أسباب ضعف الإيمان
أعز ما يملكه الإنسان في الحياة هو دينه وإيمانه بربه عز وجل، وإن إيمان المرء بربه وخالقه وتصديقه بوعده ووعيده وامتثال أمره واجتناب نهيه بطاعته سبحانه وطاعته سبحانه وطاعة رسوله هذا الإيمان هو الذي تحصل به السعادة في الدنيا والنجاة والفلاح يوم القيامة وبقدر ما يقدم الإنسان من إيمان وعمل صالح تكون سعادته في الدنيا، ونجاته وفلاحه يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:97].
ولقد وعد الله المؤمنين الصادقين بأمور كثيرة يحصلون عليها في الدنيا قبل الآخرة من الهداية والتوفيق للحق والرزق الطيب، وحصول النصر على الأعداء وعدم تسليط الكفار عليهم وتكفل الله بالدفاع عنهم والتمكين لهم واستخلافهم في الأرض وغير ذلك من الأمور، فالإيمان إذا هو سبب للسعادة والفوز والنجاح في الدنيا والآخرة.. فأين نحن من الإيمان؟ وهل نحن متحققون به أم لا ؟
لا شك أيها المسلمون أن الإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وقد ابتلى كثير من المسلمين اليوم بأنواع من الذنوب والمعاصي التي تنقص الإيمان وتضعفه، وقد تذهب به والعياذ بالله.
ومن الملاحظ أن كثيراً من ثمار الإيمان التي وعدنا الله بها قد اختفت من حياتنا إلا ما شاء الله فلا عزة ولا نصر ولا استخلاف ولا رزق طيب ولا سعادة، وما ذلك إلا بسبب ضعف الإيمان وغيابه من حياة الكثير من الناس حتى أصبحت ظاهرة ضعف الإيمان ظاهرة عامة بين المسلمين، وهناك أسباب ومظاهر وأعراض تضعف الإيمان وتذهب به نذكر بعضاً من تلك الأسباب والمظاهر حتى نعمل على التخلص منها وتلافيها ومن تلك الأسباب كثرة الوقوع في الذنوب والمعاصي وارتكاب المحرمات مما يؤدي إلى جعلها عادة مألوفة حتى يزول قبحها من القلب، فيغدوا المرء إلى معصية الله يرتكبها ولا يشعر بقبحها ومرارتها، وحتى يصل به الحال إلى المجاهرة بالمعصية والافتخار بها، فيضيف الإنسان إلى معصيته معصية أخرى، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله تعالى فيقول: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله" (1) ومن أسباب ضعف الإيمان قساوة القلب وخشونته حتى يحس الإنسان أن قلبه قد انقلب حجراً صلداً لا يتأثر بموعظة ولا يبالي بنصيحة، ولا يتحرك قلبه لسماع آيات الله حين تتلى عليه، يرى الموت يحصد الناس كباراً وصغاراً ذكوراً وإناثاً يرى الجنائز تحمل أمام عينيه، وربما حمل الجنازة بنفسه وواراها بالتراب فلا يخشع له قلب ولا تدمع له عين يسير بين القبور كما يسير بين الحجارة الكل عنده سواء نعوذ بالله من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع.
ومن مظاهر ضعف الإيمان شرود الذهن أثناء الصلوات وتلاوة القرآن والدعاء، وعدم التدبر والتذكر، يقوم أحدنا إلى الصلاة وقلبه يجول في أودية الأفكار والأماني الدنيوية، نرفع أكفنا بالدعاء وقلوبنا ساهية لاهية، والله يريد منا أن ندعوه بقلوب حاضرة، موقنة بأنه سبحانه يسمع دعاءها ويستجيب لها كما جاء في الترمذي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه "(2).
ومن أسباب ومظاهر ضعف الإيمان التكاسل عن العبادات والطاعات والتسويف في فعلها وإضاعتها وإذا أداها فإنما يؤديها حركات جوفاء لا روح فيها ولا حياة وقد ذم الله المنافقين بقوله: ﴿ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [النساء: 142]، ومن ذلك عدم الاكتراث بمواسم الخيرات وأوقات العبادات كالذي يتأخر عن صلاة الجمعة مثلاً لا يحضر إلا بعد دخول الإمام، وربما يحضر بعد مضي الخطبة وقد يأتي متأخراً يتخطى رقاب الناس ويؤذيهم، والبعض من الناس يحضرون إلى الجمعة وقلوبهم غافلة لاهية يستغلون بالحديث والكلام والإمام يخطب وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد التحذير وبين غاية البيان وأبطل جمعة عن الخطبة بالأقوال أو الأفعال فقال صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الصحيح، عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت"(3).
وفي حديث آخر: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له أنصت ليس له جمعة" (4)ومن أعراض ضعف الإيمان عدم التأثر بآيات القرآن لا بوعده ولا بوعيده ولا بأمره ولا نهبه، فضعيف الإيمان يمل ويضيق من سماع القرآن، ويأنس لسماع اللهو والباطل.
ومن أعراض ضعف الإيمان عدم الغضب إذا انتهكت محارم الله عز وجل، لأن لهيب الغيرة في القلب قد انطفأ فتعطلت الجوارح عن الإنكار، فلا يأمر صاحبه بمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يتمعر وجهه غضباً لله عز وجل في حين أنه لو انتقص من قدرة أو انتقضت عشيرته وقبيلته بسوء لأوعد وتهدد وأرغى وأزبد فالله أحق أن يغضب لأجل حرمانه، وسبب عدم الغضب لحرمان الله هو أن الذنوب قد أشربت في قلبه حتى أصبحت شيئاً اعتيادياً، بالإضافة إلى ضعف الوازع الديني لديه وهذا من الفتن العظيمة والعياذ بالله كما جاء في الحدث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه" (5) فهذا الشخص أزال من قلبه حب المعروف وكراهية المنكر واستوت عنده الأمور، فما الذي يدفعه إلى الأمر أو النهي؟! نعوذ بالله من الضلالة والخذلان.
ومن أسباب وأعراض ضعف الإيمان: الشيح والبخل، ولقد مدح الله الأنصار في كتابه وأمنن عليهم فقال: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر:9].
ولا شك أن ضعف الإيمان يولد الشح والبخل، إن صاحب الإيمان الضعيف لا يكاد يخرج شيئاً لله لو دعى داعي الجهاد والإنفاق وظهرت فاقة إخوانه وصلت بهم المصائب والمحن بقول الله عز وجل: ﴿ هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد:38].
ومن أسباب ضعف الإيمان السرور والغبطة بما يصيب المسلمين من فشل أو خسارة أو مصيبة أو زوال نعمة، أما إذا فرح باستيلاء الكافرين على بلاد المسلمين فإن ذلك يدل على ذهاب الإيمان وفقدانه والعياذ بالله ، فيا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين!
وإن من أسباب ضعف الإيمان وضموره في حياتنا وذواتنا الإعراض عن تعلم العلم والتشاغل عن طلبه وتحصيله فكانت ثمرة ذلك هو هذا الإيمان الصوري الذي أخذناه تقليداً وورثناه عن الآباء والأجداد كما نرث الدور والأثاث والعقار ندعي الإيمان بأقوالنا وننقضه بأقوالنا وأعمالنا، فخدعنا بذلك أنفسنا وعاملنا الله بما نستحقه، وسلط علينا بذنوبنا لا من لا يخافه ولا يرحمنا، وضربت علينا الذلة والصغار وطمع فينا أحقر الأمم وأذل الخلق فجاسوا خلال الديار وقتلوا النساء والشيوخ والأطفال ونشروا الكفر والانحلال والفساد، ويتساءل الناس كيف حصل هذا ولماذا يتسلط الكفار على المسلمين ، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ [النساء:141]، والجواب ببساطة هو أننا نحمل إيماناً تقليداً، إيماناً صورياً، بل لقد نزلنا من درجة الإيمان إلى درجة الإسلام وحتى شعائر الإسلام التي لا يكون المسلم مسلماً إلا بها قد تركها الجم الغفير ممن يدعون الإسلام، هذه الصلاة التي هي الركن الأعظم بعد الشهادتين والتي لا يصح إسلام شخص إلا بها قد تركها وتخلى عنها الكثير، عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة . فمن تركها فقد كفر " (6)، وحين نبحث عن هذه الأسباب نجد سببها الأكبر هو الجهل بدين الله وعدم معرفتنا بربنا معرفة حقيقية فلابد إذاً من طلب العلم وتعلمه وتخصيص أوقات في حياتنا لتعلم ديننا، لكي نقوي إيماننا ونحظى بمعية الله وتوفيقه ونصره وهدايته وعونه سبحانه، فالعلم أيها المؤمنون تركة الأنبياء وتراثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر وشفاء الصدور، العلم دليل المتحيرين، وهو الميزان الذي توزن به الأقوال والأعمال والأحوال، وهو الحاكم الذي يفرق بين الشك واليقين، والغي والرشاد والهدى والضلال، به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحد، ويحمد ويمجد، بالعلم تعرف الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام، وتوصل به الأرحام، وبه يعرف مراض العصيان، هذا العلم علم الكتاب والسنة، علم الوحي ، مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد ، وطلبه فريضة وقربة، وبذله صدقة، ومدارسته تعدل بالصيام والقيام، والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام، ومع أهمية هذا العلم وضرورته زهدنا فيه وأعرضنا عنه وانشغلنا بأمور كثيرة عنه فجهلنا فوق جهل الجاهلينا، وكنا كالعيس يقلتها الضمأ والماء فوق ظهورها محمول.
ولقد أدرك أعداء الإسلام من اليهود والنصارى أن سبب قوة المسلمين وعزتهم يكمن في إيمانهم وتمسكهم بدينهم فعملوا بكل الوسائل منذ قرون على إبعاد المسلمين عن تعلم دينهم وسنوا غارة على معاقل العلم ودوره ومؤسساته في العالم الإسلامي طولاً وعرضاً، وهذه الحملة اليوم التي يشنها اليهود والصهاينة من الأمريكان على جامعات العلوم الشرعية والمعاهد والمدارس التي تدرس القرآن والإسلام وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام ليست جديدة إنها سياسة قديمة استخدمها المستعمرون في ديار الإسلام أثناء احتلالهم للعالم الإسلامي، وسنوا القوانين التي تحد من التعليم الإسلامي ووضعوا العراقيل الكثيرة في طريقه، وحددوا مساحات ومواضيع مختارة لمن يريد أن يتعلم العلم الشرعي أو يعلمه بمواصفات ومقاييس استعمارية، ولنضرب على ذلك مثلاً بهولندا هذا البلد الصغير الذي استعمر أكبر بلد إسلامي، وهو أندونيسيا وما جاورها، فقد أصدرت هذه الدولة الاستعمارية سنة 1925م قانوناً منعت بموجبه التعليم الإسلامي إلا بشروط وضوابط ومما جاء في ذلك القانون أن من يريد أن يعلم العلوم الإسلامية فعليه أن يرفع ذلك إلى الحكومة الهولندية ويبين مقاصده من التعليم.
وعليه أن يحصر أسماء الدارسين ويشرح أحوالهم وأن لا يلقى عليهم شيئاً إلا بعد مصادقة الحكومة عليه.
وتقوم لجان من الحكومة الهولندية لمراقبة وتفقد تلك المدارس ليتأكدوا هل قال المدرس للتلاميذ شيئاً غير ما حددته الحكومة وصادقت عليه، ولهم أن يدخلوا متى شاءوا إلى المدارس والأقسام الداخلية للطلاب وإذا رأت الحكومة أن التعليم مخالف لما حددته فإنها توقف هذا النوع من التعليم.
ومن بنود ذلك القانون: تسجن الحكومة وتغرم كل من ارتكب الأعمال الآتية:
- من يعلم العلوم الإسلامية بغير إذن من الحكومة .
- من يقدم للحكومة تعريفات كاذبة بشأن تعليمه.
- من يتهاون في تقديم التقارير المطلوبة.
هذه هي سياق المستعمرين المجرمين.. ولكن الله تعالى تكفل بحفظ دينه وكتابه فقد باءت كل المحاولات بالخسران والفشل وظل المسلمون يتعلمون دينهم ويعلمونه لأولادهم وبناتهم سرا وجهراً ويبذلون من أموالهم بسخاء في هذا السبيل وها هي محاولات المستعمرين الجدد تستأنف لضرب الإسلام في عقيدته وشريعته وتعلن غارة شعواء على معاقل العلم الشرعي ومؤسساته؛ لأن ذلك هو الطريق لإضعاف المسلمين وتجهيلهم بدينهم، إن الإسلام هو الذي يمد المسلمين بالحيوية والطاقة والعزة والكرامة ويحبب إليهم الجهاد والاستشهاد ومقاومة الظلم والطغيان ويدفعهم دفعاً لحماية الدين والأعراض والأموال والأوطان فاحرصوا أيها المؤمنون على تعلم العلم وتعليمه، واحيوا مساجدكم ومجالسكم بمذاكراته وتفهيمه واعلموا أن الله ناصر دينه ومعل كلمته ومحيط بكيد الكافرين فقد قال جل وعلا : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ﴾ [الفتح:28 ]، وقال سبحانه: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [ الصف:8، 9].
