-
قبل أن تزيغ القلوب
::
قبل أن تزيغ القلوب
أخي المسلم .. أختي المسلمة
إن من أعظم نعم الله علينا أن هدانا للإيمان ، فله الحمد وله الثناء الحسن على أن دلنا على هذا الطريق ، وقرنا منه ، وأبعد غيرنا ، ورزقنا الهداية بمبعث محمد – صلى الله عليه وسلم – وحرم غيرنا..
فلا إله إلا الله كم لدعوته من أثر ! ولا إله إلا الله كم لرسالته من نفع ! ومن اعتقد أنه سوف يهتدي بُهدى غير هدى الله الذي أرسل به محمد – صلى الله عليه وسلم – فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ، ولا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيه ، وله عذاب أليم..
فقد صح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " مثل مابثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث " أخرجه البخاري ومسلم . وصح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " والذي نفس محمد بيدهـ لا يسمع بي أحد من هذهـ الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار " رواهـ مسلم وأحمد . ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدا ﴾ ( مريم : 96 ) . ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) ( الكهف : 30 ) . فما أحوجنا إلى الإيمان وما أفقرنا إلى الهداية..
فقد كنا قبل مبعث محمد – صلى الله عليه وسلم – أمة لا تاريخ لها ، ولا نور ، ولا برهان حتى بعث الله عز وجل محمداً – صلى الله عليه وسلم – . ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) ( الجمعة : 2 ) . أمة كانت تعبد الوثن ، أمة كانت تسجد للصنم ، أمة كانت تشرب الخمر ، وتزاول الزنا والفاحشة ، فلا مبادئ لها ، ولا قيم ، ولا سلوك ، ولا نظام..
لكي يحافظ الإنسان المسلم على الإيمان الذي مَن الله تعالى عليه به لا بد له من أسباب رئيسة ، وهذهـ الأسباب :
1- المحافظة على الفرائض وأعظمها الصلاة :
﴿ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا ﴾ ( النساء : 103 ) . فأول ما نبدأ بالصلاة ، وأول ما يُفقد من الدين الصلاة ، ولذلك يقول – صلى الله عليه وسلم – فيما صح عنه : " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " . أخرجه مسلم . وقال – صلى الله عليه وسلم – : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " . أخرجه أحمد والترمذي .
فالصلاة في وقتها تدل على صدق العبد مع ربه ، وتجديد الإقرار لله بالوحدانية . كتب عمر إلى سعد – رضي الله عنهما – وهو في القادسية " يا سعد : الله.. الله.. الله.. في الصلاة ، فإن أخوف ما أخاف عليكم ترك الصلاة " . فإذا تركت الصلاة فهو الانهزام بعينه ، وإذا تركت الصلاة فهو الفشل ، وإذا تركت الصلاة كان الجنوح إلى الزنا ، والربا ، والخمر ، والإلحاد ، والخروج عن القيم..
ولذلك عرف السلف الصلاة فقدروها حق قدرها ، فقد حضرت الوفاة سعيد بن المسيب سيد التابعين فبكت ابنته عند رأسه فقال : يا بنتي لا تبكي علي ، والله ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد . وقال الأعمش العابد الزاهد الكبير لابنته : والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة أربعين سنة . إن مصداقية التمثل بهذا الدين هي في الصلوات الخمس . ولذلك قال عامر بن عبدالله بين الزبير : يارب أسألك الميتة الحسنة ، قالوا : ماهي الميتة الحسنة ؟ قال : أن يتوفاني ربي وأنا ساجد ، فاستجاب الله له فقبض روحه وهو ساجد ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) ( العنكبوت : 69 ) . وإيمان ليس فيه صلاة بخشوع ليس بإيمان . فمن علامات النفاق : ترك الصلاة في جماعة ، حتى قال ابن مسعود : كنا وما يتخلف عن الصلاة إل منافق معلوم نفاقه..
ما ضاعت فلسطين إلا بضعف الإيمان ، وما دمرت بلاد المسلمين إلا بضياع الإيمان . ولذلك كله لا نلوم إلا أنفسنا ، ونلوم ما نحمله في قلوبنا من برود ، وسلبية لهذا الدين..
2- التفكر في آلاء الله :
فمن أسباب المحافظة على الإيمان ، عند أهل العلم وأهل الفضل : التفكر في آلاء الله ، والتفكر في آيات الله الكونية ، والتدبر في آيات الله الشرعية ، فكل شيء من الكون يدلك على الله ، ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت ) ( الغاشية : 17-20 ) .
وينق بعض الدعاة عن عالم من علماء أمريكا ، يقول : من دل النحلة على خليتها إذا فارقتها ، أعندها هوائي ؟ قال : بل علمها الذي علم كل شيء ، ( الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان ) ( الرحمن : 1-4 ) . فالذي علم النحلة هو الله جل في علاهـ ، ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ) ( النحل : 68 ) . فهو المعلم سبحانه ، وآياته تشهد بوحدانيته . فمما يربي الإيمان ، ومراقبة الواحد الديان ، واستظهار عظمة الله والخوف من الله : التفكر في آيات الله..
نقل ابن كثير في تفسير قوله تعالى ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ) ( البقرة : 21 ) ، عن الإمام مالك أن هارون الرشيد سأله : ما دليل قدرة الواحد الأحد ؟ قال : اختلاف الأصوات وتعدد اللهجات واختلاف النغمات ، تدل على فاطر الأرض والسماوات .
إنه الله الذي خلق كل شيء وقدرهـ تقديراً ، ولذلك فإن عقيدة المسلم تزيد وتربو بما يرى ويشاهد من آيات الله البينات ولذلك وجب علينا أن نتفكر في آيات الله الواحد الأحد..
3- النوافل :
أن تكون عبداً لله وليست العبودية كما تقول المرجئة : إيمان يُكن في القلب وتصديق ومعرفة فقط ، فهذا قد يوجد عند فرعون وقارون وهامان ! الإيمان : صلاة ونافلة ، والإيمان : دعاء وبكاء ، والإيمان : توجه وتبتل إلى الحي القيوم . في صحيح " مسلم " من حديث ربيعة بن مالك الأسلمي قال : يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة . قال : " أو غير ذلك ؟ " قال : هو ذاك ، قال : " فأعني على نفسك بكثرة السجود " . رواهـ مسلم . فطريق الجنة مفروش بالنوافل..
وفي " صحيح البخاري " يقول – صلى الله عليه وسلم – يقول الله عز وجل : " ما تقرب إلى عبدي بأحسن مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصرهـ الذي يبصر به " أخرجه البخاري . أما السابق فله نوافل وله أذكار وأنفاسه تسبيح وله توجه للحي القيوم . ألا إن أعظم ما يحفظ الإيمان : النوافل ، ألا إن مصداقية المؤمن تكمن في النوافل ، ألا إن كثرة السجود والنوافل وقراءة القرآن سياجات وخطوات أمامية للدفاع عن الإيمان . وإني لأدعوا نفسي وكل مسلم للتقرب من الله بالنوافل فإن في ذلك حلاً لمشاكلنا الإيمانية والأخلاقية ، وهي كذلك حل لكل مشكلة تعترضنا وتقف في سبيل رُقينا وتقدمنا . فلا حياة لنا إلا بالإيمان وضرورته أهم من ضرورة الماء والهواء ، ففقدان الماء والهواء يترتب عليه الهلاك والموت ، وأما فقدان الإيمان فهو الموت المحقق في الدنيا والآخرة . وإذا ما حافظ الإنسان المسلم على إيمانه فإنه يجد لتلك المحافظة على الإيمان ثمرات هنية ينتفع بها في دنياهـ وآخرته..
الثمرة الأولى – الحياة الطيبة :
( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا ما كانوا يعملون ) ( النحل : 97 ) . قال أحد الصالحين بعد ما تاب ورجع إلى الله : لقد ذقت كل شيء فما وجدت كالتقوى . وقال إبراهيم بن أدهم وهو مؤمن صالح مُقبل على الله : نحن في عيش لو علمه الملوك لجالدونا عليه بالسيوف .
العيش مع الله عز وجل هو بمثابة السعادة الكاملة بالإيمان ، الذي جعل بعض الصحابة يرى الذهب تراباّ لا قيمة له ويرى القصور كأنها ثكنات من صخور ويرى المناصب كأنها لا شيء فإن مثل هذا بإيمانه وإقباله على الله قد استكمل الإيمان..
الثمرة الثانية – الفوز بالجنة والنجاة من النار :
فأمر النار عظيم ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ( آل عمران : 185 ) .
عن جابر قال : لقيني رسول الله فقال : " يا جابر مالي أراك منكسراً " قلت : استشهد أبي وترك عيالاً وديناً . قال : " أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك " قلت : بلى يا رسول الله ، قال : " ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب وأحيي أباك فكلمه كفاحاً ، قال : يا عبدي تمن علي أعطك ، قال : يارب ، تحييني فأقتل فيك ثانية ، قال الرب تبارك وتعالى : إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون ، نزلت : ﴿ و لا تحسبن الذين قًتلوا في سبيل الله أمواتاً............ ﴾ " أخرجه الترمذي وابن ماجه .
الثمرة الثالثة – الجنة :
إنك إذا بُخست حقاً من الحقوق أو حُرمت طعاماً أو لم تحصل على منصب أو لم تُحصل مالاً فاعلم ان الجنة تنتظرك ؛ لأنك بصبرك هذا قد صدقت مع الله..
الثمرة الرابعة – حفظ الله للعبد :
هذا حديث يجب على كل مسلم ومسلمة أن يحفظه لأهميته الكبرى في الاعتقاد والعمل والسلوك . عن الترمذي ، وأحمد من حديث عباس : أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال له : " يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجدهـ تجاهك ، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فأسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف " . أخرجه الترمذي..
قال بعض السلف : والله ، إن الله يحفظ العبد الصالح في أهله وفي ماله وفي دُويرة أهله ، ومن ضيع الله ضيعه الله ، سنة من سنن الله الكونية والأمرية الشرعية : أن من ضيع الله في أوامرهـ ضيعه الله في مستقبله وفي عمله وحياته كلها وبعد مماته ، ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذُكروا به ) ( المائدة : 13 )..
وأخيـراً هناك ثلاث نصائح لا بد من الاستفادة منها :
1- الوصية الأولى :
الحرص على العلم الشرعي ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) ( محمد : 19 )..
العلم : قال الله ، وقال رسوله ، والتحصيل لمعرفة مصدر التلقي عندنا أساس عظمتنا وأين حبلنا الممدود من السماء إلى الأرض ؟ الكتاب والسنة أساس رقينا..
2- الوصية الثانية :
نبذ الخلاف وعدم التهويش وإطاعة الشيطان في التحريش ، فإن هذا من الأمراض التي هُدم به كياننا وضربت به أمتنا ضربة ما بعدها ضربة ، وأن نتآلف ونتقارب وننسى الجفاء ونستبعد الكلمة الغليظة بالكلمة السهلة اللينة التي تؤلف القلوب وتحبب النفوس وتجمع الشمل..
3- الوصية الثالثة :
أن نتنبه للأخطار المحدقة ، نعلم الواقع والمؤامرات التي تحاك ضد الأمة الإسلامية ؛ لأننا ما أوتينا إلا من عُقر دارنا وما ابتلينا إلا بذنوبنا وخطايانا ، ويوم نسدد ونُجدد مسيرتنا مع الله ونحفظ الله يحفظنا ويرعانا ويهدينا . ﴿ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب ﴾ ( آل عمران : 8 ) ..
ربنا كفر عنا سيئاتنا وتقبل منا أحسن ما عملنا في أصحاب الجنة ، وعد الصدق الذي وعدته لعبادك المؤمنين الصالحين..
هذهـ بعض الأمور التي أراها نافعة لكل مسلم ومسلمة للحفاظ على دينه وخُلقه ، وعلى الإيمان الذي هو أعظم نعمة من الله على الإنسان..
راجياً منه سبحانه وتعالى أن ينفع بهذا العمل المتواضع ، أملاً منه سبحانه أن يجعله في ميزان حسناتنا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وأله وصحبه أجمعين..
بقلم : فضيلة الشيخ / عائض عبدالله القرني
-
رد: قبل أن تزيغ القلوب
اسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين الثبات في الدنيا والاخره
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم ارزقنا الثبات
بارك الله فيك اختي روعة خيال على النقل الرائع
-
رد: قبل أن تزيغ القلوب
أسير الليالي
لك وافر الشكر
-
رد: قبل أن تزيغ القلوب
نقل رائع
جزاكِ الله خيراً ونفع بك
روعة/لكِ شكري
-
رد: قبل أن تزيغ القلوب
عجاج أبو الليل
أشكر لك حضورك
-
رد: قبل أن تزيغ القلوب
كلمات رائعة
جزاك الله خيرا
-
رد: قبل أن تزيغ القلوب
نصائح روحانية من شيخ الدعوة ..
دكتورنا الغالي عائض القرني..
وصايا في قمّة الروعة..
شكراً روعة خيال..
دمت والود