المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نستثمر في المعلمين ؟



حسن عبد الله مشهور
30 -04- 2010, 11:48 PM
http://www.tk9tk.com/vb/mwaextraedit4/extra/74.gif





تستثمر كل أمم العالم - التي تسعى بجدٍ إلى تطوير نظمها التعليمية – في تعليم المعلم، باعتباره المحرك الأساسي والركيزة الرئيسة للتفوق الأكاديمي. وتركز الدول التي حققت تقدماً كبيراً، حسب المعايير الدولية بشكل خاص، على تطوير خبرات المعلمين قبل اندماجهم في المهنة، وكذلك طوال فترة خدمتهم. وفي دراسة سابقة أعددناها للمجلس الوطني لتنمية قدرات الموظفين، قمنا بدراسة الفرص المتاحة للتطوير المهني للمعلمين في عدد من الدول التي حققت تقدماً كبيراً في هذا المجال مثل فنلندا، السويد، اليابان، كوريا الجنوبية، سنغافورا، المملكة المتحدة، وأستراليا، فوجدنا أن في نظمهم التعليمية عدة سمات مشتركة أبرزها:
· توفير الوقت اللازم للتعليم المهني، والتعاون أثناء ساعات العمل الرسمية للمعلمين.
· وجود أنشطة مستمرة للتطوير المهني، كجزء لا يتجزأ من واجبات المعلمين، تركز على المحتوى الواجب تدريسه.
· وجود فرص كبيرة للتطوير الرسمي، وغير الرسمي في المهنة.
· وجود برامج دعم عند تعيين المعلمين الجدد.
· وجود هياكل إدارية في المدرسة، تقوم بإشراك المعلمين في اتخاذ القرارات في كثير من القضايا، مثل؛ المناهج الدراسية، والتدريس، والتقويم، والتطوير المهني.
ويشير استعراضٌ للمناهج المشتركة في الدول، التي حققت تقدماً كبيراً، إلى توجّهاتٍ يمكن أن تتخذها الدول الأخرى، من أجل تحسين تعلم المعلمين، وبالتالي تحسين تحصيل الطلاب.



· إتاحة الوقت للتعلم والتعاون المهني:
إن تخصيص وقت محدد في أثناء يوم العمل الرسمي للمعلمين، للمشاركة في التعليم المهني، يعد واحداً من أهم الدعائم الهيكلية بالنسبة لهم، لذا نجد أن أكثر من 85 % من المدارس في بلجيكا، والدنمرك، وفنلندا، والمجر، وأيرلندا، والنرويج، والسويد وسويسرا، توفر وقتاً كافياً للتطوير المهني أثناء ساعات العمل للمعلمين، بينما يكون هذا الوقت عادة غير موجود في الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك فإننا نجد في معظم البلدان الأوربية والآسيوية أن أقل من نصف وقت العمل بالنسبة للمعلم ينفق في تعليم وتوجيه الطلاب. أما باقي الوقت، وهو حوالي 15-20 ساعة في الأسبوع، فينفق في واجبات ومهام ذات صلة بالتدريس، مثل مشاركة بقية المعلمين في تحضير وتحليل الدروس، أو في تطوير أساليب تقويم الطلاب، أو مراقبة حجرات الدراسة الأخرى، أو في مقابلة الطلاب وأولياء أمورهم. ويقوم المعلمون بتحضير دروسهم في جلسات جماعية في أقسام المواد، أو في مجموعات ذات مستوى واحد، أو في حجرات واسعة، صُممت خصيصاً، بحيث تكون الأدراج فيها مهيأة لتسهيل العمل الجماعي.
ونجد في كوريا الجنوبية - مثلما في اليابان وسنغافورا- أن 35 % فقط من ساعات العمل يقضيها المعلمون في تدريس طلابهم، ثم يبقون في مكتب مشترك أثناء وجودهم خارج حجرات الدراسة، بينما يبقى الطلاب في حجرة دراسة محددة، ويطوف عليهم المعلمون لتدريسهم مختلف المواد. وهذا المكتب المشترك يساعد في تبادل المعلمين للأفكار وللوسائل التعليمية، الأمر الذي يُعدُّ ذا فائدة كبرى، وبخاصة بالنسبة للمعلمين الجدد. ومثل هذه التجارب توجد أيضاً في كثير من الدول الأوروبية، حيث تكرس المدارس وقتاً مقدّراً للتعاون المنظم بين المعلمين للتشاور في قضايا التدريس. وفي المدارس الفنلندية مثلاً يجتمع المعلمون بعد الظهر مرة كل أسبوع، لوضع الخطط المشتركة، والتحضير، أو لتطوير طرق تدريس المناهج الدراسية، والاستفادة من تجارب بعضهم البعض.



· التطوير المهني ضمن إطار المهنة:
عندما يكون الوقت المتاح للتطوير المهني بالنسبة للمعلمين ضمن وقت عملهم، فإن أنشطتهم التعليمية تكون مستمرة ودائمة، ويمكن أن تركز على قضايا معينة مع مرور الوقت. ويساعد التعلم المهني في إطار المهنة في إجراء البحوث الأمر الذي يكون فعالاً جداً في تحفيز عملية التغيير، ففي الدنمرك وفنلندا وإيطاليا والنرويج وكذلك في سنغافورا وأستراليا وهونج كونج، نجد أن المعلمين غالباً ما يشتركون في عمل بحوث ودراسات جماعية في قضايا ذات صلة بالتعليم (على سبيل المثال إيجاد طرق وأساليب جديدة في التدريس، تطوير المناهج الدراسية، دمج التكنولوجيا في المناهج الدراسية وغيرها) سواء كان ذلك في مرحلة ما قبل الخدمة، أو في أثناء عملهم كمعلمين.
وهناك تجربة رائعة جداً تتبعها كل من اليابان والصين – وهي تجربة بدأت تنتشر الآن في غيرهما من الدول الأخرى – تعتمد على التنقيح الجماعي، وفيها تقوم مجموعات مكونة من 4 إلى 6 معلمين بمراقبة معلم آخر أثناء أدائه داخل غرفة الدرس، ثم يقومون بعد ذالك بتنقيح أسلوبه وطريقته في التدريس، الأمر الذي يعجـّل بنشر أفضل التجارب في جميع أنحاء المدرسة. في هذه التجربة يقوم كل معلم بصفة دورية بإعداد وتحضير أفضل درس يشرح الاستراتيجيات الرامية إلى تحقيق هدف معين (مثلاً كيف يصبح الطلاب فاعلين في حل المشكلات)، وتقوم مجموعة من المعلمين بمراقبة المعلم أثناء إلقـائه الدرس، وعادة ما يُعرض هذا الدرس بعدة طرق من بينها أشرطة الفيـديو، أو الأشرطة السمعية، أو بطريقة السرد الحر. وبعد ذلك يقوم المعلمون - وأحياناً يكون معهم تربويون من خارج المدرسة - بمناقشة نقاط القوة والضعف في الحصة ويطرحون الأسئلة، ويقدمون الاقتراحات اللازمة لتحسين أداء المعلم وتطويره. وقد يقوم معلم آخر بعد بضعة أيام بأداء الدرس نفسه، الذي تم استعراضه من قبل، ومن ثمّ تتم مراقبته أيضاً.
إن هذا الأسلوب يساعد المعلمين على صقل أساليبهم الفردية في التدريس، كما أنه يتيح لهم فرصة التشاور مع المعلمين الآخرين، وأخذ النتائج المبنية على ملاحظاتهم من خلال تجاربهم في حجرات الدرس، الأمر الذي يتيح لها أن تنعكس على تجاربهم الخاصة، وبالتالي يتعلم المعلمون أساليب جديدة، ويكتسبون ثقافة جديدة، تركز على التحسين، والتعاون المستمرين.



· التطوير المهني الرسمي:
كثير من الدول التي حققت تقدماً كبيراً في التعليم، تقوم بعمل تطوير مهني واسع النطاق، يعتمد على الخبرة خارج المدرسة.، بينما يقوم البعض الآخر بتحديد عدد ساعات التطوير المهني الرسمي، التي يجب أن يشارك فيها المعلمون بعد اليوم الدراسي. في السويد - مثلاً - نجد أن حوالي 104 ساعة أو 15 يوماً في العام (ما يقارب 6% من إجمالي وقت عمل المعلم) تخصص لتدريب المعلمين في أثناء عملهم (تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للعام 2005). وقامت حكومة السويد في عام 2007 بالاستثمار في برنامج للتطوير المهني، أطلقت عليه اسم (برنامج رفع المعلمين)، وفيه تقدم الحكومة منحة بمقتضاها تدفع الرسوم الدراسية لدورة جامعية واحدة لجميع معلمي المدارس ورياض الأطفال. كما تدفع كذلك 80 % من راتب المعلم الذي يعمل في مدرسة لمدة 20 في المائة من وقته، ويدرس في باقي وقته دراسات جامعية عليا.
أما معلمو كوريا الجنوبية فعليهم أخذ 90 ساعة في دورات للتطوير المهني كل ثلاثة أعوام، وذلك بعد إكمالهم العام الرابع في مهنة التدريس. يصبح المعلمون بعد إكمالهم العام الثالث في المهنة مؤهلين للانخراط في برنامج للتطوير المهني، الذي وافقت عليه الحكومة، ومدته خمسة أسابيع ،وذلك للحصول على شهادة متقدمة، تؤهلهم لأخذ زيادة في الراتب، أوالتأهـل للترقية. وفي سنغافورة نجد من بين الاستثمارات العديدة في المعلمين ما يسمى بشبكة المعلم، التي أسستها وزارة التربية والتعليم في العام 1998م. مهمة هذه الشبكة هي تحفيز ودعم التطوير المهني لدى المعلم من خلال التبادل والتعاون. وتحتوي شبكة المعلم على دوائر تعليمية، وورش عمل، ومؤتمرات، وبرامج، فضلاً عن موقع إليكتروني على شبكة الإنترنت، وسلسلة مطبوعات لتبادل الخبرات.



· تدريب المعلمين عند تعيينهم:
تعتبر برامج التعيين بالنسبة للمعلمين الجدد إلزامية في كثير من الدول مثل أستراليا، فرنسا، اليونان، ايطاليا، اليابان، كوريا، نيوزيلندا وسويسرا. وتتضمن معظم تلك البرامج وقت للراحة بالنسبة للمعلمين الجدد والمشرفين التربويين الذين يشاركون في أنشطة التعيين.
والنموذج الذي يتم تطبيقه في نيوزيلندا مطابق لما هو موجود في عدد من الدول الآسيوية، حيث تقوم وزارة التربية في نيوزيلندا بتمويل 20% من وقت الفراغ بالنسبة للمعلمين الجدد و10% بالنسبة للمعلمين الذين أكملوا عامهم الثاني. يتطلب هذا الأمر من المدارس أن تقوم بابتكار برامج محلية لتطوير مهارات معلميها الجدد، ويستغل المعلمون الجدد معظم وقت فراغهم في حضور أنشطة للتطوير المهني، أو في الاجتماع بالموجهين التربويين، أو في القيام ببعض الواجبات مثل تحضير الدروس. وتدعم برامج التعيين هذه بعض الأنشطة كمراقبة معلمين آخرين في نفس المدرسة، أو في مدرسة أخرى، أو العمل في حجرات الدراسة بمعيّة المشرف التربوي، أو حضور اجتماعات المعلمين الجدد، أو النخراط في دورات مختلفة. وهناك عدد من الدول تشترط تدريباً رسمياً للمشرفين. في سنغافورا مثلاً، نجد أن المعلمين من الدرجات العليا يتم تعيينهم للقيام بتدريب وتحسين أداء المعلمين في كل مدرسة. أما المديرون في النرويج، فيخصصون موجهاً تربوياً على درجة عالية من الكفاءة لكل معلم جديد، وتقوم مؤسسة تعليم المعلمين بتدريب هذا الموجه، وبالتالي تشارك في عملية التعيين. وفي سويسرا يجتمع المعلمون الجدد في مجموعات تفاكرية مرتين كل شهر بمعلم ذي خبرة تم تدريبه خصيصاً، لتسهيل مناقشاتهم حول القضايا المشتركة.




· إشراك المعلمين في اتخاذ القرارات:
إن أحد شروط السياسة المرتبطة بتعاون المعلمين المتزايد في العديد من الدول، التي حققت تقدماً كبيراً، هو المزيد من اللامركزية في كثير من قرارات التعليم على المستوى المدرسي. فعلى سبيل المثال نجد أن دولاً مثل فنلندا والسويد وسويسرا كانت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من الدول التي استبدلت وثائق المناهج الدراسية والاختبارات الخارجية الأكثر تفصيلا ببيانات ذات أهداف أكثر شمولية، صُمّمت لتقود تطوير المعلمين للمناهج التعليمية المحلية. وتقع على عاتق المعلمين في تلك الدول، وفي غيرها، مسئولية تصميم ووضع المناهج الدراسية، والتقويمات المدرسية الرئيسة، لتقويـم تعليم الطلاب. وفي فنلندا نجد أن المعلمين وبقية الموظفين بالمدرسة يتم إشراكهم دائماً في صنع القرار، فالمعلم ومجلس الإدارة يعملان سوياً في تطوير المناهج الدراسية وأساليب التقويم، واختيار الكتب، بالإضافة إلى حسم الأمور المتعلقة بالميزانيات، كما يخططون ويجدولون مسائل التطوير المهني. وهذه المداولات تعتبر في حدّ ذاتها شكلاً من أشكال التطوير المهني، فالمعلمون يبحثون في مختلف القضايا، ويتبادلون الأفكار فيما بينهم. وبالمثل نجد أن اللامركزية في المناهج الدراسية، والتدريب أثناء الخدمة في السويد، قد أدّيا إلى إحداث تغيير في بؤرة العمل التطوري في كل المدارس، بدءاً من تطبيق أساليب التدريس الجيدة، وانتهاءً بحل المشاكل التي تواجه المعلمين في الغرف الصفية.



· أهداف يمكن تحقيقها:
تعكس سياسات وتجارب التطوير المهني في الدول التي حققت تقدما كبيراً الكثير من مبادئ التعليم المهني الفعّال، كتلك التي تم استعراضها في هذا البحث. فهذه الدول تقدم فرصاً كبيرة ومستديمة لتطوير عملية التدريس، لأنها تعامل المعلمين كمحترفين، وتجعل من التطوير المهني للمعلمين أولوية قصوى.
إن العديد من الدول التي أسست نظماً قويـة للتدريس عالي الجودة قد وضعت تلك البنى التحتية في العقدين الأخيرين عبر سياسات هادفة، وهذا يشير بوضوح إلى أن واضعي السياسات التعليمية في غيرها من الدول يستطيعون كذلك تطوير تلك الظروف بجهود حثيثة ووضوح، حول ما هو مهم، وحول ما يجب فعله لدعم التعليم والتجارب المهنية.



بقلم:
· روث خونج ويي
· أليثيا أندري
· ليندا دارلنج همند





ترجمها عمر خليفة