أزمة منتخب أم أزمة مجتمععمرو العامريسيجرى النظر إلى إخفاقات المنتخب السعودي على أنها إخفاقات كروية وسيجري العمل على معالجتها على أساس كروي كما أعتدنا ..لكن المشكلة الأساسية ليست كروية أبداً..أنها مشكلة ثقافية ذهنية في المقام الأول ..مشكلة مجتمع
سكوني بالمطلق مجتمع يقاوم التغير.تعكس مشكلة المنتخب السعودي مشكلة مجتمع تطورت باقي المجتمعات وبقي هو عند نقطة معينة ..بقيت ثقافته عند نقطة معينة..بقيت بنيته التحتية عند نقطة معينه.. وبقي كل شيء فيه عند نقطة معينة بينما مضت باقي المجتمعات نحو أفاق أخرى ..وما كرة القدم إلا مقياس واحد من مقاييس كثيرة..غير أننا لا نراها أو لا نحاول أن نراها..ونعالج كل شيء بمبدأ الرمل والنعامة.
والذين يسافرون مثلاً من مطار جدة أو الرياض ثم يهبطون في مطار دبي أو الدوحة أو القاهرة..سيجدون البون الشاسع بين ثقافتين وعالمين وحياتين..احدهما تركه في جدة أو الرياض وآخر يقابله ..حيث يهبط ,وهذا الفريق أو هذا المنتخب هو نتاج هذا المجتمع لا أكثر.
المنتخب السعودي لم يتدن مستواه..ولا الدوري السعودي كذلك ..ولكن ببساطة أن الآخرين تقدموا..وانظروا مثلا إلى منتخبات الأردن وسوريا وعمان.
طبعا ستحل لجان وتشكل لجان آخري (و لكن بنفس الأسماء المكررة) ويبرى كتاب الصحف أقلامهم وقد بدؤوا ..وستأتي أسماء تدريبية كروية أخرى ومن بقي لم يأتي..؟ مَن مِن أشهر مدربي العالم لم تطأ أقدامه ملاعبنا ؟؟ لكن النتيجة لن تكون مختلفة كثيراً..سيجرب كل مدرب نظرياته وما تعلمه من أبجديات الكرة وفي النهاية سيأخذ غلته ويمضي ليأتي آخر وأنك لا تجني من الشوك العنب.
دققوا معي في أفراد المنتخب وهو يلعب الكرة في الملعب..ماذا سترون..؟ سترون أحدى عشر فرداً ضائعاً هناك يطارد الكرة ولا يلعب الكرة ..أحدى عشر فرداً يلعب بقدميه فقط..لكنه يفتقد إلى العناد والى الرؤيا و روح الجماعة والى توقع مكان الكرة المستقبلي ..ولا يميز بين المسافات العرضية والأمامية.. يفتقد المنطق والحس الرياضي.. ينظر فقط تحت قدميه أو حيث الكرة ..لا يمتلك عين الصقر التي تكتشف الملعب كل لحظه..ولا يميز نقاط ضعف خصمه أثناء النزال ..ستجدون أحدى عشر فرداً يلعب على ردود الأفعال وليس الأفعال..فريق يلعب وهو على ثقة من أن العناية الإلهية معه دون الآخر..ودعاء الوالدين مستجاب له دون الآخر ..يلعب على أنه الأخضر والآخرين لا ألوان تكسوهم سترون فريقا يلعب وخلفه مدرب يستصرخ كل شوطي المباراة .
أما إذا أردنا الحديث عن الروح القتالية والوطنية فأين هي في حياتنا بعد أن طمستها الفئوية والمناطقية والمذهبية وحتى ألوان وشعارات الأندية.؟
ولو لعب المنتخب بمجموعة واحدة من ناد واحد لحقق نتائج أفضل لأنه على الأقل سيكون هناك انتماء لشيء واحد على الأقل ..للون وشعار النادي.
وسبق وأن ذكرت في مكان آخر أن إنجازاتنا السابقة تمت بمواهب فردية.. وبضربات حظ نادرة..وهل نسيتم كيف كنا نتأهل..؟ ولكن ساعات الحظ لا تدق مرتين.
وما الحل..هكذا سيسأل أحدكم..؟ أنا لا اعرف ..ولست متفائلاً..لأني أعتدت أن أرى أننا دائما نعالج المرضى ونترك المرض.. نعالج الظواهر ونترك المسببات كما في كل قضايا ولعل علاج الفقر و الإرهاب والسعودة والفساد مثال صارخ على فشل حلولنا ..وعلى سوء اختيار القائمين عليها وعلى التقصير في محاسبتهم.
أزمتنا كبيرة..هي ليست أزمة كرة قدم ..ولكن كرة القدم تعرض تحت الأضواء وعلى فضائيات العالم ..وتباح لها هوامش كبيرة من الكلام المباح.
وهنا أدرك شهريار الصباح ..وكل تصفيات وقلوبكم بخير.
.
