقال:
" أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
رواه البخاري


وهو الذي يدفع الصائم والقائم لتحمّل الجوع والعطش والسهر والتعب؛
لإيقانه بصدق الله فيما وعد به من الأجر والثواب .
كما أن اليقين هو استقرار العلم الذي لايتغيّر في القلب وينمو بزيادة الإيمان ،
ومن لاعلم لديه ولا يقين
فإنه يظن شكًّا وريبة، ولهذا يقول المشركون في إيمانهم بالساعة ،
{ إن نظن إلا ظنًّا ومانحن بمستيقنين } / (الجاثية 32)

أبو نوف
26 -12- 2009, 10:19 PM
ضيق الوقت وهجران الكتب فوتت الكثر والكثير من الفائدة ولم يبقى الا ما تعلمناه
على كراسي الدراسة .. ربما هنا نجد الوقت الكافي ولو دقيقة للأطلاع
والفائدة .. لهفة متابع هنا لكل دروسك بارك الله فيك وفي بحثك ,,

هادي
26 -12- 2009, 10:39 PM
جزاك الله خيرا وبارك فيك " لهفة "

ونحن بانتظار هذه الحلقات الطيبة جعلها الله في موازين حسناتك

ونفع الجميع بهـــــــــــا
"يثبت الموضوع "

وجدان
26 -12- 2009, 11:35 PM
صدقت أبو نوف وكم نفرح عندما نجد الوقت لقراءة كتاب.
شرّفني تواجدك
وكم أسرّ لقراءتكم ومتابعتكم التي أجزم بصدقها.


وجزاك الجنة اليتيم1
حقيقةً ممتنة وشاكرة للتعديل السريع،
وأزيد عرفانًا بتثبيت الموضوع ،
وسعيدة عنان السماء وأمثالكم يتابعون لهفة
ويشدّون على يدها.

وأدعو الجميع للقراءة والتعمّق في ماتتضمّنه هذه الدروس
لا للدعاية والله ،
وإنما وجدتها تجمع دينًا قيّمًا، وعلمًا واسعًا، ومعرفة جمّة وثقافة لاتضاهى.

تقديري لكما وللجميع.

Impossible
28 -12- 2009, 07:25 PM
جزاك الله الف خير

وجدان
28 -12- 2009, 10:50 PM
( وجزاك الجنّة )

الدّرس الثاني

اليقين لغةً واصطلاحًا :

جاء في القاموس المحيط :
يَقِنَ : ( يَقِنَ الأمرَ كفَرِحَ يَقْنًا ) بالفتح ( ويُحَرّك وأيْقَنَه )
وأيْقنَ ( به وتيقّنَه واستيقَنَه ) واستيقنَ ( به ) أي ( علمه وتحققه )،
واليقين إزاحة الشّك،
( و أيضا اليقين ( الموت ) لأنه تيقن لحاقه لكل مخلوق حي ).
قال تعالى: { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } / ( الحجر 99 )
يعني الموت لأنه موقن به .

والدليل على أن اليقين هو الموت؛ حديث أم العلاء الأنصارية في قصة عثمان بن مظعون
رضي الله عنه، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أما عثمان فقد جاءه والله اليقين،
وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله مايفعل به " رواه البخاري.

وكذلك قوله تعالى: { وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين } / ( المدثر 46ـ47 )
أي الموت لأنه معلوم حصوله لكل حي.

قال الشريف الجرجاني:
" اليقين في اللغة : العلم الذي لاشكّ معه،
وقيل: يقن الماء في الحوض إذا استقرّ فيه ".

قال ابن منظور في لسان العرب:
( مادة ي ق ن ): يقن اليقين: العلم وإزاحة الشّك وتحقيق الأمر،
وقد أيقن يوقن إيقانًا، فهو موقن، ويقن ييقن يقنًا، فهو يقن.
واليقين: نقيض الشّك، والعلم نقيض الجهل،
تقول: علمته يقينًا، وفي التنزيل العزيز : { وإنه لحق اليقين } / ( سور الحاقة 51 )
أضاف الحق إلى اليقين وليس هو من إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن الحق هو غير اليقين،
إنما هو خالصه وأصحّه؛ فجرى مجرى إضافة البعض إلى الكل ".
واليقين هو تصديق جازم لايقبل الشّك،
واليقين والإيقان : العلم دون الشّك.

قال الراغب الأصفهاني:
" اليقين: من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها،
يقال: علم يقين ولايقال معرفة يقين، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم ،
وقوله عز وجل: { وما قتلوه يقينًا } / ( النساء 157 )
أي ما قتلوه قتلاً تيقنوه بل إنما حكموا تخمينًا ووهمًا ".

قال الشريف الجرجاني:
" اليقين: تحقيق التصديق بالغيب بإزالة كل شك وريب،
وقيل: اليقين: نقيض الشّك
وقيل: اليقين: رؤية العيان بنور الإيمان،
وقيل: اليقين: ارتفاع الرّيب في مشهد الغيب،
وقيل: اليقين: العلم الحاصل بعد الشّك ".

قال الفيروز أبادي:
" اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتهما،
يقال: علم يقين، ولا يقال: معرفة يقين؛ وقد يَقِنَ زيدٌ الأمرَ كفَرِح يَقَنًا ويَقْنًا
وأيقنه وأيقن به وتيقّنه، واستيقنه واستيقن به: علمه وتحقّقه ".

وقال الفخر الرازي في تفسيره :
" اليقين: هو العلم بالشيء بعد أن كان صاحبه شاكًّا فيه؛
ولذلك لايقول القائل: تيقّنت وجود نفسي، وتيقنت أن السماء فوقي
لما أن العلم به غير مستدرك ".
وقيل: الإيقان واليقين علم عن استدلال؛
ولذلك لايسمى الله عز وجل موقنًا ولا علمه يقينًا
إذ ليس علمه عن استدلال.

رديمة
28 -12- 2009, 11:31 PM
جزاك الله عنا خير الجزاء على هذا المجهود
وجعله في موازين حسناتك


بانتظار باقي الحلقات

وجدان
29 -12- 2009, 01:10 PM
اللهم آمين يا أستاذتي الفاضلة رديمة
وأفخر بمتابعتك الغالية .

أبوواسم
29 -12- 2009, 03:07 PM
جزاك الله خيرا وبارك فيك " لهفة "

وجدان
01 -01- 2010, 06:23 PM
وبارك فيك يا أبا واسم وجزاك الجنّة

يعلّمنا القرآن بطرحه لمفهوم اليقين وفق تلك الصيغ وعلى هذه المراتب
كيف نتثبّت من الخبر، وكيف نرتّب ـ بشكل موضوعي ومنطقي ـ درجات مصداقيّة مايرد علينا
من أخبار ومعلومات على اختلافها مما يدور في حياتنا اليومية .

الدّرس الثالث

منزلة اليقين وخصائصه

يذكر الله تبارك وتعالى اليقين في القرآن الكريم في مواضع متعددة:
فتارةً: يذكره من أوصاف أهل الإيمان؛ لأن اليقين تصديق ممتد من الدنيا إلى الآخرة
فيقول: { وبالآخرة هم يوقنون } / ( البقرة 4 )

قال الفخر الرازي:
في " المسألة الثالثة " إن الله تعالى مدحهم على كونهم متيقنين بالآخرة، ومعلوم أنه لايمدح المرء
بأن يتيقن وجود الآخرة فقط ، بل لايستحق المدح إلا إذا تيقّن وجود الآخرة مع مافيها من الحساب
والسؤال وإدخال المؤمنين الجنة، والكافرين النار" .

وتارةً يذكر بعض حكمه في بعض أفعاله، وليصل بعبد من عباده إلى مرتبة اليقين: فيقول:
{ وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين } / ( الأنعام 75 )

وتارةً يذم من لايقين عنده، فيقول: { أنّ الناس كانوا بآياتنا لايوقنون } / ( النمل 82 )

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلّم عدد كثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي يذكر فيها فضل اليقين
ومنزلته وشرفه: كما في حديث أبي هريرة قال: " كنا قعودًا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر
وعمر في نفر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا
فقمنا ..." وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بحثوا عنه؛ وجدوه في حائط، وكان أبو هريرة رضي الله عنه أول
من وجده فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم نعله، وقال له: " اذهب بنعليَّ هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط
يشهد أن لاإله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنة" / رواه مسلم؛
أي من كانت هذه صفته فبشّره بدخول الجنة؛ وإلا فأبو هريرة لايعلم استيقان قلوبهم .

ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً ينادي بالصلاة فلما سكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من قال مثل هذا يقينًا دخل الجنة " / فدل ذلك على أن اليقين سبب لدخول الجنة.

يقول ابن القيّم ـ رحمه الله ـ عن خصائص اليقين:
" خص الله سبحانه وتعالى أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال وهو أصدق القائلين:
{ وفي الأرضِ آياتٌ للموقنين } / ( سورة الذاريات 20 ) .

" وخصّ أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالمين، فقال :
{ والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون
أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } / ( سورة البقرة 54 ).

وأخبر عن أهل النار أنهم لم يكونوا من أهل اليقين فقال تعالى:
{ وإذا قيل إنّ وعدَ الله حق والساعةُ لاريب فيها قلتم ماندري ما الساعةُ
إن نظنُّ إلا ظنًّا ومانحنُ بمستيقنين } / ( سورة الجاثية 32 ).

فاليقين روح أعمال القلوب التي هي روح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصدّيقيّة،
وهوقطب هذا الشأن الذي عليه مداره.

وروى خالد بن يزيد عن السفيانين عن التيمي عن خثيمة عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلّم قال: " لاترضينَ أحدًا بسخط الله، ولاتحْمدَنّ أحدًا على فضل الله، ولا تذُمّنّ أحدًا
على ما لم يؤتِك الله، فإنّ رِزْق الله لايسوقه إليك حرصُ حريص، ولا يردّه عنك كراهيةُ كاره، فإن الله
بعدله وقسطه جعل الرَّوْح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في الشّك والسخط "
( انظر مدارج السالكين لابن قيّم الجوزية ) .

قال الله تعالى: { قد بينا الآيات لقوم يوقنون } / ( سورة البقرة 118 ).
أي بينا العلامات والدلالات الواضحة لمن آمن وصدّق واتبع نور الوحي بكلّيته، والمؤمنون وحدهم هم الذين يعلمون
أنها آيات من ربهم فيتعاملون معها بيقين لايتزعزع، حتى ولو جاءتهم البلايا من كل جانب وجمع لهم النّاس
فإنّهم يظلون ثابتين بل يزدادون إيمانًا.
إذ جعل الله لهم بصائر من عنده يتبصّرون بها، فقال الله تعالى: { هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون } / ( سورة الجاثية 20 ).

قال ابن كثير: " أي القرآن للذين يوقنون " ، الذين يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلّم في كل أمر
ولا يخشون الناس في اتّباعه، الأمر عندهم أمر الله والحكم حكم الله،
قال الله تعالى: { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون } / ( المائدة 50 ).

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلّما كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه:
" اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ماتبلّغنا به جنّتك،
ومن اليقين ماتهوّن به علينا مصائب الدنيا" / رواه الترمذي.

ويتجلى يقين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما يشتد به الكرب فيبدو يقينه مثالاً يُحتذى، ولا كرب أشد
من ساعة الهجرة حين يقول له الصديق: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، والرسول صلى الله عليه وسلم
يهدّئ من روعه: " يا أبا بكرٍ ما ظنّك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا ".

ثم انظر إلى يقينه صلى الله عليه وسلّم بربّه في رحلته إلى الطائف، وهو يقول لملك الجبال الذي عرض عليه
الانتقام من المشركين: " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لايشرك به شيئا، اللهم اهدِ قومي فإنهم لايعلمون".

أما خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام فكان خُلُقه اليقين، ويتجلى ذلك في ثقته بربه حينما ألقوه في النار ،
وجاءه جبريل يقول: " ألك حاجة ؟ فيجيبه: أما إليك فلا ".
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل".
( رواه البخاري )

وكذلك حين أمر بذبح ابنه في المنام فقد جاء أمره : { إني أرى في المنام أني أذبحك } / ( الصافات 102 ) .
مجرّد رؤيا بصيغة ( أرى ) التي تفيد التكرار لأن الرؤيا تكرّرت، فلم يقل لعلها من الشيطان أو كذا ،
ولكن اليقين جعله يتمثّل، فقال ابنه: { يا أبتِ افعل ما تؤمر } / ( الصافات 102 ) .
فقد حصل اليقين عند الأب والابن ، فجعله الله تبارك وتعالى من الموقنين.

واليقين إذا حصلت موجباته؛ فإنه يوجد في القلب ويرسخ فيه، ويثبت من غير اختيار؛
ولهذا قال الله عز وجل: { وجحدوا بها واستيقنتها أنفُسُهُم ظُلمًا وعلوًّا ... } / ( النمل 14 ).
أي أنهم جحدوا بها ظلمًا وعلوًّا مع وجود اليقين في نفوسهم، فالتصديق أمر اختياري
باعتبار أن الإنسان يقرّ به ويظهره، ويصدُق فيكون مؤمنًا، وقد لايصدُق فيجحد.

وإذا نظرنا إلى كلام عبدالله بن مسعود رضي الله عنه حينما قال: " اليقين الإيمان كله " / رواه البخاري .
نجده مأخوذًا من القرآن من قول الله تبارك وتعالى: { وجعلنا منهم أئمةً يهدون بأمرِنا لمَّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } / ( السجدة 24 ).

وجدان
07 -01- 2010, 01:19 AM
الدّرس الرابع


مراتب اليقين

تحدث القرآن الكريم عن اليقين وعن أقسامه الثلاثة:
ففي سورة التكاثر أشار إلى " علم اليقين وعين اليقين "
فقال تعالى :{ كلاَّ لَوْ تَعْلَمُون عِلْمَ اليَقين . لترون الجحيم . ثم لترونّها عين اليقين .
ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم } / ( التكاثر 5 ـ 8 )

وفي سورة الواقعة أشار إلى " حق اليقين "
قال تعالى: { وتصليةُ جَحيمٍ . إنَّ هذا لهو حقُّ الَيقين } / ( الواقعة 94 ـ 95 )

وفي سورة الحاقة قال تعالى:
{ وإنَّه لحَسرةٌ على الكَافرين . وإنَّه لحقُّ اليَقين } / ( الحاقة 50 ـ 51 )

يعلمنا القرآن الكريم بطرحه لمفهوم اليقين وفق هذه الصيغ وعلى هذه المراتب كيف نتثبّت من الخبر
وكيف نرتّب بشكل موضوعي ومنطقي درجات مصداقية مايرد علينا من أخبار ومعلومات عل اختلافها
مما يدور في حياتنا اليومية ،

فبدأ بعلم اليقين وهو/ الخبر الموثوق،
ثم عين اليقين وهي/ المشاهدة العيانية للحدث،
ثم حق اليقين وهي / أن تعيش الحدث بنفسك وتتلمس تفاصيله بشكل مباشر .

اليقين على ثلاث مراتب بعضها فوق بعض، فأدنى مراتب اليقين هي:
" علم اليقين " وفوقه " عين اليقين " وأعلى المراتب هي " حق اليقين " .

ويمكن أن يصل الإنسان إلى اليقين في دار الدنيا وإن قال بعض المفسرين : إن ذلك راجع إلى يوم القيامة
وعالم الآخرة بينما ظاهر كلام جملة من المحققين يشير إلى عالم الدنيا.

فعلم اليقين: هو التصديق الكامل الجازم الذي لاتردد فيه،
بحيث لايعرض له شك ولا شبهة، ولاريب بحال من الأحوال،
فينكشف بذلك المعلوم للقلب، فيصير بمنزلة المشاهد له فلا يشك فيه أبدًا .

وذلك كعلمنا بالجنة : بوجودها ونعيمها كما أخبرنا الله عز وجل، فنعلم أنها دار المتقين ، ومقر المؤمنين،
فهذه مرتبة علم اليقين.
ثم إذا كان اليوم الآخر، ورأينا الجنة بأعيننا فإن هذه المرتبة هي مرتبة عين اليقين،
والفرق بين هذه المرتبة والتي قبلها هو كالفرق بين العلم وبين المشاهدة .

فموسى عليه السلام أخبره الله عز وجل ـ وهو أصدق القائلين ـ أن قومه قد عبدوا العجل فما ألقى الألواح،
فلما قدم ورأى قومه يعبدون العجل بعينه؛ ألقى الألواح، وغضب، وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، ولهذا
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس الخبر كالمعاينة " / رواه أحمد

وهذه المرتبة: مرتبة عين اليقين هي التي سألها إبراهيم عليه السلام ربه فقال :
{ ...ربِّ أرني كيف تحيي الموتى ...} / ( البقرة 260 )
فإبراهيم صلى الله عليه وسلم كان كامل الإيمان واليقين، ولكنه أراد ان ينتقل من مرتبة إلى أخرى أعلى منها، يعني
أراد أن ينتقل من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين، فيرى ذلك بأم عينه، كأنه قال : أنا مصدّق، ولكن للعيان لطيف معنى ،
وخطاب النبي إبراهيم ـ عليه السلام ـ المباشر ( رب أرني كيف )
يؤكد أن السؤال وقع لمعرفة الكيفية ، كيفية الإحياء لينضم إلى المعرفة الإيمانية المجردة ،
المعرفة اليقينية المشاهدة.

وأما المرتبة الثالثة فهي:
مرتبة حق اليقين وهي:
مباشرة الشيء بالإحساس فعلاً ، وذلك حين يكون أهل الجنة في وسطها فهم في هذا الحال قد بلغوا مرتبة حق اليقين ،

قال الفيروز آبادي
" الفرق بين علم اليقين وعين اليقين كالفرق بين الخبر الصادق والعيان ، وحق اليقين فوق هذا ،
وقد مُثلت المراتب الثلاثة بمن أخبرك أن عنده عسلاً وأنت لا تشك في صدقه ، ثم أراك إياه فازددت يقينا ،
ثم ذقت منه .
فالأول علم اليقين ،
والثاني عين اليقين ،
والثالث حق اليقين .

فعلْمُنا الآن بالجنة والنار علم يقين، فإذا أزلفت الجنة في الموقف وشاهدها الخلائق ،
وبرّزت الجحيم وعاينها الخلائق ، فذلك عين اليقين ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار
فذلك هو حق اليقين .....
والحق أن هذه الدرجة أي حق اليقين لاينالها في هذا العالم إلا الرسل صلوات الله عليهم
فإن نبينا صلى الله عليه وسلم منه رأى بعينه الجنة والنار ، وموسى عليه السلام سمع كلام الله إليه
بلا واسطة وكلّمه تكليما، وتجلى للجبل وموسى عليه السلام ينظر فجعله دكًّا هشيما، فحصل لهما
حق اليقين، وهو ذوق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من حقائق الإيمان المتعلّقة بالقلوب،
وأن القلب إذا باشرها وذاقها صارت في حقه حق اليقين.

وأما في أمور الآخرة والمعاد، ورؤية الله عز وجل جهرةً عيانًا، وسماع كلامه حقيقة بلا واسطة
فحظ المؤمن منه في هذه الدار الإيمان به .
قال تعالى: { إنَّ هذا لهوَ حق ُّ اليَقين } / ( الواقعة 95 ) .

" وهذا تذييل لجميع ما اشتملت عليه السورة من المعاني المثبتة ... وإضافة ( حق ) إلى ( اليقين ) هي
من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي لهو اليقين الحق .
وقد اشتمل هذا التذييل على أربعة مؤكدات وهي:
إن، ولام الابتداء، وضمير الفصل، وإضافة شبه المترادفين.

:
:

أبو العلاء
14 -02- 2010, 03:26 AM
موضوع جميل وهادف جعله الله في ميزان حسناتك (http://albe7ar.com/vb/redirector.php?url=http%3A%2F%2Fsmiles.al-wed.com%2Fsmiles%2F13%2Fflowers_221.gif)
أتمنى لك دوام التوفيق
دمت بخير

وجدان
18 -02- 2010, 08:28 PM
اللهم آمين
الحمدلله
وأرجو أن ينتفع منه الجميع ،

شكرًا لمرورك أبو العلاء.


الدرس الخامس

( ثمرات اليقين / أ )


إن اليقين يورث صاحبه أمورًا جليلة عظيمة، ويؤثّر في سلوكه تأثيرًا عجيبا؛
فهو يزيد العبد المسلم قربة من الله عز وجل، وحبًّا ورضًا بما قدره وقضاه،
ويزيد صاحبه استكانةً وخضوعًا لربه جل جلاله،
كما أنه يكسبه رفعة وعزة، ويبعده عن مواطن الذل والضعة ونجمل هنا من ثمرات اليقين مايلي:

أولاً/ يورث صاحبه الهدى والفلاح في الدنيا والآخرة ومعلوم أن الفلاح هو تحصيل المطلوب
والنجاة من المرهوب، ولهذا قال الله عزوجل عن المؤمنين :
{ والذين يؤمنون بما أُنزِلَ إليك وما أُنزِلَ من قبلِك وبالآخرةِ هم يوقنون.
أولئك على هدًى من ربهم وأولئك هُمُ المفلِحون } / ( البقرة 54 )

وعن الحسن أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب في الناس فقال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" يا أيها الناس إن الناس لم يعطوا في الدنيا خيرًا من اليقين والمعافاة
فسلوهما الله عز وجل "

(رواه أحمد)


ثانيًا/ أنه يورث صاحبه الزهد في الدنيا وقصر الأمل،
فلا تتعلق نفسه بها، ولايتشبث بحطامها، وإنما يكون زاهدًا فيها؛
لأنه يعلم أنها ليست موطنًا له، ولأنه يعلم أنها دار ابتلاء، وأنه فيها كالمسافر
يحتاج إلى مثل زاد الركب.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه :
" قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ،
فقال عمير بن الحمام الأنصاري: يارسول الله جنة عرضها السموات والأرض ؟
قال: نعم ، قال: بخٍ بخ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ،
قال: لا والله يارسول الله إلا رجاءه أن أكون من أهلها،
قال: " فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قَرَنه فجعل يأكل منهن
ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة
فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل "

(رواه مسلم)

وهذا المثال يبين أثر اليقين في سلوك العبد،
حيث يزهّده فيما في أيدي الخلق مهما غلا ثمنه.

وهذا الصحابي الجليل حرام بن ملحان رضي الله عنه
حين طعن في ظهره غدرًا يوم حادثة بئر معونة
فما كان منه إلا أن هتف قائلاً : " فزت ورب الكعبة "

(رواه مسلم)

فأي مدى من اليقين بالله بلغه هذا الرجل
جعله ينسى ألمه وجرحه ولا يتذكر في تلك اللحظة سوى النعيم
الذي وعده الله لمن يفوز بالشهادة في سبيله .

سـلطان البحــار
20 -02- 2010, 03:26 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

حنايا الروح
04 -03- 2010, 12:19 PM
اللهم اجعلنا من الموقنين بك وبنبيك وكتابك حتى نلقاك 0 واجزي أختنا لهفة خير الجزاء على هذه الوقفات الايمانية واجعلها مما يثقل ميزانها 000 آمين يارب العالمين0

ا.عبدالله
05 -03- 2010, 01:04 AM
رفع الله قدرك وأثابك على هذه الدرر

وجدان
03 -04- 2010, 10:44 PM
سلطان البحار .. حنايا الروح .. أ. عبدالله

جزاكم الله جنات عرضها الأرض والسموات
أسأل الله أن ينفعنا بماعلمنا وأن يعلّمنا ما ينفعنا .



تابع ثمرات اليقين / ب :

ثالثًا/ الانتفاع بالآيات والبراهين، فالله عز وجل يقول: { وفي الأرض ءايات للموقنين } / الذاريات 20
وذكر " الآيات " بلفظ الجمع لأن الموقن لايغفل عن الله تعالى في حال، ويرى في كل شيء آيات دالة،
وأما الغافل فلا يتنبه إلا بأمور كثيرة فيكون الكل له كالآية الواحدة، لذلك قال تعالى في حق غير الموقنين
: { وآية لهم الأرض ....} / يس 33

وإننا نشاهد الإنسان الذي عنده يقين راسخ إذا مرّ بآية من الآيات الكونية أو الأرضية،
كأن شاهد مكانًا للمعذبين، فإنه يرق قلبه، وتتمالكه مشاعر كثيرة، ولربما دمعت عينه وبكى.

وأما الغافل: فهو ينظر إلى هذه الأشياء، ولايحرك ذلك في قلبه ساكنًا،
ولهذا يقول الله عز وجل: { وكأيّن من ءاية في السمواتِ والأرضِ يمرون عليها وهم عنها معرضون }/ يوسف 105
وقال تعالى: { وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون }/ الجاثية 4
أي في أطوار خلق كل منكم؛ وما يبث على الأرض من دابة من الناس والأنعام وغيرهم،
آيات لقوم يوقنون، أي:
إن كنتم لستم من المؤمنين بل أنتم من طلاب الحق واليقين فافهموا هذه الدلائل
قال جل ذكره: { قد بينا الآيات لقومٍ يوقنون } / البقرة 118 ، وكل الكون آيات.

وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه
قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب والطور فلما بلغ هذه الآية :
{ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون.
أم خلقوا السموات والأرض بل لايوقنون.
أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون } / الطور 36
" كاد قلبي يطير " رواه البخاري ،
انزعج جبير حتى كاد قلبه يطير؛ كاد القلب الموقن المفعم بالشوق أن يطير !

ثم بحسب يقين العبد يكون صبره على المقدور،
قال الله عزوجل { فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لايوقنون }/ الروم 60
فأمره أن يصبر، لأن من قلّ يقينه ؛ قلّ صبره ومن قلّ صبره؛ خف واستخف فالموقن الصابر رزين ،
ومن لايقين له ولا صبر، خفيف طائش؛
لذا روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول:
" إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع
في النار يقعن فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بِحُجَزِكم عن النار وهم يقتحمون فيها "

رواه البخاري.

شبههم بالفراش لخفتها، وسرعة حركتها وانتشارها، وهي صغيرة النفس، جاهلة بمصالحها،
تتهافت في النار؛ لأنها تنجذب إلى النور، ويكون سببًا لإحراقها، وهي ظاهرة علمية مؤكدة علميًّا ،
حيث إن الفراشات من رتبة حرشفيات الأجنحة والجنادب تنجذب إلى الأشعة فوق البنفسجية التي تشع
من النار أو من أي مصدر آخر للضوء يشع هذه الأشعة غير المرئية للإنسان لكنها مرئية وجاذبة
لهذه الكائنات التي لايعرفها الكثير من البشر، ويكون مصدر الضوء في المنتصف، وتتخبط الحشرات
في دائرة الضوء ثم ترتطم بالمصباح المضيء الساخن وتحترق وتموت بكميات هائلة،
وهذه ظاهرة سلوكية يعرفها علماء الحشرات / انظر مجلة الإعجاز العلمي العدد ( 30 ) .

ولهذا يقال لمن أطاع من يغويه: إنه استخفه،
قال الله عزوجل عن فرعون : { فاستخفّ قومه فأطاعوه ...} / الزخرف 54
،
،
،

Impossible
04 -04- 2010, 04:39 AM
جزاك الله الف خير

وجدان
28 -05- 2010, 08:48 PM
حياك الرحمن Impossible وجزاك الجنة .




تابع ثمرات اليقين / ج :

رابعًا/ أن اليقين إذا تزوج بالصبر فإنه يولد بينهما الإمامة في الدين؛ قال الله عز وجل:
{ وجَعَلْنا مِنْهُم أئمّةً يَهدُون بأمْرِنا لَمَّا صَبرُوا وكَانُوا بآياتِنا يُوقِنون } / السجدة 24
فحيث جعل الله كتاب موسى هدى وجعل منهم أئمة يهدون؛ كذلك يجعل كتابك هُدى
ويجعل من أمتك صحابة يهدون، ثم بيّن أن ذلك يحصل بالصبر فقال: { لَمَّا صَبرُوا وكَانُوا بآياتِنا يُوقِنون }،
فكذلك اصبروا وآمنوا بأن وعد الله حق، فالصبر لقاح اليقين.


خامسًا/ الثبات أمام الأعداء، فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام، حين ثبت أمام الأعداء، وقد توعدوه بالإحراق،
بل وأوقدوا نارًا عظيمة أمامه وطالبوه أن يرجع عن دينه، فلما أبى ألقوه فيها، وهو لم يتردد البتة، وهكذا موسى
عليه السلام، ثبت أمام فرعون ثباتًا عظيمًا مع أنه معروف بطغيانه وكان يقول لهم: { أنا ربُّكُمُ الأعْلَى } / النازعات 24
وكان موسى عليه السلام يقول له: { وإنّي لأظُنّكَ يافرعونُ مثبورًا } / الإسراء 102 ، فلما أمره الله عز وجل بالانطلاق
في بني إسرائيل، ولم يجد إلا البحر أمامه وتردد من تردد ممن كان معه، وقالوا: { إنَّا لمُدْرَكُون } / الشعراء 61 ،
قال بكل يقين وثبات: { قالَ كلاّ إنَّ مَعيَ ربِّي سيَهْدين } / الشعراء 62.

أما اليقين بالآخرة فقد قال الله تعالى:
{ طس. تلك آيات القرآن وكتاب مبين. هدى وبشرى للمؤمنين. الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هو يوقنون} / النمل 31 .

" فقوله ( للمؤمنين ) إشارة إلى معرفة المبدأ،
وقوله ( يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ) إشارة إلى الطاعة بالنفس والمال،
وقوله ( وهم بالآخرة هم يوقنون ) إشارة إلى علم المعاد طرفًا أخيرًا،
وجعل الطاعة بالنفس والمال متوسطًا بينهما " / انظر مفاتيح الغيب للفخر الرازي.

فاليقين بالآخرة لايعني التواكل والكسل والخمول؛ وترك الدنيا جملة ومقاطعة الناس، بل يعني المسارعة إلى الخيرات
والمبادرة إلى الأعمال الصالحة وهم لها سابقون.
وإنما ذكر اليقين في سياق إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وليس خارجه، ليعلم أنه علم وعمل، فهم وسعي،
ليعلم أنه قيام لله بالحق، وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم على يقين من أمرهم.

ويصور الله سبحانه وتعالى الموت ومابعده بالنسبة للمجرمين فيقول:
{ قل يتوفّاكم ملكُ الموتِ الذي وُكّل بكم ثم إلى ربّكم ترجعون. ولو تَرَى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم
ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنا موقنون } / السجدة 11 ، 12 .
معناه إنا في الحال أيقنا، ولكن النافع هو الإيمان والعمل الصالح الذي يعمله المؤمن في دار التكليف في الدنيا،
أما اليقين في الآخرة فلا ينفع. نسأل الله تعالى يقينًا يكفينا شر يوم اليقين،
والحمدلله رب العالمين.

أنوار
15 -06- 2010, 07:50 PM
فعلم اليقين: هو التصديق الكامل الجازم الذي لاتردد فيه،
بحيث لايعرض له شك ولا شبهة، ولاريب بحال من الأحوال،
فينكشف بذلك المعلوم للقلب، فيصير بمنزلة المشاهد له فلا يشك فيه أبدًا .






عزيزتي لهفة
بوركتِ ورائع نقلك ومفيد
ممتنة لكِ بما وجدت00

أبوعدولي
05 -07- 2010, 11:51 AM
بوركت أناملك على هذا الطرح
وجزاك الله ألف خير