رمضان ·· ميدان للمنافسة
باقي خمسة عشر يوم عن قدوم رمضان، نسأل الله أن يجعلنا ممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً فلنجعل رمضان هذه السنة مختلفاً عن رمضان الأعوام الماضية، فلنبادر بالتوبة والاستغفار، وبكثرة الطاعات، فلربما يكون هذا آخر رمضان نصومه، ولعل في هذا التحقيق ما نستفيد منه، وما كتبته إلا من باب، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (55) [الذاريات] فإلى التحقيق:
الرفقة الصالحة
* كيف يكون رمضان فرصة للتغيير؟
- وجود الرفقة الصالحة: في رمضان يصوم جميع أفراد المجتمع، فيتشجع الإنسان وينشط للعبادة فيصوم ويصلي التراويح والقيام ويقرأ القرآن، ليسابق في مضمار الخير حتى يغتنم نفحات رمضان فيعمر الساعات والدقائق بل والثواني في طاعة الله·
إقبال النفس
* إقبال النفس: عندما يصوم المسلم تزكو نفسه وتكبح شهوته، ويتفرغ قلبه من كثير من شواغله، فيقبل على الطاعة راضياً راجياً لما عند الله تعالى·
ضعف الشيطان
ضعف الشيطان: في رمضان تصفد الشياطين فيعود العبد إلى حقيقة نفسه دون تأثير من شياطين الجن، فتظهر حقيقته جلية في مرآة الصوم وتتجلى تقواه طوال اليوم ليصل إلى وقت الفطر وقد ثبت له الأجر بإذن الله·
الجوائز العظيمة
الجوائز العظيمة: في رمضان من الحوافز الشيء الكثير، فكل طاعة فيه أجرها مضاعف لشرف الزمان وهو رمضان، مما يشجع العبد على العبادة والبذل والتنوع في مختلف أنواع الطاعات·
أبواب الخير
* كثرة أبواب الخير: فمن الصيام إلى القيام إلى تفطير الصائمين، إلى الصدقة والإحسان للفقراء والمساكين، إلى قراءة القرآن، وغير ذلك من أعمال البر والطاعات التي يقبل عليها العباد في رمضان·
فن الاحتساب
ما أجمل كلام ابن القيم -رحمه الله- في ذلك حيث قال: "أهل اليقظة عاداتهم عبادات، وأهل الغفلة عباداتهم عادات"·
فإن للاحتساب أهمية كبرى في حياة المؤمن للاستزادة من تحصيل الحسنات والأجر عند الله سبحانه وتعالى·
فإليك بعض النقاط التي تعينك بإذن الله على تذكر هذه الفرصة العظيمة·
نية الاحتساب
أن تتذكر نية الاحتساب عند إفطارك وذلك بأن تنوي في قلبك بأنها عبادة مأمور بها وبأن تعجيله سنّة لا لأننا فقط نريد أن نسد نهمة جوعنا وعطشنا فيصبح لك أجر إن شاء الله·
السحور
أن تحتسب أنك بسحورك تعبد الله عزَّ وجلَّ وتستحضر هذه النية أثناء سحورك وأن فيه بركة، وليس أنك تأكل فقط كي لا تتعب خلال النهار أو لكي لا يحصل لك دوار أو إرهاق، وبذلك تحصل على أجرين إن شاء الله·
صلاة التراويح
كذلك في صلاة التراويح أننا لا نصلي لأن جميع الناس يصلون ولأن فيها رياضة للجسم وراحة للمعدة··إلخ، فإنها ليست عادة وإنما هي عبادة نستحضر فيها نية الاحتساب لله -عزَّ وجلَّ- بأن يغفر الله لنا ويجعلها لنا بأجر صلاة الليل ويرحمنا ويعتقنا من النار·
قراءة القرآن
في قراءة القرآن الكريم في رمضان: لتحتسب أن قراءة القرآن الكريم في رمضان هو تعبد منك إلى الله سبحانه وتعالى وتقرب منك إليه كي تفوز بمغفرته ورضوانه في هذا الشهر الكريم، ولكي يتدبر قلبك إيمانه وأحكامه فيزيد إيمانك وتعود وتتوب إلى الله عزَّ وجلَّ، وليس للفوز بعدد الختمات وكميتها وسردها بدون تدبر أو بدون حصول هذه العبودية وبذل
ك تحصل على أجرين·
النوم
النوم: نحتسب ذلك لكي تأخذ أجسامنا قسطاً من الراحة لتواصل عبادتها لربنا وقيامها وصيامها، وليس فقط لحاجتنا الشخصية المجردة للنوم فقط، وبذلك تصبح عبادة ونفوز بأجرين بعكس الذي ينسى نية الاحتساب·
السلف الصالح
لقد سجل سلفنا الصالح في رمضان أروع الصفحات وأعظم الانتصارات، ففيه بدر، وفتح مكة وعين جالوت، وغيرها من البطولات الإسلامية لم يثنهم صيام ولم يقعدهم جوع ولم تؤثر فيهم مشقة، بل كانوا مثالاً في الصبر واليقين حتى حققوا بعون الله النصر لهذا الدين وما زلنا نتفيأ ظلال أعمالهم التي وفقهم الله تعالى إليها حتى يومنا هذا، فحري بالمسلم أن يسير على سيرهم ويقتفي أثرهم ليدخل في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100) [التوبة]·
الصدقة
الصدقة وقاية وحماية، وسلامة وصيانة، قال تعالى: { وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} (22) [الرعد]· وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع عنه ميتة السوء" رواه الترمذي، والامتداد للأثر يتجاوز الدنيا كلها إلى مواقف الحشر والحساب·
فعن عقبة بن عامر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس" رواه أحمد، والقليل من الصدقة له أثره في الوقاية والسلامة فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" رواه البخاري·
والصدقة في رمضان مضاعفة الأجر ولها مزايا وخصائص ليست محصورة في فضيلة وشرف الزمان، بل تتعدى ذلك· عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة صدقة رمضان" رواه الترمذي·
وثمة ربط في النصوص بين الصدقة والصيام كما في الحديث: "الصدقة برهان، والصيام جنة" رواه الطبراني، والجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في الحديث: "إن في الجنة غرفاً ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها فقام أعرابي فقال لمن هي يا رسول الله· قال: لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام" رواه الترمذي، وكل تلك الأوصاف تقع وتكتمل في رمضان، وفي الإنفاق في رمضان اقتداء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد كان في رمضان "أجود بالخير من الريح المرسلة" رواه البخاري·
رمضان دورة تربوية في التغيير
* لماذا كان رمضان دورة تربوية؟
- لأنه من خلاله تتغير حياة المسلم في جميع جوانبها، في أكله وشربه ونومه وعمله·
الخصال وفضائل الأعمال
2- وفي هذا التغيير يتدرب المسلم على كريم الخصال وفضائل الأعمال، فتجده طيب النفس هادئ الطبع سامي الهدف، كريماً عطوفاً حليماً راجياً من الله تعالى القبول·
قوة الإرادة:
يعتاد على قوة الإرادة والتحكم في النفس والالتزام بشرع الله تعالى·
التقوى:
التذوق العملي للتقوى·
النتيجة:
نتيجة الدورة الرمضانية للناجحين
الناجحون:
التقوى:
1 - الحصول على التقوى وتطبيقها عملياً ليتعرف عليها المسلم ويطبقها في بقية أيام العمر·
غفران الذنوب:
2 - يغفر له ما تقدم من ذنبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" صحيح البخاري·
الارتقاء:
3 - الارتقاء في درجات الذاكرين والبعد عن دركات الغافلين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين" سنن أبي داود·
الجوائز الربانية:
4 - الحصول على الجوائز الربانية في رمضان، وهي الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، قال["شهر أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار" وقال صلى الله عليه وسلم "ولله اعتقاء من النار وذلك كل ليلة"·
ليلة القدر
·5- الفوز بقيام ليلة القدر، والتي هي خير من ألف شهر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري·
كيد الشيطان
6- السلامة من كيد الشيطان، حيث تصفد الشياطين في هذا الشهر الكريم قال صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة"·
الصحة في البدن
7- الصحة في البدن بسبب اعتدال الأكل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم "ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" أو كما قال صلى الله عليه وسلم·
العادات السيئة
8- التخلص من العادات السيئة في التدخين، حيث يتركها الصائم ما يقارب اثنتي عشرة ساعة في اليوم، فيكون من السهل عليه التخلص منها لو أنه أراد ذلك فعلاً·
النتيجة الرمضانية للراسبين
1- خسارة التقوى·
2- التردي مع الغافلين·
3- إرغام الأنف: عن كعب بن عجرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: احضروا المنبر فحضرنا فلما ارتقى درجة قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال آمين، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال آمين، فلما نزل قلنا: يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه، قال: إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال: بعداً لمن أدرك رمضان فلم يغفر له قلت آمين، فلما رقيت الثانية قال: بعداً لمن ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين، فلما رقيت الثالثة قال: بعداً لمن أدرك أبواه الكبر عنده أو أحدها فلم يدخلاه الجنة قلت آمين"· (المستدرك على الصحيحين للحاكم)·
وأختتم التحقيق بهذه الوصايا:
إخلاص النية:
1- اخلص نيتك: واستحضر عزيمتك، وزك نفسك، وطهر قلبك، وأجج أشواقك، وأعلن أفراحك·
التوبة:
2- بادر بالتوبة: وأكثر من الاستغفار، وتحل بالإنابة، وأذرف دموع الندامة واستعد لموسم النقاء بغسل الذنوب·
التبكير للصلوات
3- احرص في الصلوات على التبكير وإدراك التكبير، والمواظبة على الرواتب والاستكثار من الرغائب·
قيام الليل
4- خذ حقك من قيام الليل ودعاء القنوت وطول القيام والسجود وارفع دعاء الأسحار واملأ الثلث الأخير بالاستغفار·
إدمان التلاوة:
5- أدمن التلاوة: ورطب لسانك بالقرآن، وانهل من مائدة الرحمن·
صلة الرحم:
6- صل رحمك، وزر أقاربك، واعف عمّن أخطأ، وتجاوز عمّن هفا، وتقرب من جيرانك، وكرر اللقاء بإخوانك، وحض بمزيد من الود والحب والوصل أهلك وزوجك وأبناءك·
برنامج إيماني:
7- اجعل لنفسك مع أهل بيتك برنامجاً إيمانياً لاغتنام الكنوز الثمينة، فجلسة للتلاوة، ورحلة للعمرة ووقت للقيام، وحلقة ذكر، ولا تنس أن في الوقت بركة·
الزكاة:
8- حسب زكاتك، واجمع من زكاة أهلم وأقاربك، واستعن بإخوانك على وضعها في مصارفها، وتوصيلها لمستحقيها، واحرص على أن تبادر وتنافس في الإنفاق·· فهذا ميدان السباق·
