أثر الحج في اكتساب العزة...!
http://samtah.net/vb/uplooaded/21079_11226637306.jpg
أثر الحج في اكتساب العزة
الشيخ/ محمد بن إبراهيم الحمد
العزة خصلة شريفة، وخلة حميدة، وخلق رفيع، وأدبٌ سامٍ تعشقها قلوب الكرام، وتهفو إلى اكتسابها النفوس الكبار.
وإن الإسلام لدين العزة والكرامة، ودين السمو والارتفاع ، ودين الجد والاجتهاد ؛ فليس دين ذلة ومسكنة ، ولا دين كسل وخمول ودعة.
هذا وإن موسمَ الحجِّ لميدانٌ فسيح لاكتساب العزة والتحلي بها، وذلك من وجوه عديدة متنوعة؛ فالحاج على سبيل المثال ينال هذا الخلقَ من جرَّاء حجِّه، وتركه لبعض شهواتِه المباحةِ فضلاً عن المحرمة؛ فتراه يدع النساء، والطيب، والزينة إلى غير ذلك من محظورات الإحرام.
وهذا يبعثه إلى الترفع عن الدنايا ومحقرات الأمور، ويطلقه من أسر العادات وأهواء النفوس.
وينال العزة كذلك من جراء بعده عن الجدال، والمراء، والجهل، والرفث، والصخب، والإساءة إلى الناس؛ امتثالاً لقوله - تعالى -: (الحج أشهرٌ معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج).
وإذا كان الحاج كذلك حفظ على نفسه عزتها وكرامتها، ورفعها عن مجاراة الطائفة التي تلذ المهاترة والإقذاع.
وينال المؤمنُ العزةَ في هذا الموسم العظيم من جراء حجه، وكثرة أعماله الصالحة، وانقطاعه عما سوى الله - تبارك وتعالى - وهذا هو سر العزة الأعظم؛ إذ ينال بسبب ذلك عزةَ نفسٍ، وزيادةَ إيمانٍ، واتصالاً وقرباً من الرحمن (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين).
وينال المسلمون عموماً العزة في الحج؛ بسبب تحقيق الأخوة الإسلامية فيه؛ فالرب واحد، والقبلة واحدة، والمشاعر واحدة، واللباس واحد، والمناسك واحدة، والزمان واحد.
فهذه الأمور وغيرها تجتمع في الحج، وهي مدعاة للإحساس بوَحْدَة الشعور، وموجِبَةٌ للتآخي والتعاون على مصالح الدين والدنيا، وهذا بدوره يضفي على المسلمين عزة، وجلالاً، وهيبة ً، ووقاراً.
وينال المسلم العزة من جراء تَذَكُّره الآخرة؛ فإذا رأى الحاج ازدحام الناس، ورأى بعضهم يموج في بعض وهم في صعيد واحد، وبلباس واحد، وقد حسروا عن رؤوسهم، وتجردوا عن ثيابهم، ولبسوا الأردية والأزر، وتجردوا من ملذات الدنيا ومتعتها - تَذَكَّر يوم حشره على ربه؛ فيبعثه ذلك إلى الاستعداد للآخرة، ويقوده إلى استصغارِه لمتاع الدنيا، ويرفعه عن الاستغراق فيها، ويُكْبِرُ بهمته عن جعلها قبلةً يولي وجهه شطرها حيث ما كان.
وهكذا يستفيد الحاج من هذه الحكمة العظمى درساً يقوده إلى الكرامة، وينأى به عن الذلة والمهانة.
وينال المؤمنون العزة في هذا الموسم كذلك بسبب كثرة إنفاقهم وإحسانهم إلى الفقراء والمعوزين؛ وذلك إما بذلاً مباشراً،أو من خلال الهدايا والقرابين، قال الله - عز وجل-: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر).
فالقانع: هو الفقير الذي لا يسأل؛ تقنُّعاً وتعففاً، والمعتر: هو الفقير الذي يسأل؛ فكل منهما له حق فيها.
وفي ذلك صيانة للوجوه من السؤال، وإنقاذ لكثير من الناس من عوز الفقر، وذلة الحاجة اللذين قد ينجرفان بهم إلى فساد الأخلاق وضيعة الآداب.
وهكذا يتبين لنا أثر الحج في اكتساب العزة سواء للأفراد أو للأمة.
وما أحوجنا، وما أحوج أمتنا إلى هذا الخلق العظيم الذي أرشدنا إليه ديننا، وحثنا على التحلي به، ووجهنا إلى اكتسابه، وبين لنا جميع السبل الموصلة إليه.
ومن مظاهر تربية الإسلام للمسلمين على هذا الخلق - أن وجههم إلى إفراد الله بالمسألة دقت أو جلت، كثرت أو قلت.
ومن ذلك توجيه المسلمين إلى الكسب المباح عن طريق الكدح والعمل، والمشي في مناكب الأرض؛ حتى يعف الإنسان نفسه، ويستغني عن غيره.
كما وجههم في المقابل إلى أن يترفعوا عن مسألة الناس، ونفرَّهم من ذلك الخلق الذميم إلا من كان مضطراً أو متحملاً حمالة ، أو من أصابته جائحة، أو فاقة، أو نحو ذلك.
كما أرشدهم إلى أن اليد العليا خير من اليد السفلى؛ فمنع القادر على الكسب من بسط كفه للاستجداء إذا كان في استجدائه إراقة لماء وجهه.
بل إن من أحكام الشريعة إباحة التيمم للمكلف وعدم إلزامه بقبول هبة ثمن الماء؛ لما في ذلك من المنة التي تنقص حظاً وافراً من أطراف الهمة الشامخة.
بل ومنها عدم إلزام الإنسان باستهابة ثوب يستر به عورته في الصلاة؛ صيانة لضياء وجهه من الانكساف بسواد المطالب.
ومن الأحكام القائمة على رعاية هذا الخلق أن التبرعاتِِ لا تقرر إلا بقبول المتبرع له؛ إذ قد يربأ به خلق العزة عن قبولها؛ كراهة احتمال منتها.
والمنة تصدع قناة العزة؛ فلا يحتملها ذو مروءة إلا في حال الضرورة، ولا سيما منةً تجيء من غير ذي طبع كريم، أو قدر رفيع.
ثم إن الشريعة أرشدت المسلم إذا أخذ المال أن يأخذه بسخاوة نفس؛ ليبارك الله له فيه، ولا يأخذه بإسراف، وهلع، وتعرض، وذلة، وإشراف.
وإذا اتصف المرء بعزة النفس وفُرت كرامتُه، وارتفع رأسه، وسلم من ألم الهوان، وتحرر من رق الأهواء، وذل الطمع، ولم يسر إلا على وَفْقِ ما يمليه عليه إيمانه، والحق الذي يحمله؛ ولهذا تجد أن أشدَّ الناس عزماً ومضاءاً هو أنزههم نفساً، وأبعدهم عن الطمع وجهه.
ثم إن عزة النفس تضفي على صاحبها وقاراً وجلالاً ومكانةً في القلوب؛ وذلك مما تنشرح له صدور العظماء، وإنما يعاب الرجل إذا جعل هذه المكانة غايته المنشودة دون أن يكون الحامل عليها رضا الله، ومن ثمَّ نفع الآخرين.
وكما أن للعزة أثراً في الأفراد فكذلك لها آثارٌ صالحة في الأمة؛ فالأمة التي تُشْرَبُ في نفوسها العزة يشتد حرصها على أن تكون مستقلة بشؤونها، غنية عن أمم غيرها، وتبالغ في الحذر من الوقوع في يد مَنْ يطعن في كرامتها، أو يهتضم حقاً من حقوقها.
هذا شيء من معالم العزة، وأثر الحج في اكتسابها.
وإليكم نبذة من النصوص الشرعية الواردة في شأن العزة .
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بن عباس - رضي الله عنهما -: "إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله"رواه أحمد والترمذي،وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يأخذَ أحدُكم أَحْبُلاً، فيأخذَ حُزْمةً من حطب؛ فيكفَّ الله به وجْهَهُ ـ خيرٌ من أن يسألَ الناسَ أعطي أو منع" رواه البخاري ومسلم.
وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "من يستغنِ يغنِهِ الله، ومن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، ومن يتصبرْ يصبرْهُ الله، وما أعطي أحدٌ عطاءاً أو خيراً أوسع من الصبر" رواه البخاري ومسلم .
وفيهما ـ أيضاً ـ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما يزال الرجلُ يسأل الناسَ حتى يأتيَ يومَ القيامة، وليس في وجههُ مُزْعةُ لحمٍ ".
وفي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سأل الناس، تكثراً فإنما يسأل جمراً؛ فَلْيَسْتَقِلَّ أو ليستكثر".
بل لقد أوصى-عليه الصلاة والسلام- نفراً من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئاً؛ ففي صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- أن لما بايع النبي-صلى الله عليه وسلم-مع طائفة من أصحابه قالوا: فعلام نبايعك؟
قال: "على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا..." وأسر كلمةً خفيةً: "ولا تسألوا الناس شيئاً".
قال عوف: فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوطُ أحدِهم؛ فما يسأل أحداً يناوله إياه.
وعن قَببيصةَ بنِ مخارق الهلالي -رضي الله عنه- قال: "تحملت حَمَالةً، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها فقال: "أقم حتى تأتينَا الصدقةُ؛ فنأمرَ لك بها".
قال: ثم قال: "يا قبيصةُ! إن المسألة لا تَحِلُّ إلا لأحد ثلاثةٍ: رجلٍ تحمَّل حمالةً، فحلَّت له المسألةُ؛ حتى يصيبَها ثم يُمْسِك،ورجلٍ أصابتْه جائحةٌ اجتاحت ماله؛فحلَّت له المسألةُ،حتى يصيب قواماً من عيش-أوقال: أو سِداداً من عيش - ورجلٍ أصابته فاقةٌ حتى يقومَ ثلاثةٌ من ذوي الحِجا من قومه: لقد أصاب فلاناً فاقةٌ، فحلَّت له المسألةُ حتى يصيبَ قواماً من عيش -أو سداداً من عيش-.
فما سواهن يا قبيصةُ سحتاً يأكلها سحتاً" رواه مسلم.
وكما تظافرت نصوصُ الشرع في الثناء على خلق العزة، والحثِّ عليه، فكذلك تتابعت وصايا العلماء والحكماء.
قال وهب بن منبه -رحمه الله- لرجل يأتي الملوك: "ويحك تأتي من يغلق عنك بابَه، ويظهر لك فقرَه، ويواري عنك غناه، وتدعُ من يفتح لك بابَه بالليل والنهار ويظهر لك غناه، ويقول: "ادعني استجب لك"!.
وقال طاووسٌ لعطاءٍ - رحمهما الله -: "إياك أن تطلبَ حوائجك إلى من أغلق دونك بابه، ويجعل دونها حُجَّابَه، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تدعوَه، ووعدك بأن يجيبك".
وقيل لأبي حازم -رحمه الله-: "ما مالُك؟ قال: ثقتي بالله، وإياسي من الناس".
وكتب أمير المؤمنين إلى أبي حازم: ارفع إليّ حاجتك.
قال أبو حازم: "هيهات! رفعت حاجتي إلى من لا يَخْتَزِنُ الحوائجَ؛ فما أعطاني قنعت، وما أمسك عني منها رضيت".
وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام -رحمه الله- إذا قرأ عليه الطالبُ وانتهى يقول: "اقرأ من الباب الذي يليه ولو سطراً؛ فإني لا أحب الوقوف على الأبواب".
وأنشد الإمام أحمد بن يحيى ثعلب -رحمه الله-:
من عف خف على الصديق لقاؤه *** وأخو الحوائج وجهه مبذول
وأخوك مَنْ وفَّرْتَ ما في كيسه *** فإذا استعنت به فأنت ثقيل
ولله در الشيخِ المَكُّوديّ إذ يقول:
إذا عرضت لي في زمانيَ حاجةٌ *** وقد أشكلت فيها عليَّ المقاصدُ
وقفت بباب الله وقفةَ ضارعٍ *** وقلت: إلهي إنني لك قاصدُ
ولست تراني واقفاً عند باب مَنْ *** يقول فتاهُ: سيديْ اليومَ راقد
معاشر المسلمين:
هذه هي العزة،وها نحن في موسم الخير والعزة؛ أفلا نستشعر هذا المعنى من جراء حجنا، وأيامه المباركة، وندرك أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فنلتمس العزة من مظانها،ونسعى لإدراكها، والاتصاف بها؛ فيكون لنا عزٌّ وسرورٌ، وذكر جميل في العاجل، وأجر وذخرٌ وعطاءٌ غير مجذوذ في الآجل؟.
اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
رد: أثر الحج في اكتساب العزة...!
جزاك الله كل خيــــر واسعدك في الدنيا والآخرة
رد: أثر الحج في اكتساب العزة...!
رد: أثر الحج في اكتساب العزة...!
جزاك ا لله خيرا
في ميزان حسناتك ان شاء الله
رد: أثر الحج في اكتساب العزة...!
جزاك الله خير
وبارك الله فيك
ورزقك الفردوس الأعلى
رد: أثر الحج في اكتساب العزة...!
رد: أثر الحج في اكتساب العزة...!
يعطيك العافيه ..
وجزاك الله خير