قد جاء الوقت الذى نعمل فيه على إحياء تراثنا الطبى العربى لقد قدمت الصين من تراثها الطبى الشعبى أسطورة الإبر الذهبية و نحن نستطيع إذا عكفنا على تراثنا الطبى الإسلامى أن نقدم الكثير .
لقد ظلت أوربا حتى أوائل القرن التاسع عشر لا تعرف إلا الأقرباذين العربى ، و لا تعتمد فى طبها إلا على مخطوطات ابن سينا و الرازى و الزهراوى و ابن النفيس .
و مازالت أوربا تسمى بعض المركبات الكيماوية بأسمائها العربية .. فالطرطير هو ال TARTAR و البورق هو BORIC و الكحول هو ALCOHOL و الشراب هو SIRUP
و كانت الحضارة الإسلامية هى الجامعة التى أخذت عنها أوربا علومها الطبية فى عصورها الوسطى المظلمة .
و قد حاول بعض المستشرقين أن يطمس هذا التاريخ ، فقال إن العرب كانوا مجرد ناقلين و مترجمين عن جالينوس و أبو قراط ، و أن الطب العربى طب منقول عن اليونان و الهند و الفرس و مصر ، و ليس فيه جهد إبداعى – و هو افتراء تكذبه مخطوطات الرازى و ما جاء فيها من تصويبات كثيرة لأبوقراط و جالينوس .
فنرى الرازى يخطىء أبو قراط فى قوله بأن ماء الاستسقاء ascitis يصل إلى الرئة و يسبب السعال ، و يصف هذا الرأى بأنه سمج .. كما يخطئه فى أن هزال الجسم يزيد من رواسب البول و يقول .. هذا رأى خطأ لا يجوز .
كما نرى ابن النفيس يخطىء جالينوس فى زعمه بأن هناك ثقبا بين البطين الأيمن و البطين الأيسر فى القلب و أنهما متصلان و يقول إنه لا اتصال بين البطين الأيمن و الأيسر و إن دم البطين الأيمن و الأيسر لا يمتزجان إلا فى الحالات المرضية .
كما نرى البغدادى يصحح ما زعمه جالينوس من أن الفك الأسفل عظمتان و يقول هما عظمة واحدة .
و معلوم أن ابن النفيس كان أول من اكتشف الدورة الدموية الرئوية الصغرى .
و قد اكتشفها الراهب الإسبانى سرفيتوس بعده بثلاثمائة سنة و نشر وصفا لها فى مجلته الدينية .. فلما بلغت هذه المجلة جون كالفين فى سويسرا استدعاه إلى جنيف و حاكمه و اتهمه بالزندقه و حكم عليه بالحرق .
هذا كان تاريخهم مع علمائهم ، و هذا كان تاريخنا .
بل إن أوربا لم تنهض من كبوتها إلا حينما أخذت بالنظرة الإسلامية إلى العلم .
إن تصحيح هذه الأوهام أمر ضرورى .
.. فأسوأ ما تصاب به أمة أن تكون بلا ذاكرة
