سراب الشهرة
يلهث الكثيرون خلف بريق الشهرة، ويعقدون الآمال العريضة، ويحدثون أنفسهم بالأماني الكبيرة يوم يصبحون حديث المجالس ومحط أنظار العامة فيشار إليهم بالبنان وتعقد من أجلهم الخناصر .
وما ذلك كله إلا لرقة في الديانة وضعف في العقل، فما الشهرة إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً أو هي كبرق خُلّب سرعان ما ينطفئ ويزول !!
ولو علم اللاهثون خلف الشهرة أن اشتهارهم وذيع صيتهم لن يغني عنهم من الله شيئا، ولن يحقق لهم سوى حظوظ عاجلة سرعان ما تنقضي ويطويها الزمان ويُلفُّها النسيان لتراجعوا عن لهاثهم وركضهم خلف السراب .
إن الشهرة لم تدخل إبليس الجنة وهو يتربع على هرم مشاهير الضلالة, واشتهر في سفهاء العالم فرعون وهامان وقارون فلم يظفروا إلا باللعنات المتتعابات إلى يوم يبعثون !
ولو كانت الشهرة منقبة تتشوق لها النفوس الكريمة لأكرم الله بها سادة الدنيا من الأنبياء والمرسلين الذين بعث منهم ما يزيد على ثلاثمائة رسول، و أكثر من مائة ألف نبي صلى الله عليهم وسلم ورغم ذلك لم يحفظ لنا القرآن سوى أسماء خمسة وعشرين رسولاً لا غير! .
وحج مع النبي صلى الله عليه وسلم ما يربو على مائة ألف صحابي فلم يقدر ابن حجر العسقلاني على قوة حفظ وسعة اطلاعه, ومهارة بحثه أن يجمع لنا في كتابه الإصابة أكثر من ثمانية آلاف صحابي فأين الباقون !
ثم أما علم هؤلاء المساكين أن الشهرة المأمولة والصيت المطلوب لو تحقق فلن يكون سوى فترة من الزمن لا يمكن أن تصمد أمام توالي الأيام وتلاشي بواعث الاشتهار !
هذا كلينتون رئيس أعظم وأقوى دولة في العالم الذي قل أن يمر يوم واحد دون أن يذاع اسمه وتعرض صوره وتنفل مؤتمراته ومؤامراته عبر وسائل الإعلام المتنوعة فأين هو الآن ؟ وأين اسمه ورسمه ؟
لقد كانت أخبار الرئيس الأمريكي تذاع صباحاً ومساءً وصيفاً وشتاءً وكانت وكالات الأنباء ومحطات الأخبار وعدسات المصورين تتسابق إلى نقل صوته الأجش وابتساماته الصفراء وقراراته الرعناء وسمته الممتلئ كبراً وغروراً.
ثم ماذا كان بعد ؟! عاد مواطناً عادياً وفقد كلّ أسباب الجاه والشهرة وينتظر أجله المحتوم ليذهب إلى مزبلة التاريخ !
ولقد اشتهر فنانون ولاعبو كرة ومذيعون ومقدمو برامج أحرقت كاميرات التصوير حواجبهم وجباهم بوميضها الوهاج , وعرفتهم الجماهير وتناقلوا أخبارهم ثم ذهبت الشهرة وتغير الناس فما عاد أحد يعرفهم, وما غدا إنسان يذكرهم, وما ارتفعت شفةٌ عن شفة تسأل عنهم ؟!
فاربعوا على أنفسكم أيها اللاهثون خلف سراب الشهرة والمشاهير فإن الجنة لا تنال إلا بتقوى الله ورضاه، لا بالشهوات الخفية والأماني الغبية , ومن اتقى الله وخافه, وابتغى عفوه ورضاه نال سعادة الدنيا ونعيم الآخرة وجاءته الشهرة وهي تجر أذيالها !!
اللهم عفوك يا كريم !
