الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
فقد أقبل موسم الحج واقتربت أيامه المباركات جاءت لتكون شاهدة ً بما سيودعها الناس فهناك أقوام سيودعونها بصالحِ العملِ وعظيم ِ القربِ من صلاة وصيام وحج واعتمار وتنافس في الطاعات وتسابق إلى الخيرات ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) ، وأما الآخرون وما أدراك ما الآخرون فيا حسرةً على العباد فأخشى أن تضيع عليهم الفرصة من أيديهم كما ضاعت في مواسم كثيرة الفرصة من أيديهم فلم يرفعوا بها رأساً ولم يعرفوا لها قدراً فاتخذوها هزواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا وظنوا أنهم إلى ربهم لا يرجعون، فإذا مضت عشرُ ذي الحجة ومضى يومُ عرفة ويومُ النحر وأيامُ التشريقِ كما مضت قبل ذلك دهور وأعوام وانصرمت سنون وآجال مضت خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً وعاد الحجاج إلى بلادهم وأوطانهم فهل سيتغير شيءٌ ما في واقعهم وحياتهم ، هل من أثر لهذه المواسم العظيمة والأيام الجليلة على سلوكهم وتصرفاتهم أي ايجابية تحققت على نطاق الفرد والجماعة وعلى مستوى الأمة الوسط التي أختارها الله لتكون شاهدة على الناس يوم يقوم الناس لرب العاملين ، أيها المسلمون أن من أبرز عوامل انحطاط الأمة وتخلفها وضيعتها وشتاتها أنها أمة لا تحسن الاستفادة من شعائر دينها العظيم أمة تغفل بكل برود عن الأسرار المذهلة والحكم العظيمة والفوائد الكبرى لفرائض الإسلام وشعائر الإسلام وقبسات النور التي جاء بها الإسلام ، إنها أمة تتعامل ُ مع شعائر دينها . وفرائض شعائرها وفرائض شرعها بصورة رتيبة مملة ينتابهُا البرود ويغشاها الجمود ويغلفها الذهول والشرود ، وإلا فما معنى أن يتحول الحج في أذهان الكثيرين وفي أحاسيسهم وتصوراتهم إلى مجرد ساحة مترامية الأطراف تسمى المشاعر المقدسة يزدحم فيها أناس كثيرون يؤدون المناسك بكل اندفاع وعجلة دون أن يستشعرا معنى ً لما يفعلون أو مغزىً لما يصنعون ولو تأملت أحاديث الناس في مجالسهم أثناء الحج وبعده لوجدتها لا تكاد تخرج في الجملة عن أعداد الحجيج وكثرتهم وعن الزحام وكثافته وعن الحر وشدته أما أن يتحدثوا عن الحج وآثاره عن الحج ودروسه عن الحج وعبره عن الحج وفوائده ومواعظه وكنوزه فذلك عزيز المنال قد نسى ذكره وأهمل شأنه ولعمرك إن ذلك لهو الحرمان المبين .