متلازمة الجور..... قصة قصيرة .......... عبدالإله مذكور
ذات جمعة ....."لوحة من لهب"
إحرام الصلاة يُغطي جبينها الطاهر متسربلاً على جزئها العلوي.......تصرخ رافعةً يدها المخضبة بالحناء لأبنائها الأربعة إستهجاناً............. فخطبة الجُمعة التي تُسمع من الردهات قد شارفت على الخاتمة..... إستقام إبنها البكر " والذي يروقُ لها تسميته أبي "...... انحنتْ الأم بمبخرها الفُخاري........ تسللتْ سُحب العُود من أكمام جلبابه الأبيض وهو يلامس محرمها وهامتها فخراً......... ويدغدغها تارة فتبتسم قائلةً "سيحترق ثوبك يا ابويه" ......
أسرع الأشقاء في طريقهم ....قال احدهم هذا الخطيب رغم إطالته فأنا غالباً لا أفهم منه الا الفُتات......
صفيه الجارة الضريرة تقف في عرصات بيتها بحائطه المُتصدع............ تتحسس تجاعيد وجهها بأناملٍ لم تُقلم أظافرها من شهورٍ عدة............ تُنصت لخطبة عقوق الوالدين والتي هي إحدى ضحاياه...... باغتها أحد الأشقاء بالسلام بلزمته المميزة... ففرحت وأمرتهم بالإنتظار....... رغم إستعجالهم وبنفحات دعوات نقية قطفت لهم بعض أغصان الريحان القائمة بجوار خرائب صهريج مُخضرة أركانه تغتسل منه ذات حين.... فالضمان الإجتماعي الحولي هو جُلّ متاع كفيفة البصر عفيفة المُثل....
زعيق الشاب الثلاثيني ابن عم أمهم وجارهم "المتاخم" حسين وأطفاله التسعة يكاد يشق عباب السماء كالعادة.....فهو يريد اصطحاب الذكور منهم للجامع القريب........
أشار الأخ المعاق ومن على كرسيه المتحرك لإشقائه الثلاثة من حوله بضرورة تغيير طريقهم للمسجد فتراص السيارات بشكلٍ عشوائي كان عائقاً لمروره. أُرغم الجميع على سلك أزقة فرعية تشق بيوتاً يفوح منها رائحة الشواء ويُسمع غليان جزيئات السمن البلدي.....
أجواء من إبتسامات وهرج لوعورة هذه الأزقة وإنسياب مياه مُتسخه من فجوات منزلية.....لذا لا خيار لدى الإخوه إلا حمل المقعد المتحرك بأخيهم الجالس فوقه مُنْفَرِج الشَّفَة كملك فرعوني......
إستوقفهم العم بُرقري المصاب بالسكري والعائد لتو من مسجد آخر والذي اعتاده مُذْ دهور بجانب مقته إسهاب خطبة هذا الجامع وسلسه البولي الذي لا يُمهله . ثمة رعشة تصاحب كفه وزاوية فاه.... الأخ الأكبر "الطبيب" وعد بزيارته لاحقاً......
الحياة تكاد تكون معطلة في هذه الدقائق....... يخلو الشارع من المارة عدا نفرٌ قضوا جمعتهم في مسجدٍ آخر......
هاهو "ابن الصايغ" قد بدأ نشاطه التجاري.....قاطنوا الحي يتفقوا معه شهرياً بمدهم بالماء المكرر للشرب........يعتلي سقف غرفة أحد المنازل منتصباً بجانب خزان بلاستكي وبيده خرطوم الماء الممتد من شاحنته القابعة بالخارج...رغم همجيته لا سيما في يوم كهذا به مباراة فريق يبجله الا أنه محبوب من قبل أغلبية أهل الحي الذين يتندرون على إسلوبه الدعائي.....
لكن صراخه هذه المرة وتأشيراته للإشقاء الأربعة من بُعد ومن مكان كهذا لم يكن مرده مباراة كرة القدم في هذا المساء على ما يبدو...... أنه ينظر للأسفل ويصرخ بكلمات لم تُفهم..... وقف الإخوة بإندهاش فصراخ بعض النسوة من البيت المجاور زلزل هدوء المكان......لا شيء غير النسوة........قفز ابن الصايغ من فوق تلك الغرفة بشكلٍ مفزع......وبدون إستئذان فتح باب ذلك المنزل الحديدي الملطخ بإلوانٍ متناحرة ........... ليرى الإخوة إحدى الفتيات وقد نشبت في ملابسها النيران وهي تتدحرج على أتربة فناء الدار المتواضع ومن حولها رديمة الفل تنتحب...... في ثواني إلتهمها لهبٌ لا يرحم فمساماتها وحتى زفراتها قد شُبعت بسائل قابل للإشتعال ....... حاول ابن الصايغ إخماد نيرانها بغطاء سميك ولكن هيهات فقد جفت أوعيتها وباتت أنفاسها لا تعي الوجود الدنيوي.......
صرخ الأخ الصغير والدمع يحدق ببؤبؤه إنها هي "آمنة" في العقد الرابع تحيك الملابس بأثمان بخسة وتتعامل معها أمي وصحبتني معها عندما كنت طفلاً .... تزوج عليها زوجها الكهل الذي أُجبرت على الزواج منه كعرف قبلي...ثم طلقها وجردت من وصاية أطفالها.... مؤخراً داهمها وسحقها المرض وتذمر المقربون من غسيلها الكلوي ......
إنها آمنة...... فعلاً آمنة...... متلازمة مجتمع بإكمله...... جثمت رماداً وكومة من ألم.......
تطايرت لهباً وبقيت مكينة خياطتها تنسل خيوطاً لكشف عورة الجور..............
رد : متلازمة الجور..... قصة قصيرة .......... عبدالإله مذكور
عبد الاله ماهذه الصراعات
احزان تليها دموع وووو
افراح تليها دموع
سيدي هذه السطور تخلق داخلي نوعا من الحياة وشيئا من شعور الوجود ...
سلمت لنا مبدعا
مع حبي
القبس