آه من حنيني لقريتي ..
قريتي ..
تلك القرية التي ولدت بين جدران طينها المتداعـي ..
تلك القرية التي كنت قابع فيها بوضعها البدائي ..
قرية لاتختلف عن القرى الاخرى الموجودة في مساحات تلك الدولة التي اموت حبا في انتمائي اليها
فــــآ ه من قريتي ..
وألف آه من حنيني الدئم اليها ..
رغم مافيها من جمال كريه ?..
اه من قريتي التي لازلت اتذكر فيها تلك الليالي المقمرة حينما كان يتناغم صوت القمر مع اشعاعات خيوط النهار تناغما فريدا يشع في نفس الناظر جمالا وخشوعا لايات الجمال الطبيعي المتمثل في روعة الطبيعة وما حولها والكامن في النصف الاخر ..
النصف الاخر الذي يرى جماله طبيعيا دون تلك الالوان والمساحيق التي تجعل الحابل يختلط بالنابل ..
مازلت اتذكر الندى وهو ينساب كنغمات حالمة ممزوجة بنسمات المساء الزاحف من خلف الغيوم ..
مازلت اتذكر اهل قريتي البسطاء بملابسهم المعطرة ( انذاك ) باريج العرق الذي ( كان ) !.. يجعل النحلة تترك الورود وتتبعهم اذا مروا بجوارها..
مازلت اتذكر حكاياتهم البسيطة المعجونة بالخرافة والخيال ..
حكاياتهم التي كانوا يتسامرون بها ليدفعوا حرارة الليل وشقاء النهار ..
مازلت اتذكر اهل قريتي الذين كانوا يحملون بداخلهم ايمانا عجيبا يفيض قناعة بالقدر المقسوم والنصيب المكتوب على الجبين ويرقبون الغد الكامن في رحم الغيب بامل وقناعة بما يحمل ..
مازلت اتذكر بيوت اهل قريتي ..
تلك البيوت المبنية من طين وخشب وقصب ..
فلم يكن يغلق باب ..
ولاينقطع حديث ..
ولاتسكت زقزقات الاطفال ..
الا..
لترفع ضحكة من هنا او تعليق من هناك ..
كل شيء في قريتي كان يبدوا جميلا ..
وكل عين كانت اكثر وضوحا ..
وكل نهار كان اكثر اشراقا ..
كنا نعيش عالم الشارع الواحد والحي الواحد ..
في الادب والسلوك والحديث واللهجة ..
اللهجة ..
اللهجة ..
ياسبحان الله حتى اللهجة تغيرت ..
مازلت اتذكر صوت المؤذن في قريتي يلعلع بالصوت فيعرف الناس ان موعد الصلاة قد حان ..
الان ..
يلعلع الصوت بالمكابرات الصوتية لعلعة ..
ولكن ..
لاحياة لمن تنادي !..
مازلت اتذكر كل هذا ..
وغيرهذا ..
ففي اوقات متقاربة جدا .. بعد ان يبدا الهدوء ياسر المكان في الهزيع الاخير من الليل ..
وبعد ان يعطي لذهني حرية الانفلات من وطاة هذا الزمن المتسربل بالشك والهموم ..
اضع يدي على جبيني واسمح للذكريات ان تنساب متسللة من مكانها دون رقيب ..
فيهتز قلبي وتتنازعني رغبة في مقاومة ذكرياتي .. لكنني لا افلح في كبح جماحها لانها قد تملكت مني .. لانها جزء مني ..
دائما ما استسلم لهذه الذكريات بعد ان اغلق عيني ..
واترك لخيالي التسرب الى ذاكرتي التي تسربت فوقها هوامش النسيان ..
فينقلني خيالي الى زمن ليس بالبعيد ..
وتستولي على مشاعر الحبور ..
واعانق هذه الرغبة ..
رغبة المشتاق ..
واعيد دائما تلك الذكريات التي كانت يوما ما وقعا ملموسا في تلك الايام ..
دائما ما تعتريني الدهشة كلما حملني خيالي الى عوالم الحنين لايام الطفولة ..
اذ ان الطفولة اجمل بكثير من الشباب ..
ففي طفولتي اذكر انني كنت اجلس متاملا عظمة الخالق وروعته في انزال المطر ..
لكن دائما ماكان عالمي الخفي يهجم عل احاسيسي البريئة ( انذاك )
فيدفعني دائما لاتامل ..
سكونه وهيجانه ورعده وبرقه ..
فتتصارعني ..
( رغبتان متناقضتان )
حبه والخوف منه ..
كنت في الصغر اعتقد ان المطر ياتي من السماء كي يداعب وجوه الاطفال الصغار الذين يخرجون الى الشوارع واقفين تحت المطر كما خلقهم الله ..
لكن في الصبا او بالمعني الاصح في مراهقتي المبكرة ترسخ عندي شعور ان المطر ياتي ليغسل ذنوب البشر ويطهرالقرية من اوزارها ..
وكلما زادت الذنوب ..
كلما زاد المطر ..
والمطر دائما ياتي وفيرا هائلا ..
متى ؟..
حينما تغوص القرية في ذنوبها على غير عادة ..
حينما يتحول النضال الى كذب ..
والتقوى الى وسيلة ..
والعفاف الى عهر ..
فكم نحن البشر بحاجة الى المطر ليطهرنا من ذنوبنا واحقادنا وماديتنا البشعة ..
مازلت اتذكر ..
وكلما تذكرت لا استطيع الا ان اهمس لنفسي بصوت هامس..
قائلا ..
( لماذا كل هذا التبدل ) ؟..
فكل شيءفي قريتي قد تبدل وتغير ..
لم تعد قريتي هي تلك القرية الحالمة في حضن الحكايات البسيطة ..
حتى الحكايات حجزتها الاحقاد ..
فلم تعد تمارس عاداتها اليومية !..
فاحلام القرويين فقدت بساطتها وماتت في ظل الهمسات الشيطانية ..
الهمسات الشيطانية التي اتكأت بقوة على المتناقضات وانعدام الثقة والحسد والنميمة والقيل والقال الذي اصبح الوجه الحقيقي لقريتي ..
همسات شيطانية تجعل المرء يشبك اصابعه خلف راسه محدقا في الافق ويسأل من جديد عن مواضع الفتنة والجمال والروعة والبساطة والعفوية التي لم يعد لها مكان في القرية او حتى اثر ..
فالحياة في قريتي اصبحت حياة اخرى ..
حياة اخرى ربما ياتي الحديث عنها لاحقا ..
ربمـــــــــا
تحياتي ..
أبو عمر ..