-
حمامة المسجد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين أما بعد :
فنحن اليوم إن شاء على موعد مع :
أحد تلامذة مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام .
إنه صورة مشرقة في سماء كتاب إسلامنا الخالد .
إنه الرجل الذي جمع العلم والعبادة حتى قيل فيه " ما كان باب من أبواب العبادة يعجز عنها أحد إلا جمعها حتى إنه طاف بالبيت سباحة لما أصاب مكة مطر قوي .
إنه المجاهد المناضل الذي عاش ومات فارساً حتى إن أول كلمة استطاع نطقها السيف فكان أبداً لا يضع السيف من فمه ويده .
إنه العابد الخاشع حتى كانت الطيور تقف على ظهره إذا ركع تظنه من جماد البيت .
وركع مرة وإلى جانبه رجل يقرأ البقرة فأنهى الرجل البقرة وهو ما زال راكع فكان يمسي حمامة المسجد لطول قيامه
. من هو ؟!
إنه عبد الله بن الزبير _ ولد عام الهجرة فأرخوا الأحداث بعمره .
أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق ، أبوه الزبير بن العوام حواري هذه الأمة ، خالته عائشة بنت الصديق ، جدته صفية بنت عبد المطلب ، تربى في بيت السيدة عائشة فسميت أم عبد الله.
كان أشبه الناس بأبي بكر أسمر ، نحيف ، خفيف اللحم بين عينيه آثار السجود .
كان لا يبارى في ثلاث الشجاعة والعبادة والفصاحة .
نشأ نشأة صالحة بين عبادة وجهاد وعلم واجتمع له شرف الدنيا والآخرة فأهله خير خلق الله ومن السابقين للإسلام .
أبي الإسلام لا أبا لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
كانت ولادته فتحاً :
فقد أشاع اليهود قبل ولادته خبر انقطاع نسل المسلمين لأنه كلما ولد في المدينة ولد مات فتبقى الإناث ويموت الذكور وخاف المسلمون حتى هاجرت أسماء إلى المدينة وكانت حاملاً وشاء الله أن تلد في المدينة ففرح المسلمون وحمله جده أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مظاهرة مع جماعة من المسلمين يطوفون المدينة ويكبرون ويقولون : أخزى الله اليهود ، حتى دخلوا على الرسول فوضعه في حضنه وحنكه فكان أول ما دخل جوفه ريق النبي ثم أذن أبو بكر في أذنه فكان أول ما دخل سمعه الأذان والشهادتان .
تربى على معاني الجهاد والشجاعة :
فكانت تذكر له بطولات أبيه الزبير ، فقد كان والده من أشجع الفرسان وما أكثر ما تحمل جسده من آثار حرب السيوف والرماح وعندما كان الوالد يلاعب ولده إذا بحفرة من أثر ضربة بين كتفي الأب فكان عبد الله يضع يده فيها وعمره سنتان .
كان والده صاحب سيف طويل وكان الوحيد من المسلمين مع خالد بن الوليد الذي يستطيع أن يقاتل بسيفين باليمين والشمال ويحرك الفرس برجله .
كان في إحدى المعارك رجل قام على المسلمين فقتل فيهم يمنة ويسرة فقال عليه السلام للمسلمين ( من لي بهذا ) فقام الزبير وقال : أنا يا رسول الله ثم أخذ سيف وركب فرسه وأخذ يدور على صاحب الجمل حتى إذا حانت الفرصة قفز من فرسه على جمل الرجل فأرداه قتيلاً ، فقال عليه السلام : ( لكل نبي حواري وحواري الزبير ) .
وفي الأحزاب لما حفر المسلمين الخندق فاخترق أحد المشركين فلحقه الزبير وضربه بالسيف فشطره شطرين حتى وصل السيف لظهر الفرس .
ينشأ عبد الله نشأة الأبطال الذي غرست في نفوسهم معاني الشجاعة والجهاد والإقدام وخوض المعارك دون تردد .
عبد الله يبايع الرسول عليه السلام :
كان عمره سبع سنوات عندما نادى فتيان الحي وقال لهم : لماذا لا نبايع الرسول عليه السلام كما يبايعه الكبار وفوجئ كبار الصحابة بجمهرة من الأطفال يقودهم عبد الله بن الزبير حتى وصلوا للرسول عليه السلام فقال : ( ما وراءكم ) قال عبد الله : جئنا نبايعك كما بايعك الرجال فبسط الرسول عليه السلام يده وبايعه ، ثم قال عليه السلام : ( هذا ابن أبيه ) .
الرسول عليه السلام يحتجم :
احتجم الرسول فلما فرغ قال لعبد الله : اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد فلما ذهب شربه ، فلما رجع قال : ما صنعت بالدم ، قال : عمدت إلى أخفى موضع فجعلته فيه ، قال : لعلك شربته قال : نعم ، قال : ( ويل للناس منك وويل لك من الناس ) فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم .
أحبك لا تفسير عندي بصبوتي أفسر ماذا والهوى لا يفسر
عبادته ( حمامة المسجد ) :
ما كان ينافسه أحد في العبادة .
وقد أصاب الكعبة يوماً سيل منع الناس من الطواف إلا عبد الله فقد طاف ولما وصل الحجر غطس فقبله ثم رجع .
ابن المنكدر يقول : لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن شجرة .
ويقول آخر : ما رأيت أحسن صلاة منه حتى كأنه عود من الخشوع .
ركع مرة وإلى جانبه مسلم يقول مسلم : فقرأت البقرة وآل عمران والنساء وما رفع رأسه .
قيل إنه كان يحيي ليله كله فمرة ساجداً ومرة راكعاً ومرة قائماً يقرأ .
تقول عنه أسماء رضي الله عنها : كان صوَّاماً قوَّاماً حتى سُمي حمامة المسجد أخذ العلم من عائشة أفقه المدينة .
شجاعته وجهاده :
في معركة مؤتة كان عمره 6 سنوات وفي مؤتة قتل زيد وجعفر وبن رواحه فتسلم خالد القيادة وقام بأفضل عملية انسحاب في التاريخ دون أن يخسر رجلاً واحداً .
كان شجاعاً لا يهاب أحداً مرّ به عمر يوماً وهو مع الأطفال فهرب الأطفال لما رأوا عمر وهو واقف ما حرك ساكناً فقال له : ما منعك ألا تذهب مع الأطفال ، قال : لم أجرم فأخافك ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك .
في قتال المسلمين مع الروم شارك عبد الله وكان صغيراً وكان الروم 250 ألف فأحب الزبير والده أن يحمس الجيش فنادى : من يبايع على الموت فخرجت مع كتيبة قاتلت حتى فنيت كلها ثم عاد هو ينادي من يبايع على الموت وهكذا وفي الثالثة ما خرج معه أحد فأخذ ولده عبد الله وجعله معه على الفرس يحرك له الفرس وهو يقاتل بسيفين وهجم على الأعداء واخترق صفوفهم وخرج من الناحية الأخرى .
وكان ملك الروم قد أذاع من يأت برأس قائد المسلمين فله 100000 ويزوجه ابنته فكان قائد المسلمين في الخلف فقال : ادع من المسلمين من يأت برأس ملك الروم فله نفس الثمن وكان القتال يبدأ في أول النهار إلى الظهر ويتوقف الفريقان للراحة والاستعداد فأشار عبد الله بن الزبير أن اجعل كتيبة ترتاح من الصباح إلى الظهر فإذا توقف الفريقان في الظهر هجمت الكتيبة المرتاحة فترهقهم .
وينطلق عبد الله بن الزبير نحوهم واخترق الروم ودخل الخيمة والروم يعتقدون أنه رسول فيفسحون له الطريق حتى وصل للرجل فقتله ثم أخذ يضرب منهم يمنة ويسرة وعاد للمسلمين سليماً فقالوا : هذا ابن أبيه .
كان عبد الله بن الزبير يخوض معارك مع الحجاج بن يوسف الثقفي الذي نصب المنجنيق ورمى به البيت الحرام وضع عنهم الطعام وهجم عبد الله على قتاله مع أن أنصاره قد تخلوا عنه فدخل على أمه وسلم عليها : السلام عليك يا أماه ، قالت : ما الذي أقدمك في هذه الساعة؟ فقال : أستشيرك ، قالت : في ماذا ؟ فقال : خذلني الناس وخافوا من الحجاج ،
قالت : الشأن شأنك ، إن كنت ترى أنك على الحق فاصبر وجالد كما جالد أصحابك وإن كنت تريد الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت رجالك ، قال لها : يا أماه إني مقتول ، قالت : ذلك خير من أن تعطيهم رأسك يلعب به صبيانهم ، قال : إنما أخشى المثلة ولا أخشى الموت ، قالت :
إن الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها ، قال : بوركتِ من أم ما جئت إلا لأسمع كلامك علم الله أني ما وهنت وما ضعفت وما أحببت الدنيا إنما غضباً لله أن تستباح محارمه كوني على ثقة أني ما تعمدت منكراً قط ولم أغدر قط ولم يكن شئ آثر عندي من رضى الله ، قالت : الحمد لله الذي جعلك على ما يحب وأحب ، اقترب مني يا بني أتحسسك فاقترب فقبلته ثم أخذت تتحسس جسده فمست درعه ، فقالت : ما هذا ؟ ،
قال : درعي ، قالت : ما هذا لباس من أراد الشهادة انزعها عنك فهو أشد لوثبتك والبس سراويل لئلا تتكشف ، قال : أمه ما لبستها إلا لتطمئني وإني نازعه ، فودعها وهي تقول : اللهم ارحم طول قيامه وشدة نحيبه وسط الليل وارحم جوعه وظمأه في هواجر مكة والمدينة ، اللهم إني أسلمته لأمرك ورضيت له فأثبني عليه ثواب الصابرين .
وخرج فقاتل الحجاج كأحسن ما يكون القتال .
منقول للفائدة
اللهم أجعلني من حمائم المسجد
