أبو زياد
26 -03- 2005, 03:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أنكر أن شيئاً من الهيبة قد تملكني في ذلك اليوم الذي بكرت فيه أمي – عليها رحمة الله – إلى أجمل ملابسي فأخرجتها، وأشرفت على تهيئتي لزيارةٍ لا عهد لي بمثلها من قبل . قرأتْ بفراستها القوية علامات التردد البادية على وجهي ، وذهبت تشجعني بكلماتٍ تلين حيناً وتشتد حيناً ، حتى أيقنت أن الأمر جد لا مناص منه ، فاستسلمت ليدها الحنونة التي انطوت على راحتي الصغيرة وجذبتني بكل حنان وضمتني إلى صدرها وهي تقول : هذا يوم التسجيل .
لم أكن قد أتممت ستاً من عمري بعد فكانت هذه هي العقبة الأولى في طريق التسجيل . وقد تجاوزتها والدتي بإصرارها على عدم مغادرة المدرسة حتى قبلني المدير . أما العقبة الثانية فلم يكلفني تجاوزها سوى التخلي عن اسمي الذي التصق بي قبل هذا اليوم وأحببته وألفته فاعتذرت لي أمي بأن تسميتي محمداً كانت لغايةٍ في نفسها وأن علي أن أعتاد اسمي الجديد المدون في وثيقة الميلاد . أما الصدمة التي لم أتجاوزها إلا بعد سنواتٍ وسنوات فهي المعلم الأول في حياتي !!
كان رجلاً ضخم الجثة ضخم الكرش غليظ الشارب كث الحاجبين كبير الهامة متجهم الوجه حاد النظرات قاسي الملامح غليظ الصوت يضرب بالعصا الخشبية على الطاولة وينظر إلينا من فوق كرسيه الذي ناء بثقل جثته الضخمة ويتفرس في ملامحنا كأنه سبع هصور ونحن أشبه ما نكون بمجموعة من الأرانب المذعورة جمدت في أماكنها بلا حراك !!
أصدر نحنحة أشبه بزئير أسد على باب العرين ثم أصدر بيانه الأول ؛ وهو مجموعة من الأوامر والنواهي والتحذيرات الصاعقة : اخرسوا جميعاً سد حلقك إنت ويّاه ضعوا أيديكم على المقاعد شبكوا بين أصابعكم انظروا أمامكم ممنوع الهمس ممنوع أن ترفع عينك ممنوع أن تنظر يميناً وشمالاً ممنوع الحركة ياويله إللي يتحرك منكم ما أبغى أسمع نفس . ولا نفس ..
امتلأت نفوس الحملان الوديعة بالهلع سكن الرعب في القلوب تجمد كل شيء فيهم إلا الدماء التي ازدادت جرياناً بسبب اضطراب القلوب وتسارع نبضها !! مرة واحدة أصبح كل شيء متجمداً !! حامت ذبابة فوق الرؤوس حطت على جبيني المعروق بحركة سريعة رفعت يديّ المتلاحمتين وأعدتهما إلى مكانهما على المقعد . استرحت من الذبابة واسترقت النظر إلى المعلم دعاني بأصبعه وعيناه تقدحان شرراً مثلتُ بين يديه . زأر : مد يدك .. افتح.. تعلقت عيناي بالعصا التي برقت فوق رأسي كصارمٍ مصقول وهوت على راحتي كمطرقةٍ ثقيلة . انحدرت دموعي قبل أن تلسع يدي حرارة العصا !! " انكسح محلك" من يومها دخلت كلمت انكسح إلى ذاكرتي وحفرت فيها موقعاً أشبه بإسفينٍ مسموم .
المعرفة
لا أنكر أن شيئاً من الهيبة قد تملكني في ذلك اليوم الذي بكرت فيه أمي – عليها رحمة الله – إلى أجمل ملابسي فأخرجتها، وأشرفت على تهيئتي لزيارةٍ لا عهد لي بمثلها من قبل . قرأتْ بفراستها القوية علامات التردد البادية على وجهي ، وذهبت تشجعني بكلماتٍ تلين حيناً وتشتد حيناً ، حتى أيقنت أن الأمر جد لا مناص منه ، فاستسلمت ليدها الحنونة التي انطوت على راحتي الصغيرة وجذبتني بكل حنان وضمتني إلى صدرها وهي تقول : هذا يوم التسجيل .
لم أكن قد أتممت ستاً من عمري بعد فكانت هذه هي العقبة الأولى في طريق التسجيل . وقد تجاوزتها والدتي بإصرارها على عدم مغادرة المدرسة حتى قبلني المدير . أما العقبة الثانية فلم يكلفني تجاوزها سوى التخلي عن اسمي الذي التصق بي قبل هذا اليوم وأحببته وألفته فاعتذرت لي أمي بأن تسميتي محمداً كانت لغايةٍ في نفسها وأن علي أن أعتاد اسمي الجديد المدون في وثيقة الميلاد . أما الصدمة التي لم أتجاوزها إلا بعد سنواتٍ وسنوات فهي المعلم الأول في حياتي !!
كان رجلاً ضخم الجثة ضخم الكرش غليظ الشارب كث الحاجبين كبير الهامة متجهم الوجه حاد النظرات قاسي الملامح غليظ الصوت يضرب بالعصا الخشبية على الطاولة وينظر إلينا من فوق كرسيه الذي ناء بثقل جثته الضخمة ويتفرس في ملامحنا كأنه سبع هصور ونحن أشبه ما نكون بمجموعة من الأرانب المذعورة جمدت في أماكنها بلا حراك !!
أصدر نحنحة أشبه بزئير أسد على باب العرين ثم أصدر بيانه الأول ؛ وهو مجموعة من الأوامر والنواهي والتحذيرات الصاعقة : اخرسوا جميعاً سد حلقك إنت ويّاه ضعوا أيديكم على المقاعد شبكوا بين أصابعكم انظروا أمامكم ممنوع الهمس ممنوع أن ترفع عينك ممنوع أن تنظر يميناً وشمالاً ممنوع الحركة ياويله إللي يتحرك منكم ما أبغى أسمع نفس . ولا نفس ..
امتلأت نفوس الحملان الوديعة بالهلع سكن الرعب في القلوب تجمد كل شيء فيهم إلا الدماء التي ازدادت جرياناً بسبب اضطراب القلوب وتسارع نبضها !! مرة واحدة أصبح كل شيء متجمداً !! حامت ذبابة فوق الرؤوس حطت على جبيني المعروق بحركة سريعة رفعت يديّ المتلاحمتين وأعدتهما إلى مكانهما على المقعد . استرحت من الذبابة واسترقت النظر إلى المعلم دعاني بأصبعه وعيناه تقدحان شرراً مثلتُ بين يديه . زأر : مد يدك .. افتح.. تعلقت عيناي بالعصا التي برقت فوق رأسي كصارمٍ مصقول وهوت على راحتي كمطرقةٍ ثقيلة . انحدرت دموعي قبل أن تلسع يدي حرارة العصا !! " انكسح محلك" من يومها دخلت كلمت انكسح إلى ذاكرتي وحفرت فيها موقعاً أشبه بإسفينٍ مسموم .
المعرفة