وصايا وتوجيهات بمناسبة العام الدراسي الجديد

بمناسبة العام الدراسي الجديد وصايا وتوجهيات

--------------------------------------------------------------------------------

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
بمناسبة بداية العام الدراسي أجدها فرصة مناسبة للتذكير ببعض الآداب والأخلاق التي ينبغي على كل طالب علم وطالبة أن يتحلى بها، حتى ينتفع بعلمه ويبارك له فيه. وقد تعمدت الاختصار ما أمكن حتى لا تطول المقالة فينسي بعضها بعضاَ.
فأول آداب طالب العلم:
1- تقوى الله في السر والعلانية بفعل ما أمر الله به قدر الاستطاعة واجتناب ما نهى الله عنه, والتقوى والعلم مرتبطان غاية الارتباط وأعني به العلم النافع المثمر لأن مجرد جمع المعلومات ليس بعلم في ميزان الشرع والعالم غير العامل هو جاهل في حقيقة الأمر بل أسوء حالاً من الجاهل.
وقد بين سبحانه وتعالى الترابط بين العلم والتقوى في قوله تعالى { واتقوا الله, ويعلمكم الله } على أحد التفسيرين .
وقال سبحانه {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً} أي يهبكم علماً ونوراً وبصيرة تفرقون به بين الحق والباطل.
وتقوى الله من أعظم أسباب ثبات العلم وزيادته وحصول البركة فيه وفي صاحبه, قال تعالى {والذين اهتدوا زادهم هدى} وقال تعالى { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً. وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً. ولهديناهم صراطاً مستقيماً }
أما من تعلم ثم لم يتق الله ولم يعمل بما علمه الله فويل له ثم ويل له حيث إن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة ومنهم رجل عالم ما تعلم وعلَّم إلا لأجل الدنيا وزهرتها, فلم يرد به وجه الله نسأل الله السلامة.
ومن لم يعمل بعلمه سلب العلم, ومحقت منه بركته, وارتد على عقبيه و كان على خطر عظيم قال تعالى {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه }
فهذا مثال سيئ لطالب العلم الذي انسلخ من هدايات علمه فلم يمش على خطاها ولم يستهد بهداها فخسر الدنيا والآخرة .
وللسلف كلمات كثيرة في هذا الباب ومنها قول علي رضي الله عنه " هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل " وقول بعضهم " من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم, ومن لم يعمل بما علم سلبه الله علم ما كان يعلم "
وهذا الشافعي يجلس بين يدي مالك بن أنس فيتوسم فيه النجابة ويقول له " إن الله عز وجل قد ألقى في قلبك نوراً فلا تطفئه بالمعصية "
فهذا أصل عظيم من أصول التربية العلمية في الإسلام ألا وهو الربط بين العلم والإيمان, والعلم والأخلاق, ربطاً محكماً حتى لا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر.
إن علامة الانتفاع بالعلم تقوى الله عز وجل وليست علامته الحصولَ على الشهادات والوظائف. فما نفع العلم إذا كان لا يحمل صاحبه إلى هداية ولا يمنعه عن ضلاله.
وعلى كل مسلم أن يعي أن علمه إما أن يكون حجة له أو حجة عليه ولا ثالث لهما كما قال صلى الله عليه وسلم " والقرآن حجة لك أو عليك " فإن عملت بعلمك تريد وجه الله تعالى جاء القرآن يحاج عنك حتى يدخلك الجنة بإذن الله, وإن ضيعته وفرطت في حدوده جاء يوم القيامة يخاصمك عند الله ويكشف عن عيوبك وسوءاتك حتى يدُعَّك إلى جهنم والعياذ بالله .
فهذا أول الآداب وأعظمها وكان عند سلفنا في العصور المباركة أمراً بدهياً تعارف عليه الكبار والصغار حتى النساء والأمهات. هذا سفيان الثوري تقول له أمه: اذهب، فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عدة عشرة أحاديث، فانظر هل تجد في نفسك زيادة- تعني في الخير _ فاتبعه، وإلا فلا تتعن.
وقال الحسن: كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وزهده ولسانه وبصره
2- توقيره لمعلمه: وذلك بحسن الإنصات إليه إذا تكلم وحسن السؤال عما يشكل واجتناب ما يسيء إليه من سيئ الأقوال والأفعال وبالدعاء له سراً وجهراً, وكلما نقص أدب الطالب مع معلمه كلما أثر ذلك نقصاً في انتفاعه به. وانظر أخي طالب العلم إلى أدب موسى مع الخضر عليهما السلام كيف تلطف معه في القول حين سأله أن يصحبه ليتعلم منه بعض ما لا يعلم فقال (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً) ولما قال له الخضر(إنك لن تستطيع معي صبراً) قال له (ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً)
وانظر إلى أدب جبريل عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه يسأله عن العلم فجلس بين يديه وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذه ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم.
3- أن يختار الصحبة الطيبة التي تعينه على تقوى الله ومذاكرة العلم والتي تعينه على التحلي بمكارم الأخلاق فتذكره إذا نسي وتعلمه إذا جهل وتقومه إذا مال قال عليه الصلاة والسلام " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل "
4- العناية بالوقت فيستغله فيما ينفعه إذ الوقت أعظم الكنوز وأثمنها فلا يبذله إلا فيما ينفع قال تعالى { بسم اله الرحمن الرحيم. والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} فأقسم الله تعالى بالزمان أن كل إنسان خاسر إلا من اغتنم زمانه بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر عليه .
5- عنايته بكتبه ومذكراته لأنه يعلم أنها كتب علم محترمة فلا يمتهنها بعبث أو تقطيع أو رمي أو بجعلها مقعداً يجلس عليه بل يحافظ عليها وإذا انتهت حاجته منها أعطاها لمن ينتفع بها أو سلمها لمدرسته.
6- محافظته على المنافع العامة ومن ذلك مدرسته وما تشتمل عليه من الخدمات. إنها لو كانت ملكاً لك لما صلح أن تتلفها دون مسوغ لأنه من إضاعة المال والله كره لنا إضاعة المال , فكيف بمن يتلف ما هو منفعة مشتركة له ولغيره من بعده, أيها الطلاب اشكروا الله على ما أنتم فيه حيث تهيأت لكم فرصة التعليم وإن كنتم في بلاد تدرسون بالمجان كانت النعمة عليكم أكبر. وإن عبثكم بها من كفران النعمة وإن كفران النعم من أسباب زوالها قال تعالى {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد }
7- علو الهمة في تحصيل الخير وإذا علت همته وعظم طموحه أورثه جداً ونشاطاً وحرصاً على العمر وبعداً عن سفاسف الأمور فتراه كبيراً على صغر سنه قوياً على طراوة جسده.
وإذا انحطت الهمة وتساوى عنده النجاح والفشل والحمد والذم والقمة والقاع أورثته خساسة الهمة مفاسد عظيمة ومنها إضاعة الزمان في اللهو واللعب والغفلة وكثرة النوم ومساوئ الأخلاق و الاشتغال بحقيرها لا يسعى في إصلاح دين ولا دنيا وبئست تلك الحال من حال.
8- أن يكون أحرص ما يكون على لزوم السنة والحذر من البدعة. والسلامةُ من البدع إنما تكون بعد توفيق الله عز وجل بالتفقه في الدين على أيدي العلماء المعتبرين المعروفين بالرسوخ في علم الكتاب والسنة ومع الرجوع إلى أهل العلم فلا بد أن يصحب أهل السنة أتباع السلف الصالح وأن ينأى بنفسه عن صحبة أهل الأهواء والبدع والحزبيات المقيته والتي انتشرت في هذه العصور المتأخرة حتى لا يكاد يسلم منها بلد .
9- قيامه بما أوجب الله عليه من الحقوق لولاة الأمر وذلك بالسمع والطاعة لهم بالمعروف وبذل النصيحة لهم وعدم ذكرهم إلا بالخير فإن طالب العلم قدوة لغيره.
و قيامه أوجب الله عليه من الحقوق للعلماء الربانيين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون من توقيرهم والدعاء لهم والرجوع إليهم وعدم ذكرهم إلا بالجميل. فقد غلب الهوى في هذا الزمان وقل من يعرف حقوق العلماء والأمراء فحصل بسبب ذلك فساد كبير لا سيما إذا صدر هذا الخل ممن ينتسب إلى العلم ويحسن الناس به الظن.
10- أن يحفظ لسانه و لا سيما في الكلام على مسائل العلم فإن طالب العلم كثيراً ما يسأل فليتذكر أن شأن الفتوى شأن عظيم فإن علم جواب ما يسأل عنه فليجب، وإن لم يعلم فليقل (لا أعلم) ولا حرج عليه في ذلك ولا غضاضة بل الحرج كله أن يقول على الله بغير علم.
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
علي بن يحيى الحدادي
ayh111@maktoob.com